Language: AR
كان السيد سراج الدين أستاذا محاضرا في كلية في لاهور وكان مسلما ثم تنصر بتأثير احتكاكه بالقساوسة واعتراضاتهم، وحين جاء إلى قاديان في عام 1897 وأقام بضعة أيام بصحبة المسيح الموعود عليه السلام وتكلم معه حول المسائل المختلفة عن الإسلام والمسيحية اقتنع بفضيلة الإسلام من جديد، وبدأ يصلي. ثم حين عاد إلى لاهور وقع في فخ القساوسة من جديد، ثم تنصَّر وأرسل أربعة أسئلة إلى سيدنا المسيح الموعود عليه السلام وطلب منه الرد عليها، كتب حضرته عليه السلام الرد عليها ونشرها في صورة كتيب باسم "الرد على أربعة أسئلة لسراج الدين المسيحي" في 22-6-1897 لفائدة العامة.
صورة غلاف الطبعة الأولى لهذا الكتاب مراجُ الدين عیسائی کے چار سوالون کا جواب 1492 ۲۲ جون مطلع ضیاء الاسلام قادیان مین با تمام تیم فضل ابن حنا قیمت ار کے چیتا تعداد
الثمن: آنتان ترجمة غلاف الطبعة الأولى لهذا الكتاب على أربعة أسئلة لسراج الدين المسيحي ١٨٩٧/٦/٢٢ طبع في مطبعة ضياء الإسلام بقاديان، بإشراف حكيم فضل دين المحترم عدد النسخ: ۷۰۰
الرد على أربعة أسئلة لسراج الدين المسيحي ٣٤٩ نحمده ونصلي قد أرسل إلي سراج الدين المسيحي من لاهور أربعة أسئلة بغية الرد عليها، وأرى من المناسب أن أكتب الرد عليها وأنشره لفائدة العامة، فها أنا أسجل الأسئلة الأربعة مع أجوبتها: السؤال ١ كانت مهمة المسيح وفق عقائد النصارى أن يأتي هذا العالم ليحب بني نوع الإنسان ويضحي بنفسه من أجلهم، فهل حقق مؤسس الإسلام هاتين المهمتين أم لا ، أو هل يمكن التعبير عن هذه المهمة بكلمات أفضل من الحب والتضحية؟ الجواب: ليتضح أنه يبدو أن السائل يقصد في الحقيقة من هذا السؤال أن يقول بأنه كما جاء يسوع المسيح بحسب معتقدات النصارى ليتلقى لعنة ذنوب المذنبين حبا لهم فيُصلب بمقتضى تلك الذنوب، فهل قدَّم القرآن الكريم أي مثال للتضحية اللعينة لنجاة المذنبين أم لا؟ وإذا لم يقدمه فهل قدم القرآن الكريم لنجاة الناس طريقا أفضل منه؟ فليعلم ميان سراج الدين في الرد على هذا السؤال أن القرآن الكريم لا يقدم أي تضحية لعينة بل لا يُجيز في حال من الأحوال أن تُلقى لعنةُ أحد من الناس أو ذنبه على غيره، ناهيك عن تعليق لعنات مئات الملايين من الناس في عنق أحد، فقد قال القرآن الكريم بصراحة
٣٥٠ الرد على أربعة أسئلة لسراج الدين المسيحي لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى لكنني قبل أن أتناول بيان الهدي القرآني المتعلق بمسألة النجاة أرى من المناسب أن أثبت للناس أن مبدأ النصارى هذا خاطئ، ذلك لكي تسهل المقارنة بين تعليم القرآن الكريم والإنجيل على كل من يريدها.فليتضح أن مبدأ النصارى بأن الله دبر لنجاة العالم حبا به بحيث ألقى ذنوب العصاة والكفار والسيئين على عاتق ابنه الحبيب يسوع، فجعله لعينا لتخليص العالم من الذنب، وعلقه على خشبة اللعنة.فهذا المبدأ فاسد من كل النواحي ومخجل، فإذا فحصناه في ميزان العدل تبين لنا أن إلقاء ذنب زيد على بكر ظلم صريح، فالضمير الإنساني لا يقبل البتة أن يطلق سراح المجرم ويعاقب مكانه البريء، أما إذا أمعنا النظر في حقيقة الذنب من منطلق الفلسفة الروحانية فمن هذه الناحية أيضا يتحقق فساد هذه العقيدة، لأن الذنب في الحقيقة سم ينشأ حين يكون الإنسان محروما من طاعة الله والحب الإلهي المتدفق، وحين يكون الحظ.من ذكره بحب وكما أنه إذا اجتثت شجرة من الأرض و لم تعد قادرة على امتصاص الماء من الأرض تبدأ بالجفاف يوما بعد يوم وتتلاشى خضرتها كلها، كذلك هو حال الإنسان الذي يتخلى قلبه عن حب فيستولي عليه الذنب كالجفاف.وهناك ثلاث وسائل في قانون الله للقضاء على هذا الجفاف: (۱) الحب (۲) الاستغفار الذي يعني الرغبة في الدفن والتغطية، لأنه من المأمول أن تخضر الشجرة ما دام أصلها متأصلا في التراب (۳) الوسيلة الثالثة التوبة : أي العودة إلى الله بتذلل وضراعة لامتصاص ماء الحياة والتقرب إليه والخروج من وراء حجاب المعصية بالأعمال الصالحة، وليتضح أن التوبة لا تكون باللسان فقط بل إن كمال التوبة منوط بالأعمال الصالحة، وإن جميع الحسنات تُحرز تكميلا للتوبة، لأن الهدف منها كلها التقرب إلى الله.إن الدعاء عليم الإسراء: ١٦ الله
٣٥١ وينمو الآخر توبة لأننا بذلك نبحث عن القرب الإلهي، ولهذا قد سمى الله الإنسان بعد خلقه ،روحا، لأن راحته الحقيقية وسكينته تكمن في الإقرار بالله الله وحبه وطاعته، كما سماها نفسا لأنه يحب الوصال إلى الله.فإن إنشاء العلاقة بالله بحب كشجرة ثابتة الأصول في أرض البستان هى جنة الإنسان.وكما تمتص الشجرة ماء الأرض وتجذبه إليها وتطرد به موادها السامة، كذلك ينال قلب الإنسان القدرة على طرد المواد السامة من داخله بامتصاص ماء الحب الإلهي، فيتمكن من القضاء عليها بسهولة ويتربى تربية طاهرة بالاتصال بالله كثيرا ويخضر ويزدهر ويُثمر ثمارا طيبة.أما الذي لا يتمسك بالله فهو لا يقدر على امتصاص ماء ينمّي، فسرعان ما يجف تدريجيا، فتسقط الأوراق أخيرا وتظهر الأغصان اليابسة قبيحة المنظر.فلما كان جفاف الذنب ناتجا عن انقطاع العلاقة، فإن الوسيلة البسيطة لدفع هذا الجفاف هي إنشاء العلاقة الوثيقة، وهذا ما تشهد عليه سنن الكون أيضا، وإلى ذلك أشار الله له في قوله: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي الله فالوسيلة للتخلص من الذنب تكمن في حب وعشقه، فجميع الأعمال الصالحة التي تصدر بدافع الحب الإلهي وعشقه تطفئ نار الذنب، لأن الإنسان بإحراز الحسنات لوجه الله فقط يؤكد حبه له ، فإن إيمان المرء بالله الله بحيث يقدمه على كل شيء حتى على حياته، يمثل الدرجة الأولى للحب، وهي تشبه حالة الشجرة حين تغرس في الأرض والدرجة الثانية الاستغفار الذي يعني حرص الإنسان على ألا يفتضح نتيجة ابتعاده عن الله، وهذه الدرجة تشبه حالة ۲ النفس في اللغة تطلق على عين الشيء.الفجر: ۲۸-۳۱ منه
٣٥٢ الشجرة حين تتأصل جذورها في الأرض جيدا، أما الدرجة الثالثة وهي التوبة فتشبه حالة اقتراب جذور الشجرة من الماء فتمصه كالطفل.ففلسفة الذنب تتلخص في نشوئه نتيجة الانفصال عن الله، وإن التخلص منه منوط بإنشاء العلاقة بالله، فما أكبر غباء أولئك الذين يصفون انتحار أحد بأنه وسيلة للتخلص من الذنب.من المضحك أن يشج المرء رأسه شفقة على غيره الذي يعاني الصداع، أو ينتحر ليخلص غيره من الهلاك؛ فلا أعتقد أن يكون في العالم عاقل يعدُّ مثل هذا الانتحار من المواساة الإنسانية.صحيح أن المواساة الإنسانية خصلة رائعة في الإنسان، وتحمُّل الأذى من أجل إنقاذ الآخرين من عمل الشجعان البواسل، لكن السؤال الذي ينشأ هنا هل لتحمّل الأذى طريق وحيد فقط، وهو الذي يُذكر بحق يسوع؟ ليت يسوع اجتنب الانتخار وتحمل الأذى بأسلوب عقلاني كالعقلاء لكان من الممكن أن ينفع الإنسانية.فمثلا إذا كان فقير بحاجة إلى البيت ولا يقدر على دفع أجور البناء، وتقدَّم في هذه الحالة بناء وتحمل المشقة الأيام وبنى له البيت مجانا شفقة عليه، فلا شك أن هذا البناء يستحق من لعدد المدح، ولا شك أنه أحسن إلى مسكين ببنائه بيتا له بالمجان، لكنه لو شجّ رأسه بحجر شفقة عليه فأي فائدة يجنيها ذلك المسكين؟ من المؤسف أن قليلا من الناس في هذا العالم يسلكون مسلكا معقولا في البر والرحمة، فلو كان حقا أن يسوع انتحر في الواقع زعما منه بأن الناس يتخلصون بموته، فإن يسوع جدير بالرحم الكبير، وإن هذا الحادث ليس جديرا بالإظهار بل يجب أن يُكتم.ولو فحصنا مبدأ النصارى هذا من حيث مفهوم اللعنة التي نزلت بيسوع، فنضطر للقول بمنتهى الأسف إن النصارى باتخاذ هذا المبدأ أساءوا إلى يسوع المسيح إساءة لا نعتقد أن أمة من الأمم في العالم قامت بها بحق نبيها أو رسولها؛
٣٥٣ لأن من معتقدات النصارى أن المسيح صار ملعونا حتى لو كان لثلاثة أيام فقط، أما إذا لم نعد يسوع ملعونا فإن مسائل الكفارة والفداء كلها تبطل بحسب عقيدة النصارى، وكأن اللعنة هى العمود الذي يقوم عليه بناء العقيدة المسيحية.أما القول بأن يسوع أرسل إلى العالم حبا ببني جنسه من الناس وضحى بنفسه من أجل بني البشر، فكل هذه الأعمال بحسب عقيدة النصارى لا تفيد المرء إلا إذا اعتقد أن يسوع صار ملعونا أولا بسبب ذنوب العالم، وعلق على خشبة اللعنة ولهذا قد صرحنا فيما سبق أن تضحية يسوع المسيح تضحية لعينة، إذ قد جاءت اللعنة من الذنب واللعنة أدّت إلى الصلب.الآن جدير بالبحث والنقاش: هل يمكن أن نعزو مفهوم اللعنة إلى صالح؟ فليتضح أن النصارى قد ارتكبوا خطأ فاحشا إذ أجازوا إطلاق اللعنة على يسوع، حتى لو كانت لثلاثة أيام فقط أو أقل من ذلك، لأن للعنة مدلولا يخص قلب الملعون، وإن الرجل يسمى لعينا حين ينحرف قلبه عن الله تماما ويعاديه، ولهذا يوصف الشيطان لعينا، ومن ذا الذي لا يعرف أن اللعنة تعني الحرمان من القرب؟ وتستخدم هذه الكلمة بحق إنسان قد انحرف قلبه عن حب وطاعته وصار في الحقيقة عدوا الله، فهذا هو مدلول كلمة اللعنة التي اتفق عليه أهل المعاجم.والآن نتساءل: إن كانت اللعنة قد حلت بقلب يسوع المسيح في الحقيقة فهذا يستلزم أنه كان مورد الغضب الإلهى وأن قلبه كان قد خلا من معرفة الله وطاعته وحبه وأنه كان عدوا الله وكان عدوا له، كما أنه قد تبرأ من الله الله الله وكان الله قد تبرأ منه، كما يقتضي مدلول اللعنة.وهذا يستلزم أن يكون في الحقيقة كافرا بالله في أيام اللعنة ومنحرفا عنه وعدوا له وأن يكون قد نال نصيبا من الشيطان.فمَثَلُ هذا الاعتقاد بحق يسوع جعله أخا الشيطان، والعياذ بالله.
٣٥٤ وفي رأيي لن يرتكب هذا التجاسر بحق نبي صالح إنسان يخشى الله إلا من كان خبيث الطبع ونجسا.الله وحين تبين بطلان كون قلب يسوع المسيح محل اللعنة في الحقيقة فهذا يستلزم الإيمان بأن التضحية اللعينة باطلة وأنها خطة اخترعها الأغبياء.فلو كانت النجاة لا تُنال إلا بعد يسوع شيطانا ومنحرفا عن الله وبريئا منه، فلعنة الله على مثل هذه النجاة!!! فكان حريا بالنصارى أن يتقبلوا الجحيم ولا يصفوا أحد مقربي الله الله بالشيطان، فيا أسفا عليهم كم اعتمد هؤلاء على أمور سخيفة وبذيئة وخبيثة؛ فمن ناحية يصفونه ابن الله ومنه، والمتصل بالله، ومن ناحية أخرى يطلقون عليه لقب الشيطان؛ لأن اللعنة تخص الشيطان، واللعين اسم الشيطان، وأن اللعين هو الذي يأتي من الشيطان ويتصل بالشيطان بل هو الشيطان نفسه.فانطلاقا من عقيدة النصارى كان في يسوع نوعان من التثليث، رحماني وشيطاني، وأن يسوع اقترن بالشيطان-والعياذ بالله- وكان منه، ومن خلال اللعنة نال خواص الشيطان، أعني قد صار عاصيا الله، وبريئا منه وعدوا له! فقل الآن بإنصاف یا میان سراج الدين: هل هذه المهمة التي تنسب إلى المسيح تتصف بطهارة روحانية أو هي معقولة؟ وهل يمكن أن تكون عقيدة في العالم أسوأ من أن يصف المرء، من أجل نجاته، صادقًا عدو الله وعاصيه وشيطانا؟ فأي حاجة طرأت على الله القادر المقتدر الرحيم والكريم إلى هذه التضحية اللعينة؟ ثم عندما نفحص هذه المسألة في ضوء مبدأ إن كان اليهود قد علموا أو أُخبروا عن التضحية اللعينة أم لا، يتبين لنا بطلانها أكثر، لأن من الجلي البين أنه إذا كان الله الا الله لا يملك غير وسيلة واحدة لنجاة الناس بأن يكون له ابن وحيد يتلقى لعنة جميع المذنبين ثم يتقدم للتضحية اللعينة ويُصلب بموجبها، فكان من
٣٥٥ الضروري أن تكون هذه التضحية اللعينة مذكورة في التوراة والأسفار الأخرى التي بحوزة اليهود، لأنه لا يقبل أي عاقل أن تتبدل سنة الله التي وضعها من الأزل إلى الأبد لنجاة الناس فتكون مختلفة في زمن التوراة والإنجيل والقرآن والأنبياء الآخرين الذين ظهروا في مختلف بقاع العالم.الآن حين ننظر بنظرة الباحث والمفتش نرى أن تعليم التضحية اللعينة غير وارد في التوراة وأي من أسفار اليهود، وقد أرسلنا رسائل في هذه الأيام إلى كبار علماء اليهود الأفاضل وسألناهم مستحلفين بالله أن يفيدونا ما هو التعليم الذي أوتوه في التوراة والأسفار الأخرى بخصوص النجاة، فهل عُلِّمتم الإيمان بكفارة ابن الله وفدائه أم أن هناك تعليما آخر؟ فردّوا أن تعليم التوراة بخصوص النجاة يطابق تعليم القرآن تماما، أي الرجوع الحقيقي إلى الله والاستغفار وطلب العفو عن الذنوب، وإحراز الحسنات لوجه الله ابتعادا عن الثوائر النفسانية، والعمل بحدود الله وقوانينه، والاستجابة لأوامره ووصاياه باهتمام كبير وتحمل المشقة، فهذه هي وسيلة النجاة التي ذكرت في التوراة مرارا وتكرارا، وحت أنبياء الله المقدسون على التمسك بها على الدوام ونزلت العذابات بسبب ترك العمل بها.ولم يكتف هؤلاء الفضلاء من اليهود بإرسال الرد في رسائل مفصلة، بل قد أرسلوا إلى الكتب النادرة الفذة لفضلاء باحثيهم التي تناولت هذا الموضوع بإسهاب، وهي ما زالت موجودة عندي والرسائل أيضا، فمن أراد أن يراها فأنا جاهز لأريه، وأنوي أن أسجل كل هذه الوثائق في كتاب مفصل.الآن يجب أن يتأمل كل عاقل بمنتهى الإنصاف وصفاء القلب أنه لو كان حقا أن الله اتخذ يسوع المسيح ابنا له وحمله لعنات غيره وجعله وسيلة نجاة الناس من خلال التضحية اللعينة وأن اليهود تلقوا هذا التعليم حصرا؛ فلأي سبب أخفى اليهود هذا التعليم إلى اليوم وعارضوه بإصرار.وهذا الاعتراض
٣٥٦ يتقوى أكثر عندما نلاحظ أن أنبياء كثيرين قد بعثوا في اليهود لتجديد التعليم، وأن موسى ال بين تعليم التوراة أمام مئات الألوف من اليهود؛ فكيف يمكن أن ينسى اليهود التعليم الذي جدده الأنبياء على التوالي؟ مع أنهم قد أمروا بأن يكتبوا أحكام الله ووصاياه على عتباتهم وأبوابهم وأكمامهم ويعلموها أولادهم ويحفظوها عن ظهر قلب.فهل يمكن أن يفهم المرء أو يشهد ضمير أحدهم الطاهر أن ينسى جميع فرق اليهود هذا التعليم الرائع الجميل الذي كان يتوقف عليه نجاتهم رغم وسائل الحفظ هذه؟ إن اليهود على مر التاريخ ظلوا يقولون و لم يقولوا اليوم فقط، إن التوراة علّمت وسائل النجاة نفسها التي علمها القرآن الكريم، فقد بهذه الشهادة نفسها في زمن نزول القرآن الكريم وإلى الآن يشهدون بذلك.وبهذا المضمون قد وصلتني رسائل وكتب منهم، فلو كان اليهود علموا الإيمان بالتضحية اللعينة لنيل النجاة فلا ندرك لماذا أخفوا هذا التعليم كله.صحيح أنه كان من المحتمل أن لا يؤمنوا بأن يسوع المسيح هو ابن لله وأن لا يعدُّوا صلبه صلب الابن الحقيقي الله الله، فيقولوا إن الابن الحقيقي الذي بفدائه سينجو العالم ليس هذا بل سوف يظهر في زمن ما في المستقبل.ولم يكن من الممكن في حال من الأحوال أن ترفض جميع فرق اليهود هذا التعليم أصلا الذي كان موجودا في كتبهم وجدده أنبياء الله الأطهار على الدوام، فاليهود وعلماؤهم الأفاضل ما زالوا موجودين وإن كتبهم أيضا متوفّرة، وإذا كان أحد يشك فيما أقول فليسألهم وجها لوجه، أفليس العاقل الباحث عن الحق بحاجة في الحقيقة إلى أخذ شهادة من اليهود في هذه المسألة.أوليس اليهود هم أول الشهداء الذين حفظوا تعليم التوراة على مدى مئات السنين؟ فاتخاذ العبد الضعيف إلها لا تشهد عليه الكتب السابقة ولا ورثة هذه التعاليم ولا يشهد عليه التعليم الذي جاء بعده ولا العقل.فهل من عمل سليمي
٣٥٧ الفطرة تأليه هذا الإنسان وشيطنته في الوقت نفسه والإيمان بهذه الأمور القذرة وغير المعقولة؟! ثم عندما نفحص هذه العقيدة من منظور استفادة المؤمنين بعقيدة هذه التضحية المؤدية إلى اللعنة مع معارضتها لتعليم التوراة الذي ورثه اليهودُ من القديم، وإلقاء ذنب المذنب على غيره وعد قلب الصادق لعينا ومنحرفا وبعيدا عن الله الله و وصاحب أفكار الشيطان؛ نتساءل ما الذي استفادوه منها مع كل هذا الفساد؟ فهل امتنعوا عن ارتكاب الذنب أو هل قد غفرت ذنوبهم؟ فيثبت سخفُ هذه العقيدة أكثر، لأن الامتناع عن الذنب والفوز بالطهارة الصادقة ينافي الحقائق الثابتة ببداهة، لأنه بموجب العقيدة المسيحية كان داود العلة أيضا قد آمن بكفارة يسوع لكنه مع ذلك الإيمان قد قتل بريئا، بحسب قول النصارى والعياذ بالله، وزنى بأرملته وأنفق أموال خزينة الدولة على اتباع الشهوات النفسانية وتزوج مائة امرأة وظل يجدد ذنوبه إلى آخر أيام حياته، وظل كل يوم يرتكب الذنب بمنتهى التجرؤ.فلو كانت التضحية اللعينة ليسوع تمنع من الذنب لما انغمس داود على حد قولهم في الذنب لهذا الحد.وكذلك تورطت ثلاث جدات ليسوع في ذنب الزنا الشنيع، فمن البين الجلي أنه لو كان الإيمان بالتضحية اللعينة ليسوع يحقق الطهارة الباطنية لاستفادت منه جدات جداتُ يسوع وما اقترفن هذا الذنب المخجل.وكذلك صدرت الذنوب الشنيعة من حواربي يسوع بعد الإيمان إذ قد باعه يهوذا الاسخريوطي مقابل ثلاثين من الفضة ولعنه بطرس واقفا أمام وجهه ثلاث مرات وهرب البقية كلهم، وواضح أن لعن النبي ذنب كبير.أما الزنا الذي يلاحظ في أوروبا في العصر الراهن وتعاطي الخمور فغني عن البيان.وقد سبق أن سجلنا في أحد الأوراق نقلا عن الجرائد الأوروبية عن زنا بعض القساوسة
٣٥٨ الأجلة.ومن كل هذه الأحداث يثبت بصراحة أن هذه التضحية اللعينة لم تستطع منع النصارى من الذنب.والجانب الثاني لهذه المسألة أنه إذا كانت هذه التضحية اللعينة لا تمنع من صدور الذنوب فهل تُغفر بها جميع الذنوب دوما؟ فكأن هذه التضحية اللعينة وصفةٌ تمكّن وقحًا من القتل بغير حق أو السرقة أو إلحاق الضرر بمال غيره أو روحه أو شرفه من خلال الإدلاء بالشهادة المزورة أو غصب مال أحد، ثم بإيمانه بهذه التضحية اللعينة يستطيع هضم حقوق العباد.وكذلك يستطيع النجاة من العقاب الإلهي الشديد وإن داوم على الزنا بمجرد الإقرار بالتضحية اللعينة.فالواضح أن ذلك ليس صحيحا، بل إن اللجوء إلى هذه التضحية اللعينة بعد ارتكاب الجرائم من عمل الوقحين الأنذال، ويبدو أن فزعا كان يختلج قلب بولس أيضا أن هذا المبدأ ليس بصحيح، ولذلك يقول: إن فداء يسوع هو من أجل الخطيئة الأولى الموروثة ولن يُصلب يسوع مرة أخرى.لكنه بقوله هذا تورط في مشاكل عويصة، لأنه إذا كان صحيحا أن تضحية يسوع اللعينة كانت للذنوب السابقة فقط فسيعدُّ داود مستحقا النبي الأبدية والعياذ جهنم بالله، لأنه بحسب قول النصارى زنى بامرأة أوريًا أولا ثم أبقاها في بيته طول من أمهات تعد الحياة دون الإذن الإلهي، وهي مريم ومن ثم الجدة المقدسة ليسوع، كما تزوج مائة امرأة أيضا، ولم يكن يجوز له ذلك بحسب قول هذا القول ذكره المسيح الموعود الليلة بالمعنى، ومرجعه هو: (الرسالة إلى العبرانيين ٦: ١-٦ ومدلوله أن الذين يسقطون في الخطية من بعد أن يؤمنوا بفداء المسيح ويكررونها لا يمكنهم الاستفادة من فداء المسيح من بعد؛ لأن ذنوبهم الجديدة ستستلزم أن يصلب المسيح مرة أخرى، وهذا لن يحدث لذلك هم بأعمالهم السيئة يستحقون نار الحريق كما تحرق الأشواك والأعشاب الضارة.(المترجم)
جهنم ٣٥٩ النصارى، فذنبه لم يكن مرة واحدة بعد إيمانه المزعوم بالفداء) إذ قد ارتكبه مرارا وكان يكرره كل يوم.فإذا لم تقدر التضحية اللعينة على التخليص من الذنب فلا شك أن الذنوب تصدر من عامة النصارى أيضا، كما يلاحظ ارتكابها الآن ،أيضا فإن اقترافهم الذنب مرة ثانية بموجب مبدأ بولس غير قابل للعفو وعقوبته جهنم الأبدية، ففي هذه الحالة لا تثبت نجاة أي من النصارى من الأبدية.ولا داعي للذهاب بعيدا فلينظر ميان سراج الدين مثلا إلى أوضاعه الشخصية؛ إذ قد تعمَّد بالتضحية اللعينة بإيمانه بألوهية ابن مريم، ثم جاء إلى قاديان وأسلم من جديد وأقر بأنه تسرع في التعمد والتنصر وظل يصلي واعترف أمامي مرارا بأن حقيقة سخف عقيدة الكفارة تبينت له وأنه يراها باطلا، ومع ذلك وقع في فخ القساوسة بعد عودته من قاديان وتنصر، فليفكر الآن ميان سراج الدين نفسه أنه حين كان قد ارتد عن الدين المسيحي بعد تعمّده وتصرف خلافه قولا وفعلا، فهذا في ضوء المعتقدات المسيحية ذنب كبير صدر منه مرة ثانية، وهذا الذنب بحسب قول بولس غير قابل للمغفرة لأنه يتطلب صلبا آخر.وإن قلتم إن بولس أخطأ أو كذب وأن الحقيقة أن الذنب لا يبقى ذنبا بعد الإيمان بالتضحية اللعينة، فمهما تسرقوا أو تزنوا أو تقتلوا بغير حق أو تكذبوا أو تخونوا أو ترتكبوا أي ذنب آخر فلن تؤاخذوا عليه؛ فمثل هذا الدين ينشر الخبث والنجاسة وسيتحتم على الحكومة المعاصرة أن تأخذ الضمانات والتعهدات من المتمسكين بمثل هذا الدين.وإذا قدمتم من جديد الفكرة القائلة بأن المؤمن بالتضحية اللعينة يحرز الطهارة الحقة ويتخلص من الذنب، فقد فندناها فيما سبق وأثبتنا أنها ليست صحيحة، وقد سجلنا قبل قليل ذنب النبي داود وذنوب جدات يسوع وذنوب الحواريين وذنوب القساوسة الأفاضل،
٣٦٠ ويعرف جميع أهل الخبرة أن أوروبا في هذه الأيام تحتل المركز الأول في ارتكاب المعاصي والذنوب، وإذا قدم مثال الحياة الطاهرة لأحد على سبيل الافتراض فلا يثبت أن حياته في الحقيقة تطهرت، فالكثيرون من الوقحين آكلي الحرام والزناة والديوثين ومدمني الخمور والكافرين بوجود الله يمكن أن يقدموا الحياة الطاهرة في الظاهر ، لكنهم من الداخل كالقبور التي لا تحتوي إلا جيفة منتنة وعظاما رميما.شعب ثم إن هذا الزعم أيضا في غير محله بأن جميع أفراد شعب ما صالحون بطبعهم أو وقحون بطبعهم، بل إننا نلاحظ أن قانون الله الله قد حول هذا الحق لكل أن يدعي بأنه إذا كان فيهم بعض الناس سيئو الخلق بطبعهم وأشرار بطبعهم وسيئو الطوية وسيئو الأعمال، فهناك أناس آخرون مقابلهم مساكين القلوب بطبعهم ومتخلقون بأخلاق نبيلة وذوو سيرة طيبة ويعملون أعمالا حسنة أيضا، ولا يُستثنى من سنة الكون هذه الهندوس ولا المجوس ولا اليهود ولا السيخ ولا أتباع بوذا، حتى إن هذه السنة تشمل الطبقات الدنية الوضيعة في المجتمع، وقدر ما يتقدم الناس تحضُّرا ودمائة ويتصبّغ مجتمعهم بصبغة العز والعلم والوقار يزداد سليمو الطبع منهم طهارة وصلاحا ويذيع صيتهم أكثر ويقدمون أسوتهم بلمعان بارز.فلو لم يكن بعض الناس من كل شعب سعداء بفطرتهم لما تولدت فيهم هذه السعادة بعد تبديلهم الدين، لأن فطرة الله لا تتبدل، وإذا كان هناك جائع وظامئ للصدق الحقيقي فلن يجد بدا من الإقرار بأن هذا التقسيم قد حصل في الطبائع من الله قبل وجود الدين بحيث يستولي على بعض الطبائع الحلم والحب وعلى بعضها الآخر العنف والغضب، وأن الدين يعلم المرء أن يتوجه إلى الله بالحب والطاعة والصدق والوفاء- الذي يُبديه عابد صنم أو إنسانٍ
الله ٣٦١ للمخلوق في صورة العبادة - ويُري هذه الطاعة الله.أما السؤال عن تأثير الدين في القوى الإنسانية، فالإنجيل ساكت عن هذا السؤال لأنه بعيد عن سبل الحكمة، لكن القرآن الكريم يردّ على هذا السؤال مرارا ردا مفصلا، أنه ليس من مهمة الدين أن يبدل القوى الفطرية للإنسان فيجعل الذئب عنــزا، وإنما الغاية المنشودة من الدين أن يرشد الإنسان إلى استخدام القوى والكفاءات التي يملكها بالفطرة في محلها وبحسب مقتضى الوضع.فليس من صلاحيات الدين أن يبدل القوة الفطرية، غير أن مهمته أن يوجه لاستخدامها في المحل المناسب ولا يركز على قوة واحدة مثل الرحم والعفو، بل ينبغي أن يوصي باستخدام جميع القوى لأنه ليس من بين القوى الإنسانية أي قوة سيئة، وإنما السيئ الإفراط والتفريط وسوء الاستخدام، وإن الذي يلام فلا يلام لمجرد وجود القوى الفطرية وإنما يستحق اللوم على سوء استخدامه لها.باختصار؛ إن الوهاب قد قسم القوى الفطرية على كل شعب على السواء؛ فكما وهب لجميع أفراد جميع الشعوب الأنف والعين والفم واليدين والقدمين وغيرها من الأعضاء، كذلك وهب للجميع القوى الباطنية أيضا، وفي كل شعب أناس طيبون وسيئون أيضا نظرا للاعتدال أو الإفراط أو التفريط.أما كونُ أي شعب جيدا بسبب تأثير دينهم فيهم أو حسبان الدين سبب دماثة أيّ أمةٍ، فلن يتحقق إلا إذا تمكن بعض أتباع ذلك الدين الكمّل من إحراز كمال روحاني يتعذر نظيره في الأديان الأخرى.فها أنا أعلن بكل قوة أن الإسلام يتميز بهذه الميزة، فقد مكن الإسلام ألوفا مؤلفة من الناس من الحياة الطاهرة السامية لدرجة نستطيع عندها القول إن الله تعالى تسكن فيهم، وقد نشأ فيهم نورُ القبول وكأنهم مظاهر تجليات الله، ولقد ظهر هؤلاء الناس في كل ،قرن وإن حياتهم الطاهرة ليست بدون روح
٣٦٢ الرد على أربعة أسئلة السراج الدين المسيحي دليل وليست مجرد ادعاء باللسان، بل قد ظل الله الله يشهد على أن حياتهم طاهرة.وهي لا يغيين عن البال أن الله له عقد بين في القرآن الكريم علامة الحياة الطاهرة، أن الخوارق تظهر من مثل هذا الإنسان، وأن الله يجيب أدعيتهم ويكلمهم ويُظهر عليهم الغيب قبل الأوان ويؤيدهم، فنحن نلاحظ الآلاف من هذا القبيل في تاريخ الإسلام.ولتقديم المثال في هذا العصر فإن هذا العبد المتواضع موجود، وأين المسيحيون الذين يحوزون هذا الكمال؟ وفي أي بلد يسكن الذين يستطيعون إثبات إيمانهم الحقيقي وحياتهم الطاهرة بحسب العلامات التي بينها الإنجيل للمؤمن؟ فكل شيء يُعرف بعلاماته كما تُعرف الشجرة بثمارها، أما إذا كانت هناك مجرد دعوى بالحياة الطاهرة دون أن تُثبتها العلامات الواردة في الكتب فهذه الدعوى باطلة.ألم يذكر الإنجيل علامات ما للإيمان الصادق الحقيقي؟ ألم يذكر هذه العلامات الخارقة للعادة؟ فإذا كانت علامات المؤمنين الصادقين واردةً في الإنجيل فيجب اختبار كل مسيحى يدعى الحياة الطاهرة بحسب العلامات الواردة في الإنجيل، فجربوا مقارنة قسيس عظيم مسلم عادي في النور الروحاني والقبول، ثم إذا وُجد حظ من النور السماوي في ذلك القسيس مقابل ذلك المسلم العادي فنحن نستحق كل عقوبة، ولهذا قد نشرتُ عدة مرات إعلانا في هذا الخصوص مقابل النصارى وإنني أقول صدقا وحقا، وإن ربي شاهد على أنه قد تبين لي أن الإيمان الحقيقي والحياة الطيبة الحقيقية التى تنال بالنور السماوي لا تُكسب إلا بالإسلام وإن الحياة الطيبة التي كسبناها ليست مجرد التباهي باللسان، بل إن الشهادات السماوية تشهد عليها.فيستحيل أن تثبت طهارة حياة أحد من الناس إلا بشهادة سماوية.ولا نستطيع أن نطلع على النفاق الخفي لأحد وعدم إيمانه.لكنه إذا وجد في قوم ما أطهار
٣٦٣ القلوب ذوو شهادة سماوية، فسيعد بقية أفراد القوم الذين يحوزون الحياة الطاهرة في الظاهر أيضًا أطهارا.لأن القوم في حكم شيء واحد.ويثبت من نموذج واحد فقط أن هذا القوم يمكن أن ينال الحياة السماوية الطاهرة.وبناء على ذلك قد نشرت إعلانا حاسما مقابل النصارى، فلو كانوا طالبي حق لتوجهوا إليه، وإنني أقول الآن أيضا إن النصارى يدعون الإيمان والحياة الطاهرة والمسلمون أيضا.فالأمر الجدير بالنقاش الآن أن تثبت أن إيمان أي من هذين الحزبين مقبول عند الله وحياة أي منهما طاهرة في الحقيقة؟ وإيمان أي منهما مجرد أفكار الشيطان وأن دعواه بالحياة الطاهرة مجرد انخداع العُمي.فالإيمان الذي يتمتع بشهادات سماوية وتُلاحظ فيه آثار القبول هو وحده صحيح ومقبول في رأبي، والحياة الطاهرة فعلا هي تلك التي تتمتع بعلامات سماوية؛ فإن كان مجرد الدعوى مقبولا فكل شعب في العالم يدعي بأن كثيرا من أصحاب الحياة الطاهرة العظام قد خلوا فيهم وما زالوا موجودين.بل هم يقدمون أعمالهم وأفعالهم التي يصعب علينا الحكم على حقيقتهم الداخلية منها.فإذا كان النصارى يزعمون أن الإيمان الطيب والحياة الطيبة تنال بالإيمان بالكفارة، فعليهم أن يخرجوا إلى الميدان لمبارزتي في قبول الدعاء وإظهار الآيات الخارقة، فلو ثبتت طهارة حياتهم من خلال إظهار الآيات السماوية فسأكون جديرا بكل عقوبة ومستحقا كل ذلة وهوان.إنني أقول بكل قوة بأن حياة النصارى الروحانية قذرة ووسخة جدا، وذلك الإله القدوس الذي هو إله السماوات والأرض، ليشمئز من معتقداتهم كما نشمئز من الجيفة العفنة النتنة.وإن كنت كاذبا في بياني هذا وإن لم يكن الله يوافقني في قولي فلكم أن تحكموا منه.إن بيان قصة من الماضي هنا عبث ولغو، بل يجب تقديم الأحداث المعاصرة في المقابل.
٣٦٤ معي بهدوء ورفق.أقول مرة أخرى إن النصارى لا يتمتعون أبدا بالحياة الطاهرة التي تنزل من السماء وتُنوّر القلوب، وإنما يتمتع بعضهم كما قلت بالسعادة الفطرية كالشعوب الأخرى، لكنني لا أناقش هنا السعادة الفطرية إذ أمثال هؤلاء البسطاء والنبلاء موجودون في كل شعب بأعداد متفاوتة، ولا تخلو منهم حتى الطبقات الرذيلة والدنية؛ وإنما أتكلم عن الحياة السماوية الطاهرة التي تكسب من كلام الله الحي، وتنزل من الحي، وتنزل من السماء وتتمتع بآيات سماوية، فهي مفقودة في النصارى.إذن فليفهمنا أحد ما فائدة التضحية اللعينة؟ الآن بعد بيان هذا الطريق للنجاة الذي ينسبه المسيحيون إلى يسوع ينشأ السؤال طبعا هل كانت مهمة نبينا أيضا تقديم الحب اللعين والتضحية اللعينة لطهارة الإنسان ،ونجاته أم أنه قدم طريقا آخر؟ فجوابه أن ذيل الإسلام منزه تماما من هذا الطريق النجس ،والقذر، فهو لا يقدم أي فكرة للتضحية اللعينة ولا الحب اللعين، بل قد علَّمنا أن نقدم تضحية طاهرة بأنفسنا لإحراز الطهارة الصادقة التي هي مغسولة بمياه الإخلاص وتم تنظيفها بنار الصدق والصبر كما يقول : بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أي إن الذي يرتمي على عتبات الله ونذر حياته في سبله ونشط في إحراز الحسنات فسوف ينال أجره من نبع القرب الإلهي، ولن يخاف أمثال هؤلاء ولن يحزنوا..أي إن الذي وظف جميع كفاءاته في سبيل الله فصار قوله وفعله وحركته وسكونه وحياته كلها خالصة لوجه الله، ونشط في كسب البر الحقيقي، فسوف يهب الله له أجرا من عنده وينجيه من الخوف والحزن.البقرة: ١١٣
٣٦٥ واعلموا أن كلمة الإسلام الواردة هنا قد سماها القرآن الكريم في موضع آخر الاستقامة، كما علمنا دعاءَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أي ثبتنا على طريق الاستقامة، طريق الذين نالوا منك النعم وفتحت عليهم أبواب السماء.فليتضح أن وضع استقامة كل شيء يتحدد نظرا للهدف المنشود منه، وإن الغاية المنشودة من خلق الإنسان أنه خُلق من أجل الله.فوضع الاستقامة الإنسانية أن يكون الله الله في الحقيقة كما خلق للطاعة الدائمة، وعندما يكون الله بجميع قواه وكفاءاته فمن المؤكد أنه سينعم عليه، هذا بتعبير آخر هو الحياة الطاهرة.فكما تعرفون أنكم حين تفتحون النافذة تجاه الشمس فإن أشعة الشمس تدخل من خلالها، كذلك حين يستقيم الإنسان إلى الله له ولا يبقى بينهما أي حجاب فعندئذ تنزل عليه فجأة شعلة نورانية لتنوره، وتغسل جميع أقذاره وأدرانه الداخلية، فينقلب إنسانا جديدا، ويظهر فيه تغيير عظيم، وعندئذ يقال إن هذا الرجل نال الحياة الطاهرة.وإن مكان الحصول على هذه الحياة الطاهرة هي الدنيا كما يشير الله جل شأنه في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ أي من كان أعمى في هذه الدنيا وحُرم من نور لرؤية الله فسيكون أعمى في الآخرة أيضا.باختصار؛ إن الإنسان يأخذ معه الحواس لرؤية الله الآخرة - من هذه الدنيا، وإن الذي لم يكسب هذه الحواس وكان إيمانه مبنيا سبيلا في على القصص والأساطير فحسب، فسوف يقع في الظلام الدائم.فغاية القول إن الله قد علمنا - لإحراز الحياة الطاهرة ونيل النجاة الحقيقية- أن نصير له كليا، ونخرّ على عتباته بوفاء صادق ونبتعد عن وقاحة اتخاذ المخلوق إلها، حتى لو قُتِلنا ومزقنا كل ممزق، وأضرمت فينا النار، وأن نؤكد إيماننا بالله بسفك الإسراء: ۷۳
٣٦٦ دمائنا، ولهذا سمى الله لها ديننا الإسلام لكي يشير إلى أننا خررنا على عتبات الله مستسلمين، وإن قانون الطبيعة يشهد بجلاء على أن الطريق الذي بينه القرآن الكريم لنيل الطهارة والنجاة الحقيقية هو نفسه مسلوك في العالم المادي أيضا؛ إذ نلاحظ يوميا أن جميع الحيوانات والنباتات تمرض بسبب الغذاء السيئ وفقدان الغذاء الطيب، وإن علاجها في الطبيعة أن تُهيَّاً الأشياء الطيبة للغذاء وتُقطع الرديئة.انظروا إلى الأشجار مثلا كيف تتصف بصفتين للمحافظة على الصحة، إحداهما أنها تدفن جذورها في الأرض وتعمقها لكي لا تحفّ الانفصال والثانية أنها تمتص مياه الأرض من خلال شُعيرات جذورها، وهكذا تنمو؛ وهذه الطريقة نفسها قد حددتها الطبيعةُ للإنسان، أي إنه ينجح ويفوز حين يتمسك بالله بصدق وثبات، ويعمق جذوره في حب الله بالاستغفار ثم يجذب إليه الماء الرباني بواسطة شعيرات التواضع والتذلل منيبا إليه بالتوبة قولا وفعلا، وهكذا يجعل الماء يسيل إليه فيزيل الضعف وجفاف الذنب.بسبب وإن الاستغفار، الذي تتقوى به جذور الإيمان، ورد في القرآن الكريم على معنيين: الأول: ترسيخ حب الله في القلب- من خلال الصلة به - وردع صدور الذنوب التي تثور في حالة الابتعاد عنه تعالى، وطلب العون من الله تعالى من خلال التفاني فيه.هذا هو استغفار المقربين الذين يعدّون الانفصال عن الله هلاكا ولو لطرفة العين.إنهم يستغفرون ليثبتهم الله على حبه.والنوع الثاني من الاستغفار هو التخلص من الذنوب والفرار إلى الله والسعي لترسيخ حب الله في القلب كالشجرة الثابتة في التربة، وذلك لكي يتربى المرء تربية طيبة، فيجتنب جفاف الخطيئة والهلاك.
٣٦٧ سُمّي هذان النوعان بالاستغفار لأن لفظة (غفر)، التي منها تشتق كلمة الاستغفار، تعني (التغطية) والستر وبكلمات أخرى، فإن الاستغفار يعني الرجاء من الله أن يستر خطايا العبد المستغفر الذي يظل متفانيا في حب الله تعالى، وألا يسمح لجذور الطبيعة البشرية بالانكشاف، بل يغطيها في رداء ألوهيته ويعطيه نصيبا من قدوسيته.ولو أن جذرًا ما قد كشف أية خطيئة، فالمرجو منه الطيبة هو بسب تعالى أن يستره ثانية ويُنقذه من نتائج انكشافه.ولما كان الله هو مبدأ الفيوض، ونوره مستعد دائما لتبديد كافة أنواع الظلمة؛ فالصراط المستقيم لإحراز الحياة أن نمد يدينا كلتيهما باتجاه نبع النقاء هذا خوفًا من هذه الحال المريعة، راجين أن يتدفّق هذا النبع باتجاهنا بقوة ويكتسح جميع النجاسات دفعة واحدة.وليس هناك تضحية أكبر لإرضاء الله من أن نقبل الموت لأجله وأن نخر على عتباته.قد علمنا الله هذه التضحية فقط، فيقول : لَنْ تَنَالُوا حتى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ أَي لا تستطيعون إحراز البر الحقيقي ما لم تنفقوا في سبيل الله كل ما تحبون.فهذا هو الطريق الذي علمناه القرآن الكريم، وإن الشهادات السماوية تنادي بأعلى صوتها بأن هذا هو الطريق القويم فقط، وإن العقل هو الآخر يشهد على ذلك، فالأمر الذي ثبت بشهادة الشهود فلا ينافسه أمر لا يتمتع بأي شهادة.إن يسوع الناصري سلك مسلك التعليم القرآني فأنعم الله عليه، وكذلك كل من سيسترشد بهذا التعليم الطيب فسيصبح كيسوع، فهذا التعليم الطاهر جاهز لجعل الآلاف عيسى المسيح كما سبق أن جعل مئات الألوف.نحن نسأل السادة القساوسة بمنتهى الأدب والرفق ما هو التقدم الروحاني الذي أحرزتموه باتخاذ الإنسان الضعيف المسكين إلها، فإذا أثبتم ذلك التقدم ۱ آل عمران: ۹۳
٣٦٨ فنحن مستعدون لنيله، وإلا تعالوا أيها الأشقياء عبدةَ المخلوق ولاحظوا تقدُّمنا وأسلموا! أفليس من الإنصاف، أن الذي يتمتع بالشهادة السماوية على حياته ومعرف رفته الطيبة وحبه الطاهر هو وحده الصادق، وأن الذي لا يملك غير المقدسة القصص والأساطير فقط فذلك الشقي كاذب وآكل النجاسة؟ السؤال :٢ إذا كان هدف الإسلام إعادة الناس إلى التوحيد فما سبب الجهاد في صدر الإسلام ضد اليهود الذين لا تُعلّم كتبهم غير التوحيد؟ أو لماذا يعد اعتناق الإسلام ضروريا لنجاة اليهود أو المؤمنين بالتوحيد في العصر الحاضر ؟ الجواب: فليتضح أن اليهود في زمن نبينا كانوا قد ابتعدوا كثيرا عن هدي التوراة، صحيح أن كتبهم كانت تحوي التوحيد الإلهى غير أنهم لم يكونوا ينتفعون منه، وكانوا قد أضاعوا الغاية التي من أجلها خُلق الإنسان ونزلت الكتب، فالتوحيد الحقيقي أن يؤمن الإنسان بأن الله موجود وأنه أحد، ثم ينشغل في طاعة ذلك الإله الكامل والمحسن ونيل رضوانه، ويتفانى في حبه.فلم يكن فيهم هذا التوحيد العملي، وكانت عظمة الله وجلاله قد ارتفع من قلوبهم، بحيث كانوا يذكرون الله بألسنتهم بينما كانت قلوبهم تعبد الشيطان، وكانوا قد تجاوزوا حدود حب الدنيا وطلبها والمكر والخداع، فكانوا يعبدون الزهاد والرهبان وكانت تصدر منهم أعمال مخجلة جدا، فكانوا يراعون كثيرا وكثرت فيهم أعمال المكر والغش، فالواضح أن التوحيد ليس مجرد أن تقول بلسانك "لا إله إلا الله" وتُخفي في قلبك مئات الأوثان، بل إن كلّ من يعظم أي فعل له وتدبيره وخطته ودهاءه بقدر ما يجب أن يعظم الله، أو يعتمد على شخص آخر بقدر ما ينبغي أن يتوكل على الله وحده، أو يعظم نفسه بقدر ما
٣٦٩ يجب أن يعظم الله الأحد؛ فهو في كل هذه الأحوال عابد للأوثان عند الله تعالى، لأن الأوثان ليست فقط تلك التي تُصنع من ذهب أو فضة أو نحاس أو حجارة ويعول عليها، بل إنّ كلّ شيء، وكلّ قول، وكلّ عمل يُعطَى عظمة لا تليق إلا بالله عمل وحده، لهو وثن عند الله تعالى.وصحيح أن التوراة لم تذكر فمن أهداف الله عبادة الأوثان بهذه الصراحة الدقيقة، لكن القرآن الكريم مليء بهذه التصريحات، من إنزال القرآن الكريم أن يزيل من القلوب هذا النوع من عبادة الأوثان الذي كان قد أصاب الناس كمرض السل، وكان اليهود في ذلك الزمن غارقين في هذا النوع من عبادة الأوثان، وكانت التوراة غير قادرة على منه لأنها تخلو من هذا التعليم الدقيق، وثانيا لأن هذا المرض الذي تخليصهم تفشى في جميع اليهود كان يتطلب نموذج التوحيد الطيب الذي يتجلى في إنسان كامل حي.تَذَكَّروا أن وحدانية الله التي يريد الله منا الإيمان بها، والتي يتوقف عليها الخلاص والنجاة إنما هي الإيمان بأنّ الله منزّه في ذاته عن كلّ شريك، سواء كان وثنا أو بشرًا أو شمسسًا أو قمراً، أو نفس الإنسان وذاته، أو تدبيره أو مَكْرَه أو خداعه؛ وكذلك ينبغي للإنسان أَلا يَعُدّ أحدًا قادرًا مثل الله، وألا يعد أحدًا رازقًا غير الله، وألا يعد أحدًا قادرا على أن يعزّه أو أن يذله، وألا يعد أحدًا ناصرا أو معينا؛ كما أن عليه أن يخلص حبَّه الله وحده وعبادته له وخضوعه له وآماله له وخوفه له.ولا يمكن أن تكتمل وحدانية الله من غير الخصائص الثلاث التالية: أولا- توحيد ذات البارئ؛ أعني أن نعدّ الأشياء الموجودة كلها كالمعدوم بالمقارنة مع الله تعالى، وأن نعدّها هالكة الذات وباطلة الحقيقة.ثانيا- توحيد صفات البارئ؛ أعني عدم الإقرار بالربوبية والألوهية إلا لذات
۳۷۰ الله، وأن الآخرين الذين يعدّون أربابا ومحسنين - كلّهم ليسوا إلا جزءا من النظام الإلهي الذي وضعه الله وصنعه بيده تعالى.ثالثًا - توحيد الحب والإخلاص والصفاء؛ أعني ألا نجعل أحدًا شريكا الله في حبنا وعبادتنا له والتفاني فيه.بصرا فهذا التوحيد المحتوي على هذه الشعب الثلاثة كلها والذي تتوقف عليها النجاة في الحقيقة، كان اليهود قد أضاعوه ؛ فتصرفاتهم السيئة تبرهن على ذلك ـراحة أنهم بألسنتهم يُقرّون بوجود الله وقلوبهم تخلو من ذلك، كما قد أقام الله الله الحجة عليهم بقوله وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)) (المائدة: ٦٧).أي لتمتعوا بالخوارق السماوية، ووُجدت فيهم علامات المؤمن من استجابة الدعاء والكشوف والوحي، فهذا هو الرزق السماوي.لكنهم الآن محرومون من الرزق السماوي تماما، أما الرزق الأرضي فيكسبونه أيضا متوجهين إلى الدنيا لا متوجهين إلى الحق، ومن هذا المدلول هم محرومون من كلا الرزقين.الجدير بالانتباه هنا أنه صحيح أن حصول المعارك مع اليهود والنصارى ثابت من تعليم القرآن الكريم، غير أن المسلمين لم يبدأوا هذه المعارك قط، فهذه المعارك لم تكن بنية إدخال الناس في الدين قسرا، بل قد حصلت عندما خلق أعداء الإسلام أسبابا لها بإيذائهم المسلمين أو مساعدة المؤذين.فحين ظهرت الأسباب منهم أرادت الغيرة الإلهية أن تعاقب هؤلاء الشعوب، وحتى في هذه العقوبة راعت الرحمة الإلهية جانب الرفق؛ فأعلنت أن من أسلم أو دفع الجزية فسوف ينجو من هذا العذاب.وهذه الرخصة أيضا كانت تابعة لقانون الطبيعة الذي سنه الله الله فعندما تنزل أي مصيبة من وباء أو قحط في صورة العذاب، فإن الضمير الإنساني من تلقاء نفسه يتوجه إلى دفع هذا العذاب
۳۷۱ بالدعاء والتوبة والتضرع ودفع الصدقات والتبرعات.فهذه العادة دائمة، ومن هنا نستنتج أن الله الرحيم بنفسه يُلهم الناس الوسائل لدفع العذاب، كما أزيل العذاب مرارا عن بني إسرائيل بدعاء موسى ال باختصار؛ كانت الحروب الإسلامية عذابا للمعارضين غليظي الطبع، وحتى فيها قد تُرك طريق الرحمة مفتوحا.فمن الانخداع الزعم أن الإسلام خاض الحروب لنشر التوحيد، والجدير بالانتباه أن الإذن بالحروب بدأ لمجرد العقاب حين عقدت الشعوب الأخرى العزم على الظلم والمقاومة.أما السؤال: أي حاجة كانت لليهود إلى الإسلام، فهم كانوا موحدين سلفا ؟ فقد أجبنا عليه سابقا، وهو أن التوحيد لم يكن في قلوب اليهود بل كان في الكتب فقط، وهو أيضا ناقص، فكانت هناك حاجة لكسب حيوية روح التوحيد، لأنه ما دامت حيوية روح التوحيد غير راسخة في قلب الإنسان فلا يفوز بالنجاة.كان اليهود كالموتى وكانت حيوية روح التوحيد قد فارقتهم بسبب القسوة القلبية وارتكابهم أنواع المعاصي، فلم تكن قد بقيت لهم أي علاقة بالله ، و لم تعد توراتهم بسبب تعليمها الناقص وحدوث التحريف ، اللفظي والمعنوي فيها قادرةً على الهداية الكاملة؛ لهذا أنزل الله الكلام الحي كالمطر، ودعاهم إلى ذلك الكلام الحي لكي ينالوا النجاة الحقيقية بتخلصهم من أنواع الخداع والأخطاء.فكانت إحدى الحاجات إلى نزول القرآن الكريم أن يعلم اليهود ميتي الطباع التوحيد الحي، والثانية أن ينبههم على أخطائهم، والثالثة أن يفصل المسائل التي وردت في التوراة إشارة إليها مثل حشر الأجساد وعدم فناء الروح والجنة والجحيم.من الحق أن التوراة بذرت بذرة الصدق ونبتت تلك البذرة بواسطة الإنجيل کمبشر بالمستقبل.فكما تنبت خضرة الحقل بكامل الصحة والروعة وتبشر
۳۷۲ بلسان حالها بظهور العناقيد الحسنة والثمار الطيبة، كذلك جاء الإنجيل مبشرا بالشريعة الكاملة والهادي الكامل.أما الفرقان فبلغت به تلك البذرة أوجها حيث جاء بالنعمة الكاملة، ففرق بين الحق والباطل نهائيا وبلغ المعارف الدينية كمالها، كما كان قد ورد في التوراة سلفا جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلدُّلاً مِنْ جَبَل فَارَانَ".ومن الحقائق الثابتة أن القرآن وحده أرى الكمال في كل جانب للشريعة.فالشريعة تنقسم إلى قسمين بارزين هما حق الله وحق العباد، فالقرآن الكريم فقط قد أكمل هذين القسمين.فكانت مهمة القرآن أن يجعل الوحوش أناسا والأناس أناسا متخلقين ومن الأناس المتخلقين أناسا ربانيين، وقد حقق هذه المهمة بكمال تبدو التوراة أمامه بكماء.ومن جملة الحاجات إلى القرآن الكريم رفع الخلاف الدائر بين اليهود والنصارى عن المسيح، فقد حكم القرآن الكريم في هذه التراعات، فآية يا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ في القرآن إنما هي للبت في هذه القضية نفسها، لأن اليهود كانوا يزعمون أن نبي النصارى أي المسيح عُلّق على الصليب، فصار لعينا بموجب ما ورد في التوراة، و لم يُرفع، وهذا يدل على كذبه.أما النصارى فكانوا يقولون إنه لا شك أنه صار لعينا، لكنه تلقى اللعنة وبعده زالت عنه اللعنة ورفع وأجلسه الله على يمينه.فهذه الآية حکمت أنه رفع مباشرة؛ فلم يتعرض للعنة الدائمة بحسب زعم اليهود التي تمنع رفعه إلى الله، ولم يتلق اللعنة بحسب زعم النصارى لبضعة أيام ثم رفع إلى الله، بل قد رفع إلى الله مع الوفاة.وفي الآية نفسها قد فهمنا الله لا أن هذا الرفع لا الله من أجلنا التثنية ٢:٣٣ ٢ آل عمران: ٥٦
۳۷۳ يناقض أحكام التوراة، لأن حكم التوراة بعدم الرفع واللعنة يتحقق عندما يُقتل أحد على الصليب، وإن اللعنة لا تتحقق بمجرد تعليق أحد على الصليب أو بتلقي الألم على الصليب الذي لا يؤدي إلى الموت، ولا يستلزم ذلك عدم الرفع، لأن مدلول التوراة أن الصليب وسيلة من الله لإعدام المجرمين، فمن مات على الصليب فقد مات ميتة المجرمين وهي موت اللعنة، غير أن المسيح لم يمت على الصليب وقد أنقذه الله من الموت على الصليب وتحقق ما قاله من مشابهة حالته بيونس، فلا يونس مات داخل بطن الحوت ولا المسيح معلقا على الصليب، وسمع دعاؤه "إيلي، إيلي، لما شبقتاني؟" فلو مات لتعرض بيلاطس أيضا للوبال، لأن الملك كان قد أخبر زوجة بيلاطس وأنذرها بالوبال عليه إذا لكن أي وبال لم يصب بيلاطس.كما أن من علامات حياة أن عظامه لم تكسر عند الصلب، وخرج الدم عند طعنه بالحربة عند مات يسوع يسوع إنزاله عن الصليب وأرى الحواريين جروحه بعد حادثة الصلب، والظاهر أنه لا يمكن أن تبقى الجروح مع الحياة الجديدة، ومن هنا ثبت أن يسوع لم يمت على الصليب ومن ثم لم يكن ملعونا، ومن المؤكد أنه نال الوفاة الطاهرة ورفع إلى بعد الوفاة مثل جميع الرسل الأطهار، وبموجب الوعد إِنِّي مُتَوَفِّيكَ الله 6 وَرَافِعُكَ إِلَيَّ قد رفع إلى الله ، فلو مات على الصليب لعد من الكاذبين بموجب قوله، لأنه بذلك لا تتحقق أي مشابهة له بيونس.فهذا النزاع عن المسيح كان مستمرا بين اليهود والنصارى، فحله القرآن ذلك يقول النصارى إلى الآن ما هي الحاجة إلى القرآن الكريم أخيرا.أخيرا.ومع الكريم.أيها السفهاء وعميان القلوب، إن القرآن قد جاء بالتوحيد الكامل، وأرى التوفيق بين العقل والنقل، وأبلغ التوحيد كماله، لقد أقام البراهين على التوحيد وصفات الله وأثبت وجود الله بدلائل عقلية ونقلية، كما أقام الدلائل
٣٧٤ من خلال الكشوف أيضا.والدين الذي كان قصصا وأساطير قدمه في صورة علمية، وصبغ كل عقيدة بصبغة الحكمة، وأبلغ سلسلة المعارف الدينية التي كانت ناقصة الكمال ونزع عن عنق المسيح طوق اللعنة وشهد على كونه نبيا صادقا قد رفع إلى الله؛ أفلم تثبت الحاجة إليه حتى الآن مع إكسابه هذه الفيوض كلها؟ اعلموا أن القرآن الكريم أثبت الحاجة إليه بكل جلاء إذ يقول القرآن الكريم بوضوح اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا فالتاريخ يشهد على أن كل شعب كان قد فسد في الزمن القريب من نزول القرآن، وإن القسيس فندل مؤلف كتاب "ميزان الحق، على كل التعصب الساري في دمه يدلي بشهادته الجلية في كتابه ميزان الحق، أن سلوك اليهود والنصارى في زمن نزول القرآن الكريم كان فاسدا، وكانت أوضاعهم سيئة، وإن نزول القرآن الكريم كان تنبيها لهم، غير أن هذا السفيه مع اعترافه بفساد سلوك اليهود والنصارى في زمن نزول القرآن الكريم قدم عذرا باطلا بأن الله أراد تنبيه اليهود والنصارى بإرسال نبي كاذب، لكنه اتهام على الله الله فهل يمكن أن ننسب إلى الله تعالى هذا التصرف السيئ أنه حين وجد الناس ضالين وسيئي السيرة والسلوك فكر في توفير الفرص أكثر لضلالهم وإلقاء عشرات الملايين من عباد الله في التهلكة بیده! فهل ثبتت سنة الله هذه في قانون الطبيعة عند غلبة الشدائد والمصائب؟ يا أسفا عليهم كيف يبصقون في وجه الشمس حبا في الدنيا.فهم يصفون الإنسان الفاني الضعيف إلها من ناحية ولعينا من ناحية أخرى، ويكفرون بالنبي العظيم الشأن الذي بعث في وقت كان الناس فيه يشبهون الموتى، ثم يسألون أي ضرورة كانت للقرآن؟! أيها الغافلون وعميان القلوب إن الضلال الذي كان 6 الحديد: ۱۸
الرد على أربعة أسئلة السراج الدين المسيحي يتفشى في زمن القرآن الكريم لم يكن له مثيل في زمن أي نبي آخر، فقد وجد العالم أعمى فوهب لهم نورا، ووجده ضالا فهدى ووجده ميتا فأحيا؛ أفلم تثبث الحاجة إليه حتى الآن؟ وإن قلتم إن التوحيد كان موجودا سلفا فأي جديد جاء به القرآن؟ فهذا يبعث على الرثاء على عقولكم أكثر، لقد كتبت قبل قليل أن التوحيد في الكتب السابقة كان ناقصا ولا يسعكم أبدا إثبات كماله، أضف إلى ذلك اختفاء التوحيد نهائيا من القلوب، فذكر القرآن بهذا التوحيد وأبلغه الكمال، وقد سمي القرآن ذكرا لأنه يذكر، فتأملوا قليلا بفتح العيون وقولوا هل كان الأنبياء قبل التوراة غافلين عن التوحيد الذي قدمته التوراة؟ أليس من الحق أن آدم هو الذي تلقى التوحيد أولا ثم شيث ونوح وإبراهيم والرسل الآخرون الذين كانوا قبل موسى؟ فهذا الاعتراض يرد على التوراة أيضا: فما هو الجديد الذي جاءت به، أيها القوم الزائغ قلبه، إن الله لا يتجدد في كل يوم، فكان الله في زمن موسى هو نفسه الذي كان في زمن آدم وشيث ونوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف، وإن ما علمته التوراة من التوحيد هو ما علمه الأنبياء قبلها.وإذا سأل أحدهم لماذا ذكرت التوراة التوحيد القديم؟ فأجيب إن مسألة وجود الله وتوحيده لم تبدأ من التوراة بل إنها معروفة منذ القدم، غير أنها في بعض الأزمنة أصبحت ذليلة ومهانة في نظر أغلبية الناس بسبب ترك العمل بها، فكانت مهمة كتب الله وأنبيائه أنهم بعثوا في زمن تضاءل فيه اهتمام الناس بمسألة التوحيد هذه ووقعوا في أنواع الشرك، فتم تبيان هذه المسألة آلاف المرات في العالم وعادت آلاف المرات صدِئَة واختفت عن أعين الناس، وحينها أرسل الله لالالالالالاله أحمد عباده ليضيئها من جديد، فهكذا ظل الظلام يغلب في العالم مرة والنور مرة أخرى باستمرار.وإن أمثل طريق لمعرفة كل نبي أن ننظر في أي
٣٧٦ زمن جاء وأي قدر من الإصلاح حققه.يجب على الناس أن يتأملوا في هذا الأمر الوحيد فقط ابتغاء للحق ولا يلتفتوا إلى أقوال الأشرار والمتعصبين المليئة بالخيانة، ولينظروا إلى أوضاع أي نبي بنظرة حيادية أنه في أي حالة وجد الناس عند بعثته، ثم أي تغيير أحدثه في معتقداتهم وسيرتهم، فمن هنا يتبين حتما أي نبي جاء في زمن كان بحاجة ماسة إليه، وأي واحد منهم جاء في حاجة أقل منها.إن حاجة المذنبين إلى النبي تشبه تماما حاجة المرضى إلى الطبيب؛ فكما تقتضي كثرة المرضى الطبيب كذلك تقتضي كثرة المذنبين مصلحا.جميع والآن إذا ألقى أحدهم نظرة على تاريخ العرب واضعا في القلب هذه القاعدة ليبحث في أي حالة مأساوية كان العرب قبل بعثة النبي ﷺ وما هو التغيير الذي أحدثوه وماذا أصبحوا؛ فمن المؤكد أنه سيجد هذا النبي يفوق الأنبياء في القوة القدسية والتأثير القوي وإفاضة البركات، ويحتل المركز الأول في زمرة الأنبياء كلهم، وبناء على ذلك سيوقن بأن الحاجة إلى القرآن الكريم والنبي لأجلى، وبديهية الثبوت أكثر من سائر الكتب والأنبياء، فأي حاجة للدنيا سدّها يسوع مثلا ببعثته؟ فهل أحدث تغييرا ملحوظا في أخلاق اليهود وسيرتهم وإيمانهم أم هل أبلغ تزكية حوارييه كمالها؟ كلا بل لا يثبت أي من هذه الإصلاحات الطاهرة، وإن ثبت شيء فإنما انضمام بضعة طماعين جشعين إليه وفي نهاية المطاف صدرت منهم تصرفات الغدر المخجل.وإذا كان يسوع قد انتحر فلا أعد تصرفه هذا أكثر من غباء أصاب إنسانيته وعقله بوصمة عار دائم، فهل يمكن أن يصدر من رشيد تصرف اندرج دوما حتى في القوانين البشرية تحت قائمة الجرائم؟ كلا لا يمكن أبدا، فالآن نسأل: ما الذي علمه يسوع وما الذي قدمه؟ فهل قدم التضحية اللعينة فقط التي لم تؤد إلى أي نتيجة من منظور العقل والإنصاف؟
۳۷۷ صفحات اعلموا أنه ليس في تعليم الإنجيل أي محاسن جديدة، بل إن هذا التعليم بأكمله موجود في التوراة والجزء الكبير منه ما زال موجودا في كتاب اليهود التلمود وعلماء اليهود يبكون إلى اليوم أن هذه الجمل سُرقت من كتبهم المقدسة، فقد وصلني كتاب من تأليف عالم يهودي، وقد خصص كثيرة لإثبات هذه القضية، وقدم الوثائق بكل قوة، مبينا من أين سُرقت هذه الجمل.كنت قد طلبت هذه الكتب من أجل ميان سراج الدين فقط، لكنه من شقاوته قد غادر قبل رؤيتها، إن الباحثين النصارى يعترفون بأن الإنجيل في الحقيقة ملخص للمواضيع التي أعجبت المسيحَ من كتب اليهود، ويقولون أخيرا إن المسيح لم يكن يستهدف من بعثته إلى العالم أن يأتي بتعليم جديد، بل كانت مهمته المنشودة أن يضحي بنفسه أي التضحية المؤدية إلى اللعنة التي لا أريد أن أوسخ كتيبي هذا بذكرها المكرر.باختصار؛ إن من انخداع النصارى الزعم بأن يسوع لم يأت بشريعة جديدة، لأن الشريعة كانت قد اكتملت بنزول التوراة، وإنما جاء للتخليص، وأن القرآن الكريم أسس من جديد بغير حق الشريعة التي كانت قد اكتملت سلفا.هذا الانخداع دمر إيمان النصارى، لكن لا يغيبن عن البال أبدا أن هذا ليس من الصحة في شيء، بل الحقيقة أن الإنسان لما كان من فطرته السهو والنسيان وعدم القدرة على الامتثال لأوامر الله الله والدوام على العمل بأحكام الله ، فهو محتاج دوما إلى من يذكره ويقوّيه.غير أن القرآن الكريم لم ينزل لهاتين الحاجتين فقط بل إنه متمم في الحقيقة للتعاليم السابقة ومكمِّلُها، فكانت التوراة مثلا تركز على القصاص نظرا للأوضاع السائدة في زمنها، بينما الإنجيل يركز على العفو والصبر والتسامح بمقتضى الأوضاع السائدة في زمنه أما القرآن الكريم فيعلم مراعاة الحال في كلتا الحالتين.وكذلك اتخذت التوراة سبيل الإفراط في كل مسألة بينما توجه الإنجيل
۳۷۸ إلى سبيل التفريط، أما القرآن الكريم فيعلم الاعتدال والطريق الوسط، ويعلّم مراعاة المحل ومقتضاه.وإن كان جوهر تعليم الكتب الثلاثة واحدا إلا أن أحدها ركز على جانب واحد كثيرا والآخر ركز على جانب آخر، والآخر اتخذ الطريق المعتدل مراعاة للفطرة الإنسانية وهو طريق تعليم القرآن الكريم، ولما كانت مراعاة المحل هي الحكمة حصرا، فقد علم القرآن الكريم وحده فقط هذه الحكمة، إذ أن التوراة تدعو إلى القسوة البشعة بينما الإنجيل يركز على العفو السخيف، أما القرآن الكريم فيعلّم مراعاة المحل والوضع، فكما أن الدم عندما يأتي إلى الثدي يصير ،لبنا كذلك حين اجتمعت أحكام التوراة والإنجيل في القرآن الكريم صارت حكمةً، فلو لم يأت القرآن الكريم لكان مثل التوراة والإنجيل كسهم أطلقه أعمى فيصيب مرة ويخطئ مئة مرة.فالشريعة أتت في صورة القصص من التوراة وتبينت من الإنجيل كأمثال، ووصلت إلى طلاب الحق والحقيقة في صورة الحكمة من خلال القرآن الكريم.فأنى للتوراة والإنجيل أن ينافسا القرآن الكريم؟ فلو أراد أحد مقارنتهما مع سورة أولى من القرآن الكريم أعني سورة الفاتحة التي هي سبع آيات فقط، وحاول طول الحياة العثور على مئات الحقائق والمعارف الدينية والحكم الروحانية التي وردت في هذه السورة بالترتيب الأنسب والصياغة المحكمة والنظام الفطري في كتاب موسى أو في إنجيل يسوع المحتوي على عدد من الصفحات، فلن تتحقق أمنيته هذه ولن تجديه هذه المحاولات شيئا.وهذا القول ليس بدافع التباهي والزهو، بل إن الواقع والحقيقة أن التوراة والإنجيل لا تقدران على منافسة حتى سورة الفاتحة في بيان علوم الحكمة.فما الذي نفعل وكيف هذه القسوة والرفق كانت في زمنها تعليما مناسبا نظرا للأوضاع السائدة للشعب، غير أنها لم تكن تعليما حقيقيا دائما غير قابل للترك.منه.
۳۷۹ الحكمة المرتبة تنحسم القضية؟ فالقساوسة لا يستجيبون لنا في أي أمر ولا يستعدون لقبول أي اقتراح لنا، فلو كانوا يعدّون توراتهم وإنجيلهم كاملين في بيان المعارف والحقائق وتبيان مزايا الكلام الإلهي، فنحن مستعدون لتقديم خمسمئة روبية جائزة لهم إن استطاعوا تقديم الحقائق ومعارف الشريعة ودرر والمنظومة وجواهر المعرفة ومزايا الكلام الإلهي - تلك التي سنقدمها من سورة الفاتحة من جميع أسفارهم الضخمة التي يقدَّر عددها بسبعين.وإذا قالوا إن المبلغ قليل فسوف نزيده قدر ما نستطيع بحسب طلبهم.ولحسم القضية سنعدّ أولا تفسيرا لسورة الفاتحة ونطبعه، وسنسجل فيه بإسهاب جميع الحقائق والمعارف ومزايا الكلام الإلهي الواردة في سورة الفاتحة، وسيكون من الواجب على السادة القساوسة أن يقدموا الحقائق والمعارف ومزايا الكلام الإلهي، وأقصد منها العجائب الخارقة تلك التي يستحيل وجودها في كلام البشر من التوراة والإنجيل وجميع كتبهم مقابل سورة الفاتحة.وإذا أقدموا على مثل هذه المسابقة وقال ثلاثة من المنصفين من الأمم الأخرى إن الحقائق والمعارف ومزايا الكلام الإلهي التي تحققت في سورة الفاتحة ثبت وجودها في النصوص التي قدموها أيضا، فسوف نسلّم لهم خمسمئة روبية نكون قد أودعناها سلفا عند أحد يطمئنون له.فهل يبرز أي قسيس لهذا؟ إن كلام الله يتحقق من خلال قدرات الله مثلما تتحقق مصنوعاته من عجائب قدرته؛ فمثلا هناك في السماء ألوف مؤلفة من النجوم، وإذا قال أي سفيه مشيرا إلى عدد منها وقال ما الحاجة إليها، فهى الله، أو إذا ذكر عددا من الأعشاب أو الأحجار أو الحيوانات وقال ليست من إن الأمور تنضبط ويستقيم الوضعُ دونها باستخدام أعشاب أخرى، ولذلك فهي الله؛ فلا يمكن أن يتفوه بمثل هذا القول غيرُ الأحمق والغبي.ليست من
٣٨٠ من الجدير بالانتباه أن القرآن الكريم جامع الجميع الكمالات التي يحتاج إليها الإنسان لتكميل النفس، وإن مثل مقارنة التوراة بالقرآن كمثل دار الهدمت بسبب العواصف الشديدة والزلازل العنيفة وتحولت إلى ركام من اللبن مكان الدار، فصار لبن المرحاض في المطبخ ولبنُ المطبخ في المرحاض، وانقلب البناء رأسا على عقب، فأشفق صاحب الخان على المسافرين، فبنى فورا خانا أفضل وأروع من السابق وأكثر راحة، وبنى فيه غرفا مريحة جدا بترتيب رائع وكانت كل الحاجات متوفرة فيه ولم يكن فيه أي نقص وكانت جميع متطلبات المسافرين متوافرة فيه، وقد استخدم صاحب الخان في هذه البناية الجديدة لبنا قديما من الخان القديم وأضاف بعض اللبن الجديدة والخشب واللوازم الأخرى للبناء.فالقرآن الكريم هو ذلك الخان الجديد، فلينظر من كانت له عينان.هنا يجدر دحض الاعتراض أيضا ؛ بأنه إذا كان التعليم الكامل والحقيقي هو ما يراعى فيه المحل، والذي يبين كل دقيقة المعرفة باستيفاء، فما السبب في خلو التوراة والإنجيل كلاهما منه وأتى القرآن الكريم وأحرز الكمال في هذين الأمرين؟ فجوابه أن ذلك ليس من ذنب التوراة والإنجيل، بل إنه يعود إلى قصور قدرات الأمم السابقة، فاليهود الذين واجههم موسى أولا كانوا يعيشون حياة العبيد في عهد فرعون منذ أربعة قرون، وكانوا قد جهلوا حقيقة العدل والإنصاف بسبب تعرضهم للظلم والاضطهاد مدةً طويلة.فمن قانون الطبيعة أنه إذا كان الملك الذي هو بمنزلة المؤدِّب والمعلم- عادلا فيتأثر به الشعب أيضا، فيميلون هم أيضا بالطبع إلى خُلق العدل، وينشأ فيهم التأدب واللطف، فتتجلى فيهم صفات العدل.أما إذا كان الملك ظالما فيتعلم منه الشعب أيضا الظلم والاعتداء، بحيث تُحرم أغلبيتهم من صفة العدل فهذا ما حصل مع بني
۳۸۱ إسرائيل، بحيث كانوا قد غفلوا نهائيا عن العدل لتحملهم أنواع الظلم والاضطهاد من ملكهم الظالم فرعون لمدة طويلة فكان من واجب موسى ال أن يعلمهم العدل أولا، ولهذا تضم التوراة التركيز الشديد على العدل وتوجد فيها عبارات كثيرة حول مضمون التمسك بأهداب العدل، ولا شك أن فيها عبارات تحض على الرحم والرفق أيضا، غير أننا إذا تدبرنا هذه العبارات وجدناها هي الأخرى قد وردت للمحافظة على الحدود والنهي عن الأحقاد والثوائر غير المشروعة، وإن الغاية المنشودة في كل موضع هي المحافظة على قوانين العدل والإنصاف، لكننا لا نعثر على هذا الهدف بقراءة الإنجيل، بل إنه يتضمن التركيز الكبير على العفو وترك الانتقام، وحين ننظر إلى الإنجيل بتدبر وبنظرة عميقة، يتبين جليا من نصوصه المتتالية أن مؤلفه يؤكد أن مخاطبيه بعيدون جدا عن طريق الدماثة والصبر وترك الانتقام وهجروه نهائيا، وهو يحب أن لا تبقى قلوبهم حريصة على الانتقام وأن يتعودوا على الصبر والتحمل والعفو والتسامح.وسبب ذلك أن أخلاق اليهود كانت قد فسدت كثيرا في زمن عيسى ال، وكانوا قد بلغوا في رفع القضايا والحقد والبغضاء منتهاه، وكانوا قد نبذوا الرحم والعفو تماما بحجة المحافظة على قانون العدل، فقُرئت عليهم وصايا الإنجيل كقانون مخصص للزمان أو القوم، ولم تكن تشكل قانونا حقيقيا دائما؛ فجاء القرآن الكريم فأزاله.عندما نتدبر القرآن الكريم بصفاء القلب ونتأمل في مقصده بإمعان يتجلى لنا أن القرآن الكريم لم يركز كالتوراة على الانتقام والقسوة، كما يثبت بوضوح من حروب التوراة وقانونها في القصاص، ولم يندفع فجأة كالإنجيل على تعليم العفو والصبر والتسامح، بل إنه يوصى ويؤكد مرارا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي يأمرنا بالعمل بأمور هي أفضل شرعا وعقلا ومحلا، والامتناع
۳۸۲ عن كل ما يعترض عليه العقل والشرع وكان من المنكرات.فحين نقرأ القرآن الكريم ندرك أنه يريد ترسيخ قوانينه وحدوده وأوامره في قلوبنا بصفتها العلم، لأنه لا يريد حبسنا في سجن الأوامر والنواهى الشخصية، بل يبين شريعته المقدسة كقواعد ثابتة عامة؛ فمثلا إنه يأمرنا إجمالا أن نعمل بالمعروف ونمتنع عن المنكر، فكلمتا المعروف والمنكر هاتان جامعتان وشاملتان بحيث تضفيان على قوانين الشريعة صبغة العلم.فعملا بهذا التعليم يفكر المرء في كل محل هل هو البر الحقيقي أم لا؟ فمثلا إذا كان زيد قد أجرم فهل من الأفضل عقابه أو العفو عنه؟ أو إذا طلب أحد منا ألف روبية ليزوج ابنه باتباع التقاليد السائدة في عائلته باهتمام بالغ فيفرح باحتفالات كثيرة من ألعاب نارية وراقصات وآلات موسيقية فعلينا أن نفكر بموجب قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي شخص نساعد بهذا الكرم والسخاء حتى لو كنا قادرين على تقديم ألف روبية له.باختصار ؛ قد اشترط القرآن الكريم من أجل خيرنا في الدين والدنيا أن نراعي على هذا النحو مقتضى المحل والوضع في كل عمل هذا حسن.ها قد انتهيت من الرد الكامل على السؤال الثاني لميان سراج الدين، وقد كتبتُ أن الإسلام لم يخض في قتال اليهود ليؤمنوا بالتوحيد قسرا بل كانت شرور أعداء الإسلام أنفسهم مدعاة لهذه الحروب؛ إذ قد رفع بعضهم السيف أولا لقتل المسلمين وبعضهم ساعدوهم وبعضهم قاوموا بغير حق نشر دعوة الإسلام، فبسبب هذه الدواعي كلها وللقضاء على المفسدين وعقابهم ودفع الشر كان الله قد أذن في قتال هؤلاء المفسدين حصرا.أما الزعم بأن النبي قد امتنع عن قتال الأعداء في الحياة المكية الممتدة على ١٣ عاما لأنه لم يكن قد جمع جمعا، فهذا الزعم ظلم محض وفكرة فاسدة.فلو كان أعداء النبي ﷺ
۳۸۳ امتنعوا عن المظالم وأعمال سفك الدماء التي صدرت منهم في مكة على مدى ١٣ عاما و لم يكونوا قد خططوا هم أنفسهم لقتل النبي ﷺ أو إخراجه من الوطن، وكان النبي ﷺ قد هاجر إلى المدينة عن طيب خاطره دون أن يهاجمه الكفار، لكان لهذه الظنون السيئة محل.غير أن معارضينا أيضا يعرفون جيدا أن نبينا ل ل لا يصبر على قسوة الأعداء كلها واضطهادهم طول ١٣ عاما، وكان الصحابة أيضا بشدة أن لا يردّوا السيئة، فقد سفك الأعداء دماء كثيرة، يوصي أما ضرب الصحابة المساكين الفقراء وإيذاؤهم وإصابتهم بجروح بليغة خطرة الله نبيه فلم يكن لها أي حد، وأخيرا هاجموا النبي ﷺ بنية القتل، فعندئذ حمى من شر الأعداء وأوصله سالما آمنا إلى المدينة، وبشره بأن الذين رفعوا السيف أولا سيُقتلون بالسيف نفسه.فتأملوا قليلا بإنصاف وعقل هل يمكن أن يُستنبط من هذه الأحداث كلها أن النبي الا الله حقق أمنيته التي كان يخفيها في القلب من قبل عندما اجتمع معه جمع الأسف أشد الأسف على ما آل إليه جمع كان مآل مؤيدي الدين المسيحي بسبب التعصب الديني، فلا يفكرون أي قد اجتمع معه عند أول معركة بعد الهجرة في بدر حين لاحقه أهل مكة، إذ كان عدد المسلمين الرجال قد بلغ ۳۱۳ فقط، وكان معظم الحاضرين في میدان بدر شبابا في مقتبل العمر وعديمي الخبرة.فالجدير بالتدبر؛ هل يتصدى الإنسان للقضاء على جميع أبطال العرب واليهود والنصارى ومئات الألوف من الناس اعتمادا على هذا العدد القليل من الناس؟! فمن الجلي الواضح أن ذلك الخروج لم يكن نتيجة المكايد والخطط التي يفكر فيها المرء للقضاء على الأعداء وانتصاره عليهم، لأنه لو كان كذلك لكان من الضروري أن يشكل جيشا قوامه ٣٠ أو ٤٠ ألفا من المقاتلين على أقل تقدير، ثم يقاتل به مئات الألوف
٣٨٤ الرد على أربعة أسئلة السراج الدين المسيحي من الناس.فالجلي البين أن هذا القتال كان بأمر من الله الله وقت الاضطرار، لا اعتمادا على الوسائل المادية.لا بد من دحض اعتراض آخر هنا أيضا وهو أنه إذا كانت النجاة تتوقف على الإيمان بالتوحيد الإلهي والأعمال الصالحة الصادرة بدافع الحب الإلهي وخشيته، فلماذا دعي اليهود إلى الإسلام؟ ألم يكن في اليهود أحد يتمسك بالتوحيد فعلا ويتلقى نير الطاعة الإلهية؟ فجوابه أنا قد أثبتنا أن أغلبية اليهود والنصارى في زمن النبي كانوا فاسقين كما يشهد على ذلك القرآن الكريم أيضا في قوله: (وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ فلما كان أكثرهم فاسقين فقد تركوا آداب التوحيد عمليا والأعمال الصالحة، فاقتضت رحمة الله الا الله بحسب سنته القديمة لإصلاحهم بعثة رسول إليهم.فلو افترضنا جدلا أنه كان فيهم موحد و صالح على سبيل الندرة، فلم يعد صالحا نتيجة بغيه ضد رسول الله، ومعلوم أن ذنبا صغيرا يسود قلب الإنسان، فكيف نقبل أن يبقى طاهر القلب من يعصي رسول الله ويعاديه؟ السؤال : ما هي الآيات القرآنية التي تحضّ الإنسان على حب الله وبني جنسه والتي تذكر أن الله يحب الإنسان، أو التي وردت فيها كلمة المحبة أو الحب بالذات؟ الجواب: فليتضح أن الهدف المنشود من تعليم القرآن الكريم أن نجعل الله أحدا لا شريك له في حبنا له كما هو الأحد بذاته لا شريك له، كما تشير إلى ذلك كلمة "لا إله إلا الله" التي يرددها المسلمون كل حين وآن، فكلمة "إله" مشتقة من ولاه" ، ومعناها محبوب ومعشوق يعبده الإنسان، فهذه الكلمة رأي التوبة: ٨
٣٨٥ كلمة التوحيد) لم تُعلّمها التوراة ولا الإنجيل، وإنما القرآن الكريم وحده علمناها، وهذه الكلمة تخص الإسلام وكأنها وسام شرف له، وهذه الكلمة نفسها تُرفع من مآذن المساجد خمس مرات كل يوم وهي التي ينزعج منها النصارى والهندوس كلُّهم، ويُستشفّ من ذلك أنهم يعدّون ذكر الله بحب من الذنوب، فمن مزايا الإسلام أن المؤذن المسلم يعلن بصوت عال عند الصباح "أشهد أن لا إله إلا الله" أي ليس لنا أي حبيب ومحبوب ومعبود غيرُ الله ، ثم عند الظهر يُرفع الصوت نفسه من المساجد الإسلامية ثم عند العصر والمغرب، وفي العشاء أيضا يرتفع هذا الصوتُ إلى السماء مُدويا، فهل في أي دين آخر يشاهد هذا المشهد الخلاب؟ ثم إن مدلول كلمة "الإسلام" هو الآخر يدل على الحب نفسه، لأن الخرور على عتبات الله والاستعداد للتضحية بصدق القلب- الذي هو من معاني الإسلام- ذلك هو الحالة العملية التي تصدر من نبع الحب.ومن كلمة "الإسلام" يتبين أيضا أن القرآن الكريم لم يحصر الحب في القول فقط بل قد علم أسلوب الحب والتضحية على الصعيد العملي أيضا.فأي من مؤسسي الأديان في العالم سمى دينه "الإسلام"؟ فما أروع كلمة الإسلام التي تتحقق فيها معاني الصدق والإخلاص والحب، فمباراً دين اسمه الإسلام.كذلك يقول الله له في حب الإنسان الله وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ثم يقول في موضع آخر: فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) أي اذكروا الله كما كنتم تذكرون آباءكم، بل ينبغي أن تذكروه بحب أكبر.ثم يقول في موضع آخر: ١ البقرة: ١٦٦ ٢ البقرة: ٢٠١
٣٨٦ الرد على أربعة أسئلة السراج الدين المسيحي قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي قل للذين يريدون أن يتبعوك بأن صلاتي...الله، أي من كان يريد اتباعي فعليه أن يقدم هذه التضحية هو الآخر، إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بأمره وكذلك يقول الله في موضع آخر وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيماً وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) باختصار؛ إن القرآن الكريم مليء بالآيات التي ورد فيها أن أَحِبُّوا الله بقولكم وعملكم وأحبوا الله أكثر من كل واحد.أما الجزء الثاني لهذا السؤال أي أين ورد في القرآن الكريم أن الله الله هو الآخر يحب الناس؟ فاعملوا أن الآيات التي تفيد بأن الله الا الله يحب التوابين وأن الله يا الله يحب الصالحين وأن الله يحب الصابرين لكثيرة، غير أنه لم يرد في القرآن الكريم أن الله يحب من يحب الكفر والسيئة والظلم، بل قد استخدم الله الا الله هنا كلمة "الإحسان" كما يقول الله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ ) أي قد أرسلناك رأفة بالعالمين.وكلمة العالمين تشمل الكفار والملحدين والفساق والفجرة أيضا، وقد فتح لهم باب الرحمة بحيث يمكن أن ينالوا النجاة بالعمل على هدي القرآن الكريم، وإنني أقر بأن القرآن الكريم لم يذكر حب الله للناس من نوع يفيد أن الله قدم ابنه الحبيب الأنعام: ١٦٣ التوبة: ٢٤ الإنسان: ۹-۱۰ إن حب الله ليس كمثل الحب الإنساني، ففي الحب الإنساني يتألم المحب بفراق الحبيب بل إن المراد من الحب الإلهي أنه يعامل الذين يعملون الحسنات معاملة المحب للحبيب الأنبياء: ۱۰۸ منه
۳۸۷ الله ليتحمل وزر ذنوب السيئين فيصلب فيلقى اللعنة على ابنه الحبيب.فلعن ابن بمنزلة لعن الله، لأن الأب والابن ليسا ،مغايرين فالبديهي أن اللعنة والألوهية لا تجتمعان في مكان واحد ثم تدبّروا! ما هذا الحب الإلهي لمذنبي العالم إذ قد أهلك البار وأحب السيئ؛ فهذا الخلق لا يمكن أن يتخلق به أي صالح.والشق الثالث لهذا السؤال أين ورد في القرآن الكريم أنه يجب على الإنسان أن يحب غيره من بني نوع البشر ؟ فجوابه أن القرآن الكريم اختار كلمة والرحم 28 والمواساة بدلا من الحب لأن منتهى الحب ،عبادةٌ، ولهذا فإن كلمة الحب تخص بمعناها الحقيقي الله وحده، أما الإنسان فقد ورد بحقه كلمة لا الله الرحمة والإحسان في كلام الله لأن كمال الحب يتطلب العبادة، كما أن كمال الرحمة يقتضي المواساة، فهذا الفرق لم تدركه الملل الأخرى فأعطت حق الله لغيره.فلا أوقن بأن يسوع قد تفوه بمثل هذه الكلمة الشركية، بل أظن أن هذه الكلمات الكريهة دست في الأناجيل لاحقا، وأسيء إلى يسوع بغير حق.باختصار؛ في کلام الله الطاهر قد وردت كلمة الرحمة لبني البشر كما في قوله: ﴿وَتَوَاصَوْا بالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ثم في آية أخرى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ ، بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى أي قد أمركم الله أن تعدلوا تجاه العامة، بل أحسنوا إليهم بل أكثر من ذلك ينبغي أن تبدوا لهم المواساة كما يواسي القريب قريبه.فكلمة الحب حيثما وردت بحق الناس فليس المراد منها الحب الحقيقي، بل إن الحب الحقيقي بحسب التعليم الإسلامي يخص الله وحده، والأنواع الأخرى للحب غير حقيقية ومن باب المجاز.منه العصر : ٤ ٤ البلد: ۱۸ النحل: ٩١
۳۸۸ الرد على أربعة أسئلة السراج الدين المسيحي الجدير بالتأمل هنا: أي تعليم في العالم يمكن أن يكون أسمى وأروع من الذي لم يحد البر إلى بني جلدته عند حد الإحسان؟ بل قد بين درجة الحماس الفطري الذي يسمى إيتاء ذي القربى، لأنه من الصحيح أن المحسن يقوم ببر عند الإحسان غير أنه يرجو ويتوقع الجزاء والأجر أيضا، فمن الملاحظ أنه أحيانا يغضب على ناكر الجميل والكافر بالنعمة ويسخط عليه؛ وأحيانا يثور ويمن عليه بذكر معروفه.أما البرّ بالحماس الفطري الذي شبّهه القرآن بالبر بحق ذوي القربى.فهذه هى المرتبة الأخيرة للبر، في الحقيقة وليس بعدها أي درجة للبر؛ فبر الأم تجاه ولدها ورحمها يكون بدافع الحماس الفطري، فلا تتوقع أي شكر من الولد الرضيع الضعيف.هذه مراتب ثلاث لأداء حق العباد التى بينها القرآن الكريم، والآن حين ننظر إلى التوراة والإنجيل فلا نجد بدا من القول - إيمانا - إن هذين الكتابين كليهما محروم من هذه الدرجة السامية لبيان حق العباد.وأنى لنا أن نتوقع منهما الدرجة الثالثة إذ لم يبينا الدرجة الأولى والثانية بالكمال، وذلك لأنه إذا كانت التوراة قد نزلت لليهود فقط كما كان المسيح اللي قد أُرسل إلى خراف بني إسرائيل فحسب، فأي علاقة لها بالآخرين لترد فيهما وصايا العدل والإحسان تجاههم؟ فكانت جميع الأحكام والوصايا لبني إسرائيل فقط.وإن لم تكن محدودة فلماذا لم يرحم يسوعُ امرأةً مع سماعه لصراخها واستنجادها ووصول طلبها المتواضع إليه؟ ولماذا قال لها: إنما أرسلتُ إلى بني إسرائيل فقط؟ فحين لم يقدم يسوع نفسه بعمله أي نموذج للرحمة والمواساة تجاه الآخرين الذين ليسوا من بني إسرائيل، فأنى لنا أن نتوقع أن تعليمه يضم الأحكام بالرحمة على الشعوب الأخرى.فقد قال يسوع بصراحة بأنه لم يُبعث إلى غير بني إسرائيل، فكيف نتوقع أن تعليم يسوع يضم الوصايا بالرحمة تجاه الشعوب الأخرى؟ كلا
۳۸۹ بل إن تعليم يسوع موجه إلى اليهود فقط، ويسوع لا يرى نفسه شخصيا أهلا لتزويد الشعوب الأخرى بالوصايا، فأنى له أن يعلم الرحم العام؟ وحتى لو كانت في الإنجيل عبارةٌ مخالفة لقول يسوع بأن تعليمه ومواساته مخصوص باليهود فقط فمن المؤكد أنها مدسوسة لاحقا، لأن التناقض لا يجوز.وكذلك كانت التوراة قد خاطبت اليهود فقط، وإن تعليم التوراة يحوم فوق رءوس اليهود فقط، وإن الشريعة العامة التي نزلت في العالم في العدل والإحسان والمواساة العامة هي القرآن الكريم فقط.يقول الله قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ثم قال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ السؤال ٤: لقد قال المسيح بحقه كلمات "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثّقِيلِي الأَحْمَال وَأَنَا أُريحُكُمْ مَتَّى (۱۱ (۲۸) و «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ».يُوحَنَّا ۸ (۱۲) و «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا ١٤ : ٦) فهل نسب مؤسس الإسلام أيضا هذه الكلمات إلى نفسه أو المشابهة لها؟ سيكون حبيب الجواب: قد ورد في القرآن الكريم صراحة قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْيِيكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ.فالوعد بأن الإنسان باتباعه له الله، يفوق أقوال المسيح المذكورة آنفا، لأنه ليس هناك أي مرتبة أسمى من أن يصبح الإنسان حبيب الله، فإن الذي بالسير على طريقه- يصبح الإنسان حبيب الله، فمن ذا الذي هو أجدر منه ليسمى نفسه نورا، ولهذا قد الله النبي الكريم لله في القرآن الكريم "نورا" كما قال: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله ستمی الأعراف: ١٥٩ ٢ الأنبياء: ١٠٨ آل عمران: ۳۲
۳۹۰ 110 نُور فكم تبدو جملة تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثّقِيلِي الْأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" سخيفة، فإن كان المراد من الراحة راحة دنيوية وإباحة فلا شك أن هذه الجملة صحيحة؛ لأن الإنسان حين يُسلم فعليه أن يصلي خمس مرات يوميا؛ إذ يستيقظ في الصباح الباكر قبل طلوع الشمس لأداء صلاة الفجر ويتوضأ حتى لو كان الماء باردا جدا في فصل الشتاء، ثم يجب عليه أن يندفع إلى المسجد خمس مرات ليصلي مع الجماعة، ثم عليه أن يترك النوم المريح وينهض للتهجد حين يبقى الربع الأخير من الليل، وعليه أن يمتنع عن النظر إلى نساء أجنبيات ويبتعد عن الخمر وكلّ مسكر ،آخر كما يجب عليه مراعاة حقوق العباد خوفا من المؤاخذة الإلهية، ثم كُتب عليه من الله صيام ثلاثين أو تسعة وعشرين يوما متتاليا كل عام ويؤدي جميع العبادات المالية والجسدية والروحية، وحين يتنصر أي مسلم شقي فهو يلقي فورا كل هذه الأوزار معا کاهله، إذ يكون شغله الشاغل النوم والأكل وشرب الخمر وإراحة جسده، ويتخلى عن جميع الأعمال الشاقة دفعة واحدة ولا يبقى له أي عمل غير الأكل والشرب والانغماس في الملذات النجسة.فإذا كان يسوع يقصد هذه الأمور من قوله المذكور بأنه سوف يريح، فنحن نقرّ دون مراء بأن النصارى يتمتعون في الحقيقة براحة متناهية منقطعة النظير في العالم بسبب الإباحة في هذه الحياة القصيرة السافلة فهم يستطيعون الجلوس على كل شيء كالذباب ويستطيعون تناول كل شيء كالخنزير، ومعلوم أن الهندوس يجتنبون أكل البقرة والمسلمون يحرّمون لحم الخنزير لكن هؤلاء يلتهمون كل شيء بدون أي تردد، وبكل سرور.فصدق من قال "كن مسيحيا واصنع ما شئت." فكم ركزت التوراة على تحريم الخنزير حتى عدت لمسه حراما، وكتب فيها عن المائدة: ١٦
۳۹۱ بصراحة أن حرمته أبدية، ومع ذلك لم يتركوا هذا الخنزير الذي كان مكروها في نظر كل نبي.قد أقررنا أن يسوع كان يتعاطى الخمور، فهل أكل مرةً خنزيرا أيضا؟ بل على عكس ذلك يقول في مثال "وَلَا تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِير" فإذا كان المراد من اللآلئ في هذا المثال كلمات طيبة، فلا شك أن المراد من الخنازير هم أناس أنجاس.ففي أناس أنجاس ففي هذا المثال يشهد يسوع بجلاء على أن الخنزير نجس، لأنه لا بد أن يكون بين المشبه والمشبه به قاسم مشترك.فغاية القول إن معاد الراحة التي يتمتع بها النصارى هي التحرر والإباحة، أما الراحة الروحانية التي تُنال بإحراز الوصال الإلهي فأقول حلفا بالله لا إن هذه الأمة محرومة منها تماما؛ فإن على أعينهم غشاوة وقلوبهم ميتة وهي في الظلام إن هؤلاء غافلون نهائيا عن الله الصادق الحق، وقد اتخذوا الإنسان العاجز الضعيف إلها إزاء الحي القيوم بدون حق، فليست بحوزتهم بركات، ولا يملكون نور القلوب، ولا هم يحبون الإله الحق بل ليست لهم معرفة بذلك الإله الحق، فليس فيهم أحد توجد فيه علامات الإيمان.فإذا كان الإيمان في الحقيقة بركة فلا بد أن تكون لها علامات، لكن أين ذلك المسيحي الذي يتمتع بعلامات الإيمان التي بينها يسوع؟ فإما أن يكون الإنجيل كاذبا وإما النصارى يكذبون.انظروا إن العلامات التي بينها القرآن الكريم للمؤمنين ظلت متحققة في كل زمن عبر التاريخ، فالقرآن الكريم يقول إن المؤمن يتلقى الإلهام من الله، وإن المؤمن يسمع صوت وإن أدعية المؤمن تجاب أكثر من الجميع، وإن أنباء الله الغيب تكشف على المؤمن، وإن المؤمن يتمتع بتأييدات سماوية، فهذه العلامات كما كانت توجد في الأزمنة الماضية توجد في العصر الحاضر أيضا بلا انقطاع.هنا يثبت أن القرآن الكريم كلام الله المقدس وأن الوعود الواردة في القرآن ومن الكريم وعود إلهية، فانهضوا أيها النصارى وإن كانت لديكم أي قدرة
۳۹۲ فنافسوني، فإذا ثبت كذبي فاذبحوني بلا تردد، وإلا قد أقيمت عليكم الحجة من الله، وإن قدمكم على نار جهنم والسلام على من اتبع الهدى.الــــــــراق میرزا غلام أحمد من قاديان محافظة غورداسبور ٢٢ يونيو/ حزيران ١٨٩٧