Language: ARABIC
Arabic translation of Tafseer-e-Kabeer by Hazrat Mirza Bashir-ud-Din Mahmud Ahmad (ra)
التفسير الكبير مرزا بشير الدين محمود أحمد الخليفة الثاني لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود العلمية المجلد السابع سورة الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت الشركة الإسلامية المحدودة
اسم الكتاب: التفسير الكبير – المجلد السابع الطبعة الأولى: ١٤٢٨هـ / ٢٠٠٧م AT-TAFSIR AL-KABĪR "Commentary of The Holy Qur'ān" By: Hadrat Mirzā Bashīr -ud- Dīn Maḥmūd Aḥmad, Khalifatul Masīḥ II Volume: 7 SŪRAH AL-SHU‘ARĀ TO SŪRAH AL-ANKABŪT (Arabic Translation) Translated from Urdu by: Abdul Momin Tahir O Islam International Publications Ltd.First Published in UK in 2007 by: Al Shirkatul Islamiyyah Islamabad Sheephatch Lane Tilford, Surrey GU10 2AQ United Kingdom Printed and bound in Great Britain by: William Clowes Ltd, Beccles, Suffolk ISBN: 1 85372 861 6
الجزء السابع أ كلمة الناشر كلمة الناشر الحمد لله الذي وفقنا بعونه لإخراج المجلد السابع من هذا التفسير القيم بلغة حبيبه وحبيبنا محمد المصطفى.ولقد كان شرف ترجمته إلى العربية من نصيب الأستاذ عبد المؤمن طاهر، حيث راجعه الأستاذان الفاضلان الدكتور محمد حاتم حلمى والمهندس هاني طاهر.تقبل الله سعيهم، وجعله خالصا لوجهه الكريم، وأعانهم على إخراج الأجـزاء المتبقية من هذا التفسير العظيم.آمين.ثمة أمور عن هذه الترجمة ينبغي توضيحها: :أولاً: لم تُذكر في الأصل (الأردو) معظم الاقتباسات مـــــن الحـــديث النبــوي الشريف والسيرة وغيرهما من المراجع بنصوصها، وإنما ذكرها المفسر له بألفاظه وأسلوبه..غير أننا نقلناها عند الترجمة بنصها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، اللهم إلا في بعض الأماكن التي تعذر علينا فيها الأمر، فترجمنا المضمون مع الإشارة إلى النص الأصلي أو مرجعه في الهامش.ثانيا : هناك مواضع في الأصل أشار فيها حضرة المفسر له إلى بعض الأمــــور إشارةً عابرة قد لا تكون كافية لبعض القراء، فقام المترجم بتوضيحها في الهامش صرفا للالتباس.ثالثا: إن ترقيم الآيات في التفسير هو باعتبار البسملة أول آية من كل سورة.
الجزء السابع كلمة الناشر رابعًا: لقد قام المفسر بهذا التفسير قبل حوالي نصف قرن من الزمان.فلو أخــــذ القارئ الكريم هذا الأمر بعين الاعتبار لسهل عليه فهم كثير من الأمـــور والأحداث المذكورة فيه.خامسًا: يجب التنويه إلى أن هذا المجلد قد تُرجم وطبع في أقل من سنة، فإذا وجد القراء الكرام أية أخطاء مطبعية وغيرها فليخبرونا بها مشكورين حتى يتم تداركها في الطبعة القادمة، إن شاء الله تعالى.6 وأخيرًا فإننا نتقدم بخالص الشكر والدعاء لكل من ساهم في إخراج هــذا الكتاب، ولا سيّما الأستاذ سيد مير محمود أحمد ناصر عميد الجامعة الإسلامية الأحمدية معهد تأهيل الدعاة بربوة باكستان لتفضله بالإشراف على مجموعات الأساتذة والطلاب الذين قاموا بتخريج أو توثيق معظم المراجع لهذا التفسير.وكذلك نخص بالشكر والدعاء الإخوة السادة الأفاضل: المهندس تميم أبو دقة، الدكتور أيمن فضل عودة، الدكتور علي خالد البراقي، عكرمة حسن نجمي محمد أويس السعودي، محمد عمار المسكي، الحافظ عبد الحي بهــي، مرزا خليل بيك، مقبول أحمد ،ظفر مير أنجم ،برويز، عبد المجيد عامر، أحمد نعيم، ومحمد طاهر نديم لمساعدتهم المشكورة في شتى المجالات العلمية والفنية.فجزاهم الله جميعا أحسن الجزاء.محمد كما ندعو الله العلي القدير أن يجعل هذا التفسير سببًا لشفاء غليل الكثيرين من عباده علميًا وعمليا وروحيًا، ووسيلة لفهم كلامه.آمين! الناشر جمادى الثانية ١٤٢٨ هـ تموز/يوليو ۲۰۰۷ م
مقدمة الطبعة الأولى الجزء السابع بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم مقدمة الطبعة الأردية الأولى يحتوي هذا المجلد من التفسير الكبير على تفسير سور النمل والقصص والعنكبوت وأقول بكل ثقة إن كل من يقرأ أي جزء من هذا التفسير لن يسعه إنكار نفعه العظيم.إنه تفسير جديد وفريد من نوعه، وكل من يقرأه سيوقن بأن القرآن الكريم كلام رباني حي، إذ يطلع بقراءته على معارف قرآنية مبتكرة وحقائق عجيبة ودقائق رائعة، فيرقص قلبه فرحًا وتخر روحه ساجدة على أعتاب الله تعالى شكرًا وامتنانًا على أنه وهبنا كتابًا كاملا منقطع النظير كالقرآن الكريم.تأثير التفسير الكبير : يقول الكاتب الأريب والأديب الشهير في الهند البحاثة العلامة نياز فتحبوري في رسالة له إلى حضرة المفسر ): "أطالع في هذه الأيام المجلد الثالث من التفسير الكبير بنظرة فاحصة.ولا شك أنك قد قدمت رؤية فريدة تمامًا لدراسة القرآن الكريم.إنه لأول تفسير من نوعه جمع فيه المنقول مع المعقول بشكل رائع.إن كل كلمة منه لدليل ساطع على غزير علمك وشمول نظرك وعمق فكرك وحسن استدلالك وذكائك الفذ.ويؤسفني أني ظللت جاهلاً بهذا التفسير العظيم إلى هذا الأوان.ليتني أتمكن من قراءة كل الأجزاء من هذا التفسير.لقد اطلعت أمس على أفكارك الرائعة حول قصة لوط اللي أثناء مطالعة سورة هود ، فلم أملك نفسي حتى كتبت هذه * ملحوظة: لقد ضُمَّ تفسير سورة الشعراء أيضا إلى هذا المجلد في الطبعة الحالية.سيد عبد الحي.
الجزء السابع د مقدمة الطبعة الأولى الرسالة ليس بوسعي أن أؤدي حق الإشادة بأسلوبك الفريد في تفسير قوله تعالى: هؤلاء بناتي والذي هو مختلف تماما عن باقي المفسرين – أطال الله بقاءك ".وقال في رسالة أخرى: "لقد ظل التفسير الكبير قيد مطالعي بصورة مستمرة، وأواظب على قراءته ليلا بوجه خاص.أما كيف وجدتُه؟ فإن هذا السؤال يتطلب شرحًا كبيرًا.وباختصار، أرى أنه أول تفسير باللغة الأردية على الإطلاق يُقنع العقل الإنساني إلى حد كبير ولا شك أن الخدمة التي أسدتها مؤسستكم إلى الإسلام من خلال هذا التفسير لعظيمة بحيث لا يسع معارضيكم أيضا إنكارها.وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.".....كان سيدنا أمير المؤمنين الخليفة الثاني - أيده الله تعالى – قد قام بمراجعة مسودة هذا التفسير العام الماضي نفسه، ولكن بما أن حجم الجزء الثاني من المجلد الخامس قد فاق المتوقع، لذا التمسنا من حضرته تأخير هذا المجلد إلى العام التالي، فقبل التماسنا مشكورًا، فهنا نحن ننشره الآن.يدعو الله وفي الأخير أرجو من قرائنا الأفاضل جميعا وبكل تواضع وإلحاح أن تعالى أن يشفي حبيبه "محمود" وإمامنا الهمام شفاء كاملا عاجلا، ويوفقه لإكمال هذا التفسير ذي النفع الكبير للإنسانية.آمين، اللهم آمين.العبد المتواضع جلال الدين شمس ربوة في ١٥ نوفمبر/تشرين الثاني ١٩٦٠م
الجزء السابع سورة الشعراء أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم سورة الشعراء وهي مع البسملة مئتان وثمان وعشرون آية وأحد عشر ركومًا* زمن نزولها سورة الشعراء مكية عند معظم المفسرين، لكن مقاتل يرى أن بعض آياتها مدنية منها قول الله تعالى عن الشعراء وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) (الآية ٢٢٥)، وقوله تعالى أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةٌ أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرائيلَ (الآية ١٩٨).بينما يرى ابن عباس وقتادة أنها مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة، وهي قول الله تعالى (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) إلى آخر السورة (تفسير القرطبي) والحق أن مثل هذه الأقوال لا قيمة لها، ويرجع ذلك إلى أمرين: أولهما أن المفسرين صنفوا هذه الآيات إلى مكية أو مدنية لأن مضامينها تناسب الفترة المكية أو المدنية؛ وثانيهما أنهم وجدوا بعض الأحداث التاريخية تتفق مع مضامين بعض الآيات فقالوا بكونها مكية أو مدنية بناء على قياسهم.ولكن الحق أن هذا التمييز بين الآيات لا يصح إلا إذا كان هناك دليل قوي أو شهادة تاريخية.وعلى سبيل المثال، قد اعتبر مقاتل قول الله تعالى أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ إسرائيل (الآية (۱۹۸) من الآيات المدنية، وليس ذلك إلا لكونه يتحدث عن علماء بني إسرائيل؛ وهذا خطأ، وذلك لأنه برغم أن سورة "مريم" مكية على وجه بني بالإضافة إلى تقسيم القرآن إلى أجزاء وأحزاب وأرباع، فإنه ينقسم أيضًا إلى ركوعات..أقسام صغيرة تناسب القراءة في ركعات الصلاة، وهي مألوفة في المصاحف المطبوعــــة خارج الجزيرة ة العربية..وخاصة في القارة الهندية وإيران وأفغانستان وإندونيسيا وبعض بلاد وهي المغرب العربي (المترجم)
سورة الشعراء الجزء السابع القطعية واليقين (القرطبي)، إلا أنها مليئة بذكر المسيحية واليهودية.كما أن سورة "طه" أيضًا مكية يقينًا (القرطبي)، ومع ذلك فهي مليئة بذكر بني إسرائيل.أما ابن عباس واثنان من تلاميذه فلم يعتبروا الآيتين الأخيرتين من هذه السورة مدنية إلا لأنه قد ورد فيهما أن الشعراء لا عمل لهم سوى قرض الشعر تخريصا وتكلفا إلا الصالحين منهم، إذ المسلمون لم يتوجهوا إلى قرض الشعر بوجه خاص إلا خلال الفترة المدنية و لم يكن بينهم شعراء قبل ذلك.ولكن هذا الاستدلال غير لأن بيان المبادئ والقواعد لا يستلزم وقوع حوادث معينة؛ إذ لو سلّمنا بصحة طريقة هذا الاستدلال وطبّقناها على كتابات أرسطو وسقراط لكانت أمامنا سوانح غريبة لحياتهما بناء على ما ورد في كتبهما.ألا يعلمون أن المرء قد يفكر أيضا بعيدًا عن الوقائع والأحداث؟ وعليه فلا يصعب على المرء أن يدرك إمكانية تناول القرآن الكريم بعض المواضيع والمبادئ بعيدًا عن الأحداث الجارية، وإن لم يعتبره كلام الله تعالى.صحيح، والأغرب من ذلك أنه لم يقع في هذا الخطأ في أول الأمر إلا المسلمون أنفسهم، ثم أخذ منهم المسيحيون فقاموا بتكراره وإثارته ولكن كل من يتدبر في الأمر، وإن كان عدواً للإسلام سيفطن إلى خطأ هذا الاستدلال فمثلاً قد خطأه "ويري".R Wherrey في تفسيره واعتبر هذه السورة كلها مكية بشكل يقيني.(تفسير القرآن الكريم لـ "ويري") إذا، فهذا الاستدلال باطل حتما سواء قام به المسلمون أو المسيحيون.فلا يجوز لنا تحديد زمن السور إلا بناء على الشواهد التاريخية، ومع ذلك كل ما يجوز لنا قوله هو إن السورة الفلانية أو معظمها قد نزلت في الفترة الفلانية.أما أن نقول ذلك بناء على القياس فقط، فسوف يجرنا هذا إلى الخطأ، ولن يجلب لنا أكثر أي من خير.الترتيب والترابط : لقد قال الله تعالى في أواخر سورة الفرقان" أن لا يظن الناس أنه تعالى سيدمر النظام الذي قد أقامه بواسطة الأديان القائمة في الدنيا منذ أزمان سحيقة.عليهم أن يعرفوا أن الله تعالى قد خلق الإنسان لكي يلبي نداءه ويتخلق
الجزء السابع سورة الشعراء بأخلاقه تعالى، وإذا لم يحقق الإنسان هذا الهدف فما الداعي أن يحافظ الله على مثل هذا الإنسان أو النظام، ويأسف على هلاكه؟ أما في هذه السورة فقد بين الله تعالى أن محمدا رسول الله ﷺ يتوجس خيفة من هذا الخطر نتيجة حبه وعطفه على يريد الإنسانية، ويود أن يُنقذ الناس من هذا الدمار إن أمكن.ولا شك أن تفكيره هذا دليل على حبه الشديد للإنسانية، ولكنه تفكير لا يتماشى مع الخطة الإلهية.إنما الله تعالى أن يهب الإنسان العلم والعرفان ليتيح له الفرصة لكي يبحث برغبته وإرادته عن سبل التقرب إلى الله تعالى، وإذا لم يغتنم الإنسان هذه الفرصة فليتحمل النتائج المنطقية لذلك.ولولا هذه الخطة الإلهية لصار الإنسان كالآلة، و لم يكن ذلك الكائن الذي أراد الله تعالى أن يخلقه على صورته.لذا فبرغم أن ما يفكر به محمد دليل على حبه وعطفه على الإنسانية، إلا أنه لا بد للإنسان أن يعيش بحسب الخطة الإلهية وإلا فلن يحظى بالنجاة الحقيقية.بدءًا من من سورة "يونس" كان الخطاب موجهًا إلى النصارى واليهود، أما في هذه السورة فقد توجه إلى المسلمين، ومن أجل ذلك حدث تغيير في حروف المقطعات.لقد سُمّيت هذه السورة "الشعراء" لأن مضمونها يؤكد أن الإنسان لا يمكن أن يحرز الرقي إلا إذا توافق قوله مع فعله وأما الذين يقولون ما لا يفعلون فلا يحالفهم النجاح كما هي حال الشعراء وكأن الله تعالى قد بيّن بذلك أن المسلمين هم وحدهم الذين ستتفق أفعالهم مع أقوالهم في هذا العصر، فلن يكون النجاح حليفا أما غيرهم فهم كالشعراء..بمعنى أنهم يقومون بدعاوى عريضة، لأحد سواهم.ولكن لا يعملون إلا قليلاً جدًّا، فلن ينجحوا إزاء المسلمين.ملخص مضامينها: لقد أُشير في مستهل هذه السورة أنها والسور التالية لها شرح لصفات الله الثلاث: اللطيف والسميع والمجيد، حيث برهن الله تعالى فيها على أنه مطلع على أخفى الأسرار ومجيبًا للدعاء وعلى أن أحكامه تدل على عظمته وليس على أي ظلم وجبر منه تعالى.(الآية ٢)
٤ الجزء السابع سورة الشعراء إن هذا الكتاب يذكر بنفسه الأدلة على صدقه ولا يحتاج إلى مساعدة خارجية لهذا الغرض.(الآية (٣) ثم يقول الله تعالى إننا لما أخبرنا محمدا بهلاك الكفّار في السور السابقة وبأننا لن نتركهم دون عقاب أصابه حزن شديد لعطفه الشديد على الإنسانية، ولكن حزنه هذا غير مجد، لأن الله تعالى قادر على أن يجبر هؤلاء القوم على الإيمان، ولكن لا هذا الإيمان.(الآيتان ٤-٥) فائدة من مثل إن هؤلاء القوم لا يريدون قبول الحقائق الثابتة ويسخرون من كل حقيقة.(الآيتان ٦-٧) لقد خلق الله تعالى في الدنيا أسبابًا شتى لسد كل حاجة للناس، وخلق الأزواج من كل نوع، فما الغرابة في وجود الأزواج في العالم الروحاني؟ أي ما الحرج إذا خلق الله تعالى مثيلا لموسى ومثيلاً لعيسى؟ إن هذا ليس مدعاة للاعتراض، بل هو دليل على قدرة الله ورحمته.(الآيات ٨-١٠) ألم يروا أن الله تعالى قد بعث موسى إلى فرعون، ولكنه خاف بطش أهل بلده واعتذر ليعفى من هذه المهمة واقترح أن يُبعث هارون عوضا عنه؛ ولكن الله تعالى لم يقبل عذره لأنه كان هو الأولى والأنسب لذلك، غير أنه تعالى ضم إليه هارون قائلاً لهما إني معكما فاذهبا إلى فرعون وبلغاه رسالتي، وقولا له أن يسمح لبني إسرائيل بمغادرة البلاد.(الآيات ١١-١٨) فذكّر فرعون موسى بما أسدى إليه من معروف في الماضي، وأثار بعض المطاعن على حياته متهماً إياه بنكران الجميل، فقال له موسى ردًا على مطاعنه: لو كنتُ كما تظن لما اختارني الله تعالى لرسالته.(الآيات ١٩-٢٢) ثم قال له موسى: ما قيمة أياديك علي إزاء ما فعلت بقومي حيث اتخذتهم عبيدا.(الآية (٢٣) فغير فرعون مجرى الحوار متهربا وأخذ يثير بعض الاعتراضات على وجود البارئ تعالى.فلما أجابه موسى عجز فرعون عن الجواب وهدد موسى قائلا: لئن اتخذت إلها غيري لألقينك في السجن.فقال موسى هل ترغب أن ترى بعض
سورة الشعراء الجزء السابع آيات الله؟ قال: فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى موسى عصاه فرآها فرعون ثعبانا.وأخرج موسى يده من جيبه فإذا هي بيضاء لامعة فعزا فرعون هذه الآيات إلى الشعوذة ،والسحر، وأثار قومه ضد موسى وقال إنه يريد أن يتسيد عليكم ويخرجكم من دياركم.فأشاروا عليه أن يدعو السحرة ليبارزوا موسى.فدعي السحرة فغُلبوا فآمنوا بموسى.(الآيات ٢٤-٥٢) فأمرنا م أن يخرج بقومه من تلك البلاد.(الآية ٥٣) موسی فهيج فرعون قومه على موسى، وخرج يطاردهم، ولكنه هلك.فأعطى الله تعالى موسى مثل النعم التي كان يتمتع بها فرعون وبالفعل يقال إن بلاد الشام هي مثل مصر بل هي أفضل منها).(الآيات ٥٤-٦٠) ولما تقدم فرعون بجنوده خاف قوم موسى، فهداً من روعهم.فأخرج الله موسى الله وقومه من البحر عبر طريق يابس كمعجزة، وأغرق فرعون.(الآيات ٦١-٦٩) ثم انظروا إلى إبراهيم الذي أخبر قومه أن الله تعالى يسمع ولكن أصنامهم لا تسمع بل لا حول لها ولا قوة فأجابوه وقالوا مهما يكن فإننا لن نترك الدين الذي وجدنا عليه آباءنا فقال إبراهيم إن ما تعبدون من دون هم عدو لي، أما أنا فلا أؤمن إلا بالله الذي هو رب فعال متصرف في أمور الكون.منه ينزل الهدى، ومنه يأتي الرزق المادي، ومنه يأتي الشفاء، ومنه تأتي الحياة بعد الموت، وعليه نعقد الآمال كلها بعد الموت.(الآيات ۷۰-۹۰) من سنة الله المستمرة على الدوام أنه ينصر أهل الصلاح ويعاقب أهل الشر.إن المجرمين يتكبرون في أول الأمر، ولكنهم يضطرون للاعتذار في نهاية المطاف.وكل هذا يشكل برهاناً على أن الله تعالى ملك ورحمن.(الآيات ٩١-١٠٥) ثم انظروا إلى نوح، فهو الآخر أعلن أنه مبعوث من عند الله تعالى، فأمر بفعل الخير، وأراد خدمة قومه بدون أي مقابل ولكن معارضيه اعترضوا عليه وقالوا إن أتباعه من أراذل القوم فكيف يمكن أن ينتصر علينا فقال لهم نوح: إنما تُعرف مكانة المرء بالأعمال الصالحة لا بالعشيرة والسلطة.(الآيات ١٠٦-١١٦)
الجزء السابع ٦ سورة الشعراء فهدده المعارضون بدلاً من أن يجيبوه على ما قال فابتهل إلى الله تعالى أن يحكم بينه وبين قومه فلم تنفع المعارضين ما عندهم من أسباب مادية شيئا، و لم يكن إلا ما أراده الله تعالى.(الآيات (۱۱۷-۱۲۳) ثم جاء هود قومه عادًا، فحصل معه ما حصل مع الرسل قبله.لقد نبه قومه أن الأمم لا تحيا بما تحققه من عظمة مادية، بل تحيا بالأخلاق والروحانية التي لا توجد فيكم.فقالوا له لقد قال الأولون أيضًا ما تقوله لنا، و لم تضر هذه الأقاويل أحدًا شيئًا.فأخذوا وعُوقبوا في نهاية المطاف.(الآيات ١٢٤-١٤١) ثم جاء صالح قومه ثمود، وأعلن أنه جاء ليخدمهم بدون مقابل، وأخبرهم أن العظمة المادية بدون القوة الروحانية تدفع الأمم إلى الدمار.فرفضه قومه وقالوا كيف يمكن أن نتبع شخصا حقيرًا مثلك.فعوقبوا في نهاية الأمر.(الآيات ١٤٢-١٦٠) ثم جاء لوط، فحل بقومه مثل ما حل بغيرهم من قبل إذ كانوا متورطين في المساوئ الخلقية.(الآيات ١٦١-١٧٦) ثم جاء زمن أصحاب الأيكة، فعاملوا نبيهم شعيبا المعاملة نفسها، فأخذهم الله تعالى، وكانوا يغشون في تجارتهم ويُخسرون الميزان.(الآيات ۱۷۷-۱۹۲) كذلك فإن هذا القرآن وحي الله تعالى ويقدم أدلة صدقه بنفسه.إن الأنبياء السابقين قد أنبأوا به، وإن علماء بني إسرائيل أيضا يعرفون صدقه بناء على ما ورد في كتبهم.ثم إنه قد نزل بلغة القوم الذين هم أول المخاطبين به.ولو نزل القرآن بلغة غير لغتهم لم يفهموه، فلم لا يتدبرون في القرآن وقد نزل بلغتهم؟ فليس سبب إنكارهم إلا أنه قد حال دونهم ودون الإيمان ما قد حال دون إيمان أمم الأنبياء السابقين.إنهم ينتظرون العذاب ولكن ماذا ينفعهم العذاب إذا جاءهم؟ لو كان محمد ﷺ صادقا فعليهم أن يدركوا أن مجيئه هو بمثابة العذاب للذين لن يصلحوا ما بأنفسهم.(الآيات (۱۹۳-۲۱۰) على الناس أن يتدبروا تعاليم القرآن الكريم ليروا ما إذا كان فيها ما يؤيد الشيطان.وإذا لم يكن فيه ما يدعم الشيطان، فكيف يظنون أن الشيطان نـزل بهذه التعاليم التي تعارض الشيطان وتنصر الله تعالى؟ و لم لا يدركون أن الشيطان لا
الجزء السابع سورة الشعراء يقدر على أن يأتي بهذا الكلام العظيم المليء بالمعارف؟ إن ما في القرآن هو ما يأتي به الأنبياء الصادقون، ولكن الشيطان لا يستطيع أن يسمع الكلام الذي ينزل على أنبياء الله الصادقين.فيا أيها الرسول، استمرّ في تبليغ رسالة الإله الواحد، وابدأ بدعوة قومك أوّلاً.فمن آمن منهم فعليك بتربيتهم، أما الذين كفروا فأعرض عنهم متوكلاً على الله تعالى الذي يراك وسيهبك القوة والغلبة.لن يبقى المسلمون متفرقين هنا وهناك طويلا، بل سيجمعهم الله تعالى حيث يعيشون معا، وحيث يعبدون الله الأحد أحد في حرية، لأنه تعالى مجيب الدعاء.إنما تتنزل الشياطين على الأفاكين الآثمين.إنها تتنصت إلى ما ينزل من السماء، وأكثرهم كاذبون والشعراء يتبعهم الضالون الغاوون الذين ليس همهم إلا التمتع بالكلمات الجميلة، أما العمل الصالح فلا يوجد له أثر عند المعلمين منهم ولا تلاميذهم.أما المؤمنون فهم عابدون الله ودعاة للصدق.يتحملون الأذى في سبيل الصدق، ولا يرفعون السلاح إلا إذا اضطروا للدفاع؛ والدليل على صدقهم أنهم، رغم ضعفهم، يتغلبون على الأعداء في النهاية.(الآيات ٢٢١-٢٢٨)
الجزء السابع مِ اللهِ الرَّحمن الرّحيمِ سورة الشعراء وو طسم (ن) تِلْكَ وَايَتُ الْكِتَبِ الْمُبِينِ : لَعَلَّكَ بَنجع نَّسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ شرح الكلمات : (المفردات) المبين: أبان الشيءُ: اتضح وأبان فلان الشيء: أوضحه.(أقرب الموارد) باخع بجع بالشاة: بلغ بذبحها القفا (الأقرب).والبخع: قتل النفس غما التفسير: اعلم أن الطاء في مقطع "طسم" اختزال لاسم الله تعالى اللطيف، والسين للسميع، والميم للمجيد.في هذه السورة والسور التابعة لها في المضمون قد سلّط الله تعالى الضوء وقدّم البراهين على كونه محسنًا عظيما وعليمًا بخفايا العباد ومجيبا لدعائهم، وعلى أن قوانينه تؤكد مجده وسمو شأنه، وليس فيها ما يدل علـــى ظلم أو إكراه منه تعالى.واعلم أن من أبرز مزايا الإسلام أنه يعرض على الناس صفات الله تعالى بشكل مكتمل لا يوجد له نظير في أي من الكتب السماوية السابقة.لا شك أن كل كتاب سماوي قد قدّم للناس وجود البارئ تعالى وركز على أهمية الإيمان به الله لأن الله تعالى هو جوهر الدين ،وأساسه ولو لم يقدم الدين للناس وجود البارئ تعالى فوجود هذا الدين وعدمه سيّان؛ ولكن فيما يتعلق بصفات البارئ تعالى ونوعيـــة صلته ومعاملته لعباده فهي أمور لم تتحدث عنها الصحف السابقة بالتفصيل.ولا جرم أن مجرد قولنا "الله محبة" (رسالة يوحنا الرسول الأولى ٤ : ٨، أو أن إلهنا رحيم اقرأ شرحا مفصلاً للمقطعات في الجزء الثالث من هذا التفسير تحت قوله تعالى من سورة يونس: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ).(المترجم)
سورة الشعراء الجزء السابع كريم" لا يقدم صورة حقيقية لصفات الله الحسنى.بل الحق أن نسبة مثل هذه الصفات إلى الله تعالى قد تُعد نتيجة للأفكار الدنيوية والأغراض المادية؛ فمثلا يمكن أن يقال إن هؤلاء القوم لما وجدوا الناس يستحسنون الرحمة قالوا إن الله لما رأوا أن الناس يشيدون بالإحسان والكرم قالوا إن ربنا محسن وكريم.فثبت أن ذكر الأديان السابقة بعضًا من صفات الله تعالى فقط ليس دليلا على أنها قد ألقت على هذه القضية الضوء المفصل.ثم إذا كانت بعض تلك الأديان قد ذكرت في كتبها بعض صفات الله الأخرى فهي لم تقم بشرحها، كما لم توضح ما يوجد بين مختلف صفات الله تعالى مـــــن صلات.أتذكر جيدا أنني رأيت في الرؤيا مرة أن أحد المسلمين الألمان الجدد يسألني سؤالاً، فأذكر له في الجواب بعض صفات الله تعالى التي منها صفة الرب.فقال لي: إن هذه الصفات مذكورة في التوراة أيضًا.وكان لقوله تفسيران محتملان: أولهما أن هذه الصفات مذكورة في التوراة، فلا يمكن أن يكون لهذا الدليل أي تأثير في النصارى، وثانيهما أن القرآن إنما يقلّد التوراة فحسب.ونظراً إلى هذين المعنيين قلت في نفسي: إن هذا الشخص مسلم جديد، فلربما يقول في نفسه إن معظ تعاليم القرآن تشبه تعاليم التوراة، فما فضل القرآن إذا؟ وبمجرد أن تولدت هـذه الفكرة في نفسي بدأتُ ألقي أمامه خطابًا حماسيا وأقول: إن صفات الله التي ذكرها القرآن مميزة على الصفات التي ذكرتها التوراة.فقد ذكرتها التوراة ذكـــرا عاديـــا كأسماء الله فقط، بينما ذكر القرآن دقائق تلك الصفات وأسرارها ووسع نطـــاق مضامينها.وقلتُ: خذوا مثلا صفة الرب التي قد ذكرتها التوراة أيضا، حيث قالت تعالى خالق أو مربِّ أو خالق السماوات والأرض، ولكن القرآن لا يكتفي بهذا القول فقط، بل يخبر في سورة الفاتحة أن الله رب العالمين.وكلمتــا "رب" و "العالمين" كلتاهما تحتويان على دلالة مميزة، حيث لا يعني لفظ "الرب" أن الله تعالى خالق أو مرب فحسب، بل يدل أيضا على أنه يطور بالتدريج ما في الإنسان مـــــن دقائق القوى والقدرات على أحسن وجه.ثم إن كلمة "العالمين" أيضًا لا تتضمن إن الله
سورة الشعراء أنه لا يهيئ الجزء السابع معنى الأرض والسماوات فحسب، بل تدلّ أيضا على شتى الكيفيات والحالات التي تكون فيها شتى المخلوقات الأخرى؛ فكلمة ربّ العالمين تعني أن الله تعالى رب هذا العالم، كما أنه رب العوالم الأخرى أيضا؛ وأنه رب السماوات ورب الأرضين أيضا ؛ وأنه رب عالم الأجسام وعالم الأرواح، وعالم النساء وعالم الرجال، وعالم الفكر وعالم الشعور، وعالم التصور وعالم التقدير، وعالم العقل؛ بمعنى لنا الخبز المادي ولا يمدنا بما ينمّي الأجسام فقط، بل يهيّئ الأسباب لتنمية الأرواح أيضا.كما أنه أمرنا في القرآن الكريم بتنمية كل ما في الفطرة الإنسانية من عواطف وحاجات.فلم أزل في الرؤيا ألقي أمام هذا المسلم الجديد خطابا مستفيضا حول هذا الموضوع في متعة ،وسرور وكنت أشعر أنه قد انكشف علي معنى جديد وأنني في حالة جديدة، إلى أن تنبهت من النوم.إذًا، فأوّلاً قد تحدثت الصحف السماوية السابقة عن صفات الله تعالى حديثا مجملا لا يكشف لنا عظمتها كما ينبغي، وثانيًا إنها لم تشرح تلك الصفات، وثالثا لم توضح العلاقات الكامنة بين شتى الصفات الإلهية.أما الإسلام فقد قــــدم لبني الإنسان تعليما جامعا مكتملا، فبيّن أن صفات الله تعالى نوعان: أولهما الصفات التنزيهية التي تنزه الله تعالى وتقدّسه عن كل ما يوجد في المخلوقات والأشياء المادية من خواص، وثانيهما الصفات التشبيهية أي صفات الله التي تبدو مشابهة لصفات المخلوقات.فالإسلام يخبرنا أن الله تعالى - الذي هو المحور للكون كله - هو أحد..أي أنه وحيد ومنفرد في ذاته.ثم إنه الصَّمَدُ..أي الذي يحتاج إليه الجميع، ولا يحتاج هو إلى أحد.وأنه لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ..أي أنه لم ينجب أي أولاد، كما هو ليس مولودا لأحد.ثم أخبر القرآن الكريم عن الله تعالى أنه وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ..أي ليس ثمة قوة تعمل مع الله جنبا بجنب، كما ليس هنــاك قوة تكون ندا له تعالى.ثم إنه تعالى (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخر..أي أنه عله العلل لجميع الأشياء، وأن كل المخلوقات ترجع إليه هو.ثم إن الله تعالى القدير..أي أنـــه يملك القدرة كلها على تنفيذ كل ما يريد.ثم إنه الحي..أي الذي يحيا علـــى الدوام، والذي يهب الحياة للآخرين.ثم إنه تعالى القيوم..أي أنه قائم بذاتــــه
سورة الشعراء الجزء السابع كما أنه سبب قيام كل ما سواه.ثم إنه تعالى رب العالمين..أي أنه خالق كل العوالم ومرتيها.وإنه تعالى (الرحمن))..أي أنه قد هيّاً بمحض فضله كل ما يحتاج إليه الناس حتى قبل أن يخلقهم.وإنه تعالى الرحيم..أي أنه يأتي بأفضل النتائج لجهود الناس ومساعيهم.وإنه تعالى مالك يوم الدين..أي أنه تعالى، بالإضافة إلى النتائج التي يأتي بها بحسب القوانين الطبيعية، قد جعل لكل عمل نهاية يصدر عندها قراره الأخير، فينال الصالح جزاء حسناته وينال الشرير عقاب سيئاته.ولكن هذا الجزاء أو العقاب يكون خاضعا لمالكية الله تعالى..أي أنه لا يعاقب العبـاد فحسب، بل يعفو عنهم أيضا إذا شاء.ثم إنه تعالى العليم..أي عنده العلم بكل ذرة في الكون بل بكل ما في الفطرة الإنسانية من أسرار خفية.ثم إنه تعالى السميع..أي أنه يسمع دعاء الناس وابتهالهم ويستجيب لهـم.وإنـه تعـالى القهار..أي أن كل شيء في قبضة قدرته وإنه تعالى هو الجبار..أي أنه يصلح كل فساد.وإنه تعالى الوهاب..أي أنه يعطي عباده حظا وافـــرا مـــن نعمه.وإنه تعالى الغفور..أي أنه يتغاضى عن أخطاء عبـاده.وإنـــه تعـالى المهيمن..أي أنه المحافظ والمراقب لكل شيء.وإنه تعالى السلام..أي أنــــه يهب للناس السلام.وإنه القابض..أي أنه يجعل كل شيء في حد معين.وإنه تعالى الباسط..أي أنه يعطي عباده السعة والرخاء.وإنه تعالى الرافع)..أي يرفع الإنسان ويوصله إلى أعلى الدرجات وإنه تعالى الحفيظ..أي أنه يحفظ الخلائق ويحميهم.وإنه تعالى المتكلم..أي أنه يتكلم مع عباده وينـــــــزل عليهم وحيه وإلهامه.أنه باختصار، إن الإسلام يعرض على العالم إلها كامل الصفات.إنه لا يقول كالمسيحية إن الله محبة، ثم يلزم السكوت.وإنه لا يكتفي كالتوراة ببيــــان بعــض صفات الله تعالى، بل يذكر بالتفصيل جميع صفات الله التي هي وثيقة الصلة بخلق الإنسان.وكأن الإسلام قد كشف جميع أقسام السماء، مما يشكل دليلا بينا علـــى أنه قد نزل من السماء.
۱۲ سورة الشعراء الجزء السابع ثم إن الإسلام لم يكتف بتقديم صورة مكتملة لصفات الله تعالى فحسب، بـــل أخبر الناس أيضا أنهم إذا أرادوا التقرب إلى الله تعالى فسبيله أن يصطبغوا بصبغة الله، أي عليهم أن يحاولوا محاكاة صفات الله وتقليدها.يقول الله تعالى وَلَقَــدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إبليس (الأعراف: ١٢).وهذه الآية توضح أن للإنسان خلقتين: خلقة بشرية، وخلقة روحانية، والخلقة البشرية مذكورة في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ..أي جعلناكم کائنات ذات حياة، وأما الخلقة الروحانية فقال الله تعالى بصددها صَوَّرْنَاكُمْ...أي أعطيناكم صورة روحانية تتميزون بها عن باقي المخلوقات.وإلى هذا المعنى نفسه قد أشير في التوراة كالآتي: "خلق الله الإنسان على صورته" (التكوين ١ (٢٧).ولكن كلمات التوراة توهم وكأن الله تعالى شيء مادي، أمـــا كلمات القرآن فتوضح بجلاء أن المراد من الصورة هنا صورة روحانية لا ماديـة، ذلك لأن الله تعالى قد سبق أن ذكر الخلق المادي، فليس المراد من قـــول الله بعـــد ذلك صوّرناكم إلا أننا زوّدناكم بقوى وقدرات تستطيعون بها محاولة الاتصاف بصفات الله تعالى، بمعنى أننا قد خلقنا الإنسان خلقًا جسمانيا أولاً، فجعلنـا لـه الأنف والأذن والأيدي والأرجل وغيرها من الأعضاء، ثم قمنا بتنمية عقله وتطوير قواه بحيث أصبح جديرا بالاصطباغ بصبغة صفات الله تعالى وانعكاسها؛ ثم بعـــد ذلك قلنا للملائكة اسجدوا لهذا الإنسان وبما أن القرآن الكريم يركز بشدة على أن السجود لا يجوز لغير الله تعالى، فالمراد من السجود هنا سجود مجــازي وهـو الطاعة والانقياد.غير أن السجود المجازي أيضا إنما يتم أمام إله مجازي، ولذلك قال الله تعالى (ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ)..أي أننا زودناكم بصفات فيها شبة بصفات الله تعالى أولاً، وعندما صرتم قابلين للاتصاف بهـــا والتحلي بها قلنا للملائكة: لا شك أن السجود الحقيقي لا يجوز لغيري بحال من الأحوال، إلا أننا نأمركم بسجود مجازي، وهذا السجود المجازي يتطلب إلها مجازيًا، وهذا الإله المجازي هو الإنسان الذي فيه انعكاس لصفات الله تعالى.ولكن لو فُسّر قوله تعالى اسجدوا لآدم أن يسجد الملائكة لكل إنسان، لم يستقم المعنى، إذ
۱۳ سورة الشعراء الجزء السابع يكون المراد عندها أنه إذا سرق إنسان فعليكم مساعدته في السرقة، وإذا سلب أحدٌ غيره فعليكم أيضا أن تسلبوه، وإذا أراد أحدٌ قتل الآخرين فعليكم أيضا بقتلهم.وهذا المعنى خطأ بالبداهة.إنما يصح السجود لآدم الذي لا يمكن أن يسرق أو يكذب أو يخدع أو يظلم أو يقع في أي سيئة أخرى أبدا.وبما أنه يكـــــون متصفا بصفات أفضل من صفات الملائكة فلا بأس مطلقا في طاعتهم لآدم كهذا.وأنــــى للملائكة أن لا يتبعوا من يكون مظهرًا لصفات الله تعالى؟! كلا بل إن من واجبهم أن يكونوا معه.إذًا، فإن الله تعالى قد زوّد كل إنسان بملكة يستطيع بها أن يكــــون مظهـــا الله تعالى، وإذا تحلّى أحد بصفات الله تعالى أمر ملائكته بنصرته.وإلى هذا المعنى يشير حديث الرسول للهلال لو أن الله تعالى إذا أراد أن يجعل عبدًا من عباده مقبولا في الدنيا أمر ملائكته، فيعملون على نشر قبوله في الدنيا.(كنز العمال: كتاب الفراسة، البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة).إذًا، فكل إنسان مزود بملكة التحلّى بصفات الله تعالى، ولو تحلى بها فإن الله تعالى يأمر ملائكته باتباعه، لكونه قد أصبح كائنا ينعكس فيه الله تعالى، ويتم لـــه الارتباط به لال والاتصال به ذلك لأننا نرى في الدنيا أيضا أن الشيء لا يتصل بشيء إلا إذا كان بينهما نوع من المشابهة.فمثلا بوسعنا أن نوصل الحديد أو الجلد بالخشب لأن بينهما مشابهة، وهي أن كليهما صلب، ولكن لا نستطيع أن نجعـــل الماء أو الهواء يتصل بالخشب، إذ لا مشابهة بينها.ونفس الحال في العالم الروحــــاني أيضًا، فلا بد أن يوجد بين شيئين روحانيين اشتراك حتى يتم بينهما الاتصال.فلكي يتصل العبد بالله تعالى لا بد أن يوجد بينه وبين ربه نوع من المشابهة، وما هي إلا أن يتخلق بأخلاقه تعالى.وعندما يتحلى العبد بصفات كصفاته تعالى يصطبغ بصبغة الألوهية، فيصبح الاتصال بينه وبين ربه ممكنا كما أن اتصال الخــــ بالحديد ممكن.ورغم أن العبد لا يمكن أن يصبح إلها إلا أنه يصبح كمرآة تعكس وجه الله تعالى، شأنه شأن الخشب الذي لا يمكن أن يصبح حديدا، أو الحديد الذي لا يمكن أن يصبح خشبا، إلا أنهما مهيَّآن للاتصال فيما بينهما.
١٤ الجزء السابع سورة الشعراء إذا، من أجل الارتباط والوصال بالله والتقرب إليه لا بد للإنسان أن يتخلّـــق بأخلاق الله تعالى وأن يمتلئ قلبه بحبه تعالى، فإذا فعل ذلك جذبته محبة الله تعالى إليه كما يجذب المغناطيس قطعة الحديد.إن هذا التعليم الذي عرضه الإسلام على العالم يبلغ من الأهمية بحيث لو بذل كل إنسان جهده بحسبه وأصبح مظهرًا لصفات الله تعالى لتغيرت خريطة العالم يقينا ولتبوا كل إنسان مقاما عاليا من الصلاح، بحيث يصبح من المحال لأحد أن يجعــــل قدمه تزل بعد ثبوتها على هذا المقام العالي.وقد عُلّمت هذه الحقيقة في إحدى الرؤى حيث رأيتني ألقي خطابا وفي يدي مرآة، وأقول للناس أثناء الخطاب إن الله تعالى قد جعل قلب الإنسان مثل المرآة.وكما أن الإنسان يرى جماله في المرآة كذلك يريد الله تعالى أن يرى جماله في مرآة قلب الإنسان؛ فإذا عكس قلبه صفاته تعالى بشكل جيد، اعتبره الله تعالى متاعــــا غاليا، ولكن لو كان قلبه وسخا ورديئًا و لم يعكس وجهه تعالى أو عكسه بشكل خاطئ، لم يقبل الله قلبه ورماه بعيدا ولما قلتُ هذه الكلمات رميت المرآة التي كانت بيدي على الأرض قائلاً: هكذا الله تعالى مثل هذا القلـب الوسخ، فينكسر ويتناثر جريدة "الفضل" قاديان ۱۳ ديسمبر/ كانون الأول ١٩١٤م ص ١٢) إن هذه الرؤيا تبين نفس الأمر ؛ أي أن الله تعالى قد خلق الإنسان ليعكس نوره ويكون مظهرًا لصفاته تعالى.فمن الضروري أن يكون كل إنسان، في نطـــاق وسعه، ربًّا ورحمانًا ورحيمًا ومالك يوم الدين وجبّارًا وستارًا وغفّارًا وعليمًا وشكورًا وحميدًا ومجيدًا وودودًا.يجب أن يعكس كل صفات الله تعالى الــــتي مـــــن المشهور عنها أنها تسع وتسعون (البخاري: كتاب الشروط، باب ما يجوز من الأشراط)، ولكنها في الحقيقة أكثر من ذلك بكثير.ولو فعل الإنسان ذلك لحقق الغايــة مـــن خلقه، أما إذا لم تنعكس صفات الله تعالى في مرآة قلبه فهو كإناء مكسور لا فائدة منه، أو كمرآة وسخة قد أكلها الصدأ فلا تعكس وجه الله تعالى.وكما أن الإنسان لا يحتفظ بالمرآة الوسخة المتآكلة بالصدأ، كذلك لا يحتفظ الله الله بمثل يرمي
١٥ سورة الشعراء الجزء السابع هذه المرآة الإنسانية التي كان من المفروض أن تعكس وجه الله تعالى، ولكنها بسبب وسخها ودرنها لا تعكس الجمال الإلهي.مجمل القول إن الإسلام يركز على بيان صفات الله تعالى بشكل خاص، وينبــه كله الناس إلى أن حسنهم متوقف على محاولة اصطباغهم بصبغة صفات الله تعالى.عليهم أن يتذكروا جيدا أنه كلما تمكن المرء من الاتصاف بصفات الله تعالى تحلى أن بالأخلاق الفاضلة أكثر، وبالتالي حظي بقرب الله تعالى أكثر.وهذا يعني الإسلام يقدم تعريف الحسنة والسيئة من منظور جديد، ويبني الأخلاق السامية على أساس انعكاس الصفات الإلهية.إن هذه النظرية الإسلامية مهمة للغاية، والحق أننا لو تدبرناها لوجدنا أنها قد أحدثت في عالم الأديان ثورة وغيرت تعريف الحسنة والسيئة كلية.فإننا نرى أن الذين هم ليسوا معتادين على التفكير العميق إنما يؤدون العمل الذي يعجبهم، لم يعجبهم فلا يؤدونه والحسنة عندهم هو ما يحبونه، والسيئة ما يكرهونه.والحق أن هذا التعريف للسيئة والحسنة باطل تماما، لأن هناك الافا أما ما لم يعجبهم من الناس الذين يرغبون في عمل شيء اليوم، ولكنهم لا يرغبون في القيام به غدا، ومن الناس من لا يحب اليوم شيئا يجب أن يحبّه، ولكنه يرغب فيه غدًا، ولو سأله أحد: لماذا رغبت في ذلك الشيء من قبل ولا ترغب فيه الآن، ولماذا كرهت هذا الشيء من قبل وترغب فيه الآن؟ فربما يقول إن ظروفي كانت مختلفة من قبل، أو يقول لقد كنتُ مخطئا حين لم أرغب فيه من قبل، وقد أصبتُ حينما رغبت فيه الآن؛ ولكن الحق أن قوله هذا أيضا ليس أمرا قطعيًا، إذ من الممكن تماما أن يكـــــره غدًا ما بدأ يحبه اليوم.ثم لو كانت الحسنة ما يحب المرء فعله، فهل على المرء أن يسكت إذا قتل أحـــــد والده بحجة أن القاتل يحب ذلك؟ وهل على السيد أن يسكت على تقاعس خادمه في تنفيذ أوامره لو قال له الخادم إن هذا العمل لا يعجبني؟ إذا كان حب المرء لفعل العدل أن الحسنة، فليس من هو يرفع أحد القضية ضد قاتل أبيه، كما أنه مـــن الظلم أن يعاقب السيد خادمه عند التقاعس في تنفيذ الأمر، ذلك لأن القاتل أحب قتل القتيل، ولأن الخادم يحب التقاعس عن القيام بما يأمره سيده.ولكن مـا نـــراه ما
الجزء السابع المرء 17 سورة الشعراء على صعيد الواقع يبطل هذه النظرية، لأن الشخص الذي يقول إن الحسنة ما يحبه ء وإن السيئة ما يكرهه يثور غضبًا إذا ما قتل أحد أباه ويصرّ على أخذ الثــــار منه، مع أنه كان من الواجب عليه أن يفرح بما فعله قاتل أبيه لأنه قد قام بعمــــل حسن بحسب النظرية التي يقول بها ابن القتيل عن الحسنة والسيئة.كما كان على السيد أن لا يعاقب الخادم عند تقاعسه عن العمل وقوله إني أحببتُ التقاعس، بــل كان عليه أن يفرح لأن خادمه سائر في طريق الحسنة.ولكن هذا لا يحدث علــــى أرض الواقع أبدًا، فثبت أن هذا التعريف للحسنة والسيئة ليس صائبا على الإطلاق.وهناك آخرون تقدموا خطوة أخرى بصدد تعريف الحسنة والسيئة، فزعموا أن الحسنة ما يحبه المجتمع والسيئة ما يكرهه المجتمع.ولكنا نقول مقابل هذا التعريف إن المجتمع الهندوسي لا يحب أكل لحم البقر لأنه إثم كبير عنده، بينما يحــب المجتمـــع المسلم أكله لأنه جائز في دينه؛ وبالمثل نجد المجتمع السيخي يحب أكل لحم الحيوان الذي لا يُذبح وإنما يُقطع رأسه بضربة واحدة ولكن المجتمع المسلم ينهى عن حرام عنده؛ ثم إن المجتمع الأوروبي يحب شرب الخمر، ولكن المجتمع المسلم لا يحب شربها لأنها حرام؛ فبحسب رغبة أي المجتمعات نفصل في هذه الأمور؟ أنحكم لأنه أكله بحسب رغبة المجتمع المسلم أم المجتمع السيخي أم المجتمع الهندوسي أم المجتم الأوروبي؟ فلو حكمنا بحسب رغبة المجتمع الهندوسي الذي يعدّ أكل لحم البقر جريمة عظيمة، لقال المجتمع المسلم كلا، بل إن أكله جائز.ولو حكمنا بحسب رغبة المجتمع السيخي القائل بأكل لحم الحيوان المقطوع عنقه بضربة واحدة، لقال المسلم كلا، بل إن أكله حرام.ولو حكمنا بجواز شرب الخمر نزولا عند رغبة المجتمع الأوروبي، لقال المسلم كلا، بل إن شربها حرام.إذا، لن نجد مجتمعا واحدا ترضــــــى بقية المجتمعات برغباته، ولو فصلنا الأمر بحسب الرغبات ما الآخرين.هنالك آلاف القضايا التي يوجد حولها اختلاف كبير بين الناس فيما إذا كانت حسنةً أو سيئة.فثمة عمل يعتبره هذا المجتمع حسنة كبيرة، بينمـا يعتـبره المجتمع الآخر جريمة كبيرة، وهناك فعل يعتبره أحد المجتمعات ذنبا كبيرا بينما يعتبره مجتمع آخر عين الصواب.فمثلا يعتبر الأوروبيون شرب الخمر عملا حسنا، ولكن أحـــد عــــن
۱۷ سورة الشعراء الجزء السابع المسلمين يعدّون شربها إنما كبيرًا فهل نعتبر شرب الخمر حسنة كبيرة بحسب معيار الأوروبيين أم نعتبره سيئة كبيرة بحسب معيار الإسلام؟ فإذا قدّم أوروبي لمسلم كأس الخمر ورفضها المسلم، فهل نعتبر تصرف المسلم عملا خلاف التحضر والتهذيب بحسب معيار الأوروبيين، أم نعتبر تصرفه حسنة بحسب معيار الإسلام؟ ما هو السبب الذي نقبل بحسبه قول المجتمع المسلم أو نرفض موقف المجتمـــع المسيحي؟ أو نقبل الموقف المسيحي ونرفض الموقف المسلم؟ ثم هناك قوم تقدّموا أكثر من ذلك وقالوا أن الحسنة ما يحبه أغلبية الناس، وأن السيئة ما تكرهه أغلبيتهم ولكن هذا التعريف أيضا ليس صحيحًا، إذ لا يمكننا أن نعتبر ما تراه الأكثرية معيارا لمعرفة الحسنة أو السيئة إلا إذا تمسكت هذه الأكثرية بموقف واحد على الدوام، فإن ما نراه على صعيد الواقع هو أن أفكار الأكثريـــة تختلف من زمن إلى زمن ومن بلد إلى بلد ومن قوم إلى قوم؛ فكيف يمكن إذن أن يكون رأي أكثرية الناس معيارا لمعرفة الحسنة أو السيئة؟ ثم إننا لو اعتبرنا هذا التعريف صحيحا لكان معنى ذلك أن الأكثرية إذا قالت إن الله غير ،موجود لكان إنكاره الا الله هو الحسنة في ذلك العصر ! وإذا قالت الأكثرية إن الله موجود لكان الإيمان به لوله هو الحسنة في ذلك الزمن، وكان إنكاره تعالى سيئة؛ وهذا يعني أن تعريف الحسنة والسيئة سيتغير وفق تغير عقائد الأكثرية.فثبت أن هذا التعريف أيضا ليس تعريفا ثابتًا.وهناك قوم يقولون أن الحسنة ما يجلب سرورا أكثر، وأن السيئة ما لا يجلــب سرورا مثله في ظروف مماثلة.ولكن هذا التعريف أيضا ليس تعريفا صائبا، لأن هذا أن أحدا إذا صار أكثر سعادة بالسطو على أموال الناس كان السلب والسطو هو أفضل حسنة بالنسبة له؛ ولكن لا أحد يقبل هذا الأمر.يعني ومن الناس من يقول إن الحسنة ما هو نافع لمعظم الناس ولكنا لو قبلنـا هـذا التعريف لوجب علينا التسليم بأن فرنسا لو أغارت على بلجيكا لكان عملا حسنًا، ذلك لأن سكان فرنسا أكثر من بلجيكا.لا شك أن سكان بلجيكا الذين هم أقل عددا سيتضررون نتيجة هذا الهجوم، ولكن هجوم الفرنسيين على البلجيكيين
سورة الشعراء الجزء السابع وسلبهم أموالهم سيعتبر حسنة، لأن الفرنسيين الذين سينتفعون من هذا الهجوم هم أكثر عددا وهكذا فإن هذا التعريف سيجيز لكل أكثرية أن تستبيح أموال أي أقلية، ثم تقول إنه عمل حسن؛ وإذا سئلت: كيف يكون سلب أموال الناس عملا حسنا؟ أجابت: انظروا في الكتب فقد ورد فيها أن الحسنة ما كان عليه أكثر أهل الدنيا.وعلى النقيض لو هاجمت شعوب قليلة العدد أمما أكثر عددا واستولت على أموالها، لعد تصرُّفها هذا سيئة، لأن فيه فائدة الأقلية وضرر الأكثرية.من وقد قال البعض أن الحسنة ما يكون نفعه واسع النطاق وطويل المدى.ولكـــن هذا التعريف أيضا يلزمنا القول أن الأمة التي تقوم بأعمال السطو والسلب لمئة سنة هي أقل حسنة الأمة التي تقوم بهذه الأعمال لمئتي سنة.ومن الناس من يقول أن الحسنة ما تنفع صاحبها أكثر، وأن السيئة مـا تـضر صاحبها.ولكن الكذب لو نفع صاحبه أكثر لعُدَّ حسنة بالنسبة إليه فقط، ولكن لا أحد يقول بصحة ذلك.وهناك قوم يقولون أن تعريف الحسنة والسيئة يجب أن يتم على أساس الفطرة، فالحسنة ما هو حسن عند الفطرة، والسيئة ما هو سيئ عند الفطرة.هذا التعريف مصيب إلى حد ما ولكنه ليس بصحيح تماما.لقد ذكرت في مناسبات عديدة أن الخليفة الأول للمسيح الموعود الله كان يحكي أنه قال لسارق مرة أن السرقة عمل سيئ للغاية، وعليك أن تكسب المال الحلال بجهودك فقال: أيها الشيخ، إننا نحـــــن السارقين نبذل جهودا كبيرة ونواجه أخطارًا شتى في أثناء عملية السرقة، فأرى ألا بأس في السرقة بل هي عمل جائز تمامًا ! فقال حضرته للسارق: لو وضعت الذهب المسروق عند صائغ وطلبته منه بعد بضعة أيام، فرفض طلبك وقال لم تعطني أي ذهب، فماذا ستقول عن هذا الصائغ ؟ فقال السارق : هل يوجد في الدنيا رجـــل خبيث يأكل أموال الناس بهذه الطريقة؟ وهكذا نرى أن مما لا شك فيه أن فطرة الإنسان تخبره بما هو حسن وسيئ، ولكن بقدر محدود، لأنهــا تــصبح في بعض الأحيان مشوّهة ممسوخة من جراء البيئة المحيطة بها.
الجزء السابع الدين يطرح ۱۹ سورة الشعراء والآن يبقى السؤال: ما هو تعريف الحسنة والسيئة إذا؟ هل الحسنة ما يعتبرها حسنة والسيئة ما يعتبرها سيئة؟ وإذا كان هذا الكلام صحيحا فالسؤال الذي نفسه هنا هو : أي الأديان حسناته حسنات وسيئاته سيئات والإجابة على هذا السؤال صعبة للغاية.فإن في الدنيا ديانات كثيرة، تختلف اختلافا وهي كبيرًا فيما يتعلق بتعريف الحسنة والسيئة.فهناك عمل يعتبره أحد الأديان حسنة، بينما يعتبره دين آخر سيئة.إذا فهذا التعريف أيضًا لا يمدنا بعلم حقيقـــــي بــصدد الحسنة والسيئة.ثم هناك سؤال آخر: إذا اعتبر عمل ما إنّما لا لحكمة، بل لمجرد أن الشرع ينهى عنه، فسوف يُعتبر حكم الشرع هذا لغوا وعبثا، أما إذا اعتبر هذا العمل سيئا لكونه سيئًا فلا يصح القول بأن السيئة هي ما ينهى عنه الشرع، وإنما الصحيح هو أن عما الشرع ينهى هو سيئ؛ وفي هذه الحالة يجب أن ترجع ذلك الأمر أو النهي إلى تلك الحكمة وليس إلى الشرع.إذا، فلا يكفي أيضا القول أن ما ينهى عنه الشرع هو السيئة وأن ما يأمر به الشرع هو الحسنة.أما الإسلام فيقدم تعريفا للحسنة والسيئة يخالف هذه النظريات كلها، وهـو أن الحسنة تعني موافقة الإنسان مع صفات الله تعالى وأن السيئة هي تصرفه المخالف لهذه الصفات.فيأمر الله تعالى المؤمنين بهذا الصدد في القرآن صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صبْغَةً﴾ (البقرة: (۱۳۹)..أي أن الله تعالى هو رب العالمين والـــرحمن الرحيم ومالك يوم الدين فعليك أن تسعى لتكون مظهرا لربوبية الله للعالمين ولرحمانيته ورحيميته ومالكيته.كما أن الله تعالى ستّار وغفّار وقهار وحميد ومجيد وشكور وودود، فعليك أن تسعى قدر الإمكان لتكون ستّارًا وغفّارًا وقهارًا وحميدًا ومجيدًا وشكورًا وودودًا، ليتم بينك وبين الله تعالى نوع من المماثلة وتنعكس فيك صفاته، فتتحلى بالأخلاق الحميدة السامية.فالحسنة الحقيقية عند الإسلام ما يتفق مع الحسن الأزلي، والإثم أو السيئة هو يتنافى مع صفات الله تعالى.وبما أن الإنسان مؤهَّل لأن يكون مظهرًا لصفات الله ما تعالى، أو بتعبير آخر، أن الله تعالى هو الأصل والإنسان هو الصورة، ويكمن جمال
۲۰ سورة الشعراء الجزء السابع الصورة في أن تكون مطابقة للأصل، ويكمن قبحها في أن تكون خلافا للأصل.إذا، فكل عمل يجعل الإنسان أكثر موافقة ومشابهة بالله تعالى هو الحسنة، وكــل عمل يجعل الإنسان على نقيض من صفات الله تعالى هو السيئة.وكأن التعريـف الحقيقي للحسنة والسيئة عند الإسلام هو أن الحسنة اسمٌ لكل عمل أو فكر يؤدي المشابهة بين الإنسان وبين الله تعالى الذي هو كامل ومنزه عن كــــل إلى نوع من عيب، والسيئة اسم لكل عمل أو فكر يتنافى مع مرضاة الله أو أفعاله الله.لا شك أن بعض الناس يمكن أن يقول لنا: أنا لا أؤمن بالله؛ وعندها سيكون من واجبنا أن نقدم له الأدلة والبراهين على وجود الله تعالى، ولكن بعد الإقرار بوجود الله تعالى ليس أمامنا سبيل لمعرفة الأخلاق الصحيحة إلا أن ندرك أن العمل الموافق لصفات الله تعالى هو الحسنة، وأن العمل المنافي لصفاته تعالى هو السيئة، لأنه تعالى هو وحده المنزه عن العيب والمتصف بكل الصفات الحسنة السامية.وبعد تحديد هذا التعريف للسيئة والحسنة لن يصعب علينا معرفة الأخلاق الفاضلة والأخــــلاق السيئة، ذلك لأن الإنسان إذا وجد النموذج الحي لم يبق بعده بحاجة إلى صــــورة خيالية.وإننا نستطيع أن تُثبت ثبوت الشمس في كبد السماء، أن هناك ذاتا متصفا بكل الصفات الحسنة العليا يستطيع الإنسان إصلاح أفعاله إذا ما حاول الاتصاف بصفاته، وهذا الذات يملك الحسن والجمال لدرجة أن الإنسان إذا تأسى بأخلاقه أصبحت أفعاله أيضا..جميلة.فإذا كان الله تعالى موجودًا - وهو موجود حتما - وإذا كان متصفا بجميع الصفات الحسنة، فكل من يقلده في أفعاله تحلى بالأخلاق الفاضلة.إذًا، فإنما الأخلاق الفاضلة هي تلك التي تتهيأ للإنسان بتقليد صفات الله تعالى وأفعاله، وإنما الأخلاق السيئة هي تلك التي تحول دون أن يكون الإنسان مظهرا لصفات الله تعالى ذلك لأن الله تعالى هو المبدأ والمنبع وليس الإنسان في الواقع إلا مرآة له الله ، فكلما حاول الإنسان التخلق بأخلاق الله تعالى تحلــى بـالأخلاق الفاضلة السامية، وكلما فشل في التحلّي بصفاته تعالى، حُرم من التخلق بالأخلاق الفاضلة.ومن أجل هذه الحكمة قد ركز الإسلام على صفات الله تعالى بشكل
وجه ۲۱ الجزء السابع سورة الشعراء خاص، وقد ذكرها مرارا وتكرارًا لتكون دليلا على وجود الله تعالى من ناحية، ومن ناحية أخرى ليصبح الإنسان مظهراً لتلك الصفات حتى يصبح كمرآة تعكس الله تعالى، فلا يكون فيه إلا الحسن والجمال ويتنزه من كل نقص وعيب.لقد استهلت سورة الشعراء أيضا بثلاث من صفات الله تعالى، وأُولى هـذه صفة "اللطيف".وقد ورد في القاموس أن اللطيف هو: "البَرُّ بعباده، والمحسنُ إلى خلقه بإيصال المنافع إليهم برفق ولطف...أو العالم بخفايــا الأمـــــور ودقائقها" (أقرب الموارد).الصفات هي بعشرات وإذا أمعنا النظر في نظام الكون وجدنا هذين المعنيين يتحققان بالتمام والكمال، ولم نجد بدا من الاعتراف بأن الله تعالى لطيف بالفعل.فقد من الله تعالى على خلقه بصنوف النعم لفائدتهم ولاستمرار حياتهم، وهياً لبقائهم من الأسباب والنعم بحيث إن المرء لو ظل يشكر الله تعالى على هذه النعم طول حياته لم يستطع أن يؤدي حق شكرها.فمثلا قد خلق الله تعالى من عظيم إحسانه الشمس والقمر والنجوم على بعد آلاف الأميال في السماء، وسخرها في خدمة العباد ليل نهار.وخلق الله الأرض التي هي الأخرى لا تزال تخدمهم بدون انقطاع.يلقي المرء في الأرض بضعة كيلوغرامات من البذر ويرجع إلى بيته، وبعد مدة قليلة يرجع إلى بيت الأطنان من الغلال عوضا عن هذه البذور القليلة وينام المرء في بيته في راحة، ولكن الأرض تظل تخدمه بدون انقطاع، فتنبت له الغلال والخضار، وتخرج لــه أنواع الثمار والأزهار، وعندما يهب من نومه ويأتي إلى الحقل يأخذ منه الخضار والثمار جاهزة.ثم انظر إلى جسم الإنسان لتعلم ما وهبه الله من النعم.إن أذنـــه عضو صغير، ولكنه نعمة ربانية عظيمة.إن موجات الهواء التي توصل الأصوات إلى الأخرى من خلق الله تعالى.ثم إن أوتار الحلق التي تحدث الصوت أيضا من عطاء الله تعالى.وعندما يتغنى المطرب جميل الصوت يقول الناس ما أجمل صوته! أنه إنما يتغنى بمساعدة هذه الأوتار التي هي هبة من الله تعالى.وعندما يرى الناس شخصا قوي الذاكرة يقولون: ما أقوى ذاكرته، مع أن الدماغ الذي فيه الذاكرة مــــــن صنع الله وعطائه.ثم إن خلايا المخ أيضا من صنع الله تعالى.وإن المصلي حين يصلي آذانه مع هي
الجزء السابع بید الله الله ۲۲ الله، عطايا من سورة الشعراء إنما يردد كلمات الصلاة بلسان هو أيضا من صنع وإن المكان الذي يحفظ فيه المصلي هذه الكلمات..أي الدماغ.أيضا من صنع الله تعالى.إنه يركع ويسجد ويقوم في صلاته وكل القوى والأعضاء التي يستعملها في هذه الحركات مخلوقة تعالى لا بيد المصلي.كذلك حين يؤدي المرء الزكاة فإنما يؤديها مما أعطـــــاه من مال، كما أن جميع المواهب والكفاءات التي كسب بها هذا المال أيضا هبة من عند الله، وإن اليد التي وإن اليد التي أدى بها الزكاة أيضا عطاء من الله تعالى.وحين يصوم الإنسان فلا يقوم من عنده بشيء في الواقع، إذ لو لم يمنحه الله تعالى القدرة علـــى تحمّل الجوع لاثنتي عشرة أو خمس عشرة ساعة لما صام أبدا، فثبت أنه إنما يصوم بفضل ما أعطاه الله تعالى من قدرة، وليس بفضل أية قوة ذاتية.وإن الحداد البارع في مهنته أيضًا إنما يستعين بالأشياء التي هي عطاء الله تعالى.لقد خلق الله لـــه من مسبقا الحديد والفحم والنار التي يسخن بها الحديد، وأيضا الأعصاب التي يعمل بها؛ فكل الأشياء التي يستخدمها في مهنته إنما هي الله تعالى، وليس مـــــن الحداد إلا إرادته.ولكن رغم كل هذه النعم العظيمة يغمض المرء عينيه عنها أحيانًا، ناكرا للجميل جدا، فلا يرى أي نعمة منه تعالى، ولا يبصر أي فضل.ويصبح تعالى ولا يتولد في قلبه أية مشاعر حب الله تعالى برؤية أي نوع من الرحمة الإلهية.لقد رأينا الأثرياء الكبار الذين يسافرون في سياراتهم الفخمة وتكون موائدهم مليئة بصنوف الأطعمة، ولكنهم عندما يجلسون عليها للأكل يقولون هذا الطعام ليس بجيد، وذاك الطبق ليس بلذيذ.وعلى النقيض ترى الإنسان الفقير يأكل كسرة الخبز الجاف بمتعة كبيرة ويجدها ألذ من نعم الدنيا كلها أتذكر جيدا أنه عندما كـــان سنّي حوالي ثلاث سنوات أصبتُ بمرض في عيني، فمنعني الأطباء من أكل الخبز في هذه الحالة.وفي صبيحة أحد الأيام شعرت بألم شديد في عيني – وذلك لأن العين المريضة تظل مغمضة طوال الليل فتمتلئ بالماء فيبكي الطفل لشدة الألم في الصباح فبدأت أبكي فاحتضنتني خادمة في البيت وأخذت تداعبني، وكانت في يدها كسرة خبز بائت، وكانت تأكله بمتعة كبيرة وتداعبني أيضا.ولم أتمتع في حيــاتي كلها برائحة أي طعام كما تمتعت برائحة كسرة ذلك الخبز البائت.والسبب أن 6 منه
۲۳ سورة الشعراء الجزء السابع هذه الخادمة كانت مطمئنة البال فكانت تجد في هذه الكسرة البائتة متعة ولذة لدرجة أن لذتها سرت إلى مشاعري أيضا.وبرغم أنها كانت تأكل هذه الكسرة بدون أي طبيخ يبللها، غير أنها كانت تأكلها بنهم متلذذة بها ومحدثةً معهـــا الأصوات، وكانت هذه الأصوات تؤكد لي أن هذه الكسرة هي ألذ الأطعمة عندها.وبعد حوالي أربع سنوات من هذا الحادث سألتني أمي مرة: هل تحب أكل شيء معين؟ فقلت أريد أن أكل الخبز البائت.وإنما قلت هذا نتيجة التأثير العميـــق الذي تركه ذلك الحادث في قلبي.إذا، فلو كانت عند الإنسان القناعة والرضا، ولو نظر إلى كل شيء بمشاعر الشكر لله تعالى، لوجد أبسط شيء كأكبر نعمة من نعم الدنيا.كان الخليفة الأول الله الله يحكي لنا أنه قال مرة لعجوز صالحة عابدة: يا أماه مُريني بخدمة أقوم بها لك، فإني أريد أن أحقق لك رغبة ما لأثاب عليها.فقالت له: لقــــد أعطاني الله كل شيء، ولست بحاجة إلى أي شيء آخر.فقال لها بإصرار: إنني أود من الصميم أن أقوم بخدمة لك.قالت نور الدين ماذا أريد أكثر مما أعطاني الله تعالى؟ يحتاج المرء إلى خبز ولحاف، ويبعث الله تعالى إلى برغيفين فأكل أحدهما ويأكل ابني الآخر، وعندنا لحاف واحد وكلانا ننام فيه؛ عندما أشعر بالتعب خلال النوم وأريد أن أغير جنبي، أقول لابني أن يغيّر جنبه ، فأنام على جنب آخر؛ وعندما يتعب هو، يخبرني فنغيّر جنبنا؛ وكلانا نعيش في راحة ومتعة ولسنا بحاجة إلى أي شيء بعد ذلك.فألح عليها أكثر فقالت : إذا كنت مصرا لهذه الدرجة، فأحضر لي مصحفا بخط كبير لأن بصري قد ضعف، ولا أقدر على قراءة الحروف الصغيرة، فلو وجدت مصحفا بحروف كبيرة سهلت علي تلاوة القرآن الكريم.فانظر إلى البون الشاسع بين هذه العجوز والناس الآخرين.فمن يكسب منهم أربع مئة روبية فهو في قلق، ومن يكسب منهم خمس مئة فهو أيضًا في اضطراب، ومن يكسب منهم ألف روبية فهو الآخر في كرب؛ مع أن المال ليس الهدف، إنمــــا الراحة والسكينة هو الهدف، وإذا لم يتمتع الإنسان بالسكينة، فما الفائدة من المال؟ ولكن الإنسان لو ولد في قلبه عواطف الشكر لبدت له كل ذرة من الكون محسنةً
الجزء السابع ٢٤ سورة الشعراء إليه، وحيث إن كل ذرة من الكون خاضعة لمنن الله وإحسانه سيجد المرء أن الله هو المحسن الحقيقي إليه.كان حضرة ميرزا مظهر جان جانان - رحمه الله - - كبار أولياء الله تعالى في دهلي، وقد ورد في الكتب عنه أنه كان يحــــب الحلــــوى الشهيرة عندنا باسم "لدو".وهذه الحلوى تصنع في دهلي من "القشطة" فتكون لذيذة جدا.وذات مرة كان حضرته في مجلسه إذ جاءه شخص بحبتين مـــن هـذه الحلوى هدية له.وكان تلميذه غلام علي شاه عنده في ذلك الوقت، فأعطــاه الحبتين.وبما أن حبّات حلوى "لدو" المصنوعة من القشطة تكون صغيرة بحجــــم الجوز أو أصغر قليلا، فوضع التلميذ الحبتين في فمه مرة واحدة وأكلهما.فقال لــــه حضرته يبدو أنك لا تعرف كيف تؤكل هذه الحلوى فسكت التلميذ في تلك المناسبة، ولكنه بعد بضعة أيام قال لحضرته سيدي علمني كيف تؤكل حلــــوى "لدو" فقال له: ذكرني إذا أتتنا هذه الحلوى في يوم آخر فأعلمك كيف تؤكــــل.وبعد بضعة أيام جاء شخص بالحلوى، فذكر التلميذ أستاذه بوعده وقال: ها قــــد جاءت الحلوى، فعلمني كيف أكلها.فأخرج حضرته منديله ووضع عليه الحلوى، وأخذ قطعة صغيرة من حبة ووضعها في فمه، وقال: سبحان الله، سبحان الله، قال مخاطبًا نفسه: ما أكثر منن الله عليك، يا مظهر جان جانان! ثم أعـــــاد قولـه: سبحان الله سبحان الله، وتوجّه إلى تلميذه وقال غلام علي هل تعرف ممَّ تُصنع حلوى "الدو"؟ فأخذ يعدّد الأشياء التي صُنعت بها كالقشطة والسكر والدقيق.فأخذ الأستاذ يسبّح الله تعالى ثانية وقال: هل تعرف كيف صُنع السكر الذي وضع في الحلوى؟ قال التلميذ : لقد زرع الفلاح قصب السكر ، ثم عصره في المعصرة ومن ذلك العصير صُنع السكر.فقال الأستاذ : هذا الفلاح الذي زرع قصب السكر كان يستيقظ في الصباح الباكر، ويترك أهله وأولاده ليذهب إلى الحقـــل، ويحرث الأرض ويسقي الزرع، ولم يزل يتكبّد العناء ويجتهد بمشقة، كل ذلك فقط لكي تُصنع حبة "لدو" لمظهر" جان جانان؟ ثم أخذ الأستاذ يسبح الله ويحمده، واستأنف كلامه بعد برهة وقال لم يزل هذا الفلاح يعمل في زرعه ويسقيه ستة أشهر، ثم عصر قصب السكر بمشقة كبيرة، ثم أشعل النار ودخل جحيم الدنيا هـــــذه مـــــرات ثم
۲۵ سورة الشعراء الجزء السابع ومرات لغليان العصير ليتحوّل إلى السكر، وكل ذلك فقط لكي يأكل مظهر جـــــان جانان حبة من "الدو".و لم يزل حضرته يبين لتلميذه بالتفصيل كيف صنعت القشطة والدقيق وكيف ظل آلاف الناس يعملون على صنع هذه الأشياء ليلا ونهارا غير مبالين براحتهم وصحتهم، و لم يسخرهم الله تعالى في هذه الأعمال إلا ليأكل مظهر جان جانان حبة "لدو".وعندها طرأت على حضرته حالة من الوجد ويحمده حتى حانت صلاة العصر، فخرج من مجلسه للصلاة، الله فأخذ يسبّح وظلت الحلوى كما هي.وقد رأينا أنه كان من عادة سيدنا المسيح الموعود اللي أنه إذا أراد أن يتناول الطعام كسر لقمة صغيرة من الرغيف ووضعها في فمه ثم لم يزل يمضغها لوقت طويل.لم يكن حضرته يأخذ لقمة كبيرة أبدا، بل كان يأخذ لقمة صغيرة دائمــــا، وأثناء مضغها كان يأخذ في يده لقمة أخرى يقلبها بين أصابعه ويكسرها كسرات صغيرة عديدة وهو يردد: سبحان الله سبحان الله.ثم بعد ذلك يأخذ مــــن تلـك الكسرات كسرة ويبللها بالطبيخ ويتناولها، وكانت الكسرات الأخرى تبقى علـــى الخوان كما هي.وقد كان بعض الذين يرون هذا المشهد يظنون خطأ أنه العليا يفرق بذلك بين الحلال والحرام من الكسرات وبما أن كسرات كثيرة تجتمع على خوانه فكان الناس يتقاسمونها بينهم تبركا إذا فرغ من الطعام.فالواقع أن رحمات الله وبركاته كثيرة وواسعة جدا بحيث لو فكر الإنسان لتبين له أن كل خطوة يخطوها، وكل لحظة يقضيها، وكل ساعة تأتي عليه من حياتــــه، تكون مصحوبة بأفضال الله تعالى ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.ولو أنـــه أمعـــــن التفكير أكثر لتبين له أن كل الكون مسخر لخدمته، وأنه ينهل من فيــــوض الله تعالى ليل نهار بدون انقطاع.فكلما مدّ يده، أو لمح ببصره، أو رفع صوته، أو بلع ريقه، فإنما يفعل ذلك نتيجة فضل الله ومنته، وإلا فمتى كانت عنده القدرة علـ ذلك؟ فلو كان أحد يعاني من سوء الهضم، وأراد الأطباء أن يعملوا على إصلاح القوة الهاضمة عنده بإعطائه جرعات من "حامض كلور الماء" لمات في بضعة أيام، ولكن الله تعالى قد ركب في الإنسان آلة بيولوجية تُحدث في كل غذاء يدخل في
٢٦ سورة الشعراء الجزء السابع معدته تغييرات كيماوية شتى لتنقله إلى الدم فيجري الدم بهذا الغذاء إلى القلـ فورا، فيمرر عبر الرئة لتنقيته فيصل هذا الدم الصافي إلى الجانب الأيسر من القلب ويخرج منه عبر شريان كبير ينقسم بعد ذلك إلى قسمين: أحدهما يأخذ الدم إلى الرأس والآخر يأخذه إلى ما أسفل القلب؛ وهكذا يأخذ كل عضو مـــن أعـضاء الإنسان نصيبه من هذا الغذاء بحسب حاجته.فتأخذ الأجزاء العليا من الدماغ – وهي مركز العقل والشعور – نصيبها من هذا الغذاء، كما أن المراكز الدماغية التي تحرك شتى أعضاء الجسد تأخذ منه نصيبها، كما تأخذ العين والأنف والأذن واللسان وغيرها من الأعضاء نصيبها من هذا الغذاء.فهناك نظام رائع عظيم خلقه الله تعالى داخل الإنسان لاستمرار حياته.عندما يشاهد الناس المصانع يستغربون، فمثلاً إذا شاهدوا الطاحونة يتحيرون قائلين: كيف تطحن هذه الآلة القمح؟ ولكنهم لا يشعرون بأن الله تعالى قد ركب في الجسم الإنساني نفسه مصنعًا أعظم من جميع هذه المصانع.فالمصنع المركب في الإنسان يطحن ويصفي ويزوّد الجسم بالطاقة والقوة أيضا.فكما أن بعض الطواحين الآلية التي صنعها الإنسان تنتج السميد الخشن منفصلاً عن السميد الناعم، كذلك فإن المصنع الذي ركبه الله تعالى الإنسان تُنتج بعض آلاته الدم الصالح، وبعضها تقوّي العقل، وبعضها تقوّي السمع، وبعضها تقوّي البصر، وبعضها تقوّي النطق.فهناك نظام هائل يعمل داخل الإنسان ليل نهار بدون توقف وانقطاع فينتج عشرات المنتجات التي بعضها تقوي حاسة اللمس، وبعضها تنمّي حاسة الشمّ، وبعضها تقوّي حاسة الأعصاب.وهنالك فروع وأقسام في دماغ الإنسان لا توجد مثلها في المؤسسات الحكوميــــة ومع ذلك لا يشعر الإنسان بما أنعم الله عليه من المنن، بل يمر بهذه الأشياء کالعميان ويظل قلبه خاليا من محبة الله تعالى.أما رسول الله ﷺ فكان إذا بدأ الطعام قال: الله، وإذا فرغ من الطعام قال : الحمد لله، وإذا لبس شيئًا حمد الله تعالى وأثنى عليه مع أنه كان يلبس لباسا بسيطا جدا.إن الناس يلبسون في هذه الأيام أنواع الملابس المريحة من أجود الأقمشة، ومع ذلك لا تتولد في قلوبهم عواطف الشكر الله تعالى.إنهم يدّعون بأنهم يؤمنون بالله ورسوله، ولكنهم لا في جسم أيضا.بسم
الجزء السابع ۲۷ سورة الشعراء يفكرون أبدا أن أضعف مسلم بينهم اليوم أيضًا يلبس ما هو أفضل وأكثر راحة بآلاف المرات من ملابس رسول الله الله الذي قال الله تعالى له: "لولاك لما خلقتُ الأفلاك" (تفسير الألوسي، سورة النبأ، الآية: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خَطَاباً، ومع ذلك لا تمتلئ قلوبنا بمشاعر الحمد والشكر لله تعالى كما كان قلب محمد له يمتلئ بعواطف الشكر العميق وهو يلبس أبسط الملابس، ولا الله تتولد في قلوبنا الحسرة أن يا ليت نبينا تمتَّع بهذه النعم إذ كان أحق وأولى بها.ذات مرة جاء إلى حضرة الخليفة الأول له شخص وقال: إنني من السادات الأشراف، وأريد تزويج ابنتي، فأرجوك أن تساعدني.وكان الخليفة الأول له كريما جوادًا، ولكن المرء يميل أحيانًا إلى جهة معينة لهدف معين، فقال للسائل: إنني مستعد لأن أعطيك لزواج ابنتك كل ما أعطاه الرسول ﷺ ابنته فاطمة رضـــــي عنها.فقال الرجل على التو : هل تريد أن تجدع أنفي أمام الناس؟ فقال حضرته: أنفُك أعزُّ من أنف الرسول ؟ إنما يحترمك الناس لأنك من السادات، فإذا كان هذا القدر من جهاز العروس لم يسبب أي إهانة للرسول ﷺ فكيف يسبب لك الإهانة؟ هل فالحق أن أدنى المسلمين درجة اليوم أيضا يتمتع من النعم المادية بما لم يتمتع بـه الرسول ، ومع ذلك يخلو قلب هذا المسلم من مشاعر حب الله تماما.إنه يعلم أن الله تعالى قد أنعم عليه بنعم الدنيا أكثر من الرسول الله بآلاف المرات، ومع ذلك لا يشكر ربه.بينما كان قلب الرسول ﷺ عامرًا على الدوام بمشاعر الشكر لله تعالى.عندما ينزل المطر من السماء يمر به غافلا، الفلاح مع أن هذا المطر قد جاء لينبت زرعه.إنه يدخر هذه المياه دون أن يفكر من أين جاءت إن القرى والمدن التي ليس فيها آبار يخزن أهلها مياه الأمطار في الغدر والسدود سدا لحاجاتهم على طول السنة، وإن هؤلاء عندما يدخرون هذا الماء لأنفسهم ولمواشيهم لا يتولّد في قلوبهم أي إحساس بأن ربهم قد منّ عليهم منّة عظيمة إنهم لا يفكرون أن الله هو أي كان من نسل الرسول ﷺ (المترجم)
۲۸ الجزء السابع سورة الشعراء الذي قد حوّل مياه البحار بخارا بواسطة أشعة الشمس ، ثم أتى به بواسطة الرياح وأمطره على بلادهم.ولكن لم يكن عند محمد غدران ولا سدود ولا زروع ذلك كان ولا مواشي، ومع وأخرج لسانه وتلقى به قطرات المطر وقال: هذه نعمة جديدة من ربي.من عادته الله أنه كلما جاء المطر خرج إلى فناء بيتــــه ما أروع وما أجمل هذا الأسلوب للحبّ والشكر ! إن الناس يتناولون ألـــدّ الأطعمة وأحلاها، ومع ذلك لا يجدون في قلوبهم أي حماس لمحبة الله ولا يشكرونه على نعمه، ولكن الرسول لله كان يحب الله تعالى حبا يجعله يخرج لسانه ليتلقى به أول قطرات المطر شكرًا لربّه على هذه النعمة الجديدة.ومن أجل ذلك قد نبهنا الله تعالى في القرآن الكريم إلى الشكر على نعمه وذكر مننه دائما.إذا عد الإنسان كل شيء نعمةً من ربه وقدر نعمه تعالى، نال سلّمًا يوصله إلى ربــه، فلا يستطيع الشيطان أن يعيق طريقه، كما لا تستطيع نفسه أن تسقطه فلا يزال يصعد في هذا السلّم ليصل إلى ربه رأسًا، ذلك لأنه كلما رأى منن ربّه امتلأ قلبه شكرا له وهذا الشكر هو الذي يرفعه باستمرار ويحفظه من السقوط للأبد.والمعنى الثاني لكلمة "اللطيف" هو "العالم بخفايا الأمور ودقائقها".وقد أشار الله تعالى بهذا المعنى إلى أن بصر الإنسان برغم كل ما يملكه من علوم ومخترعات محدود بظاهر الأشياء فحسب، وأن الإنسان يجهل غيب الله العظيم الذي يعمل وراء هذه الأمور وما فيها من دقائق الحكم الخفية، ولا تنكشف عليـه غـــوامض الكون وأسراره إلا إذا أراد الله تعالى أن يُطلعه على أسراره ويزيل عن عينه الخفاء نتيجة صفته "اللطيف".وقد أشار الله تعالى إلى هذا الأمر نفسه حين أمـــر رسوله أن يقول للناس وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ عن نص الحديث كالآتي: ثابت عن أنس قال: "أصابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُول الله ﷺ مَطَرٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله ، فَحَسَرَ ثَوْبَهُ عَنْهُ حَتَّى أَصَابَهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله لَمَ صَنَعْتَ هذَا؟ قَالَ: لأَنه حَديثُ عَهْد بربه".أبو داود كتاب الأدب: باب المطر) (المترجم)
۲۹ سورة الشعراء الجزء السابع السُّوءُ (الأعراف: ۱۸۹).والحق أن التدبر العميق يكشف لنا أن الله تعالى قد جعـــل في استئثاره بالغيب نوعين من البركات للإنسان البركة الأولى ينالها الإنسان ببقاء بعض الأمور وراء حجاب الغيب والبركة الثانية ينالها الإنسان حين يكشف الله تعالى له الغيب والبركة التي ينالها الإنسان نتيجة بقاء الأشياء وراء حجاب الغيب متجلية من حيث إن حياة الإنسان كلها تتوقف على السعي والاجتهاد، ولـيـس أساس السعي والاجتهاد إلا منوطًا بالغيب، إذ لولا حجاب الغيب لما كان هنــاك سعي ولا عمل مطلقا.فمثلاً يوصل الآباء أبناءهم إلى المدرسة، ولو كان الأولاد أذكياء مجتهدين أدركوا أنهم سينالون مكانة مرموقة في الدنيا إذا نالوا التعليم العالي، ولكن بعض الطلاب يمرض أحيانًا قبل موعد الامتحان بقليل أو يمـــوت نتيجـــة حادث، فلولا أن الله تعالى قد استأثر بعلم الغيب، ولولا أن هذا الطالب لا يعلم أنه سيموت إذا بلغ الخامسة عشرة من عمره لأصابه الحزن الشديد منذ البدايـــة، ولأخذ والداه في البكاء والعويل، ولضيّع ابنه عمره كلية.ولكن الطالب يظل يجتهد بسبب حجاب الغيب، وبرغم أنه يموت بعد ذلك في تلك السن المبكرة، إلا أنـــه يترك وراءه نبراسا يضيء طريق الطلاب الآخرين ويساعد على الرقـــي، شـأن الشهاب الثاقب الذي يتساقط ولكنه يضيء الطريق لكثير من المسافرين الضالين ويجنبهم السقوط في الحفر؛ ذلك لأنه لولا أسوة هذا الطالب المجتهد لما اجتهد كثير من الطلاب في دراستهم.إنهم لا يجتهدون إلا لأنهم يشاهدون اجتهاده وذكاءه، فيرغبون في الدراسة ويرتقون.وكذلك يعيش الإنسان بين أصدقائه وأقاربه مع أن بعضا منهم إنمـا يــصادقه لأهداف ومآرب وبعضهم ينسج ضده أنواع المكائد الخطيرة؛ أو يظهر له بعض أقاربه الحب الزائف، بينما يتربص به الدوائر.ولولا حجاب الغيب بينهم، ولولا أنه لا يعلم يكن له بعضهم من العداء وما يتربص له من الدوائر، لقامت القيامة في الدنيا، ولوجدنا أهل كل بيت في حرب وقتال، ولتصدى بعضهم لبعض قائلا: إنك تحمل ضدي أفكارًا سيئة، وتنسج ضدي مؤامرات، ولوجدنا المرأة تسخط علـــى
٣٠ سورة الشعراء الجزء السابع زوجها، والزوج يغضب على زوجته ولغاب الأمن والسلام من العالم.فثبت أن حجاب الغيب الذي جعله الله تعالى بيننا لرحمة عظيمة منه تعالى.هو ثم لولا حجاب الغيب بين الناس لنشبت الحروب في الدنيا كلها ودمرتها.يقول الرسول : الحرب خدعة (الترمذي: أبواب الجهاد)..أي أن أفضل الطريق للحرب أن تخفي كل الأمور عن العدو، وأن تدير الأمر بالسياسة وتمويه العدو.ولكــــــن لولا حجاب الغيب، لعلم أحد الفريقين بمكان العدو ولوجه إليه مدافعه، ولسقطت قذائف الفريق الآخر على رؤوس عدوه مباشرة فلم يبق من الطرفين متنفس واحد.ولكن ما يحدث الآن هو أنه إذا خاض الحرب جيش قوامه مئة ألف جندي، لم يقتل منهم إلا بضعة آلاف ويرجع بقية الجيش سالمين، ولكن لولا حجاب الغيب بين الفريقين لعلم الطرفان كل شيء، ولضرب كل واحد منهما عدوه ضربة قاضية و لم يسلم من الهلاك أحد.ثم إن التقدم العلمي والاكتشافات الجديدة والعلوم المبتكرة أيضا منوطة بالغيب نفسه.إذ لو كان كل شيء ظاهرا مكشوفا لانتهت هذه السلسلة مــن الــسعي والعمل والاختراع، ولأصبح الإنسان كائنا عاطلا.فثبت أن كل الكون يدار نتيجة الغيب، ولولا الغيب لانتهى هذا الكون.ثم إن الجزاء والعقاب في العالم الروحاني أساسه أيضًا الغيب، ولو أزيل حجاب الغيب لما ترتب على الحسنة جزاء ولما نال المرء على ترك السيئة ثوابا.ذات مرة زرنا مدينة "لكناو"، فوجدنا هنالك شيخًا أفغانيا شديد العداء لجماعتنا وكان اسمه عبد الكريم.وقد ألقى بعد مجيئنا هناك خطابا تحدّث فيه بكل احتقار وبذاءة عـــــن حادث وقع مع المسيح الموعود ال.والحادث الذي أشار إليه هذا الشيخ بأسلوبه البذيء هو أن المسيح الموعود الذهب مرة إلى دهلي، وكان هناك قريب لأحد أخوالي يدعى ميرزا حيرت الدهلوي، فخطرت بباله مكيدة شريرة، فجاء إلى مكان إقامة المسيح الموعود اللي متنكرا في زي مفتش شرطة ليخوّفه، وقال له: لقد بعثتني الحكومة لأمرك بمغادرة هذه المدينة فورا وإلا لتعرضت لضرر كبير.فلم يلتفت إليه المسيح الموعود ال، وعندما أراد بعض الإخوة تحرّي الأمر هرب هـذا المفتش
الجزء السابع ۳۱ سورة الشعراء الزائف.هذا هو الحادث الحقيقي، ولكن هذا الشيخ الأفغاني قام بتزييف الحقائق في خطابه فقال أن مؤسس جماعتهم يدعي بأنه إله ولكنه لما ذهب إلى دهلي حضره "ميرزا حيرت" في زي مفتش شرطة، وصعد إلى غرفة المؤسس في الطابق الثاني - وهذا كذب صريح لأن المسيح الموعود ال لم يكن في الطابق العلوي بل كان في الطابق الأرضي - فلما سمع بمجيء مفتش الشرطة أصابه الهلع، حتى زلّت قدمــــه أثناء نزوله من الدرج وسقط على وجهه.فضحك الناس واستهزأوا خطاب الشيخ عبد الكريم الأفغاني، ولكن في نفس الليلة حل عقاب الله بالشيخ، حيث كان نائما على سطح بيته الذي لم يكن محوطا ، فأراد أن ينزل لحاجة وهو نعسان، فسقط من السقف ومات في مكانه حيات أحمد (أردو) المجلد الثالـ الجزء الأول ص ١٦٩) فلو لم يكن هناك حجاب الغيب وعلم هذا الشيخ أنه سيعا أنه سيعاقب علـــى هـذه الإساءة والوقاحة لما فعل ما فعل، بل آمن بالمسيح الموعود اللة، ولكن مثل هـذا الإيمان لا ينفع صاحبه شيئا إذ لولا عنصر الغيب في الإيمان لما كان فيه فائدة، إنما الإيمان النافع ما يكون في حالة الغيب، أما إذا كان الثواب أو العقاب ظاهرا بينا فكل واحد سيؤمن إن أبا بكر لم يؤمن إلا وهو يدرك بأن عليــه تقــديم التضحيات في سبيل الدين ولا بد له أن يضحي بنفسه؛ ولكن لولا حجاب الغيب ولو علم أبو بكر مسبقا أن هناك نعما مقدرة له فآمن طمعا في هذه النعم لما كان لإيمانه نفع.كذلك لما آمن عمر الله له لم يكن يعلم أن سيصبح خليفة في يوم من الأيام، وإنما كان قد خرج بنية قتل الرسول ﷺ، ولكنه لما قرأ بضعة أوراق مـــــن القرآن الكريم وجدها عند أخته، حصحص له الحق فآمن وهو يعلم أن عليه أن يقدّم نفسه في سبيل الإسلام السيرة النبوية لابن هشام: الجزء الأول: إسلام عمر) أما عثمان له فكان إنسانا هادئ الطبع متواضعًا، ولكن الله تعالى قد أكرمـــــه بسبب تضحياته إكراما عظيمًا، ففي صلح الحديبية لما أراد النبي أن يبعث أحد أصحابه للتفاوض مع أهل مكة، قال الصحابة كلهم: يا رسول الله، إن عثمان هو أنسب شخص لهذه المهمة.فذهب عثمان إلى مكة وكان له فيها أقارب كثيرون،
الجزء السابع سورة الشعراء فقالوا له: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله.وأبطأ عثمان الله في المفاوضات مع أهل مكة حتى خيم الظلام فطارت الأراجيف بين المسلمين أنه قد استشهد.فجمع النبي ﷺ صحابته حين بلغه ذلك ودعاهم إلى البيعة على الموت وهي البيعة الوحيدة التي أخذها الرسول ﷺ على الموت.فبايع الصحابة على يده بأنهم سيقاتلون العدو جميعًا حتى الموت.ولمــــا فرغ الصحابة من البيعة قال النبي : إن عثمان ليس بيننا وربما قتل ولكن هنــاك يده الأخرى على يده وقال: هــذه بيعـــة النبي إمكانية أن يكون حيًّا، فوضع عثمان.(تاريخ الخميس: الجزء الثاني ص الثالث، أمرُ الحديبية ص ١٥٨).٢٢ بيعة الرضوان، والسيرة النبوية لابن هشام: الجزء فترى مدى التكريم العظيم الذي ناله عثمان بهذه المناسبة.والحق أنه لو عُمر ألف سنة وضحى بحياته في سبيل الإسلام لما كان لتضحيته أي قيمة إزاء هـذا التكريم ولكن عثمان لو علم مسبقا أن هذا الإعزاز والتكريم مقدر له، وأن كــذا وكذا من النعم مكتوبة له، وآمن طمعا في هذه النعم والجوائز، لما كان لإيمانه قيمة ولا ثمن.أما علي الله فآمن وهو لا يزال صبيا، وقد آمن مدركا أنه سيتعرض لشتى المحن نتيجة إسلامه وأنه ربما يضطر للتضحية بنفسه في سبيل الله الله ورد في الروايـــات له في بداية رسالته أقام مأدبة دعا إليها بني عبد المطلب لكي يبلغهم رسالة أن الني الله.فحضرها كثير من أقاربه، فلما فرغ الجميع من الطعام أراد النبي ﷺ أن يبلغهم رسالة الله، ولكن أبا لهب شتتهم جميعا، فرجع الناس إلى بيوتهم دون أن يسمعوا من کلامه شيئًا.فأخذته الحيرة وقال: ما بال القوم لا يسمعون لقولي وقد أكلـــوا عندي.ولكنه لم ييأس، وأمر عليا الله بإقامة مأدبة أخرى، فدعي إليها الجميع ثانية، فلما أكلوا وشبعوا قام النبي الله ، وقال : أيها الناس لقد من الله عليكم إذ بعث فيكم نبيا من أنفسكم إني أدعوكم إلى الله، فلو آمنتم بي لورثتم نعم الدين والدنيا.هل فيكم من يؤازرني في هذا الأمر؟ فساد السكوت على الجميع، ولكن قام صبي
الجزء السابع فجأة ۳۳ سورة الشعراء من بينهم وقال: أنا يا رسول الله مع أنني أضعف القوم وأصغرهم سنا.وكان هذا الصبي هو علي (السيرة الحلبية: الجزء الأول ص ٢٨٥ - ٢٨٦) كما وفق الله عليا لله لتقديم تضحية عظيمة أخرى وهي أن رسول الله ﷺ لم أراد الخروج من بيته ليلة الهجرة أمر عليها الا الله أن ينام على سريره مكانه حتى إذا نظر الكافرون داخل البيت ظنوه نائما و لم يخرجوا لمطاردته.فلم يقل علي للنبي : يا رسول الله، إن فتيان قريش محاصرون للبيت شاهرين السيوف، ولو أنهـــــم علموا في الصباح أنك قد خرجت من البيت لهجموا عليّ وقتلوني، بل إنه نام على عليًّا أن سرير النبي ﷺ دونما خوف، فوضع النبي عليه رداءه.ولما رأت قريش في الصباح هو الذي خرج من سريره عضوا الأنامل من الغيظ، وأخذوه وضربوه.ولكن ما كان هذا لينفعهم شيئًا، إذ تحققت النبوءات السماوية وخرج النبي من مكة سالما (السيرة الحلبية: الجزء الثاني، باب عرض النبي ﷺ على القبائل أن يحموه).و لم يكن عليه يعلم عندها ما كتب الله له من الجوائز والنعم، ولكن الله تعالى كان يعلم أنه ليس علــــي وحده الذي ينال العزّ والإكرام بسبب هذه التضحية بل إن أولاده أيضا سينالون الإعزاز والتكريم.فأول ما من الله به على عليه أنه شرفه بأن يكــــون نــــيبا للرسول ، وثانيًا قد ألقى الله تعالى في قلب الرسول الله حبا شديدا تجاه علي حتى إنه أثنى عليه في مناسبات عديدة، ولا شك أن عليا له حين كبر شعر بمنتهى الاعتزاز والراحة برؤية هذه الأفضال الإلهية.وذات مرة أراد النبي ﷺ الخروج لحرب وأمر عليًّا أن يبقى في المدينة، فقال: يـــا رسول الله هل تتركني مع النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ (الترمذي: أبواب المناقب، باب مناقب علي)..أي أن العليا لما ترك هارون وراءه، هل كان في ذلك أي نقصان في مكانة هارون؟ فترى أن التضحيات التي قدمها علي الله لا تساوي شيئا إزاء هذا الإعزاز والتكريم وليس هذا فقط، بل إن أكثر أولياء الأمة والصوفية كانوا من أولاد على ه.وقد أظهر الله على أيديهم معجزات تحيّر العقول.لقد سمعت مـــن ســيدنا المسيح الموعود ال مرة أن هارون الرشيد أمر بسجن الإمام موسى الرضا - رحمه موسی
الجزء السابع الله من ٣٤ جئتني منه سورة الشعراء الآن بنفسك وقد العفو عنه إذ لم - لسبب ما، فأُلقي في السجن مكبّلاً.ولم تكن في ذلك الزمن مفارش مريحة ذات اللوالب كالتي نجدها في هذه الأيام، بل كانت مفارش عادية محشية بالقطن.وكان هارون الرشيد نائما في قصره على فراشه المريح مرة، فرأى في المنام أن الرسول ﷺ جاءه والغضب باد على وجهه الشريف، وقال له: إنك تدعي بأنــك تحبنا ومع ذلك لا تخجل أنك نائم على الفراش المريح نوما عميقا مريحا وابني ملقى في السجن مكبّل الأيدي والأرجل في الحر الشديد؟ فتنبه هارون الرشيد من نومـــــه والفزع مستول عليه، فأسرع مع بعض قادته إلى السجن وأخذ يحل بيــــده قيـــد الإمام موسى الرضا رحمه الله.فقال له الإمام: ما بالك قد كنت تعادينا عداء شديدًا ؟ فحكى له هارون الرشيد منامه طالبًا يكن يعرف حقيقة الأمر.(ملفوظات (أردو )، المجلد الخامس ص ٤٩٣) لقد رأينا أولاد الكثير من الملوك مشرّدين يُدَعُون على الأبواب دعا.فقد رأيت شخصا بنفسي العائلة المغولية التي كانت حاكمة على الهند يعمل سقاء، ولكنه كان يملك من الحياء ما يمنعه من سؤال الناس.وعلى النقيض ترى أن الله تعالى يحذر ملكًا في الرؤيا ويأمره بحسن معاملة أولاد علي ، وذلك برغم انقضاء كل هذه الحقبة الزمنية الطويلة على عصر النبي الله و علي الله.ولكن لو كان عند علي علم الغيب وعلم أنه سينال هذه العزة ولو أنه أسلم من أجلها، لما كان إيمانه إلا تجارة مادية لا تستحق أي إنعام ولا جزاء.كذلك قد آمنت السيدة خديجة – رضي عنها – وهي لا تعلم ما كتب الله تعالى لها من بركات نتيجة إيمانها.ولا شك أنها قد ضحت بكل مالهــا في سبيل الإسلام ومن أجل محمد ، حتى اضطرت لتعيش في فقر وضيق بعد أن كانــت أغنى سيدة في مكة.ثم إنها عانت الشدائد في شعب أبي طالب على مدى ثـــلاث سنوات متتالية مما أدى إلى وفاتها بعد خروجها من شعب أبي طالب فوراً (السيرة النبوية لابن هشام: حديث تزويج النبي ﷺ خديجة، خبر الصحيفة).فتقبل الله تعالى تضحياتها قبولا حسنا حتى إن العالم الإسلامي كله يذكرها حتى اليوم باحترام وتقدير عظيمين.الله
٣٥ سورة الشعراء الجزء السابع لقد ألقى الله تعالى في قلب رسوله الله حبًّا عميقا لخديجة.لقد جيء بأبي العاص في واقعة بدر أسيرًا وكان زوج بنت الرسول الله زينب ولكنه لم يكن قــــد أســلم بعد، فبعثت زينب من مكة، عقدًا لها تفتدي به زوجها، وكان هذا عقــــدا قـــد أعطتها إياه أُمُّها خديجة.فلما رأى الرسول الله هذه القلادة تذكر زوجته خديجــــة فاغرورقت عيناه بالدموع، وقال لأصحابه: إن شئتم فاتركوا هذا التذكار لخديجة محفوظا عند ابنتها.(السيرة النبوية لابن هشام : أبو العاص عند الرسول وبعث زينب في فدائه) وبعد انقضاء عدة سنوات على وفاة خديجة – رضي الله عنها - كان النبي ﷺ جالسا في بيته ذات يوم إذ جاءت هالة أختُ خديجة واستأذنت للدخول، وكـــــان صوتها يشبه صوت خديجة كثيرًا، فلما تناهى صوتها إلى أذن النبي تذكر خديجة وهب من مكانه مرتاعًا ،وقال ربّاه هذا الصوت كصوت خديجة.ثم إن الله تعالى قد من على خديجة - رضي الله عنها - منة أخرى إذ رزق النبي – جميع أولاده من خديجة إلا إبراهيم الذي ولدته مارية القبطية (أسد الغابة: كتـــاب النساء، حرف الميم).لقد رزق النبي الا الله يا من خديجة ثلاثة ذكور وأربع إناث، وقد توفي أبناؤه في صغرهم أما بناته الأربع زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن، فقد كتب الله لهن الحياة ووفقهن للدخول في الإسلام) أسد الغابة: كتاب النساء، حرف الخاء).وقد وُلد الإمامان الحسن والحسين من بطن فاطمة الزهراء بنت خديجة، وهي التي يسمَّى أولادها اليوم السادات والأشراف- رضي أجمعين.عنهم إذا، فقد أنعم الله على خديجة وعلى نسلها كلهم نعما عظيمة خارقة للعــــادة، ولكن خديجة - رضي الله عنها – لو علمت عندها أنها ستنال هذا الإعزاز العظيم حيث يدعوها العالم الإسلامي كله أم المؤمنين ، وأن نسلها سينال العزة والتكريم نص الحديث كالآتي: عائشة عن رضي الله الله عنها قالت: استأذنت هالةُ بنت خويلد أختُ خديجة على رسول الله ﷺ فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك، فقال: "اللهم هالة ".(البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي خديجة) (المترجم)
٣٦ سورة الشعراء الجزء السابع إلى يوم القيامة، لما كان إيمانها نافعًا لها؛ لأنها ستكون قد آمنت من أجل العزة والمكانة فقط، لا لوجه الله تعالى.وبالمثل كان أبو جهل يظن أنه سيقضي على محمد له وأصحابه ويمحو كل أثر للإسلام، ولكنه لو علم أن الإسلام سينتشر في الدنيا رغم معارضته، وأن الدنيا ستذكره باللعنة والثبور، وأنه سيُقتل في الحرب ضد الإسلام، بل إن ابنـه نـفـسـه سيسلم لما رفع صوته ضد الإسلام.قصارى القول إنه لولا حجاب الغيب لما صار أبو بكر أبا بكر ولا أبو جهـــل أبا جهل بيد أنه إذا كانت أمور الدنيا تتم نتيجة وجود حجاب الغيب أمام أهلها، فإن إيمان المؤمنين يزداد نتيجة انكشاف الغيب.فعندما يُبعث الأنبياء في الدنيا ويخبرون أهلها بأخبار الغيب، ثم تتحقق أنباؤهم رغم الظروف غير المواتية، يتولد في قلوب المؤمنين إيمان جديد، ويظهر وجود الله تعالى أمام الناس عيانًا بحيث إن أي إنسان أمين لا يمكنه إنكار وجود البارئ تعالى.في زمن المسيح الموعود حصل شجار بين المسلمين الأحمديين وغيرهم على ملكية مسجد في مدينة "كبور تهله، وكان القاضي يسلك مسلكا معارضــــا للأحمديين، فخافت جماعتنا في كبور" "تهمله وكتبوا إلى المسيح الموعود اللي يطلبون منه الدعاء.فكتب لهم في الجواب: إن كنتُ من عند الله تعالى فسوف يُردّ المسجد إليكم.ولكن القاضي استمر في سلوكه المعادي حتى إنه أصدر حكمـــا ضـد الأحمديين.وفي اليوم التالي كان يجهز نفسه لحضور المحكمة ليعلن قـــــراره، فأمر خادمه بأن يُلبسه الحذاء فألبسه أحد ،نعليه، وبينما هو يلبسه النعل الآخـــر سمــــع صوتًا، ولما رفع بصره وجد القاضي قد فارق الحياة بسكتة قلبية.وبعد موته عُـــين قاض آخر للفصل في القضية، فغيّر الحكم لصالح الجماعة.فكانت آية عظيمة لأفراد الجماعة، فازدادوا إيمانا مع إيمانهم حتى بلغ إيمانهم عنان السماء.(أصحاب أحمد (أردو) المجلد الرابع ص ٢٣-٢٥ )
۳۷ الجزء السابع سورة الشعراء إذا، فمن سنة الله الا الله أنه ينبئ أنباء غيبية باستمرار بواسطة الأنبياء، وعندما تتحقق يزداد المؤمنون إيمانا مع إيمانهم.إن أنباء الغيب هي التي ملأت قلوب المؤمنين محمد البسالة وشجاعة حتى إن أحدهم كان يرقص فرحا إذا وجد فرصة التضحية في سبيل الله تعالى، وكان يقول: فزت ورب الكعبة، مع أننا نرى الناس يخشون الموت أشد الخشية! كيف تولّــــدت فيهم هذه الروح يا ترى؟ إنما نفخها فيهم محمد ﷺ بإخبارهم أنباء الغيب.ولــــولا انكشاف الغيب على المسلمين لما تبوءوا ذلك المكان الرفيع من الإيمان.فكلا الأمرين ذو فائدة للناس؛ الغيب نافع في حد ذاته، كما أن انكشاف الغيب نافع في حد ذاته أيضا.إن اللذة كلها في الغيب، وإن الروحانية كلها في انكشاف الغيب.والصفة الإلهية الثانية التي قد أُشير إليها في مقطعات (طسم) هي "السميع".والسميع هو من يسمع دعاء الناس ويتقبله بشكل عجيب، وليس بمقدرة أحـــد سواه - حيًّا كان أو ميتا – أن يستجيب لأدعية الناس، إنمـا الله وحـده يــستمع لدعائهم ويستجيب لهم وبالفعل ترى أن بعض الناس يدعون الله تعالى في أوروبا، وبعضهم في آسيا، وبعضهم في الصين، وبعضهم في اليابان وبعضهم في روسيا، وبعضهم في مصر، وبعضهم في الشام وبعضهم في فلسطين، لأدعية الجميع.ومع ذلك فيستجيب فالله تعالى قد نبه الناس بذكر هذه الصفة أن إلههم إنما هو ذلك الذي يستجيه لأدعيتهم ويسدّ حاجاتهم كلها.فمن واجبكم أن تنيبوا إليه تعالى وتدعوه كلمـــا واجهتكم الشدائد.وهذا الدعاء لا يكلف المرء مالاً ولا مهارة ولا قوة ولا طاقة، فمن كانت يداه مشلولتين أو بلغ به الضعف بحيث لا يقدر على أن يهـب مـــن فراشه ليقوم بأداء حركات الصلاة، فهو الآخر يستطيع أن يدعو، لأن الدعاء لا يستلزم هذه الأمور، بل يمكنه الدعاء وهو مستلق على فراشه، بل حتى لــو كـــان لسانه مفلوجا و لم يقدر على ترديد كلمات الدعاء، فبوسعه أن يدعو في قلبه.أمـــــا إذا كان أحد قد فقد العقل فإنه معذور لأنه قد انقضى وقت عمله، ولكن مــا دام
الجزء السابع ۳۸ سورة الشعراء الإنسان في الدنيا ولا يخرج عن حدوده الإنسانية الطبيعية، فبوسعه أن يقوم بالدعاء وإن كان معاقا إلى أقصى الحدود، حتى إن الأخرس الذي لا يقدر على النطق والأصم الذي لا يقدر على السمع والمفلوج الذي أعوزه الحس والحركة وصـــــار طريح الفراش كأنه مضغة لحم، فإن بوسعه أيضا أن يدعو ربه بكل حماس وحرارة كأي إنسان صحيح معافى يدعو ربه.فالدعاء شيء قد جعل البسطاء والأكابر والفقراء والأثرياء سواسية، والدعاء هو السلاح الماضي الذي يقول الله تعالى بشأنه في القرآن الكريم: أمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) (النمل: ٦٣).من ذا الذي يسمع دعاء عبده المضطر فيأتي لإغاثته مسرعًا؟ يقول الله تعالى إنني أنا الذي أجيب دعاءه! فالدعاء أكثر الأعمال قوة.لا شك أن الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد كلها أحكام مهمة لا بد من العمل بها، ولكن الدعاء هو العمل الذي قال الله تعالى عنه إن العبد إذا دعاني بصدق القلب أتيت لنجدته حتمًا.قال الله تعالى وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) (البقرة : (۱۸۷)..أي عندما يسألك عبادي عني يائسين من الآلهة الأخرى التي اتخذوها من البشر مثلهم وقالوا: أين ربنا السماوي، فقد ضقنا ذرعًا من أناس كأمثال فرعون و نمرود و شدّاد فلا ندري أين نفر منهم وكيف نتخلص من المصائب والبلايا؟ فقل لهم إنهم ليسوا بحاجة للمجيء إلي فإنِّي قريب..أي قد جئتُ بنفسي قريبا منهم ولو كان أحد من آبائهم أو أعمامهم وغيرهم من أقاربهم قادرًا على نصرتهم وكان على مقربة منهم، لكان عليهم أن يفروا إليه، ولكنهم الآن ليسوا بحاجة إلى الفرار إلى أي مكان، إذ قد أتيتُ بنفسي قريبا منهم ، فلن أتأخر عن إغاثتهم.إذا كان المرء يضطر للذهاب إلى أصدقائه وأقاربه لينصروه، فإني قد جئتهم مسرعًا، فكيف يمكن أن يبقوا في المعاناة.هذه الرسالة التي وجهها الإسلام لكل فرد من البشر رسالة عظيمة ثورية بحيث لا يمكن بعدها لأي أذى أن يحزن الإنسان.إذا كان عدوّك قد بلغ في استكباره عنان السماء فما فوقها، فإنك لو دعوت ربّك بصدق القلب فإن الله قادر أن يمــد يده من السماء ويكسر عنقه ومهما اتخذ العدو الحيطة في الأكل والشرب ليـــل
الجزء السابع ۳۹ سورة الشعراء نهار، ومهما قام بتصفية الماء الذي يشربه، فإن الله تعالى لو قرر هلاكه أمر جراثيم الكوليرا أو الطاعون أو الرشح بالهجوم عليه بأعداد لا ينفع معها دواء ولا علاج في الدنيا، فيموت في كرب وعذاب، ليفرح عبد الله المؤمن بأن الله تعالى قد نصره.حكي أن أحدًا من أولياء الله تعالى كان يقيم في حيّه أناس يعملون في البلاط الملكي، وكان من عادتهم الانغماس في الغناء والموسيقى في ساعات متأخرة بالليل.فنصحهم مرارا بأن يمتنعوا عن ذلك ولا يفسدوا على الناس نومهم ولا صلاتهم، فلم ينصاعوا له.فلما ألح عليهم كثيرًا خافوا أن يجمع أهل الحي معه فيمنعوهم من الغناء، فأحضروا بعض الجنود الملكيين لمساعدتهم.فلما علم الرجل الصالح بما فعلوا قال: إذا كانوا قد أتوا بالجنود لحمايتهم فإننا سنحاربهم بسهام الليل (أي الدعاء).أن الصلاح وخشية لم تزل في قلوب هؤلاء القوم، فلما علموا أن الرجل الصالح يهدد بمحاربتهم بسهام الليل جاءوه مسرعين واعتذروا إليه قائلين: لا تقاتلنا بسهام الليل، فلن نعود لما كنا نفعله.ويبدو الله فالدعاء سلاح رائع لو استعمله المرء بيقين كامل وإيمان قوي لصار المستحيل ممكنا.أتذكر جيدا أننا ذهبنا مرة للتنزه على ضفة النهر مع بعض الأصدقاء، بمن فيهم السيد عبد الرحيم الذي كان أستاذي في الصغر.وبينما كان القارب يجري بنا في النهر قال لي ابني ناصر أحمد، وكان طفلا صغيرًا يا أبت لو كان عندنا سمك في هذا الوقت لكانت متعتنا أكثر.فقلت له: يزعم الناس أن "الخضر" يحكم المياه، ولو أنه رمى إلينا بسمكة لتحققت أمنيتك.وعندما قلت له هذا قال السيد عبد الرحيم متضايقا : ماذا تقولون؟ إن هذا الولد يهذي فقلت: إن ربنا يملك القدرة كلها، ولو أراد لبعث إلينا سمكة.وما إن أكملت كلامي حتى ارتفع مــــوج من الماء وقفزت منه سمكة كبيرة ووقعت في القارب فقلت للسيد عبد الرحيم: أرأيت كيف تجلى الله بقدرته وحقق لنا أمنيتنا؟ لا شك أن الخضر المزعـــوم قــــد مات، ولكن ربنا الذي هو خالقنا ومالكنا هو حي وسميع الدعاء، ويعلم ما يختلج في قلوبنا من مشاعر وأمان، فلما رأى أمنيتنا حقق بفضله ما قلتُ.
٤٠ سورة الشعراء الجزء السابع وذات مرة أخذ المطر يهطل بعد حرّ شديد، ففتحت نافذة غرفتي لأتمتع بمنظر المطر، وبما أن المطر قد نزل بعد انقطاع طويل فوجدت به متعة كبيرة.وكنت مصابا بمرض الإسهال في تلك الأيام، وبينما أنا أتمتع بمنظر المطر، شعرت بالحاجة إلى دورة المياه.فدعوت الله تعالى بصورة عفوية ،رب لو انقطع المطر خلال غيابي فأنزله ثانية عند عودتي فضلا منك ورحمة.فلما تركت مكاني انقطع المطر فوراً، وعندما رجعت إلى غرفتي وفتحت الشباك عاود المطر واستمر نزوله إلى نصف ساعة أو أكثر.فترى أنه لم يكن لي أي تصرف على المطر، ولكن الله تعالى بفضله جعله ينزل ثانية بمجرد أن دخلت غرفتي.وفي عهد الخليفة الأول للمسيح الموعود ذهبت إلى أحد فروع جماعتنـــا بدعوة منهم.وعندما كنت عائدا من هناك، فكرت في حاجة كنت أريد شراءها، فوضعت يدي في جيبي فوجدت أن المبلغ الذي معي لا يكفي لشراء ما أريد بل تنقصني روبية واحدة، فدعوت الله تعالى قائلا: رب ابعث لي روبية واحـــدة مـــــن عندك! وبينما كان هذا الدعاء ينبعث من قلبي رأيت شخصا قادمًا إلينا من قريـــة قريبة.فالتف رفاقي حولي لأجل حراستي، فقلت: ماذا حصل؟ قالوا هذا الشخص عدو لدود لجماعتنا ويهاجم الأحمديين كثيرا، فاجتمعنا حولك حــتى لا يصيبك بأذى.وعندما اقتربنا من القرية جاءني هذا الشخص يجري ودفع أصحابي وتقـــــدم إلي ومد يده في منتهى الأدب ووضع على يدي روبية، وذهب.فقلت لرفقــــائي: كنتم تقولون إنه جاء بقصد إيذائي، ولكنه بدلاً من ذلك أهدى لي روبية.ثم الله تعالى في قلبي قبل قليل بأن يبعث لي من عنده روبية أخبرتهم أنني كنت دعوت واحدة، فأرسل هذا الشخص ليعطيني الروبية هدية.إذًا، لو كان المرء موقنا بالله تعالى يقينًا كاملا لأظهر له آيات عظيمة.لقد ورد في الحديث أن ثلاثة نفر ممن قبلنا انطلقوا فجاءتهم عاصفة شديدة المطر، فأووا إلى غار فانحدرت صخرة من الجبل وسدت عليهم الغار، فلم يستطيعوا الخروج من الغار.لقد فروا من مصيبة صغيرة إلى الغار فوقعوا في أشد منها.فلم يجدوا في تلك البرية من ينجيهم من هذه المصيبة فبلغ منهم الهلع كل مبلغ، فلما لم يجدوا مخلصا
الجزء السابع ٤١ سورة الشعراء مما هم فيه، قال أحدهم لرفقائه: تعالوا ندع الله تعالى متوسلين بأكبر حسنة عملناها في حياتنا لكي يزيح الصخرة عن فم المغارة.فأخذ أحدهم يدعو ربه قائلا: اللهم مني أنت تعلم أنني كنت استأجرت أجيرًا ذات مرة، فذهب قبل أن يأخذ أجرتـــــه، فاستثمرتُ أُجرته في التجارة، فاشتريت بها شاة، فكثرت أولادها حتى صار عندي قطيع كبير فيه مئات الماعز والشياه.فجاءني هذا الأجير بعد عدة سنوات وقال: أدّ لي أجرتي! فأخذته معي وقلت كل ما ترى من هذا القطيع هو أمانتك التي تركت عندي فخذها.فقال: يا عبد الله، لا تستهزئ بي فليس لي عنـدك إلا نصف درهم فقلت له: لقد استثمرتُ أُجرتك في التجارة فصارت هذا القطيع من الماعز والشياه كما ترى.فقال: إذًا فهي ليست لي، بل هي لك.فقلت له: كلا، إذ لم أستثمر مالك لنفسي بل لك.فأخذته الحيرة، واستاق القطيع إلى بيته.اللهم، إن كنتُ قد فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك، فارحمني وحول الصخرة عن فوهة المغارة.فانفرجت شيئًا قليلا، ولكنهم لم يستطيعوا الخروج.فدعا الآخر وقال: اللهم كنتُ أحب فتاة من أقاربي حبا شديدا، فراودتها عـــــن نفسها فامتنعت، حتى حلت بالبلاد مجاعة شديدة، فعانت الفتاة وأقاربها من الجوع حتى أوشكوا على الموت.فاضطرت للمجيء إلي طلبًا للمساعدة، فأعطيتها المال على أن تُخلي بيني وبين نفسها، فرضيت على مضض.حتى إذا اقتربــــت منـها ناشدتني الله تعالى بأن لا أدفعها إلى المعصية! فما إن سمعت قولها حــتى تركتهـا، وقلتُ: لقد استعذتِ بعظيم، فأتجنب المعصية لوجهه تعالى.فانصرفت إلى بيتها بالمال الذي أعطيتها.اللهم إن كنتُ قد فعلتُ هذا ابتغاء وجهك ونيل مرضاتك، ففرج عنا هذه الصخرة.فجاء من فوق الجبل سيل جارف، فانفرجت الصخرة قليلا غير أنهم لم يستطيعوا الخروج منها.ثم توجه الثالث إلى الله تعالى وقال: اللهم إنك تعلم أنني كنت أرعى الغنم وأعيش على درّها، فخرجت بها مرة بعيدا، ورجعت إلى البيت متأخرًا جدًّا.وكان لي أبوان كبيران وأولاد صغار.فلما رجعت وجدتُ والدَي نائمين، أما أهلـ وأولادي فكانوا مستيقظين ينتظرون، فطلبوا مني الحليب ليشربوه ويناموا.فقلت:
الجزء السابع ٤٢ سورة الشعراء لن أطعم أحدًا قبل أبوي.فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما، بينما ظـــل أهلي وأولادي يصرخون جوعًا ولكني لم أبال بذلك، حتى برق الفجر فاستيقظ أبواي فشربا الحليب، ثم قدّمتُه لأهلي وأولادي.اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاة وجهك ولم تكن بنيتي شوائب الدنيا فأَزِحْ هذه الصخرة عن طريقنا.فجاء سيل عارم أزاح الصخرة عن فم المغارة، فخرج الثلاثة (البخاري: كتاب الإجارة: باب من استأجر أجيراً فترك أجره) غير إذًا، فالدعاء سلاح عظيم ينفع الإنسان عند كل شدّة وينجيه من كل مصيبة.فما أشدَّه غباءً من يترك هذا السلاح الرائع عند حلول مصيبة ويتوجه للاستعانة إلى الله تعالى! إنما المؤمن الحق من يسأل الله تعالى كل حاجة حتى شــــراك نعلـــه، موقنا بأنه تعالى قادر على سد كل حاجة، وأنه لن يُرجعه من بابه خائبا خاســــرا.عندما تستولي هذه الحالة على باطن المؤمن، ينسى العالم كله ولا يرى أي معـــين حقيقي سوى الله الله لقد ذكرت من قبل مرارًا أنه كان في جماعتنا أخ اسمه المولوي إمام الدين، وكان من قرية "جوليكي" في محافظة غجرات وهو والد القاضي أكمل، وقد تُوفّى الآن.كان شخصا صوفيا وكان يقول لي دائمًا إننا لم نحرز في الأحمدية تلــك المكانة الروحانية العالية التي كنا نسمع عنها كثيرًا.فقلت له مرة: ما هي تلك المكانة السامية التي كنت تسمع عنها ؟ قال : كان شيخنا في التصوف يقول لنا: إن الذي يعيش في صحبتنا بضعة أيام نمكنه من السجود على العرش ومن رؤيــــة الله تعالى عيانا.ثم قال لي المولوي إمام الدين: لا شك أني أراني أفضل حالا مما كنت عليـــه قبل انضمامي للأحمدية، ولكني لا أرى فيها ذلك المشهد الروحاني الذي كـــان شيخنا يتحدث عنه.فقلت له: كان الخليفة الأول والله يحكي لنا أن أحد الشيوخ المتصوفين لما سمع أني قد بايعت على يد المسيح الموعود ال أرسل إلي أحد مريديه وقال: ما الذي أحرزته بتصديق هذا الرجل وبيعته؟ لو بايعتني أنا لمكنـــك مـــن السجود على العرش دون تأخير لما أتمتع به من مكانة روحانية.فقلت لمريده: قــل لشيخك، ألا يرى أنني لو سجدتُ على العرش سوف أتلقى الضرب والإهانة إذ
الجزء السابع ٤٣ سورة الشعراء سيقول لي الله تعالى : لقد أمرتك بالسجود على الأرض وأنت جئت للسجود في السماء؟ حال من يرى ولما سمع المولوي إمام الدين قولي هذا قال: هذا صحيح، ولكن قلبي لا يطمئن بما تقول.فلم يزل بعد ذلك يثير نفس السؤال كلما قابلني وكنت أجيبه بأسلوب أو آخر ولكنه كان لا يطمئن.وقلت له في آخر مرة: هل فكرت مرة كيف تكون الله عيانًا ويبلغ من الروحانية بحيث يسجد على عرش الرحمن؟ لا شك أن الله الا الله يتكفل مثل هذا الإنسان ويجعله في غنى عن الناس، فلن يسأل أحدًا سوى الله تعالى، ويكون مصداقا لوحي الله تعالى للمسيح الموعود ال: "ينصرك رجال نوحي إليهم من السماء" (براهين أحمدية، الخزائن الروحانية المجلد الأول ص ٢٦٧)، وإن ساعده الناس في الظاهر؛ وسيساعده الناس لحاجتهم إليه، وليس لحاجته إليهم.إن الذي يعطي مثل هذا الإنسان شيئا يظنّ أنه يساعده، ولكن الواقع أن هـذا الإنسان يوقن بأنه قد أحسن إلى هذا حين قبل هذا الشيء من المعطي، ذلك لأنـه يوقن في قرارة نفسه أن الله تعالى هو الذي يبعث الناس لسد حاجاته سواء أجاءه زيد أو عمرو بتلك الهدية، وأنه ليس بحاجة إلى زيد أو عمرو، إنما هو محتاج إلى الله تعالى.إن مثل هذا الإنسان يدرك جيدا أن الله تعالى هو الذي يبعث له هذا الشيء أيا كان الشخص الذي أتى به ثم قلت للمولوي إمام الدين: فأخبرني الآن: هل يتبوأ شيخك هذا المقام؟ أعني هل الله تعالى يتكفّله في كل ما يحتاج إليه؟ فسكت ثم قال: الآن قد فهمتُ كل شيء! إن شيخنا يدّعي بأنه سيمكننا من رؤية الله عيانًا ومن السجود على العرش، ولكنه يخرج إلى الفلاحين والمزارعين زمن الحصاد ويقول لهم: لا تنسوني أنا أيضا.لقد علمتُ الآن أنه لو كان يتمتع بقرب الله حقا لما قال لأحد من عباد الله تعالى أن لا ينساه.باختصار، إن الذي يحظى برؤية الله الا الله فلا ينظر إلا إلى الله، ولا يعرض حاجته إلا إلى الله، ولا يرى أحدًا سوى الله تعالى نصيرا أو كفيلا.مليا كما يزعم بيد أنه من الواجب على المؤمن، إضافةً إلى أن يدعو الله تعالى دائمًا، أن يتخلّى عن الطمع والجشع كلية وفي كل حين، ولا يشكو ربه أبدًا.الله تعالى
الجزء السابع ٤٤ سورة الشعراء المؤمنين وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجاً منْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لَنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (طه:۱۳۲)..أي لا تُمدَّنَّ بصرك إلى غيرك طمعا في مثل ما عنده من متع الدنيا، فإنك لا تعلم ما إذا كان ما عنده نافعا لك أم ضارا.فمن المحتمل جدا أن تجد مثل ما عنده فيسبب لك الأذى.مما لا شك فيه أنه يجوز لمــــن عنده عشرة بلايين من المال مثلا أن يدعو الله تعالى ويقول: رب إني بحاجة إلى المزيد من فضلك، ولكنه لو كان يملك عشر روبيات فقط ولا يزال يشعر بالقلق والكرب لأن غيره يملك مئة ،روبية، ثم يأخذ بالشكوى من الله تعالى، فهذا غير مناسب أبدًا.فيجوز للمرء أن يسأل الله تعالى المزيد من فضله ومن نعمه، ولكـــن يجب ألا يشعر بالقلق والعتاب على الله بما هو فيه، ولا يظنن أن الله تعالى قد جعله أدنى مقاما من غيره.لقد كتب صاحب كتاب " المثنوي الرومي" حكاية بأن أحدًا الحواة أمسك من بحية لم توجد مثلها عند أقرانه، فكان يحرص عليها حرصًا شديدا ويعتز بمــا أمــام أصدقائه كثيرًا.وذات ليلة لم يُغلق الوعاء الذي كان يحفظها فيه، فهربت فلم يجدها في الصباح.فحزن على فقدها حزنا شديدًا، وأخذ يدعو الله تعالى أن يعيد له الحية.وبعد دعاء كثير فتح الوعاء ثانية آملاً أن تكون الحية قد رجعت إلى مكانها، ولكن بدون جدوى.فظل يدعو الله تعالى طوال النهار والليل، وفي الصباح جاءه شخص وقال له: تعال نذهب إلى بيت فلان فقد دخلت في بيته حية فريدة من نوعهـا ولدغته فمات، وقد جاء الحواة وقبضوا عليها، وهم في انتظارك.فلما ذهب وجد أنها حيته التي هربت منه، والتي كان يدعو الله تعالى منذ أربع وعشرين ساعة أن يرجعها إليه.فيبدو أن صاحب الحية كان يتمتع بشيء من الخير والصلاح، فكان الله تعالى يحبه، فجعل الحيّة تفرّ من عنده إلى غيره، فحاول هذا الشخص القبض عليها، فلدغته، فمات.فلما رأى صاحب الحيّة هذا المشهد خر ساجدا أمام الله تعالى وقال: ربِّ، كنت أظن أنك لم تستجب لدعائي، ولكنك قد أجبته في الواقع، إذ كان فقدي الحيّة فضلاً ورحمة لي.المثنوي الرومي (فارسي) دفتر ثان)
٤٥ سورة الشعراء الجزء السابع إذا، فهناك آلاف الأماني التي يتمناها المرء وتكون ضارة به في الواقع.فمثلا يتمنى المرء الأولاد، ولكنهم يكونون في بعض الأحيان سيئين ويسببون وصمة عار للآباء، فيبكون برؤية حالهم.لا شك أن والدي نبينا قد دَعوا الله تعالى عنــــد زواجهما بأن يعطيهما ولدًا من فضله، ولكن والدته كانت من أسرة فقيرة، ولم يكن والده الله أيضا من أسرة ثرية، فلا شك أن زواجهما قد تم بإنفاق بسيط ولم يحضره إلا بضعة أفراد وعلى النقيض يمكن أن تقدر كيف كان زفاف والـــد أبي جهل؛ لا شك أنه كان زواجًا مشهوداً مشهورًا حيث قدّم فيه لأهل مكة لحوم الإبل شواء لعدة أيام، ولكن هذا الزواج الشهير أنتج أبا جهل، أما الزواج الآخــــر الذي تم في صمت قد أنتج محمدًا رسول الله ﷺ لا جرم أنه عند زواج والـــد أبي جهل كان الناس يقولون بعضهم لبعض منبهرين كم هو مبارك هذا البيت! بينما كانوا يترحمون على حالة والد النبي يوم زفافه قائلين : ما أشد أهل هذا البيت فقرا ! ولكن لم يتخيل أحد منهم أن البيت الذي يعدّونه مباركا سوف يتسبب في هلاك العرب، وأن صاحب البيت الآخر الذي يترحمون عليه سيؤدي زواجــه إلى ولادة شخص لن ينقذ العرب من الهلاك فحسب بل سيكون رحمة وبركة للعالم أجمع.فثبت أن المرء لا يعلم أن ما يسأل الله تعالى هو نافع له أم ضار، إنما علمه عنــــد الله فحسب؛ وما دام علم المرء محدودا لهذه الدرجة، فكيف يحق له أن يشكو الله، أو يعتبر ما أعطاه الله تعالى ضاراً به؟ نعم، إن من حق المرء أن يدعو الله تعالى كما دعا موسى ال رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير (القصص: ٢٥)، فإذا أعطاك الله مئة مليون فيمكنك أن تقول: رب إنني فقير إلى عشرات البلايين، ولكن لا يحق لك أن تقول لربك: لقد ظلمتني وألقيتني في العناء والضيق، لأن هذا نكران لنعم الله تعالى وهو غير جائز.والصفة الإلهية الثالثة التي قد نبهنا الله إليها في هذا المقطع هي صفة "المجيد"، ومعناها أن الله تعالى ذو مجد عظيم.وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى في موضع آخر من القرآن الكريم حيث قال: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن: ٣٠)..أي أن
។ سورة الشعراء الجزء السابع الله تعالى يتجلى كل حين بشأن جديد، ويُظهر دائمًا من آياته ما يكشف للـدنيا مجده العالي والرفيع.ذلك لأنه من الواقع أن الإنسان لا يتمتع كثيرا برؤية شيء قد رآه من قبل، لأن الله تعالى قد أودع فطرته حُبِّ الجديد، فيريد أن تنكشف عليـــه مشاهد جديدة.وعلى سبيل المثال، لما اخترع القطار اعتبره الناس أعجوبـة مـــن العجائب، فكانوا يزينونه بالورود والأزهار، ولكن فتر حماسهم بمرور الوقت.ثم لما اخترعت الطائرات وغيرها من المراكب الجديدة توجّه الناس إليها منبهرين.فثبت أن فطرة الإنسان تجد المتعة في كل ما هو جديد وتطمئن إلى كل ما هو فريد مـــــن نوعه، لأنه عندما يرى شيئًا جديدًا تتولد في نفسه أمنية جديدة، فيظن لعله سيشاهد مشهدا جديدا؛ وتلبية لهذه الرغبة الفطرية فيه قد خلق الله تعالى فصولا مختلفــــة وأثمارا متنوعة ولهذا السبب نفسه تجد الإنسان يغيّر لباسه حينًا ومكانه حينا، ويعد أطعمة جديدة كي تجد فطرته السكينة والمتعة بالشيء الجديد.لا شك أنني أجد في قراءة القرآن حظًا كبيرًا، ولكن عندما يهمس الله تعالى في أذني شيئًا بالليــــل فــــلا عن المتعة التي التي أجدها، وليس ذلك إلا وفقا للمقتضى الفطري بـأن الشيء الجديد يملأ القلب لذة وسرورا مجمل القول إن الإسلام يخبرنا أن إلهكم مجيد حيث يتجلى دائمــا بقدرتـه التي تدلّ على عظيم مجده وعلو شأنه.فمن مشاهد قدرته المتجددة دائمًا أن اليهود لما قاموا بتأليب كسرى فارس على النبي ﷺ كتب إلى واليه على اليمن يأمره بإلقاء القبض على من ادّعى النبوة بين العرب ويبعثه إليه.فأرســــل حـاكـم اليمن شرطته إلى النبي الله وأمرهم أن يقولوا للنبي ﷺ نيابة عنه: إني لا أعــــرف جريرتك، ولكن الأفضل لك أن تنطلق إلي معهما، وإلا سيزحف كسرى بجنــــوده على العرب، ويخرّب البلاد كلها.فلما قدموا على النبي وطلبوا منه المسير معهم قال النبي ل لهم : ارجعوا حتى أجيبكم غدًا.فمكثوا يومين وجــاءوه في اليــــوم الثالث، فأمرهم بالانتظار ليوم آخر.فلما التقوه في صباح اليوم التالي قال لهم النبي : اذهبوا وقولوا لواليكم، إن ربي قد قتل ربَّه البارحة.فأخذتهم الحيرة من قولـه والتمسوا منه الانصراف معهم، ولكن النبي ﷺ قال لهم: لقد أجبتكم، فاذهبوا تسأل المتجددة ایک
الجزء السابع ٤٧ سورة الشعراء إليه بجوابي.فلما رجعوا إليه وأخبروه الخبر قال: إما أن هذا الشخص مجنون أو نبي صادق.فلننتظر بضعة أيام لنرى هل يتحقق ما قاله أم لا! وبعد أيام قلائل رســــــت بميناء اليمن سفينة نزل منها سفير فارسي حاملا معه رسالة إلى والي اليمن.فلما رأى الوالي الرسالة وجدها مختومة بختم ملك جديد، فقال لحاشيته: يبدو أن ما قاله نبي العرب حق.ثم فتح الرسالة فإذا هي من شيرويه ابن كسرى، حيث قال فيها: كان أبونا ظالما غاشما.لقد عاث في البلاد الفساد، فقتلته في الليلة الفلانية واعتليتُ العرش مكانه، فعليك أن تأخذ من أهل مملكتك إقرار الطاعة لي.وقد علمتُ أيضا أن من مظا لم أبي أنه كتب إليك أن تلقي القبض على نبي العرب وتبعثه إليه، ولكنا قد ألغينا هذا الأمر.(الطبري: مجلد ۳ ذكر خروج رسل رسول الله ﷺ إلى الملوك) فترى أن كسرى أراد إلقاء القبض على النبي ﷺ ومعاقبته ليهينه في العالم، ولكن الله المجيد قد زاده الا الله محدًا وعظمةً وأهلك كسرى بيد ابنه.كان حضرة الخواجا نظام الدين "أولياء من كبار الصلحاء في دهلي، فأخذ الملك المعاصر له غياث الدين "تغلق في معاداته وكان الملك يريد المسير إلى البنغال لحرب، فقال لحاشيته : سأعاقب هذا الشخص بعد عودتي من الحرب.فلما بلـغ ذلك مريدي الخواجا حضروا إليه قلقين وقالوا له: علينا أن نتشفّع إلى الملك بواسطة بعض حاشيته المقربين.فأجاب حضرته باللغة الفارسية: "هنوز دلّي دُور است"، ومعناه: أن عاصمته دهلي لا تزال بعيدة عنه؛ إنه لم يخرج من دهلي بعــد ولم يخرج لحرب العدو بعد، فعلام القلق من الآن؟ فلما انقضى أسبوع أو أكثــــر حضره المريدون وقالوا: لقد مضت عشرة أيام على تهديد الملك وقد خرج للحرب أيضا، فعلينا معالجة الأمر الآن.ولكن حضرته أعاد جوابه وقال: "هنوز دلي دور است".وأخيرًا جاء الخبر بأن الملك قد انتصر في الحرب، وأنه عائد إلى دهلي، فهرع إليه المريدون في قلق وذعر وأخبروه بأن الملك عائد، فأجابهم: "هنوز دلى دور است، فهو لا يزال على مسافة أربع مئة ميل عن دهلي، فأي داع للقلق؟ فلما اقترب الملك أكثر رجع المريدون إلى حضرته وقالوا: لقد اقترب الملك من دهلي جدًا! فأعاد قوله : هنوز دلي دور است".فلما اقترب أكثر جاء المريدون إلى
الجزء السابع ٤٨ سورة الشعراء است".حضرته في كرب شديد، ولكنه أعاد لهم نفس الكلام: "هنوز دلي دور وأخيرًا علم الناس أن الملك وجنوده قد عسكروا خارج أسوار مدينة دهلي، فجاءه المريدون مسرعين وقالوا ها قد وصل إلى أسوار المدينة، فقال حضرته: "هنوز دلى دور است"، إنه لا يزال خارج أسوار المدينة و لم يدخلها، فلماذا نقلق؟ وأقام ولي العهد في تلك الليلة مأدبة ملكية عظيمة احتفالا بالانتصار اشترك فيها الآلاف، فأكلوا ورقصوا وغنّوا.وقد أقيمت المأدبة على سطح قصر كبير، فـاجتمع عليـه أناس كثيرون، فتهدّم السقف فجأة، فمات الملك مع حاشيته مدفونا تحت أنقاض السقف.وفي الصباح لما بلغ نعي الملك حضرة نظام الدين أولياء قال: ألم أقل لكم: "هنوز دلي دور است.(مشاهير الإسلام (أردو ) ص ١٥ - ١٦ - وتذكرة الأولياء (أردو) الجزء الثاني ص كذلك (٣٤١-٣٤٢ فالله تعالى ذو مجد عظيم، وكل من يقيم معه صله صادقة ينال المجد بقدر روحانيته ودرجته.وكما أن من صال على مجد الله وعظمتــــه عاقبــــه الله تعالى، من صال على المقربين عنده تعالى لا ينجو من عقابه أبدًا.لقد جاء في الدنيا آلاف الأنبياء الذين لا نعرف أسماء أكثرهم، وأجسادهم مدفونة تحت أطنان من التراب وأممهم غير موجودة أيضا، ولكنهم كانوا مبعوثين الله المجيد، ولذلك قد كتب لهم من المجد والعز ما لو أساء إليهم أحد اليوم أيضا أتى الله لنصرتهم مسرعًا وأزال عنهم كل وصمة عار تلصق بهم وأرسى كرامتـــهـم وشرفهم ثانية.من باختصار، قد نبهنا الله الله بقوله طسم إلى ثلاث من صفاته، وهي اللطيف والسميع والمجيد، مبينا أن هذه السورة تلقي الضوء على أن الله تعالى هـو عــالم الأسرار، ومحسن عظيم، وسميع الدعاء، وصاحب المجد والجبروت.الله و على صفاته هذه من خلال الوقائع التاريخية، فأول دليل قدّمه وقد برهن على ذلك هو قوله تعالى: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَاب الْمُبين )..أي أنها آيات الكتاب الذي يبين كل حقيقة أيما بيان مما يدلّ على أن الله تعالى الذي أنزله يعلم كل ما يحتاج إليه الإنسان، وأنه مطلع على كل ما يوجد في فطرته من أسرار خفية.
الجزء السابع = ٤٩ سورة الشعراء ويتضح من دراسة القرآن الكريم أن كلمة "مبين" قد وردت فيه صفة لعدة أشياء منها: الرسول (الزخرف : ۳۰ والدخان: ١٤)، والنور (النساء: ١٧٥)، والفضل (النمل: ١٧) ، والحق (النور: (٢٦)، ولكنها لم ترد فيه وصفا لأية صحيفة سماوية سوى القرآن الكريم.صحيح أن القرآن الكريم قد وصف كتاب موسى بكلمة مماثلة وذلك مرة واحدة فقط، ولكنه قد استعمل لذلك لفظ المستبين حيث قال الله تعالى وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ﴾ (الصافات (۱۱۸)..أي أننا قد أعطينا موسـ و هارون كتابا كاملا احتوى جميع الأحكام.وهذا يعني أن القرآن الكريم قد فرق بين فحوى كلمتي "مبين" و "مستبين"، علما أن كلمة "مبين" قد وردت في القرآن وصفًا له اثنتي عشرة مرة: عشر مرات وصفًا للكتاب ومرتين للقرآن.وقد تبين من ذلك بجلاء أن المستبين تعطي معنى الوضوح، أما المبين ففيها معنى الوضوح والإيضاح، ذلك لأن "استبان" يعني اتضح، و"أبان" يعني اتضح وكذلك أوضح.إذا، فإن الله تعالى قد أشار بوصف القرآن بكونه مبينًا إلى ميزة خاصة لـه علـى الكتب الأخرى وهي أن القرآن الكريم ليس بواضح في معانيه ومفاهيمه ولا يبين الحقائق الثابتة فحسب، بل هو موضح أيضًا..أي أنه يقوم بتوضيح ما ورد في الكتب السماوية السابقة من أمور وحقائق وهذا فضل للقرآن لا يشاركه فيه أي سفر من الأسفار السابقة.لقد انحصرت مهمة الصحف الأولى السابقة في توضيح معانيها وفحواها هي وحدها لأن كل واحد من تلك الصحف إنما نزل لشعب معين، ولم يكن يهمه ما إذا كانت الكتب الأخرى تبدو صادقة أم باطلة، وما إذا كان الأنبياء الآخرون يبدون صادقين أم كاذبين، أو ما إذا كانت الشعوب الأخرى تبدو وارثة لنور الله تعالى أم لا.لم تتحدث تلك الكتب إلا عن نفسها فقط لكونها محصورة في نطاقها القومي فحسب، ولكن القرآن قد جاء لجمع شعوب العالم كلها على مقام واحد فبيّن جميع الأحكام التي تخص الناس بيانًا تفصيليا، ملقيا الضوء على كل جزئية منها؛ وليس هذا فحسب، بل قد بين حقيقة الكتب السابقة أيضا، حيث برأ ساحة الأنبياء السابقين من التهم الملصقة بهم، ونزه الكتب السابقة عن المطاعن، وكل ذلك بالدلائل والبراهين، فتارة بالإشارة إلى تطوّر الفطرة الإنسانية،
الجزء السابع سورة الشعراء وحينا إلى التحريف الذي تعرّضت له الأسفار السابقة بأيدي الناس، أو أحيانًا إلى اجتهاداتهم الخاطئة.إذا، فالقرآن الكريم قد بين محاسن الأنبياء السابقين والأسفار السابقة والأمم الخالية، كما برّأهم وكتبهم من التهم، وهكذا قد ارتقى من درجة "المستبين" إلى درجة "المبين".فمثلا قالت التوراة إن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر إلى كنعـــــان كان عدد شبابهم البالغين سن العشرين والصالحين للحرب ستمئة ألف وثلاثة آلاف وخمس مئة، وذلك ما عدا شباب السبط الثاني عشر (الخروج ٢: ٣٢).وإذا أضفنا إلى هذا العدد شباب السبط الثاني عشر أيضًا صار عدد المحاربين بين بني إسرائيل حوالي ستمئة ألف وخمسين ألفا.ولو جعلنا هذا العدد عشرة أضعاف لمعرفة العدد الإجمالي لبني إسرائيل بما فيهم النساء والولدان والشيوخ - حيث إن ما بين ستة إلى عشرة بالمئة من القوم يكونون صالحين للأعمال الحربية عموما - بلغ هذا العدد ستة ملايين.ولكن العقل يرفض أن يكون بنو إسرائيل بهذا العدد الضخم وقـــــت خروجهم من مصر..فأوّلاً من المحال أن يخرج هذا العدد الهائل من البشر من مصر في تلك الفترة القليلة، وثانيًا أن القرية التي سكنوا فيها بعد عبـــور نــــر الأردن لا يمكن أن تستوعب هذا العدد الضخم من الناس! فإن عدد سكان فلسطين لا يتجاوز اليوم أيضًا مليونًا ونصف مليون ، وذلك مع وجود اليهود الذين قد أتوها من الخارج واستوطنوها بمساعدة أمريكا.إذا، فمما يخالف العقل أن يأتي ستة ملايين شخص ليسكنوا هذه البلاد التي كانت مسكونة سلفا.فثبت أن العدد الذي ذكرته التوراة لبني إسرائيل غير مقبول عقلاً! ولكن القرآن جاء فأخبر أن هذا البيان مغلوط، إذ لم يكن عددهم إذاك إلا بضعة آلاف.قال الله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾ (البقرة: ٢٤٤).إذًا، فالتوراة زعمت أن أي في وقت كتابة التفسير.(المترجم)
۵۱ سورة الشعراء الجزء السابع بني إسرائيل كانوا عدة ملايين وقت خروجهم من مصر، ولكن القرآن الكريم قام خطأ التوراة وأخبر بأنهم لم يكونوا ملايين بل آلافا.بتصحيح و كان سليمان الله من أنبياء الله الأطهار، ولكن التوراة وصمته بالشرك حيث ورد فيها: "ولما كان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، و لم يكن قلبه كاملاً مع الرب" الملوك الأول :۱۱: ٤)، وورد فيهـا أيضا: فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى لـه مرتين، وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخرى، فلم يحفظ ما أوصى به الرب." (الملوك الأول ۱۱: ٩-١٠).وهذا يعني أن سليمان الله قد بلغ في الكفر -حاشا لله- درجة أنه برغم أن الله تعالى قد ظهر له مرتين ونهاه مرتين عن عبادة الآلهة الباطلة، إلا أن جمال أزواجه خلب لبه حتى إنه بنى للآلهة الباطلة معابد وخر لها ساجدًا.ولكن القرآن الكريم جاء فأوضح وقال وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُوا ﴾ (البقرة: ۱۰۳)..أي لم يكفر سليمان ال ،قط ، بل الذين اتهموه بالكفر والشرك هم الذين كفروا.والشواهد التاريخية تؤيد بيان القرآن الكريم وتدحض بيان التوراة، حيث ورد في الموسوعة التوراتية: صحيح أن سليمان كانت له زوجات كثيرات بعضهن إسرائيليات وبعضهن غير إسرائيليات - ولكنه لم يصنع لهن أية مذابح كما لم يشرك في عبادة الله تعالى أي إله من آلهة زوجاته.لقد كان من المحال لسليمان أن ينكر وحدانية الله تعالى حتى في التصور والخيال.(الموسوعة التوراتية المجلد الرابع تحت كلمة: Solomon) إذا، فالتاريخ أيضا يؤكد أنه برغم أن سليمان ال قد تزوج بالعديد من النساء اليهوديات ،وغيرهن ولكن من الخطأ القول أنه بنى معابد للأصنام أو سجد لأي منها.فترى أن التوراة تقول أن سليمان سجد للأصنام، ولكن القرآن جاء فرفض زعم التوراة ، ثم إن الباحثين اليهود والنصارى أعلنوا اليوم أن بيان التوراة كذب، وأن الحق مع القرآن.
الجزء السابع ٥٢ سورة الشعراء ثم تقول التوراة إن هارون الة صنع العجل لبني إسرائيل وعلمهم الشرك حيث ورد فيها "ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قُمْ اصْنَع لنا آلهةً تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجـــل الـــذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه.فقال لهم هارون: انـــــــزعوا أقــــراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها.فنزع كـــل الــشـعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون فأخذ ذلك من أيديهم وصــــوره بالإزميل وصنعه عجلا كا، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من يا أرض مصر." (الخروج ٣٢: ١-٤) ولكن القرآن جاء وأعلن أن هذا افتراء ،مبين فإن هارون اللي قد نهى قومه عن الشرك بشدة وقال لهم: يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (طه:٩١)..أي لا تطيعوا السامري الذي يعلمكم الشرك والوثنية، بل اتبعوا خطواتي أنا.مسبو إذا فالتوراة تتهم هارون نبي الله الطاهر بأنه قد أشرك بالله تعالى، ولكن القرآن الذي هو "المبين" جاء وأخبر أن هذا كذب صريح، فإن هارون الذي بعثه الله تعالى لم يزل يدعو قومه إلى وحدانية الله تعالى ولكنهم اتبعوا السامري لشقاوتهم، وأخذوا يعبدون العجل.أما عيسى العليا فقد اتهمه اليهود والنصارى بتهم خطيرة، ولكن القرآن الكريم دحضها وبيّن أنها ليست إلا افتراء عليه من قبل أعدائه.فمثلاً قال اليهود أن المسيح (الم) ولد نتيجة الفاحشة - والعياذ بالله..أي أنه ولد من بطن مريم بنطفــــة وسف قبل زواجهما.(الموسوعة البريطانية المجلد الخامس ص تحت كلمة "Celsius").وكذلك زعم اليهود أن المسيح ابن الجندي روماني اسمه "بنثيرا" - معاذ الله - حيث كانت له علاقة غير شرعية مع مريم.(الموسوعة اليهودية المجلد السابع تحت كلمة: Birth of Jesus) ولكن القرآن الكريم قد برأ ساحة السيدة مريم من هذه التهمة معلنًا وَا أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَحْنَا فِيهَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا أ
الجزء السابع ٥٣ سورة الشعراء لِّلْعَالَمينَ) (الأنبياء: (۹۲)..أي أن مريم الصدّيقة والدة المسيح قد حفظت جميــع منافذها من الإثم، وأن حملها لم يكن حملا غير مشروع، بل حملت بروح طــاهرة نفخناها فيها، وجعلناها وابنها عيسى آية للعالم كله.كذلك يتهم النصارى المسيح ال بأنه مات معلقا على الصليب ميتة ملعونة – والعياذ بالله – حيث ورد في العهد الجديد قول بولس: "المسيح افتدانا مـ لعنـــــة من الناموس إذ صار لعنةً لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعون كل من عُلّق على خشبة".(غلاطية ٣: ١٣).وهذا يعني أن المسيحيين قد اعتبروا عبدا من عباد الله المقربين ملعونا تحقيقــــا لأهواء أنفسهم ولكن القرآن الكريم فنّد هذه التهمة بلسان المسيح نفسه حيث قال وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا )) (مريم: ٣٤)..أي أن الذين يزعمون أن ولادتي كانت نتيجة الفاحشة إنما يفترون علي، إذ قد شملني سلام الله تعالى وقت ولادتي؛ وأن الذين يزعمون أني قد مت ميتة ملعونة هم أيضًا مخطئون، لأن موتي أيضا سيتم تحت حماية الله تعالى، وأنني سوف أنقذ من الميتة الملعونة؛ وأن الذين يظنون أنني مكثت في جهنم ثلاثة أيام كفّارةً عن آثام الآخرين هم أيضا مخطئون، لأن حياتي الثانية ستبدأ تحت ظل سلام الله تعالى.مجمل القول إن الله الله قد دحض في القرآن الكريم كل التهم التي كانــــت قــــد تسرّبت إلى الكتاب المقدس بأيدي الناس، وقدّم رسله تعالى إلى العالم مبرئين من كل عيب.والهندوس أيضا قد رموا أنبياءهم وصلحاءهم بتهم مماثلة.فمثلاً قد ورد في كتبهم أن والدة حضرة "كريشنا" قالت له: يا بني، عندي تسع مئة ألف بقـــرة حلوبة، فكُلْ من زُبدتها كما شئت، ولكن لا تسرق الزبدة من بيوت الآخرين!" مها ريشي ،وید ،ویاس شریمد بھاگوت مها پران دوسرا کھنڈ سکنڈھ (۱۲۹)
٥٤ سورة الشعراء الجزء السابع وكذلك قالوا عنه أنه عاش مع النساء الأجنبيات منغمسًا في الملذات، وقد ذكروا اسم امرأة على وجه الخصوص وقالوا إنه أيقظها بالليل وقال: أيتها الجميلة، دعـــي النوم ومتعيني بشبابك.(برهم دي ورت، بران كريشن جنم، کھنڈ ٤ أدهیاء ٧٢) ولكن القرآن الكريم قد ذكر حضرة كريشنا وغيره من الأنبياء الكثيرين الذين لم تبق أسماؤهم أيضا محفوظة في صفحات التاريخ ذكرا إجماليا، وقال أولئك الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبهُدَاهُمُ اقْتَدهُ) (الأنعام: (۹۱)..أي أن جميع هؤلاء القوم قد هداهم تعالى أي كانوا من المنعم عليهم الذين ورثوا أفضال الله ونصرته، فمن واجبك الآن أن تتبع خطواتهم وتسلك نهجهم.الله لقد تبين من ذلك أن القرآن الكريم يعتبر جميع الأنبياء معصومين من الخطأ، ويدحض كل تهمة رموا بها سواء من قبل المنافقين أو من المعارضين.إنه يزيل كل غبار عن وجوههم الجميلة الطاهرة ويجلو نورهم أكثر فأكثر.وهي منّة عظيمة من القرآن الكريم لا يوجد لها نظير في أي سفر من الأسفار الموجودة في العالم.ثم إن القرآن الكريم قد أكد أنه "مبين" من حيث إنه قد عمل على إرساء كرامة كل نبي في الدنيا وفرض على أتباعه الإيمان بهم أجمعين.لو فحصنا أحوال أي بلد لعلمنا أن أهلها يؤمنون ببعض الصلحاء والأبرار من قومهم حتمًا، ولكنهم يظنون أن الصلحاء لم يوجدوا إلا في قومهم فقط.فمثلا يؤمن أهل الهند بـأن حضرة كريشنا وحضرة رام شندر جي كانا من "أوتار" أي من الأنبياء، ولكنهم يقولون أيضا أنه لم يبعث أي نبي سواهما في أي بلد آخر.وكذلك يقول النصارى واليهود وغيرهم أن أنبياءهم هم وحدهم الصادقون، أما غيرهم ممن ادعوا النبوة فكلهم مفترون كذابون.ولكن القرآن الكريم جاء فأعلن وَإِن مِّنْ أُمَّة إلا خلا فيها نذير (فاطر: ٢٥)..أي ليس هناك قوم إلا وقد بعث فيهم مصلح أو هاد.وعندما نفحص تاريخ الأمم نعلم أنها كلها تؤمن بمجيء مصلح ما بينهم.فنجد في تاريخ الهندوس مثلا أن حضرة كريشنا وحضرة رام تشندر جي قد بعثا إليهم، وعنــدما ننظر إلى المسيحيين نجد بينهم المسيح، وحينما نرى اليهود بجد بينهم موسى وغيره
٥٥ سورة الشعراء الجزء السابع من الأنبياء الكثيرين.وباختصار لا توجد بقعة من بقاع العالم لم يُبعث فيها نبي من الأنبياء.ذلك لأن الله كما هو إله الجزيرة العربية، فهو إله الهند والصين والشام ومصر وإيران وغيرها من الأقطار والبلاد.لقد خلق الله الشمس والقمر والنجــــوم للعالم كله على السواء، وجعل الأرض للناس جميعا، وما دام الله تعالى قــــد ســــد الحاجات المادية للناس كافة، فكيف يمكن أن يهمل سدّ حاجاتهم الروحانية؟ مع أن الحفاظ على الروح أهم من الحفاظ على الجسم، لأن الجسم فان، والروح فانية.فالمسلم عندما يقرأ هذه الآية يتمنى أن يتأكد من تحققهـا، فيذهب إلى الهندوس ويسألهم متوجسًا: هل بُعث في قومكم نبي؟ فيقولون: نعم، لقد جاءنــــا كريشنا ورام تشندر جي أنبياء الله اللذان كانا من في عصرهما، فيتهلل وجه المسلم سروراً، ويقول : الحمد الله ! لقد تحقق قول الله تعالى في القرآن الكريم إنه قد جاء في كل أمة نبي.ثم يذهب هذا المسلم إلى الصين ويسأل أهلها ما إذا بُعث فيهم نبي.فيذكرون له اسم "كونفوشيوس"، فيمتلئ قلبه سرورا وحبورا، ويقول: الحمد لله! لقد بعث الله نبيا في الصين أيضا حسبما قال في القرآن الكريم.ثم يصل هذا المسلم إلى إيران ويسأل أهلها: هل بعث بينكم نبي؟ فيسمون له "زرادشت"، فلا يتمالك من الفرحة ويقول في نفسه: الآن قد تأكد صدق ما قاله القـــرآن أكثر.ثم يذهب إلى اليونان ويسأل أهلها: هل جاءكم أحد برسالة الله؟ فيجيبونه: نعم، ادعى سقراط في بلادنا بأن الله تعالى يكلّمه.فتزداد فرحة المسلم ويقول: الحمد لله! لقد تأكد هنا أيضا صدق كتابي القرآن الكريم.فأينما يذهب يرتفع رأسه فخـــــرا واعتزازا ويمتلئ قلبه لذة وسرورا، ويقول في نفسه ها قد تحقق حرفيا مــا أعلنــــه كتابي.ولكن المسيحي أو الهندوسي أو اليهودي حيثما ذهب اسود وجهه غمــا.فإذا ذهب إلى الشرق الأوسط وسمع أن محمدًا رسول الله كان أعظم الأنبياء قاطبة، احترق قلبه حسدًا.وإذا ذهب إلى بورما وسمع من أهلها أن بوذا كان نبيا من أنبياء الله تعالى، أخذ هذا اليهودي في البكاء والنياح.وعندما يسمع من أهـــل الهند أن كريشنا كان نبيا يصاب اليهودي بالجنون وعندما يذهب إلى اليونـــان نفسه لقد ويعرف من أهلها أنه كان في هذه البلاد بي باسم سقراط يأخذ في الصراخ.فأينما
وحي سورة الشعراء الجزء السابع ذهب عانى الأمرين، ولكن المسلم أينما ذهب سر وفرح، وزاده هذا التعليم القرآني في كل بلد رفعةً وعزا.إذًا، فبرغم أن هذه الآية وجيزة، إلا أنك لو تجولت في العالم كله مؤمنا بها فلن ينقبض قلبك لدى سماع عظمة أي نبي في أي بقعة في العالم، بـل ستعترف بأن القرآن قد برهن على فضله على جميع الصحف الأخرى بتقديم هذا المبدأ.ثم إن بعض الديانات قد قدمت نظرية خاطئة عن النفس الإنسانية، التي هي مهبط الله تعالى وأنواره وبركاته، حيث تزعم بعض الأديان أن الإنسان آثم بفطرته وطبعه، ذلك لأن آدم وحواء ارتكبا معصية الله تعالى مما أدى إلى ولادة الإنسان آلما بفطرته.كما زعمت بعض الديانات الأخرى أنه من المستحيل على الإنسان أن يتطهر مهما يبذل من الجهد، ولذلك تُلقى روحه في سلسلة من الولادات المختلفة المتكررة التي لا نهاية لها.النظرية الأولى تقدمها المسيحية (رومية (٥: ۱۲، أما النظرية الثانية فتقدمها الهندوسية (أنوار حقيقت (ترجمة أردية لستيارث بركاش) الباب التاسع ص ٢٤٧-٢٤٨)، حيث اعتبرت كلتا الديانتين فطرة الإنسان نجسة غير طاهرة، وقد روّجوا لهذه النظرية الخاطئة لدرجة أن هذا الإنسان الذي خُلق ليحظى بقرب الله تعالى وليتخلّق بالأخلاق السامية وليتحلّى بالروحانية العالية حتى يكلّمه الله ويكون مهبطا لوحيه، قد استولى عليه اليأس كلية، فقال في نفسه: ما دامت طرق الرقي مسدودة في وجهي وما دمت قد خلقــــــت نجسا غير طاهر بفطرتي، فمن المستحيل أن أتطهر.ذلك لأن من فطرة الإنسان أنه إذا سمع أمراً بصورة متكررة متتالية، خضع لتأثيره بالتدريج.فمثلا لو قيل لأحد مرارا: إنك غبي وبليد، فإنه بالفعل يصبح بليدا شيئًا فشيئًا، ولو قيل للمرء إنك ابن سارق، رسخت هذه الفكرة في قلبه رويدا، وكلما طمع في مال غيره وأراد أن يسرقه، لم يستطع مقاومة فكرته الشريرة، بل قال في نفسه: ما دام الناس يقولون إنــــي ابـــــن سارق، وما دمت مفطورًا على الشر جيلا بعد جيل، فلماذا أمتنع عن تنفيذ رغبتي؟ ومن أجل ذلك قد استنكر النبي مثل هذه الأمور بشدّة واعتبرها سببًا لهلاك الأمم ودمارها، لأن العقلية الإنسانية إذا أخضعت لتأثير معين ووجهت إلى جهة معينة خضعت لذلك التأثير شيئًا فشيئًا.والحق أن علم النفس نشأ على يد النبي ﷺ والقرآن الكريم، حيث قال : "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم." (مسلم: كتاب البر
الجزء السابع أن أنجو OV سورة الشعراء أن والصلة، باب النهي عن قول هلك الناس.ذلك لأنه إذا قيل لقوم بالتكرار أنهم قد هلكوا فقدوا قوة المقاومة، وأخذوا في التردّي والانحطاط.لقد قالت المسيحية للناس إن آدم أخطأ، وانتقلت خطيئته في ذريته بالوراثة، ولا يستطيع الناس أن ينجوا من الخطيئة ولو أرادوا ذلك.وبعد هذه العقيدة المسيحية، كيف يمكن لمسيحي يقاوم الإثم عندما تغزوه فكرته ؟ كلا، إنما يقول: لا أستطيع مقاومة الإثم ولا يمكن منه.وعندما يترك مقاومة الإثم فلا بد أن يقع فيه.ولكن القرآن الكـ أخبر أن الإنسان قد أُعطي فطرة سليمة، وأنه مهما تردّت حالته فـــإن بوسعه أن يرتقي ويحظى بقرب الله تعالى إذا حاول ذلك حيث قال الله : وَمَا خَلَقْتُ الجنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُون (الذاريات: ٥٧).فإنك ترى أن الله تعالى لم يقل هنا "وما خلقت آدم إلا ليعبدني"، بل قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ..أي لقد خلقتُ الناس كلهم لعبادتي ولقربي سواء أكانوا ذوي فطرة نارية مشاكسة أو من أصحاب الفطرة الطينية المطيعة ؛ علمًا أن المراد من الإنـس قــوم يميلون إلى الطاعة، أما الجن فهم قوم غطّتهم الغشاوة..أي قد حُجبت فطرتهم السليمة وصاروا بعيدين عن الله تعالى.إذا، فكأن الله الله يقول هنا: حتى أصحاب الطبائع النارية المائلين إلى الإثم قد خلقتُهم لعبادتي، لأن طبعهم الناري طبع ثانوي وليس بطبع أصلي؛ ذلك أن الإنسان له طبعان؛ الطبع الأول الأصيل الذي قطـر عليـه و جبل، والطبع الثانوي الذي يتولد فيه نتيجة تأثير محيطه ويتغلب على طبعه الأول.وقد سمي أصحاب الطبع الثانوي جنَّا، أي أن فطرتهم الأولى الأصلية تصبح محجوبة تحت الغشاوة، فلا نستطيع أن نراها؛ وحيث إننا لا نرى فطرتهم الأولى فنسميهم جنَّا.إن الناس إذا ثبتوا على الخير والصلاح لفترة طويلة وعاشوا بحسب مشيئة الله تعالى سُمّوا إنسا، وإذا غفلوا عن تعاليم نبيهم أصبحوا جنا؛ ذلك لأن فطرتهم السليمة تصبح محجوبة مستورة لدرجة أنهم ينسون الغاية من إنشاء جماعتهم وإقامة نظامهم أو ينسون التعليم الذي أتى به نبيّهم.فالله تعالى يقول هنا: لقد خلقنا لعبادتنا كلا الفريقين: الإنس والجن..أي أولئك الذين قد أصبحت فطرتهم الصحيحة في غطاء وتغلبت عليهم الفطرة الثانوية حتى بدا وكأن فطرتهم الثانويـــة
الجزء السابع ۵۸ سورة الشعراء ب.الله هي فطرتهم الأولى، فصاروا من الجنّ..أي من المحجوبين عن تعالى، وكذلك أولئك الذين يميلون بطبعهم إلى الخير، ولا تزال جذوة حب الله تعالى متقدة في قلوبهم.يقول البعض كيف يمكن أن ننصح فلانًا؛ فهو خال من الخير تماما؟ بينمــــا يقول البعض الآخر لا يمكن أن يهتدي فلان لأنه عنيد متعصب، ولكن الله تعالى يقول: لا تقولوا هكذا إنكم تقومون بهذا الاستنتاج الخاطئ ناظرين إلى طبيعته الثانية، في حين أن طبيعته الأولى مائلة إلى الخير، إذ لم نخلق الجميع إلا لعبادتنا.فإذا كانت الفطرة السليمة لأحد في حجاب فمثله كمثل شخص يسقط في جرة مليئة "النيلي"، فيصبح كله أزرق اللون، ولكن هذا لا يعني أنه لم يعد إنسانا.أو مثله كمثل شخص لبس جلد الدب، فيخافه الرائي ويفرّ منه، بينمـا هـو إنسان في الحقيقة.هذا هو مثل القوم الذين تصبح فطرتهم مشوهة ممسوخة بتأثير محيطهم، وتصبح صورهم الظاهرة كصور الجنّ.فحتى أولئك الذين يؤمنون بوجود الجن غير المرئيين ويعترضون علينا نحن الأحمديين بأننا لا نؤمن بالجن، هم أنفسهم يطلقون أحيانًا اسم الجنّ على من أصبحت فطرته محجوبة في الظلمات، ويسمون مـــن فسدت أخلاقه ذئباً، ولا يعنون أنه قد صار ذئبا في الواقع، وإنما مرادهم أنـــه قــــد غلبت عليه طبيعة الذئاب.وكذلك يسمون البعض ثعبانا ويقولون إنــه دغ كالثعبان، أو يسمون البعض عقربا ويقولون إنه يلدغ لدغ العقارب.فثبــت مـــن ذلك أن الفطرة الثانية للبعض تتغلب على فطرته الأولى الأصيلة أحيانًا حتى لا نكاد نجد فيه خصال الإنسان، ولكن عندما تلوح فطرته الصحيحة ندرك أنه لا يزال فيه الصلاح والخير.فمثلاً إنك تعلم مدى عداء معارضي الرسول ﷺ له، ولكن حـــــين حصل فيهم انقلاب مذهل لم يصلحوا أنفسهم فحسب، بل بلغــــوا في الروحانيـــة درجةً عاليةً بهرت العقول.فمثلاً كان ه شديد العداء للإسلام والمسلمين، ولكنه حين أسلم حصل فيه انقلاب عظيم، فأخذ يُلقي نفسه في المشقة والعناء من أجل راحة الآخرين ومنفعتهم، وظل يخدم الإسلام ليل نهار.وهكذا كـــــان حــــال عكرمة.فلما فتح النبي ال مكة فر عكرمة منها إذ كان يبغض النبي ﷺ عمر بغضا شديدًا، فقال لن أعيش في بلد يوجد فيه هذا الشخص.وكان النبي ﷺ
۵۹ سورة الشعراء الجزء السابع أمر بقتله حيثما وجد لما ارتكب من فظائع بشعة، وقال: إنني لن أعفو عنه! فجاءت زوجته إلى النبي وقالت: يا رسول الله أنت رحيم وكريم وقد عفوت عـــن كثيرين، ولو عفوت عن عكرمة فلن يضرك هذا شيئا.وأضافت قائلة: يا رسول الله، هل تفضّل أن يعيش عكرمة في بلد غير بلدك ذليلا مهانًا أم أن يعيش في بلدك كأحد رعاياك مفتخرا بعفوك عنه ؟ فأعجب النبي ﷺ قولها فقال: لقد عفونا عـــــن معي.عكرمة.فخرجت زوجته بحثًا عن زوجها الذي كان قد وصل إلى البحر وركـ سفينة متجهة إلى الحبشة.فوصلت إليه زوجته وقالت له: أين تذهب! تعال ارجع، لقد استعطفت محمدا للهلهلهله من أجلك، وقد عفا عنك.فتحيّر عكرمة من قولها وقال: كيف يمكن أن يعفو عني محمد وقد ارتكبت جرائم بشعة؟ فقالت: إنك لا تعــــرف مدى حلمه وعفوه.صدقني أني قد طلبت منه العفو عنك فعفا عنك، فتعال وارجع.فنزل عكرمة من السفينة ورجع مع زوجته.وعندما حضر الرسول ﷺ قال: يا رسول الله، لقد أخبرتني زوجتي أنها قد استعطفتك من أجلي فعفوت عني، فهل هذا صحيح ؟ فقال الرسول ﷺ: نعم، هذا حق، فقد عفونا عنك.قال: فهل تسمح : لي أن أعيش في مكة وأنا كافر بك؟ قال النبي الله نعم، يمكنك أن تعيش هكذا.فلما علم عكرمة بأن النبي الله لقد عفا عنه رغم ما ارتكبه هو ووالده أبو جهل من مظالم متكررة وجرائم بشعة، وسمح له بالعيش في مكة بحرية تامة سواء اعتنق الإسلام أم لم يعتنقه، تأثر من هذه المعاملة تأثرًا كبيرًا، وقال: يا رسول الله، ها أنا أدخل في الإسلام على يدك، فإني أرى أن مثل هذا العفو لا يمكن أن يصدر إلا من إنسان بار قد اصطفاه الله تعالى فعلاً.(السيرة النبوية لابن هشام: ذكر الأسباب الموجبة للمسير إلى مكة وأسد الغابة: عكرمة بن أبي جهل) فترى كيف حصل انقلاب عظيم في قلب عكرمة؟ فقد كان يبغض النبي ﷺ قبل لدرجة أنه يكره العيش في بلد يعيش فيه النبي ، ولكن حين قال له النبي ﷺ: لا أعفو عنك فحسب، بل أريد مكافأتك أيضا ، فسل ما بدا لك! قال عكرمة الذي كان ميالا إلى الدنيا من قبل: يا رسول الله، إني لا أسألك إلا أن تدعو لي بأن إنني يغفر الله لي كل ما سبق مني من الذنوب (المغازي للواقدي).فشتان بين أن
٦٠ سورة الشعراء "ماهان"، الجزء السابع عكرمة من مكة وبين أن يدخل في الإسلام ويحدث فيه هذا الانقلاب المفاجئ العظيم حيث يتخلى عن العداوة كلية.كان يحارب النبي من قبل، ولكنه بلغ بعد ذلك من الفداء والتضحية للإسلام لدرجة أنه لما استُشهد كثير من الصحابة في واقعة اليرموك أخذ عكرمة معه جماعة من الفتيان وذهب إلى أمير الجيش المسلم أبي عبيدة وقال له لا أستطيع رؤية موت صحابة الرسول في القتال هكذا.من ذا الذي سيقوم بنشر الإسلام إذا قتل هؤلاء القوم اليوم؟ فاسمح لنا نحن الفتية أن نخرج حاملين أرواحنا على أكفّنا لنهاجم قائد الجيش المسيحي ونقتله، لتنتهي الحرب.فقال أبو عبيدة : هذا عمل صعب كيف يمكن أن أبعثكم لمحاربة جيش قوامه مليون محارب؟ فإنكم ستهلكون حتما.فأشار عليه باقي المسلمين: اسمح لهم بما يريدون ما داموا يتطوعون بهذه التضحية عن طيب خاطر.وبما أن كثيرا من الصحابة قـــــد استشهدوا في هذه المعركة فسمح لهم أبو عبيدة بهذه المخاطرة.فشن عكرمة مع هؤلاء الفتية الهجوم على قلب الجيش المسيحي ووصلوا إلى قائدهم فأصابه الذعر الشديد ولاذ بالفرار فحصلت الفوضى في جنوده وانتهت الحرب بفوز المسلمين.لكن عكرمة له وفتيانه كلهم تقريبا قد استشهدوا في هذه الحملة.ومن وقائع هذه الحرب أن عكرمة الله أصيب بجراح شديدة وأخذ يضطرب من شدة الألم والعطش فمرّ به مسلم يحمل قربة ماء، فلما رأى عكرمة له في كرب اقترب منه وسأله هل أنت عطشان؟ قال : نعم.فقدّم القربة إلى فمه ليسقيه، ومـا إن وضع عكرمة فاه على فم القربة حتى وقع بصره على الفضل بن العباس الذي كان يضطرب قريبا منه من شدة العطش، فقال للساقي: إن الفضل أشد ظمأ مـــــني فاسقه قبلي.فلما وصل الساقي إلى الفضل وجد الفضل مسلمًا آخر يضطرب على مقربة منه فقال للساقي: إن أخي هذا أشد عطشا مني، فاسقه أولاً.فلما وصـــل الساقي إلى الثالث، أشار هذا إلى الرابع، ولما وصل إلى الرابع أشار إلى الخامس أن اسقه قبلي.ويذكر التاريخ أن هؤلاء الجرحى كانوا سبعة وكانوا جميعهم يضطربون من شدة العطش، ولكن كل واحد منهم قال للساقي: لا تسقني الماء بل اسق
الجزء السابع ٦١ سورة الشعراء * صاحبي قبلي.ولما وصل الساقي إلى الجريح الأخير وجده قد فارق الحياة.ولما رجع للآخرين ليسقيهم وجدهم أيضًا قد استشهدوا كلهم.فترى كم هي عظيمة هذه التضحية التي قدّمها عكرمة رغم عدائه الشديد ضـــــد الإسلام من قبل.إذا فمن الخطأ الفاحش أن يقال عن أحد أنه لن ينال الهــدى.كلا، بل إذا أراد الله تعالى الهداية لأحد هداه في لمح البصر.وهذا هو المعنى الذي بينه الله في قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلا ليعبدون) (الذاريات: ٥٧)..أي أنه تعالى قد خلق كل واحد ليهديه وينعم عليه بقربه فما أشدَّه يأْسًا مَن يكفر برحمة الله تعالى، ويظن أن الإنسان يولد ،آنّما فلا يمكنه أن يتطهر أو يتركي ! إن الإسلام يعلن أن هذه النظرية خاطئة تمامًا، وأن الإنسان قد خلق بفطرة نقيـــة وقدرات طاهرة، وأن الله تعالى قد خلق كل واحد ليحظى بقربه.وكذلك يقول الله تعالى في مكان آخر من القرآن الكريم: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (الشمس: ٨-١١)..أي أننا نقدّم النفس البشرية كشهادة على أننا قد خلقنا الإنسان منزها عن العيوب كلها، وأودعنا فطرته قوة معرفة الخير والشر، فمـــــن وقى روحه من الشوائب الخارجية نجح ،وفاز ومن أفسد طهارته الفطريــة خــاب وخسر.إذا، فالإسلام لا يدع الإنسان يقع فريسة للقنوط واليأس كما تفعل الأديــــان الأخرى، بل يشحن روحه بقوة تحلّقه عاليًا وترفعه من الثرى إلى الثريا.ثم إن القرآن الكريم كتاب "مبين" من حيث إنه قد بين آلاف الحقائق التي لا يوجد لها أي أثر في الكتب السابقة.وعلى سبيل المثال، قد ذكر القرآن الكريم أن * لقد وردت هذه الواقعة في المصادر التالية مع شيء من الاختلاف: تاريخ الطبري: اليرموك وأسد الغابة: عكرمة والكامل في التاريخ: ذكرُ وقعة اليرموك والاستيعاب في معرفة الأصحاب : عكرمة - والبداية والنهاية لابن كثير: ذكر وقعة اليرموك.(المترجم)
الجزء السابع ٦٢ سورة الشعراء فرعون غرق مع أصحابه في البحر، ولكن جنّته أنقذت وحفظت ليكـــون عــــبرة ونصيحة للذين يأتون بعده (يونس:۹۳)، وذلك برغم أن القرآن الكريم قد نزل بعد موسى وفرعون بحوالي مئتين وألفي عام.وقد عثروا الآن بالفعل على جثة فرعون موسى بين الموميات القديمة وجثته محفوظة اليوم في المتحف المصري وقــد رأيتها بأم عيني.فما أعظمها شهادة على أن القرآن الكريم كتاب مبين، فإن التوراة التي قد نزلت في الزمن الذي غرق فيه فرعون لم تذكر أي شيء عن حفظ جنّته، ولكن القرآن الكريم جاء بعد مئتين وألفي سنة، وكشف عن هذه الحقيقة.وبعـــد مرور أربعة عشر قرنًا من هذا الإعلان القرآني تم العثور على مومياء فرعون بالفعل.وهكذا ثبت أن القرآن الكريم هو في الواقع كلام الله العلى الذي هو عالم الأسرار كلها ومطلع على الغيوب بأسرها.ثم إن القرآن الكريم كتاب "مبين" من حيث إنه ليس بحاجة إلى الأدلة الخارجية لإثبات صدقه، بل إنه يقدّم بنفسه البراهين على صدق دعاويـــه، وذلــك خـلافــــا للصحف السماوية الأخرى التي تقدّم الدعاوي بدون أن تذكر الأدلة على صـــدق ما تدعي.اقرأ التوراة من أوّلها إلى آخرها وكذلك الإنجيل والفيدا، وستجد وكأنها قد افترضت افتراضا بأن العالم كله مؤمن بالله تعالى ولا أحد من الناس يشك في وجوده تعالى.لقد سلطت هذه الكتب على صفات الله الا الله ضوء قليلا جدا لا تشفي غليل النفس البشرية مطلقا.وغاية ما تبينه تلك الكتب هو المعجزات، مهملة تماما ذلك الأمر الأهم الذي هو أساس كل دين.أما القرآن الكريم فتجده على النقيض حيث لا يقول للناس إن فحسب، بل يسوق على ذلك الأدلة والبراهين، وليس هذا فحسب بـل يـذكر البراهين على جميع صفات الله تعالى، وهكذا يقدم للعالم مبدأ جديدا، ألا أنه وهو لا بد من تقديم الأدلة على جميع صفات الله التي تتعلق بالعباد أيضا، وإلا فلن تثبت صفات البارئ تعالى، وإن ثبت وجوده تعالى.فمثلاً قد قال الله تعالى في القرآن الكريم بهذا الصدد لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبيرُ) (الأنعام: ١٠٤)..أي أن البارئ تعالى لا تصل إليه أبصار الناس، ولكنه بنفسه الله موجود
الجزء السابع ٦٣ سورة الشعراء يصل إلى أبصارهم ويكشف عليهم وجوده من خلال قدرته وقوته وتجلي صفاته، وهو اللطيف الخبير.لقد بيّن الله الله هنا أن عدم رؤيته تعالى لا يعني أنه لا وجود له، إذ من صفات أنه موجود الله تعالى أنه لا يُرَى، بل إنه بنفسه يكشف وجوده للناس من خلال آياته، وأنــــه العباد ويسد حاجاتهم المادية والروحانية كلها، وهذا دليل على يرعى ولكنه لطيف.وهذا يعني أن بعض صفات الله تعالى كالزوجين وتعمل معا لتــــدل على وجوده تعالى.فمثلا إن العلم الدقيق والخبر بكل صغيرة وكبيرة والاطلاع على كل تغير في الكون مهما كان صغيرًا، هو من الأمور التي لا يقدر عليهـا إلا اللطيف..أي الذي هو على اتصال كامل بكل ذرة من الموجودات.فصفة "الخبير" هي بمنزلة الزوج لصفة "اللطيف"، لأن الأولى تنكشف من خلال الأخرى، أو أن العلاقة بينهما كعلاقة الجسم مع الروح، حيث لا تثبت الأولى بــدون الثانيــة ولا الثانية بدون الأولى.فلو لم تنكشف صفة "الخبير" من خلال وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ لم يثبت قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ أيضا، بل لثبت العدم، وبالمثل لو لم يثبت لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ..أي كونه تعالى لطيفا لم تثبت صفة "الخبير" أيضًا، لأن الذي ليس له اتصال كامل بكل ذرة من الموجودات لا يمكن أن يكون خبيرا أيضا.باختصار، إن القرآن الكريم كتاب مبين من حيث إنه لا يقوم بالدعاوى فقــــط، بل يقدّم الأدلة على كل ما يدعي به أيضًا، لكي يعمل الناس بأحكامـــه ببشاشة موقنين بأن ما يؤمرون به إنما فيه منفعتهم، ولا يعتبروها غرامة وعبئًا.ثم إن القرآن الكريم كتاب "مبين" من حيث إنه قد تناول كل الأمور من أحكام أو أخلاق أو عقائد وغيرها ببيان مفصل مكتمل، كما أنه قد بين كل ما يتعلـق بقرب الله وحبّه أيما بيان.وهذا يعني أن القرآن الكريم كتاب جامع فيه تفصيل كل شيء كالتوحيد والنبوة والدعاء والقضاء والقدر والبعث بعد الموت والمعاد وغيرها من القضايا، أما الأسفار الأخرى فقد لزمت الصمت عن كل هذه الأمور المهمة، وإذا تحدثت عنها بشيء فهو لا يسمن ولا يغني من جوع.كما أن التوراة والفيدا
។ سورة الشعراء الجزء السابع والزندأفستا وغيرها من الكتب السابقة صامتة تماما عن الأمور المهمة الأخرى مثل منصب النبي وواجباته والنبوة وحقيقتها.أما القرآن الكريم فقد أفاض في وجــود البارئ تعالى وصفاته كما تحدث بالتفصيل عن قوى الإنسان الروحانية، وأيضا عن تلك الأمور الروحانية الضرورية التي تساعده على تكميل هذه القوى.كما أنه ألقى الضوء على مآل الحياة الإنسانية وساق الأدلة على ذلك.ثم إنه لم يهب الناس بصدد هذه القضايا نورًا جديدًا من الناحية النظرية فحسب، بل قد أوجد بالفعــــل شخصيات تشرفت بوصال الله تعالى واكتملت قواها الروحانية نتيجـة العمـــل بالقرآن الكريم.إذا، فالقرآن الكريم يفوق جميع الأسفار السابقة من حيث كونه مبينا بشكل بارز جدا بحيث إنك لو نظرت إليه من أي زاوية بمرك حسنه وجماله.ثم إن القرآن الكريم لا يتفوق على الكتب السماوية الأخرى من حيث إنه قد أتى بمعارف جديدة أو قام بإصلاح ما في الأديان الأخرى من نقــــائص وعيــــوب فحسب، بل قدّم تعليمًا أفضل وأكثر شمولاً حتى في الأمور التي يوجد فيها تشابه بين القرآن والكتب السابقة.فمثلاً إذا كان بعض الكتب السابقة قد علّمت طريقة الأكل والشرب أو اللباس وغيرها من الأمور فإن القرآن الكريم قد علّمها بطريقــــة أفضل.فليس هناك أمر، مهما كان بسيطا، إلا وقد أتى القرآن الكريم بشأنه بتعليم هو أكثر شمولا وتفصيلا من الصحف السابقة، مؤكدًا أنه الكتاب المبين.وأتناول هنا مثلا قضية السلام العالمي الذي ما زالت الدنيا تسعى له على مر العصور، فهي حينًا تسعى للسلام الخارجي، وإذا نجحت في ذلك حاولت تحقيق السلام الداخلني.فكلما التقى كبار الأثرياء والعلماء والمفكرين في منتدى ناقشوا هذا الموضوع، وقالوا إننا نتمتع بكل شيء إلا سكينة القلب.وهذا يؤكد أن السلام لا يكون خارجيًا فقط بل هناك سلام داخلي أيضا وهو سكينة القلب، بل الحق أنه لا قيمة للسلام الظاهري إذا لم يتيسر للمرء اطمئنان القلب.إذا، فإننا نشاهد أن جميع الناس يتمنون اليوم السلام ولكنهم قد فشلوا في تحقيقه، وذلك لأن بينهم آلاف الفروق والاختلافات؛ فمصالحهم مختلفة،
الجزء السابع الإسلام.سورة الشعراء وعواطفهم متباينة، وميولهم متفاوتة، وحاجاتهم شتى، فكيف يمكن أن تتمتع الدنيا كلها بالسلام رغم هذا التفاوت الكبير في ميول الناس وحاجاتهم؟ لذا فما لم يسعوا لتحقيق الأمن والسلام وفق قاعدة واحدة لن ينعم الجميع بالسلام والاطمئنان.إن يعلّمنا أن السلام إنما ينعم به الناس رغم وجود هذا التفاوت في ميولهم وحاجاتهم وأفكارهم ، إذا ما أصبح العالم كله تابعا لذات الله تعالى الذي يريد أن يهيئ لهم السلام أما بدون ذلك فلن يتيسر لهم الأمن والسلام أبدا.فإننا نشاهد كل يوم في البيوت أن الوالدين إذا غابا عن أنظار الأولاد لبعض الوقت أخــــذوا في الشجار والضرب حتى يجرح بعضهم بعضا ويمزّق بعضهم ثياب بعض، وإذا حضر الوالدان تظاهر أمامهما الأولاد كالمساكين وكأنه لم يجر بينهم شيء من الشجار والخصام؛ وليس ذلك إلا لأن الآباء يريدون لأولادهم أن يعيشوا في أمن وسلام.فالحق أن الدنيا إنما تنعم بالسلام إذا حكمتها ذات عليا تريد لهم أن يعيشوا في سلام، وتريد أن تهيئ لهم ،السلام وتريد إصدار الأوامر التي تؤدي إلى إرساء دعائم السلام ، ولن يكون مانحاً للسلام حقيقة إلا الذي يدعو إلى تلك الذات، والحق أن ذلك الشخص الذي يدعو إلى تلك الذات العليا إنما هو محمد رسول الله ، إذ إنه هو الإنسان الوحيد الذي علم الناس أن من أسماء الله تعالى "السلام"..أي مــانـح السلام، حيث ورد هذا الاسم الإلهي بين الأسماء التي عددها الله الله في ســــورة الحشر قال الله تعالى الْمَلكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ )) (الآية (٢٤)..أي يا محمد، ادْعُ الناس إلى الله الذي هو مانح السلام للدنيا ومنبع جميع أنواع السلام..أي كما أن الآباء لا يطيقون الخصام أو الفساد بين أولادهم، بل يعاقبون من يخرّب من أولادهــــم السلام، ويحبون من يحافظ على جو السلام بينهم، كذلك هناك إله فوقكم يرى أن مصالحكم مختلفة، ونواياكم شتى وحاجاتكم متفاوتة، وأمانيكم متضاربة، وأنكم تستعدون للإخلال بالسلام أحيانًا منجرفين وراء أهوائكم وعواطفكم، ولكـــن عليكم أن تتذكروا أن الله الله لا يرضى بذلك لأنه السلام وما لم يسلك المرء سبيل السلام لن يكون محبوبًا عند الله تعالى.إن بوسع كل إنسان أن يدرك أن مجرد تمني السلام لا يمكن أن ينشر السلام في العالم، ذلك لأن المرء يحب السلام لنفسه ولا هو
كانت هذه ។។ سورة الشعراء الجزء السابع يريده للآخرين عادة.فمثلاً حين يقول أحدهم إن المال شيء نافع جدا، فلا بذلك أن ما عند عدوّه من مال هو شيء جيد، وإنما يعني أن المال جيد جدا لـه ولأصحابه فقط.وعندما يقول أحدهم إن الصحة شيء مفيد جدا فلا يعني بقولـه هذا أن صحة عدوّه شيء مفيد، إنما يعني أن الصحة مفيدة جدا بالنسبة لنفسه فقط، إذ لا يريد المرء الصحة لعدوه بل يريد له أن يظل فقيرا وضعيفًا على الدوام.وكذلك عندما يتمنى المرء العزّة والمكانة فلا يتمناها للجميع بل لنفسه فقط.فإذا حال أهل الدنيا فإن مجرد تمنّي السلام سيؤدي إلى الفساد فيهـا حتما، لأن الذين يتمنون السلام إنما يتمنونه لأنفسهم أو لشعبهم فقط، أما العدو فيريدون له أن لا يتمتع بالسلام أبدًا؛ ولو حققنا أمنيتهم فلن يتمتع بالسلام إلا قلة من الناس، أما باقي العالم فيظل محروما من السلام ومن الواضح أن السلام الذي ليس سلاما عالميا لا يمكن أن يسمى سلامًا حقيقيا، إنما يتأتى السلام الحقيقي إذا أدرك الإنسان أن فوقه ذات عليا لا تريد السلام له فحسب بل للعالم أجمع، وأن المرء إذا أراد السلام لنفسه أو لشعبه أو لبلده فقط فلن يحظى بالنصرة والرضا مــــــن تلك الذات العليا.فثبت أن إرساء السلام في العالم مستحيل إلا بالترويج لهذه هي القاعدة والعقيدة.إذًا، فإن القرآن الكريم قد قام بتطهير نوايا الناس من كل فساد حين أعلن أن الله تعالى هو الْمَلكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ.ومن الحقائق الثابتة أن الأعمال لا تصلح مــــا لم تصلح النيات.والحق أن كل ما يوجد في العالم من فساد وحرب إنما يرجع إلى فساد النيات، لأن نوايا الناس لا تتفق مع ما يقولون بأفواههم، ولا تتفق أقوالهم ولا أفعالهم مع نواياهم.فمثلاً يعلن العالم كله اليوم أن الحرب شيء سيئ للغاية، ولكن ليس المراد من قولهم هذا إلا أن إثارة غيرهم الحرب ضدهم أمر منكر، أما إذا بدأوا هم الحرب ضد أحد فلا بأس في ذلك.ولا يوجد هذا العيب عندهم إلا لأنهم لا ينظرون إلى تلك الذات العليا التي هي.السلام إنهم يفكرون أنهم سوف يعملون بهذه المبادئ ما دامت تصبّ في مصلحتهم، أما إذا تعارض شيء منها مــع مصلحتهم فسيرفضونه.ولكنا نجد بين أسماء الله تعالى التي ذكرها القرآن الكريم أنه
٦٧ سورة الشعراء الجزء السابع رب العالمين، وليس ربا لشخص معين أو لشعب معين.وهذه العقيدة هي التي يمكن أن تؤدي بالناس إلى السلام الحقيقي ، أي أن للعالم كله إلها يريد أن يتمتع الجميع بالسلام.وإذا تمسكنا بهذه العقيدة فلن تكون نوايانا ،مغرضة، بل ستكون نافعــــة للعالم كله، وعندها لن نفكر ما إذا كان أمر ما نافعًا لنا أم ضارا، بل سنفكر في تأثير هذا الأمر على الدنيا كلها.إن الناس يقضون على سلام الآخرين من أجــــل مصلحتهم دائما، ولكن هذه العقيدة ستمنعهم من ذلك، حيث يدركون أن هناك ـوف تمزّقهم إذا فعلوا ذلك.لا شك أن الطفل حين يستولي على لعبـة طفل آخر يجلب السكينة لنفسه ولكنه يقضي على سكينة صاحبه في نفس الوقت، لا جرم أنه يفرح بينما صاحبه يبكي، ولكن هل تظن أن أباه أو أمه أو أستاذه سيسمح للطفل المعتدي بالاستمرار في التمتع بلعبة صاحبه؟ كلا، إنهم لن يتحملوا ذلك بل سوف ينتزعون منه اللعبة ويردّونها لصاحبها، وعندها يدرك الطفل المعتدي أن السلام الذي يناله المرء على حساب الآخرين لا يدوم أبدا، إنما السلام الحقيقي ما لا يكون فيه هضم لحقوق الآخرين.ذانا عليا سوم باختصار، لا يمكن أن يتأتى السلام الحقيقي ما لم يؤمن الناس بوجود ذات عليا.وإن الإسلام هو الدين الوحيد الذي علم الناس أن الله هو واهب الـــســــلام فقال تعالى الْمَلَكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ.بد أن نسعی ثم بعد ذلك يأتي دور رسالة الذات العليا، ذلك أن الإنسان إذا عــــرف مــشيئة الذات التي تريد إرساء السلام تمنى أيضًا أن يعرف ما إذا كانت قد هيأت الأسباب لتوطيد السلام أم لا.ذلك لأنها تلك الذات العليا إذا لم تهيئ لنا أسباب السلام فلا لذلك بأنفسنا؛ وهناك احتمال كبير أن نخطئ في مسعانا وجهودنا، فنعيث في الأرض الفساد بدلاً من إرساء السلام فيها.فثبت أن مجرد تمنّي النــــاس لإرساء السلام لا يضمن للإنسان السير في الطريق الصحيح للسلام ما لم يعلم مــا أعطته تلك الذات العليا من تعليمات تساعده على إرساء السلام.إن الخـــــادم لا يمكن أن يُرضي سيده ما لم يكن عنده علم صحيح بما يريده سيده، وإن تمنى طاعة سيده.ولكن إذا علمنا بما يريده سيدنا بدون أن نعرف الطريق الصحيح لتحقيــق
л سورة الشعراء الجزء السابع إرادته، فأيضا لا يمكن أن يدوم السلام فينا، إذ من الممكن أن نختار طريقا للسلام يخالف مشيئة سيدنا.إذًا، لكي نتمتع بالسلام لا بد أن تدلّنا هذه الذات العليا على طريق لإحلال السلام.وعندما نفحص القرآن الكريم لنعرف ما إذا كان قد أرشدنا بهذا الشأن نجد الجواب في قول الله تعالى ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةٌ للنَّاسِ وَأَمْناً)) (البقرة : ١٢٦)..أي ما دام ربكم السلام في السماء يريد إرساء السلام في الدنيا فكان لا بد أن يقيم مركزًا يهيئ السلام للعالم، وبالفعل قد بنى الله مدرسة لهذا الغرض ليجتمع فيهـا الناس من كل أنحاء العالم ويتلقوا فيها درس السلام.إذا فربنا لم يوصنا بإرســـــاء السلام فحسب، بل قد أقام مركزا للسلام في العالم وهو الكعبة المشرفة، ليأتي إليها الناس ويتعلموا السلام.أما المنهج الذي سيتم تدريسه في هذه المدرسة، فقد أعلنه رســول الله ﷺ بنـــاء الله مَن على وحي الله القائل: قدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ } رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ) (المائدة: ١٦-١٧)..أي أيها الناس، كنتم في ظلام ولا تعرفون كيف تحققون مشيئة الله، فأقمنا لكم مدرسة في الدنيا، ولكن المدرسة وحدها لا تنفع بدون الكتب، ولذلك قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ).إذا، فالله تعالى قد أقام في الإسلام مدرسة السلام، وجعل لها منهج السلام، كما عين فيها معلّم السلام.والمعلم هو محمد رسول الله ، ومنهج السلام هو كتاب مُبينٌ..أي يبين كل الأمور والقضايا ويهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام.فمن أراد رضى الله تعالى فعليه أن يقرأ هذا الكتاب لأن دروسه تهدي إلى "سبل السلام"، وليس فيه حكم يؤدي العمل به إلى تدمير سلام الناس.إذًا، فإن الله تعالى يقوم بإصلاح نوايانا، وأما المدرسة فهي تساعد علـــى حــلّ قضايا حياتنا العملية، وأما محمد الله فهو تفسير عملي لهذا الكتاب، حيث يعلن هنا بأن الله تعالى قد أرسل لكم كتابًا يفصل لكم جميع الأمور التي تساعد النبي على إرساء السلام.
الجزء السابع ٦٩ سورة الشعراء ويبقى بعد ذلك سؤال من ذا الذي يريد له الإسلام هذا السلام؟ يقول الله الله جوابًا على هذا السؤال: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) (النمل: ٦٠)..أي يا محمد قُل الحمد لله الذي أرسى السلام في الدنيا ونجى الخلق من القلق والاضطراب، فالذين يحظون برضا ربهم ويضحون بأنفسهم في سبيله، سيكتب لهم السلام، فيعيشون في أمن وسكينة.لقد أعلن هنا رسول الله ﷺ أن كل أولئك الذين يتبعونه ويتعلمون في مدرسته سيتمتعون بالسلام الكامل ولن يروا في أي مرحلة من حياتهم قلقا ولا اضطرابا.وهنا يطرح السؤال نفسه ما دام الله تعالى هو السلام فيجب أن يكون السلام الآتي منه للجميع وليس للبعض، فإن السلام الخاص بالبعض ليس حلا مُرضيا للقضية.وقد أجاب الله الله على هذا السؤال في القرآن الكريم وقال: وقيله يـــا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الزخرف : ٨٩-٩٠)..أي أن محمدا لله لقد جاء بأحكام هي ذخيرة رحمة لكل إنسان، وتهيئ السلام للجميع، ولكن الناس لا يعلمون ذلك للأسف الشديد، بل يحاربون هذه التعاليم التي هي في الحقيقة بشرى سارة لهم حتى اضطر محمد ليشتكي لربه ويقول: يا رب قد جئت قومي برسالة السلام، ولكنهم لا يؤمنون بها..أي لا يدعونه في أمن وسلام - علما أن من معاني الإيمان التصديق وأيضا إتاحة الأمن والسلام للآخرين (انظر أقرب الموارد) – وإلى هذا الأمر نفسه قد أشار الله تعالى بقوله: ﴿وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) (الزخرف: ٨٩)..أي أن نبينا هذا يبتهل إلينا مرارا ويقول: يا رب قد جئتُ قومي برسالة سلام، ولكنهم بدل أن يقدّروها قد عقدوا العزم على معارضتي حتى أنهم قد دمروا سلامي أيضًا.فقلنا لنبينا فَاصْفَحْ عَنْهُمْ..أي أنهم يجهلون عظمــة تعاليمـــك فيغضبون ويعارضونك، فاصفح عنهم لأننا إنما بعثناك لإرساء الأمن والسلام.ثم قال الله تعالى وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )..أي إذا هاجموك وضيقوا عليك الخناق فلا تقل لهم سوى أنني ما جئتكم إلا بسلام، وستعرف الدنيا عما قريب أنك قد أتيتها بالسلام
الجزء السابع سورة الشعراء لا بالحرب.وهذا يعني أن السلام الذي أتى أن السلام الذي أتى به النبي الله ليس خاصا بالمؤمنين فقــــــط بل هو للجميع.ثم يقول الله تعالى مخاطبا المؤمنين جميعا وليس محمد ا ل فقط : ﴿وَإِذَا حَــاء الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (الفرقان: ٦٤)..أي أن الجاهلين الذين لا يعرفـــون غايـــة الإسلام عندما يتخاصمون مع المؤمنين يقول المؤمنون لهم: لا نريد لكم إلا خيراً وسلامًا وإن أردتم لنا شرا.وعندما يقول لهم أعداؤهم إنكم تنشرون في الدنيا عقائد سيئة يردّون عليهم بأنها ليست عقائد سيئة ولا باطلة، إنما هي تعاليم تدعو إلى السلام.وهذا يعني أن السلام الذي أتى به الرسول الله لم يكن خاصا به ولا بالمؤمنين، بل كان للعالم بأسره.ثم هناك سؤال يطرح نفسه: أمؤقت هذا السلام الذي أتى به محمد (ﷺ) أم دائم؟ صحيح أنه قد أتى من عند الله تعالى بالسلام للدنيا، ولكن بعض أنواع السلام الذي يكون عابرًا ومؤقتا يكون منطويًا على مفاسد كبيرة.شأنه شأن المصاب بالحمى، فإنه كلما شرب ماء باردًا شعر براحة كبيرة، ولكن بعد دقيقة أو ثلاث تشتد به الحمى ثانية فيصرخ: لقد احترق جسمي.ثم إنه يشرب ماء مـــردا بالثلج، فيظن أنه قد تماثل للشفاء، ولكن يعود إليه اضطرابه ثانية.فالسؤال: هل السلام الذي أتى به محمد مؤقت أم دائم؟ وقد أجاب الله على هذا السؤال فقــــال: وَاللَّهُ يَدْعُو إلى دَارِ السَّلام) (يونس: ٢٦)..أي أن أهل الدنيا يدفعون النــاس بتعاليمهم إلى الفساد ولكن التعاليم التي أتى بها محمد لا تهب الإنسان سلاما في هذه الحياة فقط، بل تهب له سلامًا دائمًا يستمر بعد وفاته أيضا، ويأخذه إلى دار في الآخرة التي ليس فيها إلا السلام وهذا يعني أن سلسلة هذا السلام مكتملـة الحلقات، حيث تجد في أوّلها تلك الذات العليا التى هى السلام، ثم تجد في وسطها مدرسة السلام التي عُين فيها مدرس للسلام يعلم منهج السلام، كما أقيمت جماعة من المؤمنين الذين إذا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً.وفي آخر هذه السلسلة أيضا سلام لقوله تعالى وَالله يَدْعُو إلى دَارِ السَّلام).إذًا، فهناك سلام في الماضي
۷۱ سورة الشعراء الجزء السابع وسلام في الحاضر وسلام في المستقبل أيضا، وهكذا اكتملت حلقات سلسلة السلام هذه دون أي نقص.يصيبني ثم هناك سؤال: ما هي الذرائع والطرق لإرساء هذا السلام؟ وقد سلّط الله تعالى الضوء على هذا السؤال في القرآن الكريم حيث أعلن على لسان رسوله: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنعام: ٨٢)..أي كيف يمكن أن القلق والخوف من أصنامكم التي أشركتموها بالله الأحد في حين لا تخافون أنكم أشركتم بالله، مطمئنين في قلوبكم اطمئنانا زائفا.بينما الواقع أنكم أنتم في الخطر.وما دامت جهالتكم تمنحكم السلام فكيف تظنّون أن معرفتي الكاملة لا يمكن أن تهب لي السلام والسكينة، فَأَيُّ الفَرِيقينِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتم تَعلَمُون..لو أعملتم الفكر والعقل متخلين عن الغباء والحماقة لعلمتم من منا في الأمن ومن في الخطر.تمت يعني لقد بين الله هنا طريقين عظيمين لإرساء السلام في العالم، أولهما: التوحيــد الكامل، فمن المستحيل أن يتمتع العالم بالأمن والسلام بدون قيام التوحيد الكامل، وإنما ستستمر الحروب.وذلك لسببين: أولهما أن الشرك لا فقط أن يؤمن المرء بثلاثة آلهة مثلاً عوضاً عن الإله الواحد، بل إنك ترى أنواعا كثيرة وصورًا مختلفة للشرك والوثنية حينما يقع الناس في الشرك الخفي.والسبب الثاني هو أنه ما دامت تعاليم الأديان مختلفة ونظرياتها ،متباينة، فلا يمكن أن يدوم السلام في العالم إلا إذا بين الناس مؤاخاة حقيقية، ولا يمكن أن تتم بينهم أية مؤاخاة إلا بواسطة إلــه واحد.لا شك أنك تجد الناس يتقاتلون في الدنيا تفاخرا بأنسابهم، حيـث يقــول أحدهم كان جدّي من العظماء، فيرد عليه الآخر: جدي فيرد عليه الآخر: جدي أعظــم مــن جــدك، ولكنك لن تجد الإخوان يتقاتلون فيما بينهم متفاخرين بنسبهم، فلن يقول الأخ لأخيه: أنا أعزُّ منك نسبًا ! ولكن إذا قام التوحيد الكامل في الدنيا، انتهت مثل هذه النزاعات والحروب.فدرس الأُخوّة والمساواة الذي يعلّمنا التوحيد لا يمكن أن نتلقاه بأي طريق آخر.والحق أن أعداء الإسلام أيضا يعترفون أن درس الأُخـــوة
۷۲ سورة الشعراء الجزء السابع الذي أعطاه الرسول الا الله لم يعطه أحد غيره 14.Muhammad And Teaching of Quran).والواقع أن النبي لم يعط المسلمين درس الأخوة بشكل منفصل عن التوحيد، بل عندما علّمهم التوحيد، نشأت الأخوة بينهم تلقائيًا كنتيجة منطقية للتوحيد.فمثلا عندما أقول في صلاتي: (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، أي أن الحمد كله الله الذي هو ربُّ المسيحيين ورب الهندوس ورب اليهود وغيرهم من الفئات والشعوب، فكيف يمكن بعد هذا الإعلان أن أكرههم؟ حينما أقول في صلاتي الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ فكأنما أقول: الحمد لله ربِّ الأديان كلّها، والحمد لله ربِّ الأقوام كلّها، والحمد لله رب البلاد كلّها.وما دمت أعترف بهذا الأسلوب الرائع بأن الله تعالى ربُّ الشعوب كلها وربّ الناس كلّهم، فمن المحال أن أكن لهم العداء بعد ذلـــك.إذًا، فقد علمنا الله تعالى بقوله (الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ) أنه إذا قام التوحيد حقا، وإذا ظل لسان المرء رطبًا بحمد رب العالمين فعلاً، فمن المحال أن يكن في قلبه البغض تجاه أمة من الأمم، إذ كيف يمكن أن يتمنى هلاكهم من ناحية، ويحمد عليه برؤيتهم من ناحية أخرى؟ الله ويثني والطريق الثاني الذي نبهنا الله تعالى إليه هنا لإرساء السلام هو قوله تعالى: مَا لَمْ يُنزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً ، ومعناه أن السلام إنما يُدمر في الدنيا حين يتـــرك الإنسان دين الفطرة ويتبع التقاليد الفارغة والعادات الزائفة.لو تمسك الإنسان بالأمور الفطرية الطبعية لما حصلت في الدنيا خلافات ولا نزاعات، ومن أجل ذلك قال النبي ﷺ : الإسلام دين الفطرة.والحق أن الدين الذي يوافق الفطرة، هــو الذي يقدر على إرساء السلام في العالم، ولن يستطيع أي دين نشر الأمن في الدنيا إلا الذي يكون نسخة منه محفوظة في عقولنا؛ إذ كيف يمكن أن يدعونا الله تعالى إلى تعليم لم يجعل فطرتنا منسجمة معه، ولم يجعل عقولنا وأذهاننا مستعدة لقبوله.ولذلك قال الله تعالى هنا: مَا لَمْ يُنزِّلْ مَا لَمْ يُنزِّلْ به عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً..أي قل لهم إنكم تتبعون ما يخالف الفطرة الإنسانية وأنا أدعوكم إلى ما هو في فطرتكم.حاول الإنسان أن يدرس فطرته اعترف قلبه من تلقائه أن الكتاب الذي يحمله محمد في يده حق وصدق، لأن نسخته الأخرى موجودة في عقله وفطرته.وهكــذا فكلما
الجزء السابع ۷۳ سورة الشعراء فكل العالم سيجتمع على مركز واحد بالتدريج، ويتحد الجميع على فكرة واحدة، وبالتالي سيسود السلام العالم.وبقي الآن سؤال آخر وهو: لا شك أن محمدا رسول الله ﷺ هو معلم السلام، وأنه قد أقام مدرسة لإرساء السلام في العالم، وأن الله له الا الله قد جعل فيهـا منـهجا للسلام، وأن الإسلام يقدّم تعاليم تتفق مع الفطرة تماما إذ لا تملك الفطرة الإنسانية إلا الاعتراف بصدقها، ولكن هل الحرب شيء سيئ في كل حال؟ لقـد أجـــاب القرآن الكريم على هذا السؤال وبيّن أنه لا بد من الحرب أحيانًا لإرساء السلام.قال الله : وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة :٢٥٢)..أي أن السلام شيء غال بـــلا شـــك، وأن الله تعالى قد جعل العقل الإنساني يحبّ السلام، ولكن في بعض الأحيان يبتعد العقل عن الفطرة وتحيد عقائد الناس عن مركز السلام بحيث تبعد عن السلام بعدًا كبيرًا ، وإنها لا تنحرف عن السلام فحسب بل تحاول القضاء على حرية الضمير والرأي.ولا بد في هذه الحالة من التصدي للشرير إرساء للأمن وتوسيعا لرقعة السلام.إذًا، فمثل هذه الحرب لا تكون من أجل القضاء على السلام بل لإرسائه في الحقيقة.وكما أن الإنسان إذا فسد عضو من أعضائه توسل إلى الطبيب بدفع مال كثير كي يبتر عضوه الفاسد، كذلك توجد في الدنيا من حين لآخر فئات تعمل كخلايـــا السرطان، ولا بد من استئصالها كي لا يهلك باقي القوم، ولذلك قال الله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ..أي لو لم ندفع شـــر بعضهم بواسطة آخرين لاستشرى الفساد في الأرض عوضا عن السلام.وكما أن الشرطة تؤمر أحيانا بضرب الناس بالعصي، كذلك نسمح لعبادنا أحيانًا بضرب البعض لأنه إذا لم يكن هناك ضرب بالعصي لقضي على سلام العالم ثم يقول الله تعالى وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ..أي أنه تعالى لا يريــــد السلام لأمة واحدة، بل يريد أن يعيش جميع العالمين في أمن وسلام.وبما أن هـذه الفئة المفسدة تريد القضاء على سلام العالم، فاقتضى الأمر التصدي لها ليسود السلام العالم كله.لا شك أن هذا التصرف منا سيدمر سلام هذه الفئة المعينة، كله.
٧٤ سورة الشعراء الجزء السابع ولكن لا بأس بذلك فإن الناس يقارنون دائما بين المصلحتين، فإذا تعارضــــت المصلحة الصغيرة مع المصلحة العليا، ضحوا بالمصلحة الصغيرة.كذلك نعلن الحرب ضد الفئة القليلة المفسدة من أجل سلام باقي الدنيا، ولا تخلي سبيلها إلى أن ترتدع عن تصرفاتها المخلّة بالأمن.هذا ملخص التعاليم التي يقدّمها الإسلام لإرساء السلام.وليس بخاف على أي امرئ مدى الشمولية والتفصيل التي تناول بها الإسلام هذه القضية، في حين نجـــد الأديان الأخرى صامتة حولها تماما حيث لم تقدّم للناس أي نوع من الهداية بهـــذا الصدد.أما قولهم: "من لطمك على خدك الأيمن فحَوِّل له الآخر أيضا، ومَن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا، ومَن سخّرك ميلاً واحدًا فاذهَبْ معه اثنين" (متى ٥: ٣٩-٤١)، فلم يكن حلاً للقضايا العالمية، كما لم تنجح اليهودية والمسيحية قط في إرساء السلام في العالم عملاً بهذا التعليم فقط، بل الحق أن العمل به يؤدي إلى الفساد في الدنيا بدلاً من إرساء السلام.فمثلا إذا كان أحد يريد أن يحمل أمتعته إلى بيته فأراد أن يقهر أحدًا على حملها، فإن المسيحية تأمر هـذا الشخص أن يذعن له ولا يقاومه، ولكن عليه أن لا يتوقف عند بيته بـــل يأخــــذه بعيدا عن بيته بميل آخر ! فهل العمل بهذا التعليم يضمن السلام لأحد يا ترى؟ كلا، بل إن صاحب المتاع سوف يضطر لحمل أمتعته ثانية، كما أن الشخص الثـــاني سيضطر لحملها إلى ميل زائد، هذا أن كليهما لم يجد السلام بل وجدا عناء وتعبًا.يعني فالحق أن السلام إنما يتأتى بالعمل بالتعليم الذي يقدمه الإسلام فقط، لأن الإسلام يعرض على العالم كتابًا مبينًا قد ألقى الضوء على جميع أحكامه، ولا تستطيع أية صحيفة أو كتاب أن تباريه في هذا المجال، سواء أكانت التوراة أو الإنجيل أو الزندأفستا.وخلال معرض الحديث عن "الكتاب المبين" أرى لزاما على أن أذكر أن الله الله لم يجعل معرفة صدق الكتاب المبين منحصرة في الأدلة الظاهرة، بل قد أعد لبيــــان صدقه كتابا آخر اسمه في المصطلح القرآني كتاب "مكنون" (الواقعة: ٧٩).ومثال
Vo سورة الشعراء الجزء السابع الكتاب المكنون كمثل الماء الذي يكون مخفيًّا في باطن الأرض، ومثال الكتاب المبين كمثال الماء الظاهر الذي يجري أمام أعيننا في الأنهار والجداول والعيون.وكما أن سطح ماء الآبار يرتفع نتيجة كثرة ماء الأنهار والجداول والأمطار، كذلك يُخرج الكتاب المكنون أيضا خزائنه عند نزول الكتاب المبين، وعندما ينقطع مطر الكتاب المبين يصبح الكتاب المكنون أشدَّ خفاء.والمراد من الكتاب المكنون هـو الفطرة السليمة والضمير الحي، والمراد من الكتاب المبين هو ما ينزل من عند الله من وحي جديد.والدليل على صدق الكتاب المبين أنه يطابق الكتاب المكنون تماما كأنهما قطعتان من جوهر واحد يمكن أن نسميه الكتاب المطلق.وإذا توافق الكتاب المكنون والكتاب المبين فتيقنوا أن الكتاب المبين هو من عند الله.وكان الله تعالى أراد أن يحفظ عباده من الخداع، فأودع نسخة من كتابه قلوبنا وعقولنا أيضا لنصدّق الكتاب الذي يكون مطابقا لهذه النسخة ونرفض الكتاب الذي لا يطابقها باعتباره كتابا باطلا.ومثاله ما حصل خلال سفري عندما كنت عائدا معي إنجلترا عام ۱۹۲٤ الميلادي.ذلك أن أحدًا من المهندسين العاملين على السفينة أخذني جانبًا وقال: لا جرم أنك لم تذهب إلى إنجلترا بغرض الدعوة إلى الإسلام بل كان هدفك أهم من ذلك وكانت الدعوة مجرد غطاء.فقلت له: كلا، لقد ذهبنـــا هناك من أجل نشر دعوة الإسلام و لم تكن لنا أية غاية أخرى.ولكنه كان موقــــا بأني ذهبت هناك تحت غطاء الدعوة والتبليغ فقال :لي كلا، إنما ذهبت للتآمر على الإنجليز متظاهرًا بالدعوة والتبليغ فأعدتُ عليه جوابي، ولكنه ظل مـصـرا عـلـــى موقفه وقال : إنني جاهز لتقديم الخدمات لك، فمُرْني بما تريد.فإن كنت تريد أن تبعث إلى ممثلك في إنجلترا أية تعليمات سرية فإنني مستعد للقيام بهذه المهمة على ما يرام وفي سرية تامة.ولكي يجعلني أثق به أخرج بطاقته التعريفية وجعلها نصفين، وقال: ها هي بطاقتي، فإذا بعثت إلي رسالتك المشتملة على تعليماتك السرّية لأوصلها إلى ممثلك، ضع معها نصف البطاقة، وابعث نصفها الآخـــر إلى ممثلـك؛ من وعندما يطالبني ممثلك برسالتك السرّية ويخرج لي نصف بطاقتي سوف أقارن هـذا مع النصف الذي معي، فإذا توافق النصفان علمتُ أنه ممثلك الذي يجـــب النصف
٧٦ سورة الشعراء الجزء السابع علي تسليم رسالتك إليه.ثم إنه ضرب لي مثالا وقال لنفترض أني ذهبتُ برسالتك إلى مدينة البندقية (Venus)، ووجدت هناك شخصا هنديًا في انتظاري، فيُخرج لي من جيبه نصف بطاقتي، فسوف أقارن هذا النصف بالنصف الذي معي، فإذا توافق النصفان دفعت إليه الرسالة.لا شك أن المهندس ضرب لي مثال البطاقة نتيجة ظنّه الخاطئ بأننا نقوم بمؤامرة ضد الإنجليز، ولكنه لم يحد عن الصواب في قوله إنه إذا تطابق نصفا البطاقة لم تبق أي شبهة في أن البطاقة أصلية وليست مزورة.وبالمثل قد أودع الله تعالى أحـــد نصفي الكتاب المبين في ضمير الإنسان وعقله، وإذا توافق النصفان تبين جليا أن الكتاب المبين حق.ولكن كما أن مياه الآبار تختفى عند انقطاع الأمطار، كذلك لا ينفع الكتاب المكنون إلا عند هطول مطر الكتاب المبين، أما في زمن "الفترة"..أي انقطاع هذا المطر الروحاني..فيختفى الكتاب المكنون أيضًا.فمثال الكتابين كمثال صديقين محبّين إذا اقترب الواحد منهما اقترب الآخر، وإذا تباعد أحدهما ابتعد الآخر أيضًا.فعندما يتجلى الكتاب المكنون في أحد لصفاء ضميره وزاده صفاء وجلاء بالعمل به، نزل عليه الكتاب المبين أي الوحي والإلهام فجأة؛ وإلى ذلك أشار الله تعالى بقوله: ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) (النور: ٣٦)..أي أن الفطرة المحمدية المباركة كانت طاهرة صافية لدرجة أنها تكاد تضيء مــــــن تلقاء نفسها..بمعنى أنها تكاد تطلع بنفسها على معارف السماء ودقائق الروحانيـــة دون أن تلمسها نار السماء؛ ذلك لأن سنة الله أنه إذا التهب زيت الروحانية في باطن المرء جذب نار السماء من تلقائه إذا ، فهناك علاقة غريبة بين هذين الكتابين؛ فإذا اقترب الواحد منهما اقترب الآخر أيضًا.الحق أنه إذا كانت فطرة المرء سليمة جذبت إليه الوحي والإلهام، وإذا تمتع المرء بنور الإلهام تجلت ما في فطرته من ملكات صحيحة، وتولدت بينها وبين الإلهام لذة كلذة اللازم والملزوم.وبالمثل إذا امحى الكتاب المكنون في الإنسان لم يحظ بالكتاب المبين أيضًا، وإذا حُرم من الكتاب المبين امحى الكتاب المكنون الموجود فيه أيضًا.وهذا هو السبب في أنه يستحيل على المرء أن يحظى بالإيمان الكامل من خلال التدبر وحده مستعينًا بفطرته فقط، ذلك لأن فطرة من
الجزء السابع VV سورة الشعراء المرء إذا كانت سليمة كاملة فمن المحال أن تبقى بدون الإلهام الكامل، بل لا بد من أن ينزل عليها الإلهام فوراً كما يلتقط جهاز المذياع السليم من أي عطل الأخبار تلقائيًا، أو كما تلتقط الأمواج الكهرومغناطيسية على الأدوات اللاقطة لها.مجمل القول إن الإلهام والفطرة السليمة قطعتان من جوهر واحد، واعتبارهما هي التي شيئين منفصلين حمق وغباء.إن الفطرة السليمة والمشاعر المتناسبة الملائمة تلهب نار الحب الإلهي التي تستنزل الوحي والإلهام وتسهل الوصال بالله تعالى.إذا، فليس الوحي الحق والكلام السماوي إلا ذلك الذي يكون وثيق الصلة بالفطرة الصحيحة والعواطف الطبيعية، والذي لا يقتل عواطف الإنسان الطبيعية بل ينميها على نحو سليم والذي تدعمه الفطرة الإنسانية السليمة معلنة أن هذا الكلام إنما هو أما الكلام الذي يحاول قتل الفطرة السليمة فلا بد أن يعارض الكتاب المكنون، ومهما أشادت به الألسنة إلا أن القلوب لا تطمئن بها، ولا بد أن يفشل في تحقيق الهدف، ومثله كمثل نصف الجسد أو كمثل الذكر الذي لا يقدر علــــى الإنجاب بدون الأنثى.قطعة مني.إذًا، فإن من أكبر فضائل القرآن الكريم أنه كتاب مبين، وأن هذا الكتاب موجود في الفطرة الإنسانية السليمة، بمعنى أنه ليس في القرآن حكم واحد يتنافى مع الفطرة الإنسانية.ولكن بما أن دقائق كنوز الفطرة السليمة أيضًا لا تظهر بــدون المعونة السماوية، فيُنزل الله تعالى الكتاب المبين لينكشف الكتاب المكنون، وليعــــرف الناس صدق الكتاب المبين مستعينين بالكتاب المكنون.وقد بين صلحاء الأمة هذه الحقيقة بقولهم: "من عرف نفسه فقد عرف ربه"..أي أن الإنسان يصل إلى الله تعالى بمعرفة دقائق الفطرة الإنسانية.بيد أن قولهم هذا ناقص إذ هو بمثابــة أحـــد شطري البيت.وليس الحق إلا ما قال القرآن الكريم بأنه مما لا شك فيه أن الإنسان الله يعرف ربه من خلال معرفة نفسه، ولكن معرفة النفس أيضا لا تتيسر إلا بوحي أن الإنسان بحاجة إلى الكتاب المبين حتى لمعرفة نفسه أيضا، وأن تعالى.وهذا يعني الواحد متصل بالآخر بصلة متينة.
الجزء السابع VA سورة الشعراء ثم يقول الله تعالى: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)..أي يا محمد، هناك رغبة عارمة في قلبك لتوصل إلى الناس وَحْينا الذي أنزلناه عليك لتهديهم ولتمتعهم بهذه الثروة التي لا زوال لها؛ وقد اشتدت بك هذه الأمنية بحيث نخشى أن تقتل نفسك أسفًا على أنهم لا يؤمنون بهذا الكتاب المبين الذي قد نزل لخيرهم في الدنيا والآخرة، والذي ينطوي على أسباب رقيهم بكل أنواعه ماديـــا وروحانيــــا.علما أن البخع يعني ذبح الذبيحة حتى قفاها (المنجد)، فكلمة البخع تنطوي علـــى معنى المبالغة والقسوة في الذبح ؛ وعليه فإن هذه الآية تشير إلى أن محمدا رسول الله قد بلغ به حب الإنسانية والأسف على عدم اهتداء الناس بحيث يكاد يقتـــل نفسه حزنًا عليها، حيث أصبح كالذي يذبح الذبيحة بحماس شديد حتى يذبحها إلى قفاها.لقد بعث إلى الدنيا آلاف الأنبياء، ولكن لم يبلغ أحد منهم.ذلك المقام العالي في حب الإنسانية إلا محمد رسول الله ﷺ.والحق أن حياته كانت أروع مثـــال للعقل والحكمة من جهة، ومن جهة أخرى كانت أطهر ظهور للعواطف بحيــــث أصبح مثالاً شامخا للعواطف الإنسانية ينطبق عليه ما قاله بعض الشعراء بالفارسية: هرگز نمیرد آنکه دلش زنده شد بعشق ثبت است بر جريدة عالم دوام ما (ديوان حافظ الشيرازي (فارسي) ص ٩٩) أي لا يموت أبدا من كان قلبه عامرًا بالعشق، فخلودنا مسجل في صفحات تاريخ العالم.الحق أنه لم يُكتب الخلود للعقل وحده أبدًا، إنما كتب للعشق والعواطف دائما.لقد خلا في الدنيا كبار الفلاسفة والعشاق، ولكن لم يتمتع الفلاسفة بالمكانة التي تبوأها العشاق في قلوب الناس.دعوا جانبا ما ضربه الأنبياء من أمثلة رائعة في محال العشق الحقيقي، وخذوا أمثلة العشق المجازي فقط.فقليل هم الذين يعرفون أحوال أرسطو وأفلاطون أو حتى اسميهما، ولكن هناك عدد لا حصر له من الناس يعرفون اسم ليلى ،ومجنونها وما أكثر الذين يحاولون تقليدهما.فما من قرية ومدينة إلا وتجد
۷۹ = سورة الشعراء الجزء السابع بها الشعراء، وليس هؤلاء الشعراء إلا تلاميذ ليلى ومجنونها في الواقع.ولو استثنينا أولئك الشعراء الذين قد استثناهم الله تعالى في القرآن الكريم والذين يقرضون الشعر خدمة للدين أو في ذكر الله تعالى، لوجدنا أن سائر الشعراء الآخرين إنمــــا يقلدون ليلى ومجنونها.لا شك أنهم ليسوا ليلى ولا مجنونها حقيقةً، ولكنك إذا سمعت شعرهم لخيل إليك أن هؤلاء القوم لم يذوقوا الطعام قط، و لم ينعموا بالنوم قط وإنما يقضون لياليهم ساهرين دائما، و لم تجفّ الدموع من عيونهم قط، ولم تبق القلوب والأكباد في أبدانهم وإنما ذابت وأصبحت ماءً ودمًا منذ زمن بعيد، وأن هذا الإنسان الذي يراه الناس حيًّا قد مات مرارًا ودُفن مراراً ، وأن حبيبه قد جاء يزور قبره ولكنه قد زاره بكل احتقار وهذا يعني أن هؤلاء الشعراء يريدون أن يسبقوا ليلى ومجنونها عشقا ومحبةً، مما يؤكد أن العشق أشد غلبة على قلوب الناس من العقل.ولكن محمد ا ل لم يحرز قصب السبق في مجال العقل والحكمة فحسب، بل قد فاق الجميع في مضمار الحب والعشق أيضًا، فلا يمكن أن يباريه أي محــب ولا عاشق.دعوا حبَّ الله تعالى جانبًا فهو أسمى من متناول معظم الناس، وتعالوا نر حبه للإنسانية.من هو مجنون ليلى؟ كان مجرد عاشق لامرأة، وكان مغرضا في عشقه حيث كان يريد التمتع بجمالها، أما النبي ﷺ فكان حبه للإنسانية أسمى مــــــن أي غرض ومنفعة.ثم إن حبه لم يشمل شخصا أو شخصين، و لم يقتصر علـــى الأصدقاء والأقارب ولا أهل الحسن والجمال، بل شمل الجميع، بل كـــان شـــديد الحب لأهل الدمامة أيضًا حيث يقول الله تعالى: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مؤمنينَ..أي يا محمد ربما تهلك نفسك لا من أجل ذوي الحسن والجمــــال فحسب كأبي بكر وعمر اللذين استنارت وجوههم نوراً وجمالاً نتيجة إيمانهم، بل أيضًا من أجل ذوي الدمامة الذين لا يطيق المرء النظر إليهم، والذين يكاد الرجل الروحاني يتقياً برؤيتهم كأمثال عتبة وشيبة وأبي جهل، فلمَ تُهلك نفسك حبا لهم وحزنًا عليهم بأنك لا تقدر على نفعهم؟ فشتان بين حب مجنون ليلى وبين حـــــب للإنسانية؟ إن المجنون قد عشق امرأة أعجبه جمالها، ولكن النبي ﷺ قـــــد أحب حتى أولئك القوم الذين كانت تُكره وجوههم الدميمة الخالية من الروحانية.النبي
1.الجزء السابع سورة الشعراء ثم إنه لم يحب إنسانًا واحدا بل قد أحب الإنسانية جمعاء، ولم يحب أهل زمنــــه فحسب، بل قد أحب أيضًا أولئك الذين لم يأتوا بعد حيث قال الله تعالى: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بهم (الجمعة: ٤)..أي أن محمدا رسول الله (ﷺ) لا يريد أن ينفع أهل زمنه فحسب، بل يود أن تنفع فيوضه حتى أولئـك الـذين لم يولدوا بعد.فما أعظم مكانة النبي الا الله في عالم الحب والعواطف أيضًا، حيث لا يعرف حبه الحدود والانتهاء! لقد ألهب النبي ﷺ جذوة حب الله تعالى في قلبه، ثم طار إلى أعالي السماء، وخرّت روحه على العتبة الإلهية واقتبس حبه قبسا من نار حب الله تعالى، وهذا يعني أن محبته المحدودة جذبت المحبة الإلهية غير المحدودة وأنزلتها إلى الدنيا، وكما أن أشعة الشمس تسطع من الشرق وتنتشر على وجــه الأرض كذلك انتشر حب النبي ﷺ في العالم وشمل الشرقي والغربي والأبيض والأسود والجميل والدميم أجمعين.ثم إن حبه قد تجاوز حدود الزمان والمكان، و لم ينته رغم مرور الأحقاب والقرون، ولن ينتهي إلى أن يرث الله الأرض ومـــن عليها.أن شيخهم لا شك أن كل إنسان بارّ يمر بأيام هذا الحب من حين لآخر، فقد ورد عن حضرة نظام الدين أولياء - رحمه الله - أنه كان يمشي مع مريديه مرة، فمر به طفل جميل، فتقدم إلى الطفل وقبله.فبدأ المريدون يقبلون الطفل ظنا منهم ربما رأى في وجهه التجلي الإلهي، ولكن أحد مريديه المقربين لم يقبل الطفــــل فأخذوا يتكلمون فيه ويعيبونه ثم مرّ شيخهم بمخبز تخبز فيه امرأة، وكانت تشعل النار في الموقد بإلقاء الأوراق، وكان منظرًا جميلاً، فتوقف الشيخ يشاهده، ثم تقدم وقبل شعلة النار، فتقدم مريده المقرب وقبل النار ،مثله و لم يجرؤ أحد من المريدين الآخرين على تقبيلها.فتوجه إلى زملائه وقال لقد قبلتم الطفل الجميـل مـع أن الطفل الجميل يعجب الجميع، أما شيخنا فإنما قبله لأنه قد رأى فيه جلوة الله تعالى، ولكني لم أستطع أن أرى فيه جلوة الله فلم ،أقبله، أما الآن فقد شاهد جلوة الله في النار فقبلت شعلتها اتباعًا لشيخنا.أما أنتم فإنما قبلتم الطفل الجميل اتباعًا لهـوى النفس فقط.
۸۱ يعني سورة الشعراء الجزء السابع فثبت من ذلك أن كل واحد من أهل الله تعالى يمتلئ حبا للإنسانية بــين فتـــرة وأخرى، ولكن حب النبي الله للناس لم يكن مؤقتًا، بل كان جزءاً لا يتجــزاً مــــن جسمه وروحه، وما أدل على ذلك من الكلمات التي جرت على لسانه المبــارك قبيل وفاته حيث قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (مسلم: كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على قبور).وهذا أن قلب النبي أسفا كان يتقطع على شراء اليهود والنصارى الجحيم لأنفسهم، ومــــن أجـــل ذلك أوصى أتباعه أن لا يفعلوا كما فعل هؤلاء القوم.وهذا يعني أن حب النبي ﷺ لفئتي الكفار والمؤمنين كلتيهما قد تجلى حتى عند سكرات الموت، فكان يتمنى إنقاذ اليهود والنصارى من الشرك من جهة، ومن جهة أخرى كان يخاف أن يقع أتباعه في نفس الخطأ.إذا، فإن حياته لله كلها تؤكد أنه كان يكن الحب لكل شريحة من شرائح الناس.دین الله ورد في الحديث أن رأس الرجل فيمن قبلكم كان يُشَقِّ بالمنشار بسبب دخوله في ومع.ذلك كان لا يتأفف :(البخاري كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام).وأما الرسول الله فظل يُشَقِّ بالمنشار كل يوم ليس سنة أو سنتين أو عشر سنوات بل إلى يوم وفاته، وقد تحمل من الأذى والتعذيب حتى قال له رب السماء: لم تُهلك نفسك أسفًا عليهم بأنهم لا يؤمنون.يقول المسيحيون إن المسيح قد كفّر عن ذنوب جميع الآثمين بموته على الصليب رومية ٥: ۲-۸) وغلاطية ٣: ١٣)، ولكـــن الأمر أنه العليا قد عُلّق على الصليب مرة واحد فقط في كل حياته، بينما قضى محمد رسول الله ﷺ كل لحظة من حياته معلقا على الصليب، وقبل الموت آلاف المرات؛ ومن أجل ذلك لم يمدح الله تعالى أحدًا كما مدحه ، لا نوحا ولا إبراهيم ولا موسى ولا داود ولا سليمان ولا عيسى - عليهم السلام – ذلك لأنه لم يوجد في قلب أي واحد من الأنبياء مثل ذلك القلق العميق الذي وُجد في قلب النبي الإصلاح الدنيا وهدايتها.وعندما نفحص وقائع حياة النبي ﷺ نجد عنــــد كل خطوة أحداثًا تدل على ما كان يكنه من حب وشفقة نادرين تجاه الإنسانية.
۸۲ الجزء السابع سورة الشعراء لقد تحمل في سبيل تبليغ رسالة الله تعالى ولسنوات عديدة من الأذى والتعذيب ما لا حدود له.فذات مرة كان النبي الله في الكعبة فخنقه الكافرون بردائه خنقا شديدًا حـــــى احمرت عيناه وكادتا تخرجان من حدقتهما.فعلم أبو بكر نه بذلك، فأتى مسرعًا الكافرين وقال لهم وقد اغرورقت عيناه : ألا تخافون الله تعالى؟ أتقتلـــون ودفع عنه الله؟ (البخاري: كتاب المناقب، مناقب أبي بكر ) رضى عنه رجلاً أن يقول ربي وذات مرة كان النبي ﷺ مستغرقا في أفكاره جالسًا على صخرة، فمر بـه أبــو جهل ولطمه بشدة وبدأ يسبه سبا فاحشا، فتحمل النبي هذا الأذى والسباب ولم يكلمه بشيء.وعندما ذهب أبو جهل قام النبي من مكانه وأتــــى بيتــــه.وكانت مولاة لحمزة تشاهد كل ما جرى مع النبي..و لم يكن حمزة قد أسلم بعد، وكان امرأ يحب البأس والقنص، فكان يقضي يومه في الصيد، فلما رجع في المساء دخل بيته متفاخرا كمحارب مدجج بالسلاح، وكانت مولاته خادمة قديمة في بيته - والخدم القدماء يُعدّون من أهل البيت – وكانت كاظمة لغيظهـــا منـذ الصباح، فلما رأت حمزة لامته بشدة وقالت : ألا تستحي، تحمل القوس لـصيد الوحوش، ولا تعرف ماذا فعل بابن أخيك صباح اليوم؟ لقد رأيت وأنا واقفــــة بالباب أن ابن أخيك كان جالسًا على تلك الصخرة، فأتاه أبو جهل، فلطمه وآذاه وشتمه دون أن يقول لأبي جهل ما يغيظه؛ بل لم يكلّمه رغم لطمه وشتمه.فلما سمع حمزة هذا الكلام من فم امرأة خادمة في البيت ثارت حميته، فتوجه إلى الكعبة.وكان رؤساء مكة يجلسون في المساء بفناء الكعبة يتفاخرون فيما بينهم فيكيل لهم الناس المديح.وكان أبو جهل جالسًا في القوم، فأقبل نحوه وضرب رأسه بقوســــه بشدة وقال: لقد سمعت أنك ضربت محمدا ) وشتمته أيضًا، مع أنه لم يقل لك شيئا حتى تسبّه.تظن نفسك بطلاً وتعتدي على الضعيف الذي لا يرد عليك.هــا قد ضربتك أمام أهل مكة ،كلهم فاضربني الآن إذا استطعت.فهم فتيان القـوم ليبطشوا بحمزة ،ويعاقبوه ولكن أبا جهل أصيب برعب شديد، فقال: دعوه، فأنـــا الذي قد اعتديت على ابن أخيه في الصباح.(السيرة الحلبية المجلد الأول ص ٢٩٦-٢٩٧)
الجزء السابع ۸۳ سورة الشعراء وكان النبي الله يصلي في الكعبة مرة، فلما سجد وضع بعض الأشرار على ظهره بين - كتفيه سلا ،جزور، فلم يستطع أن يرفع رأسه.وعلمت فاطمة - رح مسر عة باكية وطرحت هذه القذارة عن ظهره (البخاري: الله عنها بذلك، فأتت كتاب الوضوء، باب إذا أُلقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد صلاته) وفي إحدى المرات كان النبي لا يمر بالسوق بمكة، فاجتمع حوله جماعة من الرعاع، وظلوا يضربون على عنقه له ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي.و كان جيران النبي ﷺ يرشقون بيته، ويلقون في مطبخه الأقذار والأوساخ وبقايا أمعاء الخراف والإبل.وكانوا يلقون عليه التراب وهو يصلي، حتى اضطر لأن يصلي مستترا تحت صخرة ناتئة.ولكنه ظل يرفع اسم الله الأحـــد، ويدعوه لهداية القوم رغم كل هذا الأذى والتعذيب.(الطبري، والسيرة الحلبية) ولما رأى أهل مكة أن مظالمهم لم تقدر على زعزعة هذا الرجل، قرر الجميع أن يقوموا بمقاطعته وأصحابه ويحاصروهم في شعب أبي طالب أجمعين، فلا يبيع لهم أحد شيئًا ولا يتعامل معهم أبدًا.وبالفعل قاموا بمقاطعته وأصحابه، فعانى الصحابة عناءً كبيراً حتى اضطروا لأكل أوراق الشجر ونوى التمر، ولم تنته هذه المعاناة في بضعة أيام أو أسابيع أو شهور بل استمرت ثلاث سنوات على التوالي.وبعد هذه السنوات الشداد قام بعض شرفاء مكة ضد هذا الظلم، فأعلنوا إلغاء المعاهدة وأخرجوا المسلمين من شعب أبي طالب ولكن مظالم هذه السنوات الثلاث أدت إلى وفاة زوجة النبي الوفية خديجة – رضي الله عنها - حيث تدهورت صحتها نتيجة المقاطعة الطويلة.وبوسع كل إنسان أن يدرك أن تدهور صحة هذه السيدة كان طبيعيا، إذ كانت من أغنياء مكة وكانت تملك عشرات العبيد، وكانت تطعم عشرات البيوت، ولكنها اضطرت للفاقة أو أكل أوراق الشجر ونوى التمر نتيجة هذه المقاطعة الاجتماعية، وماتت ومرت بضعة أيام فتوفي عم الرسول ﷺ أبـــو طالب أيضًا.(السيرة الحلبية، باب اجتماع المشركين على منابذة بني هاشم...وكتابـــة الصحيفة، وباب الهجرة الثانية إلى الحبشة، وباب وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة)
الجزء السابع الله للذين يعيشون خارج مكة أن عسی ٨٤ سورة الشعراء ورغم كل هذا الأذى والمعاناة قرر النبي الله فور خروجه من شعب أبي طالـــب أن أهل مكة إذا كانوا غير مستعدين لتلبية نداء الله تعالى فهو سيخرج لتبليغ رسالة يجد بينهم روحًا سعيدة تستجيب لدعوة الله وترث أفضاله الا الله فذهب إلى الطائف وهي مدينة شهيرة تبعد عن مكة قرابــــة ستين ميلاً.فدعا أهلها إلى الله الواحد، ولكنهم عوضاً عن أن يستمعوا إلى رسالة الله ويقبلوها سلطوا عليه الله الله الأولاد، فأخذوا يرشقونه حتى أدموه، كما جرحـــــوا • خادمه زيدا الذي كان يرافقه ويحاول حمايته ولم يزل هؤلاء الغوغاء يرمونه بالأحجار وهو يفر من أمامهم حتى توقف بعد عدة أميال ليلتقط الأنفاس.فأخذ يمسح الدم ويقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون وكان في الطريق بستان لأحد رؤساء مكة، فتوقف النبي الله فيه للاستراحة، فلما رأى الرئيس ثيابه الملطخة بالدماء أشفق عليه جدا، فدعا عبدا له وأعطاه قطفا من العنب وقال له مشيرًا إلى النبي وزيد : اذهب به إليهما وكان الإرهاق قد بلغ من النبي كل مبلغ نتيجة جروحه التي أصابته بيد هؤلاء الأوباش في هذه المطاردة الطويلة، ومع ذلك قال للعبد : من أي البلاد أنت؟ فقال: أنا من نينوى.قال : فأنت من قرية أخي يونس.فاستغرب من قوله وقال في نفسه: هذا الشخص عربي ومع مع أنه من سكان نينوى، فسأل النبي الله عن حاله وقال: لماذا يعاملك يونس أخاه ذلك يعتبر الناس هكذا؟ فقال : أنت من سكان نينوى وأنت تعلم أنه كلما جــــاء الـــدنيا مصلح رباني عامله أهلها هكذا.إنني لم أصبهم بسوء، إنما قلت لهم أن يعبدوا الله وحده، ولا يعبدوا الأصنام، وإنني أنصحك أيضًا بهذا.وكان هذا العبد مسيحيًا، فأيقن أن الرجل مبعوث من عند الله تعالى.وكما ورد في الإنجيل عن المسيح الله أن امرأة جاءته وأخذت تبل قدميه بالدموع، وكانت تمسحهما بشعر رأسهـ (لوقا ۷ (۳۸) كذلك خر هذا العبد على قدمي النبي ومسح عنهما الدم والتراب بيديه، وقبل يديه من فرط الحب.ولما رجع نهره سيده على ذلك.ولكـــن قلبه كان قد انشرح للإيمان، فصدق النبي ﷺ و لم تستطع أي معارضة أن تمنعه من اتباعه السيرة الحلبية : ذكر خروج النبي ﷺ إلى الطائف)
سورة الشعراء الجزء السابع ٨٥ خير فكم هي عارمة هذه الرغبة في قلب النبي ﷺ من أجل الإنسانية! وعلــى النقيض نجد في الإنجيل أن امرأة جاءت المسيح وتوسلت إليه أن يساعدها، فقال لها إن هذا التعليم ليس إلا لبني إسرائيل الذين هم أبنائي، و"ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب" (متى ١٥: ٢٢-٢٦).أما الرسول ﷺ فيأتيه شخص لم يكن من قومه، وجاء عندما كان النبي ﷺ منهكا بالجروح، ملطخا بالدماء ومرهقًا للغاية نتيجة فراره من أمام الأعداء لعدة أميال، وكان في مكان يمتلكه عدوه وكان هناك خطر كبير أنه إذا قام بالدعوة ولو قليلا لوقع في بلاء شديد، ولكن بمجرد أن أتــــاه هذا الشخص الغريب أخذ في دعوته، ذلك لأن العرب والعجم كـــانوا سواسية عنده، و لم يكن حبه وآلامه للعرب فقط، بل كانت للجميع؛ سواء أكان أبيض أو أسود، مصريًا أو هنديًا.وكان في كل حركة وسكنة له يسعى أن يتيسر للنـــاس الهدى فيرجعوا إلى عتبة الإله الواحد.إن سفر النبي الله إلى الطائف نموذج حي عظيم للتضحية والإيثار حتى إن مستشرقا مثل السير وليام موير أيضا لم يملك نفسه من أن يتأثر به، فاضطر لأن يقول في كتابه "حياة محمد" ما تعريبه: إن سفر محمد ( ) إلى الطائف كان مثالاً رائعًا للشجاعة.فإن شخصاً وحيداً محتقرا مطرودًا من قبل قومه يخرج بكل شجاعة مثل يونان النبي نبي نينوى إلى مدينة وثنية ليبلغ أهلها رسالة الله ويدعوهم إلى التوبة.إن هذا الأمر لدليل بين على أنــــه إيمانا راسخا بأنه مبعوث من عند الله تعالى (117.Life of Mohamet p) وبعد عودته من الطائف عاد أهل مكة إلى إيذاء النبي الهلال والاستهزاء به، ولكنه ظل ينهاهم بلطف و محبة عن عبادة الأوثان كان الناس يفرون منه، ولكنه كان كان يؤمن يذهب وراءهم ويدعوهم، وكانوا يعرضون عنه، ولكنه ظل يعظهم وينــ وفي الأخير اضطر النبي له بسبب مظالمهم المستمرة إلى أن يترك في ظلام الليل وطنه الذي كان بدأ دعوة أهله إلى الإسلام لأول مرة وظل يدعوهم إليه لمدة ثلاث عشرة سنة.فخرج.منه سر سرا ووصل إلى المدينة، ولكن الأعداء لم يدعوه ليعيش هناك في سلام بل ظلوا يشنون الغارات على المدينة بين فترة وأخرى.لقد اضطر وأصحابه لأن يخوضوا حوالي مئة وعشرين معركة، واستشهد فيها مئـــات النبي
٨٦ سورة الشعراء الجزء السابع من صحابته وأقاربه الله ولكنه لم يبال أبدًا بأي مصيبة أصابته في سبيل إعلاء اسم ربه الأحد.فلم يزل يبلغ الناس رسالات الله في الصباح وفي المساء وفي آناء الليــــل وأطراف النهار ، و لم يتردد في تقديم أية تضحية من النفس والنفيس أو المشاعر والعواطف أو الأعزة والأقارب.كانت ابنتاه متزوجتين من ابني أبي لهب، فهدده أنه إذا لم ينته عن تعليم وحدانية الله فإنه سيأمر ابنيه بأن يطلقاهما، ولكـــن النبي لم يبال بذلك، فأمر الشقي ابنيه فطلقا ابنتيه.أسد الغابة: رقية بنت رسول الله ﷺ و كان النبي ﷺ أول هدف للعدو في كل وقت حرج، ولكنه في كل مرة كـــــان يلقي بنفسه في نيران الأخطار ببسالة نادرة وكأنه لا يقيم لنفسه قيمــة.فخـــلال كة أحد أصابه حجرٌ في رأسه فدخلت مسامير خوذته في رأسه، فأغمي عليه وسقط على جثث صحابته الذين كانوا قد استشهدوا دفاعا عنه، ثم سقطت على جسمه الأطهر جثث الصحابة الآخرين وغطته فظن القوم أنه قد استشهد، ولكنه لما أخرج من تحت الجثث وعاد إليه الوعي، لم يأبه لجراحه، ولا بكسر أسنانه، ولا باستشهاد أقاربه وأصحابه، بل بمجرد أن أفاق دعا ربه وقال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.(مسلم: كتاب الجهاد، باب غزوة أحد) وكذلك ورد في الحديث أن الأعداء لما أدموا النبي بالأحجار في الطائف وكان يجري أمامهم طرأت عليه حالة من الكشف وظهر له ملك الجبال وقال له : لو شئت لأطبقت على أهل الطائف الجبلين اللذين يكتنفانها، فقال رسول الله ﷺ: لا، إنما فعلوا بي ما فعلوا نتيجة جهلهم، وإني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم قومًا خادمين للإسلام.(البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين) وهذا ما أكده الواقع، فبرغم أن هؤلاء الأعداء قد سموا النبي مجنونا وكاهنًا وساحرًا وكذابًا، ولم يألوا جهدًا في القضاء على دعوته، ولكن قد خرج منهم في نص ما قاله النبي ﷺ بحسب المرجع المشار إليه هو: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا." (المترجم)
۸۷ سورة الشعراء الجزء السابع نهاية المطاف قوم سعداء آمنوا بالحق بشجاعة، وخرجوا لنشر الإسلام واضعين أرواحهم في أكفّهم، ونوروا كل أنحاء العالم بنور الإسلام في فترة قصيرة.إذًا، فإن قول الله تعالى: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِشارة إلى المحبة النادرة التي كان يكنها النبي للإنسانية، وقد بين الله تعالى بذلك أنـــه سه كان يسعى ويدعو لهداية الناس آناء الليل وأطراف النهار حتى كاد يُهلك نفـ حزنًا عليهم، حيث كان لا يهتم من أجل راحتهم بطعامه ولا بشرابه ولا براحته.كان يقوم بالليل ويبكي ويبتهل أمام ربه لإنقاذ الناس من الغي والضلال وهدايتهم إلى طريق النجاة والسلام حتى تتورم قدماه من طول القيام (البخاري: أبواب التهجد، باب قيام النبي حتى ترم قدماه.فكما أن الإنسان يذبح الكبش بكل شدة أحيانًا حتى تصل المدية قفا الذبيحة بحيث لو اشتد في ذبحها قليلاً لانفصلت عنقه تماما، كذلك لم يدخر النبي ﷺ وسعا في ذبح نفسه من أجل الإنسانية، وإذا كان لم يُهلك نفسه فليس سببه أنه قصر في التضحية بنفسه، وإنما سببه أن الله تعالى قد قام بحمايته على وجه خاص، وإلا فإنه لم يقصر في إزهاق نفسه من أجل الإنسانية.وفي هذه الخصوصية المميزة للنبي الله و درس عظيم للمؤمنين، حيث نبههم الله تعالى أنهم إذا كانوا يريدون الرقي والازدهار فعليهم أن يرفعوا مستوى تضحياتهم بحيث يعتبرها العدو انتحاراً صريحًا، في حين أنكم تعلمون أنه ليس انتحارا بل هــو سر خلودكم.يقول الله تعالى في القرآن الكريم في معرض الحديث عن غزوة أحد إن المنافقين: (قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ)) (آل عمران: ١٦٨)..وهذا لا يعني أهم.كانوا لا يعلمون أن القتال سيقع، بل الواقع أنهم كانوا يشيرون على المسلمين أن لا أن يخرجوا من المدينة للقتال، وقد استمر هذا النقاش يومين كاملين، وهذا يعــــني المنافقين كانوا يعتبرون القتال خارج المدينة انتحاراً، وإنما كانوا يعنون بقولهم: لو نَعْلَمُ قِتَالاً لا تَبَعْنَاكُمْ أن قتال العدو خارج المدينة ليس حربًا عندنا إنما هو انتحار، ولذلك لم نشترك فيه.فثبت من ذلك أن الله تعالى يأمر جماعته المؤمنة بما يعتبره الناس انتحارًا حيث يطالبهم بالتضحية بكل غال ورخيص من نفوس وأموال وأوقات وشرف وكرامة حتى يقول الناس إن هؤلاء قد أصبحوا مجانين حيــث
۸۸ سورة الشعراء الجزء السابع يقدمون هذه التضحيات الجسيمة ويقول المنافقون عنهم إن هؤلاء قوم سفهاء ويريدون منا أن نكون أيضًا سفهاء مثلهم حيث يدعوننا أن نقدم التضحيات مثلهم.فالأعداء والمنافقون كلهم يعتبرون تلك التضحيات هلاكًا وانتحارا، ولكن المؤمنين يعلمون أنها ليست انتحاراً بل فيها تكمن حياتهم الخالدة.فالله تعالى لم ينبهنا بقوله: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إلى خصوصية مميزة للنبي الا الله ونموذجه النادر للشفقة على خلق الله تعالى فحسب، بل أيضا قد أوصى المؤمنين أنهم إذا كانوا يريدون قرب الله تعالى فعليهم أن يرفعــــوا مستوى تضحياتهم بحيث يقول العدو إن هؤلاء يقطعون أعناقهم بأنفسهم، ويظن الجميع أنهم يُلقون أنفسهم في فم الموت.هذا هو المقام الذي يجب أن تصبو إليـه الجماعات الإلهية، إذ لا خلود لها بدون ذلك.إن نَّشَأْ نُنَزِّلَ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَقُهُمْ هَا خَضِعِينَ (3) وَمَا يَأْتِهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحدَثِ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ.فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَتُوا مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ) شرح الكلمات: أعناقهم: الأعناق جمعُ العنق وهو: وصلة ما بين الرأس والبدن يذكر ويؤنث؛ الرؤساء؛ الجماعة من الناس.(الأقرب) خاضعين جمع خاضع، يقال: خضع له: انقاد.(الأقرب) مُحدَث : المحدث: نقيضُ القديم.(الأقرب) التفسير : أي لو شئنا لأنزلنا عليهم عذابًا يخضع أعناقهم ويقهرهم على الإيمان بمحمد رسول الله (ﷺ)، لكن هذا الإيمان لا ينفع صاحبه، إنما ينفعه إذا آمن ما دام
سورة الشعراء الجزء السابع الخير والشر كلاهما خافيين عليه ذلك أن المرء لا ينال جزاء إذا آمن بشيء يراه عيانا؛ فالشمس مثلاً شيء نافع ووجودها أمر قطعي لا مراء فيه، ولكن المرء لا يستحق أي جزاء على تصديقه بوجود الشمس.ولو قيل: ما دام الإنسان يُجزى بإيمانه بمحمد، فلم لا يُجزى بإيمانه بوجود الشمس؟ لقلنا: إن المرء يستحق الإنعام على إيمانه به له لأن معرفة صدقه إنما تتيسر له نتيجة البحث والاجتهاد والتضحية، بينما إيمانه بوجود الشمس لا يتطلب منه بحثا ولا جهدًا ولا تضحية، لأن وجودها أمر بين وقطعي، فلا ينال أي جزاء على التصديق بوجودها.صل الله ولو قيل: كان المؤمنون بمحمد في عصره قدموا التضحيات فاستحقوا الجزاء، ولكن الذين أتوا بعده لا يضطرون لتقديم أي تضحية، فكيف يستحقون الجزاء؟ فالجواب: لا شك أن المسلمين بالمولد لا يقدّمون في سبيل الإيمان بمحمد رسول الله التضحية كالتي قدمها أصحابه، ولكنهم يقدمون التضحيات في كل حفاظًا حين على إيمانهم، إذ تنشأ في قلوبهم أسئلة عديدة حول أحكام الإسلام، فيتساءلون: لماذا نعمل بكذا، ولماذا نطيع كذا ؟ فيضطرون لإعمال الفكر في الحكم الكامنة وراء الصلاة والصوم والحج والزكاة ليعرفوا الجواب على التساؤلات الناشئة في قلوبهم.كما أنهم يجتهدون ويضحون بكثير في كل حين للعمل بهذه الأحكام.إذا فلا أحد من المسلمين مستثنى من تقديم التضحية.لقد قدم الصحابة التضحيات في سبيل الإيمان والإسلام، أما الذين جاءوا بعدهم فيقدمون التضحيات حفاظا على إيمانهم.فبما أن الجزاء الإلهي إنما يُنال بتقديم التضحيات، فمن سنة الله تعالى أنه لا يُظهر أبدًا أية آية تبلغ من الوضوح والجلاء بحيث تخضع أمامها أعناق المعارضين الألداء فلا يبقى لهم محال ،للإنكار فيبادرون إلى الإيمان ذلك لأن مثل هذا الإيمان سيُعد نوعا من الجبر والإكراه من قبل الله تعالى، والله لا يحب أن يؤمن الناس قهراً، فيُحرموا ما كتب لهم من الجزاء والنعم.
۹۰ سورة الشعراء الجزء السابع إنه لمن المؤسف أن نجد من المسلمين من خاضوا النقاشات حول إمكانية الجبر والقدر أو عدمه برغم وجود مثل هذه الآيات الصريحة المخالفة لعقيدة الجبر والإكراه، فاعتقدوا أن الله تعالى يمارس الجبر في بعض الأمور.فمثلاً لو قلت اليوم لمسلم: ما هو سبب مشاكل المسلمين لتنفس الصعداء وقال: هذا هو المكتوب في القدر، وهكذا يلقي المسؤولية على الله تعالى، ولن يقول إنما سبب مصائبنا أننا قد وقعنا في شتى النقائص والعيوب، تاركين العمل بأحكام القرآن الكريم ووصايا الله وتعاليم الرسول ﷺ بينما تصرح هذه الآية أن الله تعالى لو أراد قهر الناس لأجبرهم على الخير والهدى ولأنزل آيات واضحة جلية تخضع لها أعناق أشدهم كفرًا، فيضطرون للإيمان.ولكن الله تعالى لا يفعل هكذا أبدا.إنه تعالى إنما يُنزل الآيات التي تنطوي على عنصر الخفاء والستر أيضا، ليؤمن الناس بالسعي والجهد والبحث فيجزيهم بقدر سعيهم وجهدهم.المؤسف أنه يوجد لدى المسلمين اليوم مفاهيم خاطئة عن آيات الله تعالى.فذات مرة عقد المشايخ غير الأحمديين مؤتمراً في قاديان، فقال أحدهم في خطابه بكل حماس: كيف يدعي المرزا (أي مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية أنه نبي؟ الواقع أن معجزاته لا تساوي شيئا.إنما المعجزة ما أظهره سيدي عبد القادر الجيلاني، حيث أهداه شخص فرحًا مشويا، فلما فرغ من أكله قال له لقد عملت بنا معروفا، ونريد الآن أن نعمل بك معروفًا.ثم أخذ عظام الفرخ في يده وضغط عليها بشدة، فخرج منها ديك يصيح.الحق أن هذه القصص لم تلق رواجًا بين المسلمين إلا لأنهم قد غضوا الطرف عن سنة الله في المعجزات.إنهم لا يدرون أن المعجزات لو ظهرت جلية واضحة هكذا فمن ذا الذي يمكنه إنكار النبي؟ وإذا آمن المرء برؤية مثل هذه الآيات الواضحة الجلية فمن ذا الذي يمكنه القول إنه قد قدم تضحية عظيمة في سبيل إيمانه وأنه يستحق الجزاء؟
۹۱ سورة الشعراء الجزء السابع النبي مجمل القول إن الله تعالى قد بيّن هنا أنه لا يُظهر أبدا الآيات التي تبلغ من الوضوح والجلاء بحيث تخضع لها أعناق الكفار فيؤمنون، لأن مثل هذا الإيمان يُعَدّ نوعًا من الإكراه في الواقع، والله لا يحب الإكراه في الدين.ثم يقول الله تعالى ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرِ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثِ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ معرضين..أي كلما أتت الناس رسالة جديدة من الله الرحمن رفضوها، فكيف يقبلونها هذه المرة؟ علما أن لفظ مُحْدَث) - أي جديد – لا يعني هنا أن كل نبي يأتي بشريعة جديدة، بل المراد أن ذكر الله أو رسالته تكون خافية عن الأعين عند بعثة أي نبي، حيث ينسونها ويغفلون عنها لدرجة أنهم يظنون ما أتى به جديدًا أي بدعًا ويفرون منه خوفا، مع أنه ضالتهم المنشودة.وقد أطلق الله تعالى لفظ الحديث بهذا المعنى على الصحف السماوية السابقة أيضًا وذلك في معرض بيان فضل القرآن الكريم على غيره من الصحف حيث قال تعالى اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديث ﴾ (الزمر : ٢٤)..أي أن الله تعالى هو الذي قد أنزل بكل قوة وعظمة هذا الكتاب الذي هو أحسن الحديث..أي أفضل الصحف السماوية كلها.إذًا، فكل الأنبياء الذين ظهروا في الدنيا قد أتوا برسالة جديدة بهذا المعنى، فمنهم من أتى برسالة جديدة من حيث إنه جاء بشرع جديد وهدي جديد فعلاً، بينما جاء أكثرهم برسالة جديدة من حيث إنهم قدموا للناس في كؤوس جديدة نفس الشراب القديم الذي منبعه نور الله تعالى.بيد أنه لم يحدث قط أن جاء رسول إلى الدنيا فلم يعرض أهلها عنه، ولم يتخذوه هدفا لصنوف الأذى.الواقع أن الله تعالى يدير هذا الكون وفق نواميسه العامة عادة بحيث لا نرى يد الله تعالى متجلية لنا في بادئ النظر.لقد دفع الله تعالى عجلة الكون في بداية خلقه، فأخذت الأرض تدور حول الشمس وأخذ القمرُ يدور حول الأرض، وبدأ النظام الشمسي يدور متوجهًا إلى جهة مجهولة.وكل من يرى الكون في بادئ الرأي يظن أنه خُلق صدفة، وليس له خالق ولا مدير، لأنه يرى فيه قانونا ثابتًا يمشي بحسبه.والحق أن مثل هذا الرائي كمثل شخص لم ير ساعة حائط تُعبأ بالمفتاح بعد كل أسبوع مثلا، فيدخل بيتًا لا يسكن فيه أحد، ويجد على الحائط ساعة تتحرك، فيظن أنها تتحرك کله
۹۲ سورة الشعراء الجزء السابع من تلقائها، وليس هناك من عبأها، اللهم إلا أن يحين وقت تعبئتها بالمفتاح أو أن تتوقف عن الحركة فيعبئها أحد، أما فيما بين هاتين الفترتين فلا يمكنه أن يتصور أنها لا تتحرك إلا لأن أحدًا قد عبأها من قبل.وبالمثل فإن الله تعالى قد عباً هذا الكون بالمفتاح فبدأ عمله، ولا يزال يعمل منذ بلايين السنين؛ فيظن الرائي الجاهل بالحقيقة أنه يدور من تلقائه مثل الذي يظن أن الساعة تعمل من تلقائها، اللهم إلا أن يكون عنده العلم بحقيقة الأمر.ولكي يُبرهن الله و على ألوهيته يُظهر، بالإضافة إلى نواميسه العامة، أمورًا أخرى غير عادية من حين لآخر، وهذه الأمور غير العادية هي التي تؤكد أن هناك خالقا ومالكًا لهذا الكون.وكما أن الجاهل الذي يظن أن الساعة تدور من تلقائها دون أن يعبئها أحد، فيأتي صاحب الساعة ويعبئها بالمفتاح ويضعها في مكانها، فيدرك هذا أنها تتحرك بتحريك صاحبها، كذلك تماما يكشف الله وجوده على الدنيا من خلال صفاته الخاصة، التي تتجلى من خلال من يبعثه تعالى من الرسل والمصلحين.ومن البديهي أن الله تعالى لا يتدخل في أمور أهل الدنيا إلا لسبب، وإنما يتدخل في شؤون العباد عندها لأنه يراهم قد ابتعدوا عنه ونسوه وأخذوا يسخرون من أحكامه، فيبعث من عنده المرسلين والمأمورين ليذكرهم الله بنفسه.والمرسل أو المأمور إنما يأتي الدنيا في الزمن الذي يكون الناس قد نسوا فيه ربهم، وإذا نسي المرء شيئا فتوجيهه إليه ثانية أمر صعب جدًّا، إذ يكون قد اتخذ طريقًا مخالفًا نتيجة هذا النسيان، بينما يريد المرسل الرباني إبعاده عن الطريق الذي قد اعتاده ورسخ فيه، وتوجيهه إلى طريق جديد، وإذا أراد المرء إبعاد أحد عما رسخ عنده من العادات لم يعتبره صديقًا بل عدوا له.من العادات الراسخة عند أهل الهند أن النساء يمضغن "بان" أهل الهند أن النساء يمضغن "بان"، مع أنه ليس ضروريًا في الحياة، إذ لا يزيدهن علمًا ولا مالاً؛ ومع ذلك لو نصحهن أحد بترك فمثلا * "بان" في الأصل اسم شجرة هندية.يلقون في ورقها بعض البهارات مثل الهيل وغيره مع حلويات معطرة، ويضعونها في الفم، فتنظف الفم وتعطره، كما تفرح القلب.(المترجم)
منع ۹۳ سورة الشعراء الجزء السابع "بان" رفضن قوله وأصررن على تناوله بل لو طلبت من الناس التخلي عن تقليد عادي لقاموا لمعارضتك.وعلى سبيل المثال، إن النساء في القرى عندنا يدهن رؤوسهن بالزبدة، وفي المدن يدهن بالزيت، أما الأوروبيات فلا يستعملن الزبدة ولا الزيت بل بعض الغسولات وادهان الرأس بالزبدة ليس ضروريًا في الحياة وإلا فكيف يكفي الادهان بالزيت أو الغسول فقط ؟ إن استغناء البعض عن الادهان بالزبدة والبعض الآخر عن الزيت والبعض الثالث عن الزبدة والزيت كليهما، يشكل دليلاً على أنه يمكن التخلي عن هذه الأشياء كلها.ومع ذلك لو حاولت نساء القرى عن الادّهان بالزبدة فلربما تطلب ذلك سنوات حيث يجادلنك بقولهن إذا لم ندهن بالزبدة أصابنا الصداع أو الزكام، وسوف يعارضن قولك بشدة باعتبارك حجرًا يعيق طريق حياتهن.فثبت بذلك أن منع الناس من العادات البسيطة أيضا ليس بأمر سهل.أما المصلح المبعوث من عند الله تعالى فإنما يأتي ليقلب العالم كله، ويسعى لصدّ الناس عن تقاليدهم وعاداتهم، فكيف ينجو من المعارضة؟ ومن أجل ذلك كلما بُعث مصلح سماوي استهزأ به الناس وسخروا منه وضربوه وأصحابه.وهذه هي السنة المستمرة منذ القدم.فمثلا كان أهل مكة يؤمنون بآلهة كثيرة لدى بعثة النبي ، فلما أعلن بينهم أن الله واحدٌ أحدٌ استغربوا من قوله مستهزئين كما هو مذكور في القرآن الكريم.وإذا لقي بعضهم بعضا قال: أتؤمن بأن اللات إله؟ فقال الآخر: نعم، إنه إله.فقال: أتؤمن بأن مناة إله؟ فأجاب بكل تأكيد فقال هل تؤمن بأن العُزّى إله؟ قال: نعم، يقينا.فكان صاحبه يضحك عاليًا ويقول: هل سمعت ما يقول هذا الرجل؟ لقد جعل جميع الآلهة إلها واحدا.ذلك أن الكافرين كانوا يظنون أن محمدًا ) قد خلط الآلهة كلها وجعل منها إلها واحدا، مثلما تفعل المرأة عندنا حيث تأخذ شيئًا من الملح والفلفل والنعناع وتطحنها وتخلطها وتصنع منها طحينة.وقد ورد في القرآن الكريم أنهم قالوا مستغربين: أجَعَلَ الآلهَةَ إِلَهاً واحداً إِنْ هَذَا لَشَيْءٍ عُجَابٌ (ص: (٦).فكان من المستحيل عليهم ص:٦).أن يتصوروا أن هذه الأصنام ليست بآلهة في الحقيقة ولذلك كلما قيل لهم: إن الله :
٩٤ سورة الشعراء الجزء السابع واحد، ظنوا وكأن هذا قد قام بخلط الآلهة كلها وجعل منها خليطا يسميه إلها واحدًا.فكانوا يضحكون فيما بينهم على فكرة الإله الواحد ويعتبرون النبي ﷺ مجنونا.ولكنك لو طرحت فكرة الآلهة العديدة على مسلم اليوم لضحك هو الآخر.لأنه موقن بأن الله واحد وقد أصبحت هذه الفكرة راسخة عنده؟ إذًا، فكلما عرض نبي من أنبياء الله الا الله على أهل عصره أي فكرة هبّوا لمعارضته لكونهم معتادين على ما ترسخ عندهم.فعندما جاء آدم اللي عامله المعارضون بالغش والخداع، فاضطر للخروج من المكان الذي كان مولده ووطنه، والذي بعث لهداية أهله من عند الله تعالى.ولما جاء نوح أوذي بصنوف الأذى حتى اضطر ال للهجرة من بلده.ثم أتى إبراهيم ، فألقي في النار.وجاء موسى ال، فتعرض لمحن شتى من قبل فرعون مدة طويلة، وقد شقّت رؤوس بعض بني إسرائيل بالمنشار كما ورد في الحديث.ولما جاء عيسى ال علقه الأعداء على الصليب، وآذوا خلفاءه وحوارييه أيضًا، فقتلوا بعضًا وصلبوا بعضاً.ثم جاء النبي ، فواجه أشد المحن والمصائب، وتعرض العديد من صحابته للقتل والمثلة، وقتل الكافرون بعضا منهم شر قتلة حيث ربطوا رجليه ببعيرين ثم ساقوهما في اتجاهين مخالفين، فشقوه نصفين؛ وألقوا بعضهم على الرمال المحرقة وجروا بعضهم على الأحجار الصلبة، ورقصوا بالنعال على صدور بعضهم، وقتلوا بعض المسلمات بالطعن في فروجهن.(انظر البخاري: كتاب التفسير، باب قوله تعالى أطلع الغيب، والإصابة، تحت: حمزة وخباب بن الأرت، وأسد الغابة، تحت بلال بن رباح وعمار بن ياسر وخباب بن الأرت، والسيرة النبوية لابن هشام: ذكر عدوان المشركين على المستضعفين والكامل في التاريخ: ذكر تعذيب المسلمين) فقد لجأ الكافرون في زمن النبي ﷺ إلى كل نوع من أنواع الأذى والتعذيب التي عذب بها أعداء الأنبياء أصحابهم في الماضي، و لم يقبلوا رسالته.وهذا ما حصل اليوم عند بعثة المسيح الموعود الله أيضا، حيث سعى المعارضون للقضاء عليه بطرق شتى، وما ذلك إلا لأنه كان يدعوهم إلى ما كان يتنافى مع أفكارهم البالية، وكان يريد أن يحدث تغييرا في نفوسهم.عندما أعلن حضرته العليا دعواه كانوا يعتقدون أن المسيح الناصري ال سيعود إلى الدنيا ثانية، وسيقوم
سورة الشعراء يعني الجزء السابع بنهب كل أموال غير المسلمين ويضعها في أيدي المسلمين.ولكن لما جاء المسيح الموعود الكل أعلن أن عيسى ال قد توفي.ولم يكن في هذا الإعلان غرابة في الظاهر، فكل إنسان يأتي إلى الدنيا يموت أخيرًا، وقد جاء عيسى اللة إلى الدنيا ومات وفق هذه السنة الإلهية.ولكن هذا الإعلان وجّه صدمة عنيفة إلى تصورات المسلمين التي كانوا يحملونها حول البعثة الثانية للمسيح، فقالوا: هذا أنه لن يأتي أحد لقتل المسيحيين، ولن يبعث أحد لإهلاك الهندوس، ولن يجيء أحد للقضاء على السيخ، ولن توزع ثروة أمريكا وأوروبا على المسلمين بل سيظلون ضعفاء كما كانوا من قبل، إلا أن يبذلوا الجهود والتضحيات فيتقدموا..إذا فهذا لم يكن مجرد إعلان عن موت المسيح، بل قد دفن به المسلمون في القبور وهم أحياء.لقد كان خيبةً لآمال المسلمين الذين كانوا يجلسون في البيوت عاطلين ظانين أن ثروة الرئيس الأمريكي ستوهب لفلان، وأن أموال روكفيلر (Rockefeller) ستوضع في يد فلان.لقد خابت آمالهم كلها وخُيّل إليهم أنهم قد ماتوا وهم أحياء.فبرغم أنه كان تعليمًا بسيطًا فيما يبدو، ولكنه وجه إلى أفكار المسلمين صدمة عنيفة لم يصبروا عليها، فانبروا لمعارضة المسيح الموعود ال.لقد كانوا يُدعون إلى السعي والعمل فكانوا يقولون: ما الحاجة للعمل؟ سيأتي المسيح وسينهب أموال الكافرين ويملأ بها بيوتنا ولكن مجيء مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية كان خيبة لآمالهم كلها، حيث قال لهم ليس لكم إلا ما تسعون له فأنتم الذين ستقاتلون، وأنتم الذين ستموتون، وأنتم الذين ستجتهدون وعندها ستحرزون الرقي والغلبة.وهذا يعني أنهم قد أُمروا ببذل السعي والجهد والتضحية لينالوا ما كانوا يتوقعونه جالسين في البيوت عاطلين.لقد قيل لهم إنهم يضيعون حياتهم الغالية عبثا من جراء أفكارهم الخاطئة.فكان من الطبيعي أن يغضبوا على مؤسس الجماعة العليا ويهبوا لمعارضته.وكأن ما حصل معهم هو كمثل شخص يقول لصاحبه لقد أعددت الوليمة لجميع عائلتك اليوم، فعليك أن تحضر معهم في ساعة كيت.وعندما يحين موعد الطعام يبلغ أن صاحبه قد خدعه إذ لم يعد لهم أي طعام، فيثور غضبا لأنه جائع وأولاده يبكون من شدة الجوع.فتأخذ زوجته في عجن العجين وتحاول إيقاد النار؛ وكل
٩٦ سورة الشعراء الجزء السابع واحد متضايق ويصرخ: ما هذه المصيبة؟ متى يجهز الطعام ومتى سنأكل؟ هذا ما حدث بالضبط لدى بعثة المسيح الموعود ال.فقد قيل للمسلمين من قبل أن الله تعالى قد أعد لكم وليمة لن تعملوا فيها شيئًا سوى الأكل؛ سيأتي المسيح من مطمئنين ومن ظنا منهم الذلة السماء وينهب ثروات الناس ويملأ بها بيوتكم.وكان المسلمون جالسين في بيوتهم بأن لا حاجة بهم إلى تعلم وتعليم وكسب مال ولا سعي ولا تضحية، سيأتي المسيح ويأخذ بهم فجأة إلى قمة الرقي والازدهار.وبسبب هذه العقيدة أصحبوا محرومين من العلم والتقدم والعز والشرف، وضُربت عليهم والمسكنة والنكسة فجاء المسيح الموعود الله وقال لهم : ليس لكم إلا ما تسعون، الخطأ الفاحش أن تعقدوا الآمال على سواكم.يمكنك أن تقدر مدى صدمة المسلمين من قوله إنك إذا لم تجد الطعام لوقت واحد أو لو قال لك أحد مستهزئًا : لقد أعددت لك ولعائلتك مأدبة طعام الليلة، وعندما يحين وقت الطعام وحينما يكون أولادك يتضورون من الجوع، عرفت أن هذا الشخص قد سخر منك، فاضطررت لإعداد الطعام فيمكنك أن تقدر مدى غيظك.وأي شك في أن استياء المسلمين وغضبهم بسبب إعلان المسيح الموعود اللي كان أشد من بملايين المرات، ذلك لأنهم مع أجيالهم كانوا يعقدون الآمال على المسيح الذي سيأتي ويوزع عليهم أموال النهب والسلب.غيظك وليس هذا فقط، بل كانت ثمة عشرات القضايا الأخرى التي كانت نزاع بين المسلمين، فحينًا كانوا يختصمون على رفع اليدين في الصلاة، وحينًا على الجهر بـ "آمين" في آخر الفاتحة، وتارة كانوا يتشاجرون على رفع السبابة أثناء التشهد وأخرى كانوا يتقاتلون على ربط الأيدي على الصدر أو تحت السرة.فجاء المسيح الموعود وأنهى كل هذه النزاعات بإعلانه أن الخصام على هذه الأمور البسيطة عبث.فحينًا قد جهر النبي الكريم بأمين لنفخ الحماس في القوم، وقد خفض بها صوته أيضًا في الأحيان الأخرى، وتارة ربط يديه على صدره في الصلاة حفاظا على روح القتال والبطولة فيهم، وتارة أخرى ربطهما تحت السرة تواضعًا وتذللاً.وفي بعض الأحيان رفع السبابة وقت التشهد، ولم يرفعها أحيانًا
۹۷ سورة الشعراء الجزء السابع أخرى، لأن رفعها في التشهد هو بمثابة الإقرار بوحدانية الله تعالى، وهذا جائز على الطريقتين، ولا تفسد الصلاة سواء أرفعت السبابة فيها أم لم تُرفع.الواقع أن الرسول ل لما رأى أن عقيدة التوحيد لم ترسخ بعد في قلوب بعض العرب أمر برفع السبابة في الصلاة، ولكنه لم يرفعها في بعض الأحيان؛ ولا حرج إذا لم يرفعها من هو متمسك بعقيدة التوحيد بقوة.ولكن المسلمين قد ركزوا على هذا الأمر أكثر من اللازم حتى قطعوا أنامل الذين لم يرفعوا السبابة وقت التشهد.ثم إنهم اعتقدوا خطأ أن في القرآن الكريم آيات عديدة هي منسوخة (القرطبي: قوله تعالى: ما ننسخ من آية، ولكن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية العليا جاء فأعلن أنه لا توجد في القرآن الكريم أية آية منسوخة مطلقا، بل إن كل حرف من القرآن الكريم من بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم) إلى مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)) قابل للعمل.(إزالة أوهام (أردو)، الخزائن الروحانية المجلد الثالث ۱۷۰)، فبدلاً أن يشكره العليا المسلمون على هذا التعليم العظيم الذي يكشف جمال القرآن وعظمته، أخذوا في معارضته إذ كان متعارضًا مع ما رسخ عندهم من أفكار خاطئة؛ فأثار المشايخ من أقصى الهند إلى أقصاها زوبعة من السباب والشتائم، وأفتوا بكفره وارتداده وإلحاده وقتله.(جريدة "إشاعة السنة النبوية المجلد ١٤، عدد ١ ص ٥ وعدد ١٠ ص ٢٩٨، والمجلد ١٥ عدد ٧ ص ١٤١) ص من إذا، فكل فترة من تاريخ الأنبياء تشهد على صدق قول الله تعالى: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرِ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَتْ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ..أي كلما جاء قوما نبي الله برسالة فيها حياتهم استهزءوا به وحاولوا القضاء عليه معرضين عن رسالته.ويقول الله تعالى بعد ذلك فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا به يَسْتَهْزِئُونَ..أي أن هؤلاء قد كذبوا بالحق، فستتحقق أنباؤنا العظيمة عن الأمور التي كانوا يستهزئون بها، وسيعلمون خطورة كفرهم بمحمد رسول الله (ﷺ).وقد قال تعالى هنا إنه سيأتيهم أنباؤنا المتعلقة بالعقاب لأنه سبق عند نهاية سورة الفرقان أن حذر الكافرين بقوله قُلْ مَا يَعْبُواْ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) (الفرقان: ۷۸)..أي أن الله تعالى لن يبالي بكم إذا لم تدعوه وتبتهلوا إليه.وهذا يعني أن الكافرين إذا لم
له ۹۸ سورة الشعراء الجزء السابع يتوبوا فسوف ينزل عليهم العذاب ويدمرون.وبما أن الكافرين ظلوا يستهزئون بنبأ العذاب الوارد في آخر سورة الفرقان معرضين عن رسالة محمد ، فأخبر الله هنا أن أنباءنا بصدد الأمور التي يستهزئون بها ستتحقق الآن وسيعلمون أن ما قال لهم رسولنا كان صدقًا وحقا.علما أن العلامة أبا البقاء قد قال إن لفظ "النبأ": "لم يرد في القرآن الكريم إلا لما وقع وشأن عظيم" (كليات أبي البقاء: فصل النون ص ٣٥٤).وبما أنه ليس ثمة خبر هو أكبر وأعظم من غلبة الإسلام، فإن لفظ أنباء الوارد هنا إنما يُعتبر إشارةً إلى تلك الأنباء القرآنية التي تحدثت عن هلاك الكفر وغلبة الإسلام، فظل الكافرون يستهزئون بها مغترين بقوتهم ومنعتهم، ولكن لم تمض أيام حتى رأوا أن العبيد الذين كانوا يجرونهم في الطرق ويلقون على صدورهم أحجاراً ثقيلة ليقهروهم على عبادة اللات ومناة، قد دخلوا في مكة ممتطين جيادهم وملوّحين برايات الفتح والظفر.فلم يملك عندها صناديد مكة إلا أن يختفوا في بيوتهم أو يفروا من مكة.إذا، فقد تحققت بالفعل أنباء هلاكهم، وانتشر الإسلام في كل شبر من الجزيرة العربية، وقد انتشر اليوم في كل بقاع العالم ولن يزال في الانتشار والازدهار في المستقبل أيضا بفضل الله تعالى.= أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (3) إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبِّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) شرح الكلمات: زوج: الزوج: كلُّ واحد معه آخر من آخر من جنسه.(الأقرب)
الجزء السابع ۹۹ سورة الشعراء یهیئ التفسير: أي ألم يفكر هؤلاء القوم كيف أخرج الله تعالى من الأرض أنواع الخضار والثمار وغيرهما؟ ولو أنهم فكروا لعلموا أن الله تعالى فاعل الشيء نفسه في الدين أيضًا حتمًا، وسينعم على الناس بنعم عظيمة تغذي الروح، وسيُخرج من بين الناس عبادًا روحانيين عظماء ناصحين يواسي بعضهم بعضا.لا شك أن هؤلاء الكافرين لا يلبون الآن نداء الله تعالى إلا أن ربك عزيز رحيم، ولا بد أن الأسباب لتوطيد حكمه في الدنيا لتنفع رحمته عباده فترة طويلة.وقول الله تعالى أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَريم يمثل إشارة إلى أن النباتات كلها أزواج..أي بعضها ذكر وبعضها أنثى، ولقاحهما ينتج الثمار والغلال.ولذلك نجد علماء الزراعة ينصحون بتربية النحل في البساتين لأنها خلال انتقالها من شجرة إلى أخرى تأخذ حبوب الطلع المذكرة من الشجر إلى إناثها وتلقحها، فيكثر الثمر.وكان العرب يعلمون هذه الحقيقة عن شجر النخل، فكانوا يقومون بتأبيرها، ولكن النبي لو كان لا يعلم ذلك رأى ذات مرة بعض المسلمين يؤبرون النخل، فقال لهم: ماذا تفعلون؟ قالوا: نلقح ذكور النخل بإناثها ليكثر الثمر.فقال : ما الفائدة في ذلك؟ إنها ستثمر ما كتب لكم في كل حال.فتركوا التأبير، فلم يأت الثمر جيدًا.فأتوا النبي ﷺ يشتكون إليه قلة الثمر.قال: ما السبب؟ قالوا: نرى أن ذلك لأنك نهيتنا عن تأبير النخل فلم نؤبرها.فقال : إنما أنا بشر مثلكم، وأنتم أعلم بأمور دنياكم، فافعلوا في أمور دنياكم كما تعلمون :(مسلم: كتاب الفضائل، باب شرعاً).فثبت بذلك أن النبي ﷺ لم يكن عنده معرفة شخصية بهذا العلم، فأخبره الله تعالى أن النباتات كلها أزواج، بل قال : وَمِنْ كُلِّ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات : ٥٠)..أي ليس الناس وحدهم أزواجا، بل كل الأشياء من جماد ونبات وحيوان أزواج.إن العلماء قد اكتشفوا اليوم أن المعادن أيضًا أزواج، حيث قرأت في كتاب لأحد العلماء أن "القصدير" (Tin) نوعان ذكر وأنثى، حيث يتأثر الواحد من الآخر ويتشكلان بشكل آخر؛ ولكن الله تعالى يزيد على ذلك ويقول: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ، وكلمة وجوب امتثال ما قاله شَيْءٍ وتعالى
الجزء السابع سورة الشعراء كُلِّ شَيْءٍ تشمل النبات والحيوان والجماد وكل ذرة من العالم ومجموعة ذرات أن العالم.وحيث إن الله تعالى يعلن: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ فهذا يعني كل ما سوى الله تعالى ،زوجان وأنه من المستحيل أن يأتي شيء ما بنتيجة مرضية بدون زوجه الله وكما أن الله تعالى قد جعل كل شيء في العالم المادي زوجين، كذلك قد جعل الله للروح الإنسانية في العالم الروحاني أيضا زوجًا، وهو فضل ورحمته، فما لم يصحب فضلُ الله الروح الإنسانية لن يكون هناك أي نسل روحاني.أتذكر جيدا رؤيا رأيتها في أيام طفولتي، وهي أنني موجود في مدينة "أمرتسر"، وأن هناك تمثالاً للملكة مصنوعا من المرمر، قاعدته مرمرية وسُلّمه أيضًا مرمري.ورأيت على أدراج السلم طفلاً واقفا في ثياب نظيفة وجميلة جدا يبلغ من العمر قرابة ثلاث أو أربع سنوات، وهو يرنو إلى السماء، وأظن في الرؤيا أنه المسيح.وبعد قليل انشقت السماء ورأيت شيئا يخرج منها ويطير إلى الأرض، وكان ملففا في لباس زاهي الألوان، وكانت له أجنحة يطير بها.وفهمت في الرؤيا أن الشيء الطائر هو السيدة مريم.وعندما نزلت وضعت أجنحتها على الطفل كما تغطي الدجاجة فراخها بأجنحتها، وعندها جرت على لساني الكلمات التالية: Love creats love..أي أن الحب يخلق الحب (جريدة "الفضل" قاديان ۱۵ مارس /أذار ۱۹۳۰ ص ۹).وعندما استيقظتُ فهمتُ أن مريم التي رأيتها في شكل الأم هي محبة الله، والمسيح هو إنابة الروح الإنسانية إلى الله تعالى ذلك لأن إنابة الروح الإنسانية إلى الله تعالى تؤدي إلى ولادة كائن روحاني يحبه الله تعالى كما تحب الأم ولدها.ذلك لأن الله تعالى لا يحب الأجسام وإنما يحب الأرواح، والكائن الروحاني الذي يخصه الله تعالى بحبه يتولد نتيجة الاتصال برحمة الله تعالى ويكون الله له بمثابة الأم للولد.هذا هو الدرس الذي يلقنه الله تعالى الكافرين في هذه الآية حيث يقول ألم ينظروا إلى الأرض كيف خلق الله فيها أزواجًا جميلة، ليدركوا بذلك أن الله تعالى كما خلق لكل شيء في العالم المادي زوجًا كذلك فإن روح الإنسان بحاجة إلى زوج لانكشاف الكفاءات الكامنة فيها، وهذا الزوج هو رحمة الله تعالى.فإذا كان
الجزء السابع سورة الشعراء الكافرون يريدون لهم نسلاً روحانيًا فعليهم أن يتمسكوا بيد رحمة الله التي قد ظهرت لهم في شكل محمد رسول الله، وإلا سيظلون محرومين من النعم الروحانية التي يوزعها محمد شأن المرأة العاقر التي تظل محرومة من الأولاد.
الجزء السابع 1+1 سورة الشعراء وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ انْتِ الْقَوْمَ الظَّلِمِينَ (٢) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (2) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُون ) وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَرُونَ صلے ۱۳ ١٤ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (3) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِقَايَتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ : فَأْتِهَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَلَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَاءِيلَ ) شرح الكلمات : ۱۸ ذنب: الذئب يُستعمل في كل فعل يُستَوحَم عُقباه.(المفردات) التفسير بذكر هذه الواقعة قد لفت الله تعالى الأنظار إلى أنه تعالى ما دام قد هيأ الأسباب لهداية قوم فرعون فكيف لا يهيئها لأهل مكة، خاصة وأن إبراهيم كان قد دعا لهم بينما لم يكن لقوم فرعون أي دعاء من قبل أي نبي.والدعاء الذي قام به إبراهيم لأهل مكة هو: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (البقرة: ١٣٠).فما دام الله تعالى قد بعث موسى العلة لهداية قوم فرعون بدون أي دعاء سابق في حقهم، فلم لا يبعث الله لهداية أهل مكة نبيًا خاصة وهناك هذا الدعاء العظيم في حقهم؟ ثم هناك وعد إلهى لإبراهيم ال بأنه سيبارك في إسماعيل ويكثره ويجعله
۱۰۲ سورة الشعراء الجزء السابع أمة كبيرة التكوين (۱۷: ۲۰.فلا غرابة في مجيء محمد (ﷺ)، وإنما الغرابة أن لا یهیئ الله.الله تعالى أسباب الهداية لهؤلاء القوم ويذهب دعاء إبراهيم سدى.ثم نبه الله تعالى بذكر موسى اليهود أيضًا إذ كانوا يؤمنون بكتاب موسى وكانوا على علم بوجود نبوءة فيه تعلن: "أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعلُ كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه.وأما النبي الذي يُطغي فيتكلم باسمي لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي" (التثنية ۱۸: ۲۰-۱۸).ألم يكن لزامًا بحسب هذه النبوءة أن يُبعث بعد موسى في بني إسماعيل إخوة بني إسرائيل نبي مثيل لموسى..أي يكون هو الآخر صاحب شرع جديد مثل موسى؟ هذا، موسی كلاما بسم وتؤكد هذه النبوءة أيضًا أن ذلك النبي الموعود كلما يقرأ على الناس كلام الله تعالى يقرأه باسمه تعالى.وبالفعل لا توجد في القرآن الكريم سورة لا تبدأ الله تعالى.إن كل سورة قرآنية تبدأ بقوله تعالى بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، الأمر الذي يُدين كل يهودي وكلَّ مسيحي أنه لم لا يصدق النبي الذي كلما قرأ كلام الله على الناس أعلن - كما أنبأ أنه يقرأه عليهم (بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم، ومع ذلك لا يعاقبه الله تعالى؟ باختصار، قد ذكر الله تعالى هنا موسى تنبيهًا لأهل مكة إلى دعاء إبراهيم العلة لأهلها، وتذكيرًا لليهود والنصارى بالنبوءة الواردة في التوراة، فنصحهم أن يدركوا عظمة ذلك الدعاء وتلك النبوءة، فلا يكفروا بمحمد رسول الله (ﷺ)، كي لا يحل بهم غضب الله كما حل بفرعون حين كفر بموسى.أما قوله تعالى: (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَن انت الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) قوم فرعونَ) فهو بيان بأن موسى إنما بعث إلى فرعون لينجي بني إسرائيل من حياة الرق العليا والعبودية، فيقول لفرعون أن يسمح لبني إسرائيل بالذهاب معه ولا يحول دون المشيئة الإلهية.وبالفعل لما خرج بهم موسى من مصر لم تبق له أية علاقة مع العلمية الا المصريين، بل ارتكز جل اهتمامه على بني إسرائيل الذين بعث لهدايتهم ورقيهم.
۱۰۳ سورة الشعراء الجزء السابع كان هؤلاء القوم يعيشون بين المصريين و لم يكن هناك سبيل لتوجيه الخطاب إليهم ونفخ الروح الدينية فيهم بشكل مباشر منفصل عن المصريين، لذا جعل الله تعالى فرعون وقومه أيضًا شركاء في الدعوة التي وجهها موسى العلي إلى قومه، فقام بتبليغ رسالة الله إلى فرعون وقومه بشكل مكثف وأقام عليهم الحجة بآيات عديدة متواترة.ولكن بعد خروج بني إسرائيل من مصر لم تعد لموسى الله أي صلة بالمصريين حيث كان مبعوثا لهداية بني إسرائيل أساسا، أما رسولنا فلم تنقطع صلة عن أهل مكة بعد هجرته إلى المدينة، بل ظل يسعى لهدايتهم باستمرار، الأمر الذي يشكل دليلا ساطعًا على سموّ درجته وعلو مكانته.أما قوله تعالى أَلاَ يَتَّقُونَ، فبين به أن إقامة التقوى أهم هدف من بعثة أن الأنبياء.ولكن الناس يخطئون عادة فيعدون الصلاح والتقوى شيئا واحدا، مع الصلاح يعني ذلك العمل الصالح الذي قد قمنا به أو نقوم، أما التقوى فالمراد منه بلوغ المرء درجة حيث لا يتولد في قلبه إلا مشاعر طاهرة وطيبة، لأن المشاعر منبعها القلب وإن كان ظهورها يتم عبر أعصاب الدماغ.لم يزل العلماء على مر العصور في نقاش دائم حول منبع الروح الإنسانية، فزعموا أن منبعها الدماغ لا القلب، ولهذا السبب لم يستطيعوا استيعاب حقيقة الروح.مع أن الواقع أن منبع الروح هو القلب كما هو ظاهر من تعاليم الأنبياء ورؤاهم وكشوفهم بيد أن الدماغ لما كان منبت الأعصاب فهو الذي يشعر بالعلوم القلبية ويستفيد من معارف القلب الخفية؛ ومن أجل ذلك قد اعتبر تعالى القلب مكان الحياة لا الدماغ والظاهر أن الروح ستكون وثيقة الصلة بالعضو الأهم في البدن الإنساني والذي عمله أبرز من الأعضاء الأخرى، وهو القلب لا الدماغ.فمثلاً لو توقفت حركة القلب لثانية واحدة لمات الإنسان فوراً، ولكن لو حصل عطل في دماغ المرء فلا شك أن علومه تصبح في غطاء لكون الدماغ يدرك العلوم القلبية إلا أنه لا يموت بالضرورة.إذا، فالدماغ إنما هو بمثابة الخادم، أما القلب فهو المركز الحقيقي الذي يُنزل الله عليه أنواره.الله
١٠٤ سورة الشعراء الجزء السابع وسواء أصدق المرء الفلاسفة، فاعتبر الدماغ منبع التدبر والفكر والأخلاق الفاضلة، أو اعتبر القلب هو منبع العقل والمعرفة وأن لا علاقة للدماغ بنشوء العلوم والمعارف، فاستعمل لفظ المشاعر والأفكار بدلاً من القلب والدماغ، إلا أنه لا بد له في كل حال من تطهير شيئين: أولهما الأفكار، وثانيهما المشاعر اللطيفة.وتطهير الأفكار - الذي يسمَّى التنوير بالعربية - يتم بطهارة الدماغ.والمراد من التنوير أن يتولد في المرء نور يؤدي إلى نشوء الأفكار الصحيحة فيه دائما.وكما أن الصحة نوعان: أحدهما أن يكون المرء معافى من المرض الآن، والثاني أن يظل معافى من المرض في المستقبل أيضا، كذلك فإن التنوير اسم لذلك الإصلاح الذي يؤدي إلى نشوء الأفكار السليمة في المستقبل دائمًا ومفهوم التنوير بالنسبة إلى الدماغ، هو نفسه مفهوم التقوى بالنسبة للقلب..أي كما أن تولد الفكرة الصحيحة في بعض الأحيان لا يعني التنوير، وإنما التنوير أن تنشأ عند المرء ملكة بحيث لا تتولد فيه إلا الأفكار السليمة دائمًا، كذلك فإن التقوى ليس اسما لقيام المرء بعمل حسن واحد أو أكثر، بل المراد منه بلوغ المرء درجة بحيث لا تتولد فيه إلا المشاعر الطيبة الطاهرة.وهذا المعنى يدعمه ذلك الحديث الذي قال فيه النبي : إن شيطاني قد أسلم (مسلم: كتاب صفة القيامة، باب تحريش الشيطان)..أي لا تتولد في قلبي إلا أفكار طيبة طاهرة.مجمل القول إن لفظ "التنوير" يُستعمل للأفكار ولفظ "التقوى" للعواطف والمشاعر، ولا يكون المرء في مأمن من السيئة إلا إذا تيسر له تنوير الأفكار وتقوى القلب.وقد بين الله تعالى بقوله ألا يَتَّقُونَ أن موسى جاء قوم فرعون برسالة تقوى الله، وكانت الغاية العظمى من بعثته أن يصلحهم من خلال الدعاء والتبليغ والوعظ إصلاحًا لا يقوم أفكارهم ومشاعرهم فقط فقط، بل يول يولد فيهم ملكة بحيث لا تنشأ في دماغهم بعد ذلك إلا الأفكار الطاهرة، ولا في قلوبهم إلا المشاعر الطيبة.وهذا هو الأمر الذي لم يزل الأنبياء كلهم يركزون عليه، وقد ركز عليه الإسلام تركيزا كبيرا، لأن المعارف الروحانية تنزل من عند الله على القلوب، وإذا لم يكن قلب المرء طاهرا ظل محروما من الفيوض الربانية.
الجزء السابع 1.0 سورة الشعراء ولما أمر الله تعالى موسى الا بالذهاب إلى فرعون قال: ال بالذهاب إلى فرعون قال: ﴿رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبون..وهذا لا يعني أنه اللي كان يجهل أن الناس منذ القدم يكفرون بمن يبعثه الله إليهم، بل المعنى أنه اللي كان يعلم أن جميع الأمم التي كفرت برسلها قد هلكت، فخاف أن يكفروا به ويقعوا تحت طائلة العقاب الإلهي، وهذا الأمر يسبب لأنبياء الله أذى شديدًا.إذا فموسى العلم إنما عبّر عن هذه المخاوف نظرا إلى قوة فرعون ومظالمه، فرأى أن فرعون طاغية متكبر وسيكذبني، وسيلقى حتما المصير الذي لقيه منكرو الأنبياء دائما.موسى وهذا المعنى يدعمه الجزء التالي من الآية حيث قال موسى اللة ويضيقُ صَدْرِي حيث أُشير إلى مدى الحب الذي كان يكنه موسى ال للقوم، فبين أنه يضيق ذرعا برؤية كفر وفسوق هؤلاء الناس، وأن نفسه ينقبض حين يفكر أنهم سيرفضون رسالة الله وهدايته وبالتالي سيستوجبون العذاب.بيد أننا نجد هناك فرقًا كبيرًا بين النبي ﷺ وموسى بهذا الصدد، وذلك أن ال قال: «رَبِّ إني أخافُ أن يُكَذِّبُون، بينما قال الله تعالى لنبينا : قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكنَّ الظَّالِمِينَ بآيات الله يَجْحَدُونَ) (الأنعام: ٣٤)، حيث بين الله تعالى أن محمدا (ﷺ) لم يكن يخاف تكذيب القوم له، وإنما كان قلقًا لأنهم سيكذبون آيات الله تعالى.وهذا يعني أن حزنه لم يكن من أجل نفسه وإنما لأن القوم يكفرون بالله تعالى؛ وهناك بون شاسع بين الأمرين كما لا يخفى على أحد، إذ كان موسى الله يخاف تكذيب القوم له، أما العليا النبي ﷺ فكان يحزنه إنكار القوم لأمر الله تعالى.ثم هناك أمر آخر جدير بالانتباه، وهو أن العالي كان يحب قومه حبًّا موسی محدودًا حيث كان كفرهم يسبب له ضيق الصدر، أما النبي ﷺ فكان كفر قومه يؤلمه لدرجة أنه كاد يُهلك نفسه حزنًا عليهم حيث قال الله تعالى: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنينَ) (الشعراء:٤)..أي أن كفرهم يسبب لرسولنا ألما كاد يجعله يضع السيف على رقبته ويقطعها حتى القفا.وإذا كان يحزن بهذه الشدة على عدم إيمانهم فقط، فما بالك بحزنه وأساه لو ماتوا على الكفر.فإن الذي يحزن
الجزء السابع 1.7 سورة الشعراء على عدم إيمان القوم بهذا الشكل فكم بالحري أن تشتد صدمته إذا علم أنهم قد ماتوا على كفرهم؟ ومن المستغرب حقا أن نرى الناس يضحون دائما بالصغير الرخيص من أجل الكبير الغالي، بينما نجد الله تعالى أنه لم يزل يضحي بعباده الذين كانوا كالجواهر الكريمة الغالية الثمن من أجل الإنسانية الضعيفة.لقد كان آدم العل أغلى جوهرة في عصره، ولكن الله تعالى قد ضحى به من أجل عباد ضعفاء ساندوا الشيطان.وكان نوح الأفضل إنسان في زمنه ولكن الله تعالى قد ضحى به من أجل أشقياء رفضوا الهدى وكان إبراهيم الله أغلى كائن في زمنه، ولكن الله تعالى ألقاه في المحنة والبلاء من أجل إنقاذ أناس ناقصين.وكان موسى الله أغلى إنسان في زمنه ولكن الله تعالى ضحى به من أجل بني إسرائيل الجبناء الذين تعاموا رغم رؤية آيات الله فقالوا لموسى : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتلا إِنَّا هَاهُنَا قاعدُونَ (المائدة: ٢٥).وكان عيسى الله أغلى كائن في زمنه، ولكن الله تعالى ضحى به من أجل قوم ناداهم عيسى نفسه بقوله: "أيها الحيات أولاد الأفاعي" (متى ۲۳ : ۳۳).ومن ذا الذي جاء إلى الدنيا وكان أطهر وأسمى وأغلى من محمد رسول الله الذي قد خُلق الكون من أجله حيث قال الله ل له في حديث قدسي: "لولاك لما خلقت الأفلاك" (روح المعاني للألوسي)، ومع ذلك قد عُلّق هذا الإنسان على صليب لم يره الناس من أجل هداية وخير أبي جهل وعتبة وشيبة، ولكن الله تعالى لا تخفى عليه خافية فكان يراه معلقًا على ذلك الصليب فقال له: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ...أي لعلك يا محمد، ستذبح نفسك حتى القفا بسكين الهم والحزن لأنهم لا يؤمنون؟ إذا، فلا شك أن جميع الأنبياء قد أحبّوا أممهم وضحوا من أجلهم كثيرًا، وكل واحد منهم قد أحزنه كفر قومه ونفاقهم، ولكن هناك فرقا كبيرا بين محمد وغيره من الأنبياء، إذ كانوا يضيقون ذرعًا برؤية كفر ،أممهم، وأما محمد ﷺ فكان يحزن برؤية كفر قومه بحيث يكاد يُهلك نفسه.
الجزء السابع ۱۰۷ سورة الشعراء ثم إن موسى ال يقول هنا: رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُون، ولكن الرسول لما أمر بتبليغ رسالة الله أخبر زوجته بدون تأخير، ثم أخبر قومه جميعا، ولم يقل: رب إني أخاف أن يكذبون، بل لبى نداء الله بشجاعة ولم يبد خوفا ولا وجلا.وهذا الأمر دليل على أن محمدا لله أعظم درجة بكثير من موسى العلية لا.ثم قال موسى الي: وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ.وقال أيضًا كما ورد في مكان آخر من القرآن الكريم : هُوَ أَفْصَحُ منِّي لسَاناً (القصص: ٣٥)..ولكن من عجائب قدرة الله تعالى أن موسى الذي كان يخاف أن لن يقدر العلم على الكلام أمام فرعون لم يدَعْ هارون يتكلم بجملة واحدة أمامه، بل أجاب بنفسه على أسئلته كلها.وإن كلمة: هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً تدل على أن موسى كان فصيح اللسان بكل تأكيد، و لم يكن بلسانه أي عيب كما ظن بعض المفسرين القدماء (الرازي)، بيد أنه كان يرى أنه أقل فصاحة من هارون - عليهما السلام.ولكن لما فوّض الله إلى موسى أمر الرسالة فذهب إلى بلاط فرعون فإن قوة فصاحته وبراهينه بهرت فرعون وألقته في ورطة، ففكر أنه لا بد الآن من عقد مناظرة جماعية يساعده فيها الآخرون إزاء موسى وإلا فإنه سيضل الناس جميعًا.ولقد رأينا في جماعتنا أيضًا أن كل من ينضم إليها بإخلاص ينطلق لسانه وإن كان من قبل أُميًا لا يعلم شيئًا، فيها به كبار المشايخ أيضًا ويهربون من نقاشه.إنه يزداد ذكاء من ذي قبل، وإن قدرته على النقاش تزيد بشكل مذهل، مما يكشف جليًا أن علمه ليس علمًا ذاتيًا، إنما هو موهبة وعطاء من الله تعالى الذي يؤيده في كل موطن ويلهمه عند الحاجة ما يحير العقول.كان في قاديان شخص يدعى "پيرا"، وكان خادما للمسيح الموعود ال.كان شخصا بليدًا جدًّا بحيث كان من المتعذر عليه أن يفهم ما هي الأحمدية، ولكنه كان يحب المسيح الموعود الحبا جما.كان من سكان الجبال، فأصيب بداء الروماتزم، فقيل لأقاربه أنه لن يشفى في هذه المنطقة الجبلية الباردة، فليذهبوا به إلى بعض مناطق السهول الحارة.فجاء به أهله إلى مدينة "غورداسبور".ولكنهم كانوا فقراء، فلم يرض أحد من الأطباء بأن يعطيه الدواء ويطعمه أيضًا.فقيل لهم: هناك
۱۰۸ سورة الشعراء الجزء السابع في قاديان شخص من أهل الله تعالى، وهو طبيب أيضًا، فليذهبوا به إليه، فإنه سيتولى علاجه وطعامه أيضًا.فجاءوا به إلى سيدنا المسيح الموعود ال وتركوه عنده وانسلوا عائدين إلى وطنهم.فبدأ علاجه، فتماثل للشفاء شيئا فشيئا.وعلم أهله أنه قد شُفي وأصبح قادرًا على العمل، فجاءوا قاديان في فصل الشتاء التالي وحاولوا إقناعه أن يرجع معهم.ولكن قلب الرجل كان عامرًا بالخير على ما يبدو، فأجابهم لا شك أنكم أهلي ولكنكم تركتموني عند هذا الرجل وفررتم، فليس لي قريب الآن إلا الذي قام بعلاجي، ولا أستطيع تركه.فكان هذا الرجل يقضي النهار مستلقياً في باحة دار المسيح الموعود الل، ويقوم ببعض أعمال البيت البسيطة، فمثلاً إذا جاء ضيف قدم له الطعام.وكان بليدا لدرجة أن الخليفة الأول له كان ينصحه كثيرًا بأن يصلي ولكنه كان يجيبه دائمًا: لا أعرف كيف أصلى وكان حضرته له يقول: سيعترض القوم على المسيح الموعود اللي بسبب هذا الرجل الذي يقضي النهار مستلقيا على السرير أمام بيته ال ولا يصلي، ولذلك كان متحمسا جدا لإصلاحه، وكان ينصحه مرة بعد أخرى بأداء الصلاة، ولكنه كان يجيبه دائمًا أنا لا أعلم الصلاة.وفي الأخير قال له حضرته: إذا كنت لا تعلم الصلاة، فيمكنك أن تردد في الصلاة: سبحان الله، سبحان الله.فكان الرجل بعد ذلك يقف مع المصلين في كل أسبوع مرة، ويردد في صلاته سبحان الله سبحان الله.وظن الخليفة الأول له أنه لو أغراه بالجائزة فلربما يواظب على الصلاة، فقال له ذات يوم لو أديت الصلوات الخمس كلها في اليوم ولو مرة واحدة لأعطيتك روبيتين.وكان هذا المبلغ جائزة كبيرة له في ذلك الزمن، فقال: سأصلّي اليوم كل الصلوات وربما بدأ بصلاة العشاء، ثم صلى الفجر ببالغ الصعوبة، واشترك في صلاتي الظهر والعصر أيضًا، وبقي عليه أن يصلي المغرب فقط.ولما كان عدد الضيوف الذين يأتون المسيح الموعود الله في تلك الأيام قليلا، فكان طعامهم يُعد في بيتنا، ويقدم لهم بعد صلاة المغرب.وتصادف أن صلاة المغرب أُخرت في ذلك اليوم قليلاً، وحان وقت تقديم الطعام للضيوف.وكانت في البيت خادمة تحمل الطعام إلى "بيرا" ليقدمه للضيوف، فنادته من داخل
الجزء السابع ۱۰۹ سورة الشعراء البيت بأن الطعام جاهز، فتعال وخُذه إلى الضيوف، إذ كانت لا تعرف أن "بيرا" 6 فنادته غير موجود في باحة البيت كالمعتاد بل ذهب يصلي مع الناس في المسجد ، ثلاث أو أربع مرات، ولكن لا مجيب لمن تنادي فهدّدته بصوت عال وقالت: تعال یا "پيرا" خُذ الطعام وإلا سأشكوك إلى أهل البيت.فسمع "پيرا" صوتها العالي هذه المرة، فأجابها وهو يصلي: "انتظري قليلاً، فسآتيك بعد الانتهاء من التشهد." أي أنه تكلم وهو في قعدة التشهد من الصلاة وبالتالي قد حُرم من جائزة الروبيتين.إذا فكان المسكين غاية في البلادة حتى إنه كان يضيف زيت الكيروسين إلى طعامه مكان زيت الطعام ثم يأكله ليضحك الضيوف، وإذا قيل له: لماذا وضعت الكيروسين في الطعام؟ قال: ما الحرج في ذلك، فكلاهما زيت.لم يكن في تلك الأيام مكتب للرسائل البرقية في قاديان ولم تكن السكة الحديدية للقطار قد مُدّت إليها ،بعد وكلما احتاج المسيح الموعود الل إلى إرسال رسالة برقية أو إلى استلام طرد بعث شخصًا إلى محطة القطار بمدينة "بطالة"، وكان يبعث "پيرا" لهذا الغرض أحيانًا وكان المولوي محمد حسين البطالوي – الذي كان من أشد الناس عداء لجماعتنا - يذهب إلى محطة القطار بمدينة "بطالة"، وكلما رأى شخصاً غريباً ينزل من القطار أسرع إليه وسأله أين تريد أن تذهب؟ وإذا علم أنه ينوي الذهاب إلى قاديان حاول إغواءه وقال: ارجع إلى حيث جئت لأنك ستضيع إيمانك لو ذهبت إلى هناك.وفي أحد الأيام لم يجد البطالوي على المحطة شخصا آخر، فتوجه إلى "پيرا" الذي كان قد ذهب هناك لإرسال رسالة برقية أو لاستلام طرد فقال له : إن الميرزا (أي المسيح الموعود ال) كافر ودجال، فلماذا تضيع إيمانك يا "پيرا"، وتدمّر عاقبتك باتباعه؟ وظل "پیرا" منصتًا إلى حديثه بدون أن يتكلم بشيء.فلما أخرج البطالوي كل ما في جعبته وظن أن "بيرا" قد اقتنع بكلامه، قال له ما رأيك فيما قلت؟ فأجابه أيها الشيخ إني رجل جاهل لا أعلم - * علما أن المسجد ملاصق بدار المسيح الموعود الله.(المترجم)
۱۱۰ سورة الشعراء أن الجزء السابع شيئا ولا أفهم هذه المسائل، غير أن هناك أمرًا أستطيع أن أفهمه، وهو أنني منذ سنوات كثيرة آتي إلى هذه المحطة لاستلام الطرود وإرسال الرسائل البرقية، وأراك تأتي هنا دائمًا لتحاول منع الناس من الذهاب إلى قاديان، وربما قد استهلكت أحذية كثيرة في الذهاب والإياب، ومع ذلك لم يتأثر أحد بوعظك، وأما حضرة الميرزا فهو جالس في قاديان ومع ذلك ينجذب إليه الناس انجذابا؛ ولا بد أن هناك سبيا وراء هذا الفرق بينك وبين حضرته.فكم هو لطيف وصحيح هذا الجواب الواقع أن "إيرا" كان أكثر غباء من يفهم المسائل الدينية، وكان لا يدري الأدلة والبراهين ولكنه بسبب حبه الطبيعي للمسيح الموعود اللي أدرك على التو أن الشيخ البطالوي كاذب حتمًا.إذًا، فإن الله تعالى يعلّم عباده أحيانًا ما يحير العقول؛ ذلك لأن الله تعالى يملك كل شيء، وكل ما يفتقر إليه المرء موجود عنده تعالى.فإذا أعوزه الذكاء فهو موجود عند الله، وإذا نقصته الشجاعة أو السخاء أو الصحة أو العزة أو المال، فعند الله خزائنها، وإنه تعالى يهب عباده من هذه الخزائن بشكل مذهل.كان الخليفة الأول الله الله يقول : لقد رأينا أثناء المناظرة التي تمت بين المسيح الموعود وبين القسيس "آتم" مشهدًا أذهلنا ورفع إيماننا إلى السماء.فإن القسيسين لما عجزوا في المناظرة ورأوا أنهم لا تنفعهم حيلة تجاه حضرته العلي، مكروا مكرا بمساعدة بعض المسلمين ليستهزئوا به الله، فأحضروا في أحد الأيام بعض الصمّ العلية لا والعُمي والعُرج قبل موعد المناظرة وأخفوهم هناك، ولما حضر المسيح الموعود ال قدموهم إليه فجأة وقالوا: إن هذا النزاع لن يُحسَم بالنقاشات؛ إنك تدعي بأنك مثيل للمسيح الناصري، وكان المسيح يهب البصر للعُمي والسمع للصمّ وقوة المشي للعرج؛ وقد أحضرنا كل هؤلاء لكي لا تتعب في البحث عنهم، فإذا كنت مثيلاً للمسيح الناصري حقا فاشف هؤلاء القوم؟ يقول حضرة الخليفة الأول له لما سمعنا كلام القسيسين وجلت قلوبنا وخارت قوانا كنا نعلم أنه كلام فارغ ولكن خشينا شماتة الأعداء واستهزاءهم.فلما نظرنا إلى المسيح الموعود اللي لم نجد على وجهه أي آثار للقلق أو الضيق، بل لما فرغ القسيسون من كلامهم قال لهم بكل
۱۱۱ سورة الشعراء الجزء السابع هدوء: إن المسيح الذي أدّعي بأني مثيل له لم يكن، بحسب تعليم الإسلام، يشفي العمي والصم والعرج الماديين، وإنما أنتم الذين تعتقدون بأن المسيح كان يشفي العمي والصم والعرج الماديين؛ وقد ورد في كتابكم أيضًا أنه لو كان فيكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، وتضعون أيديكم على المرضى فيبرؤون (متى ١٧: ٢٠ ولوقا ١٧: ٦ ومرقس ١٦: ١٨)؛ فلا يحق لكم أن تطالبوني بهذا، لأني لا أستطيع أن أري أية معجزات إلا كالتي أراها سيدي محمد المصطفى ، ولو طالبتموني بها فإني مستعد لأريكم إياها.أما المعجزات التي تقولون أن المسيح قد أراها فإن كتابكم يعلن أن كل مسيحي فيه حبة خردل من الإيمان قادر على أن يُريها؛ وقد أحسنتم صنعا إذ وفّرتم علينا تعب البحث عن العُمي والصم والعرج، فاشفوهم إن كان فيكم مثقال حبة خردل من الإيمان.ويروي الخليفة الأول الله أن هذا الجواب بهت أولئك القسيسين الكبار، فأخذوا يُبعدون العُمي والصم والعرج عن أنفسهم.(جنگ مقدس، الخزائن الروحانية المجلد ٦ ص (107-10.إذا، فإن الله تعالى يُكرم مقرّبيه في كل موطن، ويلهمهم من الأجوبة ما يبهت الأعداء تماما.وذات مرة جاء قاديان قسيس أمريكي شهير اسمه زويمر، وكان يحرر جريدة تبشيرية كبيرة، وكان من أبرز الشخصيات في المنظمات التبشيرية المسيحية في العالم أجمع.كان قد سمع عن قاديان، فلما جاء لزيارة الهند وفرغ من زيارة شتى المدن والأماكن أتى قاديان بصحبة قسيس آخر اسمه غاردن (Garden).وكان المرحوم الدكتور خليفة رشيد الدين حيًّا عندها، فأراه جميع الأماكن الهامة في قاديان.ولم يكن في قاديان في تلك الأيام أي بلدية ولا مكتب لها تهتم بنظافة القرية، فكانت القمامة مرمية هنا وهناك في الشوارع والقسيس قسيس في كل حال إذ لا يترك فرصة للطعن تنفلت من يده، فقال القسيس زويمر للخليفة رشيد الدين ساخرا: لقد رأينا قاديان ورأينا نظافة قرية المسيح الجديد أيضًا! فأجابه ضاحكا: جناب القسيس المحترم، لم تخضع الهند لحكم المسيح الجديد بعد، بل لا تزال خاضعة لحكم المسيح
الجزء السابع ۱۱۲ سورة الشعراء الله في روعي الأول، وإن ما تراه إنما هو نموذج نظافة المسيح الأول في الواقع.فتعرض القسيس لندم وخزي شديدين.ثم بعث إلي القسيس بأنه يريد مقابلتي.وكنت عليلا بعض الشيء، فأرسلت إليه أن يخبرني عن هدف لقائه.فقال إنه يريد أن يوجه إلي بعض الأسئلة، ولكنه لا يريد أن يخبرني بها قبل اللقاء.فدعوته للمقابلة، فجاء مع القسيس غاردن وشخص أو شخصين آخرين.فقال: أريد أن أسألك بعض الأسئلة؟ قلت: تفضّل قال: ماذا رأي الإسلام عن التناسخ ؟ هل يُقرّه أو يرفضه؟ وما إن وجه إلي السؤال حتى ألقى أنه يقصد في الحقيقة أنكم تؤمنون أن المسيح الموعود هو بروز ومثيل للمسيح الناصري، وهذا يعني أن روح المسيح الناصري قد حلت به، وإذا كان هذا هو المراد من البروز فهذا هو التناسخ بعينه، والتناسخ يتنافى مع القرآن الكريم.فقلت له متبسما : لقد فهمت الأمر خطأ، فإننا لا نقول بأن روح المسيح الناصري قد حلت في مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عليهما السلام، وإنما نسميه مثيلاً للمسيح من حيث إنه قد جاء متخلقًا بمثل أخلاق المسيح مصطبعا بمثل روحانيته.فتغير لون القسيس من جوابي وقال: من ذا الذي أخبرك أنني كنت أريد أن أوجه إليك هذا السؤال؟ فقلت له ولكن أخبرني أنت ألم يكن هذا هو قصدك من وراء السؤال؟ قال: نعم هذا ما كنت أقصد، إذ كنتُ أتساءل: إن القرآن الكريم يخالف عقيدة التناسخ، فكيف الأحمديون مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية يسمي مسيحا موعودًا.ثم قلت له: تفضل بسؤالك الثاني.فقال: أين يجب أن يُبعث النبي؟ أي أين يجب بعثته حتى يقوم بمهمته على ما يرام؟ وبمجرد أن تفوه بسؤاله هذا حتى ألقى الله في روعي ثانية أنه يريد أن يقول إن قاديان قرية صغيرة، فكيف يمكن أن تكون مركزاً للعالم كله، وكيف يمكن دعوة الدنيا كلها من هذه القرية الصغيرة النائية؟ إذا كان يعني أن الهند خاضعة لحكم الإنجليز الذين هم أتباع المسيح الناصري ال.(المترجم)
الجزء السابع ۱۱۳ سورة الشعراء ينبغي أن هدف بعثة مؤسس الجماعة تبليغ دعوة الإسلام في العالم كله، فكان يُبعث في مكان يصل منه صوته إلى أنحاء المعمورة كلها لا في قاديان التي هي قرية صغيرة.فقلت له متبسما : حضرة القسيس، النبي يمكن أن يُبعث في أي قرية مثل الناصرة أو أكبر منها.لقد بعث المسيح الناصري اللي في قرية اسمها الناصرة التي لم يكن بها وقتئذ أكثر من عشرة أو اثني عشر أسرة.فامتقع القسيس بجوابي مرة أخرى حيث أجبته على السؤال الحقيقي الذي كان يخفيه وراء كلماته.ثم سألني سؤالاً ثالثًا لا أحفظه الآن على كل حال، لقد وجه إلي ثلاثة أسئلة، وقد أخبرني الله تعالى في كل مرة عن قصده الحقيقي من وراء السؤال الذي كان يوجهه بأسلوب ملتو.فثبت أن الله تعالى يتصرف على قلوب عباده بشكل غريب لينصرهم، وهذا التصرف إنما يتأتى من عند الله تعالى وليس من قبل الناس.فذات مرة قابلني شيخ محادل وقال لي: ائتني بدليل واحد على صدق مؤسس الجماعة؟ فقلت له : إن القرآن الكريم كله يشكل دليلاً على صدقه ال.قال: أخبرني أية آية تدل على صدقه؟ قلت: كل آية قرآنية.ولا شك أن كل آية قرآنية يمكن أن تشكل بطريق أو بآخر برهانا على صدق نبي، ولكن بعض الآيات القرآنية يصعب شرحها للآخرين حتى يعرفوا كيف أنها تشكل دليلاً على صدق نبي.لنفترض أن هناك آية تتحدث عن القتال، فبرغم إمكانية الاستدلال بها على صدق نبي، إلا أن ذلك الدليل أسمى أن يستوعبه عامة الناس؛ غير أنني كنت على يقين بأن الله تعالى من سيتصرف على لسان هذا الشيخ بحيث إنه لن يشير إلا إلى آية تدل حتما على صدق المسيح الموعود اللي دلالة واضحة.فظل الشيخ يصر علي أن أخبره عن آية قرآنية واحدة، بينما أقول له: يمكنك أن تقرأ أي آية وستجد فيها صدقه الله.وفي الأخير قرأ قول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بمُؤْمِنينَ (البقرة: 9).فأيقنت أن الله تعالى هو الذي قد تصرف على لسان هذا الشيخ فجعله يقرأ هذه الآية، لأنه كان قد سألني من قبل: ما دام المسلمون يصلّون ويصومون ويحجون، ويؤمنون بالله ورسوله فأي حاجة بهم إلى نبي؟ فقلت له: عمن تتحدث هذه الآية؟ قال : عن المسلمين.قلت: إذا فإنها تعلن أن بعض المسلمين
١١٤ سورة الشعراء الجزء السابع أيضا يفسدون حيث يقولون بأفواهم إنهم مؤمنون، ولكنهم ليسوا بمؤمنين في الحقيقة والقرآن يبين أنه لا يكفي المرء قوله بلسانه إنه مؤمن ما لم يؤكد إيمانه بعمله فإذا كان المسلمون يمكن أن يفسدوا أفلا يبعث الله تعالى لإصلاحهم نبيا؟ لا شك أن الله تعالى هو الذي يهب الإنسان الاقتناع والاطمئنان، إلا أن قولي هذا أفحم الشيخ ، فلم يستطع الجواب.وكنت موقنا من قبل أنه لن يقدم أمامي إلا تلك الآية التي تفحمه.إذا فإن العلم والشجاعة والعزة والقوة كلها بيد الله تعالى.ولذلك نجد أن ال ظن أنه لن يستطيع الكلام في بلاط فرعون، ولكن لما حان وقت الكلام أيده الله تأييدًا أذهل ،فرعون، فلم يملك إلا أن يقبل الهزيمة أمام موسى العلي في مجال الأدلة والبراهين.وأما قول موسى ال: فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ فليس معناه أن لا يبعثه الله رسولاً ويبعث هارون مكانه، وإنما المعنى أنه توسل إلى الله بأن يوحي إلى هارون أيضًا ويرسله معه مساعدًا، كما هو واضح من قوله تعالى في سورة طه: (وَاجْعَلْ موسی لي وزيراً مِنْ أَهْلي ● هَارُونَ أَخي ٥ اشْدُدْ بهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أمري (الآيات ٣٠-٣٣).الواقع دأب جميع أن الله تعالى عندما يشرّف أحدًا من عباده الأطهار بالنبوة فإنه يصاب بالقلق والذعر بسبب تواضعه مخافة أن لا يقدر على حمل هذه المسؤولية الجسيمة كما ينبغي، ويقصر في أداء مهمته.وهذا هو الأنبياء وهذا هو المسلك العليا معه.الذي سلكه موسى ال أيضًا، فتوسل إلى الله تعالى أن يبعث هارون أيضًا وتؤكد الأحاديث أن رسول الله له أيضًا تواضع عند بدء الوحي، فعندما قال له الملاك: "اقرأ" أجاب: "ما أنا بقارئ" (البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي)..أي لست من الأناس المثقفين، فكيف أقوم بهذه المهمة الصعبة؟ ومن أجل ذلك قد قضى النبي الهلال الأيام الأولى من الوحي في اضطراب شديد، حتى إذا تواتر التأييد الإلهي أدرك أن من واجبه الآن أن يمضي قدما غير خائف ولا هياب.
الجزء السابع سورة الشعراء بيد أن النبي ﷺ لما كان أكثر عرفانًا بالله تعالى من موسى العلمية لا، فلم يطلب مساعدًا ولا وزيرا، بل تقدم وحمل هذا العبء الثقيل وحده، مع أن مهمته كانت أكبر وأعظم من مهمة موسى العلة.فقد بعث موسى إلى أمة متمدنة، وإن تعليم الأناس المتمدنين علوم الدين وإقامة النظام بينهم ونفخ روح الجماعة فيهم أمر سهل نسبيا، ولكن الرسول الله قد بعث في قوم كانوا لا يعرفون ما التمدن وما التحضر، بل كانوا يعتبرون الطاعة التى هى شعار الأمم المتمدنة ذلاً وضيما.فقد ورد في الكتب الأدبية العربية أن ملكا عربيًا اسمه عمرو بن هند كان يحكم منطقة في الجزيزة العربية ناحية العراق والشام، وقد بلغ أوج العز والمنعة بالنسبة للعرب، حتى ظن أن كل العرب يطيعونه.فقال الحاشيته ذات يوم أتعلمون أحدا من العرب يأبى الطاعة لي؟ كان يدرك جيدا أن العرب أُمة أبية لا تعرف الطاعة والانقياد، ولكنه ظن أنه قد نال من القوة والهيبة بحيث لن يرفض أحد منهم الخضوع له.فقيل له: نعم، هناك شخص واحد على الأقل لن ينقاد لك واسمه عمرو بن كلثوم، وهو سيد قبيلته.قال: حسنًا، سأدعوه للتأكد من ذلك.فأرسل إلى عمرو بن كلثوم يستزيره لأنه مشتاق لرؤيته، وأن يُحضر أمه وأفرادا من قبيلته.وكان الملك عندها مقيمًا في رواقه خارج المدينة، فحضر عمرو بن كلثوم مع أصحابه، وضرب خيامه قريبًا من خيام الملك.وكان الملك قد أغرى أُمه أن تستخدم أم عمرو في قضاء أمر على مائدة الطعام لاختبار إبائها وحميتها.ورغم أنه كان ملكًا إلا أن أُمّه أخذت تخدم ابنها والضيوف على مائدة الطعام على عادة العرب، وهذا أنها أصبحت خادمة لعمرو بن كلثوم ولأمه وأقاربه، ولو ساعدتها أم عمرو في حاجة ما على المائدة لم يكن في ذلك ما ينال من عزتها وكرامتها.ولكن ما حدث أنه فيما كان الجميع يتناولون الطعام قالت أمُّ الملك لأم عمرو ناوليني الطبق، يعني هو لم معه و لم تستطع أن تطلب منها أي مساعدة أكثر من هذا فأخذت أم عمرو بن كلثوم تصرخ وتستغيث قائلة: يا ويلَ أُمِّ عمرو بن كلثوم! وكان عمرو حينذاك يتناول الملك، وكان قد ترك سيفه في خيمته تكريمًا للملك، فلما سمع صراخ الطعام مع أمه لم يسألها عن سبب الصراخ، بل قام فزعًا ونظر في الخيمة، فوجد سيف الملك معلقا
الجزء السابع ١١٦ سورة الشعراء هناك، فخطفه وقتل به الملك.ثم خرج من الخيمة وأمر قبيلته بالسلب والنهب، ثم عاد إلى وطنه بالغنائم.تاريخ الأدب العربي للزيات ص ٦٤ ، والشعر والشعراء المجلد الأول، عمرو بن كلثوم ص ١٥٧) فإلى مثل هؤلاء القوم الهمجيين الوحشيين والمنحرفين قد بعث النبي ثم لم يُبعث النبي الهداية أمة واحدة مثل موسى الله الذي جاء لهداية بني إسرائيل فقط، بل قد حُمّل مسؤولية جمع العالم كله على دين واحد وإحضارهم إلى العتبة الإلهية.ورغم هذه المسؤولية الكبيرة لم يسأل النبي ﷺ ربه بأن يجعل له وزيرا من أهله أو معارفه، بل قام ولبى نداء الله وبدأ العمل.وهذا يعني ال لم يكن واثقًا بنفسه لحمل المسؤولية وحده، فطلب مساعدا.لا أن مساعدًا واحدا لا يغني المرء عن جماعة من الناس إلا أنه إذا وجد مساعدا بجنبه ارتفعت معنوياته وقال في نفسه إنه ليس وحيدًا بل هناك صاحب له.ولكن أن جرم موسی محمدا رسول الله ﷺ لم يبال بكونه وحيدًا، ولم يكترث بما ستعامله به الدنيا.على أية حال، توسل موسى ال إلى الله تعالى أن يبعث أخاه هـــارون معـه كمساعد، فقبل الله طلبه.ولكن موسى ال الذي كان يعتذر إلى الله تعالى بعدم انطلاق لسانه عندما ذهب إلى بلاط فرعون شحنه الله تعالى بقوة البيان، فظل يرد على كل سؤال أثاره فرعون دون أن يستعين بهارون ال.وهذا يماثل حادثا وقع عند وفاة النبي ، فإن الأنصار والمهاجرين لما اختلفوا في أمر خلافته ذهب أبو بكر وعمر إلى سقيفة بين ساعدة، ويروي عمر قائلا: كنت قد أعددت في نفسي كلمة لهذه المناسبة لإقناع الأنصار بصحة موقفي، ليختاروا الخليفة من المهاجرين من الأنصار.ولما حضرنا قام أبو بكر خطيبًا، فقلت في نفسي: ماذا يمكن لهذا الرجل أن يقول؟ ولكنه، والله قد ذكر كل ما أعددته في نفسي بـــل زاد عليـه، فعلمتُ أني ما كنت لأسبقه أبدًا (صحيح البخاري: كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، ومسند أحمد: حديث السقيفة، والبداية والنهاية للدمشقي: الجزء الخامس، فصل في ذكر أمـــــور مهمة وقعت بعد وفاته وقبل دفنه، قصة سقيفة بني ساعدة.كذلك تماما ظن موسى ال أنه لن يستطيع الكلام في بلاط فرعون، ولكنه لما وصل هناك أيده الله تعالى بدلاً
الجزء السابع ۱۱۷ سورة الشعراء بشكل مذهل لم تكن بعده حاجة أن يتكلم هارون بكلمة واحدة، وهكذا كشف الله تعالى للناس عظمة اختياره لموسى العلة.موسى العلة إلى الله تعالى عذرا آخر فقال: وَلَهُمْ عَلَى ذَنْبٌ بعدها قدم موسى فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُون..أي أنهم يتهمونني بارتكاب ذنب فأخاف أن يقتلوني.وهذا لا يعني أن موسی العليا كان يخاف الموت في سبيل الله تعالى، إنما كان يخاف أن يذهب إلى فرعون فيلقي عليه القبض فوراً، ثم يأمر بإعدامه بحجة قتل مصري كان قد مات بيده من قبل، فلا يتمكن من تبليغهم رسالة الله.وهذا يعني أنه لم يكن يخاف موته، وإنما كان يخاف أن يُقتل قبل أداء واجبه، فتتضرر المهمة التي فوّضها الله إليه، وإلا فإن الأنبياء لا يخافون الموت في سبيل الله تعالى.لا شك أن الأنبياء أغلى بكثير من أقوامهم بحيث لو تطلب إنقاذ حياة نبي التضحية بكل من في الأرض لجازت هذه التضحية، ولكن فيما يتعلق بالحق فهو أغلى من النبي، لأنه خادم للحق كما يكون أي من أتباعه البسطاء خادمًا للحق، ولو مات أو نفي نبي من أية.ما عدا أوّل وآخر نبي فيها، لأن تلك السلسلة متوقفة عليهما – سلسلة النبي روحانية فلا يقدح ذلك في صدق ذلك النبي، كون الحق حاكمًا والنبي تابعا له، كما يكون حاكمًا وأُمّته خادمة له.وكما أنه لا حرج في التضحية بالعالم كله من أجل نبي، كذلك لا حرج في استشهاد نبي بعد أن يكون قد بلغ رسالة الله تعالى، إذ لم يأت إلى الدنيا إلا لنشر ذلك الحق.مجمل القول إن موسى ال لم يقل هذا الكلام خوفًا من الموت، بل حفاظًا على الحق حيث خاف أن يقع فريسةً للاضطهاد قبل تبليغ رسالة الله للناس.ويتضح من قوله تعالى: وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ أن القتل الذي تم بيده الي لم يكن عمدًا و لم يجعله مجرما عند الله تعالى، ذلك لأن الذنب هو كل فعل يأتي بنتيجة سيئة وإن لم يجعل صاحبه محرمًا عند الشرع.(المفردات *) * نص ما ورد في "المفردات" هو كالآتي: "يُستعمل الذنب في كل فعل يستوخم عقباه اعتبارًا الذئب تبعةً اعتبارًا لما يحصل من عاقبته".(المترجم) بذنب الشيء، ولهذا يسمى
۱۱۸ سورة الشعراء الجزء السابع وبالمناسبة فهنا أيضًا نجد فرقًا واضحًا بين مكانة الرسول وبين مقام موسى ال، ذلك لأن موسى ال كان قد اتهم قبل بعثته بهذه الجريمة، بغض النظر عن صحتها أو زيفها، أما محمد رسول الله ﷺ فكان الناس يسمونه أمينًا وصدوقًا قبل بعثته معترفين بصلاحه وأمانته وعدله.المهم أن شخصا من قوم فرعون كان قد قتل بيد موسى ال في ذلك الحادث، وكان وزراء فرعون يريدون قتله بتهمة قتل عمد، ففرّ موسى من مصر إلى مدين، ولذلك سمى فعله هذا ذنبًا، معربًا عن مخاوفه أنه لو رجع إليهم فسيلقون عليه القبض فورا ويقتلونه وقد وردت هذه الواقعة في القرآن الكريم ونوجزها كالآتي: كان موسى العلمية الا يمشي في المدينة في إحدى الليالي، فوجد شخصين يقتتلان أحدهما من قومه والآخر من قوم عدوه فرعون فاستغاثه الذي من قومه ضد ويبدو أن اللكمة كانت شديدة، أو إليه لكمة.العلمية لا ووجه عدوه، فتقدم موسى كان المصري ضعيف القلب أو الكبد فأصابت قلبه أو كبده، فمات في مكانه.وفي صبيحة اليوم التالي خرج موسى العليا في المدينة فوجد الذي استغاثه البارحة يتقاتل مع شخص آخر ويستغيث به ثانية، فعلم أن هذا الشخص من قومه عصبي المزاج كثير الخصام، وإلا فلم لا يتقاتل الناس إلا معه هو ؟ فزجره موسى وقال: لعل الذي كان يقاتلك البارحة كان معتديًا عليك، ولكنك شخص عصبي فيما يبدو.ثم تقدّم موسى ال وهم أن يبطش بالذي هو من أعدائه، ولكن الذي هو من قومه ظن يريد ضربه هو بعد أن زجره، فأخذ الغبي يصرخ عاليًا ويقول لموسى: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس؟ فاجتمع الناس بصراخه وعلموا أن موسى هو الذي قتل الرجل البارحة.وبما أن القتيل كان من قوم فرعون فانتشر الخبر في المدينة انتشار النار في الهشيم.فثار القوم كلهم حتى بلغ الخبر كبار المسؤولين، فأجمعوا على قتل العل.وكان بين المسؤولين شخص يتعاطف مع موسى سرا، أنه موسی
۱۱۹ الجزء السابع سورة الشعراء فجاءه فزعًا وأخبره أن رؤساء القوم يتآمرون على قتله، فعليه أن يهرب من المدينة فوراً.ففرّ موسى الا و لم يبرح حتى وصل إلى مدين.وإلى حادث القتل هذا أشار موسى ال بقوله: (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ، حيث خاف أن يقتله القوم بتهمة القتل.موسى العلية لا وفي قوله هذا دليل آخر على فضل الرسول ﷺ، حيث أخذ خلال هذه المخاوف وعدًا من الله لحمايته، ولكن الرسول من قام لتوه لتبليغ رسالة الله الله غير خائف أو هياب، ولم يكترث للأذى الذي سيصيبه في سبيل الله عل ولما أبدى موسى العلمية مخاوفه قال الله له كلا لن يصيبك ضرر كما تظن، فاذهب أنت وأخوك بآياتنا إلى فرعون وأنا معكما أسمع وأجيب دعاء كما دائما؛ فابتهلا إلي كلما واجهتكما مشكلة، وسآتي لنصر تكما فوراً.فاذهبا الآن إلى من فرعون وقولا له إنا رسول رب العالمين، فأطلق سراح بني إسرائيل لنأخذهم معنا.يعترض البعض هنا ويقول: كيف قيل هنا : إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ مع أن المفروض أن يقال "إنا رسولا رب العالمين"؟ والجواب أن العرب تقول أحيانا: "هذان رسولي ووكيلي، وهؤلاء رسولي ووكيلي" (فتح البيان تحت قوله تعالى: فأتيا فرعون فقُولا.....كما ورد في مكان آخر فقُولا.....هذه السورة نفسها قول إبراهيم الله عن الأصنام: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمينَ) (الآية: (۷۸)، مع أن المفروض في الظاهر أن يقال "إنهم أعداء لي".وعليه فلا يمكن الاعتراض على قوله تعالى: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لا من حيث القواعد العربية ولا من حيث أساليب القرآن الكريم.أما حرف "أن" في قوله تعالى: أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيل، فقد تكون تفسيرية أو مصدرية.وأرى لزاما علي هنا أن أبين الاختلاف الموجود بين القرآن الكريم والتوراة حول هذا الموضوع.فقد ورد في التوراة أن الله تعالى قال لموسى ال: "تدخل أنت وشيوخ بني إسرائيل إلى ملك مصر وتقولون له : الربُّ إله العبرانيين التقانا، فالآن نمضي سَفَرَ ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا" (الخروج ۳: ۱۸).وكأن الله
- ۱۲۰ سورة الشعراء الجزء السابع تعالى- والعياذ به علم موسى وهارون الغش والخداع، حيث قال لهما إن فرعون لن يسمح لبني إسرائيل بالفرار من مصر لو أخبراه بذلك صراحة، فعليهما بخداعه فليقولا له إنا نريد تقديم القرابين لربّنا فليسمَحْ لبني إسرائيل بالخروج من مصر، فإذا سمح فرّوا من بلاده.ولكن القرآن الكريم يعلن أن هذا كذب إذ لم يأمر الله موسى وهارون باللجوء إلى الغش والخداع أبدا، بل أمرهما بأن يقولا لفرعون صراحة أن يرسل معهما بني إسرائيل إذ قد تجاوز في اضطهادهم الحدود كلها.وقوله تعالى: أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، يبين أيضًا أن إسرائيل، يبين أيضًا أن موسى ال كان العليا مرسلاً إلى قومه بني إسرائيل فقط، لكي يحرّرهم من قيود الرق والعبودية التي كانوا يرزحون تحتها منذ مئات السنين.أما محمد رسول الله ﷺ فقد فضله الله على موسى من هذه الناحية أيضا، إذ لم يبعثه إلى قوم واحد بل إلى الدنيا كلها.قال الله تعالى لرسوله : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةٌ للنَّاسِ بَشيراً ونذيراً (سبأ: ٢٩)..أي لا فرق عندنا بين عربي وعجمي وشرقي وغربي، فمن واجب كل إنسان، أيا كان وطنه أو لغته أن يلبي دعوتك ويعمل بوصاياك.لقد ولد النبي الله في بلاد كانت شبه منعزلة عن باقي العالم، وكانت متخلفة حضاريا وعلميا وسياسيا وفي هذه البلاد التي كانت أضعف بلدان العالم، كان محمد أضعف إنسان، ومع ذلك أخبره الله تعالى أنه قد بعثه رسولاً إلى العالم أجمع.ولو قمنا بتفسير هذه الجملة القرآنية بشكل سليم لكان معناها كالآتي: يا أيها النبي، قُلْ للناس: لقد أرسلتُ لهداية بلاد كندا التي لا تعرفونها، وبعثت لهداية الولايات المتحدة الأمريكية التي لم يتم عمرانها بعد، وجئت لهداية بلاد البرازيل وكوبا وبوليفيا وتشيلي وكولومبيا والمكسيك التي لم يعمرها أحد بل لا تزال مجهولة للناس، وستعمر في المستقبل؛ وقد أُرسلتُ إلى أهل بلاد اليابان والفيلبين التي لا تعرفونها، بل إنني مأمور بهداية البلاد التي لم تكتشف بعد.إذا، فإننا حين نتوسع في تفسير هذه الآية نصاب بالذهول، إذ لم يملك النبي ﷺ أية أسباب لتحقيق دعواه هذه فمتى كانت عنده الطائرات حتى يصل بها إلى
۱۲۱ سورة الشعراء الجزء السابع أمريكا وكندا والبرازيل وكولومبيا وبوليفيا؟ ومتى كانت عنده الوسائل لتبليغ دعوته إلى هؤلاء الأمم حتى بعد وفاته؟ ومتى كان بإمكانه أن يصل إلى البلاد التي لم تكن قد اكتشفت بعد؟ ثم إننا نرى في الدنيا أن الآباء إذا قالوا لأولادهم شيئا نسوه، وإذا تذكروه نسيه أحفادهم أو أبناء الأحفاد حتما، أما الرسول ﷺ فأي ضمان كان يملكه لتحقق دعواه هذه إذ كانت هذه البلاد مجهولة للناس في عصره، فقد اكتشفت أمريكا بعد وفاته بتسعة قرون ولو فرضنا جدلاً أن أمريكا كانت معروفة للعالم آنذاك، فما كانت بيده أي حيلة لتحقيق دعواه.فإن ما نراه في الدنيا أن الناس يضحون أحيانًا بأولادهم وإخوانهم وراحتهم ورخائهم من أجل أهدافهم المشروعة منها وغير المشروعة، ومع ذلك لا تحقق تضحياتهم أهدافهم إلا بنطاق محدود جدا، كما لا يقدمون أي ضمان لتحقيق هذه النتائج المحدودة أيضا.أما محمد رسول الله ﷺ فكما كانت دعواه غريبة جدا، كذلك كان جزاؤه أيضا مذهلاً جدا.فبرغم أنه لم تتيسر له الأسباب لتبليغ رسالته إلى بلاد العالم كلها، إلا أن الله وضع له القبول بين الأبيض والأسود والأحمر والأصفر، فأخذ دينه ينتشر في مختلف الشعوب والبلدان حتى وصل إلى أقصى أنحاء الأرض.فيوجد اليوم ملايين المسلمين في الصين، ويصل عددهم في إندونيسيا تسعين بالمئة، ويتراوح عددهم في القارة الهندية ما بين خمسة وعشرين إلى ثلاثين بالمئة من ويقطن ملايين المسلمين في أفغانستان وإيران وبورما والشام وفلسطين والحبشة وفي وسط إفريقيا وغربها وشرقها وشمالها وجنوبها، وفي مناطق كثيرة في أمريكا وآسيا السكان، وأوروبا.إذا فإن ما يميز نبينا عن غيره من الرسل أنه مرسل إلى العالم أجمع، أما موسى العليا فلم يُبعث إلا لهداية بني إسرائيل فقط.ولما كانت قبضة فرعون الحديدية هي السبب الأساسي لرق بني إسرائيل، فبعث الله موسى ال إلى فرعون وقومه وحذره أن آهات بني إسرائيل المضطهدين قد وصلت إلى عرش الرحمن، فليس أمامه خيار إلا أن يطلقهم من قبضته الحديدية
الجزء السابع ۱۲۲ سورة الشعراء ويحررهم من حياة العبودية، وإلا سينزل الملائكة بسيوفهم من السماء وسيعاقبونه عقابًا شديدًا.قَالَ أَلَمْ تُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَارِينَ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذَا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِيكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتٌ بَنِي إِسْرَاءِيلَ ۲۳ ۲۲ التفسير : لقد قال فرعون هذا الكلام لموسى العليا احتقارًا وسخرية، مثلما قال الكتبة والفريسيون للمسيح اللي حين رأوه يقوم بدعوته ويرفع اسم الله الأحد في الشوارع والأسواق، حيث ورد: "أليس هذا ابن النجار؟ أليست أُمه تدعى مريم، وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟ أوليست أخواته جميعهن عندنا؟ فمن أين لهذا هذه كلها ؟ فكانوا يعثرون "به" (متى ١٣: ٥٥- ٥٧).فكما أن الفريسيين استغربوا حين جاء يعظهم "ابن النجار" الذي كانت أخواته كذلك أصيب فرعون بالذهول حين جاءه موسى وهارون يبلغانه رسالة الله، فقال بكل كبرياء: كيف يجرؤ علينا هذا الذي كانت أُمه قد ألقته في البحر خوفا منا، فأنقذناه وربّيناه في بيوتنا؟ وكيف يتنكر لصنيعنا هذا الذي قد عاش على لفاظات موائدنا، فلا يكترث لقوتنا وعظمتنا بل يدعونا إلى الإذعان له؟ لقد قال فرعون هذا الكلام ناظراً إلى قوته ،ومنعته وإلى بداية موسى المتواضعة، أن البذرة حين تلقى في الأرض تكون ضئيلة الشأن جدا، ولكنها تنمو متزوجات بينهم، ولكنه نسي وتكبر وتصبح دوحة كبيرة تحيّر الناس، وأن من الأشياء ما يبدو عظيما في بدايته،
۱۲۳ الجزء السابع سورة الشعراء ولكنه يعود ضئيل القدر في نهاية المطاف حتى يقول الإنسان في نفسه كيف عظمت هذا الشيء الحقير؟ وعلى سبيل المثال، كان النبي ﷺ وأبو جهل متقاربين في السن، وقد ولد النبي في ظروف بسيطة جدًّا، حيث تُوفّي أبوه قبل ولادته، ولو كان حيًّا أيضًا عند ولادته لم يتغير الوضع كثيرًا إذ لم يكن من الأثرياء! ولم يكن جده عبد المطلب أيضًا من الأغنياء.لا شك أنه كان الحال، ولكنه كان میسور كريما جوادًا فلم يبق عنده من ثروته إلا قليل في آخر سني عمره.إذا فلم يكن النبي من من أسرة ثرية أولاً ، وقد ولد في حالة فقر ،ثانيًا، وكان أبوه قد توفي قبل ولادته ثالثًا، فما كانت أمه لتفرح كثيرًا عند مولده، إذ لم تملك مالاً، وأهل الدنيا ينظرون إلى ثراء المرء ويميلون إلى من عنده المال، فما كانوا ليُولُوا ولادته أهمية فيأتوا أُمَّه مهنئين بمولده، وربما لم يأت لتهنئتها إلا أقاربها الأقربون وعلى النقيض كان والد أبي جهل رجلاً ثريا، فيمكنك تقدير مدى فرحته واحتفاله بولادة أبي جهل – علمًا أن أبا جهل كان يسمى أبا الحكم، ولكنه لما أكد غباءه بمعاداة النبي ﷺ سماه المسلمون أبا جهل - فلا غرو أن كل أولئك الذين كانوا بحاجة إلى أبيه الثري أسرعوا إلى بيته يهنئونه بمولده مبالغين في كيل المدح له وقائلين: كم هي مباركة بلادنا التي قد وُلد فيها هذا الطفل الذي تدلّ أمارات وجهه على مستقبله المشرق! ولا ندري كم من جمال نُحرت، وكم من دفوف ضُربت، وكم من نساء غنّت احتفالاً بولادته.وربما كان القوم يمرون عندها ببيت والد النبي ، ويقولون في أنفسهم: ها قد ولد اليوم في بيت هذا الإنسان الفقير طفل سيعيش مغمورًا وسيموت مغموراً ، وإذا مروا ببيت والد أبي جهل قالوا ها قد ولد اليوم في بيت هذا السيد سيد آخر سيقوم في الدنيا بإنجازات عظيمة.باختصار، كانت بداية النبي ﷺ جد متواضعة في الظاهر، أما نهايته العظيمة فحدث بها ولا حرج؛ فإن الطفل الذي رفضته المراضع، ولم يعبأ أهل مكة بولادته، كان له عند وفاته شأن عظيم جدا، ليس في تاريخ العرب فقط، بل في تاريخ البشرية كلها، فكأنما أصبح مصداقا للنبوءة الإلهية الواردة في الصحف الأولى
١٢٤ سورة الشعراء الجزء السابع كالآتي: "الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية" (مرقس ١٢: ١٠ ولوقا ٢٠: (۱۷).فقد خضعت له القبائل العربية كلها التي لم تخضع لملك قبله قط.ثم إن الناس يهابون ملوك الدنيا خوفا من عظمتهم المادية، فيُثنون عليهم بلسانهم ويسبونهم في قلوبهم وتصاب البلاد بصدمة عند موت الملك بلا شك، ولكن الناس يقولون أيضًا : لا بأس، سيقوم مكانه ملك آخر ويفعل ما فعله هذا؛ فهناك مثل إنجليزي بهذا المعنى يقول : :The king never dies.(3000 Proverbs by Sam Phillips P.87)..أي أن الملك لا يموت أبدا، لأنه إذا مات ملك قام مكانه ملك آخر لا يكون بينهما فرق كبير، ويستمر الشعب - إذا كان شعباً يقظا – في الرقي والازدهار تحت حكم الملك الجديد أيضا.ولكن الأمر كان مختلفًا تماما فيما يخص النبي ، إذ كان العرب كلهم عند وفاته معترفين بمحاسنه وعظمته وأهميته، فلم يعتبروا موته موت إنسان واحد أو موت شعب واحد بل اعتبروه موت العالم كله.لقد رثاه حسان بن ثابت له بشعره الشهير : كنت السواد لناظري فَعَمِي عَلَيَّ النَّاظِرُ مَن شَاءَ بعدَك فَلْيَمُتْ فعليك كنتُ أُحاذِرُ (دیوان حسان بن ثابت ص ۳۰۸) أي كنت يا رسول الله حدقة عينى، فلم تمت أنت وإنما عميت عيني بموتك، فلیمت الآن من شاء فإنما كنت أخشى موتك فقط.هذه هي عاطفة الحب العميق التي كان الصحابة يكنونها تجاه النبي.والحق أن حسان بن ثابت له لم يقل هذا الكلام على غرار الشعراء الآخرين، بل كان العرب كلهم يرون أن حسان إنما أعرب عن عواطفهم في شعره، كما يدلّ عليه التاريخ.لقد جرى على لسانه صوت العرب كلهم، إذ يذكر التاريخ أن المسلمين في مكة والمدينة وغيرهما من المدن ظلوا يرددون لأسابيع في بيوتهم وفي أسواقهم وأثناء أعمالهم:
الجزء السابع كنت السواد لناظري مَن شَاءَ بعدَك فَلْيَمُتْ ۱۲۵ سورة الشعراء فَعَمِي عَلَيَّ النَّاظِرُ فعليك كنتُ أُحاذِرُ بيوتهم، خرجت أبحث الله أما أبو جهل الذي ذُبحت عند ولادته الجمال وقدّمت شواء لذيذا للناس، وظل صوت الدفوف يدوّي أرجاء مكة لأسابيع، فقد قتل في غزوة بدر شر قتلة، حيث أصيب بجراح بالغة على يد صبيين أنصاريين يبلغان من العمر خمس عشرة سنة فقط.يروي عبد الله بن مسعود ه ه أنه لما أخذ الناس يعودون من ساحة القتال إلى عن الجرحى – علمًا أن عبد بن مسعود ه كان من سكان مكة أصلا، فكان يعرف أبا جهل جيدا - وبينما أنا أمشي في ساحة القتال إذ أنا بأبي جهل يتأوّه من شدة الجراح.فلما جئته قال لي: لا أراني ناجيا من الموت، وقد اشتد بي الوجع وحيث إنك من أرض وطني مكة، فاعمل لي معروفًا، أن وهو ، تضع النهاية لحياتي لتنتهي آلامي.وإني كما تعلم من عادة الأسياد، ومن العرب أنهم يقطعون رؤوس الأسياد من أصل الأعناق كدليل على سيادتهم، فأتمنى أن تقطع رأسي من أصل العنق.يقول عبد الله بن مسعود: فقطعتُ عنقه قريبا من الذقن، کی لا تتحقق أمنيته الأخيرة أيضًا.(البخاري كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، والسيرة الحلبية : المجلد الثاني ص ۱۷۲) فلو نظرت إلى العواقب لوجدت أن أبا جهل مات ميتة مخزية مزرية، فكان يمشى في حياته رافعا عنقه من شدة كبريائه، فقُطعت عنقه عند ذقنه وقت الوفاة كي لا تتحقق أمنيته الأخيرة أيضا.وكان الكافرون يحفرون في طريق النبي الله حفراً، وكانوا يجرون المسلمين على أرض كثيرة الحصى والحجارة وكان النبي قد أنبأ أن هؤلاء الكافرين سيؤخذون بالنواصي ويُجرون، وبالفعل جرّ الصحابة بأمر النبي ﷺ جثث الكافرين نص ما ورد في السيرة الحلبية: "عن ابن مسعود قال: لما ضربته بسيفي لم يغن شيئًا، فبصق في وجهي وقال: خُذْ سيفي فاحتر به رأسي من عرشي ليكون أنهى للرقبة – والعرش عرق في أصل الرقبة – ففعلت." (المترجم)
١٢٦ سورة الشعراء الجزء السابع يوم بدر وألقوها في بئر عمياء.(سورة العلق: ١٦-١٧، والسيرة النبوية لابن هشام: الجزء الثاني، ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب) باختصار، لو نظرت إلى النبي وإلى أبي جهل من حيث الولادة والخاتمة، لوجدت أن الذي كان لا يؤبه له عند ولادته مات وهو سيد العرب، أما الذي كانوا يرونه سيد العرب عند ولادته فتبين لهم عند وفاته أنه أرذل القوم وأذلهم.فثبت أن من الأشياء ما يكون في بدايته على غير ما يكون عند نهايته.لا شك أن والدي المسيح الموعود الله فرحوا بمولده كثيرا، ولكنه لما كبر وزهد في الدنيا، كان أبوه يتحسر عليه حزنًا بأن ابنه لا يصلح لشيء.لقد حكى لي أحد السيخ :وقال كان أبي يأتي لزيارة الميرزا الكبير - يعني جدي ميرزا غلام مرتضى - وكان يصطحبني أنا وأخي أحيانًا.فقال له الميرزا الكبير مرة: إن ولديك هذين يزوران ابني غلام أحمد فقل لهما أن ينصحاه.فأمرنا أبونا بذلك.فلما هممنا بالانصراف إليه قال لنا الميرزا الكبير : قولا لغلام أحمد إن أباك حزين بسببك حيث يرى أنك ستعيش بعده على كسرات خبز أخيك الأكبر! فعليك أن تتوظف في وظيفة في حياته، لأن جميع مصادر دخله ستنقطع بموته، وإنه يحاول في هذه الأيام أن يجد لك وظيفة جيدة علما أن أباه الله كان يسعى في تلك الأيام أن يجد له وظيفة في ولاية كبور" تهلة، وبالفعل كانت هذه الولاية قد اتخذت القرار بتعيينه ال مديرا في مديرية التعليم فيها.وأضاف هذا السيخي: فذهبت أنا وأخي إلى میرزا غلام أحمد (ال)، وقلنا له: إن أباك قلق عليك جدا، ويقول: ماذا سيكون مصير غلام أحمد بعد وفاتي إذ ليس عنده أي عمل؛ فلم لا تستجيب لرغبة والدك.فأجاب: إن والدي قلق علي بدون داع، ويخاف علي بلا سبب، إذ قد توظفت سلفا عند من أردت العمل عنده فرجعنا وحكينا لأبيه الحديث الذي جرى بيننا.فقال أبوه : إذا كان هو يقول هكذا فلا بد أن يكون حقا، لأنه لا يكذب أبدًا.هكذا كانت بدايته ال.ولا شك أن الأمر لم يبلغ النهاية بعد، ولكن ما قد تم حتى وفاته الله هو أن آلاف الناس كانوا يفدونه بأرواحهم.لقد قال حضرته العليا في بيت شعر له:
الجزء السابع ۱۲۷ سورة الشعراء لفاظات الموائد كان أكلي وصرتُ اليومَ مطعام الأهالي (آئينه كمالات إسلام (أردو)، الخزائن الروحانية، المجلد الخامس ص ٥٩٦) أي لقد أتى علي زمان كنت أعيش فيه على كسرات الخبز المتبقية على موائد الناس، حقا، أما اليوم فتعيش مئات الأسر على مائدتي.لقد كانت بدايته ضئيلة ولكن عند وفاته كان يأكل في دار ضيافته يوميًا ما بين مائتين ومائتين وخمسين شخص، إضافة إلى الإخوة الذين كانوا يقومون بشتى الخدمات الدينية.الواقع أن حضرته اللي كان شريكا متساويا مع أخيه في إرث والده، ولكن من عادة أصحاب الأراضي أنهم لا يعدّون شريكا معهم في العقارات إلا من يعمل معهم، ومن لا يعمل معهم لا يعدّونه شريكا فيها وإن كان وارنا عند الشرع.ولا تزال هذه العادة موجودة عندهم حتى اليوم، حيث يقولون كيف يكون لأحد مع نصيب في العقار وهو لا يعمل معنا ؟ ولذلك فكلما جاء عند المسيح الموعود ال ضيف وأرسل إلى زوجة أخيه لتبعث للضيف طعامًا، قالت: كيف يأكل هذا عندنا أنه شخص عاطل لا يقوم بأي عمل! فكانت ترفض أن تبعث أي طعام للضيف، فكان حضرته يُقدم طعامه للضيف ثم يجوع بنفسه، أو يأكل حبات قليلة من الحمص.ومن غرائب قدر الله الله أن زوجة أخيه هذه التي كانت تعامله بازدراء، بايعت في الأخير على يدي أنا وانضمت إلى الأحمدية.فالحق أن بداية العمل الذي يكون من عند الله الله تكون ضئيلة جدا، ولكن نهايته تحير العالم، ولذلك نجد فرعون يعير موسى ال بضآلة شأنه في بداية أمره، ويقول له: كيف تجرؤ على وعظي؟ ألست ذلك الذي تربى في بيتنا؟ ولكن الواقع أن الأمور بخواتيمها لا ببدايتها.خذوا مثلا بذرة الشجرة التي تسمى "تين البنغال".لا شك أن الذي يستهين ببذرتها الصغيرة يُعَدّ غبيًّا، ولكن الأشد منه غباء من يرى بأم عينه شجرة "تين البنغال" وقد أصبحت دوحة كبيرة يستظل مئات الناس تحت ظلها المريح، ومع ذلك يرفض الجلوس تحت ظلها بحجة أن بذرتها كانت صغيرة حقيرة تذروها الرياح.
الجزء السابع الحبشة، مع ۱۲۸ سورة الشعراء العليا لقد أبدى فرعون أيضًا نفس الغباء حيث غير موسى الي بكونه قد تربى في بيته.ولكنه نسي أن من سنة الله القديمة أنه يكتب لأنبيائه الرقى والغلبة تحت ظــــل أعدائهم.فقد تربى المسيح الناصري اللي تحت حكم الرومان.وتربى النبي ﷺ في صغره عند بني ثقيف، وهم الذين أمدّوا أبرهة بدليل يهديه الطريق لما جـاء لهـــدم الكعبة (السيرة النبوية لابن هشام، المجلد الأول، أمر الفيل، وقصة النسأة، ثقيف تهادن أبرهــة، البداية والنهاية، للإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي، الجزء الثاني، فصل إقامة ست قبائل من سبأ في اليمن، سبب قصر أبرهة بالفيل مكة ليخرب الكعبة).ومع ذلك هيا الله الله الملاذ عندهم لهذا الإنسان العظيم الذي كان مصداقا لدعاء إبراهيم ال والغاية الحقيقية وراء بناء الكعبة.كما أتاح الله تعالى لصحابة النبي ﷺ الملاذ عند الدولـــة المسيحية في أن أبرهة كان أحد ولاة هذه الدولة.وقد اتخذ الله الله نفس التدبير في هذا الزمن أيضا حيث بعث المسيح الموعود ل تحت الحكومة الإنجليزية المسيحية، أن الله تعالى قد بعثه للقضاء على المسيحية.يعترض الجهال على بعثت تحت حكم الإنجليز، ولكنهم لا يرون أن الله الله قد ربّى موسى ال في كنف فرعون، وهيأ الملاذ الصحابة النبي عند مملكة مسيحية، و.و جعل النبي يتربى عند ثقيف الذين ساعدوا أبرهة في الهجوم على الكعبة.فإذا كانت تربيــة هـؤلاء كلهم تحت ظل أعدائهم لا يقدح في صدقهم، فكيف أصبح ازدهار المسيح الموعود اللي تحت حكم الإنجليز موضع اعتراض؟ كلا، بل إنه لمن آيات الله العظمى أنــــه يبعث أنبياءه تحت حكم أعدائهم، ثم يكتب لهم الغلبة والازدهار، وهكذا يبرهن للدنيا أن لا مانع لما أراد.خذوا مثلا ما حدث لموسى ال، فكان فرعون قد أمر بقتل كل وليد يولد عند بني إسرائيل، ومع ذلك جعله الله تعالى يربّي موسى في بيته..فكأن الذي كان المواليد يُقتلون من أجله قد تربى في حضنه موسى وترعرع، ثم تسبب في دماره أيضا.فإن والدة موسى الله قد قذفته في النهر وهو وليد صغير تعالى.لا شك أنها قد اتخذت تدابير كثيرة قبل إلقائه في النهر، مع موقنة بوعد الله ولكن من ذا الذي يجرؤ على إلقاء طفله الصغير في النهر وإن اتخذ أفضل مما اتخذته أم موسى من التدابير؟ ولكن أم موسى رضيت بموت ابنها امتثالا لأمر الله تعالى،
الجزء السابع ۱۲۹ سورة الشعراء فكتب الله له الحياة الأبدية.لقد أنقذ الطفل من الغرق أولاً، ثم أوصله إلى بيت فرعون، حيث أكل وشرب في بيته، وترعرع لاعبًا في حضنه، وفي الأخير استطاع أن ينقذ جميع بني إسرائيل من قبضته، بينما غرق فرعون مع جنوده في اليم.وبعد أن عير فرعون موسى ال بتربيته في أسرته، قال: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ منَ الْكَافِرينَ..أي أنك تعلم جيدا أنك قتلت شخصا من قومنا.وليس المراد من الكفر في قوله: وَأَنْتَ منَ الْكَافرين الكفر العادي، بل المراد أنك قد أصبحت ناكرًا للجميل حيث قتلت نفسا من قوم أحسنوا إليك.فأجابه موسى العليا ألا يتهمه بدون النظر إلى ملابسات الحادث كلها.لا شك أن القتل قد صدر منه، ولكن: فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا منَ الضَّالِّينَ)..أي قد تم القتل من أعدائه من يعتدي على فرد من قومه فرط حبه لقومه، حيث وجد شخصا المظلومين، فثارت حميته، فتصدى للظالم، فمات ولكن دون قصد منه.موسی إن ما يشير إليه فرعون هنا هو نفس الحادث الذي سبق ذكره حيث وجد موسى ال في إحدى الليالي مصريًا يقاتل أحدًا من قومه، فاستغاثه الذي من قومه، فرأى أنه إذا لم ينصر أخاه الإسرائيلي فسوف يُقتل، فتقدم ولكم المصري لكمة، فإما أن العليا تحمس وضربه ضربة شديدة، أو أنه كان ضعيف القلب؛ فمات في مكانه.وهذا ما عيّر به فرعون موسى وقال: لقد ربيناك عندنا كأولادنا، فتنكرت لصنيعنا وقتلت شخصا من قومنا.فقال له موسى العلي: لا تتهمني بدون النظر في كل الملابسات.صحيح أن الرجل مات بيدي، ولكن المهم أن ترى فيما إذا كنتُ قتلته عمدًا أم لا، وليس هل قتلته أم لا؟ فإذا كانت الملابسات تفرض علي نصر مظلوم من قومي، فلا تثبت إدانتي وإن ثبت قتل شخص بيدي.إنما تثبت جريمتي إذا كنت هاجمته قاصدا قتله، ولكني لم أرد قتله، فكيف أدان بجريمة القتل؟ كل ما في الأمر أنني نصرت فردًا من قومي المضطهدين، فمات بيدي شخص من القوم الحاكمين، فخفتُ أن لا يُنصفوا في قضيتي، فأتعرض للعقاب؛ ففررت منهم، ولكن ربي الذي كان مطلعا على أسراري براً ساحتي، وأنزل شريعته علي وبعثني رسولا.أما تربيتكم إياي التي تمن بها على يا ،فرعون فلا تساوي أمام جريمتكم
۱۳۰ سورة الشعراء الجزء السابع شيئا، حيث اتخذتم قومي بني إسرائيل عبيدا منذ زمن أبيك رعمسيس الثاني، وتسخر ونهم في أعمال شاقة بدون أجر، وتصبّون عليهم من الفظائع ما يندى له جبين الإنسانية.فما قيمة تربيتكم طفلاً بينكم إزاء تسخيركم شعبا كله ذكورًا وإناثًا وأطفالاً في أعمال شاقة وحشية؟ علما أن فرعون الذي قام بتربية موسى العلي اسمه رعمسيس الثاني (الخروج ١: ٨-١٧) أما فرعون الذي ذهب إليه موسى العليا بعد النبوة فهو ابنه منفتاح (الموسوعة اليهودية المجلد الثامن تحت كلمة Merneptah).لقد رأى الأخير موسى يتربى في القصر الملكي، وكان يعلم كيف قام أبوه بتربيته بكل حب ولطف، ولذلك عيّر موسى ال مشيرًا إلى ما كان يخصه به أبوه من حب وحنان: أَلَمْ تُرَبِّكَ فِينَا وليداً.وفي الجواب أخذ موسى ال يذكر له الفظائع التي ال يذكر له الفظائع التي كان يرتكبها أبوه ضد بني إسرائيل حيث أمر بقتل ذكورهم واستحياء إناثهم من المواليد.ولما خلف منفتاح أباه على العرش ظل يضيق الحياة على بني إسرائيل مثل أبيه، حتى إذا بلغ صراخهم المؤلم إلى السماء وهز عرش الرحمن بعث الله موسى لإنقاذ هؤلاء المضطهدين المستعبدين، وأمره أن يذهب إلى فرعون ويطالبه بإطلاق سراحهم.ولكن فرعون بدلاً من أن يرتدع عن ظلمهم ويفك أسرهم : أخذ قائلا: يعير موسى صحيح ألست الذي تربيت على خبزنا، وقد جئت اليوم تعظنا؟ فأجابه موسى العلية : ما تقول، ولكن هل يبرر هذا ما تصبّه على بني إسرائيل من الفظائع.هل تربيتكم إياي تخوّل لكم استعباد قومي وإكراه عباد الله الذين هم بشر مثلكم على حياة الذل والهوان؟ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَلَمِينَ (3) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ صلے ٢٤ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (3) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ ۲۵
الجزء السابع ۱۳۱ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (3) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَابِكُمُ الْأَوَّلِينَ إنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ : التفسير: عند سما سماع هذا الجواب من موسى سورة الشعراء ۲۷ قَالَ العليا حاول فرعون إخفاء ندامته، فغيّر مجرى الحديث وقال حسنًا، مَن هو رب العالمين الذي تقول إنه بعثك رسولاً؟ قال: إن رب العالمين هو رب السماوات والأرض وما بينهما، ويجب أن يكفيك موسی هذا الدليل إن كنت من الموقنين.فتوجه فرعون إلى من حوله وقال: هل تسمعون هراء هذا الشخص؟ قال العليا : إذا كنت لا تفهم من هو خالق السماوات والأرض فاعلم أن رب العالمين هو رب آبائك الأولين.فبهت فرعون من قوة هذا الدليل ولجأ إلى الشتم والسب وقال لأصحابه : لا شك أن هذا الذي قد أرسل إليكم لمجنون.وكان يعني أنني أنا ربكم - كما هو مذكور في سورة النازعات - أن هناك إها غيري هو رب العالمين.وحيث إنه مصر على فكيف يزعم موسى دعواه رغم أنني قد أخبرته بمعتقدي فيبدو أنه مصاب في عقله.الواقع أنه لم يأت إلى الدنيا نبي من عند الله تعالى إلا ورماه المعارضون بالجنون.ذلك لأن المجنون يبذل قصارى جهده فيما يريد القيام به غير مكترث للعواقب كذلك يفعل النبي أيضا حيث يهب لتبليغ رسالة الله تعالى باذلاً كل ما في وسعه، ومعرضا عن كل إغراء، وغير مكترث للعواقب، فيسميه الجاهلون مجنونا حيث يرونه يعمل بكل حماس وتفان في سبيل هدفه الذي يبدو خلافًا للعقل والمنطق في الظاهر، ولا يستطيعون رؤية يد الله التي تشدّ ظهره، فيسمونه مجنونا.لقد قال علماء النفس في معرض الحديث عن أنواع الجنون إن المجنون ينهمك في تحقيق هدفه غاضًا النظر عن الظروف المحيطة به، وغير مبال بأي شيء.أتذكر أن إحدى المعلمات أصيبت بالجنون في عهد الخليفة الأول لله، وكانت تتخلل مرضها فترات من الصحة أيضًا وذات مرة كان حضرته الله يلقى دروس القرآن الكريم للنساء، وكانت هذه المعلمة جالسة بينهن، فانتابتها نوبة من الجنون، فحاولت القفز
۱۳۲ سورة الشعراء الجزء السابع من النافذة، فرآها الخليفة الأول لله وقد أوشكت على السقوط، فقام مسرعًا وأمسكها.وقد وقع هذا الحادث بعد وفاة المسيح الموعود اللي ببضعة أشهر وقبل أن يصاب الخليفة الأول لله بجروح بالغة نتيجة سقوطه من ظهر فرس، وكان عندها لا يزال يتمتع بالقوة والحيوية حتى إنه كان يمد يده للحاضرين أحيانًا ويقول: فليتقدم من شاء وليحاول ثني يدي.ورغم كونه له قويا لهذه الدرجة لم يستطع حضرته منع هذه المجنونة النحيفة المتدلية في النافذة من السقوط، حيث كانت تنفلت من يده فدعا النساء ليساعدنه لأن المجنونة على وشك السقوط.فأتت خمس أو سبع منهن، فربطها بالحبال بمساعدتهن، وذلك برغم أن أي فتى عمره سبعة أو ثمانية عشر عامًا كان قادرًا على البطش بهذه المجنونة في حالة صحتها وليس سبب ذلك إلا لأن الإنسان السليم العقل يظن أنه لو بذل الجهد حد معين لأصابه ضرر، ولكن المجنون لا يمنعه عقله عن بذل كل ما في وسعه، ومن أجل ذلك نجده مشحونًا بقوة غير عادية حتى لا يقدر على البطش به إلا ثمانية أو عشرة أشخاص معًا.فبما أن المجانين يعملون أحيانًا بحماس غير عادي لا يصدقه العقل، فإن الناس حين يرون الأنبياء يرفعون صوتا مخالفا لتيار زمنهم، ثم إنهم يحاولون تحقيق هدفهم غير مكترثين للموت في هذا السبيل، فيعتبرونهم مجانين إذ يقولون لو كان هؤلاء عقلاء ما رفعوا الصوت ضد الرأي العام.لما بعث النبي دعا أهل مكة إلى عبادة الإله الواحد، فحيّر العرب الذين كانوا يعبدون اللات والعُزَّى ومَناةَ، فقالوا إنه لمجنون حيث جعل الآلهة الكثيرة إلها واحدا.فاعتبروا ما قاله النبي ﷺ ضربًا من الخبل والجنون ليس إلا.أكثر من ثم إن العرب كانوا يسمونه مجنونا أيضًا لأنه كان ينهاهم عن شرب الخمر، ولعب الميسر، وأكل أموال الناس بالباطل؛ فكانوا يقولون مستغربين: ما لهذا الرجل يمنعنا من الخمر التي هي لذة الحياة، وينهانا عن الميسر أو النهب مع أنه عمل نافع جدا، إن هو إلا هراء يتكلم به المجانين كما كانوا يقولون: ما لمحمد يدعونا إلى أن ننذر حياتنا لخدمة الإنسانية وننفق أموالنا في سبيل الله بوعد الثواب منه؟ إنه كلام لا يتكلم به إلا مجنون.
۱۳۳ سورة الشعراء الجزء السابع وكان شعيب الله ينهى قومه عن السطو على أموال الناس وعن إنفاق أموالهم في غير الحق، فكانوا يصابون بالذهول ويقولون له لقد أصابك مس من الجنون ولذلك تتكلم كما يتكلم المجانين.- وفي هذا العصر أيضًا نرى أن الناس قد رموا المسيح الموعود اللة بالجنون.فعندما قدم للناس مسألة وفاة المسيح الناصري أصابهم الذهول والدهشة، إذ اللي قالوا ما دام أكابر الأمة يقولون منذ ثلاثة عشر قرنًا إن المسيح الله حي في السماء، فكيف يقول هذا بوفاته؟ وما أدلّ على على ذلك من الحادث التالي: كان في البنجاب طبيب شهير جدا حتى إن طبيبًا عظيمًا كمثل الخليفة الأول ه أيضا كان معترفًا بمكانته الطبية، وكان من مدينة "بهيرة"، وكان اسمه "الله دين" فذهب إليه المولوي فضل دين البهيروي الذي كان من الأحمديين المخلصين وكان صديقا حميما للخليفة الأول الله - فحاول تبليغه دعوة الأحمدية.فقال له: ماذا ستخبرني عن الأحمدية؟ وماذا تعرف عنها؟ وماذا ستعلّمني عنها؟ لا يوجد عندك عُشر ما أكنّه لحضرة الميرزا من الحب والاحترام.فسُرّ المولوي فضل دين من قوله وظن أنه يؤمن بحضرته العليا في قلبه، فقال له : إنه لمن دواعي سروري أنك تحب مؤسس جماعتنا، وأود أن أسمع منك المزيد.فقال له الطبيب: إن الشباب الأغرار في هذا العصر لا يعرفون حقيقة الأمر ومع ذلك يتحمسون لدعوة الآخرين بدون داع.فكيف تجاسرت على شرح مسألة وفاة المسيح لي وأنت لا تعرف الحكمة التي دفعت حضرة الميرزا إلى تقديم نظرية وفاة المسيح ال.فقال له المولوي فضل دين: هلا أخبرتني بتلك الحكمة؟ قال: اسمع.الواقع أن حضرة الميرزا قد قام بتأليف براهين أحمدية"، والحق أنه لم يؤلف أحد من المسلمين منذ ثلاثة عشر قرنًا كتابًا مثله.لقد ملأه بعلوم ومعارف لا يوجد لها مثيل في كتاب أي مسلم، فكان "براهين أحمدية" سدا منيعا قام بحماية الإسلام ضد هجمات أتباع أي حضرة مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية العل.(المترجم)
١٣٤ سورة الشعراء أدلته الجزء السابع الأديان الأخرى.ولكن قد بلغ الحمق والغباء بالمشايخ درجة أنهم عوضا عن أن يشكروه ويأتوه متأدبين كالتلاميذ ويقولوا له : سنستعمل ضد أعداء الإسلام نفس الأدلة والبراهين التي ذكرتها في كتابك فإنهم استكبروا فرحين بما عندهم من العلم، وأفتوا بكفر هذا الإنسان الذي قد أسدى للإسلام وأمام أعينهم، هذه الخدمة العظيمة التي لم يُسدها إليه مسلم بعد النبي ﷺ خلال ثلاثة عشر قرنًا مضت.فكان من الطبيعي أن يغضب حضرة الميرزا، فقال لهم: إذا كنتم فرحين بما عندكم من العلم فتعالوا لمبارزتي.وقال لهم: لا شك أن عقيدة حياة المسيح ال ثابتة من القرآن الكريم بحيث إنه لمن شبه المستحيل إثبات وفاته منه، ذلك فإني أُثبت ومع لكم وفاته من القرآن، فادحضوا موقفي إن كنتم صادقين.فالواقع أنه لم يقدم نظرية وفاة المسيح الظل إلا ليبكت المشايخ ويفضحهم، ثم راح يقدم الأدلة من القرآن الكريم على وفاة المسيح.والآن لن يستطيع مشايخ الهند كلها دحض مهما حاولوا لذلك وإن انكسرت أقلامهم وجُرحت ألسنتهم.لقد هزمهم هزيمة نكراء لن يقدروا بعدها على رفع رؤوسهم ثانية وليس أمامهم الآن سبيل لحل هذه المعضلة إلا أن يذهبوا إليه كلهم على شكل وفد ويعتذروا إليه ويقولوا: إنهم قد أساءوا الأدب تجاهه بإصدار فتوى ،كفره، فليعف عنهم.وسوف يرون أن حضرة الميرزا سيثبت لهم حياة المسيح الا من القرآن الكريم نفسه! هنا يمكنك أن تدرك مدى يقين المسلمين بصحة عقيدة حياة المسيح العلة.أن هذا الرجل كان واثقًا من حسن نوايا حضرة مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية ال ومعترفًا بكونه أكبر خادم للإسلام منذ ثلاثة عشر قرنًا، إلا أن عقله لم يرض بوفاة المسيح اللي كما أثبت مؤسس الأحمدية، بل ظن أن حياة المسيح العليل حقيقة ثابتة من القرآن الكريم، وأن حضرته إنما قدم هذه النظرية تبكيتًا للمشايخ فحسب.وإذا كان هذا هو أسلوب التفكير عند رجل كان واثقا بسلامة نوايا حضرته الله ومعترفًا بكونه أكبر خادم للإسلام، فما بالك بقوم كانوا ومن فرغم يعتبرونه عدوا للإسلام؟ فكان طبيعيًا أن يعتبروه مجنونًا.
۱۳۵ سورة الشعراء الجزء السابع وكذلك لما عرض المسيح الموعود ال على المسلمين نظريته عن الجهاد، معلنا أن الجهاد قد تغيّر شكله الآن، حيث يقتضي هذا العصر أن ننشر الإسلام بالدعوة والتبليغ وإشاعة الكتب أخذتهم حيرة وقالوا كيف يمكن أن يتغلب الإسلام على العالم بهذا الطريق؟ كانوا يرون أن السبيل الوحيد لازدهار الإسلام هو قتل غير المسلمين، فلما سمعوا حضرته الا يقول إن غلبة الإسلام لن تتم بقتل غير المسلمين بل بالتضحية بالنفس والنفيس في سبيل الإسلام قالوا إنه مجنون حيث يقدم هذه النظرية المنافية للعقل.أدلة ۲۹ وهذا السلاح نفسه قد استعمله فرعون أيضًا، فلما رأى أنه قد عجز عن دحض موسی العليا قال إنه مجنون يهذي.قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَبِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهَا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (3) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (3) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّدِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا ۳۲ هِيَ تُعْبَانٌ مُّبِينٌ (= وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ٣٤ شرح الكلمات ثعبان: الثعبان: ضرب من الحيات طوال.(الأقرب) التفسير: لما رمى فرعون موسى العليا بالجنون أدرك موسی أنه يحاول تغيير الأساس وإرباكه في النقاش، ويريده أن يترك الحديث عن رب العالمين الموضوع
المصريين، التي هي أكبر أن ١٣٦ سورة الشعراء الجزء السابع ويرد على ما وجهه إليه من تهمة شخصية فيقول له: كيف تسميني مجنونا ولا يوجد عندي شيء من أعراض الجنون.فرأى موسى أن من الأفضل أن يستمر في نقاش الموضوع الأصلي ولا يرد على سب فرعون ،إياه فقال: إن رب العالمين هو ذلك الإله الذي هو رب المشرق والمغرب وما بينهما..بمعنى تزعم يا فرعون أنك رب مع مصر لا تساوي شيئًا أمام باقي العالم، إذ توجد فيه مئات البلدان من مصر بكثير.ولو سلمنا جدلاً أنك يا فرعون تقوم برعاية أهل مصر، فمن ذا الذي يرعى أهل المشرق والمغرب وما بينهما؟ إن الذي يرعى العالمين كلها هو رب العالمين ولا يمكن أن تكون رب العالمين حيث إنك تدعي بنفسك أنك رب المصريين.فاستشاط فرعون غضبا فقال لموسى ال عليك أن تؤمن بأنني أنا الإله وإلا فلسوف أزجّك في غياهب السجن لتعلم جزاء وقاحتك.ومن غرائب القدر أن الذي أراد أن يلقى موسى في سجن القضبان الحديدية ألقاه الله تعالى في سجن الأمواج المتلاطمة في البحر الأحمر، فلم يستطع الخروج منه رغم جنوده وأنصاره.وعندما هدد فرعون موسى بالسجن قال: أتسجنني ولو أتيتك بدليل واضح على صدق ما أقول؟ فعلم فرعون أن أمامه فرصة سانحة للتخلص من النقاش الأساس ولو مؤقتًا، فقال: فأت به إن كنت من الصادقين فألقى موسى ال عصاه على الأرض، فرآها الناس ثعبانا بشكل واضح.ثم نزع موسى يده من جنبه، فبدت مضيئة لامعة للناظرين.وليكن معلوما هنا أن تحول عصا موسى ال إلى ثعبان مبين ورؤية الناس يده مضيئة نيّرة إنما هو من قبيل الكشوف التي أشرك الله فيها فرعون وأصحابه أيضًا.وهذا من الحقائق الثابتة المسلم بها، وتوجد نظائرها بكثرة في تاريخ الأنبياء والأولياء حيث يوسع الله تعالى نطاق مشاهد الكشوف أحيانًا فيراها غيرهم أيضًا.ومثاله معجزة انشقاق القمر في عهد النبي إذ كانت مشهدًا من الكشف الذي وسعه الله تعالى حتى رآه قوم من أهل مكة (البخاري: كتاب التفسير، باب قوله تعالى وانشق القمر).وليس هذا فحسب، بل قد شاهده ملك من ملوك الهند أيضًا فأسلم، كما
الجزء السابع ۱۳۷ سورة الشعراء ورد في التاريخ (تاريخ فرشته (أردو) مجلد ٢ مقالة ١١ ص ٤٩١).ولكن المفسرين لم يفهموا هذه الحقيقة، فظنوا أن القمر قد انشق وصار قطعتين حقيقة.مع أن الواقع أن القمر ظل على حاله، ولكنه أري وكأنه قد انشق، تماما كما أن عصا موسى ظلت عصا ولكنها أُريت لفرعون وملئه كأنها ثعبان مبين.وحيث إن كل حلم وكشف يتطلب تعبيرا فكان تعبير هذا الكشف أن الانقلاب العظيم الذي سيتم على يد محمد الله ، وشيك، وأن سلطة الكافرين على الجزيرة العربية قد حان زوالها.وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى نفسه بقوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (القمر : (٢)..أي قد حان دمار العرب ودليله أن القمر قد انشق.ففي هذه الآية دلالة واضحة على أن هناك صلة وثيقة بين اقتراب الساعة وانشقاق القمر، ولكنا لا نجد أية علاقة ظاهرة بين اقتراب الساعة وانشقاق القمر.إذ لو كانت بينهما علاقة ظاهرة فكان من المفروض أن تقوم القيامة عندها، ولكنها لم تقم حتى اليوم رغم مرور ثلاثة عشر قرنًا على حادث انشقاق القمر، في حين نجد الله تعالى يقول لقد اقتربت الساعة ودليله أن القمر قد انشق.فثبت أن المعنى الذي يفسر به انشقاق القمر عادةً معنى خاطئ، كما أن المعنى الذي يفسر به لفظ "الساعة" أيضًا خاطئ.الحق أن الساعة تُطلق في القرآن الكريم على زمن بعثة الأنبياء وغلبتهم و ازدهارهم وعلى هلاك معارضيهم ودمارهم وعليه فإن هذه الآية تعني حان الآن أن تحل تلك الساعة المقدرة ببعثة النبي الله والانقلاب المنوط به، وعلامته أن قد انشق القمر.وقد ذكر الله تعالى هذه العلامة لأن القمر كان رمزًا لحكم العرب حيث تروي الله عنها التي كانت بنتا لأحد رؤساء اليهود والتي صارت فيما بعد من أزواج النبي ﷺ - أنها رأت في المنام مرة أن القمر قد سقط في حجرها.فحكت رؤياها لأبيها، فلطمها لطمة شديدة وقال: تريدين الزواج بملك العرب؟ صفية – رضي (الإصابة: كتاب النساء، حرف الصاد أنه قد ورد في المصدر المشار إليه أعلاه أنها حكت رؤياها لزوجها وفي مكان آخر لأمها.(المترجم)
الجزء السابع ۱۳۸ سورة الشعراء لقد ثبت بذلك أن العرب كانوا يعنون بالقمر سلطانهم.فكان المراد من رؤية النبي ﷺ انشقاق القمر قطعتين في الكشف اقتراب هـــلاك العرب ،الكافرين، ذلك لأن النبي الا الله وأصحابه كانوا هدفا للاضطهاد منذ فترة ﷺ طويلة، فبشرهم الله الله بإراءة انشقاق القمر أن غلبة الإسلام موشكة.وهذا المشهد لم يره النبي فقط ، بل قد رآه الكافرون أيضا ليعلموا أن اندحار الكفر قريب، وأن محمدا رسول الله حقا.وقد اعترف المسيح الموعود الل أيضا باتساع نطاق الرؤى والكشوف علـ هذا النحو وذلك خلال بحث مستفيض عن هذه المعجزة في كتابه "س آریا" حيث قال ما تعريبه: من الممكن أيضا أن يكون الراءون قد أعطوا عيونا كشفية نتيجة تأثير القوة القدسية للنبي ، حيث أراهم الله تعالى بهذا الحادث كيفية الانشقاق الذي سيحصل عند قرب القيامة.وإنه من الحقائق الثابتة أن قوى المقربين الكشفية تؤثر أحيانًا في الآخرين أيضا عند شدّتها وحدتها، وهناك نظائر كثيرة لذلك في وقائع أرباب المكاشفات، حيث أرَى بعض الأكابر نفسه في بلدين مختلفين ومكانين متغايرين في آن واحد بإذن الله " سرمه چشم آریا (اردو)، الخزائن الروحانية المجلد الثاني ص ۲۷۷-۲۷۸) ويقول الله أيضا ما تعريبه "تنكشف على أصحاب المكاشفات أمور يعجز العقل تماما عن إدراك كنهها.فيرى صاحب الكشف في بعض الأحيان شيئا رؤية واضحة وهو على بعد مئات الأميال وبينهما شتى الحجب، بل أحيانًا يسمع صوته أيضا في حالة اليقظة بإذن الله تعالى.والأعجب من ذلك أن الشخص الآخر الذي يراه صاحب الكشف أيضا يسمع صوته في بعض المرات.يلقى صاحب الكشف أحيانا أرواح السابقين في حالة كشفه الذي يماثل حالة اليقظة إلى حد كبير.وعلى العموم يمكن اللقاء بالأرواح السعيدة أو الأرواح الشقية أيضًا فيما يُسمّى "كشف القبور"، وإن صاحب هذا المقال لذو خبرة في هذا المجال.وهذه الظاهرة تقضي على عقيدة
الجزء السابع ۱۳۹ سورة الشعراء التناسخ الهندوسية قضاء مبرمًا.والأعجب من كل هذا أن صاحب الكشف يظهر مع أنه أحيانًا لشخص آخر من خلال تركيزه عليه بإذن الله الله في حالة اليقظة، يكون بينهما مسافة مئات الأميال بدون أن يتحرك جسد صاحب الكشف من مكانه.ووجود شيء في مكانين في وقت واحد محال عند العقل، ولكن هذا المستحيل ممكن الوقوع في هذا العالم الآخر." (المرجع السابق ص ۱۷۸) وقد وقعت للرسول الله أيضا كشوف اشترك معه فيها الآخرون.فمثلا ورد في الحديث أنه بينما النبي الله في مجلس مع أصحابه جاءه شخص غريب ليست عليه آثار السفر، فجلس بمحاذاته ملصقا ركبتيه بركبتيه وسأله: ما الإيمان؟ وما الإسلام؟ وما الإحسان؟ وما هي أمارات القيامة؟ فأجابه النبي على كل سؤال، فذهب.فقال النبي ﷺ لأصحابه : "ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم".(الترمذي أبواب الإيمان، باب ما جاء في وصف جبريل للنبي الإيمان والإسلام).فهذا الحادث أيضا كان من قبيل هذه الكشوف حيث تم توسيع نطاقه حتى رأى الصحابة أيضا جبريل يتحدث مع النبي.كذلك لما أنزل الله تعالى ملائكته لنصرة المسلمين في غزوة بدر، رآها الصحابة في حالة الكشف، كما رآها الكفار أيضا، حتى تحدثوا عنها في مجالسهم متحيرين (تفسير ابن جرير، تفسير آية ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلائِكَة مُنْزَلينَ (آل عمران: ۱۲٥)، السيرة النبوية لابن هشام، المجلد الثالث، ذكر رؤيا عاتكة بنت عبدالمطلب، الملائكة تشهد وقعة بدر) وكذلك رُوي أن النبي ﷺ عندما كان عند مرضعته حليمة جاءها أحد أولادها يجري وقال: إن أناسًا قد هجموا على أخي محمد (ﷺ).فخرجت مسرعة، فوجدت النبي الله جالسا.فسألته عما حدث ؟ فقال : جاءني قبل قليل ثلاثة نفر، فشقوا صدري وغسلوا قلبي وأعادوه في مكانه وذهبوا.(السيرة النبوية لابن هشام: ولادة رسول الله ﷺ ورضاعته)
١٤٠ الجزء السابع سورة الشعراء وهذا الحادث أيضا كشف رآه النبي ﷺ واشترك فيه معه أحد أولاد حليمة حيث إن الملائكة ليست بحاجة إلى أن يشقوا قلب أحد شقا ظاهرا من أجل تطهيره.كذلك تقول ميمونة – رضي الله عنها: كان الرسول نائما عندي في إحدى الليالي في المدينة فاستيقظ لصلاة التهجد وبينما هو يتوضأ سمعته يقول: لبيك لبيك لبيك، نُصرت نُصرت نُصرت فقلت: يا رسول الله! هل جاءك أحد كنت تتحدث معه؟ قال : نعم، لقد لقيني الآن في حالة الكشف وفد من بني خُزاعة، ورأيتهم يسرعون إلي صارخين بأصوات عالية ويقولون: ننشدك الله، يا محمد، بما عاهدتنا عليه أنت وآباؤك.إننا ما زلنا ننصرك، ولكن قريشا قد نقضت عهدها، فبيتونا بين ساجد وراكع، وقتلوا منا عديدًا، وقد جئناك الآن مستنجدين.وعندما رأيت وفدهم قلت لهم لبيك لبيك لبيك، نُصرت نصرت نصرت.(السيرة الحلبية: المجلد الثالث، فتح مكة شرفها الله) وهنا أيضا تجد النبي يرى كشفا ويقول في حالة الكشف: لبيك لبيك لبيك، نصرت نُصرت نُصرت ثلاث مرات، حتى سمعت ميمونة - رضي الله عنها - صوته وهذا يؤكد أن الآخرين أيضا يشتركون أحيانا مع صاحب الكشف..فهنا تجد أن ميمونة - رضي الله عنها - لم تر وفد الخزاعيين، ولكنها سمعت ما قال لهم النبي ﷺ في حالة الكشف، وبعد أيام وقع كما رآه النبي ﷺ في الكشف.وهذه الأحداث والآيات لم تقع في حياة النبي ﷺ فحسب، بل ما زال الله يُريها بعده أيضا.فذات مرة كان عمر يلقي خطبة الجمعة، فقال أثناء الخطبة بصوت عال يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، يا سارية الجبل.فأخذت الناس حيرة وقالوا: ماذا قال عمر في أثناء خطبته؟ حتى قال بعض المنافقين إنه قد أصيب بالجنون حيث قال في أثناء الخطبة ما لا علاقة له بها.فذهب عبد الرحمن بن عوف إلى عمر - رضي الله عنهما - وقال له: إن الناس يتكلمون فيما بينهم عما وقع اليوم ويقولون كيف قال عمر في خطبته: يا سارية الجبل! فقال عمر الله بينما أنا ألقي الخطبة أخذتني حالة من الكشف، وتراءت لي
١٤١ الجزء السابع سورة الشعراء أرض العراق، فرأيتُ القائد المسلم سارية وأصحابه يقاتلون العدو، ورأيت أن العدو على وشك أن ينتصر عليهم، وكنت أرى ساحة القتال فصحت يا سارية، احترز إلى الجبل لتنجو من هجوم العدو.وبعد بضعة أيام وصلت إلى عمر له رسالة من سارية يقول فيها: تشابكنا مع العدو في فجر يوم الجمعة، واستمر القتال إلى أن حانت صلاة الجمعة، فتناهى إلى آذاننا فجأة صوتك يقول: يا سارية الجبل! فتركنا ساحة القتال فورًا والتجأنا إلى الجبل، فكتب الله لنا الفتح وهزم العدو.(تاريخ الخميس مجلد :٢ كرامة عمر الله صفحة ٢٤٣) فترى هنا أن الجيش الإسلامي كان في العراق وكان عمره في المدينة وكان بينهما مسافة مئات الأميال، ولكن لما استولت عليه حالة من الكشف، لم يسمع صوته من حضر خطبة الجمعة فحسب، بل سمعه سارية وجنوده المحاربون في أرض العراق على بعد مئات الأميال، ثم عملوا بأوامر عمر ، فنجا جيش المسلمين من الهلاك المؤكد وانهزم العدو.إن هذا المثال أيضا يؤكد بكل وضوح أن نطاق الكشوف يتسع أحيانا بحيث يشترك فيه الآخرون رغم أن مسافة مئات الأميال تفصلهم.كما ورد عن أولياء الله الذين خلوا في أمة المصطفى أن بعضا منهم الله تعالى بابتهال كل ليلة أثناء صلاة التهجد، وبينما هو يدعو الله تعالى ذات يدعو كان ليلة، جاء أحد مريديه وجلس بجانبه.فتلقى الولي بعد الدعاء إلهاما سمعه المريد أيضا، ولكنه ظل صامتا احترامًا لشيخه.وفي اليوم التالي استيقظ الولي لصلاة التهجد وبدأ الدعاء والابتهال فتلقى نفس الإلهام الذي نزل عليه أمس وسمعه المريد أيضا، ولكن المريد لم يتكلم احتراما للولي.وفي اليوم الثالث قام الرجل الصالح لصلاة التهجد والدعاء، ولما فرغ من صلاته تلقى نفس الإلهام وسمعه المريد أيضا، فقال له سيدي أراك منذ ثلاث ليال متتالية تتلقى كل مرة إلهاما يقول: لن نستجيب لدعائك، ولكنك مستمر في الدعاء رغم ذلك؟ عليك أن تترك الدعاء بعد هذا الجواب، لأن الله تعالى ما دام لا يريد أن يستجيب لدعائك فما الفائدة الإلحاح عليه ؟ فقال الرجل الصالح : لقد تضايقت من سماع هذا الإلهام ثلاث مرات من
١٤٢ سورة الشعراء الجزء السابع فقط، وأنا لم أقنط من رحمة الله مع أنني أسمع هذا الصوت منذ ثلاثين عاما، لأن على العبد أن يستمر في الطلب والدعاء، فإن المؤمن لا ييأس من روح الله تعالى.وقد ورد في الكتب أن الله الله أوحى إلى الولي في اليوم التالي وقال: لقد استجبنا لكل دعاء قمت به خلال ثلاثين سنة الماضية.فدعا الرجل مريده وقال له: انظُرْ، لو قبلتُ رأيك وتركتُ الدعاء لأصبحتُ محروما من كل هذه الأفضال الإلهية العظيمة، وذلك بعد أن اقتربت من باب النجاح.فترى هنا أيضًا أن الله الله قد و وسع نطاق الإلهام الذي أنزله إلى الولي حتى سمع المريد أيضا صوت الإلهام، ولثلاثة أيام متتالية.ورأينا ذلك في هذا العصر أيضا.فإن الله له لما أرى المسيح الموعود ال كشف القطرات الحمراء فإنها لم تقع على قميصه فحسب بل وقعت قطرة منها على طربوش أحد أصحابه ميان عبد الله السنوري، وهكذا أشركه الله هو أيضًا في هذه الآية چشمه معرفت (اردو) الخزائن الروحانية المجلد ٢٣ ص ٤٣٢-٤٣٣) وذات مرة أخبرني ملاك في زمن المسيح الموعود أنه ال قد تلقى هذه الليلة الإلهام التالي: "إني مع الأفواج آتيك بغتة.وفي الصباح كتب حضرته الكلية إلهاماته على ورقة ليبعثها لكي تُنشر في الجريدة، وبالصدفة نسي أن يسجل فيها هذا الإلهام، فقلت له : لقد أخبرني الملاك البارحة أنك تلقيت إلهاما يقول: "إني مع الأفواج آتيك بغتة" ولكنه غير موجود بين هذه الإلهامات التي كتبتها على الورقة! فقال: أنت على حق، لقد تلقيت هذا الإلهام ولكني نسيت تسجيله هنا.ثم رجع العليا إلى الداخل وأتى بالدفتر الذي كان يسجل فيه إلهاماته وقال: انظر، هذا الإلهام مسجّل هنا، ثم نشره في الجريدة مع الإلهامات الأخرى.فترى هنا أن إلهاما ينزل على المسيح الموعود ال من جهة، ومن جهة أخرى يخبرني الله تعالى أيضا أن هذه الكلمات قد نزلت على المسيح الموعود اللي في وحيه، وفي الصباح نعلم أن هذا الخبر صحيح.
١٤٣ الجزء السابع سورة الشعراء باختصار، إن رفقاء المرء أيضا يشتركون أحيانا في ما يراه من رؤى وكشوف.وهذا أمر قطعي يقيني، حتى كتب المسيح الموعود الا وهو يدعو الملكة فيكتوريا إلى الإسلام ما تعريبه لو مكث طالب حق في صحبتي بصحة النية فترة من الزمن وأراد أن يرى المسيح (الناصري) ال رؤية كشف، فسيراه ويكلّمه أيضًا ببركة عنايتي ودعائي، ويمكنه أن يطلب منه الشهادة عن أحواله.فإني أنا ذلك الشخص الذي قد سكنت روح يسوع المسيح في روحي على سبيل التمثل والبروز.(تحفة قيصرية (أردو)، الخزائن الروحانية المجلد ١٢ ص ٢٧٣) والحق أن ظهور عصا موسى العلي على شكل ثعبان كبير كان من قبيل هذه الكشوف، وقد اتسع نطاق هذا الكشف حتى رآه فرعون وأصحابه فخافوا وارتجفت قلوبهم.وهذا الحادث يماثل تماما ما وقع لأبي جهل مرة كما ورد في الحديث؛ وذلك أنه كان لأحد الفقراء دين على أبي جهل، ولكنه كان يماطله.فجاء النبي الله وقال له : إن أبا جهل مدين لي، ولكنه لا يدفع مالي رغم أنني طالبته به مرارا، فساعدني في استرداد مالي منه.وكان النبي ﷺ قد اشترك قبل بعثته في حلف قد أقسم جميع الأطراف فيه على نصرة المظلوم واسترداد الحق لصاحبه، فقام النبي معه مسرع الخطى إلى بيت أبي جهل، وذلك برغم أنه كان في تلك الأيام يواجه معارضة شديدة من قبل أهل مكة وكان في خروجه في شوارعها وحيدا خطر على حياته.ولكنه خرج مع الرجل غير مكترث بالعواقب، وطرق على أبي جهل بابه فلما خرج قال له النبي ا ل لا له : هل أنت مدين لهذا؟ قال: نعم.أن لا يُسيء أحد فهم هذه العبارة فيظن أن حضرته اللي كان يؤمن بعقيدة الحلول والتناسخ كما يعتقد البعض وخاصة الهندوس كلا بل إنه العلم قد دحض هذه العقيدة صراحة في أماكن عديدة.ولأجل ذلك قد زاد هنا أيضًا كلمتي "التمثل والبروز"، كما قال في كتابه "التبليغ" بعد تسجيل رؤيا له ما نصه: "ولا نعني بهذه الواقعة كما يُعنى في كتب أصحاب وحدة الوجود، وما نعني بذلك ما هو مذهب الحلوليين." (التبليغ ص ۱۲۸) (المترجم)
١٤٤ سورة الشعراء الجزء السابع قال : فادفع إليه ماله فدخل أبو جهل بيته صامتًا وردّ المال لصاحبه.ولما سمع أهل مكة بالخبر أخذوا يلومون أبا جهل ويقولون تنهانا عن طاعة محمد، وتخافه لدرجة أنك تدخل أمامه البيت صامتا وتأتي بالمال وتسلّمه لصاحبه.فأجابهم أبو جهل: إنكم لا تدرون ما حدث معي.فإني لما فتحت الباب ورأيت محمدا وجدت على يمينه وشماله جملين هائجين، فأيقنت أنهما سيفترسانني إذا رفضت طلبه، فلم أر من سداد الدين.(السيرة النبوية لابن هشام المجلد الثاني أمرُ الإراشي الذي باع أبا جهل بدا إبله) وهذا المشهد الذي رآه أبو جهل كان أيضا من قبيل الكشوف، إذ لم يكن على يمين النبي ﷺ ولا شماله أي جمل هائج في الظاهر.وكان هناك هندوسي من مدينة لاهور وكان يعمل محاسبا، فجاء مرة إلى قاديان في مناسبة عرس، وكان خبيرا في علم التنويم المغناطيسي، وكان بنيته أن يمارسه على المسيح الموعود الله في مجلسه فيرقص ويُفتضح بين الناس.وقد ذكر هذا الهندوسي بنفسه هذا الحادث لأحد الأحمديين اسمه "ميان عبد العزيز مغل" وذلك حين أعطاه المسيح الموعود اللي كتابا من كتبه ليوصله إلى ذلك الهندوسي.فذهب ميان عبد العزيز إليه بالكتاب وقال له: لماذا بعث إليك حضرة الميرزا هذا الكتاب، وما هي نوعية العلاقة بينك وبينه؟ فحكى له قصته مع المسيح الموعود الع وقال: إني أملك مهارة عالية في التنويم المغناطيسي بحيث لو ركزت على شخص راكب في عربة حصان لنزل منها وأخذ يجري وراءها، وإن لم يكن بيني وبينه أي معرفة سابقة.ثم قال: كنتُ سمعت من الآريين الهندوس الكثير ضد حضرة الميرزا، فقررت أن أمارس عليه التنويم المغناطيسي لأفضحه أمام مريديه.فجئت قاديان في حفلة عرس وقصدت مجلسه، فوجدته يلقي خطاباً أمام الناس.فجلستُ عند باب المسجد، وبدأت أركز عليه، فلم يتأثر مطلقاً.فقلت في نفسي: إنه قوي الإرادة جداً، فعلى أن أركز عليه بشدة أكثر.ففعلت ولكن بدون جدوى، حيث ظل يحدّث الناس على ما يرام.فأدركت أن قوته الإرادية أشد مما ظننت.فبدأت أبذل كل ما في وسعي للتركيز عليه.وحين ركزت عليه هذه المرة رأيت على
الجزء السابع ١٤٥ سورة الشعراء مقربة منّي أسداً، فارتعدت فرائصي برؤيته.فلمتُ نفسي بأني قد أصبحت فريسة للأوهام، إذ من المستحيل وجود أسد هنا.فعاودت التركيز عليه، فإذا الأسد قد فأخذت جسمي رجفةٌ اقترب مني، رجفة برؤيته، ولكني استجمعت قواي وحواسي، واستأنفت التركيز عليه مستنزفًا طاقتي كلها، فوجدت الأسد قد انقض علي.فصرخت بصوت عال من شدة الخوف، وأخذتُ حذائي وهربت.فلما سمع حضرة الميرزا المحترم صراخي قال لمريديه انظروا من هذا الذي هرب، وماذا حصل به؟ فطاردني شخص وأمسكني في الميدان القريب من المسجد، وكان الهلع قد بلغ مني كل مبلغ، فتوسلت إليه أن يتركني لأني خائف جداً، فخلى سبيلي.ثم بعد ذلك كتبتُ لحضرته الحادث كله وقلت له: لقد أسأت إليك إساءة بالغة، حيث لم أعرف مكانتك الروحانية.لا شك أنك من كبار الصالحين الواصلين بالله تعالى، فاعف عني.و كان ميان عبد العزيز مغل يحكي لنا أنه سأل هذا الهندوسي: لماذا لم تستنتج من هذا الحادث أن حضرة الميرزا هو الآخر ماهر في التنويم المغناطيسي، بل هو أعلم منك؟ فأجاب: كلا، لأن التنويم المغناطيسي يتطلب تركيزاً، ولا يمكن أن يمارسه المرء إلا إذا كان هادئا صامتًا، أما حضرة الميرزا فكان يتحدث مع أصحابه في ذلك الوقت، فعلمتُ أن قوته الإرادية قوة سماوية وليست أرضية، وأنه من عباد الله الواصلين سيرت) المهدي (أردو) ص ٤٨-٤٩) وقد ظل هذا الهندوسي طوال حياته يكن احترامًا وحبًّا كبيرين تجاه المسيح الموعود العلي ويراسله دائما.كذلك تنبأ المسيح الموعود الله عام ١٨٩٣م عن القسيس عبد الله آتم أنه سيُلقى في الهاوية وتُضرب عليه الذلّة خلال خمسة عشر شهرا إلا أن يرجع إلى الحق.فاستولى على قلب "آتم " الرعب من هذه النبوءة، وأخذ يرى مناظر مروعة جدا.فذات مرة رأى في مدينة "أمرتسار" ثعبانًا مخيفا، فأصابه الذعر الشديد حتى ترك أهله وأولاده وفرّ إلى مدينة "لدهيانا" ليقيم عند صهر له ولكنه لم يذق طعم الراحة هناك أيضًا، حيث رأى أناسا مسلحين بالرماح يريدون قتله، ودخلوا داره.فأصيب
الجزء السابع ١٤٦ سورة الشعراء بالهلع وهرب إلى مدينة "فيروزبور" ليقيم عند صهر آخر له.ولكنه رأى هنالك أيضا أناسًا مسلحين بالبنادق والسيوف ويريدون الهجوم عليه.وباختصار قضى "آتم" تلك الأشهر الخمسة عشر في فزع وكرب، وظلّ يهرب من مكان إلى مكان.(أنجام آتم (أردو) الخزائن الروحانية المجلد ١١ ص ٨-٩) إن هذه المشاهد التي رآها "آتم" إنما كانت من قبيل الكشوف في الواقع، إذ لو كان هناك أي ثعبان مادي لقتله "آتم" بدون صعوبة بالغة، ولو كان ثمة بشر يريدون الهجوم عليه بالفعل لما كان إلقاء القبض عليهم صعبا.ولكن هذه الأشياء لم يرها إلا آتم وهو الذي قد تحدث عنها بنفسه.فكما أن أبا جهل رأى جملين هائجين، وكما أن الهندوسي من لاهور رأى أسدا يريد افتراسه، وكما أن عبد الله "آتم" رأى الثعابين والناس المسلحين بالبنادق والسيوف والرماح يريدون قتله كذلك رأى فرعون عصا موسى على شكل ثعبان واضح، فارتعد منه خوفا.لا شك أن فرعون ظنّ عصا موسى ال ثعبانا ماديًّا، ولكن تأويله في الواقع أن العليا ستلتهم فرعون وجنوده كما تلتهم الأفعى الناس، وأن إسرائيل الذين لم يكن فرعون يريد أن يرسلهم مع موسى سيتسببون في هلاكه ودماره، فيصبح موسى من الغالبين فقد ورد في كتب التعبير : "مَن رأى أنه مَلكَ ثعبانًا فإنه يصيب سلطانًا عظيمًا ".(تعطير الأنام في تعبير المنام: كلمة ثعبان) جماعة موسى بني إذًا، فكان هذا الكشف يتضمن نبأ عن غلبة موسى العليا وجماعته ودمار فرعون وقومه.كما كان يمثل تحذيرًا لفرعون بأنه لا بد من بقاء بني إسرائيل تحت إشراف موسى، وإلا فسوف يتأثرون بعادات فرعون وأخلاقه الذميمة، وبالتالي لن يعودوا أناسا بل سيصبحون ثعابين.سيصبحون – مثل الثعبان الذي يأكل تراب الأرض – ديدان الأرض بدلاً من أن يكونوا جماعة نشيطة قوية.ولكن فرعون لم يدرك مغزى العلا ساحر كبير وحوّل العصا ثعبانا هذا المشهد من الكشف، وظن أن بقوة سحره.موسی
١٤٧ سورة الشعراء الجزء السابع وليكن معلومًا أن القرآن الكريم قد استعمل لبيان تحوّل عصا موسى إلى ثعبان ثلاث كلمات، أولاها كلمة ثعبان التي وردت في الآية التي هي قيد التفسير، وأيضًا في الآية رقم ۱۰۸ من سورة الأعراف وثانيتها كلمة حية التي وردت في سورة "طه" الآية رقم ۲۱ ، وثالثتها كلمة (جان) وذلك في سورة النمل الآية رقم ١١، وسورة القصص الآية رقم ۳۲.ويعترض أعداء الإسلام جهلاً منهم ويقولون: لماذا استعمل القرآن الكريم كلمات مختلفة لبيان أمر واحد فهذا دليل على وجود اختلاف فيه؟ والحق أن اعتراضهم إنما منشأه قلة التدبّر، فلو أعملوا الفكر لما وجدوا أي اختلاف الواقع أن موسى ا لما ألقى عصاه في بلاط فرعون ظهر للناس ثعبانا، وكلما ذكر القرآن الكريم ما وقع في البلاط، استعمل لفظ الثعبان فقط؛ إذا فليس ثمة اختلاف فيه فيما يتعلق بحادث البلاط.أما كلمتا حية وجان فقد استعملهما القرآن الكريم حين تحدث عن تشريف الله سى بكلامه وأمره بالذهاب إلى فرعون، فعندما أمره الله الا الله في تلك المناسبة أن يلقي عصاه فإذا هي حَيَّةٌ تَسْعَى (طه: ۲۱) ولفظ الحيّة يطلق على الأفاعي الصغيرة منها والكبيرة.أما في سورة النمل والقصص فقد قال الله الله عند الحديث عن نفس الموضوع والمناسبة: وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) (النمل: ١١)..أي لما رأى موسى عصاه تمتز كأنها أفعى صغيرة، ولّى مدبرا و لم ينظر إلى الوراء.وقد وردت نفس الكلمات أيضًا في سورة القصص (الآية:٣٢) عند الحديث عن نفسه.الحادث إذا، فلو كان ثمة مجال للاعتراض فإنما هو أن يقال : لماذا استخدم القرآن لفظ حية في مكان ولفظ (جان)) في مكان آخر مشيرا إلى مناسبة واحدة؟ أما استعمال القرآن الكريم لفظ ثعبان فلا يجوز الاعتراض عليه مطلقا كما بينت إذ قد استعمله بصدد مناسبة أخرى.فليكن معلوماً - بصدد الاعتراض الذي يثار على ورود كلمتين مختلفتين عن مناسبة واحدة - أن القرآن الكريم لم يقل في سورة النمل ولا في سورة القصص في آنها
الجزء السابع ١٤٨ سورة الشعراء وصف العصا "أنها جان"، بل قال في وصفها تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌ..أي أنها كانت حيّةً كبيرةً وكانت تتحرك بسرعة كما تتحرك الحية الصغيرة.إذًا، فلا تعارض بين اللفظين اللذين استخدمهما القرآن الكريم، لأنه حين استعمل لفظ (جَانٌ فإنما أراد به الإشارة إلى سرعة حركتها لا إلى ضخامتها..أي حين ألقى موسى عصاه أخذت تسعى بسرعة كما تتحرك الحيّة الصغيرة بسرعة.وإذا فحصنا الآيات التي استعمل فيها القرآن الكريم لفظ ثعبان، لتبين لنا أنها تتحدث عن الحادث الذي وقع أمام فرعون في بلاطه، وحيث إن الله له أراد تخويف فرعون، فقد تراءت له العصا على صورة ثعبان عظيم.فالحق أنه لا تعارض بين آيات القرآن الكريم، وإنما نشأت هذه الاعتراضات في قلوب هؤلاء القوم نتيجة قلة التدبّر وجهلهم باللغة العربية.هي موسی والمعجزة الثانية التي ظهرت بهذه المناسبة أن العليا لما أخرج يده من نيبه فإذا هي بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ.وهذا أيضًا كشف من الكشوف أراه الله فرعونَ وأصحابه أيضًا، وكان يتضمن الإشارة بأنكم يا أتباع فرعون الماهرين في علم المسمرية (التنويم المغناطيسي)، تعرفون جيدا أن اللون الأبيض يرمز إلى الصلاح والورع وطهارة القلب، فظهور يد موسى بيضاء دليل على أنه طاهر القلب منـــزه عن العيب، ولا يشوب ما يقوله لكم كذب ولا افتراء.لو ظهرت يده سوداء لكانت دليلا على سواد قلبه وظلام ،باطنه، ولكنكم ترون يده بيضاء تلمع وتبهر العيون كالشمس، فبإمكانكم أن تعرفوا، بناء على مهارتكم في هذا العلم، أنه شخص صالح طاهر، وبالتالي عليكم بتصديق قوله.كما أن يد موسى البيضاء كانت إشارة إلى وقوع انقلابات عظيمة على يده، وأنها لن تقع نتيجة ظلم وعدوان أو مكر وغش وكذب وافتراء من قبل موسى، بل تأييد الله تعالى ومعجزاته التي ستتحقق ببركة دعاء موسى ربه ، وأن الجماعة الروحانية التي يتم تأسيسها على يد موسى الا ستضيء العالم بأنوارها لا محالة.وكما أن الشمس والقمر يبددان الظلمات، كذلك فإن الآيات التي ستظهر بسبب
١٤٩ سورة الشعراء الجزء السابع على يد موسى ستبدد الظلمات التي تحيط بقلوب الناس وسيقوم حكم الرحمن مكان حكم الشيطان.هذا، وكان هذا الكشف إشارة إلى طهارة قوم موسى الله أيضا، ذلك أن اليد تأويلها القوم أيضًا إلى جانب الأخ والابن والأقارب الآخرين (تعطير الأنام: كلمة يد)، لأن أفراد القوم يقوّي بعضهم بعضا ويساعد بعضهم بعضا في المحن والشدائد.فكان ظهور يد موسى في الكشف بيضاء لا عيب فيها يعني أنه مما لا شك فيه أن بني إسرائيل موصومون بعيوب كثيرة الآن، ولكنهم حين يجتمعون على يد موسى فسوف يزودهم الله بأنواره حتى يكونوا هداة للضَّالين ويحوزوا في الأخلاق الله والروحانية درجات عُلا.ويتساءل البعض ويقول: كيف يمكن خروج الأشعة من جسم الإنسان على هذا النحو حتى يراها الآخرون أيضًا؟ فاعلم أن هذا التساؤل إنما سببه أن الناس يظنون هذه المعجزة معجزة ماديّة، ولو أنهم اعتبروها.كشفا من الكشوف، لما نشأت هذه الوساوس في قلوبهم.فإننا قد شاهدنا في هذا الزمن أيضا – ناهيك عن زمن موسى العلي - آيات مماثلة حيث رأى فيها أصحاب البصيرة الكشفية أنوار الله المتمثلة في الظاهر وتمتعوا بتأثيرها الروحاني.فقد ذهب المسيح الموعود اللة إلى لاهور عام ١٩٠٤م وألقى هناك خطابًا في اجتماع وكان من بين الحضور محام من غير جماعتنا اسمه "شيخ رحمت الله".ويقول هذا المحامي إنه رأى عمودا من نور يخرج من رأس المسيح الموعود ال أثناء خطابه ويصعد إلى السماء.وكان معه صديق آخر فقال له: انظر إلى ذلك! فقال صاحبه من فوره إنه عمود من نور يخرج من رأس حضرة الميرزا ويصل إلى السماء.وقد ترك هذا المنظر في قلب "شيخ رحمت الله" وقعًا كبيرًا، فبايع على يد المسيح الموعود ال في نفس اليوم.(جريدة "الفضل" ١٥ سبتمبر/أيلول ١٩٤٤م ص ٢) وذات مرة صام المسيح الموعود اللي بأمر الله الستة أشهر متتالية.يقول حضرته عن التأثير الروحاني لذلك الصيام ما تعريبه:
الجزء السابع " ١٥٠ سورة الشعراء ومن" التأثيرات العجيبة التي جربتها نتيجة ذلك الصيام مكاشفات لطيفة انكشفت علي في تلك الأيام، حيث لقيتُ بعض الأنبياء السابقين، وقابلت كبار أولياء هذه الأمة الذين خلوا من قبل.كما رأيت أنوارًا روحانية متمثلة على شكل أعمدة حمراء وبيضاء، تبلغ من الجمال والروعة ما لا أستطيع وصفه مطلقا.وكانت لتلك الأعمدة النورانية – التي كانت تصعد إلى السماء رأسًا وكانت بعضها بيضاء ناصعة لامعة وبعضها خضراء وبعضها حمراء - علاقة عجيبة بالقلب حيث كانت رؤيتها تغمر القلب سرورًا وحبورًا، وليست في الدنيا لذة تماثل اللذة التي كان يتمتع بها قلبي وروحي برؤية تلك الأعمدة.وظنّي أنها تمثلت في الظاهر نتيجة امتزاج حبّ الله وحب العبد..أعني أن نورا صعد من قلب العبد ونوراً آخر نـــزل من السماء، وعندما اتصلا تحوَّلا عمودًا.وهذه أمور روحانية لا يمكن أن تعرفها الدنيا لأنها بعيدة عن أعينها، ولكن هناك أناس في الدنيا يُطلعون على هذه الأمور".(کتاب البرية الخزائن الروحانية المجلد ۱۳ ص ۱۹۸-۱۹۹ الهامش) كذلك قال الله في مناسبة أخرى ما تعريبه " لقد رأيت أن فيوض الله تعالى تذهب إلى النبي الله في شكل نوراني ،عجيب وعندما تصل إليه تسري في صدره، ثم تخرج منه في شكل أنابيب لا تُعَدّ ولا تحصى، وتصل إلى كل مستحق بقدر نصيبه." (جريدة الحكم ۲۸ فبراير/شباط ١٩٠٣م صفحة ٧) وذات مرة تشرف المسيح الموعود اللي بلقاء النبي ﷺ في رؤيا حيث رأى أن جبينه المبارك يسطع كما تسطع أشعة الشمس.براهين أحمدية (أردو) الأجزاء الأربعة، الخزائن الروحانية المجلد ١ ص ٢٧٤-٢٧٦ الهامش) وقبل أن يُقرأ مقاله الا في المؤتمر الأعظم للأديان في لاهور، رأى المسيح منه الموعود الرؤيا، فقال: رأيت أن يدا من الغيب حطَّتْ على قصري، فخرج م نور ساطع انتشر فيما حوله، ووقع على يدي أيضا".(مجموعة اشتهارات (أردو) المجلد ٢ ص ٢٩٣-٢٩٥ رقم الاشتهار ١٤٩) باختصار، إن الذين يُبعثون لإصلاح الخلق يجعلهم الله الا الله مهبطا لأنواره وتجلياته، وتتجلى هذه الأنوار في بعض الأحيان تجليا ظاهرًا أيضًا، حتى يراها
الجزء السابع ١٥١ سورة الشعراء الآخرون، لكي ينتفع منها أصحاب الفطرة السعيدة ويُحدثوا تغيرا طيبا في قلوبهم.وقد تمثل لي أيضا نور الله له في الظاهر، ففي عام ۱۹۱۰ أو ۱۹۱۱م، أصابتني الحمّى وبدأت أشعر في منبت الفخذ ألما شديدا وكان بعض الناس قد ماتوا في تلك الأيام بسبب الطاعون، فخفتُ أن أكون مصابًا به.فأغلقت علي باب الغرفة وأخذت أفكر في مصيري.وبينما أنا في ذلك وعيوني مفتوحة وأرى غرفتي وجدرانها وكل ما فيها طرأت علي حالة الكشف، فرأيت نورا ناصعًا لامعا للغاية يسطع من أرضية الغرفة ويشق سقفها صاعدًا إلى السماء، وليس له بداية ولا نهاية.ثم رأيت يدا تخرج من هذا النور حاملة قدحا مليئا باللبن وتناولني إياه، فشربت اللبن.ولما فرغت من شربه، رأيت أنه ليس بي ألم ولا حمى ولا أثر للمرض، بل أصبحت على ما يرام.الله الله - وأحيانًا يرى المرء أشعة تخرج من الآخرين وتكشف عليه أفكارهم الباطنة، فيعرف ما إذا كانوا من المؤمنين الصادقين أم لا.ولقد جربت مرارا أن المرء يحدثني فأشعر أن روحي تصطدم بروحه فتعلم أنها روح منافق.كذلك يبدي لي البعض إخلاصا عظيما ويهم بتقبيل يدي، ولكنه حينما يقبلها أشعر بأنه قد لطخ يدي بنجاسته وأنه لا يكلمني بل يسبني ذلك لأن الله يكشف على المرء سرائر الآخرين بحيث أن المتحدث يتكلم حينًا بما يدلّ على ما يكن في باطنه، أو تسطع حينًا من قلبه أشعة دقيقة وتقع على قلب الآخر، فينكشف عليه ما يظنّه صاحبه أنه لا يزال مستورًا في قلبه.ذلك لأن عباد من ينفذ من بصره – رغم أنه بصرُ إنسان – إلى قلوب الآخرين، فيكشف عليه ما يكون خفيًا على الآخرين، ولكن بما أن هذا العبد يلبس رداء ربه الستار الله، فيستر عيوبهم مثله.إنه لا يخبر الناس عيوبهم لأن أفكارهم لا تنكشف عليهم، وإنما يفعل ذلك لأن الله تعالى لا يريد أن يهتك سترهم.أتذكر جيدا أن امرأة بهائية جاءت إلى قاديان وظلت تناقشني أيا ما في مسائل مختلفة بدون أن يؤثر فيها كلامي.وشعرتُ ذات يوم أثناء الحوار أن شيئا يخرج من جسمي ويصطدم بها ولا ينفذ فيها، فدعوت الله ، فرأيت أن هذا الشيء الذي كان يصطدم بها بدأ ينفذ فيها، وكانت النتيجة أن هذه السيدة التي
١٥٢ سورة الشعراء الجزء السابع كانت تناقشني بكل حماس أصيبت بالذعر فجأة وتوقفت عن الجدال وقالت لي: علي أن أذهب الآن لأن ابني مريض، مع أنه لم يكن به مرض.مجمل القول إنه تنبع من أجساد أنبياء الله وأوليائه أشعة شتى ذات ألوان مختلفة بحسب درجتهم الروحانية، ولكنها لا تُرى بالعين المادية، إنما تُرى بالعيون الكشفية التي تتيسر بفضل الله الله 6 هذا هو النور الذي سطع من يد موسى ، فرآه فرعون وحاشيته أيضا بقدرة الله تعالى، ولكنهم كانوا جاهلين بالعلوم الروحانية فلم يعرفوا عظمة العلية لا ومكانته الرفيعة رغم رؤية هذه الآية العظيمة، بل ظنُّوا أنه إنما فعل ذلك بقوة سحره.موسی إذا، فقد تجلى الله الا الله بجلاله وجماله على يد موسى الله، وأعطاه آيتين: آية تحذيرية على شكل ،ثعبان وآية تبشيرية على شكل يد بيضاء.وقد اعترفت التوراة بظهور آية تحول العصا إلى ثعبان ولكنها لا تعزوها إلى موسى بل إلى هارون عليهما السلام.أما آية اليد البيضاء فلم تذكر التوراة مطلقًا أن موسی قد أراها في بلاط فرعون وهذا خطأ كبير من التوراة، وقد تداركه القرآن الكريم.والحق أن هناك شهادة داخلية في التوراة نفسها تدلّ على أن قد أرى آية اليد البيضاء موسی في البلاط، وذلك أنها تقرّ بأن الله تعالى لما أمر موسى بالذهاب إلى فرعون "فقال له الرب: ما هذه في يدك؟ فقال: عصا.فقال: اطرحها إلى الأرض.فطرحها إلى الأرض، فصارت حية فهرب موسى منها." (الخروج ٤ : ٢-٣) كذلك ورد فيها: "ثم قال له الرب أيضا أدخل يدك في عُبّك.فأدخل يده في عبّه، ثم أخرجها، وإذا يده برصاء مثل الثلج."الخروج ٤ : (٦) لقد اعتبرت التوراة هنا بياض يد موسى ال نتيجة لمرض الجذام، وهذا أمر مخجل جدا.لقد كان موسى العليا نبيا من أنبياء الله تعالى، وكان المكان الذي كلّمه الله فيه مركزا للتجليات الإلهية، وكان تكليم الله موسى في هذا المكان المقدس إنعامًا عظيمًا وكان الوقت وقت بركة وفيوض ربانية، فكيف يمكن أن
الجزء السابع ١٥٣ سورة الشعراء ينزل - في ذلك المقام المبارك والوقت المبارك عذاب من عند الله تعالى على موسى، فتصاب يده بالجذام؟ فالواقع أن يده لم يصبها الجذام قط، وإنما أصاب الجذام الروحاني قلب يهودي شقي نسب هذا العيب إلى موسى ال.ولذلك قد أضاف القرآن الكريم عند ذكر هذا الحادث كلمات مِنْ غَيْرِ سُو سوء (طه:۲۳)..أي أن بياض يده لم يكن بسبب مرض، وإنما ابيضت كآية من عند الله تعالى.ونعود إلى الموضوع الأصلي ونقول إن التوراة بعد ذكر المعجزتين تقول: "فيكون إذا لم يصدقوك ولم يسمعوا لصوت الآية الأولى أنهم يصدقون صوت الآية الأخيرة." (الخروج ٤: ٨) فلو أن فرعون آمن برؤية آية تحول العصا إلى ثعبان لسلّمنا أنه لم تكن هناك حاجة لإظهار المعجزة الثانية ولكنه ما دام لم يؤمن بالمعجزة الأولى فكان لزاما - بحسب بيان التوراة نفسها - أن يريه موسى ال معجزة اليد البيضاء أيضا.ولو أنه لم يؤمن أيضًا فكان عليه أن يُريه المعجزات الأخرى التي قد جاء ذكرها في التوراة والقرآن الكريم أيضًا.فقول التوراة إن فرعون إذا لم يؤمن برؤية المعجزة الأولى فعلى موسى أن يُريه المعجزة الثانية، يدلّ على أن موسى قد أراه المعجزتين كلتيهما.ولكن التوراة لما كانت قد تعرّضت للتحريف على أيدي الناس، فذكرت أن موسى قد أرى فرعون المعجزة الأولى دون أن تذكر المعجزة الثانية.بيد أن الشهادة الداخلية للتوراة تؤكد أن الله الا الله قد أمره بإراءة المعجزتين في بلاط فرعون.فالواقع أن ما ذكره القرآن الكريم هو الحق، وأن ما قالته التوراة هو باطل بشهادتها هي.أما قول التوراة أن هارون هو الذي ألقى العصا في بلاط فرعون لا موسى (الخروج : ١٠)، فهو قول خاطئ، لأن التوراة نفسها تعترف بأن الله تعالى قال لموسى لا لهارون "ما هذه في يدك ؟ فقال : عصا.فقال: اطرَحْها إلى الأرض.فطرحها إلى الأرض، فصارت حية.فهرب موسى منها.ثم قال الرب لموسى : مُدَّ يدك وأمسك بذنبها.فمد يده وأمسك به.فصارت عصا في يده." (الخروج ٤: ٢-٤).
١٥٤ 28 سورة الشعراء العلية.الجزء السابع كما أن الله الا الله قال لموسى لا لهارون إنهم إذا لم يؤمنوا برؤية المعجزة الأولى فسوف يؤمنون برؤية المعجزة الثانية.الخروج ٤: ٨) فما دام الحوار كله قد جرى مع موسى، وما دامت عصاه هي التي تحولت ثعبانا، وما دام موسى هو الذي قال الله له له إن فرعون وملأه إذا لم يؤمنوا برؤية المعجزة الأولى فسيؤمنون برؤية المعجزة الثانية فكيف يمكن أن يلقي هارون عصاه في بلاط فرعون بدلاً من موسى؟ فهذا أيضًا باطل بالشهادة الداخلية للتوراة، وثبت أن ما قاله القرآن هو الصحيح.باختصار، إن هاتين آيتان عظيمتان أظهرهما الله الله على يد موسى و برغم أننا نعترف أن إلقاء موسى عصاه وتحولها إلى حية في أعين الناس، وضَرْبَ موسى البحر الأحمر فانفلاقه، وضَرْبَ موسى الصخرة فانفجار الماء منها، لآيات عظيمة، إلا أنه لا يسعنا سوى الإقرار بأنها لا تساوي شيئًا أمام معجزة العصا التي أعطيها محمد.لا شك أن عصا موسى ال كانت وثيقة الصلة بآيات عظيمة، ولكن لا يوجد لعصاه اليوم أثر في الدنيا! لقد بقيت عصاه في يده هو فقط، وانتهت آياتها بوفاته، ولكن العصا التي أعطاها الله محمدا لا يؤثر فيها موت إنسان أو مرور زمان ولا تقدر أقوى دولة في العالم على كسرها.إنها عصا لا تأكلها سوس الأرض، ولا تفنيها صاعقة السماء.إنها عصا لا تزال تشجّ رأس الكفر حتى اليوم وستظل تلقف فخاخ الشيطان وحباله إلى يوم القيامة.إنها القرآن الكريم الذي أُعطيه محمد ، وقيل للمسلمين وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كبيراً)) (الفرقان: (٥٣)..أي أيها المسلمون، خذوا القرآن الكريم، وجاهدوا الكفار به جهادا كبيرا.وهذا يعني أن القرآن الكريم ليس كتابا فقط، بل هو سلاح ماض أيضًا نستطيع به التصدّي للظلمات التي قد نشرتها قوى الكفر والشيطان.لقد نبهنا الله تعالى بقوله (به أن القرآن الكريم كما هو هدف وغاية للإنسانية، فإنه الوسيلة لتحقيق ذلك الهدف أيضًا، بمعنى أنه ليس بحاجة إلى مساعدة محام يقدّم الأدلة والبراهين الروحانية على صدقه، بل إنه بنفسه يسوق الأدلة على صدق دعاويه، وبالتالي يرفع المستوى العقلي والفكري لدى الناس.
١٥٥ سورة الشعراء الجزء السابع باختصار، يبلغ القرآن الكريم من السمو والقوة بحيث يمكن به فتح العالم بدون اللجوء إلى السيوف والمدافع.لا شك أنه يوجد اليوم بين المسلمين الآخرين أيضا صحوة وحماس للتضحية، ولكن هذا الحماس يدفع بهم إلى حمل السيوف والبنادق.إن مسلم اليوم أكثر صحوة ويقظة من المسلم الذي كان قبل قرن ونصف، ولكنه يسارع إلى تناول السيوف والبنادق والمدافع إنه ينظر بحسرة إلى الذين يصنعون القنابل الذرية آملاً أنهم سيتصدقون عليه ببعض ما عندهم من السلاح، ولكن الله تعالى أخبرنا بواسطة المسيح الموعود الليلة أن مدفعكم القرآن، وأن بندقيتكم القرآن، وأن مسدسكم القرآن إن السلاح الذي تدمغون به رأس العالم هو القرآن.لستم بحاجة إلى بنادق الإنجليز من أجل الفتح، ولستم بحاجة إلى أمريكا لتجود عليكم بقنبلة أو قنبلتين ذريتين، أو إلى فرنسا أو ألمانيا لتزودكم بالمواد الكيماوية، وإنما واجبكم أن تأخذوا القرآن بأيديكم لتفتحوا به العالم.إن القرآن كتاب يولد في قلب الإنسان خشية الله ويُرغبه إليه تعالى، ويلبي له كل ضرورة طبعية وروحانية.قال الله تعالى في القرآن الكريم: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ في هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَل (الإسراء: ٩٠)..أي أننا قد بينا في القرآن الكريم وبأساليب متنوعة كل ما تحتاج إليه طبائع البشر بكل أنواعها.الحق أن هناك أمرين اثنين يؤكدان فضل أي تعليم أحدهما أن يشمل كل المواضيع والقضايا، وثانيهما أن يكون صالحا لشرائح الناس كلها.والقرآن الكريم متسم بكلتا الميزتين، أي ليس هناك إنسان لا يخاطبه القرآن، وليس هناك أمر لا يبينه القرآن.وما دام القرآن الكريم قد بين كل شيء، وما دام قد أنزل فيه جميع التعاليم المتنوعة، نظرا إلى كل الطبائع البشرية، فكيف يمكن بعد ذلك أن لا يحظى العاملون به بحب الله ولطفه ؟ لا شك أن موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء السابقين - عليهم السلام - قد حظوا بوصال الله تعالى بحسب إيماننا، ولكن قلوبنا لا تطمئن بهذا فقط، بل نود أن نحظى أيضا بحب الله تعالى، وليس الكتاب الحي إلا الذي يوصلنا بالله الحي، أما الكتاب الذي لا يوصلنا بربنا فوجوده وعدمه سيَّان بالنسبة لنا.والله تعالى يعلن في
١٥٦ سورة الشعراء الجزء السابع القرآن الكريم أنه قد أنزل في القرآن الكريم ما يسدُّ كل ضرورة روحانية لكل إنسان، فكل من عمل به بصدق حظى بوصال الله تعالى وقربه.وكذلك قال الله تعالى لنبيه ﷺ في القرآن الكريم أن يعلن للناس ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ (الأنعام: ٢٠)..أي لقد أوحي إلي هذا القرآن لأنفعكم به وأنفع كل من يصله صوتي أيضًا.فالقرآن الكريم يعلن من ناحية أنه قد تناول جميع المواضيع والقضايا بالبيان، وأنه قد خاطب كل شريحة من شرائح الناس، كما يعلن من جهة أخرى أنه سينفع كل من يبلغه، لأنه قد نزل لنفع كل من يصل إليه صوته.إذًا، فالقرآن الكريم سلاح عظيم وهب لمحمد رسول الله ﷺ.لقد ظهرت عصا موسى الفرعون وملئه على صورة ثعبان لوقت قصير فارتعشت أبدانهم لبعض الوقت، ولكن القرآن الكريم كتاب لا ينفك يقوم بالإنذار، ثم إن إنذاره ليس خاصا بقوم دون قوم أو ببلد دون بلد، بل إنه موجه إلى كل الشعوب وجميع البلدان.ثم إنه أسمى من قيود الزمن أيضًا، فلن يأتي إلى يوم القيامة زمان يتعطل فيه عمل القرآن الكريم كنذير مبين لأعداء الإسلام، أو تفقد فيه آياته المنذرة قدرتها على سحق قوة الأعداء وجعل المسلمين غالبين.ثم إن عصا موسى العلا كانت لا تُري الآيات إلا ما دامت في يده، أما القرآن الكريم فإنه لا يزال كتابًا حيًّا لكل مؤمن صادق مخلص أيضا كما كان بالنسبة للنبي ، ولا يزال يعطي كل فرد مخلص من أفراد أمته نصيبا من معارفه وعلومه بقدر إيمانه وإخلاصه كما كان يمده له من معدنه بجواهر الحقائق والمعارف التي لا تعد ولا تحصى؛ ذلك لأنه نزل من الله الذي يعلم الغيب، والذي هو مطلع على أفكار الإنسان ومشاعره وعواطفه.إن أحدًا مهما كانت خبرته واسعة، لا يقدر على معرفة كل ما يختلج في قلوب البشر جميعًا من أفكار وخواطر وعواطف، إنما يقدر على ذلك مَنْ خلقهم، وهذا الخالق هو الذي يتكلم في القرآن الكريم، ولذلك يجد كل إنسان في القرآن كل ما يحتاج إليه نجد في الدنيا أن من الناس من يحتاج إلى الكتان من الأقمشة، ومنهم من يحتاج إلى الناعم منها، ومنهم من يحتاج إلى
١٥٧ سورة الشعراء الجزء السابع السميك منها، ومنهم من يحتاج إلى الرقيق منها، ومنهم من يحتاج إلى الدافئ منها، ومنهم من يحتاج إلى الحرير والإستبرق منها.وعندما يخرج المرء من محل الثياب بعد شراء حاجته منها، فلا يكون في كيسه كل نوع من الثياب، وإنما توجد الثياب بكل أنواعها في المحل فقط الذي أقيم في القرية أو المدينة وفق حاجات الناس.وإنما مثل العالم العادي كمثل شخص عادي يشتري الثياب، ومثل العالم الكبير كمثل شخص ثري يشتري من المحل شتى أنواع الثياب بمقدار كبير وفق ضرورة أسرته، وستجد في أكياسه أنواعًا كثيرة من الثياب من ثوب رقيق وسميك وناعم وحريرٍ وغيرها، ومع ذلك لن تجد في أكياسه كثيرًا من أنواع الثياب الأخرى، برغم أنه قد اشتراها بإنفاق آلاف الروبيات من المال.فلذلك كل من يطالع القرآن الكريم يغترف منه عقله بقدر حاجته مهما كان ضئيل ،العلم، شريطة أن يحب القرآن الكريم، ذلك لأن مثال القرآن الكريم كمثال الدنيا التي تخرجون إلى غاباتها، ويقطع كل واحد منكم شجرة أو أخرى بحسب حاجته، ولكن لا تعرفون ماهية المعادن المدفونة في أرض تلك الغابات كذلك فإن الذين يستوعبون معارف القرآن الكريم يمكن أن يكونوا مساعدين للآخرين في فهمه، ولكنهم لا يمكن أن يقوموا مقام القرآن الكريم؛ إنما القرآن هو الذي يقوم مقامه.إن أي إنسان، ولو كان أكبر مفسر بل لو كان نبيا ،أيضا لن يكون إلا مؤيداً ومعينًا للقرآن الكريم، ولكنه لن يقوم مقامه أبدا؛ بل إن الإنسان الذي كان بنفسه القرآن – أعني محمدا رسول الله - أيضًا لا يمكن أن يقوم مقامه؛ ذلك لأن الأرض التي توجد فيها عنصر "اليورانيوم" - الذي تُصنّع منه القنبلة الذرية - أيضًا لا تدرك الدفائن الموجودة في بطنها، وإن الأم التي تحمل في بطنها جنينها تسعة أشهر أيضًا لا تعرف تماما قدراته وكفاءاته.إن القرآن قرآن، والإنسان إنسان إن القرآن يظهر لقارئه بحلة جديدة عند كل مناسبة جديدة وضرورة جديدة وعاطفة جديدة وفكرة جديدة.إنه يقابل كل من يبحث عنه بلباس ،جديد، ويفتح لكل من يبتغيه بابًا جديدًا.فأحبوا القرآن الكريم واعشقوه، وعَوِّدوا أنفسكم على التدبّر فيه، إذ من المحال أن يتولد في القلوب حب الله تعالى والروح الإسلامية الصادقة بدون التدبّر في القرآن.وقد
الجزء السابع ١٥٨ سورة الشعراء أشار مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية ال إلى هذه الميزة القرآنية نفسها في بيت شعر له بالأردية فقال: پہلے سمجھے تھے کہ موسی کا عصا ہے فرقاں پھر جو سوچا تو هر اك لفظ مسيحا نكلا (براهين أحمدية (أردو) الأجزاء الأربعة الخزائن الروحانية المجلد ١ ص ٣٠٥) أي كنا نظن من قبل أن القرآن الكريم يماثل عصا موسى حيث يمزّق بقوة أدلته وبراهينه ومعجزاته وآياته كل الأحابيل التى ينشرها أعداء الإسلام كما التهمت عصا موسى ثعابين السحرة، ولكننا حين أعملنا الفكر وتدبرنا مزايا القرآن الكريم بعمق أكثر، تبين لنا أنه أفضل من عصا بملايين المرات، لأن عصاه إنما موسی فضحت السحرة فقط والتهمت ثعابينهم، أما القرآن الكريم فلا يقضى على أعداء الإسلام كقائد نشيط محنّك فحسب، بل إن كل كلمة من كلماته تحيي الأموات وتنفخ فيهم الروح.وبتعبير آخر، عصا موسى لم تكسر إلا رأس العدو فقط، وقضت عليه قضاء روحانيًا فحسب، ولكن القرآن الذي أتى به محمد ﷺ لا يُهلك الأعداء فقط، بل يهب لهم حياة جديدة، ويجعلهم من المقربين عند الله.وهذا أنه لا يتميز بخصوصية دفع الشرّ فقط، بل يتميّز بميزة إيصال الخير على أتم وجه أيضًا، حيث يحيى الأموات.يعني وقد أشار الله إلى هذه الميزة القرآنية في قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ (الأنفال: ٢٥)، فهذه الآية صريحة في أن القرآن الكريم قد جاء لإحياء الموتى.ولا شك أن العمل بالقرآن الكريم يجعل العُمي يبصرون، والصُمّ يسمعون، والعُرْج يمشون، بل إنه يعيد الموتى الروحانيين إلى الحياة الروحانية ثانية.هذه هي الروح التي أحدثت الثورة في الجزيرة العربية، فإن الذين كانوا يسجدون للأصنام والجماد، ويستمتعون بارتكاب الفواحش بجميع أنواعها، أخذوا يعبدون الله وحده ويقدّمون رؤوسهم للذبح في سبيل الله كما تذبح الشاة والمعز، وظلوا يزدادون حظوة وقربا عند الله.
١٥٩ من مكانة سامية الجزء السابع سورة الشعراء إذا، فلا قيمة لعصا موسى العلا إزاء هذا الإنعام العظيم الذي ناله محمد رسول الله والذي لا يزال يشكل حتى اليوم برهانا قاطعا ضد أعداء الدين.والآية الثانية التي أراها موسى ال في بلاط فرعون هي أنهم رأوا يده بيضاء نورانية.لا شك أنها آية عظيمة دلت على ما تبوأه العلية لا موسی من الطهارة وقرب الله تعالى، كما كانت إشارة إلى البركات التي كان ظهورها مقدرًا على يده، ولكن الله تعالى قد فضل النبي على موسى في هذا المجال أيضًا؛ ذلك أن آية موسى العلية لا أن يده ظهرت للناس بيضاء، أما محمد ﷺ فقد سماه الله تعالى نورا مجسدًا، حيث بشر الإنسانية بمجيئه فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً )) (النساء: ١٧٥)، وقال أيضا: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ)) (المائدة: ١٦.فترى أن الأشعة النورانية لم تسطع إلا من العليا فقط، أما محمد ﷺ فقد اعتبره الله تعالى نورا متجسدا، إحدى يدي موسى هي ذلك لأن العليا إنما جاء لإصلاح بني إسرائيل فقط، بينما بعث محمد رسول موسی الله الإصلاح العالم كله.ومما لا شك فيه أن يد موسى العلم بدت نورانية، ولكنها كانت يده هو في كل حال، أما محمد رسول الله ﷺ فقد اعتبر الله يده يدا له، فقال له: إن الذينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ الله فَوْقَ أَيْديهِمْ (الفتح: (١١)..أي أن الناس يرون في الظاهر أنها يد محمد، ولكنها في الواقع يد الله.وفي غزوة بدر رمى النبي حفنة من الحصى، فهبت ريح عاصفة أعمت عيون الكفار، وقال الله تعالى مشيرًا إلى هذا الحادث: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (الأنفال: ۱۸).وكان بياض يد موسى الإشارة إلى ما سيتبوؤه قومه من مقام عال في الطهارة والروحانية وما سيقدمونه من تضحيات عظيمة في سبيل الدين.ونجد أن النبي العلية لا كان أفضل من موسى هذا المنطلق أيضًا.لقد من وعد الله الله قوم موسى العليا بأرض كنعان ولما خرج بهم موسى من مصر ووصل إلى كنعان، قال لهم: هلموا حاربوا أهل هذه الأرض واستولوا عليها.فظن قومه خطأ أن الله تعالى ما دام
الجزء السابع 17.سورة الشعراء قد وعدهم بهذه الأرض، فهو الذي ينجز لهم وعده هذا ويضع هذه البلاد في قبضتهم، أما إذا فتحوها بالحرب فما الجدوى من الوعد الإلهي؟ فقالوا لموسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ (المائدة:٢٥).فأغضبوا الله تعالى بقولهم، فأعلن الله تعالى: لن يدخلوا هذه الأرض الآن، بل سيظلون تائهين في البراري والفلوات أربعين سنة.ثم تُوفق أجيالهم فيدخلون هذه الأرض باذلين أرواحهم وينالون ما وعدهم الله به من النعم.لقد من الله الله على قوم موسى الله منة عظيمة حيث رأوا بأم أعينهم آية ربانية عظيمة إذ قام بتحريرهم من عبودية فرعون وأنقذ أجيالهم من أعمال وضيعة كصنع اللبن وقطع الخشب، ومع ذلك رفضوا أوامر موسى ال إذ أمرهم بشن الهجوم على قوم عاد الحاكمين على أرض كنعان ليستولوا عليها، فقالوا: لا طاقة لنا بقتالهم، فاذهب أنت وربك فقاتلا، وعندما يهلك العدو ونأمن جانبه، سنأخذ زمام الحكم من أيديه.أما نبينا فقد أعطاه الله أصحابًا لم يجيبوه قط بأننا لن شماله أمامه نقاتل معك، بل قاتلوا عن يمينه وعن ومن ومن ورائه، مؤكدين صدق دعوى فدائهم له في كل موطن حرج ورد في السيرة أن النبي تلقى بعد هجرته إلى المدينة خبرًا بأن أبا سفيان آت من قبل الشام في قافلة تجارية محرّضا جميع القبائل في طريقه ضد المسلمين.ولما كان طريق هذه القافلة يمر قريبا من المدينة فكانت جميع القبائل المقيمة حول المدينة تبيع وتشتري منها، وكانت تربطهم بها علاقات تجارية قوية.ولما علم النبي ﷺ بأن أبا سفيان سيمر قريبا من المدينة بهذه القافلة التي تحرض الناس على المسلمين، وأن أهل مكة قد خرجوا بجيش لحماية قافلتهم التجارية مخافة هجوم أهل المدينة عليها، استشاره أصحابه قائلا: لو بقينا في المدينة بدون حراك فإن العدو سيتجاسر علينا أكثر، فعلينا الخروج من المدينة كي لا يظن العدو أننا نخافه.فخرج لا بجماعة من أصحابه من المدينة ووصل إلى بدر.وكان يعلم بناء على الإشارات الإلهية أن جيشا للمكيين قادم وأن المسلمين سيشتبكون ، ولكن لم يُسمح له بكشف هذا الخبر السماوي لأحد؛ ولذلك لم يخرج مع النبي إلا قليل من الناس إذ ظنوا أنهم لا يخرجون للحرب وإنما لإلقاء الرعب في معه
١٦١ سورة الشعراء الجزء السابع قلب العدو.ولما وصل النبي ﷺ قريبا من بدر قرر كشف الحقيقة لهم، فجمع أصحابه وقال: أيها الناس لقد أخبرني الله تعالى أن جيشًا للعدو قد اقترب، وربما نشتبك معه بدلاً من القافلة التجارية، فماذا ترون الآن؟ فأخذ المهاجرون يقف الواحد منهم تلو الآخر ويقول: يا رسول الله ، إننا مستعدون للقتال.ولكن الأنصار ظلوا صامتين، ذلك لأن الجيش القادم من مكة كان مشتملا على أقارب المهاجرين من أخ وعم وخال وزوج أخت أو أخي زوج وما إلى ذلك، فظن الأنصار أنهم لو قالوا للرسول ﷺ إنهم مستعدون لقتالهم، فربما يقول المهاجرون إنهم يريدون قتال أقاربهم، فالتزموا الصمت مراعين مشاعر المهاجرين وتكريما لهم إذ كانوا ضيوفا عليهم.أما المهاجرون فكانوا يعبرون الواحد تلو الآخر عن حماسهم للفداء والتضحية.ولكن النبي ﷺ ظل يقول في كل مرة: أيها الناس أشيروا علي.ولما أعاد قوله هذا مرارا قام أنصاريّ وقال: يا رسول الله إن الناس يشيرون عليك ومع ذلك تعيد قولك: أشيروا عليّ أيها الناس! فربما تعنينا نحن الأنصار لنبدي رأينا؟ فقال النبي : نعم، هذا هو قصدي.فقال الصحابي : يا رسول الله، لقد تعاهدنا في اتفاقية عقدناها معك وأنت في مكة بأن العدو إذا هاجمك في المدينة فسنحاربه معك، ولكنه لو حاربك خارج المدينة فلن نخرج معك للقائه إذ لا قبل لنا بحرب العرب كلّهم؛ وربما تستشيرنا مراراً بسبب تلك المعاهدة؟ فقال النبي : نعم.فقال الأنصاري في حماس شديد يا رسول الله ، عندما أبرمنا معك تلك المعاهدة، لم نكن نعرف مكانتك الحقيقية، فلم نر حرجًا في وضع هذه الشروط في المعاهدة.أما الآن فقد انكشفت علينا حقيقة الإسلام تمامًا وتبيّن لنا صدقك بكل جلاء، فكيف يمكن أن نشترط عليك بشيء؟ فلو أمرتنا الآن أن نخوض هذا البحر الذي أمامنا بخيلنا وركابنا الخضناه، ولو وقع القتال، يا رسول الله، فسنقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن ومن ورائك، ولن يخلص إليك العدو الذي هو أكثر منا قوة وعددًا إلا على جثثنا الهامدة.(البخاري: كتاب المغازي، باب قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم، أمامك والسيرة النبوية: غزوة بدر الكبرى)
١٦٢ سورة الشعراء كانت هزيمة الجزء السابع هذا هو النموذج الذي قدّمه الصحابة.ثم إنهم لم يدعوا الإخلاص والفداء بأفواههم فقط، بل بالفعل قدّموا تضحيات جسيمة في سبيل الإسلام ليل نهار، ضاربين أروع الأمثلة للفداء حتى اضطر السير وليام موير أن يقول في كتابه حياة محمد (ﷺ) لقد جاء الكافرون عند غزوة الأحزاب بجيش عرمرم المسلمين أمامه أمرًا مؤكدًا، ولكن لم يحالفهم النصر رغم كثرتهم لأنهم ارتكبوا خطأ تكتيكيا، وهو أنهم كلما عبروا الخندق حاولوا، لغبائهم، التقدم إلى خيمة الرسول ﷺ الذي كان صحابته يفدونه بأرواحهم ومهجهم، فكلما رأوا أن الكفار يريدون الهجوم عليه حالوا بينه وبينهم ذكورًا وإناثًا وأطفالا كالمجانين، فكان الكافرون يضطرون للانسحاب في كل مرة.ولو أنهم لم يرتكبوا خطأ التوجه إلى خيمة محمد ﷺ لانتصروا في غزوة الأحزاب.قصارى القول إن الصحابة قد ضربوا أمثلة رائعة للحب والفداء للنبي ﷺ ولا قيمة إزاءها لما فعله قوم موسى العلم فثبت أن اليد البيضاء لمحمد ﷺ كانت أفضل من اليد البيضاء لموسى، وأن عصا محمد - أي القرآن الكريم – هي أفضل موسى من كل النواحي.عصا من قَالَ لِلْمَلَا حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَجِرُ عَلِيمٌ ) يُرِيدُ أَن تُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ، فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (3) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَابِنِ حَشِرِينَ يَأْتُوكَ ۳۷ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ ۳۸
الجزء السابع ١٦٣ سورة الشعراء معْلُومٍ ) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم تُجْتَمِعُونَ (٣) لَعَلَّنَا تَتَّبِعُ ؟ السَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الْغَلِبِينَ (3) شرح الكلمات: أَرْجة: أرجة الأمرَ: أخره عن وقته.(الأقرب) ميقات الميقات الوقت وقيل : الوقت المضروب للشيء؛ والموعد الذي جعل له وقت، وقد يستعار للموضع الذي جعل وقتًا للشيء.(الأقرب) التفسير: لقد رأى فرعون آية العصا واليد البيضاء، ولكنه كان جاهلا بعلوم الدين، فلم يدرك أن هذه الآية إنما هى كشف رآه الآخرون أيضًا، بل ظنّ أن موسى ساحر ماهر، والساحر لا يكون إنسانا ربّانيا، فظن فرعون أن وراء هذا هدفا وغرضًا وهو أن موسى يريد بقوة سحره أن يخرجه وقومه من السحر موسی أرضهم.ولم يفكر هذا الغبي أن قد سبق أن قال له قبل قليل: فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إسرائيل؛ فما دام موسى ال يريد أن يذهب ببني إسرائيل من مصر، كيف يمكنه أن يخطط لطرد معارضيه من مصر؟ فكلا الأمرين ضدان لا يجتمعان.ذلك لأن بني إسرائيل لو خرجوا من مصر لصار المصريون أكثر قوة وأرسخ قدما، فشتان بين أن يخرج موسى ببني إسرائيل من مصر وبين أن يطرد المصريين منها؟ ولكن يبدو أن حاشية فرعون كانوا لا يزالون في وعيهم فعلموا أن الملك يهذي في كلامه لأن كلام موسى يدل على أنه ينوي الخروج بقومه من مصر، وليس أن يُخرج المصريين منها، فقالوا الفرعون : أيها الملك، أَمْهِلْ.وأخاه بعض الوقت، موسی وابعث رجالك لإحضار كبار السحرة كلهم؛ فإذا كان ساحرًا لا نبيا صادقا، سيلقى الهزيمة على أيدي السحرة وسينكشف بطلان دعواه.فتم الإعلان، وجمع السحرة، وقيل للناس: (لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبينَ.هذه الجملة تكشف لنا العقلية المتدنية للكافرين.فبما أن قلوبهم تخلو من خشية الله فلا يستعدون لتصديق النبي في أي حال، ولكن لو حقق أحد من معارضيه
١٦٤ سورة الشعراء الجزء السابع النجاح القليل يستعدّون لاتباعه.وقد أشار الله الله إلى العقلية المتدنية لقوم فرعون في موضع آخر من القرآن الكريم حيث قال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشَيدٍ (هود:۹۷- ٩٨)..أي لقد أرسلنا موسى إلى فرعون وأعيان قومه بالآيات البيئة والبراهين الواضحة، ولكنهم أطاعوا فرعون بدلا من أن يطيعوا موسى.لم يكن تعليم فرعون يرشد إلى الصواب بل كان يدفع إلى الضلال إلا أنهم اتبعوه، رافضين قول من يهديهم إلى الصواب.وهذا هو دأب الكافرين للأسف منذ البداية.فلما بعث النبي ﷺ وعرض تعليمًا يهدي إلى الرشد والنجاح، رفضه أهل وطنه، واتبعوا أبا جهل الذي كان يمثل فرعون في زمنه راضين بتعليمه الذي كان ينشر كل رجس وفساد ورافضين ما يقدمه الرسول ﷺ من تعاليم سامية.وهذا ما حصل بعده أيضا ، فلما صار أبو بكر له خليفة صدقه الصحابة، ولكن سائر العرب بغوا وطغوا واتبعوا سبيل أبي جهل وأعوانه، وأطاعوا فراعنة زمانهم من المتنبئين كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح الكاهنة، تاركين الخليفة الحق للرسول الله والذي كان قادرًا على أن ينفخ في الناس روح الإسلام الصحيحة.(البداية والنهاية : كتاب تاريخ الإسلام الأول من الحوادث...سنة إحدى عشرة من الهجرة) ثم لما اختار الله عمر له خليفة لرسوله حصل نفس الشيء.فحينما ذهب الله عمر للحج قبيل وفاته أخذ بعض الناس يقولون: سنختار بعد وفاته فلانا خليفة، سواه.ولما صار عثمان الله خليفة وفق المشيئة الإلهية، قام عبد الله سبأ – وكان مصريا مثل فرعون ببث الفتنة فتبعه الناس (تاريخ الطبري: سنة ولن نبايع بن أحدا خمس وثلاثين).- تصالحه ثم لما انتخب علي له خليفة سلك الناس نفس المسلك الخاطئ.لقد انتخبوه خليفةً أوّلاً ، ثم ثاروا عليه بناء على حجة واهية داحضة وهي مع معاوية، واشتهروا باسم الخوارج، واستمروا يثيرون القلاقل ويخلون بأمن البلاد طيلة قرنين من الزمان.
عنه.سورة الشعراء الجزء السابع ولما انقضى زمن طويل على بعثة النبي لا الهلال بعث الله أولياءه في الأمة، فسلك الناس نفس المسلك الخاطئ، فلم يستمعوا لهؤلاء العباد الأطهار، بل اتبعوا أعداءهم الذين كانوا فراعنة زمنهم.فقاموا بمعارضة حضرة معين الدين التشتي، وحضرة قطب الدين بختيار الكعكي، وحضرة نظام الدين ،أولياء، وحضرة خواجه فريد الدين غنج شکر -رحمهم الله تعالى.وعندما ظهر حضرة سيد أحمد السرهندي همس معارضوه في أذن الملك المغولي "جهانغير" أنه يريد التمرد على ملكه، ولا بد له من التصدي له وإلا ستكون في البلاد فتنة كبرى.فألقاه الملك "جهانغير" في السجن في قلعة "غواليار".فقال له البعض إن هذا الإنسان من الصلحاء الكبار، فالأفضل إطلاق سراحه، فعاد الملك إلى صوابه وأفرج.إذًا، فمنذ أن بدأ الله تعالى ببعثة الأنبياء والخلفاء، كان الحق عرضةً للمعارضة والعداء.وكانت فكرة المعارضة نفسها مسيطرة على قلوب وعقول فرعون وأكابر قومه، فإنهم لما جمعوا الناس لم يقولوا لهم سنتبع موسى إذا غلب السحرة، بل قالوا: سنتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين برغم أنه كانت هناك إمكانية لانتصار موسى وهزيمة السحرة فكان بوسعهم أن يقولوا: سنتّبع السحرة إن كانوا هم الغالبين، وسنتبع موسى إن كان هو من الغالبين ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل اكتفوا بقولهم: سنتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين وهكذا دلّوا على ما يضمرون في قلوبهم من بغض وعناد، مؤكدين أنهم لا ينشدون الحق، وإنما ينشدون رضى فرعون، ولهذا فقط كانوا يريدون إقامة هذه المناظرة.وجمعُهم السحرة لمواجهة نبي عظيم كموسى ال يشكل دليلاً على أن بداية أنبياء الله تعالى تكون متواضعة جدًا.كان موسى العلي نبيا العليا نبيا من عند الله تعالى بعثه لدعوة فرعون، ولكنه احتقره لدرجة أنه دعا السحرة لمبارزته.فشتان بين ما كان ما وبين تتمتع به أُمته اليوم من قوة ومنعة، حيث تخاف سخطها دول كبرى؛ حتى إن قوة عظمى مثل أمريكا تضطر لدعم الأمة اليهودية التي قد تمكنت من تأسيس حكومتها على أرض فلسطين.أما في ذلك الوقت فكان العلي ضئيل الشأن لدرجة أن فرعون قد أتى بالسحرة لمواجهته.فلو أن عليه موسى موسی العليا حينها
الجزء السابع ١٦٦ سورة الشعراء الهندوس أو المسيحيين أتوا اليوم بساحر لمواجهة أحد علماء المسلمين لأقاموا ضجة بأنه قد أُسيء إليهم، ولكن موسى ا لم يرفض اقتراحهم بل استعد لمبارزة السحرة أيضًا لعل القوم يهتدون بهذا الطريق وعندي أن فرعون لو أعيد إلى الحياة اليوم لحسب نفسه إزاء موسى العلمية أذل من قرد، ولأخذته الدهشة حين لا يجد لنسله أثراً في الدنيا، ويجد قوم موسى العلي حاكمين على فلسطين.فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِ رْعَوْنَ أَبِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَلِبِينَ (3) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) ٤٢ ٤٣ التفسير: إن قول السحرة هذا يدل على البون الشاسع بين طبيعة النبي وغيره من العليها البشر.فإن كل ما سبق من كلام موسى يكشف بوضوح أنه كان يؤمن بأن الله لوله ها به وربُّ الكون كله وكان لا يعقد أية آمال بأي إنسان.أما السحرة الذين جمعهم فرعون للتصدي لموسى فكانت طموحاتهم متدنية وهممهم منحطة بحيث إنهم ما إن دخلوا بلاط الملك حتى قالوا: جلالة الملك، هل لنا من أجرٍ إن كنا نحن الغالبين؟ علما أن المعنى نفسه قد ورد في سورة الأعراف أيضًا ولكن بشيء من الاختلاف في الأسلوب، حيث قالوا: إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِمِينَ (الأعراف:١١٤).بينما قالوا هنا أننَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالبينَ).ولو تدبرنا الموضعين وجدنا أنه ليس ثمة اختلاف في الواقع.لا شك أن الجملة هنا استفهامية، ولكن الاستفهام لا يعني أنهم كانوا يشكون في نيل الأجر، إذ يفيد الاستفهام التوقع أحيانًا، بمعنى أن الأجر يكون مؤكدًا ومع ذلك يقول المرء: هل لي من أجر؟ فأجابهم فرعون على سؤالهم عن الأجر وقال: نعم، سأكافئكم حتما، بل سأجعلكم من المقربين.
الجزء السابع ١٦٧ سورة الشعراء قَالَ هُم مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٤٤ فَأَلْقَوْاْ حِبَاهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّة فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَلِبُونَ ) التفسير : عندما فرغ السحرة من الحديث مع فرعون قال لهم موسى ال: ألقوا ما أنتم ملقون إزائي.هنا أيضا نجد اختلافا في الظاهر بين في الظاهر بين ما ورد في سورة الأعراف وما ورد هنا، حيث ذكر القرآن الكريم هنالك أن السحرة قالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ) قَالَ أَلْقُوا (الأعراف: (۱۱٦ - ۱۱۷)، بينما لا تذكر سورة الشعراء أي سؤال من قبل السحرة.والحق أنه ليس ثمة اختلاف بين البيانين، وإنما قيل هنا ما يتماشى مع السياق، ذلك أن سياق الكلام في سورة الأعراف يبين أن السحرة كانوا موقنين بنيل الأجر، ولذلك قالوا لموسى: ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ)، أما هنا في سورة الشعراء فالسياق يفيد التوقع أكثر من اليقين، ولذلك لم يُذكر هنا قول السحرة الموسى وإنما ذكر قول موسى لهم فقط ألْقُوا مَا أَنتُمْ مُلْقُونَ..أي لا تهتموا بمصيري، بل جربوا حظكم أوّلاً وأخرجوا ما في جعبتكم فألقوا حبالهم وعصيهم، وقالوا إرضاء لفرعون: بعز فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ).القرآن إن هذه الكلمات التي وردت هنا على لسان السحرة تشكل دليلاً ساطعا على صدق القرآن الكريم بأنه من عند الله.ذلك أن القسيسين المسيحيين يزعمون دائما أن القرآن الكريم من تأليف محمد ، ولكنا نؤكد أنه زعم باطل، ونوقن أن وحي من عند الله تعالى الذي عنده العلم التام بما مضى وبما هو موجود وما سيكون في المستقبل.ومع ذلك لو سلّمنا جدلاً بما يقول الأعداء بأن القرآن كلام محمد ، فلا بد لهم من الاعتراف بسمو مكانته الأدبية العالية وسعة معلوماته.ذلك أن القرآن الكريم يعلن أن فرعون لما جمع سحرة مصر لمواجهة موسى، قالوا قبل أن يُروا أعمالهم السحرية بعزَّة فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ.وهذه الكلمات 6
الجزء السابع ١٦٨ سورة الشعراء لا يمكن أن تتبادر إلى ذهن العرب، إذ لم يكن بينهم سحرة يسمع منهم النبي هذه الكلمات فيعرف أنهم يستعملونها دائمًا قبل أن يأتوا بسحرهم.فالذين يزعمون أن القرآن الكريم من تأليف محمد ﷺ عليهم أن يفكروا أنه قد ولد في بلد لم يكن للسحرة وشعوذتهم السحرية أثر؛ فمن ذا الذي علمه هذه الجملة يا ترى؟ لقد طالعتُ تاريخ العرب بكل دقة، وكل ما نعرف من تاريخهم أنهم كانوا مولعين بالشعر، ويعيشون على رعي الغنم والإبل؛ ولكن لا نجد في تاريخهم أثرًا للسحرة ولا الشعوذتهم إنما كان السحرة في مصر والهند وغيرها من البلاد، ولكن رسول الله ﷺ لم يزرها؛ فكيف يا ترى علم أن السحرة يرددون كلمات كهذه قبل قيامهم بأعمالهم السحرية؟ لقد رأيت بنفسي بعض السحرة أنهم، قبل البدء بشعوذتهم السحرية، يقولون للحضور: فليكن هكذا بعزتك يا فلان، مثلما قال السحرة في زمن موسى الا بعزَّة فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ)؛ ولكننا لم نرَ أَي تعبير كهذا في تاريخ العرب.إذن فهذه الجملة تدل صراحة على أن القرآن تنزيل من رب العالمين.الله ولو سلمنا جدلاً بأن هذه الجملة من تأليف الرسول ﷺ لا من وحي فإنها تشكل دليلاً على سمو مكانته الأدبية وسعة معلوماته، إذ نجد السحرة لا يزالون يرددون كلمات مماثلة حتى اليوم.هذا، أفليس من المضحك أن نجد السحرة من جهة يحاولون أن ينتصروا على نبي الله الله مؤكدين أنهم هم الغالبون، ومن جهة أخرى نجدهم يكيلون المدح والثناء لمن يعملون من أجله السحر قائلين: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، وليس ذلك إلا ليعطيهم عطاء زائدا ! فَأَلْقَى مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (3) فَأُلْقِيَ ٤٦ السَّحَرَةُ سَجِدِينَ (٢) قَالُواْ وَامَنَّا بِرَبِّ الْعَلَمِينَ (٢) رَبِّ
الجزء السابع ١٦٩ سورة الشعراء صلے مُوسَى وَهَرُونَ (3) قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ ٤٩ ج لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَفٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (3) قَالُوا لَا ضَيْر إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (٢) إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَيَنَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٦) شرح الكلمات : ۵۲ تلقَّفُ : لقف الشيء: تناوله بسرعة.(الأقرب).أي أخذت عصا موسى تقضي بسرعة على سحر السحرة.خلاف الخلاف المخالف؛ وفي القرآن لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خلاف..أي أن تكون الواحدة منهم يُمنى والأخرى يُسرى (الأقرب).ضير: الضير: المضرة.(المفردات) التفسير : لما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم، ألقى موسى ال عصاه.وكانت حبالهم وعصيّهم محشوة بالزئبق الذي كان يحرّكها ، فانكسرت بضرب موسى إياها بعصاه وخرج منها الزئبق، وانكشف خداع السحرة، فخروا ساجدين إذ كانوا يعرفون حقيقة سحرهم، وقالوا: آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ - رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ).أي قد عرفنا الآن أنه نبي صادق ولسنا إلا سحرة دجّالين.وقوله : وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ يشير إلى أنهم لقوا هزيمة نكراء، وكأن قوة خفية سحبت البساط من تحت أرجلهم فخروا الله ساجدين معترفين على الملأ أنهم يؤمنون بالله الأحد ويتبعون موسى وهارون - عليهما السلام.فاستشاط فرعون غضبا مما فعلوا وقال: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ أَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ...أي سترون كيف تكون عاقبة ما فعلتم.
الجزء السابع وهذا يعني ۱۷۰ سورة الشعراء الله تعالى أن فرعون نسي بسرعة كيف كان يستعين بهم لمواجهة نبي مغريًا إياهم أنه سيجعلهم من المقربين، أما الآن فبدأ يستهين بهم حتى يهددهم بالعقاب كيفما شاء، ويقول: لأنكم خالفتموني، فسوف أقطع أيديكم وأرجلكم من خلاف وأقتلكم صلبًا لتكونوا عبرة للآخرين.ولكن السحرة الذين كانوا يأتون بألاعيبهم السحرية أمام الناس نظير المال، كانوا قد آمنوا بصدق، فما كانوا ليكترثوا لتهديد فرعون؛ فقالوا له دونما تردد لا حرج، إذ إننا راجعون إلى ربنا في يوم من الأيام، ولو قتلنا بيدك فما الحرج في ذلك؟ بل إن موتنا بيدك خير لنا لأن الله تعالى سيغفر لنا ذنوبنا إذ تعرضنا للتعذيب في سبيل دينه، وتركنا مجتمعنا الفاسد مؤمنين بنبيه.الحق أن الإنسان ما لم ير الله تعالى تبدو له مصائب الدنيا كجبال شامخات، وتتراءى له محنها كبحار لا شاطئ لها ولكنه حين يرى الله الله يهون عليه كل أذى ومصيبة، وعندها لا يكون أمامه إلا هدف واحد وهو أن يتحقق ما قال الله تعالى، ولا تساوي عنده الحكومات والممالك والعقارات إزاء قول الله شيئا؛ فيتقدم ضاحكا ويضحي بنفسه ليحضر عند الله تعالى.لم يكن صاحبزاده عبد اللطيف له الذي استشهد من جماعتنا إلا إنسانًا مثلنا، ولكن لما دعاه الملك وقال له: حضرة الشيخ أكن لك احتراما كبيراً، وأريد إطلاق سراحك، ولكني لو خليت سبيلك هكذا لعارضني المشايخ؛ فأرجو أن تساعدني في ذلك؛ فإذا سألتك عما إذا كنت قاديانيا فقل بلسانك لا وإن آمنت بصدقه في قلبك، فأطلق سراحك.فأجابه صاحبزاده: أيها الملك، ترى حياتي غالية، ولكنها لا تساوي عندي شيئا! وإنني لم آتك إلا لتقديم هذه التضحية.لقد سبق أن قال لي القوم أن أخفي على الناس انضمامي إلى الأحمدية ولكني رفضت اقتراحهم - علما أن حضرة صاحبزاده كان قد عُرض في أول الأمر على الوالي الذي كان من * استشهد حضرته له في كابول في حياة المسيح الموعود الكلية.(المترجم)
۱۷۱ سورة الشعراء الجزء السابع تلاميذه ، فأشار عليه أن يفرّ من هناك لأن حياته مهددة بالخطر، ولكن حضرته أجابه: هات بالسلاسل وقيدني بها، لأن الله تعالى قد أخبرني البارحة أنني سألبس أسورة من الذهب، فلا أخاف الموت، بل أود أن أضحي بنفسي لنجاة قومي.ثم لما رشقوه بالحجارة كان قلبه خاليًا من أي بغضاء تجاه قومه.بل لما أرادوا دفنه إلى نصفه قبل رشقه بالحجارة حتى لا يهرب قال لهم : لا داعي لدفني هكذا لأني لن أهرب.ويقول شهود عيان أنه لما بدأوا رشقه أخذ يدعو الله له بصوت عال: اللهم ارحم قومي فإنهم لا يعلمون! تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية المجلد ٢٠ ص ٤٩ - ٦٠) هذه الأمثلة الرائعة هي التي تحيي الأمم.لا شك أن بين المؤمنين ضعفاء، ولكن الشباب منهم عندما يرون مثل هذه النماذج الرائعة للتضحية تمتلئ قلوبهم حماسا ويقولون: كم كان مصير هذا الإنسان رائعا عند الله ! فهلم بأنفسنا مثله فيقفزون في أنهار النيران والدماء.وهذه هي الحكمة وراء نضحي تشبيه الملكوت الروحاني بالكرم في الإنجيل لوقا ۲۰ ۹-۱۸)، ذلك لأن كرمة العنب هي الشجرة الوحيدة التي تُسقى بالدم فتنفعها كسماد فتظل مخضرة نضرة.إذا، فقد أشار الله الله بهذا التمثيل أن نضارة دينه تتطلب دائما التضحيات الإنسانية، وسوف تعاد إلى هذا البستان الحياة والنضارة بإراقة دماء الناس في جذور أشجاره.إن التاريخ الطويل للجماعات الروحانية دليل ساطع على صدق هذه الحقيقة، إذ لم يُبعث نبي قط إلا ومرت جماعته بأشد المحن والخطوب.لقد اعتقلوا وقتلوا وصلبوا واستشهدوا بالسيوف، ورغم كل هذا التعذيب والأذى كانت الغلبة للحق دائمًا.لقد دمّر نبوخذنصر بيت المقدس بعد داود الله تدميرًا، و لم يُبق من الهيكل السليماني أثراً.(الموسوعة التوراتية : المجلد ۳ ص ۳۳۷۰ تحت كلمة Nebuchadrezzar) العليا من ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لم تستطع الدنيا محو ما أتى به موسى تعاليم ولا تزال كرامته قائمة في الدنيا حتى اليوم، ولا يزال هناك من يضحون بأرواحهم دفاعا عن اسمه.يمكن أن يسب المرء ملكًا حيًّا مستبدا يملك نظام
الجزء السابع ۱۷۲ سورة الشعراء مخابرات مدهشاً ومع ذلك يمكن أن ينجو من عقابه ويفلت من بطشه، ولكن هؤلاء الأنبياء الذين كانوا بشرا كغيرهم وقضوا حياتهم في فقر، وإذا كان بعضهم ملوكا فلم يكونوا كملوك الدنيا، ورغم أنهم مدفونون اليوم تحت أطنان من التراب، ولا يوجد أثر لنسل بعضهم، وقد اندثرت أمم بعضهم، ومع ذلك إذا أساء أعتى ملك في العالم بحقهم فلا يمكن أن ينجو من الخزي والهوان، وليس ذلك إلا لأنهم رضوا بأن يُذبحوا بسكين محبة الله الله، فنالوا لقب "أكباش الله".وكما أن لحم الكبش بعد الذبح يصبح الذبح غذاء للإنسان وجزءاً من جسده، كذلك فإن الذين يصبحون أكباشًا الله تعالى ويُذبحون ويتفانون في الله تعالى، ينالون الملكوت الأبدي.والحق أن السَّحَرة الذين آمنوا بموسى ال قدموا هذا النموذج الرائع للتضحية، فقالوا لفرعون: لقد أصبحت قلوبنا الآن عامرة بنور الإيمان، فلن ننحرف عن جادة الحق من جراء ما تصبه علينا من العذاب.بعد ذلك هذا هو الإيمان الذي يهب النجاة للإنسان، وهذه هي روح التضحية التي تجعل الأمم غالبة في الدنيا.وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ) ۵۳ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَابِنِ حَشِرِينَ ( إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (3) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَابِطُونَ (2) وَإِنَّا لَجَمِيعُ حَنذِرُونَ ) * شرح الكلمات: ۵۷ أَسْر : سرَى الرجل: سارَ عامةَ الليل أي معظمه.وأسرى بمعنى سرى؛ وقيل: أسرى لأول الليل وسرى لآخر الليل.(الأقرب) فالمراد من قوله تعالى أسْرِ بعبادي..اخرج بعبادي ليلاً، أو اخرج بهم في بداية الليل.شرذمة: الشرذمة: الجماعة القليلة من الناس.(الأقرب)
الجزء السابع ۱۷۳ سورة الشعراء حاذرون جمعُ حاذر ، وهو المتأهب المستعد.(الأقرب) التفسير : أي أن الله تعالى أخبر العليا أن فرعون قد خاف كثيرا فلا موسی حاجة لاستئذانه، بل اخرج بقومك باسم الله ليلاً.ولكن عليك بأخذ الحذر لأن فرعون وأصحابه سيطاردونكم.وهذا ما حصل بالفعل حيث بعث فرعون رسله في جميع المدن، وأعلن أن بني إسرائيل جماعة صغيرة حقيرة تثير سخطنا ونحن جماعة كبيرة ذات عدة وعتاد، فكيف يمكن أن نخاف هذه الأقلية ولا نبادر بالقضاء عليها؟ هذا العيب نجده في أعداء كل نبي في أي عصر، حيث يصيبهم الزهو بكثرتهم وقوتهم، فبدلاً من أن يراعوا مشاعر الآخرين يهدّدونهم بإصلاحهم بالعصا إذا لم يرضوا بقولهم.يقال إن ذئبا كان يشرب الماء من جدول، فجاء جدي وأخذ في شرب الماء.فلما رآه الذئب سال لعابه وأراد أكله والحيوان ليس كالإنسان، لأن الإنسان يقدّم الدليل لتبرير ما يفعل، أما الحيوان فهو في غنى عن تبرير فعله.وحيث إن الذئب في هذه الحكاية يبرر أكل الجدي بدليل كما سنرى لاحقا، فالمراد من الذئب هنا إنسان عنده خصال الذئب، والمراد من الجدي إنسان ذو خصال الجدي.على أية حال، طمع الذئب في افتراس الجدي فقال له: لماذا تكدر الماء الذي أشربه! ألا تستحي؟ فأجابه الجدي سيدي أنا لا أكدّر ،ماءك، حيث ترى أنك في الناحية العليا من الجدول وأنا في الناحية السفلى منه، وأشرب من الماء الذي يجري من عندك، وليس العكس.فتقدّم الذئب ولطّم الجدي وقال: كيف تجاسرت يا قليل الأدب أن تردّ عليّ؟ هذا هو مثل أعداء الحق.إنهم لا يفكرون ليروا ما هو الحق إنما يرون أنهم يشكلون الأكثرية وأنهم قادرون على أن يفعلوا ما يحلو لهم.أتذكر أن المولوي ثناء الله الأمر تسري جاء قاديان مرة وقال لأتباعه في اجتماع كبير بين هتافات التكبير: أبين لكم أمرًا مهما هناك طريق سهل للفصل بيني وبين الميرزا محمود، وهو أن نسافر أنا وهو بالقطار إلى مدينة "كولكتا" وسيقف القطار
١٧٤ سورة الشعراء الجزء السابع بعشرات المحطات، وسترى الدنيا أَيُّنا يُرشق بالحجارة وأينا يُمطَر بالورود، ويحظى بتأييد المسلمين؟ فجاءني الإخوة وقد بلغ منهم الذعر كل مبلغ وقالوا: كان لقول الأمر تسري تأثير كبير في الناس ونفخ فيهم حماسًا وهياجا.وكان من المخطط أن أُلقي في المساء كلمة فقلتُ فيها: لقد قام الشيخ ثناء الله بنفسه بفصل القضية وأخبر أينا صادق وأينا كاذب، والفرق الوحيد أنه قد أتى بهذا الاستنتاج من عند نفسه، ولكن ما حصل في زمن النبي يؤيدنا نحن.وقلت: يقترح المولوي ثناء الله الأمر تسري أن نسافر معًا بالقطار إلى "كولكتا" لنرى أينا يُستقبل في الطريق بالورود وأينا بالحجارة، واستنتج الشيخ الأمر تسري أن الذي سيستقبل بالورود هو على الحق، مع أنه لم يكن بحاجة ليقوم بأي استنتاج، إذ يوجد أمامنا مثال لمحمد ﷺ وأبي جهل.فليخبرنا الشيخ الأمر تسري أي منهما كان يُرشق بالأحجار في مكة وأي منهما كان يُستقبل بالورود؟ فما دام النبي هو الذي كان يُرشق بالحجارة، وما دام أبو جهل هو الذي يُستقبل بالورود، فالنتيجة واضحة.إن الذي يُرشق بالأحجار ،صادق، والذي يُستقبل بالأزهار كاذب.إذًا، يشكل من لا دين لهم الأكثرية في بعض الأحيان، فيصبون على غيرهم كل نوع من الظلم والتعذيب، ولكن ما يحدث هو أن العاشق الصادق يصاب بنوع من النشوة مثلما تصاب الأكثرية بالزهو والغرور ويُفقدهم العقل والصواب، ولكن النشوة التي تصيب العاشق الصادق لا تدفعه إلى قتل الآخرين بل تجعله يقدّم نفسه للقتل.وبالفعل ترى أن أصحاب الأكثرية قد قتلوا دائما أصحاب الأقلية نتيجة زهوهم، ولكن العاشقين قد ضحوا بأرواحهم من أجل من عشقوهم دائما.وقد أشار المسيح الموعود اللة إلى هذه الحقيقة في بيت شعر له بالفارسية، فقال: در کوۓ تو اگر سر عشاق را زنند اوّل کسے کہ لاف تعشق نزند منم ك (آئینه کمالات إسلام الخزائن الروحانية المجلد الخامس ص (٦٥٨
۱۷۵ سورة الشعراء الجزء السابع أي لو صدر الحكم بكل من يعلن عشقه لك ويقصد ديارك – وإن كان العشق لا يحتاج إلى ادعاء - فإني أوّل من يهتف بعشقك على الملأ.الحق أن العاشق والمسلم ليسا بضدين، بل هما اسمان لشيء واحد، ولكن ليس المراد من العاشق هنا من يتبع هواه، بل المسلم الصادق الكامل في إيمانه.فإنه لا يصبر على المصائب فحسب، بل يُصاب بالقلق والاضطراب إذا لم تحل به المصائب مخافة أن يكون حبيبه قد سخط عليه إن الهروب من المصائب من دأب المنافق.والحق أن الصبر على الشدائد ليس من خواص المسلم فقط، بل قد يصبر عليها والمسلم الصادق من يصبر عند حلول المحن فحسب، بل يعتبر فترة الشدائد سببا لرقيه الروحاني، وإذا تأخرت عنه المصائب لفترة من الزمن أصابه القلق خوفا من غيره.أن يكون قد حصل نقص في إيمانه فلا يدبر له ربّه ما يكشف إيمانه على الناس.إذا، فإن الأكثرية تظلم المؤمنين نتيجة كبريائها، ولكنهم يصبرون على ظلمهم إلى أن يبلغ السيل الزبى، فيعاقب المجرمون الذين يضطهدون الآخرين مغترين بقوتهم.لما فتح النبي ﷺ مكة سأل الكافرين الذين كانوا يعذبونه وأصحابه ليل نهار أشد التعذيب، وقال: يا أهل مكة، ماذا ترون أني فاعل بكم؟ و لم يكن يعني بقوله هذا إلا أن يذكرهم بأنهم كانوا يحتقرونه مغرورين بأن تسعة وتسعين بالمائة من أهل فكيف يجرؤ على مواجهتهم؟ فهؤلاء الذين كانوا يدعون الأكثرية معهم، أصبحوا في ذلك اليوم عديمي الحيلة كلية و لم يملكوا إلا أن قالوا له : نأمل أن مكة تعاملنا كما عامل يوسف إخوته.فعفا عنهم جميعا وكان فرعون أيضا مغرورا بالأكثرية، بل الحق أننا لو أمعنا النظر لوجدنا أنه منذ أن خُلقت الدنيا وُجد فيها نوعان من الحكومات دائمًا: إحداهما تعتمد على نص ما ورد في شتى المصادر هو كالآتي: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم.قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم.اذهبوا فأنتم الطلقاء." (زاد المعاد في هدي خير العباد: المجد الثاني ص ١٦٥، دخول النبي والمسلمين (مكة) (المترجم)
١٧٦ سورة الشعراء الجزء السابع العقل والمنطق، والأخرى تعتمد على القوة والبطش.وقد اختلفت التعابير الآن باختلاف الزمان، حيث تُسمى اليوم الحكومة التي تعمل بالعقل والحكمة جمهورية، بينما تُسمى الحكومة التي تعمل معتمدة على القوة والبطش والعنف دكتاتورية، أو يطلقون عليها أحيانا "هتلرية".ومهما اختلفت الأسماء والتعابير فإن هاتين القوتين لا تزالان تعملان في الدنيا منذ زمن آدم إلى يومنا هذا.حيث يتضح من القرآن الكريم أن آدم كان له ابنان فقربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر.لقد قدّم أحدهما قربانه بإخلاص وتقوى فتُقبّل، ولكن الآخر قدم قربانا خاليا من الإخلاص والتقوى فرفض (المائدة:۲۸).وكان الطريق الحكيم السليم الذي كان أن يتبعه من رفض قربانه أن يتحلى بالتقوى والتواضع مدركًا أن الله تعالى هو الذي رفض قربانه وليس أخوه ولكنه حمل العصا وجاء إلى أخيه وقال لأقتلنك.أما أخوه فاتبع سبيل العقل والمنطق وقال له: إن الله هو الذي يقبل ينبغي القرابين من الناس، فإذا لم يقبله منك فلا ذنب لي في ذلك، فإنما أنا عبد متواضع.وهذه هي الفطرة الإنسانية منذ القدم، حين لم تكن هناك أية مصطلحات كالدكتاتورية والجمهورية، ولكن الروح التي تؤدي إليهما كانت موجودة.وهذان التياران المتوازيان مستمران منذ خلق آدم أو منذ خلق الكون.إذ وجدت في الدنيا طبقة من الناس لم تزل متمسكة بالحق والإنصاف، وطبقة أخرى تتباهى بقوتها ومنعتها ولا تبرح تعلن أنها ستفرض رأيها على الآخرين في كل حال، وإذا لم يتبع الناس رأيها فستُرغمهم على ذلك من خلال القوة التي تتمتع بها حكومتها وحزبها.وبما أن جماعات الأنبياء تكون صغيرة في بدايتها دائمًا ، بل تكون أحيانًا قليلة العدد لدرجة أن الرسول ﷺ قال: "إنه لم يؤمن ببعض الأنبياء إلا شخص واحد" (البخاري: كتاب الطب، باب من لم يرق)، ومن أجل ذلك يستهزئ بهم الجميع ويعتبرون دعواهم ضربا من الجنون.وإن غرور فرعون بقوته جعله يبعث المنادين إلى كل المدن ليحرّضوا الشعب ضد بني إسرائيل ويقولوا: كيف تجرؤ هذه الجماعة الصغيرة الحقيرة على إثارة غيظنا مع أننا نشكل الأكثرية الساحقة، ونملك العدة والعتاد
الجزء السابع ۱۷۷ سورة الشعراء ونعمل بحذر وبعد نظر ، فمن واجبنا أن نسحق هؤلاء الأراذل بكل قوة ونغلق في وجوههم كل باب للرقي.۵۹ ٦٢ فَأَخْرَجْتَهُم مِّن جَنَّتٍ وَعُيُونٍ = وَكُنُوزِ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَها بَنى إسْراويل ) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاهَا الْجَمْعَان قَالَ أَصْحَبُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ شرح قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ الكلمات : ٦٣ كنوز: جمع كنز والكنز: اسمٌ للمال إذا أُحرز في وعاء؛ الذهب والفضة؛ ما يُحرز فيه المال كالمخزن والصندوق.(الأقرب) مشرقين: جمعُ مُشرِق، وأشرق الرجلُ : دخل في شروق الشمس.(الأقرب) التفسير: كان فرعون مغرورا بكثرة جنده وقوته وكان يحتقر بني إسرائيل احتقارا شديدا، فلما علم أن موسی قد ذهب ببني إسرائيل خرج بجنوده لمطاردتهم.يقول الله هكذا أخرجنا فرعون وجنده من البساتين والعيون والكنوز وبلاده أننا التي كان معززا فيها وجعلنا بني إسرائيل ورثة لهذه النعم.والجدير بالملاحظة هنا أن الله الله قد قال عن فرعون وجنوده أَخْرَجْنَاهُمْ)، مع أنهم قد خرجوا من هناك بأنفسهم في الظاهر.والحق أن الله تعالى قد نسب هذا الفعل إلى نفسه لأن فرعون إنما خرج من هناك بسبب موسی الذي جاءه في مصر ثم خرج منها ، والواضح أن موسى ل لم يذهب إلى فرعون العلم ولم يخرج ببني إسرائيل من مصر إلا بأمر الله الله ، وهكذا فإنه تعالى هو الذي أخرج فرعون وجنوده ولو بطريق غير مباشر.
الجزء السابع ۱۷۸ سورة الشعراء أما قوله تعالى: (وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فليس المراد أن الله تعالى أعطاهم نفس البساتين والعيون والكنوز التي كان يملكها فرعون وقومه، بل المعنى أنه تعالى أورثهم بساتين وعيونا وكنوزا مماثلة في فلسطين.يظن البعض خطاً أن بني إسرائيل أصبحوا مسيطرين على مصر، ولكنه ظنّ باطل لا يصدقه القرآن ولا التوراة إنهما يبيّنان أن بني إسرائيل بعد أن خرجوا من مصر ظلوا تائهين في البراري مدة طويلة نتيجة عصيانهم، وبعد قضاء أربعين سنة في التيه استولوا على أرض كنعان فليس المراد من قوله تعالى: (أورثناها أرض مصر، بل أرض تيسرت لهم فيها كل تلك النعم، وهي أرض فلسطين التي فيها البساتين والعيون كما في أرض مصر.أما قوله تعالى: فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرقينَ فيكشف أن فرعون وجنوده خرجوا لمطاردة موسى اللي عند شروق الشمس، أما موسى فكان قد أخذ أهبته للسفر مسبقا، فخرج قبل جنود فرعون؛ ولكن لما تراءت الفئتان خاف أصحاب موسى الذين ظلوا عبيدا لفرعون منذ قرون ورفعوا عقيرتهم قائلين: يا موسى إنا لمدركون.فهداً موسى ال من جزعهم وقال لا تقولوا هكذا! إن هؤلاء الجنود العلية لا : معهم فرعون، أما جنودي فمعهم الله تعالى، وسوف يعبر بنا البحر حتما.لا شك أن هذا نموذج عظيم للثقة بالله تعالى من قبل موسى ال، ولكننا لا يسعنا إنكار الحقيقة أن نموذج التوكل واليقين والإيمان الكامل الذي نراه في حياة الرسول ﷺ حين كان محدقا بأخطار أشد وظروف أحلك لهو أسمى وأرفع شأنا وأدعى للإيمان من توكل موسى العل.فعندما أمره الله الا الله بالهجرة اصطحب أبا بكر وخرج إلى جبل ثور الواقع على مسافة ستة أميال من مكة، واختبأ في غار في قمة الجبل.وفي الصباح لما لم يجده الكافرون في بيته وعلموا أنه قد خرج من بينهم رغم محاصرتهم إياه، خرجوا لتوهم يبحثون عنه مستعينين بأفضل قصاصي الأثر في مكة.فوصل بهم إلى مدخل الغار متتبعا آثارهما، وقال: إذا كان محمد في مكان على الأرض فهو هنا، إذ لا أجد آثار الأقدام بعد ذلك كان العدو واقفا على رأس الغار و لم يكن مدخله ضيقا حتى يصعب عليهم أن يطلوا منه إلى الداخل ليروا ما
۱۷۹ سورة الشعراء الجزء السابع إذا كان بداخله أحد أم لا، بل كان مدخله واسعا.ورغم ذلك لم يصب النبي ﷺ خوف ولا ذعر، بل إن قوته القدسية قد جعلت قلب أبي بكر أيضًا قويًا الذي لم كأصحاب إنا لَمُدْرَكون بل كل ما قاله هو: يا رسول الله، لقد يقل موسی اقترب العدو منا جدا بحيث لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا.فقال له النبي ﷺ: "يا أبا بكر، ما ظُنُّك باثنين الله ثالثهما"..أي لسنا اثنين بل إن الله معنا، فكيف يمكن أن يرونا؟ (البخاري: كتاب التفسير، باب قوله: ثاني اثنين إذ هما في الغار...، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر ، والسيرة الحلبية).وهذا ما حصل بالضبط، فبرغم أن الأعداء كانوا قد وصلوا إلى مدخل الغار إلا أنهم لم يتقدموا ليطلوا داخله، بل رجعوا متأسفين حانقين.إذا، هناك عدة جوانب في هذا الحادث تسترعي الانتباه، أولها: أن أصحاب موسى ال قالوا مذعورين إنا لمدركون، وهذا يعني أنهم ظنوا أن فرعون سيقبض على موسى معهم، ولكن توكل النبي الا الله على ربه قد أثر في صاحبه أيضا فلم يقل "إنا لمدركون" بل قال : لقد اقترب منا العدو بحيث يستطيع أن يرانا.ولكن النبي لم يرض بهذا الظن أيضا وقال : لا تظن ،هكذا فإننا لسنا وحدنا بل نحن ثلاثة حيث إن الله الله معنا.وثانيها: أن موسی العليا لما خرج من مصر كان معه آلاف من بني إسرائيل الذين قد جعلتهم التوراة مئات الآلاف على سبيل المبالغة (الخروج ۱۲: ۳۷-۳۸) أما النبي فلم يكن معه جمع غفير بل شخص واحد، وإن كان هذا الشخص الواحد يزيد على مئات الآلاف بسبب إيمانه.وثالثها: أنه كان أمام موسى العلم وأصحابه محال للفرار، أما النبي ﷺ فكان محصورا في الغار لا يمكنه الفرار منه.وبرغم أن النبي ﷺ كان معه شخص واحد، وبرغم أنه لم يكن أمامه طريق للفرار، وبرغم أنه لم يكن معه أي سلاح، إلا أنه كان واثقا بالله الدرجة أنه قال لأبي بكر : لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا (التوبة: ٤٠).
الجزء السابع ۱۸۰ سورة الشعراء معه وقال له: ورابعها: قال موسى ال: إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ..أي سيدلني على طريق النجاح، أما محمد الله فقال : إِنَّ الله مَعَنَا، وهكذا شمل أبا بكر ﷺ إنك أيضا تتمتع بمعية الله مثلي، فلا داعي للقلق.وخامسها: أليس غريبا أن فرعون لما خرج في مطاردة موسى اله وأصحابه فإنه رآهم أما النبي ﷺ فإن أهل مكة لما خرجوا لمطاردته أعماهم الله الله، فلم يفشلوا في القبض عليه فحسب بل لم يستطيعوا أن يروه أيضًا، وهكذا جعلهم خائبين خاسرين تماما.وأما سُراقة الذي تمكن من رؤية النبي أثناء هجرته إلى المدينة فلم يرجعه الله تعالى إلى مكة إلا بعد أن رأى آية صدق النبي ﷺ ومكانته العظمى.وهذا يعني أن العدو لم يتمكن من رؤية النبي خلال هجرته إلا مرة واحدة، وإن العدو لم يحرز أي نجاح إذ لم يستطع أن ينال من النبي ﷺ شيئا، بل إن النبي هو الذي تمكن من صيده، حيث اعترف بصدقه وعظمته وقت الهجرة وإن كان قد أسلم يوم فتح مكة.الإصابة: حرف السين، سُراقة بن مالك، مجلد ٣ ص ١٣٥) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَأَن لَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (3) وَأَزْلَنَا ثُمَّ الْآخَرِينَ (3) وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ هوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) شرح الكلمات: 79 انفلق انفلق أي انشق.(الأقرب) فرق: الفرق الطائفة من الشيء المتفرق.(اللسان)
الجزء السابع ۱۸۱ الطود: الجبلُ العظيم؛ المشرف من الرمل؛ الهضبة.(الأقرب) أَزْلَفْنا أَزلَفَه: قربه؛ جمعه.(الأقرب) سورة الشعراء التفسير: يخبرنا الله تعالى هنا أنه أوحى إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه، فانشق فتراءى كل من ماء البحر وماء البحيرات الصغيرة الموجودة قريبا من البحر كتلال مرتفعة، فقرّب الله تعالى جنود فرعون من ذلك المكان، فمرّ ال بسهولة من اليابسة المنكشفة بين البحر والترع، بينما أصيب فرعون وجنوده بالذعر حيث أخذت عجلات عرباتهم تغوص في الرمال، فلم يستطيعوا عبورها حتى فاجأهم المدّ وأغرقهم جميعًا.موسی لقد ذكرت التوراة هذه المعجزة كالآتي: "ومد موسى يده على البحر، فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل، وجعل البحر يابسة وانشق الماء.فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة والماء سُورٌ لهم عن يمينهم وعن يسارهم.وتبعهم المصريون ودخلوا وراءهم جميعُ خيل فرعون ومركباته وفرسانه إلى وسط البحر.وكان في هزيع الصبح أن الرب أشرف على عسكر المصريين في عمود النار والسحاب وأزعج عسكر المصريين، و خلع بَكَر مركباتهم حتى ساقوها بثقلة.فقال المصريون: نهرب من إسرائيل لأن الرب يقاتل المصريين عنهم.فقال الرب لموسى : مُدَّ يدك على البحر ليرجع الماء على المصريين على مركباتهم وفرسانهم.فمد موسى يده على البحر، فرجع البحر عند إقبال الصبح إلى حاله الدائمة والمصريون هاربون إلى لقائه.فدفع الرب المصريين في وسط البحر.فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر، لم يبق منهم ولا واحد وأما بنو إسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر والماء سورٌ لهم عن يمينهم وعن يسارهم.فخلص الرب في ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين.ونظر إسرائيل المصريين أمواتا على شاطئ البحر، ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين، فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى." (الخروج ١٤: ٢١-٣١)
۱۸۲ سورة الشعراء الجزء السابع لقد ذكر المفسرون القدامى بصدد هذه المعجزة قصصًا عجيبة غريبة، فقالوا في تفسير قوله تعالى: (فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ إن موسى العلي "ضرب البحر فصار وانشق اثني عشر فلقا بعدد الأسباط" (فتح البيان)، لتعبر كل قبيلة من مسلك منفصل.وقد بالغ البعض أكثر فقال إن جدارًا مائيًا حال بين كل قبيلة وأخرى، فلم يستطع بعضهم رؤية بعض فقالوا لموسى: لن نتقدم خطوة واحدة ما لم ير بعضنا بعضًا.فدعا موسى ربه، فأمره الله الله أن يُدخل عصاه بين الجدران المائية الحائلة بينهم، ففعل، فصارت فيها كُوى فتراءَوا وتسامعوا كلامهم"، وعبروا البحر فرحين مسرورين.(الكشاف) ولا شك أن المفسرين قد ذكروا هذه القصة إشباعًا لطبائعهم المعجبة بالعجائب والغرائب.ليتهم ذكروا أيضًا طول عصا موسى التي تمكن بتمريرة واحدة بها من ثقب جميع الجدران المائية الحائلة بين اثني عشر مسلكًا مرّ بها اليهود.وليتهم بينوا أمرًا آخر وهو أن بني إسرائيل إذا كانوا متحابين فيما بينهم بحيث رفضوا عبور البحر إلا ويرى بعضهم بعضا، فلماذا لم يعبروه من طريق واحد؟ ولماذا اختارت كل قبيلة طريقا منفصلاً؟ فعبورهم البحر من طرق مختلفة في ذلك الوقت الحرج الذي كان فرعون يطاردهم فيه، وحب بعضهم لبعض لدرجة أنهم قد رفضوا التقدم خطوة واحدة إلا إذا كانوا يرون بعضهم بعضا، لأمران متعارضان يدلان على أن القصة كلها كذب وافتراء.كل ما في الأمر أن الله الله قد أتى ببني إسرائيل إلى البحر وقت الجزر، فما إن العلبة بعصاه البحر حتى أخذ الماء ينحسر.وعندما وصل فرعون ضرب موسی البحر كان معظم اليابسة التي انحسر عنها ماء البحر، فلما العليا قد عبر موسی رآهم فرعون يعبرون البحر من ذلك المكان أسرع وراءهم بعرباته.ولكن رمال البحر أدّت إلى هلاكه وجنوده حيث أخذت عجلات عرباتهم تغوص في الرمال، وقضوا وقتًا طويلا في محاولة إخراجها من الرمال، حتى حان وقت المد، فرجع الماء وأغرق فرعون وجنوده.
۱۸۳ سورة الشعراء الجزء السابع والحق أن قوله تعالى فانفلق) أيضًا يشير إلى هذه الحقيقة، لأن الانفلاق يعنى الانشقاق والانفصال.والمراد من انفلاق البحر أن ماءه انحسر عن الشاطئ، فظهرت اليابسة، فمرّ بها بنو إسرائيل والبحرُ على جانب منهم والبحيرات الصغيرة الواقعة قريبا من البحر على جانبهم الآخر، وتراءت لهم مياه البحر والبحيرات كتلال مرتفعة.الا تلبي الأكثرية منهم يقول الله مشيرًا إلى هذه المعجزة العظيمة: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةٌ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )..أي تكمن في هذه الواقعة آية عظيمة تدل على قدرة الله الله وعظمته، ولكن المؤسف أن الناس يتعامون عن هذه الآيات العظيمة ولا يحظون برضاه وحبه من خلال الإيمان بأنبيائه.فكلما يأتيهم نبي من عنده الله يكفر به الأكثرية منهم وقليل هم الذين ينالون شرف الإيمان به.مع أن المفروض بعد رؤية هذه الآيات العظيمة أن نداء الله تعالى، ولا يحرم من ذلك إلا قلة قليلة جدًا.ولكن الغريب والمؤسف جدا أن الناس لا يفتحون عيونهم لرؤية الحق رغم ظهور مثل تلك الآيات العظيمة أيضًا، بل يصرون على الرفض والإنكار والمعارضة، وبالرغم من إنكارهم يعلن الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ..أي أنه تعالى يجعل أنبياءه غالبين كبرهان على كونه تعالى عزيزا، ورغم استهزائهم وكفرهم يبعث رسوله مرة أخرى عند ظهور الفساد في الأرض، كدليل على أنه تعالى رحيم.ذلك أن الرحيم على وزن فعيل، والكلمات العربية التي تكون على هذا الوزن تدل دائمًا على الاستمرار والتواتر؛ وعليه فقد أشار الله بذكر صفته "الرحيم" هنا إلى سنته المستمرة منذ الأزل أنه كلما ظهر الفساد في الأرض بعث الله لا أحدًا من عنده ليأتي إليه بعباده الضالين التائهين ويوصلهم به ثانية فلم يُبعث في الدنيا نبي قط لم يتغلب على أعدائه، ولم يحدث قط في الدنيا أن أهلها فسدوا و لم يهيئ الله الأسباب لإصلاحهم.لقد جاء آدم فعارضه الناس ولكن الله الله لم يقل بسبب معارضتهم: حسنًا لن نبعث إليهم بعد ذلك نبيا، بل بعث نوحا بعد آدم لهدايتهم.فتعرض نوح أيضًا للمعارضة الشديدة، ومع ذلك لما وجد الله لعباده قد ضلوا بعده أقام إبراهيم لهدايتهم.
الجزء السابع ١٨٤ سورة الشعراء فواجه إبراهيم أيضًا معارضة شديدة حتى ألقوه في النار، ورغم ذلك بعث ربنا لهداية البشر، ثم بعث من بعده في أمته مئات الأنبياء الذين قد قتل بعضهم الرحيم موسى أيضًا، = ورغم العداء الشديد الذي تعرض له الأنبياء قد بعث الله تعالى نبيه لهداية الناس حين رأى أن الفساد قد ظهر في البر والبحر.إذًا، فإننا نجد في كل عصر الدلائل على كون الله الله عزيزا حيث كان الله ورسله هم الغالبين في كل عصر كما يعلن الله له في موضع الله آخر من القرآن الكريم : كَتَبَ اللهُ لَأَغْلَبَنَّ أَنَا وَرُسُلي (المعادلة : (۲۲).كما نجد البراهين على كون الله رحيما أيضًا في كل ،عصر، بمعنى أنه تعالى لم يزل - رغم معارضة الناس لأحبته بكل شدة - يبعث رسله لهدايتهم مرة تلو أخرى.وقد ذكر الله له في قصة العليا صفتيه "العزيز" و"الرحيم" لأنها قد أكدت أن الله عزيز حيث صار موسى ال غالبا على فرعون الذي دمر تدميرًا، برغم أن موسى ال لم يملك أية قوة إزاء فرعون وجنوده.كما برهنت هذه المعجزة على أن الله الله رحيم أيضا، حيث لم يمتنع له عن بعث رسله إلى الناس على الرغم من تعرض نبيه موسى لمعارضة شديدة، بل كلما ضرب عباده الجوع والإفلاس روحانيا بعث رسله لمساعدتهم وإصلاحهم.موسی وَاتِّلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ : إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (3) قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَيْدِينَ = قَالَ ۷۱ ) ۷۲ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَدَ عُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا وَابَاءَنَا كَذَلِكَ يَعَلُونَ ) شرح الكلمات : ٧٤ أصناما : الأصنام جمع صنم وهو صورة أو تمثالُ إنسان أو حيوان يتخذ للعبادة، أو كلُّ ما عُبد من دون الله.(الأقرب)
الجزء السابع ١٨٥ سورة الشعراء وورد في "المفردات": بل كل ما يشغل عن الله تعالى يقال له صنم.عاكفين: العكوف: الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم له.(المفردات) التفسير : هنا يأمر الله تعالى رسوله أن يتلو الآن على قومه - للتدليل على قصة إبراهيم الذي علم قومه التوحيد ونهاهم عن عبادة كون الله عزيزا الأصنام.- كان إبراهيم ال من مدينة "أور" في بلاد الكلدانيين، وقد ولد في عائلة تعبد الأصنام، بل تنحتها وتعيش على بيعها وما يُقَدَّم لها من قرابين.تُوفي أبوه وهو طفل صغير، فتربّى عند عمه، وعندما بدأ الأمور جعله عمه يشتغل في أولاده.لم يدر عمه الجاهل بالحقيقة أن هذا القلب الذي قد بيع يعي بدأ يوم أبناء عمه الأصنام مع اختاره خالق الكون لا يمكن أن يكون فيه مكان للأصنام.ففي أول إبراهيم العمل في محل عمه جاء شيخ عجوز ثري لشراء صنم، ففرح بأنهم سيربحون اليوم ربحًا كثيرا فاختار العجوز صنما وأراد دفع ثمنه، فتوجه إبراهيم الصبي إلى الزبون وقال له : أيها العجوز، ماذا ستفعل بهذا الصنم وقد بلغت من الكبر عتيا؟ قال: سأحمله إلى بيتي وأضعه في مكان نظيف طاهر وسأعبده.فلم يتمالك الطفل مشاعره وسأل العجوز: كم عمرك؟ فأخبره عن عمره فضحك الطفل ساخرًا وقال: ألا تستحي وقد بلغت هذه السن الكبيرة أن تخرّ ساجدًا أمام الصنم الذي قد صنعه عمي قبل أيام؟ الله أعلم ما إذا كان جواب الطفل قد أشعل جذوة التوحيد في قلب العجوز أم لا، إلا أنه لم يستطع شراء الصنم بل رماه وذهب فسخط أبناء عم إبراهيم لأنهم خسروا زبونا جيدا، فشكوه إلى أبيهم "تارح"، فعاقبه عقابًا شديدًا.(الموسوعة اليهودية تحت كلمة: Abraham) وكان هذا أوّل عقاب تحمّله هذا الصبي الطاهر الصغير السن في سبيل وحدانية تعالى، ولكنه زاده حماسًا وتمسكا بوحدانية الله تعالى بدلاً من أن تخمد جذوتها في قلبه.فقد دفعه هذا العقاب إلى التفكير والتدبر الذي فتح عليه نوافذ المعرفة.الله
117 سورة الشعراء الجزء السابع حتى إذا بلغ رشده تحوَّل طيبه الفطري إلى عقيدة راسخة.وفي الأخير نزل النور الإلهى على نور ،عقله ونزل عليه نور الوحى ،والإلهام، فشرّفه الله بالنبوة ليقوم بمهمة إصلاح الدنيا.ولما كانت عائلة إبراهيم الله كلها تعيش على ما تدرّه عليها تجارة الأصنام، وكان عمه "تارح" نفسه يعبد الأصنام كما هو ثابت من سفر يشوع ٢٤: ٢ من التوراة، فقال له عمّه وأبناؤه إننا كما تعلم يا إبراهيم، عائلة من الكهان وليس لنا أي مورد آخر للدخل، فإذا امتنعت عن عبادة الأوثان انقطع رزقنا.فأجابهم الصبي بكل شجاعة: لن أسجد لأصنام يصنعها الناس بأيديهم.والحق أن من المحال أن يعرف عظمة جواب إبراهيم إلا الذي أتيحت له فرصة التضحية في سبيل الله تعالى فبرغم أنه توجد في هذا العصر حكومات منظمة، ويسوده الأمن والسلام، ولا يتعرّض فيه المرء لكثير من المحن والشدائد لو دخل في الأحمدية، ومع ومع ذلك يكتب إلي بعض من ينكشف عليهم صدق الأحمدية من ذوي الثقافة والذين لديهم أهل وعيال ويقولون: كيف تواسوننا وماذا يكون مورد رزقنا إذا دخلنا في الأحمدية؟ أما إبراهيم ال فكان كسير القلب سلفًا، إذ كان يتيما لا أهل له ولا أقارب إلا عمّه الذي كان يربّيه، ومع ذلك لم يفكر إبراهيم في كيفية عيشه إذا ما طرده عمه، بل أجاب بكل شجاعة وبدون تردد: لن أسجد لأصنام يصنعها البشر ! لقد رؤساء الآن مكة وقع حادث مماثل مع النبي ، وذلك أنه لما طالت دعوته ضد الشرك ويئس من إرجاعه وأصحابه إلى دينهم رغم جهودهم المضنية، أتوا عمه أبا طالب وقالوا: إن ابن أخيك يستحق أن نعامله بالقسوة، ولكنا لم نتشدد عليه حتى من أجلك.إنه لا يزال يسيء إلى آلهتنا إساءة كبيرة رغم عيشه تحت حكمنا، وقد استفحل أمره الآن ولن نصبر أكثر من ذلك، وقد جئناك لنخبرك بقرارنا النهائي بأن تنصحه بالكفّ عما يفعل.إننا لا نمنعه من عرض تعليمه على الناس وإنما نريد أن لا يتكلم عن آلهتنا بسوء وشدة بل يلين في دعوته، ولو لم ينتصح بنصحك من أجلنا، فعليك بأن تقاطعه وتخلي بيننا وبينه ولئن لم تقبل بقرارنا فلن
۱۸۷ سورة الشعراء الجزء السابع نصبر أكثر من ذلك، فقد بلغ السيل الزبى، ولسوف نقاطعك أيضا رغم احترامنا لك واعترافنا بفضل عائلتك.عنه لم يكن أبو طالب مؤمنا بالرسول ﷺ و لم تكن عنده تلك الشجاعة التي تتولد في قلب المرء بعد الإيمان.لقد كان من رؤساء القوم وكان أخوف ما يخافه أن يفقد الرئاسة.كانت مكة كلها تحترمه وتبجله، فإذا لم يتخل عن النبي ﷺ فسيعرض الجميع.وهذا لم يكن بأمر هين، حيث يبذل الناس الكثير حفاظا على مثل هذا الشرف والمكانة، ويودّون أن يأتي الناس إليهم للتبجيل والتعظيم.كان حضرة المولوي نور الدين له الخليفة الأول للمسيح الموعود لما رجع إلى وطنه "بهيرة" بعد انتهائه من الدراسة * أثار بعض المشايخ ضجة كبيرة ضده بأنه وهّابي، وقادوا حملة تكفير ضده.وكان هناك شيخ كبير للمتصوفين ذو نفوذ كبير في "بهيرة" وما حولها.فذهب إليه المشايخ بفتوى التكفير ليوقع عليها.وكان أصدقاء الخليفة الأول نه لا يخافون المشايخ، ولكنهم خافوا أنه لو انضم شيخ المتصوفين هذا إلى صف المشايخ، فستقع فتنة كبيرة.فذهب أحد زملائه الا الله الأذكياء إلى شيخ المتصوفين وقال له: سمعت أن المشايخ قد جاءوا حضرتك لتوقع لهم على فتوى التكفير.فقال: نعم، لقد جاءني هؤلاء، وأرى أنهم مصيبون في موقفهم، وأريد أن أوقع على فتواهم.قال : إن حضرتك شيخ المتصوفين، ويأتيك الناس ليقدموا لك تحية التبجيل والتعظيم.ومهما كان نور الدين مخطئًا فإنه يقدم لك التحية، ولكنك إذا أفتيت ضده، فسوف يمتنع هو وأصدقاؤه عن تقديم تحية التبجيل لك.فخاف الرجل وقال: ما لنا وللفتاوى؟ عليك أن تقول للمولوي نور الدين أن لا يمتنع عن إلقاء السلام علينا.فرجع صديق الخليفة الأول له وأخبره بما فعل، وأن شيخ المتصوفين ينتظر منه أن لا يتوقف عن تقديم التحية له.فقال حضرته : ما الحرج أن نسلّم عليه؟ فرجع هذا الشخص إلى شيخ المتصوفين وأخبره أن نور الدين يقول إن * علما أن هذه الواقعة حدثت قبل انضمامه الا الله إلى الأحمدية بزمن طويل.(المترجم)
۱۸۸ سورة الشعراء الجزء السابع حضرة الشيخ شخصية كبيرة، وكيف يمكن أن نمتنع عن تقديم التحية له! ففرح الشيخ جدًا وقال: سوف نمرّ من طرف المولوي نور الدين في يوم كذا وقل له أن لا ينسى تقديم التحية لنا.فمرّ في اليوم الموعود من أمام عيادة حضرة المولوي نور الدين لله، فخرج حضرته مع رفاقه للتسليم عليه فأوقف الشيخ حصانه وبدأ يقول لحضرته : لقد جاءنا المشايخ بفتواهم، ولكنا رفضنا التوقيع عليها، وقلنا لهم: ما لنا ولهذه الأمور، فإن الجميع يقدمون لنا التحية.وشاع خبر هذا الحادث في المدينة، فانفصل مريدو شيخ المتصوفين عن الحركة المناوئة لحضرة الخليفة الأول وهدأت عاصفة المعارضة.باعتباره إذا فكان أبو طالب أمام اختبار صعب، فكانت مكة كلها تبجله، وكان يخاف على مكانته المرموقة، فدعا النبي الله وقال : يا ابن أخي، أعلم أن ما تفعله إنما تفعله حقا، وقد ساندتك دائمًا وحميتُك من الأعداء، ولكن القوم قد جاءوني اليوم وهددوني قائلين: قل لابن أخيك أن يلين في الدعوة، وإن لم يفعل فعليك أن تتخلى عن حمايته وإلا فسوف نقاطعك وأنت تعلم يا ابن أخي أن مقاومة القوم كلّهم أمر صعب، فانظر ماذا ترى! فاغرورقت عينا النبي ﷺ بما سمع من عمه وقال: يا عم إنني أكن لك احتراما كبيرا، ولكني لن أرضى بما تقول إزاء الحق، ولو أنهم وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، فلن أرضح لمطلبهم ولن أمتنع عن نشر التوحيد! إنني مستعد أن أضحي لك بكل غال ورخيص، ولكني لن أرضى بما تقول، ويمكنك أن تتخلى عن حمايتي، وتصالح القوم، والله يكفيني.وبرغم أن ترك القوم كان صعبًا جدًّا على أبي طالب، ولكن جواب النبي ﷺ ترك فيه وقعا كبيرا، فقال: فليخذلني قومي إذا شاءوا ولكني لن أخذلك.(السيرة النبوية لابن هشام: المجلد الأول، مباداة رسول الله ﷺ قومه وما كان منهم) لا يمكن أن يقدر مدى أهمية جواب أبي طالب إلا الذين هم ملمون بحادث آخر يدلّ على حالة قلبه.وذلك أنه لما دنا أجله أصاب النبي ﷺ قلق شديد لما كان يكنه له من حب عظيم.لقد تذكر كل ما فعله أجله من حسن المعاملة والتضحيات من الأخرى، فآلمه أن يموت مثل هذا الإنسان المحسن دون أن يُسلم! فأخذ النبي ﷺ يأتي
۱۸۹ الجزء السابع سورة الشعراء عمه من اليمين حينًا ومن الشمال حينًا، ويقول له يا عمّ الموت قريب، فاشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.ولكن أبا طالب لزم الصمت و لم يستجب له.فأصر النبي له كثيرًا واستولت عليه الرقة وهو يقول: يا عمّ، انطق بالشهادة مرة على الأقل لكي أشهد أمام الله تعالى بأنك قد أسلمت.فقال له أبو طالب في الجواب أخيرا: إنني لا أستطيع ترك دين قومي (السيرة الحلبية: المجلد الأول ذكر وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة).وهذا يعني أنه كان يحب قومه كثيرًا بحيث إنه لم يرد أن يدخل الجنة بدونهم.ولكن هذا الشخص الذي كان يكن هذا الحب الشديد لقومه قد تأثر ببسالة النبي في الجواب فقال : فليتركني قومي لو شاءوا ولكني لن أخذلك أبدًا.ينقل جوزيفوس المؤرخ اليهودي الشهير عن المصادر القديمة أن إبراهيم العلة هو أول إنسان أعلن بكل شجاعة أن الله تعالى خالق ،وواحد، وأنه هو المتصرف في النجوم التي تتحرك بأمره.ولما كان الكلدانيون - وهم قومه – يعبدون النجوم، فثاروا عليه غضبا لمعارضته عبادة النجوم، فاضطر للهجرة من وطنه إلى كنعان.وقيل إن إبراهيم كان ابن أربعة عشر عاما حين ترك أباه فرارا من عبادة النجوم والأوثان، ودعا ربه أن ينقذه من أخطاء البشر.وورد أيضا أن إبراهيم اللي اخترع بعض الطرق المفيدة في الزراعة، ودعا أباه "تارح" إلى وحدانية الله تعالى، ولكنه كان يأمره أن يلتزم الصمت خوفا من القوم.وعندما عارضه إخوته أشعل النار في معبد الأوثان، فمات أخوه "حاران" أثناء محاولته لإنقاذ بعض الأصنام - يبدو من هذا أن تلك الأصنام كانت من الخشب ومن أجل ذلك ورد أيضًا أن إبراهيم قطعها بالسيف.وورد أيضا أن إبراهيم ل كان يراقب القمر عند طلوعه في بداية السنة ليعلم العلي كيف تكون المعيشة في تلك السنة، فأوحى الله إليه وقال ما قيمة تأثير النجوم أمام المشيئة الإلهية.فقام إبراهيم بدعاء كثير، وترك قومه من أجل إرساء دعائم الحقائق السامية في العالم.
۱۹۰ سورة الشعراء الجزء السابع وفي بعض الروايات أنه تلقى العلم الحقيقي وعمره ثلاث سنوات، أو عشر سنوات، أو أربعين سنة بحسب مختلف الروايات.وهناك تفاصيل كثيرة عن إبراهيم العلمية في كتب الربيين الفلسطينيين، إذ ورد فيها أن الملك المعاصر له كان اسمه نمرود.وتذكر هذه الروايات المفصلة قصة القمر والنجوم كالآتي: لقد حباً "تارح" إبراهيم ثلاث سنوات خوفًا من الملك نمرود الذي كان يريد قتل أبنائه – لأن المنجمين أخبروه أنه قد ولد طفل سيقضي على حكمه فلما خرج إبراهيم من مخبئه ورأى الشمس ظنّها إلها، فلما أفلت ظنّ أن القمر هو الإله وأن النجوم خدمه، فلما طلع الصبح قال: ليست الشمس ولا القمر إلها إنما الإله غيرهما.فسأل أباه من الذي خلق السماوات والأرض؟ قال: إن إلهنا هذا الصنم الذي أمامنا.فقال إبراهيم سأقدم له نذرا.فأعد طعامًا وقدّمه إليه، ولكنه لم يأكله.فأعد طعامًا أجود من ذي قبل وقدّمه إليه، ولكنه لم يأكل فأحرقه مع الأصنام الأخرى.ولما رجع أبوه تارح قال: من أحرقها؟ فقال: لقد سخط الصنم الكبير على الأصنام الصغيرة وأحرقها! قال أبوه: أيها الأحمق، كيف يمكن أن يحرقها من لا يسمع ولا يرى ولا يمشي؟ قال إبراهيم: فلم تعبدها إذا وتترك الإله الحي؟ وذات يوم جاءت امرأة بطعام نذرًا للأصنام، فقال إبراهيم: إن لهم أفواها لا يتكلمون بها، وعيونا لا يبصرون فيها، وآذانا لا يسمعون بها، وأيدي لا يبطشون بها، فليكن مثلها من صنعها وآمن بها.ثم هب إبراهيم وكسرها ثم أحرقها.فذهبوا به إلى نمرود فقال له: ألم تعلم أنني أنا الإله والحاكم على الكون كله؟ فأجابه إبراهيم: إذا كنت أنت الإله والحاكم على الكون، فأت بالشمس من المغرب بدلاً من المشرق، وإذا كنت أنت الإله والحاكم على الكون، فأخبرني بما هو في نفسي الآن، وماذا سيكون مصيري؟ فبهت نمرود و لم يستطع الجواب.واستمر إبراهيم في کلامه وقال: إنما أنت ابن "كونوس"، وإنك فان مثله.لم تستطع إنقاذ أبيك من الموت، ولن تنجو منه أنت أيضًا.وورد أيضا أن نمرود قال لإبراهيم ال: يجب أن تعبد النار.قال: ولم لا أعبد الماء التي يطفئها؟ قال: حسنًا، اعبد الماء.قال : ولمَ لا أعبد السحب المترعة بالماء؟
الجزء السابع ۱۹۱ سورة الشعراء قال: حسنا اعبدها.قال: لم لا أعبد الرياح التي تسوق السحب أيضًا.قال: حسنًا، اعبد الرياح.قال: ولكن الإنسان ينجو من ضرر الرياح ويختبئ في البيت.قال نمرود فاعبدني ،أنا، فإني ملك الناس! قال: إن كنت إلها فأت بالشمس من المغرب.فأمر نمرود بإحراقه.فجمعوا الخشب وأعدّوا محرقة مساحتها خمسة أمتار مربعة وأشعلوا فيها النار، وألقوا إبراهيم فيها.وإلى ذلك يشير ما ورد في التكوين ١٥: ٧.علمًا أنه قد ورد في بعض النسخ من التوراة في هذا المكان: "أخرجك من نار الكلدانيين." (الموسوعة اليهودية تحت كلمة: Abraham) وكانت عبادة الشمس شائعة في منطقة "كلديا" خاصة، وكان اسم إله الكلدانيين مينوداك (Menodack).كانوا يظنون أنه شعاع الشمس أو ضوء النهار وأنه ينفع الناس.وكانوا يسمونه بَعْلاً أي سيدًا أيضًا.وكان من أصنامهم الآخرين: صنم اسمه "الشمس" أي إله الشمس، وصنم آخر اسمه "السين" أي إله القمر وصنم ثالث اسمه "نيبو" أي الإله النبي أو الإله المعلم.( :3.Nelsons Encyclopedia: vol (Babylonia ) وإشارةً إلى الأحداث نفسها قال الله تعالى هنا لرسوله الكريم : إذا كان قومك لا يتخذون العبرة من أحداث موسى وفرعون، فاقرأ عليهم وقائع إبراهيم لأن أهل مكة يعظمون هذا النبي تعظيمًا كبيرًا.واذكر لهم خاصة ما جرى بين إبراهيم وأبيه وقومه من حوار إذ قال لهم ما تعبدون؟ وبما أنهم قد اتخذوا أصناما باسم الشمس والقمر والنجوم يعبدونها، فقالوا في الجواب : إننا نعبد هذه الأصنام، ونظل لها عاكفين طوال النهار.قال: هل تتلقون أي جواب منهم عندما تنادونهم لتعلموا أنهم قد استجابوا لدعائكم، وهل تظهر أي نتيجة لدعائكم نفعًا أو ضررًا؟ أي إذا كانت هذه الأصنام تمتلك قدرات إلهية فيجب أن تستجيب لدعائكم كما يستجيب الله تعالى لدعاء عباده، وأن تكون قادرة على نفع المؤمنين وتدمير الكافرين بها كما يحمي الله تعالى عباده من كل أذى ويهيئ لهم أسباب الرحمة والبركة.فهل تقدر أصنامكم على كل هذا؟ هل تستجيب لكم دعاء، أو تدفع
الجزء السابع ۱۹۲ سورة الشعراء عنكم ضراً، أو تجلب لكم نفعًا؟ وإذا كانت لا تتمتع بأي من هذه القدرات والصفات، فلم تعبدون ما لا يسمع ولا يجيب ولا ينفع ولا يضر؟ وهذا الدليل يبلغ من القوة بحيث يقول أحد أصحاب النبي ﷺ: لم أدخل في الإسلام إلا نتيجة هذا الدليل وذلك أنني خرجت مرة في سفر وقد حملت معي صنما صغيرًا – بحسب عادة العرب – لينفعني عند الحاجة.وبينما أنا أمر ببرية عنت لي حاجة، فوضعتُ أمتعني هناك وقلت للصنم سيدي، أرجوك أن تقوم بحماية متاعي ريثما أعود من عملي هذا.ولما رجعت وجدت ثعلبا يبول على الصنم رافعًا رجله، فثرت غضبا وقلت ما دام هذا الصنم لم يستطيع حماية نفسه من ثعلب يبول عليه، فكيف يحمي أمتعنتي؟ فرميت الصنم بعيدا وأسلمت حين عدت.ويقول صحابي آخر لقد آمنت بالتوحيد لأني خرجت ذات مرة في سفر مع معي.رفاق لي، فصنعت صنما من العجين وأخذته.وتصادف أن نفد زادنا، و لم نجد شيئًا نأكله رغم البحث المضني.واشتد بنا الجوع، فاضطررنا لقطع صنمي المصنوع من العجين وصنعنا منه الخبز.وعندما شبعنا من الأكل ضحكت على نفسي وقلت ما أشدّني غباء، إذ كنت أعتبر الشيء الذي قطعته وأكلته وهضمته إلها قاضي الحاجات! فأسلمتُ بعد عودتي فوراً.فإبراهيم ال قد نبه هنا قومه إلى عجز الأصنام وقلة حيلتها وقال: هل تنفعكم شيئًا أو تصيب أعداءكم بأذى؟ فقال قومه نادمين كلا، لم نر لعبادتنا لهذه الأصنام أي نتيجة ولا فائدة إلا أننا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، فعبدناها مثلهم.ورد في كتب الحديث: " في رواية مسلم وكانوا يتحدثون، فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم.ومن جملة ما يتحدثون به أنه قال واحد ما نفع أحداً صنمه مثل ما نفعني.قالوا كيف هذا؟ قال: صنعته من الحيس، فجاء القحط، فكنتُ أكله يوماً فيوماً.وقال آخر: رأيت ثعلبين جاءا وصعدا فوق رأس صنم لي ،وبالا عليه، فقلت: أَرَبِّ يبول الثعلبانُ برأسه؟ فجئتك يا رسول الله ،وأسلمتُ كذا في المرقاة." (تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، كتاب الاستئذان والآداب عن رسول الله ﷺ ، باب ما جاء في إنشاد الشعر) (المترجم)
۱۹۳ سورة الشعراء الجزء السابع والحق أن جوابهم هذا يماثل طريفة كان الخليفة الأول و الله يحكيها لنا.وذلك أن كناسا وكناسة كانا يأتيان البلاط الملكي لتنظيفه وكانا قد قاما بتربية الخنازير في بيتهما فمات خنّوص من خنانيصهما وحب المرء للحيوانات التي يربيها، سواء كانت خنازير أو غيرها، أمر طبيعي.وكان الخنّوص بالنسبة للكناسين كالفرس أو كأي حيوان آخر بالنسبة لنا.وفكرت الكناسة أثناء العمل في خنوصها الميت، فأخذت تبكي مستندة إلى جدار القصر.فجاء أحد خدام البلاط ووجدها باكية، فظن أنه ربما وقع مكروه في بيت الملك، وفكر في نفسه أن الناس إذا رأوه لا يبكي أساءوا به الظن وشكوا في ولائه للملك، فأخذ يتباكي.ثم جاء أحد الحراس ووجدهما يبكيان، فظن أن حادثا ما قد وقع في بيت الملك، وفكر أنه لو رآه أحد لا يبكي لشك في ولائه، فأخذ يتباكى.ثم جاء صغار الموظفين ثم كبارهم وبدأوا يبكون لبكاء الآخرين.ثم أتى رجال البلاط والوزراء وقالوا في أنفسهم: لا جرم أن القوم يبكون لحادث قد وقع اليوم في القصر ومن واجبنا نحن أن نكون على علم بما يحدث هنا، وإذا لم نبك فسوف يشك القوم في ولائنا، وبدأوا يتباكون على مقاعدهم واضعين المناديل على عيونهم.ثم حضر وزير كان أذكى من الآخرين فلم يبك، بل سأل أحد زملائه الجالس بجنبه ما الذي حدث؟ قال: لا أدري، إنما وجدت الوزير الجالس بجانبي يبكي فبدأت أبكي فقال: اسأله ما الذي حدث؟ فلما سأله قال: أنا لا أعلم شيئا إنما كان الوزير الجالس بجانبي يبكي فبدأت أنا أبكي فلم يزل يسأل الواحد منهم صاحبه حتى سألوا الكناسة عن سبب بكائها، فقالت: إنما أبكي لأني قد تذكرت خنوصا لي قد مات! فكما أن كل رجال البلاط بكوا برؤية الكناسة الباكية بدون سبب، كذلك قال قوم إبراهيم: لقد وجدنا آباءنا يعبدون هذه الأصنام ويتوسلون إليها ويسجدون لها، فبدأنا نتوسل إليها ونخرّ أمامها ساجدين.
الجزء السابع ١٩٤ سورة الشعراء قَالَ أَفَرَءَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ V7 أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى إِلَّا رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (3) وَالَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (3) وَإِذَا ود مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْين ) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ تُحيين وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْرَى خَطيتَنِي يَوْمَ الدِّين ) شرح الكلمات: ΑΓ الدين الجزاء المكافأة الحساب؛ القضاء.(الأقرب) التفسير : أما قول إبراهيم: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ)) فقد جاء فيه الخبر بصيغة المفرد مع أنه جمع، فقال فإنهم عدو لي بدل أن يقول "إنهم أعداء لى"، وذلك لأنهم في العربية يأتون بالخبر مفردا وإن كان المبتدأ جمعًا، فلا اعتراض على ذلك.ونظيره في القرآن الكريم قول الله تعالى لموسى وهارون في هذه السورة: فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، مع أن الظاهر يقتضي أن يقال "فقُولا إِنَّا رسولاً رب العالمين".وهذا الأسلوب شائع في اللغة العربية، فمثلا يقال "هذان رسولي و وكيلي" و"هؤلاء رسولي ووكيلي" (فتح البيان)، مع أن الظاهر يقتضي أن يقال "هذان رسولاي" و"هؤلاء رسلي".وقد قال البعض عن قول إبراهيم: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لى إلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) : لماذا سمى الأصنام عدوا له مع أنها جماد لا حياة فيها؟ وقد أجاب المفسرون على ذلك بأن النسبة قد جاءت مقلوبة هنا.ومثاله في لغتنا: "الميزاب يجري"، مع أن الميزاب لا يجري، إنما الماء يجري في الميزاب، فقال إبراهيم إنهم عدوّ له، بينما يقصد أنه عدو لهم.وهذا ما فسر به الفراء، حيث قال إن النسبة قد جاءت في هذه الجملة مقلوبة.ولكنني أرى أن إبراهيم الإنما اتخذ هذا الأسلوب تعريضا بعقيدة المعارضين،
۱۹۵ سورة الشعراء الجزء السابع حيث قال لهم: إنكم تظنون هذه الأصنام آلهة ولكنني لا أعبدها، فلا بد أن تصبح أعداء لي إلا رب العالمين الذي أعبده، وسوف نرى الآن ما إذا كان ربي الذي هو رب العالمين ينصرني ،ويحميني أم ستهلكني آلهتكم التي تعاديني.إذا كانت هذه الأوثان تملك أي قدرة فلتهلكني الآن ،وتدمرني ولكنها إذا لم تقدر على هلاكي، كان دليلا على أنها عاجزة ولا حول لها ولا قوة.وبالفعل قد أكدت الأحداث أن رب العالمين نجا إبراهيم و لم تستطع آلهة قومه أن تضره شيئا.كما نجح اليهود وهلك أعداؤهم – نتيجة لهذه النبوءة الإبراهيمية- حيث كانوا يؤمنون بإبراهيم العليا.كما أشار إبراهيم ال بقوله رب العالمين إلى أن الإله الذي أؤمن به إله حي قوي، أما آلهتكم فلا حول لها ولا قوة.مما لا شك فيه أن كلمة رب العالمين أن ربنا هو رب الناس ورب الحيوانات ورب الهوام والحشرات، كما أنه رب تعني العرب ورب الفرس ورب الهنود أيضًا، ولكن كلمة رب العالمين تشير إلى العوالم المختلفة نظرا إلى العصور المختلفة أيضًا، وعليه فإن إبراهيم يعني أيضا أن الإله الذي يدعو إليه إله حي، إذ كان ربَّا للذين كانوا في زمن آدم، وللذين كانوا في زمن نوح وللذين هم في زمنه وللذين سيأتون بعده أيضا.فثبت أن مثل هذا الإله إله حي إذ لو لم يكن إلها حيا لما كان ربا لأهل كل عصر.إذًا، فإن إبراهيم اللي قد نبه أيضًا بقوله رب العالمين أن ربي هو إله حي يمكن أن ينتفع منه ، أهل كل عصر كما انتفع منه أهل العصور الغابرة، ولكن آلهتكم لم تنفع أحدا من قبل ولا تنفعكم أيضًا، فاجمعوا كل آلهتكم من أجل تدميري وادعوها بالبكاء والابتهال ثم انظروا هل يكون النصر حليفا لربي الذي هو رب العالمين أم لآلهتكم.فكما أن الطفل الصغير حين يمر في الشارع وحيدا ويضايقه الأولاد الأشرار، ويريدون ضربه، فيصرخ فتسمع أمه صوته فتخرج من البيت مسرعة قلقة، كذلك يقول إبراهيم إنكم مهما عاديتموني ومهما حاولتم تدميري فمن المحال أن يخذلني ربي وتنتصر آلهتكم على الله الأحد.إن كبار الملوك والمفكرين والزعماء أيضًا
١٩٦ سورة الشعراء أن الجزء السابع يعتمدون في الدنيا على مساعدة الآخرين عند حلول المحن، وبالفعل يأتي بعض الناس محاولين إنقاذهم، فينجحون أحيانا ويفشلون أحيانا، ولكن المؤمن عندما يُبتلى بمحنة فإن الله الأحد بنفسه ينزل من السماء ويتصدى لمن يعتدي على عبده المؤمن.وهذه خير جزاء يمكن أن يناله أي إنسان.وهذا هو نفس الجزاء الذي ناله الرسول وجماعته وعيسى العلي وجماعته، وموسى العلة وجماعته، وإبراهيم العلي وجماعته، حيث كان الإله الحي القوي معهم دائمًا، وكلما هاجمهم العدو نزل الله من السماء ووقف إلى جنبهم وأظهر لهم الآيات الكبرى.إن هذا الحب الإلهي شيء ثمين لدرجة أنه لو جاز للإنسان لتمنى أن يعاديه الناس أكثر لتثور له محبة الله أكثر.ولكن الإسلام ينهى عن مثل هذه الأمنية حيث قال الرسول ﷺ: "لا تتمنوا لقاء العدو." (البخاري: كتاب التمني، باب كراهية تمني لقاء العدو).علينا أن نتوقف هنا مليًا للتدبّر في معنى هذه الكلمة، فمن ذا الذي يتمنى يهاجمه العدو؟ كلا، لا أحد في الدنيا يتمنى أن يشن عليه عدوه الهجوم فيقاتله ويلقيه في المحنة ويهلكه.لكن الواقع أن المسلمين كانوا يستطيعون أن يتمنوا في بعض الأحيان أن يشن العدو عليهم الهجوم لينزل الله من السماء لنصرتهم، هذا الأمر الذي بسببه قال النبي : أيها المسلمون، لا شك أن الله تعالى يقف يجنبكم كلما يهاجمكم العدو، وتجدون في ذلك من المتعة والسرور ما يجعلكم تتمنون لقاء العدو كلما توقف هجومه لكي ينزل الله إليكم مرة أخرى؛ ولكن هذه الأمنية صحيحة فيما يتعلق بالحب والعشق، ومنافية فيما يتعلق بحكم الله ومشيئته، فلا تتمنوا ذلك كيلا تخالفوا أمر الله تعالى.أما إذا كان العدو هو البادئ بالهجوم فلن يخذلكم ربكم إن كنتم على صلة صادقة معه، لأن من سنته المستمرة أنه ينصر رسله ويُري آياته تأييدا للذين يؤمنون برسله فإبراهيم العلا يشير بقوله فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) إلى هذه السنّة الإلهية القديمة، ويوضح لقومه قائلا: إن آلهتكم التي تُمرّغون أنوفكم أمامها ساجدين هي عدو لي، فليضروني بشيء إن كانت تملك أي قدرة إزاء ربي الذي هو إله حي وقوي ورب العالمين.هو سترون أن آلهتكم ستفشل حتمًا وسوف ينصرني ربي الذي هو رب العالمين.
۱۹۷ الجزء السابع سورة الشعراء هذا، ويتضمن قوله رب العالمين نبوءة أن هذا الدين سيصبح دينًا عالميا في نهاية المطاف، حيث يبعث الله الله نبيًّا إلى الناس أجمعين ولن تبقى نفس منفوسة خارجة عن نطاق فيوضه.ثم يقول إبراهيم الله: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ..أي أن رب العالمين هو ذلك الإله الذي خلقني، فلا بد أن يحميني من الأخطار والحوادث ويوصلني إلى غايتي ويكتب لي النجاح في مهمتي، إذ كيف يمكن أن يخلقني ويبعثني لغاية عظيمة ثم ينسحب عن حمايتي ومواساتي، ويدعني فريسة للحوادث والمحن؟ إن صفة "الخلق" في ربي تقتضي أن يحالفني النجاح من عنده أيضا، لأن الكائن الذي هو محتاج إلى غيره حتى من أجل وجوده لا يستطيع أن يهيئ بنفسه أسباب الرقي والتقدم لنفسه، بل يكون محتاجًا إلى خالقه في هذا المجال أيضًا.فمثلا إذا بنيت بيتًا فلن يكون له باب ولا شبّاك ولا نافذة ولا كُوّة إلا إذا وضعتها أنت بنفسك لأنه بيتك وأنت بانيه، كذلك ما دام الله ربُّ العالمين هو الذي قد خلق الإنسان فلن أن يحقق الرقي ماديا أو روحانيا ما لم يهيئ له رب العالمين أسباب الرقي.وقد أكد إبراهيم العلم بهذه الكلمات أمرين، الأمر الأول أنه أنبأ قومه بانتصاره ورقيه معربا عن يقينه الكامل بأن ربّه لن يخذله أبدًا؛ فليخذله عمه وإخوته وأصدقاؤه وقومه إذا شاءوا، ولكن الله رب العالمين الذي عاش هو في كنفه وتربى في حضنه لن يخذله أبدا، بل سيكتب له العز والنجاح والغلبة.والأمر الثاني هو إبراهيم ال قد حث هنا قومه على التفكير في غاية خلقهم، فلا يضيعوا أعمارهم أنه سدى.الواقع برغم أن كل إنسان يدرك أنه لم يُخلق بنفسه، إلا أن قليلاً الذين يفكرون في غاية خلقهم.إنهم يظلون منغمسين في متع الدنيا وزخرفها بحيث تنشأ في قلوبهم مئات الأسئلة الأخرى، ولكن السؤال الذي لا يتولد في قلوبهم هو: ما هي غاية خلقهم؟ لقد رأيتُ أن كثيرا من الناس يتساءلون: لماذا خلقت الأزهار الجميلة الخلابة في غابات أو جبال يصعب وصول الإنسان إليها؟ وما الحاجة إلى خلق آلاف الأنواع من الديدان والحشرات التي تتولد في موسم الأمطار؟ وما الجدوى من أن يخلق الله تعالى في البحار الجُدْجُد وغيره من
۱۹۸ سورة الشعراء الجزء السابع الحيوانات الدميمة؟ ولماذا أنبت الله الأعشاب بهذه الكثرة؟ ولماذا خلق الله الحية والحريش وغيرهما من الزواحف فهناك آلاف المخلوقات في البر والبحر والجو التي يسأل الناس عن غاية خلقها.وكما قلت يجد المرء منظرا خلابا للأزهار الجميلة على أعالي الجبال التي يصل إليها بصعوبة بالغة فيتساءل: ما الحكمة في خلق هذه الأزهار الرائعة الجمال في هذا المكان النائي؟ فهناك آلاف التساؤلات المماثلة التي تنشأ في القلوب، وكل إنسان يحاول الإجابة عليها بحسب عقله وفهمه، فيقول مثلا: يُصنع اليوم من سموم المخلوقات السامة مثل الحيّة وغيرها أدوية كثيرة ذات مفعول سريع أو يقول مثلا: لقد خُلقت هذه المناظر الخلابة في الأماكن النائية لكي لا يتمتع بجمالها إلا الذي يتكبّد العناء والمشقة.إن هذه الأسئلة والأجوبة توضح بجلاء أن الإنسان يعترف بأن كل شيء في الدنيا قد خُلق لهدف وغاية، ومع ذلك لا يفكر الإنسان أبدًا في غاية خلقه هو.إنه توّاق لمعرفة الحكمة وراء خلق الأشياء الأخرى، ولكنه لا يفكر أبدًا في غاية خلقه هو، وفيما إذا كان يحقق هذه الغاية أم لا، وما إذا كان عدم خلقه يمثل أي نقصان في الدنيا.فهناك كثير من الناس الذين وجودهم أو عدمهم سواء.إنهم لا يعلمون غاية حياتهم، كما لا يسعون لتحقيقها.ولو أن الناس كلّهم فكّروا في هذا السؤال لتجنبوا الكسل والغفلة ولم يدعوا أعمالهم ناقصة، بل سعوا لرقيهم الروحاني باذلين كل تضحية.ومن الواضح أنه ليس باستطاعة الجميع أن يكون مثل هتلر ونابليون و تيمورلنك، لأن مضمار الرقي المادي ضيق جدا؛ ولكن هناك مضمار متاح للجميع ليثبت فيه وجوده ويحرز الرقي كيفما شاء دون أن يلحق بأحد ضررًا أو يعيق له طريقًا، وهو مضمار التقرب إلى الله تعالى ذلك لأن تقدم المرء فيه لا يضر غيره، كما أن كل إنسان يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى أيا كانت مهنته أو درجته بين الناس.فبوسع الملك أن يتقرب إلى الله تعالى، وبوسع الأمير أن يتقرب إلى الله تعالى، وبوسع الفقير الذي لا حول له ولا قوة أن يتقرب إلى الله تعالى، ويمكن للخباز أن يتقرب إلى الله تعالى، ويمكن للغسال أيضا أن يتقرب إلى الله لا يقال إن وجود ملكين في إقليم واحد مستحيل، ولكن يمكن أن يوجد عشرة من أولياء
الجزء السابع أحد منهم ۱۹۹ سورة الشعراء الله تعالى في إقليم واحد، بل في بيت واحد، بل في غرفة واحدة، بدون أن يتضرر شيئا، بل إن سبيل الوصال إلى الله تعالى واسعة بحيث لا يمكن أن تضيق على السائرين فيها أبدًا وكما أن النهر لا ينقصه شربة عصفور، كذلك هو حال التقرب إلى الله تعالى.فإنه كنز عظيم لا ينقص منه شيء أبدا.فقد نال نبينا ﷺ من حب الله تعالى نصيبا أوفر بحيث لا نجد نظيره عند سائر الأنبياء، ومع ذلك بقي حب كثير ليوزعه على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير عند الله تعالى تعالى حب الصحابة - رضوان وغيرهم من بقدر درجته.الله عليهم – فنال كل واحد منهم حظا وافرا منه - فعلى الإنسان أن يفكر دائما في غاية خلقه.وإن غاية خلق الإنسان بحسب القرآن الكريم أن يكون محبوبا عند الله تعالى.وعندما يتبوّاً هذا المقام فلا ينمحي سجل الله تعالى وإن انمحت الدنيا كلها إنه يستطيع أن يكون مقربا عند اسمه من الله تعالى وهو يعيش في أسمال بالية فينال عنده تعالى من العز ما تتضاءل أمامه عزّة الدنيا كلية.لقد لفت إبراهيم الله أنظار قومه إلى هذه الحقيقة الأساسية ودعاهم إلى التدبر في غاية خلقهم والانتفاع بأسباب الهداية التي خلقها الله لهم.وإلا ستذهب حياتهم سدى، فيكونون كالباحث عن حتفه بظلفه.ثم يقول إبراهيم ال: (وَالَّذي هُوَ يُطْعمُني وَيَسقين)..أي أن الله رب العالمين هو الذي يطعمني ويسقيني، إذ لم أخلق أنا الحنطة ولا الماء ولا الملح ولا الفلفل ولا اللحم ولا الخضار وما إلى ذلك، إنما وُجدت هذه الأشياء كلها قبل ولادة أجدادي أيضا.الحق أن أقدم أسرة باقية في العالم أيضًا لا ترقى إلى أكثر من مئة جيل، بينما وجدت الحنطة والماء والخضار واللحم والملح والفلفل والغلال كلها قبل وجود هذه الأسر بكثير وكثير، فكيف يمكن للإنسان إذا أن يدعي أنها ملك له؟ إنما نأكل هذه الأشياء لأن الله ما سمح لنا بذلك، وإلا فليس بوسعنا أن نوجد أيا منها.خذوا مثلاً الماء، فإننا لو أمعنا النظر لوجدنا أن الماء الذي نشربه قد ادخره طبقات الأرض، وقد ذكرنا الله تعالى في القرآن الكريم بأنه لو ذهب بهذا الماء، فمن أين تأتون بماء مثله؟ وهذا حق وصدق تمامًا، إذ لا طاقة لنا على إيجاد الماء، بل إن الله تعالى في
أمه هي ۲۰۰ سورة الشعراء الجزء السابع الله تعالى قد هيأ لنا بمحض فضله كل هذه الأشياء التي لا غنى لنا عنها.إننا نعاني كثيرًا إذا لم نجد الماء لبضع ساعات ولكن المناطق التي يكون فيها الماء شحيحا يشرب أهلها شيئًا شبيها بالوحل لا يمكن أن يسميه أهل بلادنا ماء.فمثلاً في بعض مناطق السند وبلوجستان • يشرب الناس ماء شبيها بالوحل ولا يستطيع أهل بلادنا شربه إلا في حالة الاضطرار الشديد.وباختصار ليس هناك شيء يؤكل أو يشرب إلا وقد أعده الله تعالى لنا، ولكن الله الله خفي عن الأعين ويحسن إلى الناس من وراء الغيب، فلا يشعرون بمننه التي لا تعد ولا تحصى ترضع الأم ولدها فيظن أن التي تحسن إليه حيث ترضعه من دمها، مع أن عاطفة التضحية هذه لم تخلقها الأم في نفسها بنفسها، بل إن الله هو الذي قد خلقها فيها حتى قبل ولادته.فترى الفتيات يصنعن الدمى ويلعبن بها، وما هي إلا الأمومة وعاطفة تربية الأولاد، وإن الله الله هو الذي قد خلق هذه العاطفة فيهن سواء عبرن عنها بوعي أو بغير وعي.على أية حال، إن الله هو الذي قد خلق في المرأة الرغبة في الأولاد و لم تخلقها هي بنفسها، إذ قد أُودعت فيها حتى قبل ولادتها هي.فما دامت عاطفة الأمومة موجودة في الأم حتى قبل ولادتها فثبت أنه لا دخل لها في وجودها فيها.وهنا ينشأ السؤال : إذا كانت المرأة لم تخلق عاطفة الأمومة فيها بنفسها فمن ذا الذي خلقها فيها؟ لا بد أن يكون خالقها غير المرأة، وبالتالي لا بد من الاعتراف أن الذي خلق جميع المخلوقات هو الذي قد خلق هذه العاطفة في الأم.ومع ذلك نرى أن الولد يحب أمه ولا يحب الله تعالى، وذلك لأنه لا يرى الله تعالى.إنه لم ير ذلك المشهد عندما كانت ملائكة الله ل الله تودع حب الأولاد في فطرة أمه وهي لا تزال جنينًا في بطن أمها، وإنما رأى أن أُمَّه ترضعه بثديها، ورغم أنها تتعرض للفاقة والجوع والضعف والهزال بحيث يختفي اللحم من جسمها ولا يبقى منها إلا هيكلها العظمي، ومع ذلك تضع في فمه ثديها الجاف الذي لم يبق فيه قطرة من اللبن.فبما إقليمان في باكستان.(المترجم)
۲۰۱ سورة الشعراء الجزء السابع أنه لا يرى الله الذي خلق هذه العاطفة في أمه فلا يحبّه بل يحب أمه التي يراها ترضعه من ثديها.كذلك يأكل الإنسان الخبز فيشكر من أعطاه الحنطة التي صنع منها الخبز، أو يشكر من أعطاه على العمل أجرة اشترى بها الحنطة، أو يشكر أمه أو زوجته التي صنعت له الخبز؛ ولكنه لا يشكر من خلق له الحنطة والملح والماء؛ وذلك لأنه یری من أعطاه الحنطة، أو الأجرة، أو يرى المرأة التي خبزت له الخبز في الأتون في اليوم الحار أو أعدت له الفطور جالسة في البرد القارس في فناء البيت، بينما كان هو ملتفّا باللحاف ولم يرد الخروج من فراشه؛ فلأنه يرى هؤلاء فتتولد في قلبه مشاعر الشكر لهم، ولكنه لا يرى المنعم الحقيقي وراء هذا الإنعام، فلا يدرك أن المنعم الحقيقي هو غير هؤلاء.هنالك طريفة شهيرة في بلادنا - والله أعلم ما إذا كانت حقيقية أم من نسج الخيال - وهي أنه في أيام حكم الإنجليز على بلادنا كان الناس يذهبون إليهم بالهدايا المغلّفة في السلال لكسب ودهم.وقد أصبح هذا العمل محظورا فيما بعد بحسب القانون، ولكن الشاطرين من الموظفين ورؤساء القوم ظلوا يقدمون الهدايا كلما قابلوا المسؤولين الإنجليز.ويقال أن حاكم محافظة ذهب مع أحد الجباة لمقابلة مسؤول إنجليزي، وأحضر معه هدية، والجميع يعرف أن المحافظ أعلى منصبا من جاب حيث يعمل الأخير تحت سلطة الأول الذي تخضع له مناطق واسعة.وبالمصادفة كان عند المسؤول الإنجليزي وقت ضيق للقاء، فبدلاً أن يدعو كل واحد منهما على انفراد دعا الاثنين معًا.فهم المحافظ حمل سلة الهدية، ولكن الجابي سبقه وحملها قائلاً: سيدي، لماذا ترهق نفسك بحملها وأنا حاضر؟ ثم حمل السلة و دخل بها ووضعها أمام المسؤول الإنجليزي بدون أن يخبره أنها من قبل المحافظ.وظن الإنجليزي أن الجابي هو الذي قد أتى بالهدية، فجلس متوجها إلى الجابي ومديرا ظهره إلى المحافظ وأخذ يسأله عن أحوال المنطقة، وظل المحافظ يحترق كمدا طول الوقت ولكن بدون جدوى.واستمر اللقاء بين المسؤول الإنجليزي والجابي ساعتين لم يتوجه فيهما بأي سؤال إلى المحافظ.وعندما خرجا عنده من
۲۰۲ سورة الشعراء الجزء السابع صب المحافظ جام غضبه على صاحبه، فقال له الجابي: سيدي، ما كان لائقًا بي أن من أنها 6 بسم أدعك تحمل سلة الهدية.فترى أن الهدية كانت في الواقع من قبل المحافظ، ولكن الجابي هو الذي قدمها للمسؤول الإنجليزي، فخصه بلطفه ووده.هذه هي حال الإنسان، فإنما تأتيه العطايا عند الله الله ، ولكن أباه وأمه وابنه وأخته وأخاه هم الذين يقدمونها إليه، فيظنّ منهم، مع أن يد الله تعالى هي التي تكون وراء هذه الهدايا كلها.فتذكيرا بالمحسن الحقيقي أمرنا الإسلام أن نقول الله قبل الأكل أو الشرب، أنه لأن قولنا هذا يعني برغم أن الأم أو الزوجة أو الأخ هو الذي يضع الطعام أمام المرء، ولكن الحق أن الله تعالى هو الذي بعث الطعام إليه.وعندما يذكر المرء بهذا الأمر مراراً وتكرارًا ويدرك أن الله تعالى هو معطى هذه النعم كلها وهو الذي يطعمنا ويسقينا ويكسونا، فيميل قلبه إلى الله تعالى شيئًا فشيئًا وتتولد محبة الله في قلبه.هذا هو الأمر الذي يبينه إبراهيم ال في قوله: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويسقين..أي أن الله تعالى هو المحسن الحقيقي الذي يطعمنا ويسقينا؛ وإذا كان تعالى هو المحسن الحقيقي فمن الغباء الشديد أن يُعرض الإنسان عن محسنه الحقيقي ويخضع أمام الناس الذين قد جعلهم الله تعالى مجرد واسطة.لأن هذا التصرف يعني أن الإنسان ينظر إلى الغصن ولا ينظر إلى الجذع، ومثل هذا الإنسان يسدّ بيده طريق رقيّه الروحاني ويجلب عليه سخط الله الله و ثم قال إبراهيم ال: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشفين حيث نسب المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالى.ذلك لأنه تعالى قد خلق الأشياء كلها لنفع الإنسان، ولكنه إذا أساء استعمالها مرض أو تضرر، ثم حين تدارك الإنسان خطأه وعالجه شفي؛ ولذلك يُعزى المرض إلى الإنسان والشفاء إلى الله الله والحق أننا لو تدبرنا كل ما يصيب الإنسان من مشاكل ومصائب لتبين لنا أن مصدر كل مصيبة هو سوء استعماله لنعم الله تعالى، ولو أنه أحسن استخدامها استطاع تجنَّب المصائب والبلايا.لماذا يمرض الإنسان؟ إنما يمرض لأنه يتناول ما يضرّ جهاز هضمه، أو أنه يأكل ما ليس فيه ضرر مباشر، إلا أنه يتجاوز في استعماله حد
الجزء السابع ذاتها نعمة من ۲۰۳ سورة الشعراء الاعتدال أو يسيء استعماله فيمرض خذوا الشمام مثلا، فإن هذه الفاكهة في حد الله تعالى ولكن المرء لو تجاوز حد الاعتدال في تناولها أصبحت هذه النعمة نقمة عليه وأصابته بالمرض أو خذوا ثمرة المانجو مثلا، فإنها نعمة ربانية، ولكن إذا تناولها المرء أكثر من حد الاعتدال أضرته.فجميع نعم الله تعالى تنفع الإنسان إذا استعملها إلى حد الاعتدال، وتصيبه بالمرض إذا تجاوز هذا الحد.على سبيل المثال إن الباذنجان وقثاء الحمار تأثيرهما حار، وتناولهما إلى حد معين نعمة، ولكن إذا تناولهما المرء أكثر من حد الاعتدال سبب له الأول البواسير والثاني الإسهال.وتناول قصب السكر إلى حد الاعتدال مفيد جدًا، ولكن تجاوز هذا الحد المعتدل يسبب بعض أمراض البول.فثبت أن قصب السكر لا يسبب المرض، وإنما تجاوز الحد في استعماله هو الذي يسبب المرض.بل الحق أن السكر ضروري جدا لجسم الإنسان فبرغم أن الجلوكوز ليس إلا السكر، إلا أن الأطباء إذا حقنوا به مريضا أوشك نبضه على التوقف من شدة الضعف عاد نبضه قويًا ثانية.كان الناس في الماضي يعالجون بسبب جهلهم مرضى السكري بتفريغ السكر من أجسامهم تماما أنه مع عنصر ضروري جدا للجسم، فكان قلب المريض يتوقف بسبب نقصان السكر فيموت.ولذلك ينصح الأطباء في هذه الأيام أن حقنة الأنسولين إذا أثرت في قلب المريض تأثيرا سلبيا فيجب أن يعطى حقنة الجلوكوز فورا فيعود نشيطا.فثبت بذلك أن كل الأمراض التي تصيب الإنسان إنما سببها هو سوء لنعم الله تعالى، ولو أنه أحسن استعمالها لما أصابته بالمرض بل نفعته.لقد خلق الله الحديد لفائدة الإنسان وإذا أحسن استعماله نفعه نفعًا كبيرًا، حيث يصنع من الحديد أنواع من الأجهزة والماكينات النافعة ولكن إذا أسيء استخدام الحديد أصبح شيئا ضارًا جدًا.أتذكر أنه في أيام طفولتي جاء بعض النجارين من سيالكوت لبناء بيوتنا وكنت أشاهدهم وهم يعملون وعندما كانوا يعملون بالقدوم كنت أتمنى أن أعمل به مثلهم كانوا يعملون بهذه الأداة كسبًا للرزق، ولكني كنت أظن أنهم يستعملونه من أجل المتعة فقط، فتمنيت أن أتمتع أنا أيضًا استعماله
الجزء السابع ٢٠٤ سورة الشعراء باستعماله مثلهم.فحاولت مرارا أن أجرب استعمال هذه الأداة، ولكنهم كانوا يمنعونني قائلين: لا تلمسها وإلا ستجرح نفسك وكنت أظن أنهم إنما يمنعونني ليحرموني من متعة استعماله وأخيرًا سنحت لي الفرصة يومًا حيث ذهبوا إلى المسجد لأداء الصلاة، تاركين أجهزتهم على الأرض، فحملت القدوم وحاولت استعمالها.ولكن ما إن ضربت بها الضربة الأولى حتى أصابت يدي ولا يزال أثر الجرح بيدي.فترى أن الله تعالى لم يخلق القدوم لتجرح الإنسان، ولكن سوء استعمالها جرح يدي.وبالمثل فإن كل ما خلق الله تعالى من شيء إنما خلقه لنفع الإنسان، ولكن سوء استعماله إياه يؤدي إلى ضرره مثلا يحمل الواحد على الآخر بالسيف أو الخنجر أثناء القتال فيقتله، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل خلق الله الحديد ليشجّ به الإنسان رأس الآخرين؟ كلا، بل لو صنع من الحديد السكاكين والمدى لقشر الخضار وقطعها بدلاً من أن يشجّ به رؤوس الناس، أو صنع به الفؤوس لقطع الأشجار أو صنع به أدوات الحراسة وغيرها من الأدوات والماكينات، لكان الحديد نافعًا جدا للناس، ولكنه لو استعمل الحديد لضرب الآخرين لشج رؤوسهم.فثبت أنه ليس في الدنيا شيء يمكن أن يضر الإنسان إن أحسن استعماله.إن ما يضره هو سوء استعماله لهذه النعم، وليس النعم نفسها.إن سم الحيات والعقارب فتاة جدا، ولكن أطباء الهوميوباثي العلاج بالمثل يستعملونه اليوم في علاج أمراض عديدة، وقد وجدوه ناجعًا جدا.فمثلا إن المريض الذي تتشقق أظافره إذا أعطي جرعة من سم الحيّة على شكل دواء الهوميوباثي، تماثل للشفاء فورا.والزرنيخ سم زعاف يقتل كثيرًا من الناس، ولكن علينا أن نرى كم من الناس يموتون به وكم يحيون ولو قمنا بالدراسة لانكشف علينا أن ألفا أو ألفين من الناس يموتون بتناول الزرنيخ سنويًا، أما الذين يُشفَون به فيبلغ عددهم مئات الآلاف.فعندما لا ينجع في مريض الملاريا دواء يعطى جرعة قليلة من الزرنيخ، فيتماثل للشفاء.كما أنه مفيد في معالجة أمراض عديدة أخرى.وبالمثل إن جوز القيء سمّ قاتل يموت العديد بتناوله، ولكنه ينقذ حياة مئات الآلاف أيضا.كما أن الأفيون
۲۰۵ سورة الشعراء الجزء السابع شيء مدمّر جدًا، ولكن نفعه أكبر من ضرره.وكان المسيح الموعود الله يقول: لقد كتب الأطباء أن نصف الأدوية يُستعمل فيها الأفيون، وأن إحصاء منافعه الطبية أمر متعذر (جريدة "الفضل" قاديان عدد ١٩ يوليو/تموز ۱۹۲۹م ص ٢).عندما يصاب الإنسان بالاكتئاب والقلق ويفقد النوم تمامًا وتنهكه الأوجاع والآلام حتى يتمنى الانتحار، يحقن بالمورفين فيشفى على الفور بإذن الله تعالى.= استعماله إذا، فليس في الدنيا شيء هو ضار في حد ذاته، وإنما الضرر يكمن في سوء من قبل الإنسان وذلك نتيجة تقصيره وكسله، ومن أجل ذلك نسب إبراهيم العل هنا المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله الله وعلى النقيض إن المسلمين في بلادنا يدعون الإيمان بالله تعالى ولكنهم إذا فشلوا في أمر يقولون: لقد بذلنا كل ما بوسعنا ولكن الله أفشلنا وهكذا يعزون الخير إلى أنفسهم والشر إلى الله تعالى؛ الله وتعالى.وهي إساءة كبيرة تُرتكب في بلادنا في حق الله مع أن المؤمن الصادق كلما أتى عمله بنتيجة مرضية قال الحمد لله..أي أن الله تعالى هو الذي وفقه في هذا الأمر ؛ وإذا فشل في أمر قال "إنا لله وإنا إليه راجعون"..أي لم أفشل إلا بسبب تقصيري وخطئي، لأن الله كان قد هيأ لي كل سبب للرحمة والبركة.والحق أنما ينال البركة من عند الله تعالى من يعزو العيب إلى نفسه والحسن إليه تعالى، لأن الله تعالى يقول عندها: إن عبدي نسب العيب إلى نفسه والحسن إلي، فمن واجبي الآن أن أكتب له النجاح التام لكي ينسب إلي المحاسن كلها.ولكن الإنسان إذا لم يسلك هذا المسلك وعزا العيب إلى الله تعالى، تخلى الله عنه ولم ينصره.ثم قال إبراهيم الله: وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين.لقد ذكر هنا اثنتين من صفات الله تعالى : المحيي والمميت.ومن الأدلة على إحيائه تعالى مئات الآلاف من المواليد الذين يولدون كل يوم في الدنيا وفي ظروف خارجة عن نطاق قدرة الإنسان، ثم يكبرون في ظروف غير مواتية، ولولا أن هناك تصرفا مباشرا من ذات عليا لما تربّوا في تلك الظروف وما كبروا أبدا الواقع أن ولد الحيوان يصبح قادرا على سد حاجاته بنفسه خلال بضعة أيام فقط، وفراخ العصافير تتمكن من الطيران وعمرها أسبوع أو أكثر قليلا، وفراخ الدجاج تقدر على سدّ حاجاتها وعمرها ثلاثة
هي ٢٠٦ سورة الشعراء الجزء السابع أو أربعة أسابيع فقط ومواليد الأنعام تقفز بعد الولادة فورا؛ ولكن ولد الإنسان يظلّ بحاجة لأن يُحمل في الحضن حتى سبعة بل تسعة أشهر، وفي بعض الحالات لا يستطيع أن يحبو على رجليه حتى بعد أن يبلغ تسعة أشهر.وحينما يولد يكون غذاؤه الذي يتربى عليه موجودا في ثدي أمه ثم تخرج أسنانه التي يمضغ بها طعامه بعد سنتين أو ثلاث عادة، وإن كانت هناك استثناءات حيث تأخذ أسنان بعض الأولاد في الخروج بعد ستة أو سبعة أشهر.وفي كل هذه الفترة تخدم الأم ولدها بعناء شديد.وتحمل هذه المعاناة الشديدة محال لو لم يودع الله فطرتها عاطفة حبّ الولد وتربيته.ولا تظنن أن كونها أُمَّا هو وحده يولّد هذه المحبة الغريبة فيها، ذلك لأن عواطفها لا خيار لها فيها ويُنسب إلى المرء من الأمر ما يكون خياريًا، أما ما لا يكون خياريًا فلا يُنسب إليه، بل يُنسب إلى ذات أخرى حتما؛ وتلك الذات الله الذي أودع قلب الأم حب الأولاد وزوّدها بقوة تمكنها من أن تلدهم وتربيهم.وبالفعل تقوم الأم بتربية أولادها سنوات عديدة؛ فأولاً تحمل الولد في بطنها تسعة أشهر، ثم تحمله في حضنها سنتين، وهذا يعني أن ولدها يكون همها الوحيد لحوالي سنتين ونصف.وبمجرد أن تفرغ من تربية هذا الولد تحمل بولد آخر في معظم الحالات، وهكذا تقضي المرأة أفضل فترة من حياتها في تربية أولادها.فثبت أن عاطفة المحبة التي توجد في كل امرأة تجاه الأولاد إنما هي من خلق الله ، وإلا فمن المستحيل أن يقاسي أحد هذه الآلام الشديدة بناء على العقل فقط.الحق أنه لولا خلق الله تعالى هذه العواطف في قلب الأم لتوقف الإنسان، بناء على فلسفته وعقله عن إنجاب الأولاد بالتدريج أو أهمل تربيتهم.ثم إن صفة الله "المميت" أيضا تتجلى لنا كل يوم حيث يموت مئات الناس في المدن الكبيرة، فتجد الناس يمشون مع الجنازة في شارع أو آخر، أما المدن الصغيرة فيموت واحد من أهلها كل أسبوع تقريبا، أما القرى الصغيرة فيموت فيها اثنان أو ثلاثة كل سنة.فنرى مشهد الموت هذا بكثرة في العالم.= يسع أحدا إذا، فإن الناس يشاهدون صفتي الله "المحيي" و"المميت" بحيث لا إنكارهما.إن الحياة تسبب للناس فرحة ويسبب الموت لهم حزنًا حتى تتولد الرحمة
الجزء السابع ۲۰۷ سورة الشعراء في قلب المرء برؤية جثة العدو أيضًا - إلا أن يكون قاسي القلب – وينسى العداوة التي قد مر عليها عشرات السنين فينبعث من قلبه الدعاء لعدوّه أو تتولد مشاعر الرحمة والمواساة تجاه أقاربه وأعزته؛ إذ يدرك أنه سيأتي عليه أيضًا هذا اليوم كما أتى على عدوه.ولكن لا تسبب أي من هاتين المناسبتين فرحةً أو هما الله الله الذي هو عالم الغيب، ذلك لأنه عندما يولد طفل في بيت يظنّ أبواه وأقاربه أنه قد طلع على الدنيا قمر جديد، وفتح عليها باب جديد من الرحمة، مع أن هذه الروح الجديدة الآتية إلى الدنيا قد تسبب كثيرًا من المصائب والآلام لأهلها.إن أقاربه يفرحون عند ولادته ولكن ملائكة الله في السماء يحزنون.إذا، فالولادة تحمل رسالة واحدة أي الفرحة لأهل الدنيا، وإن تفاوتت درجة فرحتهم من طفل إلى آخر، ولكن ملائكة السماء يبكون معربين عن أسفهم وألمهم عند بعض الولادات التي تستدعي ذلك، ويفرحون عند بعض الولادات كثيرا وإن لم يفرح بها أهل الدنيا.ونفس الحال بالنسبة للموت، فعندما يموت إنسان في الدنيا يحزن أقاربه وأصدقاؤه قلوا أو كثروا فمثلا عندما يموت أحد الصعاليك فلا تفرح زوجته ولا أولاده قائلين مثلاً: نعم ما حصل! إذ كان زوجي أو أبي صعلوكا فتاكا قد عاث في الأرض الفساد.كلا، بل يطلقون الصراخ عاليا كما يصرخ أبناء أي إنسان بار محسن عند وفاته، ويرى أهل الصعلوك موته خسارة كبيرة للدنيا تماما كما يرى أولاد أي مصلح عظيم موت أبيهم خسارة عظيمة للعالم، أو أكثر من ذلك.كان سيدنا المسيح الموعود اللي يحكي لنا طريفة بأنه لما توفي المهراجا "رنجيت سنغ" كان هناك بكاء عام بين الناس إذ قام المهراجا بتوطيد الأمن والسلام في فترة حكمه قاضيًا على الفوضى المنتشرة في البلاد.فبكاه الناس جميعا بما فيهم الهندوس والمسلمون أيضا، علاوة على السيخ الذين كانوا من قومه وأهل ملّته، خشية اندلاع الفتن في البلاد ثانية.فبينما كان الجميع يصرخون ويذرفون الدموع، كلّ
۲۰۸ سورة الشعراء الجزء السابع حسب علاقته بالراجا، مرَّ أحد الكناسين قريبا من لاهور* ووجد الجميع في مأتم وبكاء، فسأل بعضهم: ما الذي حدث اليوم، ولماذا يبكي الجميع؟ فأجابه: ألم تعلم؟ لقد مات المهراجا رنجيت سنغ.فقال ،آه، فإنهم يبكون لموت المهراجا! ولكن ما الغرابة في موت الراجا رنجيت سنغ ما دام أبي لم ينج من الموت؟ " فترى أن المهراجا قد أرسى دعائم الأمن والسلام في البلاد ومع ذلك لم يحزن الكناس على موته إذ لم يكن قريبا من قلبه كما كان أبوه عزيزا عليه، ولم يعرف المنافع السياسية في حياة المهراجا، فوجد وفاة أبيه أشد وطئًا عليه من وفاة الأول.وقد جاء الدنيا عديد من الجبابرة الآخرين كأمثال هولاكو خان"، فهل تظن أن زوجته أو أولاده أو أقاربه كانوا أقل صدمة بوفاته من زوجات وأولاد الملوك الآخرين عند وفاتهم؟ لا جرم أنه قد أصاب زوجة وأولاد "هولاكو خان" عند وفاته من الحزن ما أصاب زوجة وأولاد الملك الفارسي "أنو شيروان" عند وفاته.أن الأخير كان شهيرا بعدله وإنصافه، بينما كان "هولاكو خان" مشهورا بظلمه واستبداده، إلا أن صدمة أزواجهما وأولادهما كانت متساوية، أو ربما كان ومع أن موت "هولاكو خان" أشد وطأة على زوجته وأولاده لكونهم أشدّ عاطفة.ولكن لا يكون الأمر هكذا في السماء.فبرغم أن جميع الأهل والأقارب - قلوا – أو كثروا – يفرحون في الدنيا بولادة إنسان إلا أن أهل السماء يفرحون بولادة إنسان ويحزنون بولادة إنسان آخر.وكذلك الحال بالنسبة للموت أيضًا؛ فمع أهل الأرض يحزنون بموت كل إنسان، قلوا أو كثروا، إلا أن أهل السماء، يحزنون بموت إنسان ويفرحون بموت إنسان آخر.ثم إن مشاعر الملائكة أيضًا تختلف نسبيًا عند موت الناس، ويكون فرحهم أو حزنهم مركبًا في بعض الأحيان، بمعنى أنهم لا يحزنون فقط عند موت إنسان، أو لا يفرحون فقط عند موت إنسان آخر، بل تكون مشاعرهم مزيجًا من الحزن والفرحة أحيانًا فمثلاً عندما يموت شخص ظالم مستبد قد دمّر سلام أهل الأرض يفرح ملائكة السماء لأن عباد الله تعالى نجوا من * كانت لاهور عاصمة المهراجا رنجيت سنغ.(المترجم)
۲۰۹ سورة الشعراء الجزء السابع جور هذا الظالم، ولكنهم يحزنون أيضا لأن شخصا مات بدون أن ينال رضا ربه.كذلك عندما يموت بعض عباد الله الصالحين الأبرار ويقع في الأرض صراخ وعويل، فإن ملائكة الله في السماء يفرحون مرتقبين صحبته.ذلك لأن الموت ما هو إلا باب للخروج من هذه الدنيا إلى الآخرة وكما أن إنسانًا مصلحا أو محسنًا إذا ما دخل بلدة ابتهج أهلها بمجيئه، وإذا غادرهم حزنوا بفراقه، في حين أن أهل المدينة الأخرى التي سيدخل فيها يفرحون بقدومه كذلك عندما يتوفى أحد عباد الله الصالحين الأخيار، الذي يكون أفضل من الملائكة ورعًا وتقوى وتقربا إلى الله تعالى، بل يكون معلما للملائكة - كما هو بين من قصة آدم ال - فإن أهل الدنيا يتألمون بأن إنسانًا بارا قد فارقهم إلى الآخرة بعد أن أنهى أيام حياته بينهم، ولكن الملائكة يفرحون بقدومه إلى عالمهم.فيمكنك أن تقدّر - مثلاً - القيامة التي قامت بالمدينة عند وفاة نبينا ، ولكن يمكنك أيضا أن تقدر مدى فرحة أهل الجنّة في تلك المناسبة، إذ كانوا يسمعون من الله وملائكته أن عبدا من عباده المختارين قد ولد في الدنيا، وأنه يتبوأ أسمى المقامات الروحانية، ولا بد أنهم كانوا يتمنون بلفهة لقاءه بعد سماع هذا الكلام ويفرحون بتصور ذلك اليوم العظيم الذي سيلتحق بهم فيه ذلك الإنسان المبارك، وتتحقق آمالهم القديمة.ولكن هذا إنما يحدث في السماء فقط، أما الأرض فأهلها يحزنون بموت كل إنسان.وكما أننا نرى أن الله تعالى يتجلى بهاتين الصفتين في الدنيا، كذلك يكون هناك أناس كثيرون يكونون بمثابة.الولادة أو الحياة للعالم.فالآباء والأمهات - مثلاً - يتسببون في ولادة الأجيال الجديدة، والأطباء يعالجون المرضى، ورجال الدفاع المدني ينقذون الغرقى، ويطفئون الحرائق ويساعدون منكوبي الحوادث والكوارث؛ وما هؤلاء إلا نموذجًا ومظهرًا لصفة الله "المحيي".وعلى النقيض يوجد في الدنيا أناس لا ينشرون فيها إلا الهلاك والدمار ويتسببون في القتل والسطو والفساد، وإن هم إلا مظاهر لصفة الله "المميت".
۲۱۰ سورة الشعراء الجزء السابع بيد أن كل مقلّد لصفة من صفات الله تعالى لا يكون بالضرورة مقبولا عنده تعالى.لا شك أن الله مميت، ولكن هذا لا يعنى أن يقتل المرء أحدًا بغير حق ثم يقول : إنه مقرب إلى الله الا الله لأنه قد كشف بقتله صفة الله "المميت"، فإن مثل هذا الادعاء باطل تماما.ذلك لأنه إذا قتل أحدًا بالحق وفقا للشروط التي تخوّل له قتله فيمكن أن يكون من المقربين عند الله تعالى، ولكنه إذا قتله بدون توفّر تلك الشروط فلن يكون مقربا عند الله تعالى.وبالمثل إن الولادة مظهر لصفة الله "المحيي"، ولكن المرء إذا تسبب في ولادة ولد غير شرعي، فلا يجوز له الادعاء بأنه مقرب عند الله له بحجة أنه قد كشف صفة الله "المحيي".إنما يُعد المرء مظهرا لصفة الله "المحيى" أو "المميت" إذا عمل بهما بحسب القوانين والشروط التي وضعها الله تعالى لذلك.فإذا أحيا بحسب القانون الإلهي صار بدون شك مظهرا لصفة الله المحيي، وإذا أمات وفق القانون الإلهي عُدَّ مقربا عند الله تعالى، أما بدون ذلك فلا.فمثلا إن كلا الفريقين يقوم في القتال بعمل واحد مماثل في الظاهر، فيضرب المؤمنُ الكافر، ويضرب الكافِرُ المؤمن، ولكن كلما سقط مؤمن بسيف كافر اهتز له عرش الرحمن ولعن الملائكة الكافر، ولكن كلما سقط كافر بسيف مؤمن، فرح وأنزلوا رحمة الله على المؤمن.فبرغم أن الفعل واحد والمقام واحد، وآلة القتل واحدة، إلا أن أحدهما يتلقى الرحمة والبركة من الله تعالى، بينما يبوء الآخر بلعنة الملائكة الله تعالى وملامته.إذًا، فكون المرء مميتًا أو محييا ليس بأمر حسن أو سيئ في حد ذاته، وإنما يكون إحياؤه عملاً حسنا إذا تم بحسب القانون الإلهي، وتكون إماتته عملا حسنا ما دامت ضمن أمر الله تعالى.أما إذا تم الإحياء أو الإماتة بخلاف قوانين الله تعالى كان عملاً سيئا.فالإسلام يعلمنا أن يعلّمنا أن نسعى لتكون أعمالنا خاضعة لمشيئة الله على الدوام، وأن نأخذ العبرة من حقيقة أن بعض الناس يُعدّون ظالمين رغم اتصافهم بصفة الإحياء، ويكونون غاشمين رغم اتصافهم بصفة الإماتة.ولكن المؤمن لا يكون هكذا، بل كلما صار محيا نال الرحمة، وكلما صار مميتًا نال الرحمة أيضا، وإذا قتل نال الثواب
الجزء السابع ۲۱۱ سورة الشعراء وإذا أنجب نال الثواب أيضا.فعليكم ألا ترتكبوا أي فعل يحرمكم من رضوان الله تعالى.جاهدةً نرى في هذا العصر أن دولاً كبيرة قلقة نتيجة اختراع القنبلة الذرية، وتحاول لاختراع ما يحميها من دمارها وعلى النقيض نجد أن الله أيضا يلقى "قنبلته الذرية" دائما حيث يهلك ملايين البشر كل سنة نتيجة الموت الطبيعي، بل يصل هذا العدد أحيانًا ما بين عشرة ملايين إلى خمسة عشر مليونا لدى انتشار مختلف الأوبئة في الدنيا.ولكننا نرى أن هذا العدد الهائل من الأموات لا يصيب الناس بالهلع والذعر، وليس سبب ذلك إلا لأن الله الله إذا كان يُهلك الملايين بقنبلته الذرية أي بالموت الطبيعي من جهة، فإنه تعالى يخلق الملايين أيضا من جهة أخرى.إذا كان الله تعالى قادرًا على الإفناء فإنه قادر على الإحياء أيضا، ولأجل ذلك لا نرى عند الناس أمارات الهلع عندما يموت عشرات الملايين كل سنة نتيجة الموت الطبيعي، لأنهم يعلمون أن ربّهم محي ومميت أيضا.ولكن القنبلة الذرية وما شابهها من المخترعات قد جعلت الموت في قبضة البشر الذين يعرفون الإفناء دون الإحياء، ومن أجل ذلك نجد بين الناس هذا الفزع الذي بثته هذه المخترعات؛ بينما نرى الناس يموتون كل يوم ولكن لا يصابون بالهلع.عندما يموت إنسان يندبه أقاربه بضعة أيام ثم يهدأون وبعد انقضاء فترة قصيرة نجد أهله، الذين كانوا يصرخون ويبكون على موته من قبل، يقيمون حفلة مثلاً تنطلق منها أصوات عرس الغناء والموسيقى.إذا فإن القلق الذي يصاب به أهل بيت على موت أعزّ قريب لهم يكون مؤقتًا يزول بعد أيام، ولكن الهلع الذي قد أصاب الناس بسبب القنبلة الذرية كبير جدا، وليس سبب ذلك إلا أنها تنشر الموت والدمار فقط وليس هناك معه تدبير للإحياء ولو كان مع القنبلة الذرية سبيل للإحياء لما أصاب الناس الذعر إلى هذا الحد.هنالك فرقة هندوسية يعتقد أهلها أن الإله "براهما" يخلق، والإله "شو" يُهلك.ويُقال أنه لا يوجد في الهند كلها إلا معبد واحد للإله "براهما"، بينما يوجد للإله "شو" معابد كثيرة.ويحكى أن أحد الراجات من هذه الفرقة الهندوسية لم يكن عنده أولاد فاستشار وزراءه، فقالوا له: عليك أن تعبد الإله "براهما" فسيهب
۲۱۲ " سورة الشعراء الجزء السابع لك ابنا.فبدأ يعبده ناذرًا أنه لو وهب له ابنا فسيُرغم رعاياه كلهم على عبادته، وسوف يكرههم على ترك عبادة الإله "شو".وبعد فترة قصيرة رزق الراجا ابنا، فأمر رعاياه أن يتركوا عبادة الإله "شو" ويعبدوا الإله "براهما" فقط.فجاءه أحد الراجات الآخرين الأذكياء وقال له : لقد أنجز لك الإله "براهما" ما كان بوسعه ووهب لك ابنا، فالأفضل أن تعبد الآن الإله "شو" حتى لا يسخط عليك ويُهلك ابنك.فرضي الراجا بقوله وأمر الناس بعبادة الإله "شو" ليحيا ابنه.فأخذ الناس يعبدون "شو" ونسوا "براهما".ولما كبر الابن سمع من الناس بأن الإله "براهما" خلقه، ولكن أباه ترك عبادته وأخذ يعبد الإله "شو".وكان الابن يتحلّى بالشجاعة الأخلاقية، فقال في نفسه : علي أن أقدر المعروف الذي صنعه إلى محسني حيث أنعم على بالحياة فقرر أنه لن يعبد إلا "براهما".وعندما علم الأب بقرار الابن خاف أن يسخط عليه الإله "شو" فيُهلك ابنه، فنهى ابنه عن عبادة "براهما"، فقال له الابن: لن أكون ناكرًا لمعروف الإله "براهما".واستمر الجدال بينهما وازداد الاثنان عنادًا، لأن المرء إذا نُهي عن شيء ازداد تمسكًا به.وفي النهاية دعا الأب الإله "شو" بأن يُهلك ابنه فقبض "شو" روح ابنه فسخط الإله "براهما" على ذلك وأحيا الابن ثانية.فعاد "شو" وأماته ،ثانية فأعاده "براهما" للحياة مرة أخرى، وهكذا بدأت الحرب بين الإلهين ولا تزال مستمرة إلى اليوم.هذه عقيدة الهندوس ولكن الحقيقة أن الله لا يملك القوتين: قوة الإحياء وقوة الإفناء.وفي هذا العصر زوّد الله تعالى البشر بقوة الإفناء بدون أن تكون عندهم قوة الإحياء، وهذا هو السبب وراء قلق الناس، فتجد كل الدول التي ليس بحوزتها القنبلة الذرية تعيش في خوف وفزع، وتسمع من جميع أنحاء العالم أصواتا تنادي بعدم استعمال القنبلة الذرية في الحرب.ولكني أرى أن القنبلة الذرية تحذر الناس أنهم حين يملكون القوة تصبح مدمّرة للغاية، حيث يسيئون استعمالها فيزهقون بها حياة الملايين، وليس هذا فحسب، بل يسعون ليجعلوها أكثر فتكًا لينشروا الدمار على أوسع نطاق ويُزهقوا بها الأرواح بأكبر عدد وأقل وقت.مع أنهم لو أحسنوا استعمال الطاقة الذرية لنفعت الإنسانية نفعًا كبيرًا.
الجزء السابع ۲۱۳ سورة الشعراء وليس لهذا القلق والذعر إلا علاج ،واحد ألا وهو أن يعود الناس إلى ربهم الذي يحيي ويميت والذي يملك قوة الإحياء وقوة الإفناء وهذا ما يؤكده إبراهيم العلي هنا ويقول: (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين..أي ربنا محي ومميت أيضا، فعلينا أن نكون مع الذي يُفني الملايين ومع ذلك لا يصاب الناس بالهلع والذعر.فعندما يموت في بيت شخص يبكيه أهله لبضعة أيام ثم يهدأون، وبعد فترة وجيزة يولد في نفس البيت مولود جديد فيُهنئ بعضهم بعضا.ولكن كل هذا في يد الله تعالى، لذا فعلينا أن نتوجه إليه ونتوكل عليه فقط أما قوى الإنسان وقدراته فهي ضعيفة لا اعتبار لها.لن تستطيع القنبلة الذرية فعل شيء ما دام الله تعالى يريد بقاء الناس، لأنه تعالى قادر على إفناء هؤلاء الذين ينشرون الدمار، ويمكن أن يهيئ من الأسباب ما يُبطل مفعول القنبلة الذرية وغيرها من المخترعات المدمّرة.فعلى المرء أن يهتم برفع مستوى روحانيته مستغنيا عن هذه الأمور كلها، ويعبد وحده الذي إذا كان أيضًا..أي أنه لو كان سيميتنا من ناحية فإنه سيحيينا ثانية، وهكذا مميتا فهو محي الله لن يأتي بعد الموت إلا الخير.إن فترة الموت فترة عابرة إذ ليس للإنسان إلا الحياة فقط في نهاية المطاف.ثم يقول إبراهيم اللي وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ..أي أن ربي هو ذلك الذي أرجو أن يستر تقصيراتي الناتجة عن الضعف البشري، ويشملني بفضله ويكتب لي النجاح والفلاح عند ظهور النتائج.علما أن لفظ "غفر" الذي ورد هنا لا يُستعمل لغفران الذنوب فقط، بل يعني تغطية التقصيرات وستر العيوب أيضًا، يقال: غفَر الشيء غفرا: ستره، وغفر المتاع في الوعاء: أدخله وستره وغفر الله ذنبه: غطّى عليه وعفا عنه.(الأقرب).كما أن لفظ "الخطيئة" أعم من الإثم، لأن الإثم يُطلق على الجرم الذي يُرتكب عمدا، بينما تُطلق الخطيئة على الجرم المتعمد وأيضًا على التقصيرات البشرية غير المتعمدة.(الأقرب) أما لفظ "اليوم" فلا يفيد معناه المعروف فقط، بل يعني الوقت والزمن مطلقا أيضًا، حيث ورد لفظ "اليوم" في القرآن الكريم بمعنى ألف سنة وكذلك خمسين
الجزء السابع ٢١٤ سورة الشعراء ألف سنة (السجدة: ٦ والمعارج (٥).كما استعملته العرب بمعنى الزمن والوقت مطلقا كقول الشاعر: يوماه يوم ندى ويوم طعان (لسان العرب وتاج العروس) يقول الشاعر في مدح صاحبه بأن حياته فترتان فترة سخاء وفترة حرب.ورد في الحديث: "تلك أيام الهرج" (أبو داود: كتاب الفتن، باب النهي كذلك عن السعي في الفتنة)..أي تلك أوان الفتنة وقد ورد لفظ اليوم في الآية قيد التفسير أيضا بمعنى الوقت والزمن.أما لفظ "الدين" فله أيضا معان عديدة سوى الديانة، مثل الطاعة، الجزاء والمكافأة، الفصل والقضاء، الملة الحساب السلطان والغلبة الحكم والملك، التدبير، العادة، طريق العبادة الصلاح الحال الشأن، والسيرة.(الأقرب واللسان) إذًا، فلفظ يوم الدين لا يعني فقط يوم القيامة حتى نحصر دعاء إبراهيم ال في الجزاء الذي يتلقاه الناس في ذلك اليوم، بل الدين يعني أيضا الجزاء والنتيجة بحسب العمل كما آنها، بینت وعليه فإن إبراهيم العلا يقول في هذا الدعاء: إنني آمل أن يستر ربي تقصيراتي ويشملني برحمته ويكتب لي النجاح في مقصدي حينما يُظهر نتائج أعمالي.إن الذين لا علم لهم بالأمور الروحانية يظنون أن المرء إنما يطلب الغفران إذا دنس حياته بأنواع الذنوب والآثام، ولكن هذا الظنّ دليل على جهلهم باللغة العربية وبالروحانية.الواقع أن كل إنسان بحاجة لأن يهبه الله الله نصيبا من نوره ويقويه بقوته ويعطيه من علمه.فكما أن عين الإنسان لا تعمل بدون ضوء الشمس، وأذنه لا تسمع أي صوت بدون واسطة الهواء، كذلك فكل إنسان - ولو كان نبيا - محتاج إلى نصرة الله وعونه، ولذلك قد علمنا الإسلام أن من واجب كل واحد منا أن يدعو ربّه في كل ركعة من صلواته الخمس إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ..أي ربنا إننا نريد أن نعبدك وحدك ولكنا لا نستطيع ذلك بجهودنا وإرادتنا وحدها، وإنما سننجح فيه إذا كان عونك حليفا لجهودنا.إذا اجتمع الأمران سيتم ما ننشده، أما بدون ذلك فلن تكلل جهودنا بالنجاح.وبهذا المعنى هذان
۲۱۵ سورة الشعراء الجزء السابع نفسه يقول إبراهيم الله إنني أسعى جاهدًا ليل نهار لنشر وحدانية الله تعالى بقدر وسعي، ولكن جهودي لن تكلل بالنجاح بدون فضل الله وتأييده، ولذلك به أستعين وآمل أن يبارك في جهودي المتواضعة عند ظهور نتائجها ويسد بفضله كل خلل يوجد فيها جراء الضعف البشري ويكتب لي النجاح في مهمتي.ومن معاني الدين الغلبة أيضا، وعليه فقول إبراهيم وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ يعني أني آمل أن يتغاضى الله الله عن تقصيراتي البشرية إبان رقي هذه الجماعة الروحانية التي تقام بيدي، وأن يهيئ الأسباب لاستمرار عملية الدعوة والتربية، فتصل سفينة هذا الدين إلى بر الأمان سالمة من أمواج الفتن والحوادث المتلاطمة.الواقع أن نبوءة غلبة الجماعات الإلهية إذا كانت تحمل في طياتها بشارة عظيمة، فإنها تنطوي على نوع من الإنذار أيضًا.ذلك لأن آلافا من الناس يدخلون في تلك الجماعة أيام غلبتها، وبما أن هؤلاء القادمين الجدد ليسوا ممن تحمل التعذيب في سبيل الدين، وليسوا ممن يفقه تعاليم دينه إلى حد كبير، فيصابون بأنواع الفساد.لا شك أنهم يصدّقون بأفواههم جميع العقائد ولكن عملهم لا يتفق مع دعواهم، ويعتبرون أنفسهم في غنى عما فرض عليهم دينهم من واجبات وقيود، وهكذا تنمو بذرة انحطاط الأمة.لقد رأى إبراهيم ال بفراسته الثاقبة هذه البذرة، فبدأ يدعو الله الله لاستئصالها، كما أعرب عن أمله أن يكون الله معه دائما، وأن يغض لا الطرف عن هذا الضعف البشري فيه، حيث لا يقدر إنسان واحد على تربية آلاف الناس.ولكن الله الا الله سيهيئ من عنده الأسباب لتربية هؤلاء القادمين الجدد ليرفعوا بكل إخلاص وفداء لواء الإسلام عاليًا على الدوام.رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّلِحِينَ ٨٤ وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (3) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ Λο
الجزء السابع ٢١٦ سورة الشعراء جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْسِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (3) وَلَا تخزنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ لا يَوْمَ لَا يَدَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا ۸۸ مَنْ أتى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (3) شرح الكلمات: حكمًا: الحكم بالشيء: أن تقضي بأنه كذا أو ليس بكذا، سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تُلزمه....والحكمة إصابة الحق بالعلم وبالعقل....والحكم والحكم أعم من الحكمة، فكل حكمة حُكم، وليس كل حكم حكمة.(المفردات) والحكمة: العدل العلم الحلم النبوة؛ قيل: ما يمنع من الجهل؛ وقيل: كل كلام موافق الحق؛ وقيل: وضع الشيء في موضعه، وصواب الأمر وسداده.(الأقرب) لسان صدق: يُعبّر عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق، فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به....(أما قول إبراهيم ال: (وَاجْعَلْ لي لِسَانَ صدق) فإن ذلك سؤال أن يجعله الله تعالى صالحا بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن ذلك الثناء كذبًا.(المفردات) ولسان الصدق: الذكر الحسن.(الأقرب) سليم: السلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة (المفردات).فالقلب السليم: البريء من كل آفة وفساد.التفسير: كان إبراهيم اللي قد عقد على الله الآمالاً كبيرة، فرأى أن من واجبه أن يُنيب إليه ويدعوه لتحقيق رغبته ويوفقه لتبليغ رسالته على أفضل وجه، فدعا الله الله وقال: هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.والحكم في الأصل - كما قال الإمام الراغب - هو المنع الإصلاح، ومنه سُمّيت اللجام حكمة الدابة لأنها تمنعها.والحكم بالشيء أن تقضي بأنه كذا أو ليس بكذا، سواء ألزمت غيرك أو لم تُلزمه (المفردات).بيد أن الحكم لا يعني الفصل والقضاء فقط، بل
۲۱۷ سورة الشعراء الجزء السابع فيه دلالة على أن وراء هذا القضاء سببا معقولاً، ولأجل ذلك اشتق منه لفظ الحكمة التي تعني الفلسفة.إذا، فالحكم لا يعني تنفيذ الأمر بالقوة والجبر فقط، بل يتضمن معنى إضافيا وهو أن وراء هذا القرار غاية هامة وأن العمل به سينفع الإنسان نفسه، وأن هذا القرار ليس صادرًا من أجل إظهار السلطة والقوة فحسب، دونما تروّ وتفكير.واحد منهم ولما كانت الغاية الأساسية لبعثة إبراهيم النشر وحدانية الله الله فما كان لينجح في تحقيق تلك الغاية ما لم يكن كل حكم من أحكامه حكيما ينفذ إلى أعماق القلوب، ولذلك دعا ربه بأن يعطيه تعليما مليئا بالحكمة ليقبله الناس ببشاشة وانشراح وليسهل له الطريق لنشر الهدى.لقد ذكر المفسرون معاني مختلفة للحكم هنا منها النبوة والرسالة؛ العلم والفهم؛ المعرفة بالله وبحدوده وأحكامه والقدرة على الفصل بين الناس بالحق (القرطبي وروح المعاني).ولم يذكروا هذه المعاني المختلفة إلا لأنهم لم يراعوا السياق، بل ذكر كل ما خطر بباله من المعاني.الواقع أن القرآن الكريم قد استعمل لفظ الحكم بمعان شتى، فحينا ورد فيه الحكم بمعنى الحكومة والغلبة كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ والنبوة (الجاثية : ۱۷)، وقوله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرِ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكَتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لّي مِنْ دُونِ الله ) (آل عمران: ۸۰)، وحينًا ورد بمعنى الفراسة النافذة في أمور القضاء، كقول الله الله عن يوسف الي : وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ أَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ) (يوسف: (۲۳) ، وتارة بمعنى القرار، كقوله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ) (المائدة: (٥١)، وكقوله تعالى: أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسبينَ) (الأنعام: (٦٣)، وتارة أخرى بمعنى أحكام الله وتعاليم دينه، كقوله تعالى: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ الله (المائدة:٤٤)، وتارة بمعنى النبوة، كقول موسى ال: فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ العلية الْمُرْسَلِينَ (الشعراء: ٢٢).
الجزء السابع ۲۱۸ سورة الشعراء وعقله، وهي والسياق هنا يبين أنه كانت هناك فكرة واحدة مستولية على قلب إبراهيم أن تتحقق غاية بعثته على خير ما يرام، ولا يقع في البناء الروحاني الذي بعثه الله تعالى لرفع قواعده شرخُ يؤدي إلى زعزعته.وحيث إن تحقيق هذه الغاية مستحيل بدون عون الله الله، فدعا إبراهيم العليا ربه قائلا رب هب لي من عندك الغلبة، وأعطني الفراسة لاتخاذ القرار الصحيح في القضايا الدينية، ووفقني لتنفيذ الأحكام التي تسارع الفطرة السليمة لقبولها تلقائيا..أي فليتبع الناس أحكامك ولكن ليس بقوة العصا بل نتيجة اعتراف عقولهم وفطرتهم بعظمتها وفضلها.6 الله ثم قال إبراهيم ال: وألحقني بالصالحين.واللافت للنظر هنا أن هذا الدعاء قد خرج من فم نبي مختار كانت نجاته وقربه عند الله أمرًا مؤكدًا.لو أن شخصا لم تكن نجاته وقربه بالأمر اليقين قام بهذا الدعاء لقلنا إنه قد فعل ذلك لنجاته وقربه، إذ لم يكن متأكدا ذلك.ولكن من المحال أن من أن نجاة أنبياء نتصور الله الله ليست بأمر يقين لأنه إذا لم تكن نجاتهم وقربهم بالأمر اليقين فمن المحال أن تكون نجاة أحد مضمونة.الحق أن رسل الله وأنبياءه يكونون من الناجين قبل دعواهم أيضًا، لأنهم إذا لم يكونوا هم الناجين فكيف يمكن أن يُبعثوا لإنقاذ الآخرين.فكونهم مبعوثين من عند الله تعالى لإنقاذ الآخرين دليل على كونهم من الناجين من قبل.فإذا كان الأمر كذلك، وإذا كان إبراهيم واحدًا الله ، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف يمكن لشخص بعث هاديًا للناس وأُمروا باتباعه إذا أردوا النجاة؛ أن يدعو الله تعالى: (وَأَلْحقني بالصالحين؟ هل دعاؤه هذا يعني أنه لم يكن من الصالحين- معاذ الله – أم أن له معنى آخر؟ فليكن معلومًا أن مدلول كل كلمة يتغير بتغير السياق.خذوا مثلاً لفظ القامة، فإن قامة الإنسان التى تُعَدّ متوسطة في بلد تُعَدّ قصيرة في بلد آخر.فإن سكان النرويج أطول قامة من أهل إنجلترا وغيرها من البلدان فذات مرة جاءت راهبتان نرويجيتان إلى الهند للسياحة، وكانتا أطول من الأناس المتوسطي القامة عندنا بحوالي قدم.ومن الواضح أن النرويجيين لم ينتقوهما من بين جميع النرويجيات من أجل من رسل
۲۱۹ سورة الشعراء الجزء السابع طولهما ليتأثر أهل الهند بقامتهما، بل الواقع أن النرويجيين كلهم طوال القامة.فثبت من هنا أن معيار القامة يتغير من بلد إلى بلد، فإن الذي يبلغ طوله خمسة أقدام ونصف يُعتبر في بلادنا من متوسطى القامة، ولكن الشخص بهذا الطول سيُعتبر طويلاً في النيبال، ويُعتبر قزما في النرويج ونفس الحال بالنسبة للون أيضا، فإن الذي يكون لونه فاتحا بعض الشيء يُعدّ في بلادنا أبيض اللون، ولكن أهل إنجلترا سيعدونه أسود اللون، ولكنه لو ذهب إلى أفريقيا سيُعَدّ من البيض؛ بل إن الذي نعتبره أسمر اللون عندنا سيُعدّ عند الأفارقة أيضًا من البيض.فمثلا لم يكن المولوي عبد الرحيم نير - أحد دعاتنا في غرب إفريقيا - أبيض اللون بل كان حنطي اللون، ولكنه لما وفد إلى إفريقيا اعتبره الأفارقة أبيض ، حيث كانوا يقولون: لقد تنبأ بعض صلحائنا بأن بلادنا سوف تزدهر كثيرًا عندما يأتيها داعية أبيض اللون.فكما أن مدلول اللون أو القامة يتغير من بلد إلى آخر كذلك يتغير معنى كلمة "الصالح" بتغير السياق.فمثلاً يقول الله : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهُ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئكَ رَفِيقًا )) (النساء: ۷۰).فهنا اعتبر الصلاح أدنى المقامات الروحانية المذكورة هنا، بينما سمى الله نوحًا ولوطًا صالحين خلال الحديث عن زوجتيهما حيث الا الله قال : كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ (التحريم:١١)، مع أن كل واحد منهما نبي والنبوة أفضل من الصلاح كما قال تعالى عن إسحاق ويعقوب: أنهما وَكُلاً جَعَلْنَا صَالِحينَ (الأنبياء:٧٣)، مع من الأنبياء.وقال في سياق الله البشارة بولادة يحيى ال بأنه يكون نَبيَّاً منَ الصَّالحينَ (آل عمران: ٤٠).وكذلك قال الله عن المسيح : وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران: ٤٧)، مع أنه اللي كان نبيا.وقد ثبت من ذلك أن لفظ "الصالح" له مدلولات شتى، فعندما يدعو شخص عادي ربه قائلا: (وَالْحقني بالصالحين فالمراد اجعلني اجعَلْني من أهل الصلاح، وعندما يقوم أحد الصلحاء بهذا الدعاء من فالمراد أن يبوئه درجة الشهداء، وعندما يدعو أحد الشهداء بهذا الدعاء فالمراد أن يجعله من الصدّيقين، وعندما يقوم أحد الصدّيقين بهذا الدعاء فالمراد أن يجعله
الجزء السابع الله ۲۲۰ سورة الشعراء من كبار الصديقين أو يجعله مع الأنبياء، وعندما يدعو به أحد الأنبياء فالمراد أن يُلحقه بالأنبياء الذين هم أعلى منه درجة.وهكذا يختلف معنى الصلاح من شخص إلى آخر.ومثاله الآخر أن الله تعالى يقول في القرآن الكريم لبعض الناس: لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات: ١٥)، بينما يقول في موضع آخر عن إبراهيم الله ا إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلَمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لَرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة: ١٣٢).وهذا يعني العلية لا : أنه الله اعتبر الإسلام في الآية الأولى خطوة أولى إلى الإيمان، بينما اعتبره في الآية الثانية منتهى الإيمان والمعرفة الروحانية.وبالمثل نعلم أن الناس كلهم عباد الله الله، ولكننا نرى أنه تعالى قد سمى في القرآن الكريم عبد الله (الجن: ۲۰)، و"عبد الله" هو أفضل أسمائه عند الصوفية اصطلاحات الصوفية للقاشاني ٤٥).فترى أن كل إنسان – مؤمنًا كان أو يسمى ص النبي كافرًا - وردت في حق النبي الا الله صار لها مدلول مختلف عن مدلولها العام..أي أنه هو العبد الوحيد الذي بلغ في عبودية الله الدرجة الكمال.عبد الله لأنه تعالى قد خلق البشر كلهم، ولكن هذه الكلمة حين وبالمثل إن لكلمة "الصلاح" مدلولات مختلفة، فمن الصلاح ما هو دون الصديقية والشهادة، ومن الصلاح ما يدعو من أجله الأنبياء أيضًا، إذ يدركون أن لا نهاية لمدارج قرب الله ، ومهما تقرب الإنسان من ربه فلا يمكنه القول إنه قد بلغ الغاية من قربه الا الله ولذلك يدعو الأنبياء أيضًا أن يكتب الله لهم المزيد من الرقي، 6 أكثر Я أن النبي لهم معيّة القوم الذين هم منهم معرفة به وقربا منه.فإنك ترى لما لقي الأنبياء ليلة المعراج لم يجدهم جميعًا في سماء واحدة، بل وجد بعضهم في السماء الأولى، وبعضهم في الثانية، وبعضهم في الثالثة، وبعضهم في الرابعة، وبعضهم في الخامسة وبعضهم في السادسة، وبعضهم في السابعة.فبما أن ثمة تفاوتا كبيرًا بين مدارج الأنبياء، فعندما يدعو أحدهم: وَأَلْحقني بالصالحين فلا يعني ذلك أنه ينال الصلاح الذي هو دون الشهادة أيضًا، بل المراد أنه يريد اللحاق بالذين هم أعلى منه درجة.وبما أن مدارج قرب الله الغير محدودة، وبما أن المرء
۲۲۱ سورة الشعراء الجزء السابع إذا بلغ درجة من قربه ارغب في الوصول إلى الأعلى منها، وإذا بلغها تمنى بلوغ التالية لها، فلا يبرح يدعو : (وَأَلْحقني بالصَّالحين ، ولا يمكن أن يأتي عليه وقت يستغني فيه عن هذا الدعاء.فالحق أن إبراهيم ال قد علمنا بهذا الدعاء درسًا عظيما، ألا وهو أن المرء مهما بلغ من الرقي فعليه ألا يظن أنه قد بلغ منتهاه، لأنه يأخذ في الانحطاط بمجرد أن تنشأ هذه الفكرة في قلبه الواقع أن أكبر سبب وراء انحطاط الأمم ودمارها أن أفرادها يظنون أنهم قد بلغوا منتهى الرقي وكلما أصيبوا بهذه الوسوسة وقعوا فريسة للانحطاط.لقد جعل الله الله هذا الكون متحركًا بحيث إن كل ذرة منه تتحرك، بعضها حركةً دائرية، وبعضها حركة أمامية، والقلب الذي جعله الله الله مركز حياة الإنسان أيضًا يتحرك كل حين بدون انقطاع، ولو توقف عن الحركة مات الإنسان فوراً.وهذه هي حال الإيمان أيضًا، ولذلك قد ضرب النبي ﷺ مثال قلب الإنسان حين تحدث عن زيادة الإيمان ونقصه فقال: ألا إن في جسد الإنسان مضغة إذا صَلُحَت صَلُحَ الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله (البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه ونفس المشهد نراه في العالم المادي أيضًا، حيث نجد مرض القلب أشد فتكا من أي مرض آخر، فإذا أصيب به المرء لم يعجبه الأكل والشرب، وكان في قلق وحزن واكتئاب دائما، فأصبحت حياته أسوأ من الموت.كذلك إذا أُصيب قلب المرء بمرض روحاني فَقَدَ القوة المميزة بين الخير والشر، واستمر في التردي حتى يُصبح أسوأ حالاً من الدواب.فعلى المرء ألا يطمئن بما هو يعني عليه أبدا، بل يجب أن يطمح ويسعى دائما للوصول إلى الدرجة الأعلى فالأعلى.وباختصار إن هذا الدعاء الذي سجله القرآن الكريم على لسان إبراهيم اللي لا أنه كان يشك في نجاته، وإنما هو تذكير للمؤمنين بأن لا يقتنعوا بأي مرحلة خلال سفرهم الروحاني أبدا، ولا يظنوا أنهم في مأمن من السقوط من ذلك المقام العالي.ولولا هذا الدعاء من إبراهيم ال لظن الناس أنهم في غنى عن مثل هذا الدعاء.شأننا في هذا الدعاء شأن الأنبياء، فبرغم أنهم يبلغون أسمى درجات قرب الله الله، حيث يقضون كل لحظة من حياتهم في عبادة الله له، ويظلون نشوانين
۲۲۲ سورة الشعراء الجزء السابع في حُب الله وعشقه ليلاً ونهارا، وقيامًا وقعودًا، ويقظة ورقودًا، ويجري ذكر الله على ألسنتهم كل حين، وتشتغل كل ذرة من كيانهم وكل لحظة من حياتهم في إعلاء كلمته، ومع ذلك كله يأمرهم الله تعالى بأداء الصلاة؛ وليس سبب ذلك إلا لأنهم إذا لم يصلوا لم يُصلّ أتباعهم أيضًا الذين يرون أسوتهم فيتأسون بها قدر الإمكان، فلأجل ذلك لم يُبعث في الدنيا نبي قط قد أعفاه الله تعالى من العبادة، بل كل نبي عبد الله تعالى كغيره من البشر برغم أنه يقضى كل لحظة من حياته في عبادة الله في الواقع.خذ النبي ﷺ مثلا، فإنه لم يصل الصلوات الخمس فحسب، بل قضى كل لحظة من حياته في عبادة الله تعالى حتى أمر الله الله أن يعلن بين الناس: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام: ١٦٣)..أي لا تظنوا أني أصلّي الصلوات الخمس فقط، بل الواقع أن عبادتي وتضحياتي، وكل حركة وسكون في حياتي إنما هي الله رب العالمين، إذ لا تأتي علي لحظة أتغافل فيها عن ذكر الله وحبه، بل إن موتي أيضًا عبادة.تروي عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ لما توفّي كان على لسانه الكلمات التالية: "اللهم الرفيق الأعلى" (البخاري: كتاب المغازي، باب آخر ما تكلم به النبي..أي أُريد الذهاب إلى رفيقي الجالس على العرش فثبت أن النبي الله إنما أدى الصلوات من أجل هدايتنا وتربيتنا، إذ كان كل حركة وسكون من حياته صلاة وعبادة، ومع ذلك لم يقل كما يقول المتصوفون الزائفون: لقد بلغنا درجة من قرب الله بحيث لم نعد الآن بحاجة إلى الصوم والصلاة.فذات مرة تقدم إلي أحد المتصوفين بعد أن فرغت من صلاة الجمعة وقال لي: يد أن أسألك سؤالاً.قلت : تفضّل.قال : إذا وصل الراكب إلى شاطئ النهر فهل يبقى في القارب أم ينزل منه؟ وما إن وجّه إلي السؤال حتى فهمني الله تعالى قصده الحقيقي، وذلك أن عامة المتصوفين في هذه الأيام مخدوعون حيث يقولون إن الصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها من الأحكام إنما هي مطايا توصلنا إلى أعتاب ربنا الحبيب، وإذا وصل المرء باب حبيبه ولم ينزل عنده بل ظل على راحلته، فلا بد أن يُعَدّ تصرفه هذا إساءة كبيرة إلى حبيبه، وبالمثل من حظي بقرب
الجزء السابع ۲۲۳ سورة الشعراء يصح أن الله الله فلا تبقَ له حاجة إلى الصلاة والصوم وغيرهما من الأحكام إذ قد وصل إلى باب الله.لقد كشف الله على هذا الأمر عندما وجه إلي ذلك المتصوف سؤاله، فقلت له : إذا كان للنهر الذي يُسافر فيه الراكب شاطئ، فعليه أن ينزل من القارب إذا بلغ الشاطئ، ولكن إذا كان النهر بلا شواطئ فعليه أن يتذكر أنه بمجرد أن ينزل من القارب يغرق فأخبرني الآن عن النهر الذي تتحدث عنه، أمحدود هو أم غير محدود؟ قال: بل هو غير محدود.قلت: فإن الراكب إذا نزل من القارب في هذا النهر غرق حتمًا، فالخير له أن يظل في القارب.إذا، فالإله الذي نُسافر إليه غير محدود لا شك أن حياتنا في الدنيا سنوات معدودة، ولكن الله قد وعدنا أن هناك حياة بعد هذه الدنيا لا نهاية لها؛ ومن أجل ذلك تؤمن بدوام نعم الجنة وعدم انقطاعها.فما دمنا نسبح في نهر غير محدود، وما دمنا نصبو إلى المزيد من قرب الله الذي هو أزلي وأبدي، فكيف نتوقف مطمئنين عند مقام واحد ؟ لو توقفنا لهلكنا يقينًا.فبرغم هذه الحقيقة الواضحة، يخوض الناس نقاشات لا طائل منها ويقولون: كيف يمكن أن يدعو ني ربِّه قائلا: وَأَلْحقني بالصَّالحين، بدلاً من أن يتذكروا هذه الحكمة القرآنية، فيسرعوا الخطى في رحلتهم إلى الله ، ويسعوا للفوز بمرضاة الله الا الله من خلال التضحية والإيثار وخدمة الخلق، وسمو الأخلاق، والأسوة الحسنة، ومساعدة الفقراء وخدمة القرآن وإشاعة الإسلام.إنهم لا يدرون جميع الصلحاء لا يتبوؤون درجة واحدة، فإن المكانة التي وصلها الرسول ﷺ لم يصلها أبو هريرة، والدرجة التي حازها أبو هريرة لا يحوزها المسلمون في هذا العصر، ولذلك فإن قوله تعالى: وَأَلْحقني بالصالحين تنبيه لنا لكي نواظب على الدعاء بأن نكون في معية الصالحين.فإذا حظينا بمعية صالح، فعلينا أن نتمنى بصالح آخر هو أرفع درجة من الأول، ثم الذين يلونه ثم الذين يلونه، وهلم جرا؛ ويجب أن تشتد بنا هذه الرغبة دائمًا حتى نصل إلى أقدام النبي الذي هو أسمى و أعلى وأرفع درجة من الصالحين أجمعين.وعندما نتأمل حياة النبي ﷺ نجدها مصبغة بنفس الصبغة، حيث كان يسرع الخطى دائما لنيل مراتب لا نهاية لها في أن اللحاق
الجزء السابع ٢٢٤ سورة الشعراء قرب الله الله إن الشباب في هذه الأيام يُصلّون بضعة أيام، فيظنون أنهم قد بلغوا أقصى درجة في قرب الله ، وهذا يعني أنهم يستهينون بالله تعالى ويعتبرونه شيئًا بسيطا، فيظنون أنهم قد ظفروا به، مع أن البارئ تعالى عظيم جدا بحيث يستحيل علينا القول حتى عن كبار الأنبياء الذين قد بلغوا الدرجات العلى في قرب الله الله إنهم قد بلغوا الغاية في قربه، بل الحق أنهم كلما ازدادوا قربا منه الله وجدوا قدرته وقوته تعالى أكبر من ذي قبل، فيقرون أنه لا تزال أمامهم درجات لا نهاية لها من قربه تعالى.فقد ورد في الحديث أن النبي ﷺ كان رغم كبر سنه يطيل القيام في الصلاة متضرعًا خاشعًا باكيًا أمام الله الله حتى تتورم قدماه أحيانًا، فكانت أزواجه يشفقن عليه بأنه يشق على نفسه، فقالت له عائشة الله عنها - مرة: يا - رضي رسول الله، لماذا تشقّ على نفسك في العبادة والابتهال لهذه الدرجة وقد غفر الله تعالى لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : "أفلا أكون عبدًا شكورًا".(البخاري: كتاب التهجد، باب قيام النبي ﷺ حتى ترم قدماه، والدر المنثور: قوله الله إنا فتحنا لك فتحا مبينًا)..أي ما دام الله الله قد غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، أفليس من واجبي أن أشكره على فضله هذا، فأعبده وأشكره أكثر من غيري.فالنبي الله أيضًا كان يبذل أقصى ما في وسعه دائما ليزداد قربا من الله.وهذا هو الدرس الذي علمنا الله له بهذا الدعاء الإبراهيمي.ولو أن الناس وعوه ولم ينسوه لما ماتت روحانيتهم و لم يستول عليهم الشيطان أبدا.ثم يقول إبراهيم ال: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين..أي: يا رب اكتب لي الذكر الحسن ظاهرا وباطنا على الدوام.علما أن لفظ الصدق عندما يضاف إلى شيء يدل على دوام ذلك الشيء وحسنه ظاهرا وباطنا حيث يقول الإمام الراغب في مفرداته: "يُعبر عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق، فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به".فإن العلية لا يعني رب اجعل أهل الزمن الأخير يدعون لي دائما أبدا، وأن لا يُثنوا على بلسانهم فقط، بل اجعل حسناتي تدوم في الدنيا، لأنال بذلك ذكرًا حسنًا إبراهيم ظاهرا وباطنا.
الجزء السابع ٢٢٥ سورة الشعراء والحق أن المسلمين هم الوحيدون الذين حققوا هذا الدعاء الإبراهيمي بين أتباع الديانات.من الممكن أن أبناء إبراهيم الله وأحفاده كانوا يدعون له، ولكن جميع بعد انقضاء عدة أجيال قد نسيه أولاده الماديون والروحانيون.أما المسلمون فلا يزالون يدعون له منذ ثلاثة عشر قرنًا بدون انقطاع، وسيستمرون في ذلك إلى يوم القيامة.فإن كل مسلم يدعو في جلوس التشهد من كل صلاة قائلا: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد".وهذا يعني أننا موقنون تماما بما حبا الله به إبراهيم من حب ولطف عظيم.بيد أن بعض الجاهلين بالحقائق يعتبرون هذا الدعاء إساءة إلى النبي ، فيقولون: ما دام النبي الله هو أفضل الأنبياء قاطبة، فكيف يمكن أن يأمرنا الله الله بأن ندعوه بأن يُنزل بركاته وأفضاله على رسول الله له كما أنزلها على إبراهيم ال؟ وإجابة على هذا السؤال سأضرب بعض الأمثلة التي ستحل المعضلة.الواقع أن لشجرة البرتقال خواص معينة، مثلاً إنها تتوسع إلى حد معين، وتثمر إلى حد معين، وترتفع إلى حد معين حيث يصل طول أفضل شجرة برتقال حوالي عشرين قدمًا؛ فلو زرع المرء شجرة برتقال وبلغت هذا الطول قلنا إنها بلغت الكمال في طولها.وإذا كانت أفضل شجرة برتقال يبلغ عرضها خمسا وعشرين قدمًا، فبلغت الشجرة التي زرعها هذا الشخص خمسا وعشرين قدمًا، قلنا إنها قد بلغت الكمال في عرضها.وإذا كانت أفضل شجرة برتقال تثمر ألف حبة فأثمرت بهذا المقدار قلنا إنها بلغت الكمال في الإثمار.ولكن شجرة "تين البنغال" العادية يبلغ طولها ما بين ثمانين إلى تسعين قدمًا، وقد ترتفع مئتي قدم، وقد يبلغ عرضها حوالي مئتي قدم.ولو أحد هذه الشجرة، فارتفعت خمسا وعشرين قدمًا، وبلغ عرضها خمسا وعشرين قدمًا، فقال أحد إنها بلغت ،كمالها، فلا بد أن يُعتبر غبيا.أو لنفترض أن شجرة السدر تحمل حوالي عشرين ألف حبة، فلو زرعها المرء، فأثمرت ألف حبة وزرع غيره شجرة "تين البنغال" فبلغ عرضها خمسا وعشرين قدما، وزرع زرع الثالث
٢٢٦ سورة الشعراء الجزء السابع شجرة البرتقال، فاتسعت خمسا وعشرين قدمًا أيضًا، فأخذ البعض يقارن بينها ويقول: لأن عرض شجرة "تين" البنغال" مثل شجرة البرتقال، ولأن ثمرة السدر مثل ثمرة البرتقال أيضًا، فثبت أن شجرتي "تين "البنغال" والسدر أفضل من شجرة البرتقال، فلا بد أن يُعَدّ غبيًا، لأن هذا ليس دليلاً على فضلهما بل على نقصانهما.ثبت أن الفضل والكمال أمر نسبي، فمثلا لو زرعنا شجرة البرتقال، فجعلها الله بفضله ترتفع وتعرض وتثمر إلى أقصى حد ممكن ، ثم زرعنا شجرة المانجو داعين الله تعالى أن يبارك فيها كما بارك في شجرة البرتقال، فلا يعني هذا الدعاء أن يجعل طولها وسعتها وثمرها بقدر طول شجرة البرتقال وسعتها وثمرها، بل المراد أن الله يرفعها ويوسعها ويثمرها إلى أقصى حد ممكن لتصل درجة الكمال في جنسها كما وصلت شجرة البرتقال حد الكمال في جنسها.يعني فدعاؤنا: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم....أنه كما بلغ إبراهيم العلي حد الكمال من بين الأنبياء الذين كانوا مبعوثين إلى أقوامهم فقط، فاجعل يا ربّ، نبيَّنا - الذي هو نبي من نوع آخر حيث بعث إلى العالم كله - أن يبلغ الكمال في محاله.ذلك أن البرتقال والمانجو و"تين البنغال" أنواع مختلفة من الأشجار، وعندما ندعو ، وعندما ندعو الله تعالى أن تصل المانجو درجة الكمال كالبرتقال، فلا نعني بذلك أن تثمر ألف حبة كشجرة البرتقال، بل نعني أن تثمر عشرة آلاف حبة؛ وكذلك حين نقول أن تصل شجرة "تين البنغال" كمالها مثل شجرة البرتقال، فلا نعني أن يبلغ طولها عشرين قدمًا كشجرة البرتقال بل نعني أن يصل طولها مئتي قدم.إذًا، فالمعنى الحقيقي للصلاة الإبراهيمية إنما هو أن إبراهيم كما بلغ الكمال في من الأنبياء، فاجعل يا رب نبينا الذي هو مبعوث إلى العالم كله يبلغ درجة الكمال وفقًا لمنصبه..أي أن تصل الشجرة المحمدية الذروة طولاً وسعةً نوعه وثمرا.إنما مثل هذا الدعاء كمثل شخص اشترى ما عزا، فبارك الله له فيها، فأخذت تدرّ عليه كيلوغرام من الحليب يوميًا، وتلد سخلَين كل ستة أشهر.ثم اشترى بقرة،
۲۲۷ سورة الشعراء الجزء السابع فدعا ربه بأن يبارك له فيها كما بارك في الماعز.فهل يا ترى، يعني دعاؤه أن تدرّ عليه البقرة بكيلوغرام واحد من الحليب يوميًا، وتلد عجلين كل ستة أشهر مثل الماعز؟ كلا، لأن أفضل البقرات لا تدرّ بكيلوغرام من الحليب فقط، كما لا تلد أي بقرة عجلين في ستة أشهر.إنما المراد من دعائه أن تكون البقرة من أجود البقر كما كانت الماعز من أجود المعز.إذا، فإنما المراد من دعائنا : "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم..." أنه كما بلغ إبراهيم اللي درجة الكمال بين نوعه من الأنبياء، فليبلغ نبينا له أيضًا الكمال بحسب منصبه ومهمته.ذلك أن إلى شعب عُرف فيما بعد ببني إسرائيل، فبلغ الذروة بين أنبيائهم.فكأننا ندعو تعالى أن يبلغ نبينا له أيضًا الذروة والكمال في مهمته نظرا إلى منصبه وهو كونه إبراهيم العليا كان نبيا الله نبيًا إلى العالم كله.لقد باركت اللهم على إبراهيم من أجل بني إسرائيل الذين كانوا عندها واحدًا بالألف من سكان العالم، فبارك الآن في محمد ﷺ ألف ضعف من البركة التي جعلتها في إبراهيم من قومه لأن محمدًا ل الله مبعوث إلى سكان العالم كله الذين يزيدون على بني إسرائيل بألف ضعف ذلك لأن لفظ "كما" يفيد المماثلة النسبية كما وضحتُ بمثال الماعز والبقرة، حيث يتغير معنى "كما" بتغير الجنس والنوع.لقد كان إبراهيم ال نبيا من غير نوع الرسول ؛ كان عدد قوم إبراهيم قرابة أربع مئة ألف ويتراوح عدد اليهود اليوم ما بين خمسة عشر مليونًا أن إلى عشرين مليونًا، بينما يتجاوز عدد سكان العالم اليوم مليارين..وهذا يعني عدد اليهود هو واحد بالمئة من سكان المعمورة.إذا ، فالمراد من الصلاة الإبراهيمية هو اللهم بارك على محمد بمئة ضعف ما باركت به على إبراهيم فيما يخص الأمة اليهودية.فمثلاً إذا كان الله تعالى قد أعطى اليهود عشرة مليارات من المال، فليعط الأمة المحمدية ألف مليار.وبالجملة فإن لفظ "كما" تفيد هنا الزيادة لا المساواة، لأن الجنس أو النوع مختلف.فلو كان النبي ﷺ مبعوثًا إلى العرب فقط لأفاد لفظ "كما" المماثلة والمساواة، لأن النسبة هي نسبة الماعز إلى الماعز، أو البقر إلى البقر، لكن الأمر ليس
الجزء السابع ۲۲۸ كذلك هنا، لذلك فالمعنى أنه كما بلغ إبراهيم العلة الكمال في نوعه سورة الشعراء من الأنبياء، كذلك فليوفق الله الا الله نبينا أن يبلغ الذروة نظرا إلى منصبه ومهمته.ومن درج رجة يعني الواضح أن من المحال أن تساوي درجة إبراهيم الله المبعوث إلى قومه فقط النبي المبعوث إلى العالم كله، تماما كما أن الضابط الصغير الذي تحته عشرون جنديًا لا يساوي مرتبة القائد الكبير الذي يقود جيشا قوامه ثلاثمائة ألف جندي مثلاً.فلو قلنا إن هذا القائد يقود جنوده كما يقود الضابط البسيط رجاله، فلا ذلك أن الضابط البسيط يقود جيشًا قوامه ثلاث مئة ألف، بل إن كل عاقل لن يفهم من قولنا هذا إلا أن هذا القائد العظيم يقود رجاله بنجاح كما يقود الضابط البسيط رجاله بنجاح، مع أن بينهما بونا شاسعاً في الحقيقة حيث إن الأول يقود ثلاث مئة ألف جندي، بينما يقود الثاني عشرين جنديًا فقط؛ ولو بقيادة مئة شخص لفشل، أما القائد فهو قادر على قيادة ألف شخص بمرتبة الضابط البسيط أيضًا.كمالاً إذا، فعندما ندعو الله الله أن يجعل النبي يبلغ الذروة بحسب منصبه كما جعل إبراهيم يبلغ الذروة بحسب منصبه، فليس في ذلك أية إساءة إلى النبي أبدا.على أية حال، لقد الله الله لإبراهيم لم يهبه لأحد سواه من بين الأنبياء الذين كانوا من نوعه.وبيان ذلك أننا نجد في الدنيا أن الدول تضع خُطَّتين للرقي والتقدم إحداهما قصيرة المدى؛ والأخرى طويلة المدى.والخطة الأولى تكون وهب لمعالجة المشاكل العابرة، والثانية تكون للنهوض بالبلاد على المدى الطويل حيث لا تزدهر دولة في الدنيا بين عشية وضحاها، بل يتطلب ذلك بذل الجهود المتواصلة مدة ثلاثين أو خمس وثلاثين سنة، ولهذا تضع الدول خططًا للرقي طويلة المدى؛ ولكن هذا لا يعني أن تغض الدولة الطرف عن حاجات المواطنين العابرة، فمثلاً لو ضربت المجاعة البلاد فلن تقول الحكومة بأنها مشغولة بتنفيذ خطة الثلاثين سنة ومن فلن تساعد المنكوبين، بل ستتركهم فريسة للموت؛ كلا، بل إنها تعمل عندها بحسب الخطة القصيرة المدى لكي لا تُعيق هذه الكوارث العابرة نجاح الخطة الطويلة المدى.والحق أن الأمم تقدم تضحيات جسيمة لنجاح الخطط القادمة
۲۲۹ سورة الشعراء الجزء السابع الطويلة المدى التي تستهدف إزالة مشاكل الأجيال التالية.ولكن خططهم وتضحياتهم تتضاءل أمام ما فعله إبراهيم..أعني ليس هناك شعب ولا أمة وضعت خطة طويلة المدى كالتي وضعها إبراهيم العلم لأجياله القادمة.ذلك أن المرء إذا رأى أحدًا يموت جوعًا، فقدم له الطعام، قيل إنه رجل محسن صالح، أو إذا العطاشى، فسقاه، قيل إنه إنسان صالح، وإذا لم يفعل هكذا دعي ظالما.ومثل هذه الحسنات والأعمال تُعدّ من قبيل الخطة القصيرة المدى، وهي توجد في الناس بكثرة.ولكن هناك نوع من الحسنات تنفع العالم العالم كله وهي تعتبر من الخطة الطويلة المدى.يُحكى أن ملكًا مر بفلاح عجوز يغرس الأشجار وجد أحدًا من التي التي تنمو ببطء شديد ولا تثمر إلا بعد ثمانين سنة.فقال الملك للفلاح: أمجنون أنت حيث تزرع شجرة لن تثمر إلا بعد ثمانين سنة؟ أتظن أنك ستعيش هذه المدة؟ إن موتك قريب، ولن تطول أيام حياتك أكثر من بضع سنين، فلماذا تزرع شجرة لا تنفعك شيئا؟ فقال الفلاح: إنك ملك ومن المفروض أن تكون من ذوي الخبرة.وتعلم أيها الملك أن المرء لا يقدر على أعمال الحراثة بنجاح إلا إذا بلغ من العمر حوالي عشرين عامًا، ولو زرع عندها الشجرة ليأكل ثمرها فعليه أن ينتظر ثمانين سنة أخرى، فهل ترى أنه سيعيش هذه الفترة؟ كلا، بل إن كثيرا من الفلاحين يموتون قبل ذلك، وقليل هم الذين ينتفعون مما يغرسون ولو أن آباءنا لم يزرعوا بناء على هذه الفكرة لما وُجدت هذه الشجرة في الدنيا، ولقال كل واحد منهم: لماذا أغرس شجرة لن آكل ثمارها؟ ولكنهم رغم ذلك غرسوا، فأكلنا الثمار، والآن نغرسه ليأكل أولادنا الثمار.فأعجب الملك قوله فقال لوزيره: "زه"..ومعناه: أحسنت.وكان الملك قد أمر وزيره الذي كان يرافقه في رحلاته دائما أنه إذا قال لأحد "زة" فعليه أن يُعطيه ثلاثة آلاف درهم جائزةً.فلم يلبث الوزير أن سلّم إلى الفلاح صرّة فيها ثلاثة آلاف درهم فلما استلم الفلاح الصرة قال: لماذا أعطيتني إياها؟ قال الوزير: إن الملك عندما يسره قولُ إنسان يقول: "زة"، فنسلم له صرّة الدراهم.فقال الفلاح للملك: أدام الله عمرك، لقد قلت لي إني أزرع شجرة لن أكل ثمرها، وبالفعل يزرع الناس الأشجار ويأكلون ثمارها بعد سنوات طويلة،
الجزء السابع ۲۳۰ سورة الشعراء ويزرعون القمح ويحصدونه بعد ستة أشهر، ولكنك تراني آكل ثمرة شجرتي بدون أي انتظار.فقال الملك : "زه فناول الوزير الفلاح صرّة فيها ثلاثة آلاف درهم.فأخذ الفلاح الصرتين في يديه وقال للملك: إن الأشجار المثمرة تحمل الثمار في السنة مرة واحدة أو مرتين على الأكثر، وبعض الزروع تحصد بعد شهرين أو أكثر، ولا يوجد في الدنيا زرع يُحصد في نفس اليوم مرتين، ولكنني قد أكلت ثمرة شجرتي في دقيقة واحدة مرتين.فقال الملك: "زه".فسلّم الوزير للفلاح صرة ثالثة، وقال الملك لرفاقه: تعالوا نهرب من هنا وإلا فإن هذا العجوز سيسلب كل ما عندنا.11° فترى أن العجوز كان قد زرع الشجرة المثمرة من أجل الأجيال القادمة، هذا ما الخطة الطويلة المدى وكما قلت إن الناس يبذلون تضحيات عظيمة من يسمى أجل الخطة الطويلة المدى، فيشترون الأراضي من أجل أولادهم كيلا يعانوا من المشاكل، ولكني لم أرَ أيًا من المزارعين اشترى الأرض لأحفاده.لا شك أن شراء الأرض من أجل الأبناء أيضًا من الخطط الطويلة المدى، ولكن كبار المزارعين أيضا لا يشترون الأرض من أجل أحفادهم وإنما من أجل أبنائهم فحسب.إن عدد جماعتنا يبلغ مئات الآلاف بفضل الله تعالى، وأكثرهم من المزارعين، ويوجد بينهم أثرياء كبار، ولكني لم أرَ أحدًا منهم اشترى الأرض لينتفع بها أحفاده.وهناك آلاف من المسلمين غير الأحمديين ومن الهندوس والمسيحيين يأتون لمقابلتي طالبين مني المشورة والدعاء، وأعرف أحوالهم جيدًا، ولم أرَ أحدا منهم يشتري الأراضي ويدخر الأموال من أجل أحفاده، وإنما يفعلون ذلك من أجل أبنائهم فقط دون أن بأحفاده.ولكن انظر إلى عظمة الخطة الطويلة المدى التي اتبعها يهتم إبراهيم أحد منهم العلمية.لقد كان له ابنان فأمر أحدهما، وهو إسحاق، بالذهاب إلى بلد عامر ليقوم بالدعوة بين أهله، بينما ترك ابنه الآخر، وهو إسماعيل، في مكة التي كانت حينها واديًا غير ذي زرع، وذلك لأن الشعب الذي سيستوطن هذا المكان بعد خمسة عشر قرنًا سيحتاجون إلى هاد، فيقوم نسله بهدايتهم ورفع كلمة الله بينهم.فترى كم هي طويلة هذه الخطة.يُقال أن قبيلة جُرهم مروا بالوادي بعد أن
الجزء السابع ۲۳۱ سورة الشعراء ترك فيه إبراهيم ابنه إسماعيل بيومين، وسكنوا هناك.وبما أن عددهم كان قليلا جدا ربما لم يتجاوز خمسين أو ستين فردا، ولذلك لم تصبح مكة بلدا عامرًا في حياة إسماعيل، بل استغرق ذلك حوالي خمسة عشر قرنا بعده العلي.إذا، لقد أسكن إبراهيم إسماعيل في واد غير ذي زرع ليقوم نسله بالدعوة بين الناس عندما تُعمر تلك البرية بعد خمسة عشر قرنًا.وهذه الخطة تماثل أن يقوم أحد من رجالات الدين الهندوسي أو البوذي أو الجيني من زمن الملك الهندي "أشوكا" أو "بكر ماجيت" بإسكان بعض من أولاده في برية "سرجودها" أو "مونت غومري " ليرفعوا كلمة الله الا الله بين أهلها حين يتم عُمرانها.إذا، فقد قام إبراهيم العلي بخطة طويلة المدى فعلاً.كان له ابنان فقط فبعث أحدهما إلى منطقة مأهولة بالسكان ليقوم بالدعوة بين أهلها، بينما أسكن ابنه الآخر في واد غير ذي زرع حتى إذا تم عمرانه قام نسله بدعوة الناس إلى الله.وكما قلت لم يضع الشعوب أو القبائل أو العشائر أو أي فئة من العلماء أو جماعة من الفلاسفة أي وحي أحد خطة طويلة المدى كالتي وضعها إبراهيم العل، لا سياسيا ولا تجاريًا ولا علميًا.إن إبراهيم العلم لم يخطط من أجل بضعة أيام، بل لمئات بل آلاف السنين، مع أنه لم يكن يعرف متى سيتم عمران برية العرب وكم سيقاسي أولاده هناك.لا شك أن الله أيضا قد لعب دوره فيما نواه إبراهيم ال وفيما وقع من الأحداث، ولكن الله الا الله ينظر إلى قلوب عباده ويُنزل وحيه بحسب إخلاصها، فلو لم يكن قلبه المفعما بمشاعر الإخلاص والفداء لهذه الدرجة لما أمره الله له بذبح ابنه، ولو لم يكن في قلبه رغبة عارمة للتضحية في سبيله الا الله لما هيأ له الأسباب المواتية لذلك.إن إتاحة هذه الأسباب من عند الله الا دليل على وجود تلك الأمنية الشديدة في قلبه الله، ولذلك ندعو الله تعالى: "اللهم صل على محمد وعلى آل سرجودها ومونت غومري محافظتان في باكستان، وكانت معظم أراضيهما غير عامرة قبل حكم الإنجليز على الهند.(المترجم)
۲۳۲ سورة الشعراء الجزء السابع محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد".عندما نردد الصلاة الإبراهيمية نتذكر تلك الرغبة العارمة التي كانت تختلج في قلبه العليا، و تمتلئ قلوبنا حماسًا لنرفع اسم الله الا الله في العالم كله ؛ ونجعل أرجاء الأرض كلها، سواء المأهولة منها أو غير المأهولة، تدوّي بصوت: الله أكبر، الله أكبر.هناك موضع في جبال "دلهوزي" يدعى "كهجيار" ويبعد عن المدينة حوالي اثني عشر ميلا، وتوجد فيه بحيرة صغيرة طولها مئتا قدم وعرضها مئتا قدم تقريبًا.وتوجد بتلك البحيرة جزيرة صغيرة عائمة؛ الله أعلم كيف انفصلت عن اليابسة وأخذت تعوم في البحيرة.والجزيرة مكونة من التراب والكلأ ويبلغ حجمها حوالي خمسة وثلاثين قدمًا، وإذا هبت الريح تحرّكت من هنا إلى هناك، ويعتقد الهندوس من الله الله آیات ب من هذه البحيرة معبد هندوسي أن الجزيزة آية ويوجد بالقرب بناه الهندوس تذكارًا لأحد نساكهم.ويقال إنه أراد معرفة قعر البحيرة، فلم يزل يفتل الحبل ويلقيه في البحيرة طيلة ثمانين سنة، ومع ذلك لم يصل الحبل إلى قعرها، وفي الأخير قفز في البحيرة وهو يهتف أنت الإله، وغرق.منهم وذهبت مرة إلى "كهجيار"، وقلت لرفاقي علينا أن نصعد على هذه الجزيرة العائمة في البحيرة، وقلت لأحد أن يعقد الهمة ويجمع بعض الخشب من جذوع الأشجار المبعثرة هناك لنحاول بها الوصول إلى الجزيرة.ولم يوجد هناك أحد من الهندوس أو الموظفين الحكوميين ليمنعنا مما أردنا.فألقينا جذع شجرة في البحيرة وقلنا لرفيقنا هذا أن يتمسك بالجذع لندفعه فيصل إلى الجزيرة العائمة.وأعطيناه مجدافًا أيضًا حتى يستعين به عند الحاجة فدفعنا الجذع ووصل أخونا إلى الجزيرة، وسحبها إلينا رويدا رويدا وعندما اقتربت منا قلت لأصحابي: تعالوا نصعدها ونرفع اسم الله عليها، فإنها فرصة تاريخية إذ لم يرفع أحد اسم قبلنا.فصعدناها ورفعنا الأذان مرة بعد أخرى ولما علمت الحكومة بذلك سنّت قانونا يحظر على الناس سحب الجزيرة أو الصعود عليها.ولكنا تمكنا من رفع الأذان ورفع اسم الله عليها على أية حال.وبينما كنا نرفع الأذان على الجزيرة جاء أحد مجاوري ،المعبد، ولكنه لم يتجاسر على منعنا من الأذان بل حاول تخويفنا حيث الله عليها
الجزء السابع ۲۳۳ سورة الشعراء الله قال: إن في الجزيرة ثعبانًا كبيرًا فأخاف أن يلدغ بعضكم.فقلت: لا تخف علينا من الثعبان وسوف نرفع الأذان حتما.ذلك لأن المؤمن يتمنى بشدة أن يرفع اسم في مكان لم يرفع اسمه فيه.فعليكم أن تتحلّوا بالحماس الإبراهيمي، فاخرجوا للدعوة إلى البلاد المأهولة، وأسكنوا أولادكم في البلاد التي لم يتم عمرانها بعد كما أسكن إبراهيم أولاده في برية العرب ليرفع أولاده اسم الله فيها إذا ما تم عمرانها.عليكم بعمران صحراء "غوبي" وغيرها من الأماكن التي لا تزال حتى اليوم براري قاحلة، فعسى الله أن يمكن الإنسان من اختراع أجهزة كهربائية تساعد على عمرانها؛ وهذا ليس بأمر مستبعد، لأن المناطق المسكونة اليوم كانت غير مسكونة في يوم من الأيام.فإذا كنا نوفد دعاتنا من ناحية إلى أمريكا وإفريقيا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من البلاد المأهولة، فعلينا من ناحية أخرى بإسكان الأحمديين في المناطق الصحراوية غير المأهولة في "غوبي" وفي الهند والجزيرة العربية وغيرها من البلاد، حتى إذا تم عمرانها وجد فيها ذرية الأحمديين الذين يرفعون بين أهلها اسم الله و اسم رسوله و ذلك لأن السنة الإبراهيمية هى إيفاد الدعاة إلى المناطق المأهولة، وإسكان الأولاد في المناطق غير المأهولة.وسيبارك الله كل خطوة تتخذونها مدفوعين بهذه العاطفة والحماس، وسيعاملكم كما عامل نسل إبراهيم ال.إننا حين ندعو الله الا الله ليلا ونهارًا في الصلاة الإبراهيمية فلا نقول فيها "كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إلا لأن نسله كانوا متحلين بهذه العاطفة والحماس، حيث أخذ بعضهم يقومون بالدعوة في المناطق المأهولة، وذهب بعضهم ليسكنوا في البراري الجرداء.واليوم أيضًا لن يرث أولاد محمد ﷺ الروحانيون هذه البركات ما لم يقم فريق منهم بالدعوة في المناطق المأهولة ليأتوا بأهلها الضالين إلى الصراط المستقيم، وما لم يذهب فئة ليسكنوا في الأراضي غير المأهولة حتى إذا تم عمرانها وجد فيها قوم يضحون بأنفسهم في سبيل الله، فتدوّي بقاع الأرض كلها، المأهولة منها وغير المأهولة، بأصوات التكبير.منهم ثم يقول إبراهيم ال: (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ، والمراد من أبيه هنا عمه، الذي كان يعبد الأصنام.ذلك لأن الواضح من التاريخ أن أباه كان قد تُوفي
٢٣٤ سورة الشعراء الجزء السابع في صغره، فتربى عند عمه (الموسوعة اليهودية تحت كلمة Abraham)، كما تربى نبينا محمد بعد وفاة أبويه عند عمه أبي طالب الذي كان أيضًا من عبدة الأصنام.والثابت من القرآن أن لفظ الأب يُستعمل بمعنى العم أيضًا، فقد ورد في القرآن أن يعقوب ال سأل أبناءه قبيل وفاته: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ (البقرة: ١٣٤).فترى أنهم قد أطلقوا هنا لفظ الأب على إبراهيم الذي كان جد يعقوب، وعلى إسماعيل الذي كان عمه.وهنا أيضًا ليس المراد من الأب إلا عمه الذي لم يترك عبادة الأصنام وإن كان إبراهيم ال قد استعمل لفظ الأب حيث قال: ﴿وَاغْفِرْ لأبي.وقد قام العلي بهذا الدعاء لأن القرآن الكريم يخبرنا أن عمه هدده قائلاً: لَئِنْ لَمْ تَنْتَه لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) (مريم :٤٧)..أي إذا لم ترتدع عن عيب آلهتنا فسوف أقتلك رشقًا بالأحجار، فالأفضل أن تغيب عني لبعض الوقت حتى لا أُصيبك بضرر من فورة بي الغضب، فأجابه إبراهيم العلا: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ حفيًّا (مريم:٤٨) أي رغم أنك تعاملني بقسوة إلا أنني تعاملني بقسوة إلا أنني سأدعو ربي أن يرحمك ويغفر لك فإنه كان بي لطيفًا.فلأن إبراهيم كان قد قطع هذا الوعد لعمه فدعا ربه بحسب الوعد وقال: ﴿وَاغْفِرْ لأَبي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ).بيد أن القرآن الكريم يخبرنا أيضًا أن الله له لما كشف على إبراهيم أن عمه عدوّ للتوحيد تبراً منه، حيث يقول الله الله: مَا كَانَ للنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاةَ حَلَيم (التوبة : ١١٣ - ١١٤).وقوله : من بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ (التوبة:١١٣- : مِنْ الْجَحِيمِ) يعني إما أن يخبرهم الله أنهم قد صاروا من أصحاب الجحيم بسبب إنكارهم وحدانيته ، أو أن يموتوا في حالة الشرك فيعرف الجميع أنهم ماتوا مشركين.وهناك دليل آخر على أن الأب هنا بمعنى العم، وذلك أن القرآن الكريم يخبرنا من جهة أنه لما تبين لإبراهيم أن أباه عدو الله؛ أي قد مات في حالة الشرك، امتنع
كَانَ سورة الشعراء الجزء السابع عن طلب المغفرة له كلية، ولكن يخبرنا القرآن من جهة أخرى أن إبراهيم دعا ربه عند بناء الكعبة وقال: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )) (إبراهيم: ٤٢).والظاهر أنه الله قد بنى الكعبة بعد أن أصبح إسماعيل شابًا.وبما أن إبراهيم رزق إسماعيل وإسحاق في كبره، فثبت أنه قام بدعاء: ربنا اغْفِرْ لي وَلوَالدَيَّ في الفترة الأخيرة من عمره، بينما قام بدعاء: وَاغْفِرْ لأبي إِنَّهُ منَ الضَّالِّينَ في الفترة الأولى من عمره، ثم ترك هذا الدعاء.فلو كان الأب هنا بمعناه العام لما دعا إبراهيم ال المغفرة أبيه بعد أن أصبح إبراهيم شيخا هرما وعلم علم اليقين أن أباه عدو الله.فدعاؤه لمغفرة والديه في آخر عمره عند بناء الكعبة يدل على أنهما قد تُوفيا في زمن الفترة"..أي حين لم يكن هناك نبي..فلذلك دعا لمغفرتهما، أما عمه فقد بعث إبراهيم نبيا في حياته، فدعاه إلى التوحيد ولكنه أصر على الشرك ومات مشركا، لذلك امتنع إبراهيم عن الدعاء له خلافا لما وعده من قبل والثابت من القرآن الكريم أن الذين يموتون قبل بعثة نبي في قومهم ولا تقام عليهم الحجة، فأمرهم مختلف عن الذين يُبعث فيهم نبي ويقيم عليهم الحجة.قال الله في القرآن الكريم: يَا أَهْلَ الْكتاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةِ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (المائدة : ٢٠)..أي يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا بعد فترة طويلة من انقطاع بعثة الرسل مبينًا لكم أحكامنا كي لا تقولوا يوم القيامة ما جاءنا بشير ولا نذير.لقد ثبت من هنا أن القرآن الكريم قد اعتبر عدم الاطلاع عذرا مقبولاً، حيث بين أنه قد يكون دليلاً على صدق ادعاء قوم ماتوا على الكفر والشرك، لذلك قد أزال الله الله هذا العذر فبعث إليهم أنبياءه لينشروا هداه بينهم ويقيموا الحجة عليهم، فلا يبق لهم مجال للعذر.و غير أنني أرى أن قضية عدم إقامة الحجة أيضًا بحاجة إلى إعادة النظر.ذلك لو قلنا إن الحجة إنما تقوم على الناس عند مجيء نبي إليهم لكان ذلك أن الحجة معنی إنما تقوم على الذين يجدون زمن نبي، أما غيرهم فلا تقوم عليهم؛ ولو سلمنا بهذا
الجزء السابع ٢٣٦ سورة الشعراء لصار معظم الناس من الذين لم تقم عليهم الحجة ذلك لأن الأنبياء لم يُبعثوا إلا في فترات قليلة في آلاف السنين، إذ نجد هناك فترات طويلة مرت بدون بعثة نبي، وهكذا نضطر للقول بأن الحجة إنما تقوم على الذين كانوا في زمن نبي، أما باقي الناس فلا تقوم عليهم أي حجة لذلك أتناول هذه الشبهة أولاً.فاعلم أن هذه الآية القرآنية لا تعني أن الحجة إنما تقوم على الذين يوجدون في زمن نبي فيكفرون به، بل يتضح من القرآن الكريم أن كل نبي له نوعان من الحياة: حياة جسم وحياة فيوض.فهناك فترة يكون النبي فيها حيا بين القوم بجسده، وهناك فترة يكون فيها حيًا بينهم بفيوضه وكلتا الفترتين من حياته سيان فيما يتعلق بأعذار الناس وإقامة الحجة عليهم، حيث يوجد في فترة حياته الفيضانية قوم سمعوا كلام الله بلسان النبي مباشرة وينالون نصيبهم من قوته القدسية.لا شك أن هناك بونا شاسعا بين النبي وبين أتباعه، ولكن مما لا شك فيه أيضًا أن الناس كما رأوا الإله الحي من خلال النبي الله كذلك رأوه بواسطة أبي بكر وعمر وعثمان أجمعين، كما رأوا نفس الإله الحي بواسطة الحسن الله عليهم وعلي أيضا رضوان البصري وعمر بن عبد العزيز والجنيد البغدادي ومحيي الدين بن عربي وشهاب الله الدين السهروردي ومعين الدين الجشتي وسيد عبد القادر الجيلاني رحمهم أجمعين.فهم قوم حافظوا على ما في الإسلام من تأثيرات الإحياء، واستمرت من خلالهم حياة فيوض النبي ﷺ ذلك لأنه ليس المهم مقدار الشيء، وإنما المهم وجوده، لأنه إذا وجد فكونه قليلاً أو كثيرًا يصبح قضية ثانوية.فمثلاً توجد في الدنيا أنواع كثيرة من البقر والخيل، وبعضها أفضل من بعض.فلو رأى المرء بقرة أو حصانًا من نوع أجود، ثم قال: لن أصدق بوجود البقر أو الخيل في الدنيا ما لم أر بقرة أو حصانًا بهذه النوعية الجيدة فسوف يُعَدّ مخطئًا.فمثلاً زرت مرة ولاية "كبورتملة"، ورأيت هناك بقرة للمهراجا قد جلبها من إنجلترا وبلغ ثمنها ثلاثة آلاف روبية.فلو قال شخص لم أرَ أية بقرة، وهو يقصد بقرة المهراجا التي ثمنها ثلاثة آلاف روبية، فلن يصدقه أي عاقل.كذلك يوجد بين الخيل فرس هجين يمكن أن تشتريه بثمن بخس، وعلى النقيض يوجد بين الخيل حصان أصيل يبلغ ثمنه مليونين
الجزء السابع ۲۳۷ سورة الشعراء ونصف المليون روبية.فلو سمع أحد عن هذا الحصان الغالي ثم قال: لم أرَ أي حصان، وهو يقصد نفس ذلك الحصان الأصيل الذي يبلغ ثمنه مليونين ونصف المليون، فلن يصدقه أي إنسان ذلك لأنه إذا كان قد رأى حتى حصانًا مريضا نحيفا فلا يجوز له أيضًا القول إنه لم ير حصانًا قط.كذلك لو رأى الناس أثر حياة فيوض الرسول ﷺ في إنسان وإن لم يكن أثرًا كبيرًا واضحا، ورأوا انعكاس الله في مرآة قلب هذا الإنسان بحيث لا يسعهم إنكار البارئ تعالى بل يعترفون أنهم قد رأوها بواسطة هذا الإنسان، فلا يصح لأحد القول إني لن أصدق ذلك ما لم أرَ الله الا الله كما رآه الناس في حياة النبي..ذلك أنه إذا ثبت وجود شيء فإنكاره إنكار للحقائق الثابتة.أما كون ذلك الشيء صغيرًا أو كبيرًا فهذا أمر آخر تماما.إذا، فكل أولئك الذين يوجدون في زمن الحياة الفيضانية لنبي فإن الحجة تقوم عليهم حتمًا، إذ يرون على أيدي الذين تربوا في كنف النبي أو عملوا بتعاليمه آيات تدل على وجود الإله الحي.وإننا نرى في الإسلام أن الفيوض المحمدية جارية في أمته باستمرار دونما انقطاع.لقد بدأت هذه الفيوض تسطع منذ فجر الإسلام واستمرت في سطوعها بدون انقطاع من خلال المجددين وأتباعهم ومريديهم حتى زمن حضرة سيد أحمد الشهيد البريلوي رحمه الله، فشكلت دليلاً على استمرار فيوض الرسول.فقد نزلت عليهم إلهامات من عند الله ، فكانوا يذكرونها للآخرين، فازداد الناس يقينًا بوجود الله تعالى ولم يُبعث هؤلاء المجددون في الهند فقط، بل بعثوا في باقى العالم ،أيضًا، فكانوا سببًا لهداية الناس ورشدهم.وهناك سوء فهم عند الناس فيما يتعلق بالمجددين، حيث ظنوا أن مجددًا واحدًا كان يُبعث إلى العالم كله، وهذا خطأ.الحق أن الله تعالى يبعث المجددين في كل قطر وفي كل منطقة، ولكن الناس يظنون أنه مجدد للدنيا كلها، أن الإسلام ما دام للعالم كله فكان لزاماً أن يُبعث كثير من المجددين في شتى بقاع العالم.لا شك
الجزء السابع - ۲۳۸ سورة الشعراء رحمه الله - كان مجددًا في عصره، ولكنه لم تلقوا أن سيد أحمد الشهيد البريلوي* يُبعث للدنيا كلها بل كان مجددًا لأهل الهند فقط.إذا كان مجددًا للعالم كله فمتى عمل لهداية أهل الجزيرة العربية ومصر وإيران وأفغانستان؟ كلا، إنه لم يعمل أبدًا لهداية أهل هذه البلاد.ولكنا عندما نفحص تاريخ هذه البلدان نجد فيها أُناسًا الوحي والإلهام وعملوا على هداية أهلها، وكل واحد منهم كان مجددًا، والفرق الوحيد أنهم يختلفون درجة ومكانة.لا شك أن للمجددين المبعوثين في الهند أهمية خاصة كونها البلاد التي كان سيُبعث فيها المسيح الموعود، فكانوا بمثابة إرهاص لبعثته الله، وإلا فلا نعني أبدًا أن هؤلاء وحدهم بعثوا مجددين في الإسلام، بينما ظلت باقي الدنيا خالية من المجددين الواقع أن كل إنسان يقوم بالتجديد الديني بناء على الوحي هو مجدد ،روحاني، وكل إنسان يقوم بأي عمل تجديدي للإسلام والمسلمين هو أيضا مجدد وإن لم يكن مجددًا روحانيًا.لقد ذكرتُ مرارا أن المسيح الموعود ال قد سمى أورنغ زيب مجددًا، مع أنه لم يدع بتلقي الإلهام قط.إذا، فإن فترة استمرار الفيوض الروحانية لنبي تُعَدّ أيضًا فترة حياته.وعليه فإن فترة انقطاع الوحي تصبح في الواقع قصيرة جدًا.صحيح أن هناك بلادا تبدو فترة انقطاع الوحي فيها طويلة نسبيًا، ولكن الحق أن الفيوض الإلهية ظلت تنزل بدون انقطاع في البلاد المجاورة لها.خذوا مثلاً بلاد العرب، فقد أتت عليها فترة طويلة = " ولد حضرة سيد أحمد البريلوي - رحمه الله – عام ۱۲۰١ الهجري الموافق عام ١٧٨٦ الميلادي في "رائي بريلي" بالهند.كان من أولياء الله الكبار.خرج، بناء على إشارة سماوية، لمحاربة السيخ الحاكمين الذين منعوا المسلمين من القيام بأداء شعائرهم الدينية وساموهم سوء العذاب.فدارت بين الفريقين معارك ضارية.وأصيب حضرته في إحدى المعارك بجراح تسببت في استشهاده يوم من ذي القعدة ١٢٤٦ الهجري الموافق ٦ مايو ١٨٣١ الميلادي.ودفن في "بالا كوت".لقد اعتبره سيدنا المسيح الموعود الل إرهاصا له ومجددًا للقرن الثالث عشر، وقد انضم بعض مريديه إلى جماعته العلة.(المترجم) ٢٤ هو أحد الملوك المغول بالهند، وكان لا ينفق على نفسه من بيت المال بل كان يكتب القـــرآن الكريم ويعيش على ما يكسب به.(المترجم)
الجزء السابع ۲۳۹ سورة الشعراء من انقطاع الوحي، وإن كان البعض يقول ببعثة بعض الأنبياء في تلك الفترة أيضا، حيث اعتبر البعض خالد بن سنان نبيًا.* ولو اعتبرنا هذا القول صحيحًا لم تعد فترة انقطاع الوحي عن العرب فترة طويلة.ومع ذلك لو سلّمنا بطول فترة انقطاع الوحي عن بلاد العرب فأيضًا لم يزل الله الا الله يبعث في البلاد المجاورة للعرب رسلاً دعوا الناس إلى الله الا الله ودللوا على وجوده الله بالآيات والمعجزات.لم يكن ضروريًا أن لا تقام الحجة على العرب إلا بواسطة نبي يُبعث فيهم مباشرة.فما دام الله تعالى قد ظهر على العرب من خلال داود وسليمان وعيسى ويحيى وذي القرنين - الذي هو الملك الفارسي کورش – حيث تلقى كل واحد منهم الوحي وبعث في البلاد المجاورة للعرب، فما كان يحق لهم – إذا كان الوحي قد انقطع عنهم فترة من الزمن – أن يقولوا: لم نعرف أن الشرك أمر سيئ؛ ذلك لأن هؤلاء الأنبياء كلهم قد عرضوا على الناس عقيدة وحدانية الله تعالى مرة بعد أخرى، وقد بعثوا في جوار العرب كما قلت آنفًا ولم يكن العرب يجهلون أحوالهم وتعاليمهم وعليه فإن الفترة التي لم ير فيها نور تصبح قصيرة جدًا.لا شك أن فترة انقطاع الوحي قد طالت على العرب إلى حد ما، ولكن الله قد بعث فيهم خاتم النبيين وذلك ببركة دعاء إبراهيم لهم أولاً، وتعويضا عن انقطاع الوحي عنهم مدة طويلة ثانيا، وهكذا سد النقص الذي حصل بشأنهم.على أية حال، إن ما أؤكد عليه هو أنه لا تغفر لقوم أعمالهم المنافية لوحدانية الله بحجة أنه لم يُبعث فيهم نبي لإقامة الحجة عليهم، إذ لم يبرح هذا العذر دائما، ويقيم الحجة عليهم ببعثة الأنبياء فيهم، سواء أتمت هذه الحجة عليهم في فترة حياتهم الجسمانية أو في فترة حياتهم الفيضانية.الله الا الله الله يدحض هناك رواية تقول: عن بن عباس دخلت ابنة خالد بن سنان على النبي ﷺ فقال: مرحبا بابنة ضيعه قومه.(البداية والنهاية للدمشقي: الجزء الثاني، فصل: تفويض قُصي أمر الوظائف لابنه عبد الدار، ذكر جماعة مشهورين في الجاهلية) (المترجم) ني
٢٤٠ سورة الشعراء الجزء السابع أما الذين لا يوجدون في فترة حياة الأنبياء الجسمانية ولا في فترة حياتهم الفيضانية فأمرُهم مختلف تمامًا، حيث ورد في الحديث أن الله الله سيبعث يـــوم القيامة رسولاً لاختبار مثل هؤلاء القوم، فيجزي كل واحد منهم حسب طاعته له أو كفره به.لقد تبين من هنا أن الأهمية التي تكتسبها الأحكام الإلهية في زمن نبي لا تبقى في أيام الفترة ؛ أعني بالفترة الزمن الذي تنتهي فيه الحياة الفيضانية لنبي أو تفتر مؤقتًا.فمثلاً إن النبي الله حي بفيوضه الروحانية، ولكن قد أتت على أمته فترة قصيرة حيث لم يُوجد فيها من يتلقى في مرآة قلبه روحانيته وأنواره، فيعكس أشعتها على الناس لتنويرهم.ولكن الواقع أن تلك الفترة كانت قصيرة جدا، حيث لم يغفل تلاميذ حضرة سيد أحمد البريلوي الشهيد عن خدمة الدين فور وفاته حتى يُقال إن هذه الفترة بدأت إثر وفاته فورًا.لقد استشهد سيد أحمد البريلوي في ٦ مايو/ أيار ۱۸۳۱م) (سيد أحمد شهيد (أردو) ص ٤١٤)، وقد بدأ المسيح الموعود الي يتلقى الوحي والإلهام في حوالي ١٨٦٤م، وأخذ يكتب المقالات دفاعًا عن الإسلام في عام ١٨٧٢م (سيرت حضر مسیح موعود العليا (أردو) ص ۷۱)، وهذا يعني أنه لم تنقض بعد وفاة حضرة البريلوي الشهيد فترة تساوي عمر إنسان حتى بعث الله الله شخصا آخر لإصلاح الناس، وهذا برهان واضح ساطع على الحياة الفيضانية للنبي ، ويؤكد أن فترة الانقطاع في الإسلام قصيرة جدًا، بل لم تكن إلا كبرهة من الزمن، إذ لم يمت مجدد في مكان إلا وبعث آخر في مكان آخر، وهكذا ظلت الفيوض النبوية تصل إلى الناس دائما.ولكن إذا ما انتهت الحياة الفيضانية لنبي وطالت بعده فترة انقطاع الوحي،
الجزء السابع ٢٤١ سورة الشعراء فتكتسب الأحكام الشرعية بصدد من ولد في تلك الفترة صبغة مختلفة، فلا بأس بالدعاء له بالمغفرة مطلقا.أعني العلية لا أن وتتحدث الآية قيد التفسير عن شخص كان في زمن نبي..أن عم إبراهيم كان موجودًا عندما دعا العلا قومه إلى التوحيد، فالشخص الذي يدعوه نبي إلى التوحيد ولكنه يُصر على الشرك، بل يحاول أن يقهر النبي على ترك التوحيد، فلا شك أنه يُعامل بغير ما يُعامل به الذين يوجدون في أيام "الفترة".ولذلك نجد إبراهيم العلية الا امتنع عن يدعو لعمه بالمغفرة وتبرأ منه أما والداه اللذان ماتا في أيام "الفترة" فلم يبرح يدعو لهما في كبره أيضا، إذ كان حكمهما مختلفًا عن حُكم عمه.ومثال ذلك ما حصل في قضية حياة المسيح الناصري الله، فإن المسلمين الذين قد ماتوا وهم يعتقدون أن المسيح العلي قد اعتبرهم المسيح الموعود الله من الصالحين والأولياء، رغم أنه كان يعتبر هذه العقيدة الخاطئة سببًا لقوة المسيحية وازدهارها في الزمن الحاضر.ذلك لأن الذين خلوا من قبل بعثة المسيح الموعود اللي لم يدركوا خطر هذه العقيدة على الإسلام، أما الآن فقد انكشفت هذه الحقيقة على الناس بكل جلاء.وبالمثل كان والدا إبراهيم العلية لا قد توفيا في زمن الفترة"، ولذلك دعا لهما بالمغفرة، أما عمه فقد أصرّ على الشرك رغم أن الله دعاه إلى التوحيد، ولذلك تبرأ منه و لم يدع له بالمغفرة بعد ذلك.لقد ذكر القرآن أن اسم أبي إبراهيم هو "آزر" (سورة الأنعام:٧٥)، ولكن التوراة تقول إن اسمه "تارح التكوين (۱۱ (۲۷)، وحيث إن المستشرقين المسيحيين يعتبرون كل ما ورد في كتابهم وحيا سماويا، فيزعمون أن القرآن قد أخطأ حين أخبر أن اسم أبي إبراهيم "آزر" خلافا لما ورد في التوراة.والواقع والحق أن بياناته متعارضة ومتناقضة بحيث لا يمكن اعتبارها صحيحة إزاء ما يقوله القرآن الكريم.فإن الذين كتبوا اسم أبي إبراهيم في الكتاب المقدس لم يكونوا معاصرين له، بل جاءوا بعده بأكثر من قرنين وربع قرن من الزمان؛ فكيف يُعتبر قولهم صحيحًا من الناحية التاريخية؟ ومما يدل على خطأ بيان التوراة قولها بأن إبراهيم " أن الكتاب المقدس ليس مصدرًا تاريخيًا، كما أنه ليس حجة علينا.
الجزء السابع ٢٤٢ عدد المحاربين من بين بني إسرائيل الذين خرجوا مع موسى فلو عددهم كان يعني سورة الشعراء العلية لا من مصر بلغ ستمئة ألف (الخروج ١٢: ٣٧)، وهذا أن عددهم الإجمالي رجالا ونساء وولدانا كان قرابة مليونين ونصف المليون.ومن المحال أن يتكاثر بنو إسرائيل في غضون قرنين وربع القرن بحيث يصل عددهم إلى هذا الحد.يمكن أن يبلغ عددهم في تلك الفترة أربعة آلاف على الأكثر، شريطة ألا يوجد بينهم امرأة عاقر ولا رجل عقيم.سلّمنا أنهم كانوا يتكاثرون بأقصى ما يمكن أن يتكاثر به أي فئة من الناس، وأن يصبح ضعفين كل أربعين سنة، فكان يجب أن يصل عددهم أربعة آلاف على الأكثر حتى زمن موسى ال.ولكن التوراة تزعم أن عدد المحاربين بينهم وحدهم وصل ستمائة ألف لدى خروج موسى اللة من مصر..أي أن عددهم الإجمالي بلغ حوالي مليونين ونصف المليون.ولكن القرآن الكريم الذي جاء العلم بألفي سنة يخبر أنهم كانوا ألوفا (البقرة:٢٤٤)، وهو نفس العدد الذي قدرته لبني إسرائيل على أقصى تقدير.إذا، فكيف يمكن أن يُعتبر الكتاب المقدس مصدرا تاريخيا؟ إنه ليس تاريخا وإنما هو قصص وحكايات، وإذا كنا نحترم هذا الكتاب فإنما لأن الله الله أخبرنا أنه أنزله على موسى، وإلا فإنه قد تعرض للعبث والفساد بأيدي الناس بحيث لا يمكن الثقة به ثقة كاملة.بعد موسى ثم يزعم الكتاب المقدس أن هارون أشرك بالله الله وصنع بيده عجلا للعبادة (الخروج (۳۲ (٦۲ ولكن القرآن الكريم يعلن أن هارون لم يقع في الشرك قط، بل حاول منع الاخرين منه الأمر الذي يليق بمكانة النبي.(طه: ٩١) فما دام الكتاب المقدس قد أخطأ في ذكر العديد من الحقائق التاريخية، فكيف يقال إنما الاسم الصحيح لوالد إبراهيم اللي هو ما ورد في الكتاب المقدس وأن القرآن قد أخطأ في ذكر اسمه؟ ثم إذا كان بيان الكتاب المقدس هو الصحيح، وإذا كان الاسم الحقيقي لوالد إبراهيم هو "تارح"، فلماذا ورد في التلمود أن اسم أبيه "زارا"؟ ولماذا قال المؤرخ اليهودي الشهير "جوزيفيوس" إن اسم أبيه هو "آذر" (راجع ترجمة القرآن للمستشرق ١٧٧-١٧٨).إن هذا الاختلاف بين اليهود يشكل دليلاً حاسما على أنهم Sale ص
الجزء السابع ٢٤٣ سورة الشعراء كانوا مختلفين في اسم أبي إبراهيم، وبما أن القرآن الكريم جاء ليزيل الاختلاف الموجود في الصحف السابقة، ففصل في هذا الاختلاف، مبينا أن اسم أبيه "آزر".بيد أنه من الممكن أن يكون اسم "آزر" المذكور في القرآن الكريم تعريبا لاسم تارح ، حيث تُقلب التاء إلى الزاء، ويضاف الألف عند عملية القلب.ويبدو أن العرب كانوا يجدون الصعوبة في نطق "تارح"، فحولوه إلى "زارا" ثم إلى آزر.وبما أن القرآن يستعمل عادة أسماء معربة، حيث عرب إبراهام إلى إبراهيم، ويسوع إلى عيسى، ويوحنا إلى يحى، وأخنوخ إلى إدريس، فكذلك عرب "تارح" إلى "آزر".إذا، فلا مجال للاعتراض.ثم إننا لا نُسلّم بأن الأب هنا بمعنى الأب الحقيقي، إنما هو بمعنى العم، ولأجل ذلك عندما ذكر القرآن الكريم دعاء إبراهيم ل لأبويه في موضع آخر استعمل لفظ "الوالد".فما دمنا نعتبر "آزر" عم إبراهيم فلا اعتراض على القرآن الكريم إن كان الكتاب المقدس يقول إن اسم أبيه هو "تارح".إنما يجوز الاعتراض إذا كان الكتاب المقدس يقول إن اسم عمه "تارح"، ولكنه لا يقول كذلك بل يعلن أن تارح" هو أبوه الحقيقي، بينما يقول القرآن أن اسم عمه هو "آزر".فلا مجال للاعتراض.ويدعم ذلك ما ورد في الكتاب المقدس حيث قيل: إن سارة زوجة إبراهيم كانت بنتا لتارح (التكوين ۲٠ (۱۲) فلو اعتبرنا "تارح أبا حقيقيا لإبراهيم لكان معنى ذلك أن إبراهيم تزوج بشقيقته، مع أن الزواج بالشقيقة كان حرامًا عندهم.فهذا أيضًا يؤكد أن "تارح" لم يكن أبا حقيقيًا لإبراهيم، وإنما كان عمه.فبما أنه كان قد تربى في بيت "تارح" فنسبه الناس إليه خطأ، ثم إن المؤرخين أيضا اعتبروه ابنه.ولكن التلمود قام بإصلاح الكتاب المقدس موضحًا أن سارة لم تكن شقيقة إبراهيم بل كانت ابنة عمه.كما ورد في التلمود أيضًا أن إبراهيم الله لما رفع صوته ضد الأصنام تضايق منه "آزر" وشكاه إلى الملك.وصدور مثل هذه الفعلة من قبل الأب الحقيقي مستبعد عقلاً.
٢٤٤ سورة الشعراء الجزء السابع فكل هذه القرائن تُؤكد أن المراد من الأب هنا ،العم ولا اعتراض على القرآن إذا اختلف مع الكتاب المقدس في ذكر هذا الاسم.) الظاهر أن خلقه ثم يقول إبراهيم ال: (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إلا مَنْ أَتَى الله بقَلْب سَلِيم..أي يا رب احفظني من خزي ذلك اليوم الذي سيُبعث فيه الناس ليحاسبوا على ما فعلوا، ولن ينفع فيه المرء ماله ولا أبناؤه، إنما يفوز من أتى الله بقلب طاهر بريء من العيب عامر بالاطمئنان.ومن اطمئنان القلب إنما يتيسر للإنسان إذا كان على يقين بأنه قد حقق الغاية من ولا يكون عنده خوف على مصيره، وهذا اليقين لا يتأتى إلا بوصال الله الله.فالحق أن القلب السليم لا يتيسر إلا لإنسان يُنشئ صلته مع الله ، لأن الثراء والمال لا يجلب لأحد الطمأنينة أبدًا.ألا ترى أن الشعوب الأوروبية لا تقدر أية أُمة أن تباريها في المال والثراء ولكنها رغم امتلاكها القوة والكثرة والمال تشعر في قرارة نفسها أنها تفتقر إلى شيء يوجد عند الآسيويين.وهذا الإحساس بالدونية عندهم ليس بارزا بعد حتى يشعر به صغارهم وكبارهم كلهم، إلا أن طبقة بينهم أخذت تدرك أنهم يملكون المال والثراء ولكنهم محرومون من طمأنينة القلب.إنهم يشربون الخمر ويرتادون السينما ويقضون معظم الليل والنهار في الرقص والغناء، وعندما يزول سكرهم ويستلقون على السرير يشعرون بفراغ في داخلهم، وهذا الفراغ لا يمكن أن يملأه إلا الدين والوصال بالله لقد تيسرت لهم كل نعمة ومع ذلك يشعرون بقلق بأنهم لا يزالون يفتقرون إلى شيء ويجب أن ينالوه.مادية، الله والحق أن حب ولم تبق في قلبه حسرة.لا شك أنه يواجه همومًا ،عابرة فمثلاً إذا أصيب المرء بشوكة تألم ولكنه ألم عابر ولا يسميه أحد مرضًا.كذلك تواجه الناس آلام ومشاكل عابرة ولكنها لا تعيق طريقهم، وكل واحد يحظى بالسكينة والاطمئنان بحسب درجة إيمانه.ونظرًا لأهمية طمأنينة القلب قال الرسول : ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي (البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه) ووصاله نعمة لو تيسرت لإنسان تخلص من هموم الدنيا كلها، القلب.
٢٤٥ سورة الشعراء الجزء السابع يقول البعض في هذا العصر، وخاصة العلماء والأطباء المتخصصون بالتشريح، إن العضو الذي يقوم بضبط أعمال الإنسان وأفعاله وإراداته ورغباته وينظمها هو الدماغ لا القلب، وقد بدأ بعض المسلمين يفسرون آيات القرآن الكريم بما يوهم أن المراد من القلب في القرآن ليس بالقلب المعروف، وإنما معناه ذلك المقام أو العضو الذي يتحكم في جسده.ولكني أرى أنهم إنما لجأوا إلى هذا التأويل خوفًا من هؤلاء العلماء، وإلا فإن التدبر في القرآن الكريم يكشف أنه يعني بلفظ القلب نفس العضو الذي يوجد في صدر الإنسان والحق أن تأويل القلب بمعنى الدماغ مكابرة دونما دليل.لأن منبع على أية حال، إن هذا الحديث النبوي يبين أن تطهير الأعمال الإنسانية منوط بتطهير القلب، إذ لا تستطيع أن تتطهر بغسل يديك وتنظيف فمك ورأسك، ذلك الطهارة هو القلب، فإذا طهرت قلبك أتيت الله بقلب مطمئن.إن تطهير القلب هو أهم شيء عند خالقنا ومالكنا الذي خلق الخلق ليتطهروا، لأن غراس التقوى إنما تنمو وتزدهر في أرض طاهرة مطهرة ولا يمكن لقلب نجس أن يكون مهبط تجلیات صفاته الله ، و لا يمكن ليد نجسة أن تمس أعتاب عرشه الله.وَأَزْلَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (3) وَبُرْزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (3) وَقِيلَ هُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ( مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ فَكُتِكبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ) قالُوا وَهُمْ فِيهَا تَختَصِمُونَ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَلٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (3) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِن شَعِينَ اللَّهَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ الله فَلَوْ أَنَّ لَنَا ۱.۲
الجزء السابع ٢٤٦ سورة الشعراء صلے كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُؤْمِنِينَ : وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) شرح الكلمات: از لفت: أَزْلَفَه: قربه.(الأقرب) برزت: برزه: أظهره وبينه.(الأقرب) الجحيم النار الشديدة التأجج ؛ كلُّ نار عظيمة في مهواة فهي جحيم؛ الشديدُ الحرِّ؛ اسم من أسماء جهنم.(الأقرب) المكانُ كبكبوا : كَيْكَبَهُ قلبه وصرعه كبكبَ الشيء: رماه في الهوة (الأقرب).الغاوون: جمع الغاوي، وغوَى الرجلُ ضلَّ وخاب؛ والهمك في الجهل؛ هلك.(الأقرب) جنود: جمع جند، والجند: العسكر؛ الأعوان.(الأقرب) نسويكم: سوّاه بكذا: عدل.(الأقرب) حميم الحميم: القريب الذي تهتم بأمره؛ الصديق (الأقرب).كَرَّة كَرَّهُ كَرًّا فَكَرَّ: رجَعه فرجع والكرة: المرّة (الأقرب).بدلاً : التفسير والمراد من تقريب الجنة إلى المتقين أن الإنسان التقي كلما عمل حسنة واحدة سهل عليه القيام بالمزيد من الحسنات وبالتالي اقتربت الجنة منه.لقد رأيت على العموم أن المرء إذا وجد لذة في العمل الصالح تقدم في الصالحات أن يتأخر، ويعمل الحسنات الواحدة تلو الأخرى، ويسهل عليه فعل من الحسنات ذهبتُ مرة إلى دلهي، وذلك قبل انقسام الهند وحين لم يكن الشودري الله خان يتقلد منصب الوزير في الحكومة الهندية، بل كان يعمل محاميًا لها في إحدى القضايا.وكانت الحكومة عندها قد استحضرت خبيرا اقتصاديًا إنجلترا لاستشارته في بعض الأمور.فدعاه الشودري ظفر الله خان إلى مأدبة طعام ليقابلني فيها.فقدم له الشودري ظفر الله خان أثناء تناول الطعام نوعا من الحلوى نسميه ظفر من
٢٤٧ سورة الشعراء الجزء السابع عندنا "كلابْحامَنُ" أو "رشكلّ"، وكانت شيئًا غريبًا لهذا الشخص الإنجليزي.فخاف من تناولها، فقال الشودري: لا تخف وجرب؛ إنها حلوى جيدة.فتناول قطعة منها.فأراد الشودري أن يناوله قطعة أخرى، ولكنه تردد، فقال له: لقد أكلت القطعة الأولى عجبًا، فكُل الثانية استمتاعًا.فقلت للشودري ظفر الله خان: ما هذا الذي قلت له آنفا؟ قال: هناك تعبير إنجليزي يقول: يُؤكل الشيء للمرة الأولى عجبًا، ويُؤكل للمرة الثانية استمتاعًا.هذا مثل لأهل الدنيا، ولكني قد رأيته ينطبق في العالم الروحاني تماما، حيث تعمل الخير في البداية لتجربه وتتذوقه، أما بعد ذلك فتعتاده تلقائيا.فإن الناس يخافون شرب السوائل المطهرة المصنوعة من الكحول الطبي، ولكن أهل أوروبا يستمتعون بشربها ولا يمتنعون من تعاطيها رغم الحظر.فعندما فُرض الحظر قانونيًا على تعاطي الخمر في أمريكا مات آلاف الناس لأنهم شربوا الكحول الطبي إشباعًا لإدمانهم على تعاطي الخمر التي لم يجدوها واستمر الوضع هكذا لسنين، حيث كانوا لا يجدون الخمور فكانوا يشربون الكحول الطبي الذي فيه سموم، فكثير منهم فقدوا البصر، وكثير منهم ماتوا، ومع ذلك لم يقدروا على كبت رغبتهم في شرب الخمر.إذًا، فلكل شيء لذتان، لذة أصلية ولذة تتولد نتيجة الاعتياد.ففي بلادنا مثلاً يمضغ الناس "بان"، وبعضهم يضيفون إليه مادة مصنوعة من التبغ تسمى عندنا "زرده"، ومن لم يكن معتادًا على تناول هذا النوع من "بان" يصاب بالدوار بتناوله.أتذكر أنني أُصبتُ ذات مرة بنوبة شديدة من مرض النقرس، فقال لي أحد الإخوة: عليك بتناول هذا النوع من "بان" فسوف تشفى بإذن الله تعالى.فقلت له: إني لم أتناوله قط وأخاف أن يصيبني الدوار.قال: كلا، عليك أن تجرب.فأعطاني "بان"، فلما تناولته شعرت تحسنا ملموسًا بالفعل.ثم لم يزل يعطني إياه كل بضع ساعات ليومين كاملين قضيناهما في السفر معا، فرأيت أن الألم قد زال إلى حد كبير.فامتنعت عن تناوله مخافة أن أصاب بإدمانه.
الجزء السابع ٢٤٨ سورة الشعراء إذا، إن الأشياء المؤذية والرديئة الطعم أيضًا إذا تناولها المرء كعلاج لفترة طويلة اعتادها واستطابها.فإذا كان المرء يعتاد ما فيه قليل من النفع فكيف لا يعتاد على ما فيه كثير من النفع كالتضحية في سبيل الدين؟ كل ما في الأمر أن يُشجع على تقديم التضحية، وسوف يجد بعد ذلك متعة في خدمة الدين من تلقاء نفسه بحيث يستحيل عليه الصبر بدونها طرفة عين.إن المرء إذا لم يجد ما يأكله يصرخ ويبتهل أمام الله الا الله عليهيئ له الطعام كذلك حال من يوفق لخدمة الدين وإشاعته، فإذا تمكن من خدمة الدين شكر الله وحمده، وإذا لم يوفق لها بعض الوقت ابتهل إلى الله بأن يزيل ضعفه، ويعينه على خدمة الدين أكثر فأكثر؛ وهكذا يسهل عليه القيام بالصالحات شيئا فشيئا، وتقترب منه الجنة رويدا رويدا.وهذه التضحيات الدينية التي تكون سهلة على المؤمنين تبدو للذين يكونون منحرفين عن الحق كألسنة النار، فيحاولون الفرار والتملص منها.وهذا يعني المؤمنين يقفزون في نيران التضحيات ابتغاء مرضاة الله الله فتصبح لهم جنة، بينما تجعل هذه النيران المنافقين والضالين حطب جهنم، حيث تهتك الستر الذي يُخفى كفرهم ونفاقهم.أن كما أخبر الله في قوله: وَأَزْلفَت الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ أيضًا أنها ستُقرَّب منهم في الزمن الأخير، بمعنى أن الله الا الله سيهيئ الأسباب العاملة على تقريب أحكام الدين من عقول الناس فيفهمونها، وستخبو تلقائيًا جذوة المعارضة التي يواجهها الدين من قبل العلم، وبالتالي يسهل على المتقين دخول الجنة.وبالفعل نرى أن هذه النبوءة القرآنية قد تحققت في هذا العصر، حيث أخذت فئة من شرفاء أوروبا يتنازلون شيئًا فشيئًا عما ادعوه من قبل، بينما أخذت فئة أخرى منهم يرجعون إلى الدين معترفين أن الأمور التي كانوا يرونها خلاف الطبيعة هي ليست كما ظنوا من قبل.فكأن الوضع أصبح مصداقا لقول الله : دَنَا فَتَدَلَّى بمعنى أن العلماء أخذوا في الصعود في معرفة الحقيقة، بينما أخذت المبالغات التي أدخلها العلماء في الدين في الزوال شيئًا فشيئًا، وهكذا تتهيأ الدنيا لتصديق أحكام الله الله وتقرب إليها الجنة رويدا رويدا.
الجزء السابع ثم ٢٤٩ سورة الشعراء الله تعالى أن الذين سيُعرضون عن هداية الله الله في مثل هذا العصر، فلا بد لهم من المثول أمام الله الله للحساب، فيقال لهم : أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ، وعندما يرى هؤلاء مصيرهم بأعينهم حيث يُلقى بهم وآلهتهم وجنودهم الأبالسة في الجحيم، ويُنزع منهم كل عزة، فإنهم سيختصمون فيما بينهم.فالذين اتبعوا زعماءهم في الدنيا اتباعًا أعمى، و لم يلبوا نداء الله الله سيقولون لزعمائهم: تالله لقد كنا في خطأ كبير، إذ جعلناكم أندادًا لرب العالمين واتبعناكم بدلاً من أن نلبي نداء المنادي الذي جاء من عند الله.ثم يقولون ليهوّنوا الأمر على أنفسهم ما ذنبنا في ذلك وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ فلو لم يصدّوا طريقنا لم نلق هذا المصير.لقد كانوا يقولون في الدنيا سنحمل عنكم أوزاركم ونوصلكم إلى الجنة، أما اليوم فَمَا لَنَا مِنْ شَافعينَ * وَلا صَديق بي كان الخليفة الأول الله يحكي لنا أن إحدى أخواته كانت من أتباع أحد المتصوفين الزائفين، فجاءت تزوره في قاديان ،مرة، فقال لها: يا أختاه لماذا لا تنضمين إلى الأحمدية؟ قالت: لا حاجة لذلك فإنني قد بايعت على يد رجل قد قال لي: افعلي ما شئت، وليس بك حاجة إلى القيام بأي عمل حسن، لأننا قد حملنا عنك خطاياك كلها.فقلت لأختي: عندما تزورينه في المرة القادمة قولي له: لا شك أن كل إنسان سيُضرب بالنعال جراء ذنوبه يوم القيامة، فهل فكرت في عدد الضربات التي ستتلقاها حيث إنك قد حملت ذنوب جميع مريديك؟ فوعدتني أختي بأن توجه هذا السؤال إلى هذا الرجل.وبعد مدة من الزمن جاءته أخته ثانية فسألها: هل سألت الرجل ما قلتُ لك؟ قالت: نعم، ولكنه قد حل المعضلة بمنتهى البساطة.قلت كيف؟ قالت قال لي: انظري، عندما يسألك الملائكة عن ذنوبك فقولي: لا أعرف أي شيء، بل اسألوا سيدي الشيخ هذا فيخلي الملائكة سبيلك، فتدخلين الجنة بسلام.فقلت للرجل : ولكن ماذا ستفعل أنت يا سيدي؟ قال: عندما يسألني الملائكة سأستشيط غضبًا وأقول لهم: ألم يكفكم ما قدمه جدي
٢٥٠ سورة الشعراء الجزء السابع الإمام الحسين في كربلاء من تضحية عظيمة حتى جئتم اليوم لمضايقتي سائلين: ماذا فعلت ولماذا فعلت؟ فسيتندم الملائكة ويخلون سبيلي، فأركض إلى الجنة.ونرى هذا المشهد كل يوم في الدنيا حيث نجد الناس لا يتورعون عن الكذب من أجل أصدقائهم، ويلجأون من أجلهم إلى أنواع الغش والخداع والتزوير، ضاربين أحكام الله ورسوله عرض الحائط.أما يوم القيامة فلن ينفع أحدا صديق ولن ينقذه من يعده بحمل ذنوبه من عذاب الجحيم، فيقول بكل حسرة وأسف: لو كانت لي قوة للعودة إلى الدنيا لتداركت ما فات ولكن هيهات أن يتحقق له ما تمنى، لأن وقت العمل قد فات.يقول الله تعالى: إن في واقعة إبراهيم آية عظيمة، حيث رفع الصوت ضد الأصنام رغم ضعفه وقلة حيلته، فعارضه قومه حتى اضطروه إلى الهجرة، ولكن الفوز كان حليفه في آخر المطاف، ولم تنفع قومه أصنامهم شيئا، ومع ذلك ظل معظم قومه منغمسين في الملذات المادية و لم يُوفقوا للإيمان.ولكن الله تعالى يقول: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ...أي لا شك أن الأكثرية من قوم إبراهيم لم تؤمن به، ولكن ربك ذو غلبة ورحمة، وسيوفق أكثر قومك للإيمان في النهاية، وسيمتعهم بنعمه زمنًا طويلاً.وهذا ما حصل فعلاً بعد فتح مكة، حيث بنعمه لمئات السنين ببركة إيمانهم، ووهب لهم آمن بالنبي ﷺ قومه، ثم متعهم الحكم دهراً طويلاً.الله كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (3) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولُ أَمِينٌ (٤) فَاتَّقُوا اللَّهَ ۱۰۷ ۱۰۸ وَأَطِيعُونِ (3) وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ (3) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (2) 11.
الجزء السابع ٢٥١ سورة الشعراء التفسير: أي أن قوم نوح أيضًا كذبوه حين بعث إليهم ممثلاً للرسل جميعا.لقد قام بوعظهم فلم يتعظوا فقال لهم: لم لا تفهموا قصدي من نصحكم، ألا ترون أنني لا أسألكم أي أجر على نصحي، بل إن كل رجائي وثقتي بالله رب العالمين؟ فعليكم أن تتقوه وتطيعوني.وقوله الله وأطيعون يبين أن طاعة النبي والعمل بشريعة الله تعالى قضيتان منفصلتان ولا بد منهما.يزعم "القرآنيون" أننا مأمورون من عند الله تعالى بطاعة القرآن فقط لا بطاعة محمد ع.ولكن نوحا الله - وهو أدنى درجة من الرسول - أيضا يقول لقومه إنه لا بد لهم من طاعته وعندها ستكتمل تقواهم.ذلك أن أول درجة في سُلّم العلاقة بالله تعالى هو إنشاء الصلة بأنبيائه تعالى.فكما أن المحال أن يصعد الإنسان السطح بقفزة واحدة، كذلك يستحيل عليه إنشاء الصلة تعالى بالله تعالى بدون طاعة أولئك القوم الذين يُبعثون لهداية الناس من عنده تعالى.بيد أنه كما يحدث أحيانًا أن المرء يكون جالسا على السطح فيرى أن أسدًا قد هاجم شخصا فيدلي له الحبل ويسحبه إلى السطح، كذلك يحدث أحيانًا أن الله یری عبدا من عباده يتلهف للقائه بصدق، ولكنه يعيش في بيئة لا تتيسر له فيها هداية نبي، فيجذبه إليه بنفسه.ولكن هذا أمر شاذ والقوانين لا تُسنّ نظراً إلى الحالات الشاذة، بل القانون العام أن الناس يحرزون الرقى الروحاني بواسطة أفراد يتراءى فيهم وجه الله تعالى.وهناك طريق واحد لإحراز ذلك الرقى وهو: أن يؤثر المرء حب هؤلاء القوم على حب كل إنسان سواهم، وعندها يسهل عليه طاعتهم والتأسي بأسوتهم، فيوقن أنه لا يطيع أحدًا من الأغيار، بل يعتبر مطاعه أبا له يجري دمه في عروقه.وقد نبه نوح اللي أيضًا قومه إلى الأمر نفسه بأنهم إذا أرادوا النجاة فعليهم بتقوى الله تعالى، كما لا بد لهم من طاعته الله لأنه مبعوث من عند الله تعالى لهدايتهم."القرآنيون" أو "أهل القرآن" هم فرقة لا تعترف بالسنة النبوية ولا تأخذ بأحاديث الرسول ﷺ.(المترجم)
الجزء السابع ٢٥٢ سورة الشعراء قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ - قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ : إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ١١٤ ۱۱۳ ٤ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ١١٦ التفسير: لم يزل أنبياء الله تعالى على مدى التاريخ يواجهون هذا الاعتراض وقد واجهه نوح أيضًا في عصره، فقال له المعارضون إن الذين آمنوا بك هم أراذل القوم.ونعم ما أجابهم به إذ قال: إن الهدى بيد الله تعالى، وقد هداهم بالفعل لأنه وجدهم جديرين بذلك.وحيث إن الله تعالى قد اعتبرهم من أهل الصلاح فكيف يمكنني طردهم؟ إنما حسابهم على الله تعالى لا علي، ليتكم تدركون ذلك، فلا تحتقروا من هو مؤمن عند الله.وإذا أبيتم إلا احتقارهم فلست بطاردهم، لأن الله تعالى قد جعلهم في رعايتي.إنما واجبي أن أنهى الناس عن السيئات، وإذا كان الله قد هدى أحدًا فلا شك أنه قد امتنع عن السيئات وبالتالي قد أصبح من أهل العزة والشرف، وهو الذي سيعد من المكرمين، لا أنتم.المكان وهناك واقعة رائعة بهذا الصدد في تاريخ الإسلام ذهب عمر ه للحج مرة، فجاء القوم بعد الحج يزورونه يوم العيد، فجاءه أولاً أبناء الرؤساء والأسياد من أهل مكة، ثم جاء بعض العبيد الذين أسلموا في أوائل الإسلام، فأمر عمر له أبناء الرؤساء أن يفسحوا المجال للعبيد، فقربهم إليه في المجلس.ثم جاءت جماعة أخرى من العبيد المسلمين، فأجلسهم عمر قريبا منه، وأمر أبناء الرؤساء بإفساح لهم.وهكذا كلما جاء العبيد أمر عمر رؤساء القوم بإفساح المجال لهم، مما سبب خجلاً شديدًا لهؤلاء الرؤساء، فخرجوا من المجلس.ثم قال بعضهم لبعض: ألم تروا كيف تعرضنا اليوم للخزي في المجلس ؟ وكان بينهم شاب ذكي فقال لهم: الذنب ذنبنا.فإن هؤلاء العبيد الذين تحتقرونهم هم من أوائل المسلمين، وقد قدموا
٢٥٣ الجزء السابع سورة الشعراء تضحيات جسامًا في سبيل رقي الإسلام حين كان آباؤنا يعادون الإسلام والنبي ، فاليوم – وقد صار الإسلام غالبًا - إن هؤلاء العبيد أولى بالإعزاز والتكريم.فقال له أصحابه: فما العلاج إذا؟ فقال: تعالوا نسأل عمر نفسه.فرجعوا إلى عمر، ففطن لقصدهم، فقال: أيها الشباب، أعرف ما تتمتعون به من مكانة مرموقة في مكة، ولكن من واجبي أن أجلس هؤلاء القوم في صدر المجلس لأن النبي ﷺ كان يعاملهم هكذا، فكيف أستطيع أن أفعل عكس فعله ؟ فقالوا: فما العلاج إذا؟ فاغرورقت عينا عمر الذي كان يعرف ما كانت تتمتع به أسر هؤلاء الشباب من مكانة عالية، فأشار بيده نحو الشمال، وكان يعني أن هناك حربًا تدور بين المسلمين والمسيحيين في الشام، فعليهم أن يذهبوا ويشتركوا فيها ليكفروا عما ارتكبه آباؤهم من ذنوب.فخرجوا من المجلس في صمت وركبوا مطاياهم فورا قاصدين الشام، وانضموا إلى جيش المسلمين، واستشهدوا جميعًا في الحرب ضد الكافرين، ولم يرجع أحد منهم حيا.(عمر بن الخطاب الله للجوزي ص ٨٥) مما بعث إذا، إنما العزة من عند الله تعالى لا بالمال والثراء.فلا شك أن احتقار الكفار لمن يؤمن بالرسل بسبب فقرهم لحماقة شديدة، إذ الحقيقة أن الذين يؤمنون بالنبي في أول أمره هم أعزُّ القوم.لقد كان أبو بكر وعمر وزيد أول المؤمنين بالرسول ، لذلك اختار المسلمون أبا بكر خليفة له رغم وجود صناديد مكة بينهم، والد أبي بكر أيضًا على العجب (البداية والنهاية لابن كثير: الجزء السابع، فصل وقعة القادسية، ذكرى من توفي في هذا العام من المشاهير).وأما أبو جهل وعتبة وشيبة فلم عند المسلمين نعال أبي بكر وعلى - رضي الله عنهما.وهذا ما وجه إليه نوح الأنظار المعارضين فقال: وَمَا علمي بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))..أي إذا كنتم ترونهم أراذل القوم فإنني لا أعلم ما هي حسناتهم الخفية التي تقبلها الله تعالى، فشرفهم بالإيمان بنبي ،زمنهم وما هي سيئاتكم التي سلبتكم نور البصيرة وحالت دون تلبيتكم نداء الله تعالى ما دام الله تعالى قد منّ عليهم بسبب حسناتهم بهذه المنة العظيمة إذ شرفهم بتصديق نبيهم، فكيف يُعدّون من الأراذل؟ إنما الأراذل من الله تعالى من معرفة نبيهم جراء سيئاتهم.يساووا حرمهم
الجزء السابع يقول نوح ٢٥٤ سورة الشعراء ال: إنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ)..أي لا شك أن هؤلاء فقراء لا يملكون مالاً ولا عقارًا، ولكن الله تعالى لن يضيع تضحياتهم وسوف يكتب لهم رُقيًا عظيما، ليتكم تشعرون بذلك، فلا ترفضوا هدى الله تعالى متذرعين بأعذار واهية.هو يتضح من دراسة القرآن الكريم أنه قد تناول هذا الموضوع في أماكن شتى بأساليب مختلفة.فحينًا قال إن المعارضين لا يشعرون وحينًا قال إنهم لا يعلمون.علما أن الشعور هو ذلك الإحساس الذي يتولد من داخل الإنسان، والعلم ذلك الإحساس الذي يتولد فيه من تأثير خارجي، سواء بالرؤية أو باللمس أو التذوق.مثلاً إنك تمشي فترى غابة، فتزداد معلوماتك برؤيتها، أو تذوق شيئًا فتعرف طعمه فهذا هو العلم إذا أتاك من الخارج ولم يتولد في داخلك.وعلى النقيض بينما تكون جالسًا يتولد فيك فجأةً الإحساس بما تحتاج إليه أنت أو قومك أو أولادك أو أسرتك، وهذا الإحساس التلقائي هو الشعور.وكأن الإنسان عندما يُحس بما جبله الله تعالى عليه من القوى فيختار له طريقا بناء على هذا الإحساس، فيسمى هذا شعورًا.وإذا بذل جهده للتدبر في شيء ليرى ما إذا كان نافعا له أم لا تفكرًا.وقد حتّنا القرآن على التفكر مراراً لأن القوة الفكرية تساعدنا أخذ النتائج من علمنا الخارجي.وجزء من هذه القوة يسمى عقلاً، إذ إن تلك القوة التي تساعدنا على العمل بحسب العلم والفكر والشعور، لأن فهذا على يسمى العقل هي العقل يعني أن يُفكر الإنسان ويقرر ما إذا كان الشيء ضارا به أم مفيدًا، فإذا قرر بأنه ضار، وإذا منعه هذا الإحساس من ذلك الشيء الضار فهذا عقلاً.أي يسمى أن ما يمنعه من الشر هو العقل.وقد أشار إليه القرآن الكريم بلفظ التفقه، لأن التفقه هو الوصول إلى كُنه الشيء ودقائقه.فيقول الله تعالى لنا: تمرون وترون أشياء كثيرة غافلين دون أن تحاولوا معرفة مغزاها ونتيجتها كالديك أو الكلب أو القطة.ذلك أن هذه الحيوانات شريكة مع الإنسان في عملية الرؤية في الظاهر، ولكن ما الفرق بين رؤيتها ورؤية الإنسان؟ إنما الفرق أن الإنسان يصل إلى نتيجة إذا رأى شيئًا، ولكن هذه الحيوانات لا تصل برؤيته إلى أية نتيجة فمثلاً إذا رأى الكلب أو القط
الجزء السابع ٢٥٥ سورة الشعراء شجرة ما فإنما يرى جذعا طويلاً، ولكن الإنسان لا يرى في الشجرة جذعًا فقط، بل يرى ثمرها ،أيضًا، ويدرك أنها تثمر في فصل كذا ولا تثمر في فصل كذا، وأن ثمرتها تنفع كغذاء أو دواء، أو ينحصر نفعها في ظلها فقط.وإذا وجد خشبها صلبًا قطعها وصنع منها أبوابا مثلاً، وإذا وجد خشبها قويًا قادرا على حمل الأثقال صنع منه أعمدة لحمل السقف، وإذا وجد خشبها قادرًا على مقاومة الماء استعمله حيث يكثر المطر، وإذا وجد خشبها يصلح للحرق فقط استعمله حطبًا أو حوله فحما.فالشجرة التي يراها الإنسان والحيوان ،واحدة ولكن الإنسان يستعملها في شتى حاجاته، أما الحيوان من كلب أو قط أو ماعز أو ابن آوى فلا يعرف من تلك الشجرة إلا أنها تهيئ الظل فقط.ثم إن القرآن الكريم قد نبهنا إلى أمر آخر وهو الاستنباط.والاستنباط أن تتدبر في أحداث مختلفة وتتوصل منها إلى نتيجة، وكأنك تولّد شيئًا جديدًا بقوتك الفكرية.مثلا إذا رأيت زيدًا وبكرًا وعَمرًا في مكان ثم علمت أنهم ينتمون إلى جماعة واحدة، وأنهم جاءوا من أماكن مختلفة وطرق شتى واجتمعوا هناك، فستستنتج من هذه الأمور كلها أنهم اجتمعوا بحسب خطة معينة، أو إذا رأيت ما يفعله عدوك تفكر فورًا كيف تتصدى له وتلحق به الضرر ولكن الحيوان من ماعز وقط وغيرهما لن يتوصل إلى هذه النتيجة، وإنما يرى أن بعض الأشخاص قد جاؤوا فقط.فالقرآن الكريم قد حثنا مراراً على الاستعانة بالشعور والعلم والفكر والعقل والتفقه والاستنباط، وقد ندّد بأعداء الحق مرة تلو المرة فقال: أفلا تشعرون؟ أفلا تعلمون؟ أفلا تتفكرون؟ أفلا تعقلون؟ ودعاهم إلى التفقه والاستنباط.وقد بين القرآن الكريم أن الفرق بين النبي وأعدائه أنه يفكر ولكنهم لا يفكرون حيث قال الله تعالى: قُلْ هَذه سَبِيلي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَن اتَّبَعَنِي ) (يوسف: ١٠٩)..أي يا محمد قُل لهؤلاء المعارضين إن ثمة فرقا بيني وبينكم.لا شك أنكم تتمسكون بعقيدة وأنا أيضًا أتمسك بعقيدة، ويحق لأي إنسان منهم أن يقول: إذا كان محمد يعتبر نفسه صادقا في ما يعتقد فيحق لنا أيضا أن نعتبر
٢٥٦ الجزء السابع سورة الشعراء أنفسنا صادقين في ما نعتقد.لماذا نعتبر ما يقوله محمد حقا وما يقول معارضوه باطلا؟ يجب أن يكون هنا سبب واضح يجعلنا نصدق قوله؟ هناك عدة أجوبة على هذا السؤال، وقد ذكر القرآن الكريم هنا واحدا منها فقال: عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَن اتَّبَعَنِي..أي قل يا محمد لأهل مكة إن أكبر دليل على كذبكم وعلى صدقي أنني أنا وأتباعي نقبل أي شيء بالدليل، وأما أنتم فتصدقون أي شيء بلا دليل وتصديقكم الشيء دونما دليل يشكل برهانا على أنكم لا تعملون الفكر، وتصديقنا الشيء بدليل برهان على أننا لا نؤمن إلا بعد تفكير وتدبر.والبديهي أن الذي لا يُصدق الشيء إلا بعد إعمال الفكر يكون أقرب إلى الحق ممن يصدقه دونما تفكير، وإن كان ما يصدقه حقًا وصدقا، ذلك لأن الله تعالى سيقول له، وإن كان هو على الحق: كيف عرفت أن هذا حق؟ فإنك قد آمنت به بدون تدبر ولا تفكير.وعلى النقيض هناك شخص أعمل الفكر وتوصل إلى نتيجة ولكنها نتيجة خاطئة فإنه رغم كونه على الخطأ يستحق الثواب عند الله تعالى لأنه بذل الجهد الصادق للوصول إلى النتيجة الصحيحة.ومن أجل ذلك قال الرسول ﷺ أن من اجتهد فأخطأ في اجتهاده فله أجر (البخاري: باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ)، لأنه أعمل الفكر وبذل كل ما في وسعه للوصول إلى القرار السليم ولكنه أخطأ، فيقول الله تعالى إنه قد أدى واجبه، واستحق الثواب لا العقاب.كذلك قال النبي ﷺ إن الذي لا تقوم عليه الحجة لن يدخل النار إذ لم تتح له الفرصة للتدبر وإعمال الفكر.كذلك قال النبي ﷺ لن يدخل المجنون النار لأنه معذور لعدم قدرته على التفكير وأيضًا قال النبي إن المولود الذي يموت في صغره، أو الشيخ الفاني الذي فقد عقله، أو من يسكن في الجبال و لم تصله دعوتي لن يدخل النار إذ لم تتح له الفرصة للتفكر والتدبر فثبت أنه لا يستوجب العقاب إلا
٢٥٧ الجزء السابع سورة الشعراء الذي وجد فرصة لإعمال الفكر ومع ذلك لم يفكر ؛ وأنه لا يستحق الثواب إلا الذي يقبل الحق بعد التفكير والفحص إذا اتبع المرء دينًا أو مذهبًا تقليدًا للآباء فحسب فلن يحظى بمرضاة الله تعالى.وهذا هو القانون الذي نراه مطبّقا في الظاهر أيضا، حيث نجد النبي ﷺ ينصح قومه بالتدبر في كل شيء.كما ينصح أصحابه أيضا أن يعملوا الفكر ويفهموا الأمر ثم يصدقوه، وكانت النتيجة أن الصحابة سبقوا قومهم في العلم أيضًا؛ فكان أحدهم، رغم كونه أميًا لا يعرف القراءة والكتابة، يسوق الأدلة والبراهين أمام المعارضين فيُعجزهم فكانوا يحاولون إجباره على قبول رأيهم بقوة العصا لإدراكهم أنهم لا قبل لهم به في مجال البراهين.فمثلاً إذا قال أحد المشركين من مكة إن الدليل على صحة عقيدة الشرك أن آبائي يعملون هكذا فهل هم مخطئون؟ وهل تظن أن لا رأي لهم ولا عقل؟ فإذا قيل له : نعم إن آباءكم جاهلون، فكان من الطبيعى أن يثور شبابهم غضباً له: ويهبوا للمعارضة قائلين كيف يجرؤ على هذا القول؟ ولكن الدليل الذي كان النبي ﷺ يقدمه لهم هو: عليهم أن يفكروا فيما إذا كانت أصنامهم تملك قوة أو حيلة، فإذا كانت لا تقدر على شيء فلماذا يعبدونها؟ حيث ورد في القرآن الكريم أن هذه الأصنام لو يسلبها الذباب شيئًا فلن تقدر على استرداده منه (الحج: ٧٤).وإذا كانت أصنامهم ضعيفة وعديمة الحيلة لهذه الدرجة فاعتبارها آلهة أمر غير معقول حتمًا.ومن الواضح أن الذي يصدق بشيء بناء على الدليل لا يمكن أن يقاومه من هو معتاد على قبول الشيء بلا تفكير ولا دليل، فسينهزم أمامه في نهاية المطاف.ومن أجل ذلك قال القرآن مرارا وتكراراً: أفلا تعقلون، أفلا تتفكرون، أفلا تشعرون.وكان النبي ﷺ كلما أعجبه عمل إنسان دعا
الجزء السابع ٢٥٨ سورة الشعراء الله له بأن يوفقه الله تعالى للتدبر وإعمال الفكر يقول ابن عباس - رضي عنهما: دخل النبي ﷺ المرحاض مرة فوضعتُ له الماء ليتوضأ به، فسر النبي ﷺ ودعا له: "اللهم فقهه في الدين." (البخاري: كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء) فإن من المهم جدا أن يفكر الإنسان ثم يصل إلى النتيجة، أما إذا اتبع أمرا دونما تفكير وفحص فهذا ينال من مكانته العالية.وكان من تأثير هذا التعليم الإسلامي أن المسلمين حيثما ذهبوا أذهلوا الناس بأعمالهم، حيث كان طفلهم أيضا ذا علم غزير وكان يتكلم بالدليل.والحق أن اعتيادهم على التفكير هو الذي جعلهم أقوياء الإيمان لا يتزعزعون عما يعتقدون، لأنهم لم يؤمنوا بشيء إلا بعد الفحص والتفكير، مستوعبين كل ما فيه من معنى ومغزى.وهذا هو السبب في أن الناس كانوا يستغربون كيف أن المسلم يضحي بحياته ببسالة نادرة.يقول أحد الصحابة إنما أسلمتُ لأني رأيت مسلما يضحي بحياته بشجاعة مذهلة وبيان ذلك أن الأعداء حاصروا مجموعة من المسلمين على قمة جبل خدعة، ثم وعدوهم بأنهم لو نزلوا إليهم من الجبل فلن يتعرضوا لهم بأذى، ولكنهم لما نزلوا إليهم شنوا عليهم الهجوم وقتلوا معظمهم.ويقول هذا الصحابي: كنتُ من قبيلة أخرى، وكنا نسمع عن المسلمين كلاما سيئًا بأنهم قوم لا دين لهم وأنهم يعادون عامة العرب، ولذلك كنت انضممت إلى هؤلاء المهاجمين الذين قتلوا المسلمين خدعة فرأيت أن مسلمًا طُعن في صدره حتى انشق صدره، فلم يلبث أن هتف قائلا: "فُرْتُ وربِّ الكعبة"، ثم سقط صريعا واستشهد.فأذهلتني كلماته جدًا، وقلت في نفسي : هل هذا مجنون؟ فإن العدو طعنه وهو بعيد عن أهله ووطنه حوالي مئة وخمسين ميلاً، فبدلاً من أن يقول: واأماه وياأبتاه ويازوجاه، يقول: فزت ورب الكعبة؟ أنه لم يفز ، بل مات فكيف تفوه بهذه الكلمات؟ فلا مع شك أنه مجنون ولا يعرف الفرق بين الفوز والفشل.ثم بعد القتال سألت أحدًا من الكافرين: ألا ترى أن هذا الشخص كان مجنونا؟ فإنه لما طعن في صدره صاح: فزتُ ورب الكعبة بدلاً من أن يتأوه ويتوجع.فأجابني صاحبي: إن هذا هو دأب المسلمين جميعًا، فإنهم يرون الموت فوزاً! فكان لقوله وقع كبير في نفسي وقلت: إذا لا بد أنهم
٢٥٩ سورة الشعراء الجزء السابع على الحق، إذ لا يضحي أي إنسان بحياته على هذا المنوال.فذهبت إلى المدينة حفية وسمعت حديث النبي ، فانشرح صدري للإسلام وعلمت أنه هو الحق.وعندها علمتُ لماذا يضحي المسلم بحياته هكذا.إنما يضحي بحياته لأنه يرى النور، ومن جيع شاهد النور فكيف يقاومه من لا يرى النور بل يهيم في الظلام؟ (البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الرمح باختصار، إن الرسول والقرآن الكريم قد حنّا المسلمين مرارا وتكرارًا على التفكير والتدبر.والحق أننا لا يمكن أن نفوق الأمم الأخرى بدون أن نعتاد على الفحص والتدبر، لأننا لو اكتفينا بقولنا للناس: كونوا مسلمين واقرؤوا القرآن، فسيقول الهندوس: كونوا هندوسًا واقرؤوا "الفيدا"، وسيقول السيخ: كونوا سيخا واقرؤوا "غرنث"، وسيقول المسيحيون: كونوا مسيحيين واقرؤوا "الإنجيل".فلا يُرى بيننا وبين هذه الأمم أي فرق ولا فضل.هناك طريق وحيد لأن نتميز عن غيرنا وهو: أن نؤمن بعد الفحص والإمعان دائما.وإذا اعتاد الناس على تصديق أي شيء بعد التدبر والتفكير فإن المؤمن بالكتاب الحق سيزداد إيمانًا على إيمان، والمؤمن بالتعليم الباطل سيزداد كراهة لما يؤمن به.مثلا عندما نتدبر القرآن الكريم ونعمل الفكر في تعليمه فسوف نعرف المزيد من دلائل صدقه، فنزداد إيمانًا على إيماننا، ولكن المسيحي كلما أعمل الفكر في دينه ضعف إيمانه به أكثر فأكثر.بالمثل كلما فكر اليهودي في التوراة ساء ظنه بها أكثر فأكثر.وكذلك كلما أمعن الهندوسي في كتابه "الفيدا" ازداد نفوراً منه.إذا فإن التدبر والفحص سيزيد المسلمين إيمانًا على إيمان، بينما يؤدي إلى زعزعة إيمان الهندوس والمسيحيين واليهود بدينهم أكثر فأكثر.إذا فالتفكر والتدبر يقوي الدين والإيمان.ويمكن أن تلاحظ منافع مادية للتدبر والتفكر أيضًا، فإن المسلمين لما بدأوا إعمال الفكر والتدبر حققوا رقيًا مدهشا.لا شك أن اللغة العربية كانت موجودة قبل الإسلام إذ كانت اللغة الأم للعرب، وكان علم التاريخ أيضًا موجودًا قبل الإسلام، ومع ذلك لم تر بين العرب أي نهضة في هذه المجالات، أما بعد الإسلام فحدث فيهم انقلاب مدهش، حيث قاموا
٢٦٠ سورة الشعراء الجزء السابع بتدوين اللغة العربية، ووضعوا القواميس وقواعد الصرف والنحو وأُسس الفقه والتاريخ.كيف حدث هذا الانقلاب يا ترى؟ إنما سببه أن المسلمين كانوا مأمورين بالتفكر والتدبر، فأعملوا الفكر فسبقوا الأمم في كل مجال، وكان بينهم كبار الصرفيين والنحاة والقضاة والمؤرخين والقادة ولكنهم لما تركوا التدبر والتحري والفحص وأخذ الأوروبيون في التدبر والتفكر سقط المسلمون وسبقهم الأوروبيون بشوط كبير جدا.حينما كان المسلمون أُمة حية كان دأبهم التدبر في كل شيء، فاستنارت عقولهم بشكل مدهش، فكانوا يحلّون المعضلات دونما صعوبة.في كتب القصص للصغار في أوروبا توجد قصة شهيرة لابن أبي ليلى الذي كان قاضيا في عهد عمر ، وتدل هذه القصة على ذكائه الخارق ومهارته المدهشة في القضاء.جاءه ذات مرة شخصان أحدهما زيّات، والآخر جزار ، وكانا يتشاجران على كيس نقود.فاهتدى ابن أبي ليلى إلى حيلة بارعة تدل على ذكائه الخارق.لقد رأى أن أحدهما زيّات والآخر جزار ، ولا يمكن أن تجتمع عندهما هذه الثروة الكبيرة فجأة، بل لا بد أنهما قد قاما بجمعها شيئًا فشيئًا، ولكن من صاحبها؟ فدعا بماء وأمر بتسخينه ثم ألقى فيه النقود ليرى ما الذي يطفو على الماء: الزيت أم الشحم؟ فإذا طفا الزيت فالنقود للزيات، وإذا طفا الشحم فهى للقصاب ففصل بينهما بحسب هذا المبدأ.ولم يكن قراره هذا إلا نتيجة التفكير، لأن عقله فكر، فاهتدى لتلك الحيلة البارعة التي حسمت الأمر بينهما.وهناك كثير من القرارات المماثلة اتخذها ابن أبي ليلى خلال قضائه، ولا تزال تُدرس حتى اليوم في أوروبا، وقد اشتهر ابن أبي ليلى عندهم بلقب القاضي الذكي، إذ كان سريعا في حكمه ومصيبًا على الدوام.وليس سبب ذلك إلا عادته على التدبر وإعمال الفكر.كان أهل الكوفة في زمن عمر الله يثيرون الفتن مرة بعد أخرى، فكلما جاءهم وال من عنده شكوه إلى عمر، فكان يستبدله بآخر.فقال الناس لعمر: لماذا تغير ولاتك على الكوفة بشكاوي أهلها في كل مرة؟ فإنهم قوم دأبهم كثرة الشكوى
٢٦١ سورة الشعراء مقدمه الجزء السابع ضد كل وال.فأجاب عمر: سوف أستمر في تغيير الولاة عليهم إلى أن تنفد أعذارهم كلها.فلما كثرت شكاواهم قال عمر: سأبعث إليهم الآن واليا لن يقدروا على إثارة الشكوى ضده.فبعث ابن أبي ليلى وهو لا يزال في التاسعة عشرة من عمره فلما علم أهل الكوفة بأن الوالي الجديد شاب لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره فرحوا كثيرًا وقالوا: سوف نسخر منه ونهينه.فلما بلغهم جمعوا كبارهم وكونوا وفدًا من كبراء القوم وكبار السن ليستقبلوه خارج المدينة، ورافق الوفد الآلاف من عامة الناس في تظاهرة وقرروا أنه إذا جاء الوالي سألوه عن سنه ليسخروا منه.فخرجوا للقائه، ولما اقتربوا منه تقدم شيخ كبير منهم وقال: كم سنك حضرة الوالي؟! وكانوا يظنون أنه سيقول : سني تسعة عشر عاما، فيضحك الجميع أن واليهم الجديد لم يتجاوز تسع عشرة سنة ولكن ابن أبي ليلى كان معتادًا على التفكير والتدبر نتيجة تربية النبي ، فكان يفطن إلى حقيقة الأمور ركة هذه العادة.فلما سألوه عن عمره أدرك لتوه أنهم يريدون أن بسرعة فائقة ببر يسخروا منه.فلم يقل أن عمره تسع عشرة سنة، بل قال: أيها الشيخ، إنني أكبر بن زيد الذي جعله النبي الله أميرًا على جيش بعثه إلى حدود الشام، أسامة بعام من وكان فيه صحابة أجلاء مثل أبي بكر وعمر ، وكان أسامة لم يتجاوز عندها ثماني عشرة سنة.فلما سمعوا جوابه قرروا عدم إثارة أية فتنة ما دام واليا على الكوفة.فظل يعمل واليا عليهم مدة طويلة ولكن لم يجرؤ أحد منهم على المطالبة بتغييره.فينبغي للمرء التدبر وإعمال الفكر دائما ليصل إلى النتيجة الصحيحة وإلا سقط من مقامه.فترى أن المسلمين كانوا سبّاقين في جميع المجالات العلمية، ولكنهم حين أخذوا يقولون لقد تم ما تم ولا مجال الآن للمزيد من التقدم العلمي، سقطوا إلى الحضيض، فتجدهم متخلفين عن أتباع جميع الديانات الأخرى في كافة المجالات العلمية.وعلى النقيض قال الأوروبيون: إذا كان الأولون قد أحرزوا الرقي فكيف لا نحرزه؟ ستعمل الفكر ونشق طرقًا جديدة للرقى، فكانت النتيجة أنهم اخترعوا شتى المخترعات.فمثلاً ليس القطار الذي يسافر به الناس إلا نتيجة تفكيرهم.فقد
٢٦٢ سورة الشعراء الجزء السابع رأى مخترع القطار أن القدر إذا وُضع على الموقد وأخذ في الغليان بدأ غطاؤه في القفز بطاقة البخار ، فأدرك نتيجة تفكيره أن البخار طاقة هائلة، ولو حبس البخار في القدر وركبت فيه عجلات أخذ في الجري.فقام بالتجربة فركب في القدر عجلات وحبس فيه البخار، فأخذ القدر يجري فاخترع القطار على نفس المبدأ.فترى أنه ليس في الدنيا شخص يمكنه القول إنه لم ير البخار يخرج من القدر قط، فكل يوم تقوم النساء بأعمال الطبخ في البيوت، كل يوم يرى الرجال غطاء القدر يقفز بقوة البخار، ولكنهم لا يكلفون أنفسهم عناء التفكير في هذه الظاهرة.أما مخترع القطار فرآها وفكّر في السبب وراءها، فاخترع شيئًا تنتفع به اليوم الدنيا كلها.وهناك الكثير من الأمور الصغيرة الأخرى التي تؤدي إلى نتائج مذهلة.فمثلا كان "كولومبوس" قد سمع من المسلمين أن الأرض ليست مسطحة بل هي كروية الشكل - علما أن علم الفلك لم يكن متطورًا في ذلك الزمن، وقام المسلمون بهذا الاستنتاج نتيجة تدبرهم في ظاهرة خسوف القمر، حيث وجدوا أن ظل الأرض على القمر خلال الخسوف مدور ، فاستنتجوا من ذلك أن الأرض كروية الشكل - فقال "كولومبوس" في نفسه لأن الأرض مدورة، فإني سوف أبحر من أسبانيا : وأدور حول الأرض وأصل إلى الهند.فعرض خطته على الملكة ثم على الملك راجيًا منهما المساعدة، ثم أبحر.لا شك أنه لم يصل إلى الهند ولكنه وصل إلى بلد أكبر وأغنى من الهند أعني أمريكا.Encyclopaedia of Britanica Vol.6 p.111: Columbus Christopher) ما الذي كان وراء ذلك الحدث العظيم؟ إنما سببه أن المسلمين كانوا معتادين على التدبر والتفكر، ففكروا في ظاهرة خسوف القمر، واستنتجوا أن القمر ينخسف حين تأتي الأرض في دورانها بين الشمس والقمر.ثم إنهم فكروا في الظل المدور الواقع على القمر أثناء الخسوف، فعلموا أن هذا الظل المدور هو ظل الأرض، فاستنتجوا من ذلك أن الأرض مدورة وليست مسطحة.فلما سمع "كولومبوس" برأي علماء المسلمين عن كروية الأرض استنتج من ذلك أن الأرض إذا كانت مدورة فسوف يُبحر من أسبانيا ويدور بالأرض كلها ويصل إلى الهند، لأن الدوران حول الشيء المدور ممكن، أما الشيء المسطح فالدوران حوله محال
الجزء السابع ٢٦٣ سورة الشعراء لأنه ينتهي عند أطرافه.فكانت نتيجة تفكيره في هذه الأمور الدقيقة اكتشاف بلد جديد كبير، ذلك البلد الذي يقوم بقيادة العالم اليوم وتتطلع الدنيا كلها إليه من أجل السلام، ويظن الجميع أن هناك سبيلاً واحدا لسلامه ألا وهو أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية في صفه.ولو أن المسلمين ظلوا ينظرون إلى القمر كما فعل من قبلهم، ولم يفكروا في السبب وراء الظل المدور الواقع على القمر أثناء خسوف القمر، ولو أن "كولومبوس" لم يستنتج من كروية الأرض أن بإمكانه الدوران حول الأرض كلها، لم تكتشف الأراضي الأمريكية، ولم يتم اختراع السيارات ولا الطائرات ولا الكهرباء، ولم تظهر على خريطة الدنيا هذه القوة العظمى التى اضطر الإنجليز والفرنسيون أيضًا للدوران في فلكها.وبالمثل إن معظم المخترعات التي تم اختراعها في هذا العصر إنما هي نتيجة للتدبر والتفكر في أمور بسيطة جدًا.لقد طالعت حياة "أديسون" مخترع المخترعات الكثيرة مثل الفونوغراف والكهرباء وغيرهما، وقد كتب فيها أن كل مخترعاته ما هي إلا نتاج تفكيره في أمور بسيطة.إذًا فالتفكر والتدبر ضروري جدا لرقي القوم إن الشعوب التي ترفع الهتافات الحماسية ولا تعمل شيئًا، يمكن أن تملأ الدنيا ضجّة وتبثّ الرعب في الضعفاء من الولدان والنساء، ولكنها لن تقدر على إنجاز شيء في الحقيقة، اللهم إلا أن تعتاد على إعمال الفكر والتوصل إلى النتائج الصحيحة وهذا ما نبه إليه نوح الله قومه العليا فقال: لَوْ تَشْعُرُونَ...أي ليتكم ترتدعون عن توجيه الاعتراضات التافهة إلى الآخرين، وتسعون لفهم الحقيقة مستعينين بالحس الخفي الذي يمد الإنسان بعلم ما في باطنه من قوى وقدرات، والذي يوقظ الفطرة السليمة، فتفكروا في أنفسكم وتتخلصوا من عيوبكم، وتميزوا بين الخير والشر.
الجزء السابع ٢٦٤ سورة الشعراء قَالُوا لَن لَّمْ تَنتَهِ يَتُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) ۱۱۷ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (3) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا ۱۱۹ وَحَنِي وَمَن مَّعِى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (3) فَأَنجَيْتَهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ال لكِ الْمَشْحُونِ (٣) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ () إِنَّ فِي صلے ۱۲۰ ذَلِكَ لَآيَةٌ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (2) وَإِنَّ رَبِّكَ لَهُوَ ۱۲۲ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) شرح الكلمات: ۱۲۳ المرجومين رحمه رماه بالحجارة؛ قتله؛ قذفه؛ لعنه؛ شتمه؛ هجره؛ طرده.(الأقرب) المشحون شحن السفينة: ملأها.(الأقرب) التفسير: لما رأى المعارضون أنهم عاجزون عن أن يتغلبوا على نوح الا بالدليل العليا والبرهان قالوا: ليس أمامنا الآن إلا خيار واحد وهو أنك إذا لم ترتدع عما تقول فسوف نقتلك رشقًا بالحجارة.فخر نوح الله أمام ربه وقال: رب إن قومي كذبوني، فافتح بيني وبينهم واحمني وأصحابي من شرورهم.فاستجاب الله دعاءه، وأنجاه وأصحابه من عدوه في سفينة مشحونة وأغرق الباقين بالطوفان.إن في هذه الواقعة آية عظيمة على عظمة الله وقوته ولكن أكثر الناس لا يعلمون.ورغم أنهم لم يؤمنوا إلا أنه ثبت أن ربك عزيز ورحيم، حيث انتصر نوح وصار أصحابه المحتقرون أسياد العالم.العليا على أعدائه، والجدير بالذكر هنا أن الله تعالى قد وصف هنا سفينة نوح بلفظ "المشحون" الذي يعني المملوء، ومن الواضح أن السفينة إذا كانت مليئة بالركاب سلفًا فلا
الجزء السابع ٢٦٥ سورة الشعراء يمكن أن يركبها المزيد من الناس، فكيف ركب نوح وأصحابه في السفينة المشحونة يا ترى؟ النبي فاعلم أن العرب يصفون الشيء أحيانًا بما سيكون عليه في المستقبل.فمثلاً قال من قتل قتيلاً فله سَلْبه (أبو داود: كتاب الجهاد، باب في السلب يُعطى القاتل)..أي من قتل في الجهاد كافرًا فهو يأخذ مال القتيل ومتاعه.فترى هنا أن النبي ﷺ قد استعمل لفظ القتيل مع أن الرجل حي لم يُقتل بعد.وبالمثل كانت السفينة ستمتلئ بنوح الوجماعته بعد قليل، فقال الله تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ الْمَشْحُون.في و ہ وہ الْفُلك كَذَّبَتْ عَادُ الْمُرْسَلِينَ ) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودُ أَلَا تَتَّقُونَ : إِنِّي لَكُمْ رَسُولُ أَمِينٌ (3) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْتَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرىَ إِلَّا عَلَى رَبِّ ۱۳۷ الْعَالَمِينَ ۱۳۸ التفسير وهنا أيضا قد اعتبر الله تعالى هودًا ممثلاً للرسل جميعًا حيث قال: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ)..ذلك لأن إنكار رسول واحد هو إنكار كافة الرسل في الحقيقة.أننا فالله تعالى يقول لقد كذب هودًا قومه عاد كما كذب نوحا قومه، مع أخبرناهم صراحة بأنه لا بد لهم من طاعة هود بالإضافة إلى العمل بكلام الله تعالى، كما يشير إلى ذلك لفظ أطيعون ).
الجزء السابع ٢٦٦ سورة الشعراء أتَبْنُونَ بِكُل رِيعٍ ۱۳۹ وَايَةٌ تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَابِعَ لَعَلَّكُمْ تَخَلُدُونَ (3) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ - فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ = وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ ) ۱۳۲ أَمَدَّكُم بِأَنْعَمٍ وَبَنِينَ (= وَجَنَّتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ ١٣٤ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) شرح الكلمات: ۱۳۵ ريع الريع: التل العالي؛ الطريق المنعرج في الجبل؛ الجبل المرتفع؛ وقيل: مَسيلُ الوادي من كل مكان مرتفع (الأقرب).تعبثون العبث ارتكاب أمر غير معلوم الفائدة أو ليس فيه غرض (الأقرب).فالمراد من تعبثون أنكم تعملون أعمالاً لا فائدة فيها.مصانع المصانع القرى والمباني من القصور والحصون (الأقرب).بطشتم بطشه : أخذه بالعنف وتناوله بشدة عند الصولة (الأقرب).جبارين: الجبار : كل عات متمرد (الأقرب).الفاعله صحيح التفسير: كان قوم عاد الذين بعث إليهم هود الي مولعين بفن البناء والعمارة ولعا خاصا ، لأن أساس حضارتهم كان قائما على علم الهندسة والكيمياء والفلك.كان مؤسسو هذه الحضارة يرون أن الله تعالى جعل في العالم المادي الشمس والقمر والنجوم، فلا بد من تقليد هذا النظام للرقي، فعلى الناس أن يفكروا في النظام الشمسي ويطلعوا على أسراره وغوامضه ويعملوا بحسبه.كما أن الحضارة الآرية والرومانية والفارسية قد تركت تأثيرًا عميقا على العالم المتمدن، وأقامت نظامًا جديدًا مكان النظم القديمة، كذلك قد تركت هذه الحركة البابلية التي كان ها من قوم عاد أثرًا عميقًا على ثقافة العالم وحضارته.وبرغم أن مؤسسي مؤسسو
قليلاً، لقد ٢٦٧ سورة الشعراء الجزء السابع الحضارة البابلية فقدوا السيطرة السياسية على المنطقة بعد فترة من الزمن، وحلّت محلها شعوب أخرى، إلا أن الشعوب الغالبة عليها لم تتمكن من التحرر من الفلسفة البابلية.وبما أن هذه الحضارة موغلة في القدم فلا نجد من آثارها اليوم إلا بيد أن ما اكتشف من آثارها يؤكد صدق القرآن وعظمته.وضع أساس هذه الحضارة البابلية قوم عاد، وقد نالوا من الغلبة والمنعة في زمنهم ما لم يتمتع به أي قوم من الأقوام العربية.وكان من حملة لواء الحضارة البابلية شعبان: عاد الأولى، وهم الذين أسسوها، وقوم ثمود الذين كانوا فرعًا من عاد وخلفوهم.وتتحدث هذه الآيات القرآنية عن عاد الأولى، حيث أخبر الله تعالى أن هودا خاطب قومه عادًا الذين كانوا أقوى قوة في عصرهم وقال: تبنون على كل جبل عمارات فخمة ومصانع كبيرة ومعامل كيميائية ضخمة، ظانين أنكم ستخلدون بها إلى الأبد؛ شأنهم شأن أوروبا وروسيا اليوم الذين يظنون أن حضارتهم ستبقى للأبد.ثم يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ..أي لقد بلغتم من القوة والمنعة أنكم حين تتغلبون على بلد تدمرون حضارته تدميرا، وتقومون بترويج حضارتكم ومدنيتكم مكانها ذلك أن الجبار هو من يجعل نفسه رفيعا وغيره وضيعًا.ومن الممكن أيضًا أن نستنبط من هذه الجملة أنهم اخترعوا في زمنهم آلات حربية مدمرة.وقد استنتج بعض المؤرخين برؤية المباني التي بنوها في الجبال أنهم كانوا قد تمكنوا من اختراع البارود والمتفجرات في ذلك العصر.وعليه فالمراد من هذه الجملة أنكم تخترعون آلات حربية مدمرة تبيدون بها الأقوام الأخرى، وتروجون في بلادهم حضارتكم ومدنيتكم.مجمل القول إن الحضارة البابلية قد ركزت على بناء العمارات واختراع آلات الحرب وإقامة المراصد بوجه خاص.وإن ما ورد في التوراة عن الدولة البابلية يصدق بيان القرآن الكريم حيث جاء فيها:
٢٦٨ سورة الشعراء الجزء السابع "وقالوا: هلم نبني لأنفسنا مدينة وبرحًا رأسه بالسماء، ونصنع لأنفسنا اسما لئلا نتبدد على وجه كل الأرض.فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما، وقال الرب : هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل، والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض." (التكوين ١١: ٤-٧) هذه الفقرة تؤكد أن قوم عاد كانوا بارعين في بناء العمارات العالية بحسب التاريخ اليهودي، إذ قيل أن اختلاف ألسنة الناس راجع إلى كون أهل بابل بدأوا في بناء عمارة عالية لتكون علامة لهم، وكيلا يتشتتوا ولا يتفرقوا، ولكن الله تعالى أراد تشتيتهم، فجعل اختلافا في ألسنتهم، فزالت وحدتهم وذهبت ريحهم، ولم يستطيعوا رفع هذا البناء.مدينة إن ما ذكرته التوراة هنا من سبب وراء اختلاف السنة الناس في العالم إنما هو قصة فارغة فحسب، بيد أن هذه الفقرة تشكل شهادة تاريخية على أن أهل بابل كانت لهم يد طولى في بناء المباني الشاهقة، فكانوا يبنون عمارات عالية يخيل للرائي إليها أنها تحتك بالسماء.وبالفعل نجد في الجزيرة العربية حتى اليوم مباني قديمة عالية وضخمة.وقد رأيت بأم عيني في اليمن – عندما توقفت هناك خلال سفري إلى أوروبا – مباني عالية جدا مبنية على تلال عالية على بعد عدة أميال من عدن، وكان بها حياض ويقول الناس إنها مما بناه قوم عاد.لم يزل الأوروبيون ينكرون وجود قوم عاد أصلاً، زاعمين أنه لم يوجد في التاريخ قوم بهذا الاسم، ولكنهم عثروا على آثار قوم عاد قبل حوالي نصف قرن من الزمان، فأخذوا يعترفون بوجودهم.بل لقد قال المؤرخ المسيحي الشهير جرجي زيدان في كتابه العرب" قبل الإسلام لم تقدر مئات الصفحات من كتب المؤرخين أن تُمدّ الناس بالمعلومات التي قدّمها القرآن الكريم عن قوم عاد في كلمات وجيزة.يخبرنا القرآن الكريم أن عادًا خلوا بعد قوم نوح المباشرة حيث قال الله تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمٍ نُوحٍ (الأعراف: ٧٠)، ولذلك قد
الجزء السابع ٢٦٩ سورة الشعراء تحدّث القرآن الكريم في هذه السورة أولاً عن موسى الذي كانت نبوءاته تنبئ عن بعثة محمد رسول الله ﷺ.ثم تحدَّثَ عن إبراهيم العلم الذي بدأت منه السلسلة الموسوية.ثم تحدث عن نوح لأن إبراهيم كان تابعا لشريعة نوح، حيث قال الله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شيعَته لإبْرَاهِيمَ (الصافات: ٨٤)، ولذلك ذكر الله بعد إبراهيم مؤسس شريعته ثم بعد نوح الذكر الله تعالى هودًا الذي بعث إلى قوم عاد، لأن عادًا خلفوا قوم نوح.يحذر هود اللي قومه بأنكم تبنون عمارات شاهقة على التلال المرتفعة، وتدمرون الشعوب الأخرى ظلمًا لتخلد حضارتكم ، ولكن كل هذا عبث، لأن الله تعالى سيقضي عليكم رغم وجود آثاركم الظاهرة، ولن يُكتب الخلود إلا للتقوى.إنكم تبنون مصانع ومراصد ظانين أنها تخلّدكم، وتظلمون الضعفاء مغترين برقيكم المادي، ولكن لن تنفعكم هذه العزة الزائفة فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُون..أي إذا كنتم تريدون الخلود فعليكم بتقوى الله وطاعتي.ثم يقول هود الله: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ ) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ..أي أن هذا العلم الذي تزدهرون بسببه إنما هو هبة ربانية وأن كل الأسباب التى تستعينون بها أيضا عطاء رباني، وكذلك الأنعام والأولاد والبساتين والعيون فإذا لم ترجعوا إلى الله تعالى فسوف ننزعها منكم في نهاية المطاف.۱۳۷ قَالُوا سَوَآءُ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَعِظِينَ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذِّبِينَ ) ۱۳۸ ۱۳۹ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْتَهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةٌ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) ١٤٠ ١٤١
۲۷۰ سورة الشعراء الجزء السابع التفسير : لما نصحهم هود العليا بالعودة إلى الله تعالى قالوا: سواء علينا أوعظتنا أم لم تعظنا لن نؤمن بك، إذ لم يزل البعض منذ قديم الزمان يعظون الآخرين قائلين: لا تجمعوا أموالا طائلة ولا تزهوا بثرواتكم مع ذلك لم يحصل شيء بل لا يزال الناس مستمرين في أعمالهم الدنيوية.سنبني المصانع ونجمع الأموال ولن يصيبنا زوال، لذا فسواء دعوتنا إلى ما تريد أم لم تدعُ فلن نرضى بما تقول.الواقع الصعوبة.أن المرء إذا ازداد بغيًا وتمردا فيصبح توجيهه إلى الصلاح أمرا غاية في ذلك يأمرنا القرآن الكريم ويقول: فَذَكَرْ إِنْ نَفَعَت ومع الذِّكْرَى (الأعلى: ١٠)..أي من واجبك أن تستمر في النصح والوعظ لأن ذلك ينفع الناس حتما.لذا فمهما بلغ أحد في العداء والمعارضة فعلينا ألا نقنط منه أبدا، لأن القلوب بيد الله تعالى علينا أن نوصل قول الله ورسوله إلى آذان الناس مرة بعد أخرى، وسيأتي يوم يزول فيه صدأ قلوبهم فتنشرح لقبول الهدى.ورد في كتب الأولياء أن شخصاً كان يؤذي المسلمين إيذاء شديدا، وكان لا يرتدع عن إيذائهم رغم نصح الناس حتى تضايق منه العديد من جيرانه وهاجروا من ذلك الحي.فذهب أحد أولياء الله تعالى من قريته إلى الحج، فوجده يطوف بالكعبة.فسأله في حيرة: ماذا تفعل هنا؟! كان دأبك سماع الموسيقى وشرب الخمر طوال اليوم، فكيف جئت لطواف بيت الله ؟! فأجاب الرجل : إن لكل شيء موعدا.لقد أسمعتموني القرآن والحديث ولم أتأثر بهما شيئًا، ولكني بينما أنا في حلقة ندمائي ذات يوم وأباريق الخمر مصفوفة أمامنا حتى تناهى إلى سمعي صوت شخص غريب يمر بالشارع وهو يقرأ قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله.فظننت أن هذه الآية قد نزلت من السماء حالاً من أجلي، ففاضت عيناي، لرفاقي: إليكم عني واخرجوا من عندي وكسرت أدوات الموسيقى، وتبتُ وجئت إلى الحج كما ترى.لقد أسمعتموني القرآن كله من قبل ولكن بدون جدوى، ولكن لما حان وقت هدايتي فإن آية واحدة قد قلبتني رأسًا على عقب.فقلت
الجزء السابع ۲۷۱ سورة الشعراء إذًا فإن القلوب تتقلب أحيانًا بشكل مذهل.ففي زمن الرسول ﷺ ضربت امرأة امرأة أخرى وكسرت سنها، وكان العقاب بحسب الشريعة أن تكسر سنها قصاصا.فرفعت القضية إلى الرسول ، وترافع أبو هريرة من جانب المعتدية، فقال يا رسول الله ﷺ: لا شك أن عقابها أن يكسر سنها قصاصا، ولكني أرجو الطرف الآخر أن يعفو عنها منا عليها.فقال النبي هلال الأقارب التي كسرت سنها: لا شك أن الشريعة تمنحها حق القصاص، ولكن لو عفوتم لكان خيرا لكم.ولكنهم لم يرضوا بذلك وأصروا على كسر سن المعتدية قصاصا.فتحمس أبو هريرة وقال: والله لن يُكسر من قريبتي هذه فتأثر أقارب المرأة وقالوا لرسول الله إننا نعفو عن الجانية، فقال النبي الله : "رُبَّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره".فترى أن هذا الصحابي الله حلف بالله تعالى متحمساً أن سن قريبته لن تُكسر، فتغيرت قلوب الطرف الآخر فجأةً وتنازلوا عن حقهم، مع أنهم رفضوا من قبل شفاعة النبي ﷺ في حقها أيضًا.إذا فعلى المؤمنين أن يدركوا أهمية هذه الظاهرة فلا يبرحوا في نصح بعضهم بعضا، ولا يظنوا أن أحدًا لا يمكن إصلاحه ولو سلمنا أن إصلاحه محال فإن وعظنا إياه سيؤدي إلى إصلاح أنفسنا على الأقل.وعلى العموم لا يخلو التذكير من الفائدة.فعلينا بالنصح والوعظ بيننا وكذلك بين الآخرين.فكلما جمع الإخوة هذا سهو، لأن هذه الصحابية كانت قريبة لأنس بن النضر لا لأبي هريرة – رضي الله ونص الرواية كالآتي: عنهما، الربيع عمه حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنير سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرِ السَّهْمِيَّ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ أَنَّ كَسَرَتَ ثَنِيَّةَ جَارِيَة، فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا، فَعَرَضُوا الأَرْشِ فَأَبَوْا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالْقِصَاصِ ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَكْسَرَ ثَنِيَّةُ الرُّبَيعَ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتَهَا.فَقَالَ رَسُولُ الله : "يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهُ الْقَصَاصَ".فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ الله مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهُ لأَبَرَّهُ".(البخاري: كتاب التفسير، باب يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص) (المترجم)
الجزء السابع ۲۷۲ سورة الشعراء مجلس فلينصح بعضهم بعضاً بالصدق وحسن المعاملة والعيش في المحبة والوئام وتحنُّب الشجار والسباب واعلموا أن قوما إذا تركوا الوعظ والنصح فيما بينهم وقعت أجيالهم في أخطاء كثيرة، ذلك لأن الكبار يكونون قد خاضوا حروبا كثيرة ضد الشيطان، ويكونون متحلين بالصلاح والورع، ولكن لا تكون للأجيال الصاعدة أي خبرة بحرب الشيطان، فيقتحم عليهم بسهولة.لم يذكر الله تعالى قصة آدم والشيطان إلا ليحذرنا أن قليلاً من الغفلة يؤدي إلى خسائر فادحة.فإذا كان الشيطان قد تمكن من خداع آدم رغم أنه قد حاربه من قبل زمنا طويلاً، فكم بالحري أن يخدع الشيطان من لم يخض أي حرب ضده.والحق أن آدم لم يخدعه الشيطان إلا لأنه جاءه متخفيًا بعباءة الدين، فظن آدم أن هذا قد أصلح نفسه الآن، معه، فكانت النتيجة مدمرة.أما إذا جاء الشيطان في زي إنسان صالح إلى شخص غير خبير بالحرب ضده فلا بد أن ينخدع منه بسرعة.وكما قلت لم يذكر الله تعالى هذه القصة في القرآن الكريم إلا ليبين أن آدم طالما انخدع بالشيطان، فكيف يطمئن من الشيطان قوم لا علم لهم بمكائده؟ فلكي نحمي أنفسنا وأجيالنا من هجمات الشيطان قد أمرنا الإسلام بالقيام بالنصح والوعظ فيما بيننا دائما، وأن نبلغ رسالة الله إلى الآخرين أيضًا كي ييأس الشيطان من إغواء ذرية آدم فتصالح للأبد.محمل القول إن عادًا لم يُصغوا لنصائح نبيهم هود ال، وكذبوه، فأهلكهم الله تعالى..ثم يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلكَ لآيَةٌ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ))..أي أن عادًا أرادوا أن يخلفوا وراءهم أثرهم الخالد خلال من العمارات الضخمة، ولكنا تركنا لهم أثرًا خالدًا من خلال تدمير مدنهم.بيد أن هذه الآية ما كانت لتنفعهم إذ كانوا قد هلكوا وبادوا وصاروا آية عبرة لمن بعدهم.
الجزء السابع ۲۷۳ سورة الشعراء كَذِّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ هُمْ أَخُوهُمْ صَلِحُ أَلَا ١٤٢ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولُ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٤٥ ١٤٣ ١٤٤ وَمَا أَسْتَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَلَمِينَ : أَتُتَرَكُونَ فِى مَا هَهُنَا عَامِنِينَ * فِي جَنَّتِ ١٤٦ ١٤٧ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلِ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ ١٤٨ ١٤٩ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَرِهِينَ (3) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (3) ۱۵۱ وَلَا تُطِيعُوا أمرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ) شرح الكلمات طَلْعُها: الطلع من النخل شيء يخرج كأنه نعلان مطبقان.(الأقرب) هضيم: أي داخل بعضها في بعض كأنما شُدخَ.(الأقرب) تنحتون: نحت الحجر: سوّاه وأصلحه.ونحت الجبل: حفره.(الأقرب) فارهين: جمع فاره، والفاره الحاذق بالشيء.(الأقرب) التفسير: يخبرنا الله تعالى أن قوم ثمود جاؤوا بعد قوم عاد، فبعث الله فيهم نبيه صالحا ال، فنصحهم بتقوى الله موضحًا لهم أنه لا يريد منهم على ذلك أجراً، وإنما أجره على الله تعالى وقال لهم: إن الرقي المادي الذي تفرحون به لن يدوم، ولن يبقى ما تملكون من بساتين وعيون وزروع ونخيل ذات طلع متداخل بعضها في بعض.إنكم تنحتون من الجبال بيونا وتتباهون بذلك، ولكن هذا ليس سبيل العزة
الجزء السابع ٢٧٤ سورة الشعراء أبدًا، إنما العزة في تقوى الله تعالى.فاتقوا الله وأطيعوني ولا تتبعوا الذين يتجاوزون الحدود، ويفسدون في الأرض ولا يصلحون.يتضح من القرآن الكريم أن قوم ثمود خلفوا قوم عاد، قال الله تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عاد (الأعراف: ٧٥).ويقول أبو إسماعيل في كتابه "فتوح الشام" إن قوم ثمود كانوا منتشرين ما بين المدينة السورية "بصرى" إلى "عدن" في اليمن، وكانوا حاكمين على هذه المنطقة.زمنهم كان وقد جاء ذكر ثمود في التواريخ اليونانية أيضًا حيث ورد فيها أن قريبا من زمن المسيح الل، وكان مركزهم الحجر" التي كانت عاصمة لهم - وكانت الحجر تقع بين المدينة المنورة وتبوك - وكانت لهم قوة ومنعة في هذه المنطقة.ويتضح من قوله تعالى: أَتتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ أن بلاد قوم ثمود كانت بلاد عيون وبساتين وزروع أن ونخل جيدة.وأما قوله تعالى: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فيوضح القوم كانوا يجيدون النحت وبالفعل تكشف آثارهم أنهم كانوا يحفرون الجبال، ويقيمون داخلها مدنا وقرى وكانوا ينحتون في الجبال قصورًا غريبة.ولكن هذا أنهم كانوا يعيشون في الجبال فقط، ولم تكن لهم بيوت أخرى، وإنما هو إشارة إلى مبانيهم الخاصة الدالة على حضارتهم الراقية كما أن حفر البيوت في الجبال تمثل إشارة إلى أن القوم كانوا يقضون جزءا من السنة في الجبال للاستجمام لا يعني والاصطياف مطمئنين و لم يكن أحد يجرؤ على شن غارة على بلادهم.لقد كفر هؤلاء القوم أيضًا بنبيهم صالح اللة و لم يُصغوا إلى نصحه، وما ردّوا به على نبيهم مذكور في الآيات التالية.
الجزء السابع ۲۷۵ سورة الشعراء قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَخَّرِينَ مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِنَايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّدِقِينَ - قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (5) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا تَندِمِينَ : فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةٌ وَمَا كَانَ ۱۵۹ lov ) 17.أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ : وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) الكلمات: شرح عقروها: عقره: جرحه؛ نحره؛ وعقر الإبل: قطع قوائمها بالسيف (الأقرب).التفسير : لما وعظهم صالح ال قالوا: يا صالح إننا نرى أن أحدًا يُطعمك..أي أنك تتلقى الرشوة من قبل بعض أعدائنا لتتآمر علينا.لقد أُثير هذا الاعتراض ضد كل نبي في كل عصر، فمثلا اتهم الكافرون نبينا بأن قوما آخرين يعينونه وقد اتهم المعارضون مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية أيضًا بأن الإنجليز أعطوه المال وأقاموه لمحاربة المسلمين.أما قولهم: مَا أَنتَ إلا بَشَرٌ مثْلُنَا...الخ فيعني أنه لا فضل لك علينا، إذ في لست إلا بشرًا كأي واحد منا.فإذا كان لك علينا فضل، وإذا كنت صادقًا دعواك، فأتنا بما عندك من آية.فأجابهم صالح ال حسنًا، هذه ناقتي قد جعلها الله تعالى آية لاختباركم عندما تجتمعون على الماء تعيثون الفساد، ولكن فصاعدًا ستكون لناقتي نوبة لشرب الماء وتكون لكم ولأنعامكم نوبة في وقت آخر، فلا تتعرضوا لناقتي بأذى وإلا فسوف يأخذكم عذاب يوم عظيم.ولكنهم قطعوا قوائم الناقة ثم أصبحوا نادمين.
الناقة ٢٧٦ سورة الشعراء الجزء السابع يقول المفسرون في تفسير هذه الآيات إن ناقة صالح ال كانت ذات مزايا خصوصية، بل قد نسج بعضهم حولها قصصاً غريبة، حيث يقولون إن القوم أتوا صالحا وقالوا: لن نؤمن لك حتى تخلق ناقة من الجبل.فدعا الله تعالى، فخرجت من الجبل بل ولدت من توها ولدا بحجمها (الدر المنثور: سورة الأعراف، قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا...إلى قوله تعالى : ولكن لا تحبون الناصحين).وكل هذه القصص ترهات لا علاقة لها بالقرآن الكريم.فإن القرآن الكريم لا يعتبر ولادة هذه الناقة آية إنما يعتبر حريتها في التنقل هنا وهناك آية حيث حذرهم صالح العلي أنهم لو آذوا ناقته لأخذهم العذاب وليس ذلك لأن الناقة في حد ذاتها كانت ذات أهمية، بل لأن صالحا الي كان يخرج عليها في البلاد في رحلاته التبليغية.لم يكن في ذلك الزمن سيارة ولا قطار ولا طائرة وكانت الناقة هي الوسيلة الوحيدة للسفر، فكان صالح ال يخرج على ناقته للدعوة والتبليغ، وكان معارضوه غير راضين بجهوده التبليغية، فكان من المحتم أن يعيقوا رحلاته ويمنعوه من التنقل من هنا إلى هناك من أجل التبليغ.فلما تجاوزوا الحد في شرورهم جعل الله تعالى الناقة آية لهم، وقال لهم دعوها تتنقل بصالح حيثما شاء ولا تُعيقوا جهوده التبليغية، وإلا سيأخذكم العذاب.فاعتبروا تحذيره ضربًا من الخبل والجنون، وازدادوا بغيا وطغيانًا، وقطعوا قوائم الناقة.وكأنهم قد تحدوا الله تعالى وقالوا لن نسمح لصالح برفع اسمه تعالى في أرضنا فلما أرادوا إغلاق أبواب بلادهم في وجه الله تعالى أغلق أبوابها في وجوههم، وضربهم بسيف قهره وعذابه.لا شك أنهم عندما رأوا العذاب أصبحوا ،نادمين ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان.ثم يقول الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ..أي أن في هذه الواقعة آية عظيمة تمثل درسًا هاما للناس بأن الذين يعيقون طريق الجماعات الإلهية ويمنعونها عن الدعوة والتبليغ ورفع اسم الله تعالى يصبحون عرضةً لسخط الله وقهره.بيد أن هذا الدرس كان عبرة فقط للذين أتوا فيما بعد، أما قوم صالح فأكثرهم لم يؤمنوا به، بيد أنهم قد أكدوا بهلاكهم كون الله تعالى عزيزا ورحيما.لقد أرادوا أن يكون صالح من المغلوبين، ولكن الغلبة كانت لله ولرسوله.لقد
الجزء السابع ۲۷۷ سورة الشعراء أرادوا أن تفشل جهوده الدعوية، فلا ينتشر اسم الله ورسوله في الأرض، ولكن الله الرحيم بارك في جهود نبيه فتكونت بأنفاسه القدسية جماعة أشعل أفرادها قناديل في صدورهم، فصاروا هداةً للإنسانية الضالة إلى الحق.نور الله كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (٢) إِذْ قَالَ هُمْ أَخُوهُمْ لُوطُ ألا تَتَّقُونَ : إِنِّى لَكُمْ رَسُولُ أَمِينٌ : فَاتَّقُوا اللَّهَ ١٦٢ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْتَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى ١٦٤ رَبِّ الْعَلَمِينَ : أَتَأْتُونَ الذِّكْرَانَ مِنَ الْعَلَمِينَ (3) ١٦٥ で רדן وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمُ ١٦٧ عَادُونَ التفسير : هنا أيضًا يقول الله تعالى إن قوم لوط كذبوا المرسلين، وهذا إشارة إلى أن لوطا ال كان - ككل نبي - ممثلاً عن الرسل كافة، وكان إنكاره بمثابة إنكارهم جميعًا.قال لوط الا لقومه لقد جئتكم من الله تعالى كرسول أمين، فاتقوا الله وأطيعوني لتحظوا بالنجاة.ولا أسألكم على ذلك ،أجرًا، إنما أجري على الله رب العالمين.لقد جئتكم لأعظكم بترك السيئات والعمل بأحكام الله تعالى.وإن من أفظع سيئاتكم أنكم تمارسون الشذوذ مع الذكور ، معرضين عما شرع الله لكم من علاقات بين الرجل والمرأة إشباعا للرغبة الجنسية ولخلق المودة والألفة.وتصرُّفكم هذا دليل على أنكم تخالفون الفطرة الإنسانية.
الجزء السابع ۲۷۸ سورة الشعراء قَالُوا لَن لَّمْ تَنتَهِ يَلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ : قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ (3) رَبِّ يَجْنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ۱۷۰ شرح الكلمات القالين: قلى فلانًا : أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه (الأقرب).التفسير فتضايق القوم وهدّدوا نبيهم قائلين: لئن لم تنته يا لوط، سوف نطردك من أرضنا فقال: افعلوا ما شئتم فإنني أكره أعمالكم السيئة كراهة شديدة، وأدعو الله تعالى أن يُنجيني وأهلي منها.لقد علمنا الله تعالى هنا :درسين: أولهما أن الدعاء للنجاة من العمل السيئ أهم من الدعاء للنجاة من العذاب وثانيهما: أن على المرء أن يكره الأعمال السيئة دائما وليس أن يكره صاحبها ويعاديه هذا الأمر هام جدا لإصلاح الأخلاق، وقد ركز عليه الإسلام تركيزا خاصا وفرّق بين السيئة ومرتكبها.إنه أمرنا أن نقضي على السيئة، ولكنه لم يقل أن نقضي على مرتكبها، وإنما جعل بين الأمرين حدا فاصلاً، ونهانا عن تجاوز هذا الحد.يقول الله تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ كُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى (المائدة:٣)..أي ينبغي ألا يُعميكم عداء قوم فلا تُنصفوا إليهم وتظلموهم.كلا، بل من واجبكم أن تلتزموا بالعدل والإنصاف في حقهم أيضًا، وإلا فتسقطون من مقام التقوى.ويقول الله تعالى :أيضًا لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)) (الممتحنة: 9).إذًا فالإسلام = يوصينا أنكم إذا رأيتم من فرد أو قوم ما يتنافى مع الصلاح والورع فعليكم أن تكرهوا فعله هذا ولكن يجب أن لا يمنعكم هذا عن إسداء المعروف إليه، إذ لو ماتت هذه العاطفة فيكم أصبحتم غافلين عن إصلاحه أيضا.وكان لوط العلا
۲۷۹ سورة الشعراء الجزء السابع متحليا بهذا الخلق العظيم، فقال لقومه إني أسعى جاهدًا لإصلاحكم ولكني أكره أعمالكم السيئة كراهة شديدة، حتى إني أدعو الله الله أن يحفظني وأهلي، الماديين منهم والروحانيين، من سيئاتكم.عنه : الغريب أن القرآن الكريم قد أثنى على سمو أخلاق لوط العلمية حيث قال الله وعل وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتَنَا)) (الأنبياء: ٧٦) ، ولكن التوراة تتهمه بتهمة شنيعة للغاية بأنه زنى بابنتيه التكوين (۱۹: ۳۰-۳۸)، بل تزعم التوراة أن إحداهما ولدت، نتيجة لهذه العلاقة غير الشرعية ابنا اسمه "موآب" الذي صار أبًا لقبيلة "الموآبيين"، بينما ولدت الأخرى ولدا اسمه "بن عمى" الذي كان أبا لقبيلة بني عمون".وكأن التوراة تتهم لوطا ال وبابنتيه بالزنى من ناحية، ومن ناحية أخرى تقول إن الله أنعم على هذين الابنين غير الشرعيين للوط بفضل كبير وبركة عظيمة فأخرج منهما ذرية كثيرة حتى صار كل واحد منهما مؤسس قبيلة كبيرة! هل من الممكن، يا ترى، أن يبارك الله الله في نسل لوط هذه البركة العظيمة لو كان كما وصمته التوراة؟ كلا، بل الحق أن أحد بياني التوراة المذكورين أعلاه يمثل شهادة عملية من الله الله على بطلان هذه التهمة البشعة.ثم إن القرآن الكريم الذي نزل ككتاب مبين جاء وصرح أن لوطًا كان من عباد الله المقربين وكان منزها عن جميع السيئات والمنكرات التي كان قومه منغمسين فيها، بل كان يدعو الله أن يعينه ويحميه وأهله مما يعمل قومه من المساوئ والمنكرات.فَنَجَّيْنَهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَبِرِينَ ) ثُمَّ ۱۷۳ ۱۷۱ صلے دَمَرْنَا الْآخَرِينَ ) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةٌ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ۱۷۵ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) ١٧٦
الجزء السابع شرح الكلمات : ۲۸۰ سورة الشعراء عجوزا العجوز المرأة المسنّة لعجزها عن أكثر الأمور (الأقرب).الغابرين: غبر: مكث وبقي.والغبرُ: الحقد.(الأقرب).فالغابر: المتخلف؛ الحاقد.التفسير : فاستجاب الله دعاء لوط ا ونجاه وأهله، إلا زوجته العجوز التي حل بها العذاب إذ كانت من الغابرين.وكما سبق في شرح الكلمات أن الغبر يعني الحقد أيضًا، وعليه فقوله الا الله إلا عَجُوزًا في الْغَابِرِينَ يعني أن زوجة لوط اللي كانت تضمر الحقد تجاه تعاليمه وتعاديه، فلما جاء العذاب كانت من الهالكين.تقول التوراة من جهة إن زوجته كانت من الناجين، بل تقول إن الملائكة أمسكوا بيد لوط وزوجته وابنتيه وأخرجوهم من المدينة لأن الله الله تفضل عليه (التكوين ١٩: (١٦)، ومن جهة أخرى تقول التوراة إن زوجته نظرت إلى الوراء أثناء خروجها من القرية فصارت عمود ملح (التكوين ١٩: ٢٦).وأقول :أولاً : فيما يتعلق بتحول إنسان حي إلى عمود ملح نتيجة نظره إلى الوراء فهو أمرٌ لا يقبله عاقل إلا أصحاب التوراة.وثانيًا: إذا كان الله لا يريد إنقاذ زوجة لوط من العذاب فلماذا حوّلها إلى عمود ملح؟ وثالثا: ما دام الله الله كان يعلم أن زوجة لوط ستهلك بعد خروجها من القرية بعدة خطوات فلماذا أخرجها من القرية أصلا؟ إن هذه البيانات المتناقضة تدل صراحة على أن الأيدي البشرية قد عبثت بالتوراة مما جعل روايتها لا تصلح للثقة والاعتبار، وإنما الحق ما بينه القرآن الكريم بأن زوجة لوط ال كانت من معارضيه، ولذلك لما جاء العذاب أهلكها أيضًا.يقول الله في مكان آخر من القرآن الكريم: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً (الحجر:٧٥)..أي جاء زلزال عنيف جعل الأرض الحجرية تتطاير إلى السماء ثم تسقط عليهم.إذًا فنزل عليهم مطر الحجارة التي أهلكتهم بدلاً من أن ينزل عليهم مطر الماء.وهذه الظاهرة تُشاهَد عند الزلازل العنيفة جدا، حيث تتطاير قطع الأرض إلى السماء ، ثم تسقط ثانية.لقد كانت هذه أيضًا آية، ولكنها كانت لمن بعدهم، أما قوم لوط القلة فلم يؤمنوا.
الجزء السابع ۲۸۱ سورة الشعراء "I يتضح من التوراة أن لوطا كان ابن هاران الذي كان أخا لإبراهيم الله، وكان من مدينة "أور"، وهاجر مع إبراهيم إلى فلسطين ثم هاجر من عند إبراهيم، واستوطن في قرية سدوم.(تكوين (۱۱ : ۲۷، ۳۱، تکوین: ۱۳: ۱۲) لقد حذر الله الا الله أهل مكة بذكر هذه الواقعة أنهم إذا لم يرتدعوا عن شرورهم فسوف يفعل بهم ما فعل بأعداء لوط ال.وبالفعل أمطر أهل مكة بالحجارة كما أمطر قوم لوط، وذلك أثناء معركة بدر حين جرت ريح كآية من الله تعالى، فوقعت الرمال والحصى في عيون الكافرين، فلم يقدروا على الصمود أمام المسلمين (تاريخ الخميس: المجلد الأول: غزوة بدر الكبرى)، فوقع صناديدهم صرعى، وكسرت شوكة قريش وذهبت ريحها.ثم إن أهل مكة أُمطروا بالحجارة مطراً معنويا، فكما أن الله القلب قرية "سدوم" وجعل عاليها سافلها، كذلك جعل أعزّة أهل مكة أذلّة، ودُمرت أسرها الكبيرة، ولم يبق منها إلا الذين استعاذوا بكنف النبي.كَذَّبَ أَصْحَبُ لَقَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ هُمْ شُعَيْبُ أَلَا ۱۷۷ تَتَّقُونَ : إِنّى لَكُمْ رَسُولُ أَمِينٌ : فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُون ۱۸۰ ۱۷۸ صلے ۱۷۹ وَمَا أَسْتَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِى إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ۱۸۱ التفسير : بعد الحديث عن قوم لوط ال يذكر الله تعالى أصحاب الأيكة، ويخبر أنهم أيضا كذبوا الرسل.والأيك هي "الشجر الكثير الملتف، وقيل: الغيضة تنبت السدر والأراك، والواحدة: أيكة.ويقال: فلانٌ فرغ من أيكة المجد" أي أنه من أسرة كبيرة (الأقرب).وعليه فكلمة "أصحاب الأيكة" قد تكون إشارة إلى منطقة كان أهلها يعتبرون أنفسهم من أسرة كبيرة.وحيث إن الله الله قال هنا إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا
۲۸۲ سورة الشعراء الجزء السابع تَتَّقُونَ، وقال أيضًا: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا )) (هود:٨٥)، فثبت أن المراد من "أصحاب الأيكة قوم شعيب الذي كان من أهل "مدين"، التي كانت من مدن العرب، الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أفضل من العبرانيين.وقد يكون المراد من قوله : كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ أَن قوم شعيب، الذين كانت عندهم غابة كثيفة قاموا بتكذيب الرسل.ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل كانت بالقرب من "مدين" غابة يكثر فيها شجر السدر والأراك؟ فاعلم أن "برتن" قد قال في كتابه "Gold mines of Medyen" نقلاً عن بعض الجغرافيين اليونانيين أنه لا يوجد وراء المنطقة الواقعة وراء خليج العقبة إلا الأعشاب أو الأشجار التي تبلغ قامة الإنسان، وتكثر فيها قطعان الإبل الوحشية والأيل، وأيضًا قطعان المواشى من معز وضأن أرض) القرآن ج ٢ ص ٢٣-٢٤) لقد ثبت من هذه الشهادة التاريخية وجود غابة قريبًا من "مدين" الواقعة عند خليج العقبة وقد وجدت فيها أشجار كثيرة بقامة الإنسان، ومن المعروف أن أشجار السدر والأراك هي التي تبلغ هذا الطول.ووجود الإبل الوحشية في تلك الغابة أيضًا دليل على وجود شجر السدر والأراك فيها لأن الإبل تعيش على هذا النوع من الشجر.ووجود قطعان المعز والضأن فيها دليل على أن أهل "مدين" كانوا يرعون مواشيهم في تلك الغابة.العلية الا من زوجته قطورة (التكوين كان هؤلاء القوم من نسل مدين بن إبراهيم ٢٥: ١-٤).فسُموا باسمه، وسموا مدينتهم أيضا باسمه.وقد ذكر القرآن الكريم كلا من شعب "مدين" وأيضًا مدينة "مدين"، فقال عن قوم "مدين": وَإِلَى مَدينَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ) (هود: (٨٥ ، وقال عن مدينة "مدين": وَأَصْحَاب مَدْيَنَ وَالْمُوْتَفكَات (التوبة: (۷۰).أي ألم يأتك نبأ أهل مدين والقرى التي قلبت نتيجة العذاب..أي قرى قوم لوط ال.لقد قال شعيب الله أيضًا لقومه : فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).فترى أن القرآن الكريم يخبرنا هنا وفي
الجزء السابع ۲۸۳ سورة الشعراء الآيات السابقة أن كل واحد من الرسل قال لقومه أطِيعُون ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أخر.وهذا يبين الفرق بين الحكومة الإلهية والحكومة المادية.ذلك لأن الحكام الماديين يأخذون الأجر ممن يأمرونهم بطاعتهم، وعلى النقيض نجد كل رسول يقول لقومه أطيعوني وما أسألكم عليه من أجر.مما يدل على أن الطاعة التي تؤمر بها من قبل الله الا الله ليست طاعة جبرية، بل الحقيقة أن الرسول يكون خادما للناس رغم أنه يأمرهم بطاعته.وحيث إن الخادم يأخذ الأجرة على خدمته، فلذلك نجد كل واحد من الرسل يقول هنا لا أسألكم على طاعتي من أجر..أي برغم أنهم سيطيعونه إلا أنه سيكون خادما لهم في حقيقة الأمر.إذا فطاعتهم عجيبة وخدمته أيضا عجيبة، حيث يطيعونه في الظاهر، ولكنه يكون خادمًا لهم في الواقع.إنه يقوم بخدمتهم بكل ما في وسعه ومع ذلك لا يتقاضى أي أجر منهم.بید أن الدرجة التي منحها الله الله نبينا أرفع من ذلك حيث أمره: قل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فى الْقُرْبَى)) (الشورى: ٢٤).يظن البعض خطأ أن النبي يعلن هنا للناس: إني لا أريد منكم أجرًا لنفسي نظير ما أسديه إليكم من أياد ومنن، بيد أني أرجوكم أن تعاملوا أقاربي بالحسنى (القرطبي).ولكن هذا المعنى باطل لأن الآية ستعني عندها إني لا أسألكم أي أجر إلا أجرًا واحدًا وهو أن تحسنوا إلى أن الآيات القرآنية الأخرى تصرح أن النبي ﷺ قد أعلن للناس أنه لا أقاربي.مع يريد منهم أي أجر مادي، بل كل ما يريده منهم هو الإيمان فقط.وليس هذا فقط بل قال الله ل لرسوله في موضع آخر: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ﴾ (سبأ: ٤٨).والواضح أنه ليس في قول النبي ﷺ للناس بأن يؤمنوا به ويطيعوه أي منفعة شخصية له، لأن الإيمان أو الطاعة لا ينفع إلا صاحبه.فالأجر الذي تم نفيه هنا وفي آية أخرى أيضًا إنما هو من قبيل الأجر المادي الذي كان من الممكن أن يناله النبي أو عائلته.فما دام النبي ﷺ قد نفى في موضع آخر تلقي أي أجر بأي شكل كان، وما دام الأنبياء الآخرون أيضًا أعلنوا أنهم لا يريدون من أتباعهم أي أجر، فلا يصح تفسير قوله تعالى: إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى بما فيه منفعة لعائلة لأن هذا يخالف ما ورد في آية أخرى أولاً ، وثانيا ليس فيه ما يدل على النبي
٢٨٤ الجزء السابع سورة الشعراء فضل النبي الله على الأنبياء السابقين، بل على العكس فيه منقصة له ، إذ أعلن الله الله على لسان الأنبياء السابقين أنهم قد خدموا الإنسانية لوجه الله الخالصة دون أن يأملوا أو يتقاضوا أي أجر لأنفسهم أو لأقاربهم؛ فكيف يصح إذا القول إن النبي ﷺ قال - حاشا لله - إني لا أسألكم أي أجر بيد أني أقول لكم – خلافًا لسنة الأنبياء السابقين - أن تهتموا بأقاربي وتخصوهم بالحب والعطف؟! فثبت جليًا أن هذا المعنى يمثل إساءة للنبي ﷺ ونيلا منه.ثم إننا نرى أن الاستثناء بعد النفي يعني أن المستثنى يكون خارجًا من حكم المستثنى منه.فمثلاً لو قلت: ليس عندي أية أوراق نقدية إلا فئة الخمس جنيهات، لكان معنى ذلك أنك تملك الأوراق من فئة الخمس جنيهات حتما.وعليه فستعني هذه الفقرة القرآنية : لا أريد منكم أي أجر لنفسي، ولكني أريد منكم أن تخصوا أقاربي بالحب والإحسان ولا جرم أن هذا المعنى يمثل إساءة كبيرة إلى النبي.الواقع: (١) أننا لو فسرنا المودة بمعنى المعاملة المادية الحسنة لكان معنى الجملة الكاملة أيها الناس لا أريد منكم أن تعاملوني معاملة حسنة ماديا غير أني أريد أن تخصوا أقاربي بمعاملة مادية حسنة.(۲)- ولو فسرنا المودة بمعنى الروحانية لكان معنى الجملة أيها الناس لا أريد منكم أن تنشئوا معي أي علاقة العلاقة روحانية، بيد أني أريد أن تنشئوا علاقتكم الروحانية مع أقاربي.والظاهر أن كلا المعنيين باطل، لأن المعنى الأول أن النبي يسأل أمته شيئا، وهذا يحط من يعني مكانته إزاء الأنبياء الآخرين أما المعنى الثاني فهو كفر بواح لأنه يعني قطع الصلة الروحانية عن النبي لا والله ومع أن إنشاء الصلة الروحانية به الله هو السبيل إلى الإيمان، ، حيث صرح الله لرسوله في موضع آخر أن هؤلاء لن يكونوا مؤمنين ما لم تكن أحب إليهم من أزواجهم وأبنائهم وإخوانهم وأقاربهم (التوبة:٢٤).فالنبي يعلن هنا أننا لا بد لنا من مودته ومحبته بحيث نترك من أجله آباءنا وأزواجنا وأبناءنا وإخواننا وأصدقاءنا كلهم إذا اقتضى الأمر.إذا فمثل هذه المودة من أجل النبي ﷺ ليست ثابتة فقط، بل نحن مأمورون بها بحسب القرآن الكريم، حيث أوضح الله الله أنكم لن تكونوا مؤمنين ما لم يكن الرسول الله أحب إليكم من كل قريب وعزيز.
٢٨٥ سورة الشعراء الجزء السابع إذًا فهذان المعنيان باطلان، فلم يبق أمامنا إلا أن نفسر قوله تعالى: ﴿إِلا الْمَوَدَّةَ في ﷺ الْقُرْبَى بمعنى يخص النبي الله نفسه وينطبق عليه هو، ألا وهو: لا أسألكم عليه أجرًا ماديًا، بيد أنني أطالبكم أن تنشئوا معي علاقة روحانية صادقة لا تماثلها أية علاقة أخرى من علاقاتكم المادية ولا جرم أن هذا المعنى يتوافق مع عظمة النبي كل التوافق.أسمى يعني أني إذا فقوله : (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبَى أطالبكم بعلاقة المودة التي تكون بين أقرب الأقارب والحق أن هذا هو نفس المعنى المذكور في قوله : إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى (النحل: ۹۱)، إذ المراد من إيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى أن نرغب في فعل الخيرات بحيث لا يخطر ببالنا ،الثواب وأن نبلغ تلك المكانة الروحانية الرفيعة بحيث نكون من التفكير في النتائج أو الثمار.وعليه فقوله تعالى: (إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى يعني: أني أريد منكم محبة كالتي تكون بين الأم وولدها.ذلك أن الأم لا تفكر في الأجر على الاعتناء بطفلها، بل تربّيه نتيجة حبها الفطري.ونفس الحال بالنسبة للولد فإن محبة أمه تسري في كل كيانه فيحبها بلهفة شديدة.فهذا ما تنبهنا إليه هذه الآية حيث يوصينا الرسول الله عليكم أن تحبّوني كما يحب الولد أُمه بل أشد بل منه.وهو نفس ما أمرنا به الله تعالى في آيات أخرى أيضًا بحيث يكون أنبياؤه أحب آبائنا وأمهاتنا.وهذا أدنى ما يُطالب به المؤمنون، وإذا لم يوجد هذا القدر من من الحب في قلب المرء فليعلم أن دعوى إيمانه باطلة.إلينا الْقُرْبَى مجمل الكلام أن المراد من قوله تعالى : ولا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي أني لا أسألكم أي أجر غير أنني أريد منكم، من أجل إصلاحكم ورقيكم، أن تحبّوني محبة تكون بين ذوي القربى، فلا تفكروا في الأجر والمقابل، بل يجب أن تنمحي فكرة الأجر من قلوبكم تماما.ومن المفسرين من فسر لفظ الْقُرْبَى هنا بمعنى ما يقرب إلى الله ، وقالوا إن المراد من الجملة: لا أريد منكم أي أجر بيد أني أود أن تتولد في قلوبكم محبة قرب الله له الا الله القرطبي).ولكن المشكلة أن لفظ "القُرْبَى" لا تعني في العربية إلا قرابة الرحم
الجزء السابع فقد ٢٨٦ سورة الشعراء اللغة طاعة وليس القرب من شيء، لأن اللغويين قد فرقوا بين القُرب والقُربة والقُربى، حيث إن القُرْب يعني القرب المكاني والقربة تفيد القرب المعنوي، أما القربى فلا تفيد القرب المكاني ولا القرب المعنوي، بل تفيد القرب الذي يكون نتيجة قرابة الرحم.ورد في "أقرب الموارد": "قيل: القربُ في المكان، والقُربى في الرحم، والقُربَة في المنزلة" (الأقرب).وعليه فلا بد لنا من أن نفسر لفظ الْقُرْبَى بما يتفق مع وبما لا يمثل أي إساءة إلى النبي ، وهو كالآتي: إني لا أطالبكم بشيء إلا أن تحبّوني محبّة ذوي القربى، أي أحبُّوني كما تحب الأم ولدها والولد أمه، أو كما يحب الأب ابنه والابن أباه حيث لا تشوب حبَّهم فكرة منفعة مادية، بل يحب بعضهم بعضا حبًّا فطريًّا تلقائيا.وكأن الرسول ﷺ يقول هنا: حيث إني معلمكم، وأُمرت أن أعلمكم دينكم، وهذا يحتم عليكم أن يوجد عندكم إحساس طبعي لطاعتي وتقليدي، وهذا يتطلب منكم أن تحبّوني كما يحب الولد أمه كي تطيعوني طبعية تلقائية وليس أن تترددوا عند كل خطوة لطاعتي.وكأن المراد من قول الله إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى هو عليكم أن تحبّوني كما يحب الابن أباه أو أُمَّه حبا طبعيًّا عفويًّا.ذلك لأنه إذا تدبرنا في علاقة الأولاد بوالديهم وجدنا بين الابن والأب وبين الأم والبنت تشابها مذهلاً من حيث الشكل والقامة والحركات وما إلى ذلك.فمثلاً لو كان الأب معتادًا على تحريك يده حركة معينة، وجدت ابنه أيضًا يحرك يده بنفس الطريقة، أو إذا كانت الأم معتادة على تحريك عينها بطريقة معينة، وجدت ابنتها أيضًا تحرّك عينها بنفس الطريقة، أو إذا كان الأب يتحدث بنبرة معينة، لوجدت ابنه أيضا يتحدث بنفس النبرة، أو إذا كانت اللكنة في كلام الأب كانت في أولاده أيضًا على وجه العموم.فثبت أن عنصر التقليد جد في الأولاد بشكل مدهش، فإذا وجدوا آباءهم يعملون عملاً معينًا عملوه أيضًا.يو إذا فالرسول يطالبنا هنا بأن لا تكون علاقتنا معه مجرد علاقة نظرية وعقلية، بل يجب أن تكون كعلاقة الولد بأبويه، فكما أن الولد يقلد أبويه تقليدًا طبعيًا تلقائيا علينا أن نقلد الرسول الله في أفكارنا وخطراتنا وأعمالنا تقليدًا طبعيًا تلقائيا.وهذا أمر مفهوم تماما إذ لن ينتفع من الرسول ﷺ حق الانتفاع إلا الذي
لأقوامهم: ۲۸۷ سورة الشعراء الجزء السابع يقلده في كل شيء بشكل عفوي طبعي.وهذا المعنى يؤكد فضل النبي ﷺ على غيره من الأنبياء، وفي الوقت نفسه لا يعرّضه إلى أي إساءة، كما يعرضه المعنى الذي يذكره المفسرون خطاً إذ يزعمون أن الأنبياء السابقين ظلوا يقولون : إنا لا نريد منكم أجراً ، بينما قال النبي الله لقومه: إني لا أريد منكم أجرًا لنفسي، بيد أني أرجوكم أن تحسنوا إلى أولادي وأقاربي! أما المعنى الذي بينته فهو يدل على كمال الوحي الذي نزل على النبي ، إذ إن الأنبياء السابقين قالوا لقومهم لا نريد منكم أجرًا، أما النبي الله فهو أيضا قال لا أريد منكم أجرًا، ولكنه طالبهم بأجر أيضًا، ولكنه أجر ليس فيه أي منفعة شخصية للنبي إنما فيه منفعة أتباعه، وهو أن ينشئوا معه علاقة كعلاقة الولد بأمه حتى يسهل عليهم اتباعه في كل عمل وطاعته في كل حكم، شأن الولد الذي يلبس بطبعه ما يلبسه أبواه، ويتكلم اللغة التي يتكلمانها، ويأتي الأعمال التي يأتيانها وهكذا سيتبعونه ﷺ اتباعًا كاملاً، وتسري في كيانهم تعاليمه التي نزلت عليه من الله لهدايتهم.وأي شك في أن هذا المعنى يؤكد فضل النبي ﷺ على الأنبياء السابقين إذ لم يقولوا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى لأن تعاليمهم لم تكن بدرجة تعاليم الرسول.وهذا المعنى الذي بينته لقوله تعالى : إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى يدعمه ما ورد بعد ذلك مباشرة حيث قال الله : وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةٌ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ﴾ (الشورى: ٢٤)..أي أن الذي يعمل حسنة نزيدها من أجله حسنًا وجمالاً.فما العلاقة بين قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةٌ نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا وبين ما يقول المفسرون بأننا مأمورون هنا بحب أقارب النبي ﷺ والإحسان إليهم؟ أما المعنى الذي بينته فهو منسجم مع السياق تماما ويجعل الآية جلية المعنى.ولو قلنا إن قول الله تعالى: ﴿إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى يعني: علينا أن نعتلق بالرسول الله اعتلاق الأولاد بآبائهم، فنقلّده كما يقلد الولد أبويه دونما تفكير ولا دليل، فهناك سؤال يطرح نفسه: صحيح أن الولد يقلد أبويه بدون تفكير أو دليل، ولكن مثل هذا التقليد ليس بعمل محمود، لأن على المرء أن يقبل الشيء عن دراية وبصيرة وليس أن يقلد الآخرين تقليدًا أعمى.
الجزء السابع ۲۸۸ سورة الشعراء وقد أجيب على هذا السؤال في الجزء التالي على هذا السؤال في الجزء التالي من الآية حيث قيل إن الدرجة الأولى من طاعتنا لمحمد الله هي أن نقلده كما يقلد الولد أبويه، ولكن مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا..أي أن من يقلد النبي ﷺ في أعماله وأقواله ومعاملاته وميوله ورغباته ويعمل الحسنات مثله ولو بدون وعي ودراية، فلا شك أنه يكون في الدرجة الأولى، ولكنه إذا استمر في طاعة النبي ﷺ موقنا بأنه مبعوث من عند الله الا الله فإننا نعده بأننا سنزيد له فيها حسنًا..أي نجعله يقوم بأعماله ببصيرة كاملة، فلن يبقى في درجته الأولى، بل سينزل على قلبه ببركة طاعته الكاملة للنبي نور النبوة مباشرة ، فيوهب له بصيرة ودراية.إذا فقوله : نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا قد أوضح أن قوله لا اله إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى لا يُشير إلى أيّ جزاء مادي لأن هذا المعنى يجعل قوله نَزِدْ لَهُ فِيهَا له حُسْنًا مبتورا عن السياق.لا شك أن الأنبياء السابقين قد قالوا لأممهم بأنهم آباؤهم الروحانيون، إذ صرّح القرآن الكريم أن كل نبي يكون أبا للمؤمنين وأنه لا بد لهم من طاعته كطاعة الولد لوالده، ولكن هؤلاء الأنبياء اكتفوا بقولهم: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ ولم يقولوا بعدها كما قال الرسول : إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..تلك الجملة ﷺ: التي تغمر القلب فرحة وسروراً.الواقع أن الله الله إذا أراد إنجاز عمل عظيم على يد إنسان هيأ له الأسباب أيضًا.وقد أنجز الله على يد النبي ﷺ ما لم ينجزه على يد أي نبي آخر، لذلك قد الله أنزل عليه وحيا كاملا..فإنك حين تقرأ آياته تشعر وكأن شيئا يجذب قلبك ويقول لك: تعال خُذ هذا، وخُذْ ذلك أيضًا.
الجزء السابع ۲۸۹ سورة الشعراء أوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُحْسِرِينَ وَزِنُوا ۱۸۲ بالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم ( وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُم ۱۸۳ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُ سِدِينَ شرح الكلمات : القسطاس: الميزانُ؛ أقوَمُ الميزان (الأقرب).١٨٤ التفسير: يتضح من هذه الآيات أن قوم شعيب ال كانوا مصابين بمرض الغش والخداع في التجارة على نطاق واسع، بالإضافة إلى الأعمال الوثنية.كانوا يعيشون على أعمال التجارة، فكانوا يغشون فيها إذ كانوا ينقصون في الكيل والوزن، وربما كانوا قد صنعوا موازين ومكاييل مزورة، فإذا أخذوا من الناس استعملوا موازين غير التي كانوا يستخدمونها عندما يعطونهم.ثم إنهم كانوا مهرة في الغش بالتلاعب بكفة الميزان أيضًا، فكانوا ينهبون الناس كيلاً ووزنا فنهاهم شعيب اللي عن الغش في التجارة، ولكنهم لم ينتهوا بل ازدادوا غشا وخداعا.فلما بلغ السيل الزبي، نزلت لإهلاكهم ملائكة السماء.من المؤسف أن هذا المرض متفش في هذا العصر على نطاق واسع، فقد اختفت الأمانة في بلادنا كلية ويحاول كل شخص أن ينهب غيره ويضره إلى أقصى حد ممكن.يريد الزبون أن يشتري حاجياته بأبخس سعر، بينما يحتال عليه صاحب المحل ليبيعه أردأ شيء إني لا أذهب للتسوق، ولكن بما أن حاجيات البيت تجلب من السوق، فأستطيع أن أجزم أن الناس لا يلتزمون عادة بالأمانة في البيع والشراء.فمثلاً يضعون التراب في الدقيق، ويضيفون أشياء رديئة إلى السكر، ويمكن أن تلاحظ هذا الغش بأدنى تأمل.فمثلاً إذا أمعنت النظر وجدت في كل ملعقة سكر من التراب، مما يدل أنه مغشوش.وكذلك تجد ذرات التراب والرمل في الطحين حيث تسمع صوت الرمل إذا مضغت لقمة الخبز.إن الناس في بلادنا لا شيئًا
الجزء السابع يهتمون عادة ۲۹۰ سورة الشعراء بصحتهم، فلا يمضغون الطعام جيدًا، ولكنهم لو مضغوه جيدًا لوجدوا أنهم لا يأكلون خبزًا من الدقيق بل يأكلون التراب، لأن تسعين بالمئة من أنواع الدقيق يكون مغشوشًا بذرات التراب والرمل، وهذا ضار بالصحة جدًا.ثم إن من حيل أصحاب المحلات أنهم يبيعون الدقيق غير الخالص، ويتقاضون سعر الخالص منه.مع أنه ليس الغش والخيانة أن تأكل مالاً كثيرًا لإنسان بغير حق فحسب، بل إذا أخذت قرشًا واحدًا بغير حق فهذا أيضا غش وخداع.كذلك ليس الغش فقط أن تضيف إلى الدقيق خمسة بالمئة من التراب، بل لو أضفت إليه واحدًا بالألف من التراب فهذا أيضًا غش وخيانة وعمل قبيح.ذلك أن الخير أو الشر يتعلق بالقلب والنية.فلو أن أحد الفقراء أنفق قرشًا واحدا خالصا لوجه الله الا الله ، فهو ليس أقل تضحية من شخص ثري ينفق مئة ألف روبية في سبيل الله تعالى، كذلك من غش في تجارته خمسة بالمئة فهو غشاش ومن غش واحدًا بالألف فهو أيضا غشاش مثله؛ ذلك لأن جزاء السيئة يكون بحسب النية مثل جزاء الحسنة تماما.فكما أن الله الله لا ينظر إلى أن الفقير قد أنفق قرشًا واحدا فقط وأن الثري أنفق مئة ألف روبية، بل ينظر إلى إخلاص كل واحد منهما فيجزيه بحسبه، كذلك لا ينظر الله الا الله أن هذا قد غش بمقدار خمسة بالمئة وذلك قد غش بمقدار واحد بالألف، إنما يقول الله الا الله إن كل واحد منهما غشاش لأن الطهارة أو النجاسة منوطة بالقلب، فكما أن قليلاً من الحسنة أو كثيرها تُعتبر حسنة، كذلك إن كثيرًا من السيئة أو قليلها يُعتبر سيئة أيضًا على كل حال.قد لا يقوم البعض بأعمال الغش بشكل مباشر، بل يُحضر هذه الأشياء من مكان آخر غاضًا النظر عما إذا كانت مغشوشة وناقصة، إلا أن ذلك لا يُبرئ الجريمة، لأنه ذهب إلى الطحان وعلم أن الدقيق عنده مغشوش ومع اشتراه منه، فلذلك فهو مذنب إذ جلب الدقيق المغشوش وهو يعلم أنه كذلك.كان عليه أن لا يجلبه ولكنه جاء به لأن سعره منخفض لكونه مغشوشا، فثبت أنه حاول جلب الربح غير المشروع ولو بطريق غير مباشر.فمثلاً إذا كان هذا يعلم أن الدقيق الجيد بمئة وواحد من الروبيات لكل أربعين كيلو غراما، ولكنه يبيع ساحته طحانًا من ذلك
۲۹۱ سورة الشعراء الجزء السابع لا يشتري منه بل يشتري من طحان آخر يبيع الدقيق الرديء بنفس المقدار بمئة روبية، فإنه غشاش أيضا إذ ساعد هذا الطحان على الغش.لا شك أنه لا يقوم بالغش مباشرة، ولكنه يجلب سلعًا رديئة ليبيعها للناس، لذلك فهو أيضا غشاش كمثل من يغش بيده.هناك في إنجلترا عصابات للسارقين الذين يقومون برعاية الأيتام الصغار ثم يستغلونهم في القيام بالسرقات فهل تظن أنهم أقل جريمة من الأيتام السارقين حيث لم يقوموا بالسرقة أنفسهم؟ كلا بل إنهم سارقون مثل الذين يسرقون بأيديهم.كذلك إذا جلب صاحب المحل دقيقا رديئا من بعض الطحانين وهو يعلم أنه رديء، فإنه محرم كالذي يغش الدقيق بيده بالتراب والرمل.وهناك من تجار الغلال الأمناء في الظاهر الذين ينشرون الحبوب في الشمس، ثم عندما يجمعونها يضيفون إليها بعض التراب والرمل، ومع ذلك يظنون أنهم أمناء جدا، مع أنهم ليسوا كذلك أبدًا.بالمثل إن وكلاء شركات بيع الغلال عندما يشترون الغلال يضيفون إليها بعض التراب الناعم، وبما أن هذه الغلال تكون بكميات هائلة فلا ينكشف خداعهم على جميع الناس.ومنهم من يبلل الغلال لتزداد وزنًا.ومنهم من إذا اشترى قال لصاحب المحل: لقد اشتريت منك سلعا كثيرة فيجب أن ترخص لي السعر، أما صاحب المحل فيقول للمشتري: هل تريد أن تسلبني كل شيء؟ وهناك روايات غريبة عن تجار مدينة "بومبائي".يُقال أن منهم من يستعمل ثلاثة أنواع من الموازين والمكاييل: مستقيمة، وناقصة وزائدة وقد سموها بأسماء غريبة جدا مثل "سبحان الله"، "استغفر الله"، و"لا حول ولا قوة".ويستخدمون هذه الموازين نظرا إلى نوعية زبائنهم، فإذا كان الزبون ذكيًا يأمرون عمالهم بإحضار الميزان المستقيم قائلين مثلاً: أخضر "سبحان الله".وإذا كان الزبون ساذحًا أمروا بإحضار الميزان الناقص.وكذلك من دأب العطارين المحتالين عندنا فكلما يتفشى وباء ما في البلاد يصف أطباء الأعشاب المرضاهم مياها مقطرة لبعض النباتات مثل الورد وعنب الثعلب" و"كعب الثعلب"
۲۹۲ "I سورة الشعراء الجزء السابع مثلاً، فيذهب المريض إلى العطارين، فإذا كان العطار أمينًا ولم يوجد عنده الماء المطلوب، قال للزبون: لا يوجد عندي هذا الماء حاليا، ولكن العطار الغشاش سيقول: عندي كل ماء، فهذا ماء الورد ، وهذا ماء عنب الثعلب"، وهذا ماء "كعب الثعلب"، وهذا ماء الهندباء"، فيعطيه قارورة مليئة بالماء العادي.ورد في تاريخ الطب الإسلامي أن أحد الملوك العباسيين قال لحاشيته مرة: إن الطب يتطور في هذه الأيام بسرعة فقال بعضهم: كيف يمكن أن يتطور الطب وليس هناك عطارون أمناء؟ فمهما وصف الطبيب وصفة عالية الجودة فلا فائدة منها.فقال الملك: إن في بغداد ما بين خمسمائة إلى ستمائة محل للعطارين، فيمكن أن تجربوا ذلك.فكتبوا اسما زائفًا لعشبة وبعثوا من يحضرها من العطارين.فأخذ العطارون يبعثون أعشابا مختلفة، فبعضهم بعث عرق السوس" مثلا، وبعضهم "العناب" مؤكدًا أنها العشبة المنشودة.غير أن عطارًا واحدًا قال: لا يوجد عندي هذه العشبة ولم أسمع اسمها من قبل.فسأل الملك: أي العطارين صادق؟ فأجابه الحاشية: كلهم كذبوا إلا الذي قال لم أسمع اسم هذا الدواء من قبل، فإننا قد كتبنا اسما زائفا لنختبر هؤلاء العطارين فأصدر الملوك المسلمون الأوامر بإخضاع جميع العطارين للامتحان وأسست المدارس لمعرفة الأعشاب والعقاقير، ولم يسمح لأحد ببيعها إلا بعد النجاح في هذا الامتحان.لقد رأيت في "كشمير" أن بعض الناس يُحضر صرة الغزال ويقول لك: إن فيها قرابة مئة غرام من المسك الخاص الذي ثمنه اثنان وثلاثون روبية، ولكني بحاجة ماسة إلى المال فأبيعه لك بخمس وعشرين روبية فقط.وبعض الأحيان يبيع لك هذه الصرة بنصف روبية أيضًا! فتشتريه وأنت تظن أنك أذكى إنسان في العالم ولكنك حين تفتح الصرة فلا تجد فيها إلا دما متجمدًا للحمام، فتعلم أنك مخدوع ولست أذكى الناس، بل إن الشخص الذي غشك ونهبك هو الأذكي! الواقع أن هؤلاء القوم يضعون بعض المسك خارج كيس الصرة ويملأونها بدم الحمام الذي يضيفون إليه بعض الكيمياويات، فيبدو كالمسك تماماً فيشتريه من لا خبرة له ويظن أنه قد
الجزء السابع ۲۹۳ سورة الشعراء قام بصفقة رابحة إذ اشترى صرة المسك بنصف روبية، مع أنه ليس فيها إلا دم الحمام الذي لا يساوي شيئا.من يُصنع في "كشمير" نوع معين من السجاد الشهير يُنسج من خرق الأقمشة الصوفية ويسمى "غابها".وكنت ذات مرة في زيارة بلاد كشمير وأُعجبتُ بهذا السجاد وأردت شراء قطع منه لأهديها لأقاربي وكان في مدينة "إسلام آباد" بكشمير نساج شهير بمهارته في نسج هذا السجاد، فقلت له: أريد أن آخذ قطعًا هذا السجاد هدية لبعض أقاربي في البنجاب فاصنع لي بضع قطع جيدة منه.فقال: حاضر، وطلب العربون.فدفعت له العربون، وذهبنا للتنزه في الجبال.وأخبرته بمقاييس غرفنا وأكدتُ عليه أن تكون السجادات بحسب تلك المقاييس تماما.فرضي وقال : لا تخف يا سيدي.وعندما رجعت إليه عرفت فورا برؤية السجادات أنها ليست بالمقاييس الصحيحة.وعندما قسناها وجدناها أقل من المقاييس المطلوبة بشبر طولاً وعرضًا فقلت له: لقد خدعتني خدعة كبيرة، وصنعتها أصغر من المقاس المطلوب.فأخذ يصرخ ويقول: ماذا تقول، إني مسلم، إني مسلم.فقلت : صحيح أنك مسلم ولكنك لم تف بوعدك معي.فدعوت شهودي الذين شهدوا لي، فذكرته بوعده مرة أخرى، فأعاد قوله على طريقة الكشميريين: إني مسلم إني مسلم.وكان عمري إذاك حوالي عشرين سنة، فكنت أغضب لأنه لا يستحي ويعزو فعله إلى الإسلام.لماذا لا يعتذر ويطلب العفو؟ لماذا يقول مرارا وتكرارًا: إني مسلم ومن حقي أن أغش؟ وكأن الإسلام قد انحط لدرجة أن المسلم يرى الغش حقًا مشروعًا له.عندما زرتُ كشمير أول مرة علمتُ أن صادرات تجارة المصوغات الفضية الكشميرية وحدها إلى أوروبا كانت تبلغ عشرة ملايين روبية.وهذا يعني أن التجار الكشميريين في هذه التجارة وحدها كان يتراوح ما بين مليونين ومليونين ونصف مليون من الروبيات إضافة إلى أجرة العمل.فقيل لي إن هذه التجارة أصيبت بالكساد ونقصت الآن إلى مليون ونصف مليون فقط.وذلك لأن التجار الأوروبيين شكوا من رداءة الصنع والجودة.فأحيانًا كان التجار الكشميريون ربح
الجزء السابع ٢٩٤ سورة الشعراء من يصدرون مصوغات جيدة وأحيانًا رديئة ومغشوشة ولو أنهم كانوا أمناء في عملهم لبلغت تجارتهم اليوم أربعين مليونًا.علما أن الأعمال التجارية لم تكن على نطاق واسع في الماضي، وإنما ازدهرت في هذا الزمن.فإذا كانت تجارة المصوغات الفضية الكشميرية بلغت عشرة ملايين روبية في ذلك الزمن، فلا بد أن تكون قد وصلت اليوم أربعة أضعاف.ولكن بدلاً من أن تبلغ تجارتهم أربعين مليونا ويكون ربحهم فيها ما بين عشرة ملايين وخمسة عشر مليونًا، أصيبت تجارتهم بالكساد حتى هبطت إلى مليون ونصف المليون.ولو لم يضروا تجارتهم بالغش والخيانة من أجل ربح قليل لازدهرت تجارتهم ازدهاراً كبيرا، ولكنهم خانوا فيها فأصيبت بالكساد.إن الناس يعادون الإنجليز كثيرًا، ولكن أعداءهم أيضًا يعترفون بأمانتهم التجارية.وبعد الإنجليز يثق الناس في التجارة بالأمريكان والألمان وغيرهم من الشعوب، أما الآسيويون فهم مشهورون بالغش في التجارة جدًّا فلا يثق بهم قوم، مع أن رقي الشعوب منوط بصيت أمانتهم لو كان التاجر المسلم أمينا لاشترى أهل ملّته محله تاركين محلات الآخرين، وقالوا: إن سلعه أفضل من سلع الآخرين.ولكنه إذا كان يغش في الدقيق الذي يبيعه فكيف يشتري منه المسلمون؟ فعلى كل واحد منا أن يعقد العزم على مكافحة الغش والخيانة والقضاء عليه من بيننا.فإذا كان أبوه أو أخوه أو زوجته أو قريبه أو صديقه تاجراً، فعليه أن يكشف له أنه لن بالغش، وأنه إذا لم يتورع عنه ولم يصلح حاله فسوف يحاربه.فلو قرر كل واحد منا التصدي للخونة والغشاشين لزال هذا العيب من مجتمعنا في ساعة واحدة.إذا كان أخوك أو أبوك أو أمك أو زوجتك من التجار الغشاشين فإنما يفعل ذلك لأنه يعلم أن أقاربه لن يشكوه إلى المسؤولين نتيجة حبهم له.ولكنه لو كان موقنا بأن أقاربه لن يبالوا بقرابته ومحبته، بل سيرفعون الشكوى ضده حتمًا، فكيف يمكن أن يلجأوا إلى الغش والخيانة ولو لدقيقة واحدة؟ كلا بل سيتوسل الأب إلى ابنه قائلا: اغفر لي ما سلف فإني أعدك أني لن أغش بعد ذلك أبدًا.وكذلك سيقول الأخ لأخيه والزوجة لزوجها إني أتوب عن الغش من اليوم وأعدك إني لن أعود إليه أبدًا فاعف عنى هذه المرة.فالحق أن إصلاح المجتمع في أيدينا نحن.إن إصلاح الابن في يسمح له
سورة الشعراء الجزء السابع يد الأب، وإصلاح الأب في يد الابن، وإصلاح الأخ في يد الأخ، وإصلاح الزوج في يد الزوج، وإصلاح الأم في يد الأولاد.ولو تصديتم للخائنين والغشاشين بهذا الأسلوب فسوف يتم إصلاح المجتمع ليس في أيام بل في ساعة واحدة.ولكنك إذا رأيت صديقك يغش ويخون فغطيت على خيانته وكذبت من أجله فإنك تدمره وتدمر نفسك أيضا.له الواقع أن الجماعات الدينية لا تخلد بالمال بل بالإيمان لو كان المال هو مدار الخلود فإن اليهود والنصارى والهندوس أكثر مالاً من المسلمين، فلماذا تركهم الله وخذلهم؟ ذلك لأن المال لا علاقة له بالإيمان لا جرم أن الله له أيضًا يعطي عباده الله المال، ولكنه يعطيهم إياه إنعامًا ليساعدوا به الفقراء، أو اختبارا ليرى كيف ينفقونه.فلو سلم إيمان المرء رغم توفر المال عنده لكان خيرا له وبركة، ولكن إذا أضاع المال إيمانه، فأخذ في النصب والاحتيال كالأشرار، ونهب أموال الناس كاللصوص والغشاشين - فيقوم مثلاً "بالسوق السوداء"، فإذا جاءه زبون لم يبع السلع بالأسعار المحددة، بل أنكر وجودها عنده أصلاً.أما إذا جاءه أحد سرا وأعطاه السعر الذي يريده قدم له السلعة فورًا فإن مثل هذا المال ونقمة عليه.يقال إن شخصًا جشعًا كانت عنده دجاجة تبيض بيضة من ذهب كل يوم، فطمع أن تبيض له أكثر من ذلك، ففكر أنه لو أطعمها أكثر فلربما تبيض بيضتين يوميًا، فبدأ يفتح فمها ويطعمها أكثر من حاجتها، فمرضت وماتت، فحرم حتى من البيضة الواحدة.هذا مثل الرابحين بطرق غير مشروعة.إنهم يجمعون الأموال بلا شك، ولكنهم يذوقون وبال أمرهم في نهاية المطاف بطريق أو آخر.فالخسارة العاجلة التي تصيب البائع الغشاش هي أنه لو أعطى الزبون شيئًا أقل من الوزن اللازم فوزنه الزبون في بيته ووجده أقل من الوزن فلن يشتري منه بعد ذلك، يصبح عذابًا بل يشتري من محل آخر، وهكذا فإن هذا الغشاش يكسب جنيها ويخسر ألفًا.فالظن بأن المال يُكسب بالغش والخيانة فقط هو غاية الحمق.انظر إلى الصحابة رضي عنهم - الذين كانوا أمناء في أعمالهم وتجاراتهم دائما ولم يخسروا أبدا.فعندما تُوفي الصحابي عبد الرحمن بن عوف ه ترك وراءه ما يعادل الله
٢٩٦ سورة الشعراء الجزء السابع عشرين مليون روبية في ذلك الوقت، أي ما يعادل عشرين بليون روبية اليوم، وذلك برغم أنه كان يُنفق كثيرًا في سبيل الدين.كذلك ورد في التاريخ أن صحابيًا عرض حصانه في السوق للبيع، وجعل سعره خمس مئة درهم.فأعجب حصانه صحابيًا آخر فأراد شراءه ولكنه قال لصاحبه: بل سأدفع ألفي درهم لا خمس مئة درهم ، لأن الحصان أصيل وثمنه ليس ما قدّرت فأخذ البائع يصر أنه لن يبيعه إلا بخمس مئة درهم، وظل المشتري يُلح بأنه سيدفع له له ألفي درهم لأنه عديم الخبرة بالخيول وأن حصانه أغلى مما يظن فكان الآخر يرد عليه : لن أقبل منك مالاً زائدا تريد أن تتصدق به علي، فإني أعلم حصاني جيدًا وليس ثمنه إلا خمس مئة درهم.انظروا كيف نرى في الدنيا اليوم ما هو عكس هذه الواقعة.كان المشتري حينذاك يزيد ثمن الشيء، أما اليوم فيبيع البائع بعشر جنيهات شيئًا ثمنه بضعة قروش فعلى المشتري ألا يحاول إلحاق الخسارة بالبائع وعلى البائع ألا يغش فيبيع المشتري شيئًا رديئًا، أو ينقص له الميزان أو الكيل.بعد أن نصح شعيب اللي قومه بالأمانة في تجارتهم قال: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مفسدين.ويتبين من هذا أن القوم كانت تكثر فيهم حالات القتل والاغتيال والسطو على أموال الناس كانت بلادهم تقع على الطرق المؤدية إلى الشام ومصر، وكانت القوافل تمر بالقرب منهم، فيبدو أن هؤلاء كانوا ينهبون المسافرين ويقتلون بعضهم.ويدعم هذا القياس أنهم يُسمون أصحاب الأيكة"..أي كانت بأرضهم غابة كبيرة يكثر فيها شجر "السدر" و"الأراك"، ويسهل نهب المسافرين في مثل هذه الغابة لأنها تهيئ كمينا سهلاً للصعاليك.فنصحهم شعيب ال بالأمانة في معاملاتهم وتجاراتهم والامتناع عن السرقة والسطو والنهب.وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ شرح الكلمات: الجبلة: قال الإمام الراغب : قيل للجماعة العظيمة جبل (المفردات).فالمراد من الجبلةَ الأَوَّلين: الجماعات السابقة.
الجزء السابع التي.۲۹۷ سورة الشعراء التفسير وأضاف شعيب وقال عليكم أن تخشوا الله الله الذي خلقكم والفئات خلت من قبلكم..أي كيف تعملون هذه السيئات وتفتخرون بها؟ ألم تعلموا أن هذه المنكرات هي التي أدت إلى دمار الأمة التي كانت قبلكم، فلم لا تعتبرون بهلاكهم، ولم لا تفكرون في أسباب زوالهم، فتغيّروا ما بأنفسكم؟ الواقع أن الشعوب تتقدم في الدنيا ،وتهلك وهذه الظاهرة مستمرة منذ بدايـــة العالم.فإن التاريخ شاهد على رُقي آلاف الشعوب ودمار آلاف الشعوب أيضًا.والواقع أن ما سجله التاريخ لا يساوي عُشر ما وقع من أحــداث منذ بدايــــة الإنسانية، ذلك لأن الإنسان موجود ما قبل التاريخ بوقت طويل.كما أن الأحداث التي وقعت في العصر الذي يسمى "ما قبل التاريخ" أيضًا لم يبق معظمها محفوظًا.وقد عاشت آلاف الشعوب في العصر ذي التاريخ المحفوظ وفي العصر غير محفوظ التاريخ، وازدهرت وبلغت أوج الرقي، ثم أصابها الانحطاط فهلكــــت وبادت.وهذه حقيقة لا يسع إنكارها وبتعبير آخر فكما أننا لا يسعنا إنكار حياة الإنسان وموته كذلك لا يمكننا إنكار حياة الأمم وموتها.ولكن الغريب أن الإنسان كما يشاهد موت الناس كل يوم ومع ذلك ينسى موته، كذلك فإن الشعوب تشاهد زوال الأمم الأخرى ومع ذلك لا تعتبر به.لقد تحدث القرآن الكريم عن هذا الأمر حديثا مفصلاً، إذ تجده مليئًا بأسرار رقي الشعوب بدءا بدءًا من من سورة "الفاتحة" إلى سورة "الناس".لا شك أن الله تعالى قد بين في القرآن الكريم كثيرًا من المواضيع الأخرى من قضايا عقلية وعلمية وروحانية ومادية واقتصادية وسياسية، ولكنه قد بين في سورة الفاتحة نفسها كل ما يتعلق برقي الأمم وانحطاطها، وستجد أنه تعالى قد بدأ فيها هذا الموضوع وختمه أيضًا بأسلوب رائع.والحق أن مثال سورة الفاتحة كمثال عيون صغيرة تتحول في نهاية المطاف إلى نهر عظيم ذلك أن الإنسان القصير النظر حينما يرى النهر ينبع من عين
الجزء السابع ۲۹۸ سورة الشعراء ماء يظن أنه جدول صغير سيجف وينتهي بعد مئة متر أو أكثر قليلاً، ذلك لأنه لا ينظر إلا إلى ذلك الجدول الصغير الذي ينبع من العين، والذي يمكن أن يعبره بقفزة واحدة، ولكنه عندما يمشي مع الجدول تأخذه الحيرة حينما يرى بعد قليل أنه قد أصبح كبيرًا، وعندما يتقدم أكثر يأخذه العجب أكثر، حيث يرى أن الجدول الكبير معه أصبح نهرا، وحينما يمشي أكثر يُصاب بالذهول إذ يرى أن ذلك الجدول الصغير الذي كان قد نبع من العين الهادئة والذي كان يعبره بقفزة واحدة قد تحول إلى نهر عظيم.فمثلاً إن نهر "جهلُم" الذي يصبح نهرًا كبيرًا حين يدخل في منطقة "البنجاب"، '، منبعه صغير جدا لا يتجاوز بضعة أقدام، ومن ينظر إلى منبعه لا يمكن أن يُصدق أن هذا الجدول الصغير النابع من تلك العين سوف يتحول نهرا عظيمًا يسقي مئات الآلاف من الفدانات في منطقة البنجاب، وأن الناس سيعبرونه في القوارب مسافات شاسعة.هذا هو مثال سورة الفاتحة، حيث تبدأ كجدول صغير نابع من عين هادئة، ولكنها تتحول إلى نهر عظيم في نهاية المطاف.فإن الموضوع الذي ابتدأ بقول الله تعالى: (الْحَمْدُ لله كجدول صغير نابع من عين ماء قد أصبح عند قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ واضحًا وضوح النهر العظيم.وبوسع كل إنسان لم يفقد البصيرة الروحانية أن يدرك بسهولة أن الله تعالى قد بين في هذه السورة الوجيزة كل ما يتعلق برقي الأمم وزوالها بيانًا واضحًا.فقد تناول في قوله الله اهدنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ موضوع رُقي الأمم، حيث علمنا أن نسأله تعالى الهداية إلى الطريق الذي إذا سرنا فيه فزنا بنعمه، وأن يجعلنا من الذين تقدموا وارتقوا، أما قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ..فبين فيه أن كل أمة حققت الرقي تردّت في النهاية وهلكت.بيد أن الله الله قد علمنا في هذا الدعاء نفسه طريقًا نتجنب به الانحطاط والتردي.لا شك أن الله الله هو أعلم بأحداث المستقبل، ولكنني أرى أنه قد نبه المسلمين بهذا الدعاء أنهم إذا تصرفوا بحذر وتعقل فيستطيعون أن يتجنبوا التردي والانحطاط.والحق أن المسلمين لم ينجوا من التردي في العصور الماضية لأنهم نسوا هذا التحذير.بيد أن الله قد بشرنا بنشأة ثانية للإسلام أيضًا، وعصرها
۲۹۹ الجزء السابع سورة الشعراء يبدأ ببعثة المسيح الموعود ال، فبإمكان الأمة الإسلامية أن تعمل بحسب دعاء: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ فتتجنب الضلال وتعيش فترة أطول من الأمم الأخرى.علما أن الدعاء الذي يعلمه الله الله عباده لا يضيع أبدًا إذا عملوا بحسبه، لأنه يتضمن وعدًا منه تعالى بأنه سيعطيهم ما يسألونه حتما، إذ لا يليق بعظمة الله له الا الله أبدًا أن يُعلم عباده دعاء ثم لا يستجب لهم إذا قاموا به.بل دعك من وعد الله تعالى فإنه شيء عظيم، إذ إننا نرى أن ما يعد به بعض من الناس أيضًا يكتسب أهمية كبيرة.فلو وعدك الملك أو الحاكم أو الوالي أو المسؤول الكبير بشيء فرحت فرحة كبيرة، موقنا بأنه لن يخلف وعده ، مع أن الأمر الواقع أن هؤلاء الذين وعدوك قد يموتون قبل إيفائهم الوعد، وقد يقولون لك إنهم لا يستطيعون الآن إيفاء وعدهم، ومن الممكن أن يفقدوا سلطتهم فلا يعودوا قادرين على إيفاء ما وعدوك به ومن الممكن أن يتم ترحيلهم إلى منطقة أو دائرة حكومية أخرى.ولكن الله أزلي وأبدي لا يموت ولا يتغير ولا تُسلب قدرته ولا سلطته؛ لذا فعلينا أن نكون أكثر ثقة بوعده تعالى ممن يثق بوعود الملوك والحكام، فلا نشك أبدًا في إيفاء الله الله بوعده.فما دام الله تعالى هو الذي قد علمنا هذا الدعاء فهو يتضمن وعدا ربانيًا بأنه تعالى سيُؤخر عن المسلمين ببركة هذا الدعاء ما أصاب الأمم السابقة بعد رقيها من زوال و انحطاط، وسوف يُطيل فترة رقيهم وازدهارهم.كان الخليفة الأول للمسيح الموعود الله يقول إن أحد أولياء الله تعالى كان يقوم باستدلال عجيب من حركتي المدة والشدّة الواردتين في قوله تعالى: ﴿ولا الضَّالِّين، فكان يقول أن فيهما إشارة إلى طول فترة رقي المسيحيين.(حقائق الفرقان: تفسير سورة الفاتحة ص ٢٢) ولكني أقول إن قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يتضمن أمرًا أعظم مما ذكره هذا الولي، وهو أن الله تعالى إذا كان لا يريد تحقيق هذا الدعاء في حق المسلمين فلماذا حثهم على القيام به أصلا؟ فما دام اسال الله قد أمرنا أن ندعوه بهذا الدعاء مرة بعد أخرى فهذا دليل على أنه سيستجيبه لنا حتما.وكان المسيح الموعود اللي يقول دائما إذا كان من المستحيل وجود قوم يكونون مصداقا لقوله
الجزء السابع سورة الشعراء تعالى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ في الأمة فلماذا علم الله المسلمين هذا الدعاء أصلاً؟ كذلك أقول إذا كان الله الله لا يُريد إنقاذ المسلمين من الزوال والهلاك فلماذا علمهم دعاء: غَيْر الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ.فكما أنه تعالى علمنا دعاء: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيم ليخبرنا أنه يريد أن يخلق في الأمة فئة تكون مصداقًا لقوله تعالى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، كذلك فإنه تعالى لم يعلم المسلمين دعاء: الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ إلا ليؤكد أنهم إذا عملوا لن يدعهم الله تعالى ليكونوا من الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.فإذا كانت المدة والشدة في كلمة الضَّالِّين تشيران إلى طول فترة رقي المسيحيين، فمن باب أولى أن يتضمن قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) وعدًا منه أنه سيجعل فترة رقي لا شك أنه المسلمين أطول من فترة رقي المسيحيين، ويُنجيهم من أن يكونوا من الضالين.يتضح من الأحاديث أنه عند قرب القيامة لن يبقى في الدنيا إلا أشرار الناس (البخاري، كتاب الفتن، باب ظهور الفتن، ومسلم، كتاب الإمارة، باب لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق...سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء)، ولكن من ذا الذي يمكنه تحديد زمن قرب القيامة؟ إنما علمها عند الله الا الله خاصة وأن القرآن الكريم يخبرنا أن بعض أيام الله الا الله يساوي ألف سنة، بل خمسين ألف سنة أيضًا (السجدة: ٦ ، والمعارج:٥).وهكذا لو قلنا إن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وكان كل يوم منها يعادل ألف سنة، فتصبح هذه الفترة سبعة ملايين سنة، أما إذا كان كل يوم منها يعادل خمسين ألف سنة فيصبح عمر الدنيا ثلاثمئة وخمسين مليون سنة، بل يمكن أن يكون يوم الله تعالى أطول من هذا أيضًا.إذا فليس بوسعنا تحديد الدنيا، وإنما نؤمن أن هذا الزمن هو الزمن الأخير، وأما تحديده فهذا متروك لعلم الله والحق أن نقاشات الناس حول ذلك مجرد فلسفة، والنقاشات الفلسفية تكون بدون طائل دائمًا، إذ كل ما ورد عن الزمن الأخير إنما هو من قبيل الاستعارات التي يجب أن نترك تفاصيلها الله الله المهم أن الله قد أخبرنا في سورة الفاتحة أنكم مهما أحرزتم من الرقي كأمة فعليكم أن تضعوا في الحسبان دائما أن قدمكم لو زلّت قليلاً لأصبحتم من عمر
سورة الشعراء الجزء السابع المغضوب عليهم أو الضالين، وإذا أمسكتم بالله بقوة ودعوتموه باستمرار بأن يُثبت أقدامكم على الصراط المستقيم فسوف يشملكم بفضله ويحميكم من الزوال والدمار.والواقع أن شعيبا ال قد لفت أنظار قومه إلى هذه الحقيقة نفسها، فذكرهم وقال ألم تروا كم من قوم خلوا من قبلكم وكانوا أقوى الأمم في عصرهم ولكنهم الله الله فأهلكوا ودمروا، فلمَ لا تتقون الله تعالى في حياتكم التي هي أيام معدودة؟ ولم تلجأون إلى حيل وتدابير غير مشروعة من أجل المتع المادية الفانية؟ عصوا قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَخَّرِينَ (3) وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ١٨٦ وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَذِبِينَ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَا مِّنَ ۱۸۷ ۱۸۸ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّدِقِينَ (3) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ : فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ ۚ ۱۸۹ صلے عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةٌ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم ۱۹۰ مُؤْمِنِينَ ( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) ۱۹۱ شرح الكلمات : ) ۱۹۲ المسحَّرين: سحره: أعطاه السَّحور (الأقرب).وورد في "المفردات": "ستموا الغذاء سحرًا من حيث أنه يَدقُ ويلطف تأثيره." إذا فكلمة المسحَّرين تعني: الذين يتلقون الدعم والتشجيع من بعض الجهات.كِسَفًا: جمعُ كِسْفة: والكسفة القطعة هي من الشيء (الأقرب).
الجزء السابع ٣٠٢ سورة الشعراء الظُّلة: أوّلُ سحابة تُظلّ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّة سحابة أظلّتهم فلجأوا إلى ظلها فأطبقت عليهم وأهلكتهم (الأقرب).التفسير: فأجاب شعيبا العلا قومه أن تجاسرك علينا يدل على أن أحدًا يدعمك الكلمات، بالمال لتتآمر علينا وتقضي على قوتنا؛ ذلك أن التسحير يعني تقديم الطعام أيضا كما ذُكر في شرح وهو استعارة عن تقديم المساعدة.فالمراد من قولهم لشعيب ال: إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ أننا قوم تجار وأن منافسينا في التجارة يدعمونك بالمال كرشوة لتنهانا عن الطرق التي تزدهر بها تجارتنا.ثم قالوا لشعيب الله: وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، من الصادقين، ويعني إسقاط الكسف من السماء أن ينزل عليهم مطر شديد يدمر زروعهم وبساتينهم كلها.هذا هو المعيار الذي اقترحوه لمعرفة صدق شعيب ال فأجابهم أن ربي أعلم بأعمالكم وسيعاملكم كما يشاء.فأصروا على تكذيبه، حتى حل بهم ما اقترحوه وأخذهم عذاب يوم الظلّة، أي جاءهم الطوفان وهطلت أمطار غزيرة دمرت البلاد، فصار عذاب يوم مخيف.فجعل الله وعمل بلادهم آية باقية للأجيال التالية.وليكن معلومًا أن القرآن الكريم قد استعمل لهذا العذاب ثلاث كلمات: الصيحة) و(الرجفة والظلة، فقال الله تعالى في موضع: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ برَحْمَة منَّا وَأَخَذَت الَّذينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا في ديارهم حالمينَ) (هود: (٩٥)، وقال تعالى في موضع آخر: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ) (العنكبوت (۳۸).ولكن الله لم يصرح في هذين الموضعين أن العذاب الذي حل بهم كان زلزالاً أو آفة أخرى، بينما صرح هنا في سورة الشعراء بلفظ الظلة أن العذاب أظلهم على شكل مطر غزير مدمر، فأصبحوا ملتصقين بالأرض في بيوتهم.علما أن لفظ الصيحة يُطلق على العذاب وأيضًا على الدمار المفاجئ (الأقرب).وأما الرجفة فهي إشارة إلى ذلك المشهد المخيف المرجف للقلوب
٣٠٣ سورة الشعراء الجزء السابع الذي رأوه جراء سوء أعمالهم والذي هزّهم من أساسهم، حيث يُقال: "رجف الإنسان: لم يستقر الخوف عرَض له ؛ ورجَف الرعد: تردّدت هَدْهَدَتُه في السحاب" (الأقرب).وعليه فقد أشير بهذه الكلمات إلى مطر غزير مدمر سلب راحتهم، ودفعهم إلى عذاب مستمر لا مخرج لهم منه، حيث أصبح كل واحد منهم محصوراً في بيته حتى سقطت عليهم الجدران بسقوفها فأصبحوا في ديارهم جاثمين.ثم يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)..أي أن قليلاً من قوم شعیب آمنوا به بينما ظلت الأكثرية منهم محرومين من الإيمان.ولكن يا محمد ﷺ لا حاجة بك للقلق إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ...أي أن ربك الذي ربّاك حين كنت في غاية الضعف فبواك هذا المقام العظيم، لرب غالب ويرحم مرة بعد أخرى فبرغم أن الأكثرية من قوم موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب لم تؤمن بهم إلا أن الله تعالى سيعاملك معاملة خاصة، لكونك نبيًّا متميزا عن سائر الأنبياء؛ فلن يدع الأكثرية من قومك محرومين من الإيمان، بل سيدخل أكثرهم في كنف رحمته ويشرفهم بالإيمان بك، رغم عدائهم الشديد حاليا.هذه هي الحكمة وراء تكرار قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ في هذه السورة، حيث أشار الله تعالى بتكرار كلمة ربك هنا إلى ربوبيته غير العادية التي شملت النبي دائما ، فبين تعالى لنبيه أن يتذكر كيف قد رباه في كنفه منذ الطفولة عند كل خطوة حتى بوأه هذه المكانة الرفيعة، فكيف يمكن أن يخذله بعد ذلك؟ كلا، بل سيجعله ممتازاً على غيره من الأنبياء في مجال رسالته وهدايته أيضًا، مؤكدًا فضله على الجميع.والواقع أن الله الله قد قام بتربية النبي ﷺ بشكل غير عادي، ورفعه من حالة متواضعة جدا خطوةً خطوة، حتى بلغ به أرفع مقام وأعلاه، مما لا نجد نظيره في حياة أي نبي جاء إلى الدنيا.لقد أصبح النبي ﷺ يتيما وهو طفل صغير، إذ تُوفي أبوه قبل ولادته ، وتوفيت أمه بعد ولادته ببضع سنوات.فتربى في كنف جده عبد المطلب بعض الوقت ولما توفي جده تكفله عمه أبو طالب.ولا شك أنه بغاية الحب والعطف، وقام بجنبه وسانده في كل موطن حرج، ولكن هناك تبلیغ ربی النبي
سورة الشعراء الجزء السابع ٣٠٤ واقعة في حياة النبي الله ينفطر لها قلبي ويضطرب دائما ورد في السيرة أنه كلما توزع الطعام كان أولادها يتشاجرون للحصول على كانت زوجة عم الطعام، أما النبي النبي فكان يجلس صامتًا، وإذا أعطته شيئًا أخذه، ولكنه لم يسألها شيئًا أبدًا (السيرة الحلبية: المجلد الأول ١١٦ ذكر وفاة عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب).ص وإن هذه الواقعة تُقدم عادة كدليل على وقاره ورزانته ، ولكني كلما أقرأها تستولي علي الرقة المتناهية.ذلك لأن تلك الفترة من عمر النبي ﷺ لم تكن فترة نبوته بل كانت زمن طفولته وربما لم يتجاوز عمره عندها ثمانية أو تسعة أعوام، وليس ضروريًا أن نثبت عن طفل في مثل عمره أنه وقور رزين، وإن كان هذا الطفل سيصبح في المستقبل نبيًا؛ فإن النبي ﷺ نفسه يقول: "الصبي صبي ولو كان نبيًّا.ولذلك كلما أقرأ هذه الواقعة يُصيبني اضطراب شديد، إذ كان النبي ﷺ يدرك نتيجة ذكائه، رغم طفولته، أنه لا يحق له بمطالبة شيء من أهل ذلك البيت، بل إن عمّه وزوجته قد أحسنا إليه إذ أسكناه في بيتهما حبًّا وعطفا.علما أن بعض الأولاد غير الأذكياء لا يفرّقون كثيرًا بين الأم وزوجة العم، فيضايقون أزواج أعمامهم من أجل الطعام كما يضايقون أمهاتهم ، ولكن هذا لا يرجع إلى حبّهم لهن وإنما إلى قلة ذكائهم كما قلتُ.المهم أني لا أستطيع أن أمر بهذه الواقعة من حياة العلي بدون أن تستولي علي الرقة المتناهية، فأفكر دائما عن المشاعر التي كانت تختلج في قلب النبي ﷺ عندها.كان عمه يحبه كحب الأب، فكلما كان يرجع إلى البيت يجده الله واقفا في زاوية من البيت، بينما كان الأولاد يتشاجرون من أجل الطعام وغيره، فمثلاً إذا كانت أمهم توزع عليهم الحلوى فكان الواحد منهم يقول: لن آخذ قطعة واحدة بل قطعتين، وكان الآخر يقول لها: لم تُعطيني إلا قليلا جدا، وهكذا كان كل واحد منهم يتدلل عليها ويطالب بأكثر فأكثر، فكان عمّ النبي يمسك بيده ويقول: تعال إلي يا بني لماذا أنت جالس هكذا؟ ثم يقدّمه إلى زوجته ويقول: تعال والتصق بامرأة عمك وتشاجر معها من أجل حقك، ولكن النبي لم يكن يلتصق بها ولا يسألها شيئًا.الحق أن تصرفه هذا كان نتيجة لتلك المشاعر التي أشرت إليها، حيث كان يرى أنه لا حق له على أهل هذا البيت وأن النبي
٣٠٥ سورة الشعراء الجزء السابع ما يعطونه إنما هو إحسان منهم.لقد انكشفت علي هذه الحقيقة حين توفيت زوجتي "سارة" بيغم"، وقد ذكرت هذا الأمر في مقال كتبته في نعيها وقد نُشر في جريدة الجماعة آنذاك.فذات مرة انكسر حذاء إحدى بناتي من "سارة" بعد وفاتها، وكنت أسكنتُها في بيت بعض الأقارب.فأمروا خادمًا لهم بإحضار حذاء للبنت من السوق.فلما أحضره كنت واقفا في ناحية من فناء البيت فرأيت أن الطفلة أخذت الحذاء في حضنها وأخذت تقفز فرحًا وتقول: آها! قد جاء حذائي، قد جاء حذائي.ثم تغير وجهها فجأة، فوضعت الحذاء على الأرض ووقفت في حيرة وقالت بشكل عفوي: يا الله ! لمَن أُري حذائي الآن؟ لقد ولدت هذه البنت عام ١٩٢٩م، وقد وقع هذا الحادث في عام ١٩٣٣..وهذا يعني أن هذه الكلمات قد خرجت من فمها وعمرها أربع سنوات فقط.فحيرني أمرها وقولها، وعندها انكشف علي السبب وراء جلوس النبي ﷺ في ناحية البيت صامتًا.هي جالسا في لا شك أن هذه العواطف والمشاعر تبعث على منتهى الاضطراب والحزن، ولكن المرء لو أنفد حياته بعد ذلك في سبيل الله تعالى لرفعته هذه المشاعر – التي مشاعر ضعف في الحقيقة من الثرى إلى الثريا.فإن هذا الطفل اليتيم الذي كان الأولاد يمرون بالقرب منه لاعبين راقصين، فيركب بعضهم على كتف أبيه ويلتصق بعضهم بأمه، ويقول بعضهم لها لن آخذ من الحلوى قطعة واحدة بل قطعتين، ويقول غيره لماذا أعطيته أكثر فأعطيني الآن مثله، بينما كان هو زاوية من البيت في صمت، ولا يفكر أن يأخذ كل الحلوى التي كانت زوجة عمه توزعها على أولادها بل لا يفكر أن يأخذ نصفها بل ربعها، بل عشرها، بل لا يبالي ما إذا كانت ستعطيه منها شيئًا أم لا، وإنما يقول في نفسه إنه لا نصيب له في هذه الأشياء لأنه إذا سأل فبأي حق يسأل، ومن ذا الذي يسأل؟ ولكن هذا الطفل اليتيم العديم الحيلة عندما تُوفّي بعد قضاء حياته كلها في سبيل الله تعالى أصبحت الدنيا كلها له ولم يعد لأحد سواه نصيب فيها، وليس هذا فحسب بل ناداه خالق السماوات والأرض قائلا: لولاك لما خلقتُ الأفلاك." (تفسير الألوسي، قوله تعالى: رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خَطَاباً)..أي يا محمد اذكر ذلك
٣٠٦ سورة الشعراء الجزء السابع الزمن الذي كنت تقول عندها في نفسك إنه لا حق لك في قطعة حلوى ولا كسرة خبز ولا قطعة لحم، فكنت تجلس في زاوية البيت وحيدا وتناجى نفسك قائلاً: إن الذين لي حق عليهم لم يعودوا في الدنيا، ولكنك يا محمد، لا تدري أننا كنا قد اتخذنا قرارًا حتى قبل خلق هذا الكون أننا سنخلق كل هذه السماوات والأرض من أجلك أنت، ولولاك لما خلقناها أبدًا.لا شك أن هذا الحديث إنما هو من طائفة الأحاديث التي قد رواها الصوفية فقط، ولا يعتبره المحدثون صحيحا، ولكن الوحي الذي نزل على المسيح الموعود اللي قد أكد صحته حيث أُوحي إليه أيضًا: لولاك لما خلقت الأفلاك" (التذكرة ص ٥٢٥ يوم ٤ مايو/أيار ١٩٠٦، وحقيقة الوحي، الخزائن الروحانية المجلد ۲۲ ص ۱۰۲).فشتان بين حالتي هذا الإنسان العظيم ، فإن اليتيم الذي كان يجلس في زاوية البيت معتبرًا أنه لا يوجد له أي قريب في الدنيا، والذي ولد في بيت فقير، والذي كان أنه لا حق له في كسرة خبز أو قطعة لحم في ذلك البيت، يدخل يوما مكة فاتحا، فيُعرض عليه جميع رؤسائها المجرمين فيسألهم أتعلمون ما أنا فاعل بكم؟ وكأن اليتيم الذي كانوا يرون أن لا حق له في خرقة من بيوتهم، قد أصبح كل ذرة من كيانهم في قبضته، فمثلوا أمامه مطأطئين رؤوسهم وأجابوه: افعل بنا ما فعل يوسف بإخوته.إذًا فذلك اليتيم الذي لم يحسن إليه أهل الدنيا، والذي أصبح بينهم وحيدا لا قريب له منهم، وفقيرًا لا حق له عليهم، عندما أعطاه الله القوة قال لهم: "لا تثريب عليكم اليوم".یری فاليتيم الذي كان يجلس صامتًا في ناحية البيت قبل وفاته بحوالي ستين سنة، وكان لا يأخذ حقه ولا يلتصق بربة البيت كغيره من الأولاد ، معتبرا أن لا حق له على هذا البيت، قد غير الله الله حال ذلك اليتيم العديم الحيلة رأسًا على عقب، حيث صار عونًا وسندا للدنيا كلها وأصبح بمنزلة الأم للإنسانية كلها.إن ذلك * انظر الهامش على صفحة ١٧٥.(المترجم)
۳۰۷ سورة الشعراء الجزء السابع الطفل اليتيم الذي كان يوما بدون أب وأم قد أصبح أبا وأما للدنيا كلها، وليس هذا فحسب بل إن أزواجه أيضا أصبحن أمهات للمؤمنين.فلم تعد هذه الأبوة منحصرة فيه، بل تعدت إلى الآخرين وأرست في العالم عظمة القوم الذين كانوا على صلة معه.= به إذًا، فإن الله تعالى قد أشار بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ إلى ما أنعم على محمد ﷺ من منن عظيمة، مؤكدًا له أن الذي منحه هذا الرقي العظيم لن يضيعه في المستقبل أيضا، بل سيحقق له كل ما تمناه، وسيكتب له الفتح والغلبة على الدنيا كلها ولن تكون غلبة محدودة في زمن معين، بل سيكتبها له مرة بعد أخرى، لأنه رحيم يرحم مرة بعد أخرى.بتعبير آخر، عندما تخيم الظلمة على الدنيا سيرى الناس أن شمس صدق محمد رسول الله ﷺ قد أشرقت على الدنيا بكل ضيائها وبهائها ثانية.وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (5) ۱۹۳ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَن مُبِينٍ ۱۹۵ ١٩٤ ١٩٦ وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ وَايَةٌ أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَلُواْ بَنِي إِسْرَاءِيلَ ) ۱۹۸ ۱۹۷ شرح الكلمات : زُبر : الزبر : جمع الزَّبور وهو الكتاب (الأقرب).التفسير: بعد الحديث عن موسى وإبراهيم ونوح وغيرهم من الأنبياء المبعوثين إلى أقوام معينة، والذين كان الوحي النازل عليهم خاصًا لهداية أممهم فقط، يُخبر الله تعالى أن وحيه الذي أنزله على محمد و هو للإنسانية جمعاء، وبينما السابق دليلاً على ربوبية الله تعالى فقط، فإن وحيه الجديد دليل على ربوبيته للعالمين كان وحيه
الجزء السابع سورة الشعراء جميعًا.وقد نزل بهذا الوحي الروح الأمين، ذلك لأن وحي الأنبياء السابقين قد تعرض لأنواع الفساد وقد قصّر العباد في حفظه وحمايته، فأنزل الله تعالى هذا أن الوحي على محمد ﷺ محفوظا بواسطة الروح الذي هو أمين.وبما أنه لا بد من يبلغ الوحي بطريق سليم إلى صاحبه حتى يفهمه جيدًا، فقد أنزله الله تعالى على قلب محمد ﷺ ثم إن هذا الوحي مذكور في كتب الأولين، بمعنى أن جذوره وأصوله موجودة في تلك الكتب كما أن الأنباء عن نزوله موجودة في تلك الصحف.واعلم أن من أعظم ما يمتاز به القرآن الكريم عن سائر الصحف أنه يعرض على الدنيا فكرة رب العالمين.والحق أن فكرة رب العالمين لم تكن موجودة في الدنيا قبل القرآن بصورتها الواضحة.لا شك أن الناس كانوا يؤمنون بأن هناك إلها هو خالق هذا الكون ومالكه ولكن تصورهم عن الإله كان محدودًا؛ ذلك لأن تعاليم الديانات السابقة كانت مختصة بأقوامها فقط، كما أن المشركين على وجه الخصوص كانوا يقدمون آلهة خاصة بهم فقط، ولذلك تجد فرعون أيضا يقول لموسى العلي أثناء الحوار: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:٢٤).أي يا موسى من هو رب العالمين الذي تدعي أنه بعثك.ثم إن فرعون لما غرق قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا الَّذِي آمَنَتْ به بَنُو إِسْرَائِيلَ (يونس: (۹۱).أما القرآن الكريم فقدم فكرة رب العالمين بشكل واضح، وبالتالي قد أرسى دعائم اتحاد الشعوب، الأمر الذي كان محالاً من قبل نظراً إلى كون الشرائع السابقة مختصة ببعض الأمم.فإنك إذا طالعت وجدتها تقول: "مبارك الربُّ إلهُ إسرائيل الذي أرسلك" (صموئيل الأول ٢٥: التوراة ٣٢)، وتقول أيضًا "مبارك" الربُّ إلهُ إسرائيل من الأزل إلى الأبد" (أخبار الأيام الأول ١٦: (٣٦)، وتقول أيضًا: "مبارك الربُّ الله إله إسرائيل الصانع العجائب وحده" المزامير ۷۲ (۱۸ ولكن القرآن الكريم غيّر هذا التصور كلية، فعَرَضَ الله له على العالم كربِّ العالمين، مبينا أنه تعالى ليس ربا لبعض الأفراد والشعوب فحسب، بل هو رب كل مخلوق.فقد افتتح القرآن الكريم بقوله تعالى: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ..أي ليست بركات الله الذي هو رب العالمين مخصوصة بقوم دون قوم،
۳۰۹ الجزء السابع بل كما أن فيوضه المادية تصل إلى الجميع كذلك فإنه لم يحرم = أحدا سورة الشعراء من خلقه من فيوضه الروحانية.وقد حيرت هذه النظرية القرآنية الكافرين جدا حتى قالوا: أجَعَلَ الآلهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) (ص:(٦)..أي هل قام بخلط الآلهة الكثيرة وجعل منها إلهاً واحدا؟ إذ كان من المستحيل عليهم أن يتصوروا أن هناك في الحقيقة إلها واحدًا فقط، وأن كل من سواه من آلهة فهى باطلة زائفة ذلك لأنهم كانوا يسمعون من اليهود والنصارى أن إلهنا غير إلهكم.إذا، فكانت عقيدة التوحيد تُعرض عليهم من قبل تلك الأمم ولكنهم كانوا لا يفهمون منها أن إله الجميع إله واحد، بل كانوا يظنون أنه إذا كان هناك إله واحد فإنه إله بني إسرائيل أو المسيحيين فقط، وإذا كان هذا صحيحًا فلم يبق لهم أي إله! فجاء الإسلام وبين أن للمؤمن والكافر جميعًا إلها واحدًا وليس هناك إله سواه.وهذه الرسالة الواضحة كانت غريبة للدنيا.لقد عُرضت هذه الرسالة الغريبة على الدنيا بواسطة محمد الذي كانت بعثته أيضا غريبة، حيث بعث إلى الدنيا كلها، بينما كان الأنبياء السابقون مبعوثين إلى أممهم الخاصة فقط لقد تم إرساء نظرية رَبِّ الْعَالَمينَ في الدنيا بواسطة محمد مع أنه قد ولد في بلد منعزل عن باقي العالم، إذ لم تكن للعرب صلات وطيدة بباقي العالم، بل كانت دنياهم منعزلة منحصرة في الجزيرة العربية فقط.وإذا كانت لديهم أي فكرة عن باقي الشعوب فهي فكرة الكراهية فقط.كان العرب متكبرين حتى كانوا يعتبرون أنفسهم أفضل من أي شعب آخر، وإن كانوا يدينون للإمبراطورية الرومانية والفارسية بالسيادة السياسية، فكانوا يفدون إلى بلاطهم ويقدمون لهم التبجيل والاحترام، ليعطوهم شيئا.وهذا يعني أن الرومان والفرس كانوا يحتقرون العرب من الناحية السياسية، بينما كان العرب يحتقرونهم وباقي العالم من الناحية القومية.إذًا، فكانت هناك أمور عديدة، فأولاً ما كانت العرب تعترف بأن الدنيا موحدة جغرافيا وقوميا، وثانيًا كان عدد الذين يذهبون منهم إلى بلاط الرومان والفرس قليلاً جدًا، حيث لم يخرج الآخرون عن ديارهم أبعد من مئة ميل.وعلى النقيض كان بنو إسرائيل شعبًا متقدمًا حيث كانوا يعيشون في مصر تحت حكم المصريين الذين كانوا يحكمون بأنفسهم بلادهم التي كانت أكثر بلدان
اختلطتا، يعني أنه ۳۱۰ سورة الشعراء موسی الجزء السابع العالم حضارة وكانت سفنهم تصل إلى بلاد إفريقيا وأوروبا والهند وغيرها، وكانت لهم صلات سياسية وحضارية مع باقي العالم.والحق أن مصر كانت يومئذ متقدمة سياسيا وحضاريا كما هى إنجلترا في هذا العصر.لقد تقدمت إنجلترا اليوم سياسيًا وحضاريًا بحيث من المحال أن يظل سكانها جاهلين بما يجري في العالم، بينما يجهل سكان أفغانستان أحوال العالم لأن بلادهم متخلفة جدًا سياسيا وحضاريا.فكانت الجزيرة العربية إزاء مصر كأفغانستان إزاء إنجلترا اليوم.وبرغم أن العليا كان يعيش في ظل الدولة المصرية المتحضرة إلا أنه لم يعرض على الناس إلا تصور "إله بني إسرائيل"، حيث ورد في التوراة مرارا وتكرارا: "إله بني إسرائيل يقول كذا"، و"إله بني إسرائيل يأمر بكذا.أما المسيح العليا فقد بعث في زمن كانت الحضارة والمدنية قد انتشرت على نطاق واسع، وكانت أوروبا وآسيا قد ومع ذلك أعلن أنه لم يُرسل إلا لجمع خراف بني إسرائيل الضالة.وهذا لم يستطع أن يخرج عن تصور الإله القومي رغم اتحاد العالم في ذلك الوقت.لا شك أن المسيح الله لم يكن يؤمن أن باقي الناس ليسوا خلق الله تعالى، ولم يعتقد أن الله تعالى هو إله بني إسرائيل فقط، كلا بل كان اللي يؤمن الناس من خلق الله تعالى، وأنه تعالى هو إلههم كما هو إله بني إسرائيل، ومع قدّم نفس النظرية الموسوية وقال إن الله أب لبني إسرائيل، وأما باقي الشعوب فهم بمثابة أولاد من أب آخر (متى ١٥: (۲۰-۲۶.وعلى النقيض نجد النبي قد ولد في بلد منعزل عن باقي العالم ومتخلف حضاريًا ومدنيًا، ومع ذلك عرض على العالم، ولأول مرة في تاريخ البشرية، نظرية تقول بأن الشعوب كلها هي خلق الله تعالى، وأنه تعالى إله كل قوم وشعب.لقد أعلن النبي ﷺ أنني عربي مولدا بلا شك، والعرب هم الذين أوجه إليهم الخطاب أوّلاً، ولكنني لم أبعث لهدايتهم والنهوض بهم وحدهم، إنما بُعثتُ إلى الأسود والأحمر" (مسند أحمد: مسند جابر بن عبد الله..أي لقد أُرسلتُ إلى الصينيين والأفارقة والإنجليز والأمريكان والهنود واليابانيين كلهم، وحياتي منذورة لخير شعوب الدنيا جمعاء.لقد عاش موسى ال من أجل بني إسرائيل فحسب، وقد عاش عيسى الله من أجل قومه فقط، وقد عاش أن سائر ذلك
۳۱۱ سورة الشعراء الجزء السابع إبراهيم العل من أجل أهل فلسطين فقط، وقد عاش نوح اللة لأجل أهل العراق " فقط، وقد عاش "كرشنا" و"رام "تشندر من أجل أهل الهند فقط.لقد تعرض هؤلاء الأنبياء - عليهم السلام - لصنوف الأذى والتعذيب ولكن من أجل الإسرائيليين أو الفلسطينيين أو العراقيين أو الهنود فقط؛ أما رسول الله ﷺ فأمره الله تعالى أن يعلن: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ِللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ (الأنعام: ١٦٣)..أي إذا كنت أتحمل هذه الشدائد والآلام فليس لقومي العرب فقط.لا شك أنني قد ولدتُ بين العرب وهم أول من أخاطبهم ولكن الحق أنني أقاسي هذا الألم والأذى من أجل الإنسانية جمعاء، لأنني قد نذرت حياتي لله الذي هو رب العالمين، الذي يقوم بربوبية جميع المخلوقات فلست زعيما للعرب فحسب، بل أنا عبد الله الذي هو رب العالمين، وله وقفت حياتي كلها وما دام تعالى يقوم بربوبية العالمين كلها فكيف يمكنني - وأنا خادمه - أن أتحمل الأذى والألم من أجل شعب معين فحسب؟ كلا، بل أنا خادم الإنسانية جمعاء لأن ربي هو رب العالمين كلهم، وليس رب العرب أو رب بني إسرائيل فقط.ما دمتُ أؤمن برب العالمين فعلي أن أتحمل الآلام من أجل جميع مخلوقاته.ولذلك تكثر في تعاليم النبي ﷺ أقوال من قبيل: "لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي مسند أحمد: مسند الأنصار)، بينما نجد أن المسيح الله لما جاءته امرأة غريبة عن قومه وقالت: يا أستاذ، أعطني من الحق الذي جئت به لبني إسرائيل، فبدلاً من أن يتحمل الأذى من أجلها أجابها: " أنه "ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح "للكلاب" متى ١٥: ٢٦)..وهذا يعني اعتبر بني إسرائيل أبناء الله بينما اعتبر الشعوب الأخرى كالكلاب.وعلى النقيض نرى العجب في أوائل أيام الإسلام التي لم تكن أحكامه قد نزلت فيها بصورة كاملة، بل لم يكن جزء واحد من القرآن الكريم قد نزل بعد، حيث يأتي النبي ﷺ قوم ويسألونه أن يقرأ عليهم من تعاليمه ليهديهم ويرشدهم، وكان بعضهم من اليونان مثل سهيل، وبعضهم من الأحباش مثل بلال، وبعضهم من الفرس مثل سلمان، فلا يقول لهم النبي ﷺ: "ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب"، بل لم يفرّق بين هؤلاء القوم والعرب فقرأ عليهم من تعاليمه وليس
الجزء السابع ۳۱۲ سورة الشعراء هذا فحسب، بل كان هناك أخوان يجهلان اللغة العربية ومعلوماتهما ضئيلة جدًا إذ يعرفان شيئًا من الكتاب المقدس، وكانت مهنتهما الحدادة وكانا يطرقان الحديد، وكان النبي ﷺ يتوقف عندهما من شدة حبه لهما ويصغي لحديثهما، ثم يحاول أن يبلغهما ،دعوته ولكنهما كانا لا يفهمان لغته لأنهما من اليونان، فكان يشرح لهما مراده بالإشارات، فمثلا إذا ذكر اسم الله تعالى أشار إلى السماء، فاستأنسا وآمنا به في نهاية المطاف.(القرطبي) وكان هناك بلال الذي كان من الأحباش الذين كانوا يتخذون عبيدا، ولكن النبي ﷺ لم يكن من الذين يحتقرون شعبًا من الشعوب، بل كان ينظر إلى الجميع بأنهم خلق الله وسواسية عنده فكان يحب اليونان والأحباش كما أحب العرب وإن حبه لهم هو الذي جعل الشعوب الأخرى يحبونه حبا لم يكن كثير من العرب ليفهموا سببه.لقد ولد النبي ﷺ في مكة، وولد بين العرب، وكان من قبيلة قريش التي كانت تعتبر نفسها أفضل من جميع القبائل العربية، فما له وللأحباش؟ المفروض أن يحبه بنو هاشم أو قريش أو العرب، أما الشعوب الأخرى التي قد دمرت جيوشه دولها، والتي قضت الدولة الإسلامية على تفوقها القومي، فكيف يمكن أن تحبه و يا ترى؟ كان من المفروض أن تعادي هذه الشعوب النبي ، ولكنها قد أحبته الله حبًا جمًا.فبعد وفاة النبي بعدة سنوات اجتمع بعض المسلمين في دمشق وقالوا فيما بينهم: كان بلال له يؤذن في حياة النبي ، تعالوا نسمع منه الأذان مرة أخرى.وكان بلال قد انتقل بعد وفاة النبي ﷺ من المدينة إلى دمشق.فلما أعربوا له عن رغبتهم رفض وقال: لقد امتنعت عن رفع الأذان بعد وفاة النبي ، لأنني كلما أريد رفع الأذان تتراءى لي أيام عهد النبي ﷺ المباركة، فلا أتمالك نفسي.وكان عمر الله نازلا في دمشق في تلك الأيام، فالتمسوا إليه أن يأمر بلالاً برفع الأذان وقالوا بيننا قوم قد رأوا النبي ﷺ ويتلهفون لسماع أذان بلال مرة أخرى، وبيننا قوم آخرون لم يروا النبي وإنما سمعوا عنه فقط، وهم أن أيضا يتمنون يسمعوا الأذان من هذا الإنسان الذي كان النبي يسمع فدعاه عمر الله وقال: يا بلال، إن الناس يرجونك أن تؤذن من أجلهم.فقال: أمير أذانه.
الجزء السابع ۳۱۳ سورة الشعراء ختم المؤمنين، أنت خليفتنا فما دمت تريد أن أؤذن فلا خيار أمامي، ولكن قلبي لا يقدر على رفع الأذان.فقام بلال الله وأخذ يرفع الأذان كما كان يرفعه في عهد النبي فلما انطلق صوته في الجو تذكر الصحابة العرب العهد النبوي المبارك، ففاضت العيون بالدموع وانطلقت صرخات البكاء عالية، أما بلال الحبشي الذي كان العرب يسخرونه لخدمتهم، والذي لم تربطه بالعرب قرابة ولا أُخوّة، فما أن الأذان حتى سقط مغشيا عليه وفاضت روحه..لقد كانت شهادةً من قبل الشعوب غير العربية على صدق ما ادعاه النبي ﷺ بأنه لا فرق عنده بين عربي وعجمي.لقد كانت شهادةً من أجانب سمعوا من صوت النبي لولا الحنونة ورأوا من آثار صدق هذا الصوت ما ملأهم باليقين بأن شعوبهم أيضًا لا يمكن أن تحبهم كما أحبهم النبي.ثم إن الناس ينسون وقت موتهم آلام الآخرين لأن سكرات الموت تكون مؤلمة جدا، حيث تقول عائشة له إنها كانت تظن أن الذي يُقاسي الآلام وقت موته يكون شخصا ،آثما، ولكنها لما رأت النبي ﷺ وقت موته علمت أنها كانت على خطأ، إذ قاسى النبي ﷺ وقت موته آلاما شديدة (البخاري: كتاب المرضى، باب شدة المرض).والمرء عندما يحين موته يُوصي أعزته وأقاربه عادة بأمور دنياه، ولكنك ترى النبي أنه حين أصيب بمرض الموت ولم يقدر على المشي جاء يوما إلى المسجد مستندًا إلى بعض أصحابه، فجمع الناس وقال كل إنسان يوصي عند موته، وأنا أيضا أوصيكم وصية ألا وهي أن عبيدكم عباد الله مثلكم وإخوانكم، فعاملوهم بالحسنى دائمًا، ومن لم يستطع ذلك منكم فليعتق عبده، ومن أراد أن يستعين بعبده في عمل فليطعمه مما يطعم ويكسوه مما يلبس، ومن لم يستطع ذلك فلا حق له أن يبدو أنه قد حصل هنا سهو، لأن المصادر لا تذكر أن بلالاً الله أغمي عليه ومات بعد الأذان، بل ورد فيها ما يلي: "إنه أذن لعمر بن الخطاب لما دخل الشام مرةً واحدة، فلم يُرَ باكيا أكثر من ذلك اليوم." (أسد الغابة تحت بلال بن رباح) (المترجم)
الجزء السابع ٣١٤ سورة الشعراء يستعين به في خدمته.ثم قال النبي : يا أصحابي إن النساء هدف للظلم الشديد، فعاشروهن بالحسنى وأدوا حقوقهن ووجد عنده أمه إننا لا نعرف شيئًا عن أحوال الأنبياء السابقين وقت وفاتهم إلا المسيح الله، فعندما كان معلقا على الصليب – وإن لم يكن الوقت وقت موته فتح عينيه مريم تقف حزينة، فعلم أنها تخاف من موت ابنها على الصليب، ولن يكون هناك بعده من يرعاها، فتوجه المسيح ال إلى حواريه "توما" فقال له- وإن لم يستطع أن يكمل كلامه من شدة عواطفه - يا "توما"، هذه أمك، وقال لأمه: أيتها المرأة هذا ابنك أي أني أثق بـ "توما" وأجعله ابنا لك يا أمى، وهذه أمك يا "توما".لا شك أن هذه العاطفة التي تولدت في قلب المسيح عاطفة سامية للغاية، ولكن الذي ينسى عند وفاته جميع أعزته وأقاربه ويقضي آخر لحظاته في تذكر الضعفاء والمظلومين فما أعظمه حُبًّا وما أروعه عاطفة.فإن النبي لم يفكر عند موته إلا في المظلومين المقهورين المنبوذين الذين لا حول لهم ولا قوة، وليس ثمة من يرعاهم ويهتم بهم.أقرب رواية وجدناها بهذا المعنى تقول: "كان من آخر ما أوصى به رسول الله ﷺ أن قــــال: "اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم.أطعموهم مما تأكلون، وأن تكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون.فما أحببتم فأمسكوا وما كرهتم فبيعوا، ولا تعذبوا خلق الله، فإن الله ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم.(تخريج أحاديث الإحياء، للحافظ العراقي، المجلد الثـــاني الأخبار الواردة في حقوق المسلم على المسلم) عن كعب بن مالك قال : عهدي بنبيكم قبل وفاته بخمس ليال فسمعته يقول: لم يكن نبي إلا وله خليل من أمته وإن خليلي منكم أبو بكر بن أبي قحافة، وإن الله اتخذ صاحبكم خليلا، وإن مـــــن كان قبلكم اتخذوا قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد، ألا وإني أنهاكم عن ذلك ثلاث مرار.ثم أغمي عليه فأفاق فقال: اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ، أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم ممـــا تلبسون، وألينوا لهم في القول".(كنز العمال للعلامة المتقـ الهندي ج ١٢ رقم الحديث ٣٥٦٤١) (المترجم)
٣١٥ سورة الشعراء الجزء السابع ثم إن الكلمة التي جرت على لسانه وقت الوفاة هي: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (مسلم: كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور).كان اليهود والنصارى يؤمنون بالتوحيد في الظاهر، ولكن النبي ﷺ قد كره الذين كانوا يسجدون منهم للقبور.والحق أن النبي ﷺ كان يعني بقوله هذا: أيها المسلمون لا تتخذوا أحدًا رب العالمين، إذ ليس ثمة رب للعالمين إلا الله الواحد الذي هو مالك السموات والأرض.ثم عندما حانت وفاته جرت على لسانه الكلمة التالية: "اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى" (البخاري: كتاب المغازي، باب آخر ما تكلم به النبي.لا شك أن قد استعمل هنا لفظ "الرفيق"، ولكن كلمة "الأعلى" تدل على أنه يشير إلى رب العالمين، فكأنما أشار بلفظ "الرفيق" إلى علاقته بالله تعالى، وبلفظ "الأعلى" إلى كونه تعالى رب العالمين.النبي فثبت أن محمدا رسول الله الله هو الوحيد الذي أرسى في الدنيا تصور أرب العالمين في الحقيقة، وإلى الأمر نفسه تشير الآية قيد التفسير، حيث بين الله تعالى فيها أن الأنبياء السابقين كلهم قد جاءوا لهداية أقوامهم فقط، وكان الوحي النازل مختصا بقومهم وعصرهم، ولكن الوحي الذي نزل الآن قد نزل من رب العالمين ومن أجل الشعوب كلها والبلدان ،كلها والعصور والأزمان كلها إلى عليهم يوم القيامة.الله ومن أعظم مزايا هذا الوحي أنه نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ منَ الْمُنْذِرِينَ.يتباهى المسيحيون دائما أن روح القدس نزل على المسيح الله، والقرآن الكريم يعلن هنا أنه لم ينزل على محمد رسول الله ﷺ روح القدس فقط، بل قد نزل عليه الرُّوحُ الأمينُ).وقد ذكر نزول روح القدس على النبي في قوله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُس مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثبت الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل : ١٠٣).فمن الخطأ تماما القول أن روح القدس لم ينزل إلا على المسيح ال بل الحق أن الروح القدس قد نزل بالقرآن الكريم أيضا، وقد 6
٣١٦ سورة الشعراء الجزء السابع نزل على الأنبياء السابقين أيضًا.بل يعلن القرآن الكريم أن كل ملاك يكون مقدسًا ومعصوما، وبالتالي فكل ملاك ينزل بكلام الله الله يكون "روح القدس " في الواقع، إذ قد وصف الله تعالى ملائكته بقوله: لا يَعْصُونَ اللهُ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:۷).فلفظ الملاك نفسه يتضمن مفهوم روح القدس في الحقيقة.يعني الروح بيد أن القرآن الكريم يمتاز عن غيره من الكتب بكونه قد نـزل به الأمين على الرسول ، أي أنه قد نزل عليه ل بالقرآن ذلك الملاك الذي كان من واجبه أن يوصل القرآن إليه بشكل صحيح سليم.وهذا أن الله تعالى قد قام بحفظ القرآن الكريم من الجهتين، فأولاً لم يدع عند نزوله مجالاً للخطأ أو النسيان إذ نزل به الروح الأمين، وثانيا وعد بحفظ القرآن بعد نزوله حفظًا أبديًا حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ١٠).وكأن الله تعالى قام بحماية القرآن الكريم في الفترتين حالاً ومستقبلاً.ولكن ليس هناك وعد رباني بحماية الإنجيل في الفترتين، إذ لا توجد فيه فقرة واحدة تؤكد حفظ وحيه أثناء نزوله أو أثناء بقائه في ذاكرة المسيح العليا قبل أن ينتشر بين الناس، كما لا توجد فيه أي فقرة تدل على وعد إلهي بحفظ وحيه إلى يوم القيامة بعدما أملاه المسيح على أصحابه أو قرأه على الناس؛ فثبت من الإنجيل نفسه أنه لا يتمتع بحماية الله تعالى.أما القرآن الكريم فيتضمن الأدلة على حماية الله وعمل له حماية كاملة فالآية قيد التفسير تشير إلى حفظ القرآن بدءًا من نزول وحيه على القلب المطهر للنبي ﷺ إلى شيوعه بين الناس.أما الدليل على حفظ القرآن الكريم بعد شيوعه وانتشاره بين الناس فهو قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).مجمل القول إنما جيء هنا بكلمة الروح الأمين للإشارة إلى أن الله تعالى قد تولى حفظ هذا الوحي على وجه الخصوص كي يظل مصونًا من الفساد الذي قد تطرق إلى الصحف السابقة، وإلا فإن كل ملاك يكون أمينا.والواقع أن وصف الشيء بصفة معينة يكون إشارة إلى ظهور تلك الصفة فيه بوجه خاص، فعندما قيل
الجزء السابع ۳۱۷ سورة الشعراء إن هذا الوحي قد جاء به رُوحُ الْقُدُس فإنما أريد به التأكيد أن هذا الوحي متصف بالقداسة بوجه خاص، والحق أن هذه الصفة مشتركة في وحي جميع الأنبياء.ولكن لم يرد عن وحي أي نبي أن الروح الأمين قد نزل به، وإنما ورد عن القرآن الكريم فقط أن الروح الأمين جبريل اللي قد نزل به من عند الله الله على محمد ، ولذلك لم يُحفظ من بين جميع ما نزل من وحي الأنبياء إلا ما نزل على محمد ﷺ إذ تعرضت الصحف السابقة كلها للعبث والتحريف بأيدي الناس.الله على ثم يقول الله تعالى: (نَزَلَ به الرُّوحُ الأمينُ عَلَى قَلْبكَ...أي أن الروح الأمين مسؤول عن حفظ ما ينزل إليك من الوحي بدءا من نزوله إلى أن يسري في قلبك لكي تبلغه الناس على أحسن وجه واعلم أن نزول الوحي على القلب يعني أن الله تعالى كما يُنزل الوحي بكلماته فإنه يُقوّي قلب النبي أيضًا بنزوله، بمعنى أن الشخص الذي ينزل عليه الوحي يُمنح طهارة القلب والاستقامة والثبات، لكي ينجح في نشر الوحي وإقامته في العالم.إذا، فنـزول الوحي على القلب يعني أن صاحب الوحي لا يكون مجرد رسول فحسب، بل إن الوحي يسري في قلبه ويتغلغل حتى يصبح جزءا من كيانه.واقع الأمر أن هناك فرقا بين الوحي التشريعي وغير التشريعي أو الوحي الظلي، أن كل وحي تشريعي ينزل على قلب النبي أيضًا لكونه مأمورًا بأن يعلن وهو للناس: أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بما نزل علي من الوحي (الأعراف:١٤٤)، ولذلك ينزل على قلبه أيضًا ليقوي قلبه ويثبته.لقد أخطأ البعض وخاصة "البهائيون" في فهم هذه الآية، فظنوا أن كل فكرة تخطر بالقلب وحي.كلا، لأن القرآن الكريم والحديث الشريف يبينان أن الوحي ينزل على اللسان أيضًا، حيث يقول الله تعالى لرسوله : لا تُحَرِّك به لسَانَكَ لَتَعْجَلَ به (القيامة:١٧).والحق أن هذا النوع من الوحي يكون وحيًا مزدوجًا حيث ينزل على اللسان وعلى القلب أيضا.أما الذي ينزل على الآخرين فيكون وحيًا ظليًا وبروزيًا، ولا ينزل بالضرورة على القلب، بل ينزل حينًا على الأذن فيسمع صاحبه كلامًا ويقول: الوح وحي
وحي ۳۱۸ الجزء السابع سورة الشعراء لقد تلقيت وحيًا ،كذا، أو تجري كلمات على لسانه فيقول : لقد تلقيت وحيا كذا، أو يقول : قد جرى على لساني كلام كذا.أما الأنبياء المشرعون فوحيهم - وأحيانًا الأنبياء الظليين والبروزيين أيضًا - لا ينزل على الأذن واللسان فحسب بل ينزل في وقت واحد على الأذن أو اللسان والقلب، بل الحق أنه ينزل في وقت واحد على الثلاثة الأذن أو اللسان، والقلب والدماغ ومثاله قول الله تعالى في القرآن الكريم: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) فِي كِتَاب مَكنُون (الواقعة: ۷۸-۷۹)..أي أن هذا الوحي قد نزل على صورة القرآن الكريم من ناحية، ومن ناحية أخرى قد أُودع هذا الوحي في الفطرة الإنسانية أيضًا.قصارى القول إن وحي الأنبياء المشرعين ينزل على القلب أيضًا ويتغلغل فيه هي كما يدخل المسمار في الخشب، إضافة إلى نزوله على اللسان أو الأذن.هذه الحقيقة التي قد أشار الله تعالى هنا بقوله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمينُ عَلَى قَلْبكَ..أي بما أن هذا الوحى ينزل على قلبك فيغمرك باستقامة خارقة، حتى تقول لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك نشر وحدانية الله تعالى فلن أتخلى عن ذلك، لأن وحي الله تعالى ينزل على قلبي ولو لم ينزل على قلبي فربما رضيت بما تقولون ولكن لا مجال للاستجابة لما تطلبون لأن الله تعالى أنزل وحيه على قلبي، وثبت عقيدة التوحيد في فؤادي كمسمار حديدي.إذا، فإن الذين استنتجوا من هذه الآية أن كل ما يخطر ببال الإنسان من فكرة وخيال هو الوحي منخدعون في الواقع، لأن الله تعالى قد بين هنا أن الوحي ينـــزل على اللسان والأذن وعلى القلب أيضًا من أجل التوثيق والتأييد.أما "بهاء الله" فيعترف من ناحية أنه لا يتلقى وحيًا لفظيًا، ومن ناحية أخرى يعتبر ما يخطر بباله من خواطر وأفكار "وحيًا".ونفس الحال بالنسبة لـ "غاندي" حيث يسمي هو الآخر أفكاره "إلهاما" في بعض الأحيان.ولكن الوحي الذي يتحدث عنه القرآن الكريم ينزل بكلمات محددة متكررة مرة تلو المرة وتجري على القلب أيضًا بالإضافة إلى نزولها على اللسان والأذن، وتتكرر جملة واحدة منه مدة نصف ساعة في بعض الأحيان.
الجزء السابع أن ينخدع ۳۱۹ سورة الشعراء ولو أن القرآن الكريم اكتفى بقوله: نَزَلَ به الرُّوحُ الأمينُ عَلَى قَلْبكَ الجاز أحد ويقول أن القرآن يعتبر كل ما يختلج في قلب المرء من خواطر وأفكار وحيا.ولكن القرآن الكريم قد صرح في آيات أخرى أن الوحي النازل على الرسول ﷺ ينزل على لسانه وأذنه أيضًا ويكون بكلمات معينة.قال الله الله لا تُحَرِّك به لسَانَكَ لَتَعْجَلَ به إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ (القيامة :۱۷-۱۸).فهذه الآية تبين بوضوح أن الوحي كان ينزل على الرسول بسرعة كبيرة، فكان يحاول أن يردده بلسانه بسرعة ليضبط كلماته ويحفظها في ذاكرته حفظا تاما، فطمأنه الله وقال لا حاجة لهذا لأن الوحي النازل عليك وحي تشريعي، والوحي التشريعي لا يُنسى لأنه إذا نُسي أصبح الوحي المتلو ناقصا؛ فاعلم أن علينا الالالالة جمع هذا الوحي وقراءته على الدنيا أيضًا، فاقرأه بهدوء وراء قراءتنا إياه عليك.فهذه الآية نص صريح على أن القرآن الكريم لم يكن ينزل على قلب النبي ﷺ المطهر فقط، بل كان الله الا الله يقرئه إياه أيضًا على الدوام، ومن المحال أن يُقرئه الله وحيه ما لم يكن بكلمات معينة.ثم إن القرآن الكريم قد صرح في مكان آخر أن هذا الوحي كلام الله له وذلك دفعا للوسوسة القائلة بأن محمدا لله وقد اعتبر ما اختلج في قلبه من أفكار وحيا إلهيا.فإن لفظ "كلام الله" إشارة إلى أن ما في هذا الكتاب من بدايته إلى نهايته كله كلام الله لي وليس فيه كلمة واحدة هي من افتراء البشر، دعك عن أن يكون مما اختلج في قلبه من خواطر وأفكار.قال الله : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (التوبة: ٦)..أي لو أن أحدًا من المشركين الذين يحاربونك طلب منك الجوار والأمان فعليك أن تجيره ليسمع الكتاب الذي نزل عليك والذي هو كله كلام الله الا الله ، فإذا سمع كلام الله أراد العودة إلى قومه فعليك أن توصله إلى المكان الذي يأمن فيه من أي خطر.الله ،
الجزء السابع سورة الشعراء كذلك قال الله : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق (العلق : ٢-٣).فهذه الآية أيضًا تصرح أن آيات القرآن الكريم كانت تنزل على النبي لو بكلمات محددة معينة، فكان يقرأها بسهولة.ثم إن القرآن الكريم يقول: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، ويقول أيضًا: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ويقول: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، ويقول: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، وكل هذه الآيات تدل على أن وحي القرآن الكريم كان ينزل بكلمات معينة.كذلك ورد في الحديث أن النبي ﷺ قال إن الوحي ينزل عليه أحيانًا "كصلصلة الجرس".والبديهي أن صوت الجرس يُسمع بالأذن.وقال النبي ﷺ أيضًا: "وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول" (البخاري: كتاب الوحي، باب كيف كان بدء الوحي).فقد ثبت من ذلك كله أن وحي الله تعالى ينزل على اللسان والأذن والعين أيضًا، كما أنه ينزل على القلب أيضًا مما يجعل صاحبه أول المؤمنين به.وبما أن القلب منبع جميع العقائد والأفكار فبنـزول الوحي على القلب يصلُح كل شيء تلقائيا.باختصار، إن للوحي مراتب و درجات ووحي الأنبياء المشرعين لا يكون من نوع الوحي الذي ينزل على الأنبياء البروزيين والظليين.إن الأنبياء البروزيين والظليين يمكن أن ينسوا ،وحيهم ولكن الأنبياء المشرعين لا ينسون ما ينزل عليهم من وحي تشريعي لأنهم إذا نسوا الشرع هلكت أمتهم.كذلك لا يُنسى الذي ينزل على الأنبياء البروزيين والظليين ما يكون شرحًا وتوضيحًا الأنبياء المشرعين السابقين، أو يكون بيانًا لأمر روحاني خاص، لأن مثل هذا من الوحي لوحي الوحي أيضًا يخضع للقانون الخاص بالوحي التشريعي، لأن الناس بحاجة إلى مثل هذا الوحي أيضًا.لا شك أن الوحي العام أيضا يكون محفوظا، فمثلاً لو تلقى المرء وحيًا عن موت أحد وتفشي الطاعون، فلا بد من حفظه وحمايته لأن الأخبار الغيبية التي يُطلع عليها الله أحدا من عباده لو تم نسيانها كلها فبماذا يخبر الناس؟ ولكن مثل هذا الوحي لا يتمتع بنفس الحفظ والحماية التي يتمتع بها الوحي التشريعي الذي يُحفظ كل كلمة وحركة منه.
الجزء السابع ۳۲۱ من سورة الشعراء ثم يقول الله بعد ذلك: بلسان عربي مبين )..أي أن الله تعالى قد أنزل هذا الوحي بلسان يُبين مطالبه ومقاصده أيما بيان.والحق أن أسباب حفظ أن يوجد في الدنيا من يفهمه، وقد هيأ الله لهذا السبب للقرآن الكريم ليحفظه به، حيث أنزله الله تعالى بلسان يوضح مطالبه أيما مطالبه أيما إيضاح، كما يتضمن أدلة صدقه بجميع أنواعها.فقد قال الإمام الراغب في كتابه الشهير لشرح غريب الوحي مبين يعني القرآن الكريم "المفردات": "العربي: المفصح"، والإعراب: البيان".وعليه فقوله تعالى: بلسان عربي مبين )) عَرَبِي أنه تعالى أنزل وحيه التشريعي الأخير بلسان يوضح معارفه ومعانيه تماما ويفصل كل قضية تفصيلا، وليس هذا فحسب بل إنه مليء بالأدلة والبراهين أيضًا.وهذا يعني أن إعجاز القرآن لا يكمن في نـزوله باللغة العربية فحسب، بل في نزوله بلسان عربي مبين..أي بلغة قادرة على الإيضاح ومليئة بالأدلة والبراهين على صحة ما فيها من أحكام، حيث تبين لنا لماذا أعطانا الله تعالى هذه التعليمات، ولماذا أمر بالإيمان بالله وملائكته ورسله، ولماذا نهى عن الكذب ولماذا أمر بالصدق ومنع من الظلم ودعا إلى العدل والإنصاف فإن الكذاب يمكن أن يدعي بأي شيء، ولكنه لا يقدر على أن يأتي بدليل على صدق ما يدعي؟ أما هذا الوحي فلم ينزل بلسان عربي فحسب، بل هو مبين أيضًا، بمعنى أنه يوضح الكلام تمامًا ويسوق أدلة صحته أيضًا.ثم يقول الله : وَإِنَّهُ لَفي زُبُرِ الأَوَّلِينَ))..أي أن من فضائل القرآن الكريم أنه مذكور في صحف الأنبياء السابقين الذين أنبأوا صراحة بنزوله، بل أخبروا أن هذا الوحي سيُقرأ على الناس بلسان نبي عربي.وعلى سبيل المثال أنقل فيما يلي نبوءة النبي "إشعياء" الذي أنبأ في كتابه عن بعثة محمد رسول الله ﷺ قائلا: لمَنْ يعلم معرفة؟ ولمن يُفهم تعليمًا؟ اللمفطومين عن اللبن، للمفصولين عن التَّديّ؟ لأنه أمرٌ على أمر ، أمرٌ على أمر، فرض على فرض، فرض على فرض.هنا هناك قليل.إنه "بشفة الوحشي"* وبلسان آخر يكلم هذا الشعب الذين قال قليل، * هكذا ورد في النسخة الأردية بينما ورد في النسخة العربية: "بشفة لكناء." (المترجم)
الجزء السابع ۳۲۲ سورة الشعراء لهم: هذه هي الراحة، أريحوا الرازح، وهذا هو السكون.ولكن لم يشاءوا أن يسمعوا، فكان لهم قول الرب أمرًا على أمر أمرًا على أمر، فرضًا على فرض، فرضًا على فرض هنا قليلا هناك قليلا لكي يذهبوا ويسقطوا إلى الوراء، وينكسروا ويُصادوا فيُؤ خذوا" (إشعياء ۲۸: ۹-۱۳).فها هو النبي إشعياء الا يتنبأ هنا أن الله تعالى سينزل بعد انقضاء فترة من الزمان لبنا من السماء ثانية لإزالة جوع الناس وعطشهم، ولكن هذا اللبن سيُسقى لأمة ظل أفرادها مفصولين عن الثدي فترة طويلة، أي الذين طالت عليهم فترة انقطاع الوحي.ومن خصائص ذلك الوحي أن الله لن ينزله دفعة واحدة، ولا في مكان واحد أو مدينة واحدة بل سينزل حكمًا بعد حكم، وقانونا بعد قانون، وفي أماكن شتى، وسوف يكتمل هذا الدستور الرباني في مدة طويلة.ومن خصائص هذا الوحي الموعود أيضًا أنه سينزل بلغة أجنبية، وأن ذلك الرسول الكريم سيتكلم بشفة كشفة الوحشي.وكلمة "الوحشي" هنا إشارة إلى كون محمد رسول الله ﷺ نبيا عربيًا، لأن مصطلح "الوحشي" ورد في التوراة بمعنى العرب، ولذلك سُمي إسماعيل اللة في التوراة وحشيا التكوين ١٦: ١٢).والواقع أن هذه الكلمة قد استعملها بنو إسرائيل من جراء العصبية ضد العرب، فكان أن يستعملوا كلمة "العرب" لو خلوا من التعصب ولكنهم قاموا بترجمة كلمة "العرب" أولاً، ثم ترجموا الكلمة المترجمة أيضًا وحولوها إلى "الوحشي".ولقد اختاروا هذه الكلمة للعرب لأن مادة "ع رب تعني الإفصاح عما في الضمير على أحسن وجه، وقد سُمّي العرب عربا لشغفهم بالأدب وولوعهم بالكلام الفصيح البليغ.ولكنهم كانوا يعيشون في الخيام في البادية، فأطلق عليهم أعداؤهم تسمية "الوحشي".وقد استعملت نفس التسمية في التوراة أيضًا، ولذلك ورد في نبوءة إشعياء النبي إنه بشفة الوحشي ولسان آخر يكلم هذا الشعب".أي أنه سيُبعث بين العرب وسوف ينزل عليه كلام الله بلسان عربي.وللإشارة إلى الأمر الله بوسعهم
الجزء السابع ۳۲۳ سورة الشعراء نفسه قد قال القرآن الكريم: بلسَان عَرَبِيٌّ مُبين ) ، وقال يجب ألا يتردد هؤلاء في تصديق هذا الوحي لأن هناك نبوءات عن نزوله في كتب أنبيائهم.ثم يقول الله : أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةٌ أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ..أي أليس آية لهم أن علماء بني إسرائيل أيضًا يعلمون هذا القرآن بمعنى أن أنبياء بني إسرائيل الذين خلوا قبل محمد بأحقاب طويلة قد أنبأوا بنزول هذا القرآن، وقد تحققت أنباؤهم فيه الا الله والقرآن الكريم، أفلا تكفيهم هذه الآية للإيمان بالقرآن؟ وهذه الآية تُلقي الضوء على مسألة أخرى أيضًا، ذلك أن الله لا يقول في الآية التي قبلها: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ))..أي أن القرآن الكريم مذكور في الصحف السابقة.والمعروف أن الصحف إنما تنزل على الأنبياء، بينما تقول هذه الآية أو لم تكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل، فثبت من ذلك جليًا أن المراد من الأنبياء هنا أولئك القوم الذين نزلت عليهم تلك الزبر والصحف؛ وبما أن النبي ﷺ قال: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" (مكتوب الإمام الرباني، الدفتر الأول الجزء الرابع ص٣٣ المكتوب رقم ٢٣٤)، فنستطيع، بناء على هذه الآية، أن نقول بكل جزم ويقين أن هذا الحديث النبوي يعني "أنبياء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"..أي سيأتي في أمتي أنبياء من نوع الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل.بيد أن هذا لا يعني إمكانية مجيء نبي مشرع في أمة الرسول ﷺ ، ذلك لأن المشابهة قد تكون في كل الأمور وقد تكون في بعضها.وبما أن الله الله قد وعد في القرآن الكريم بحفظه دائما، فمن المحال أن ينزل بعده أي شرع جديد.إذا فلن يأتي في هذه الأمة إلا نبي ليس معه أي شرع جديد.والحديث يؤكد أن الرسول ﷺ قد سلّم بمجيء هذا النوع من الأنبياء في الأمة.ومن يرغب في المزيد من الاطلاع على هذه النبوءات فليرجع إلى تفسير قوله تعالى: وَآمِنُوا بمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لما مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِر به وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونَ (البقرة : ٤٢) في المجلد الأول من هذا التفسير.(المؤلف) بِهِ
٣٢٤ سورة الشعراء الجزء السابع وبوسع كل إنسان يتدبر هذه الآيات أن يدرك كيف أن الله الله قد تناول موضوع صدق القرآن وعظمته وضرورته بأسلوب شامل ورائع.فبين أولاً: أن هذا الكتاب قد أنزله الله الله، وثانيا: أنه قد نزل به جبريل ال؛ وثالثا: أنه قد نزل على قلب إنسان طاهر مقدس مثل محمد الله و رابعًا: أنه قد نزل لتحذير الضالين من الأخطار التي ستواجههم في حياتهم؛ وخامسا: أن لغته اللسان العربي المبين؛ وسادسًا: أن أنباء نزوله الموجودة في الصحف السابقة، أو أن هذا الكتاب يشبه الصحف السابقة في أحكامها الجوهرية، فإنكاره هو إنكار جميع الديانات وكافة الرسل في الحقيقة والإيمان به يمنح صاحبه جميع البركات والأنوار التي تمتع ببعضها بعض الشعوب في عصر معين، بل إن من ذاق حلاوة الإيمان فيكفيه آية أن أنبياء بني إسرائيل أيضا قد تنبأوا بنزول هذا الكتاب.فمن يكفر به، رغم هذه الأدلة على صدقه، أفلا يكون محروما من البصيرة الروحانية؟ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (3) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا T..۱۹۹ كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ سَلَكْنَهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ : لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ = فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ.أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ.أَفَرَءَيْتَ إِن ) متَّعْنَهُمْ سِنِينَ (٣) ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا ٢٠٦ ۲۰۷
الجزء السابع ٣٢٥ سورة الشعراء أغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ - وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَلِمِينَ ) شرح الكلمات: الأعجمين: جمع الأعجم، وهو من لا يُفصح ولا يبين كلامه وإن كان من العرب؛ وأيضًا من ليس بعربي وإن أفصح بالعجمية.(الأقرب) سلكناه: سلك الشيء في الشيء: أدخله فيه كما تُسلك اليد في الجيب والخيط في الإبرة (الأقرب).منظرون : أنظر المعسر : أمهله (الأقرب).التفسير وكما سبق في شرح المفردات فإن من معاني "الأعجم" من ليس بعربي وإن أفصح.وهذا هو المعنى المقصود في هذه الآية حيث بين الله الله أننا لو أرسلنا هذا الكلام مع شخص غير عربي لقال هؤلاء إنه ليس من قومنا، ولا نعرف أحواله فربما يخدعنا، ولكن محمدًا رسول الله له قد بعث من بين العرب، وهم يعرفون أحواله جيدًا، فكيف لا يعرفون صدقه من كذبه؟ فإن الذي لم يكذب على الناس في حياته كلها قط، كيف يفتري على الله تعالى؟ ولذلك أمر الله رسوله في مكان آخر من القرآن الكريم بالإعلان التالي: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (يونس: ١٧)..أي أفلا تفهمون، يا قوم، أن الشخص الذي كنتم تعترفون بصدقه وسداده حتى الأمس كيف يمكن أن ينقلب فجأة ضد الحق والصدق، فيفتري على الله ؟ وهنا أيضًا قد نبه الله لا اله الله الكافرين إلى الأمر نفسه وقال إن محمدالله من العرب ومن سكان مكة، فلو كان قد عاش في بلد أجنبي فكان أن يقولوا لا شك أنه من قومنا ولكنه قد عاش في الخارج، و لم نطلع على أحواله، فلا نستطيع الجزم بصدقه أو كذبه.أما الآن، فلم يبق أمامهم مجال للإنكار لأنه من قومهم أولاً، ثم إنه قد عاش بين ظهرانيهم طفلاً وشابا، فيعلمون أخلاقه جيدا بل يشهدون أنه لم يكذب قط، وإنما بلغ من الصدق والأمانة ما بوسعهم
٣٢٦ سورة الشعراء الجزء السابع جعلهم يعتبرونه أكثرهم صدقا وأمانة.فكيف يعتبرونه كذابا رغم هذه البراهين الدالة على صدقه من ناحية، ورغم تحقق نبوءات الأنبياء السابقين في شخصه من ناحية أخرى.وبما أن العرب عارضوا نبينا غاضين النظر عن كل هذه البراهين الدالة على صدقه، فقال الله : كَذَلكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَليم..أي أن إنكار لقومه لا لا لا دليل على أنهم يحذون حذو من قبلهم الأمم.فإنهم قد رأوا الآيات من موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ومع ذلك كفروا بهم، وأهل مكة أيضًا يتبعون خطوات السابقين، ولن يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.من ثم يقول الله تعالى: ﴿فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ..أي سيأتيهم العذاب حتمًا سنة الله المستمرة منذ القدم، فيأتيهم من حيث لا ولكنه سيفاجئهم بغتةً كما يدرون.هي وبالفعل تجد أن حادث يوم الفتح قد وقع فجأة حتى حير أبا سفيان أيضا الذي كان من الزعماء المحنكين المجربين فإنه لما رأى حول مكة نيرانا مشتعلة في ظلمة الليل أمام خيام عشرة آلاف جندي قال لرفاقه مذعوراً : ما هذا الذي أراه؟ هل نزل جيش من السماء؟ فليس هناك قبيلة عربية يبلغ جنودها هذا العدد الهائل.فأخذ رفاقه يذكرون له أسماء مختلف القبائل، فكان يرفض رأيهم في كل مرة ويقول: كلا ليست هناك قبيلة عربية لها مثل هذه الجنود.وبينما هو يتحدث مع رفاقه فاجأه حرس المسلمين وألقوا القبض عليه وعلى أصحابه.(البخاري: كتاب المغازي، باب أين ركز النبي و الراية يوم الفتح، وتاريخ الخميس : غزوة فتح مكة ثم إنك ترى أن هؤلاء القوم آمنوا بالنبي الله بعد رؤية العذاب كما كان القرآن الكريم قد أنبأ من قبل، مع أن أكثر أقوام الأنبياء السابقين لم يؤمنوا بهم هكذا، مما أكد أن الله الله عزيز ورحيم.ثم يقول الله : فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ ) أَفَبِعَذَابَنَا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا
الجزء السابع ۳۲۷ سورة الشعراء يُمَتَّعُونَ..أي حينما يؤجل عنهم العذاب يقولون في مجالسهم لعلنا أفضل من أخرنا عنهم ينفعهم الأمم السابقة، ولعل العذاب لن يحل علينا عاجلاً، وهكذا يتحدون غضب الله باستهزائهم وسخريتهم، ويريدون أن يعجِّل لهم العذاب.لم لا يفكر هؤلاء أننا لو العذاب بعض الوقت ثم أهلكناهم فماذا ينفعهم تأجيل العذاب؟ إنما أن يؤمنوا ويهتدوا، ولكنهم لا يسلكون طريق الهدى.ثم يقول الله : وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة إلا لَهَا مُنْذِرُونَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظالمين...أي ليتهم يفكرون فيما إذا كنا قد أهلكنا قبلهم أية قرية بدون إقامة الحجة على أهلها فما دام التاريخ يشهد أنه لم يحل العذاب بقوم إلا بعد بعثة نبي فيهم ليعظهم وينصحهم بترك السيئات، لذا لو أنزلنا عليهم العذاب بدون إنذار لكنا ظالمين عند الناس، ولكنا لا نفعل هكذا ولا نهلك قومًا بعذابنا بدون الإنذار.فعلى هؤلاء القوم أيضًا أن يدركوا أنه ما دام قد جاءهم منذر فلا بد أن يأتيهم العذاب أيضا نتيجة كفرهم به، ذلك لأن العذاب كما لا يأتي إلا بعد مجيء منذر، كذلك يأتي العذاب حتما بعد إنكار منذرٍ، لأنه إذا لم ينزل العذاب بعد إنكاره لعد من الكاذبين المفترين.وقد بين الله الله بقوله ذكرى أن الغرض الأساس من بعثة المنذرين أن يتعظ الناس ويصلحوا ما بأنفسهم، وليس أن يُهلكوا ويُدمروا ، ولذلك يُؤخر العذاب عن قوم رغم مجيء منذر إليهم، لكي يؤمن به من يؤمن ولكن لو حل العذاب بعد بعثة نبي فورا لم تبق هناك فرصة للذين يريدون أن يتعظوا ويتوبوا.وَمَا تَنَزَّلَتْ به الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِى هُمْ وَمَا ۲۱۱ يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْرُولُونَ فَلَا ۲۱۲ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَنهَا وَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذِّبِينَ ) ٢١٤ ۲۱۳
۳۲۸ سورة الشعراء الجزء السابع التفسير : لقد رد الله الله هنا على أحد مطاعن الكافرين حيث قالوا إن محمدا على صلة مع الشيطان - والعياذ بالله – وهو الذي يوحي إليه.لا شك أن القرآن الكريم لم يذكر هذا الاعتراض بكلمات محددة، إلا أنه قد أشار إليه في أماكن شتى كقوله : وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانِ رَحِيمِ﴾ (التكوير : ٢٦)، كما قال الله الا الله هنا : وَمَا تَنَزَّلَتْ به الشَّيَاطِينُ.من المؤسف أن بعض المفسرين قد دعموا هذا الاعتراض الذي قد أثاره الكافرون وبالتالي قد ناولوا أعداء الإسلام سلاحًا خطيرًا.فيقولون أن رؤساء الكفر بمكة جاءوا النبي لها لاول مرة وقالوا إنه لم يؤمن بك إلا أراذل القوم، ولو لنت في موقفك حضرنا مجلسك ليحضره باقي القوم أيضًا.وبينما هم في هذا الحديث حان وقت الصلاة، فقرأ النبي ﷺ في صلاته قول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالثَةَ الأُخْرَى) (النجم: ٢٠ -۲۱) فألقى الشيطان على لسانه الكلمات التالية: "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لتُرتجى"..أي أن هذه الأصنام ذات الأعناق الطويلة عظيمة وأن هناك أملاً في شفاعتهن.ففرح الكافرون لسماع هذا القول من لسان النبي ، فلما بلغ نهاية السورة سجد فسجدوا كلهم ظنا معه قد لين موقفه فتح البيان قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا إذا تمنى...) وقد رويت هذه الرواية بطرق شتى حتى اضطر عالمٌ عظيم بمكانة ابن حجر" أيضًا إلى قبولها وتأويلها.(المرجع السابق) وإني لن أخوض في تفاصيل تأويله الآن إذ سبق أن ناقشنا هذا الموضوع في منهم أنه سورة الحج بالتفصيل، وإنما أريد أن أناقش صحة هذه الواقعة أو عدمها.ويُعجبني كثيرًا موقف القاضي "عياض" بهذا الصدد حيث قال إن هذه الرواية قد أملاها الشيطان على بعض المحدثين..أي إذا كان لا بد من التسليم بسلطة الشيطان على أحد فلم لا نقول إن الشيطان قد وسوس لبعض المحدثين فاختلق هذه الرواية.أما الجواب على ضوء ما ورد في القرآن الكريم فهو كالآتي:
۳۲۹ الجزء السابع سورة الشعراء يقال أن هذه الجملة المزعومة قد أجراها الشيطان على لسان الرسول ﷺ بعد ما قرأ قوله : أَفَرَأَيْتُمُ اللات وَالْعُزَّى ( وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى).في حين أن الله يقول في الآية التالية : أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيرَى إِنْ هيَ إِلا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان) (سورة النجم : ٢٢-٢٤).كيف يُقال أن النبي قرأ بين هذه الآيات الداحضة للشرك ذلك الكلام المزعوم، على سبيل المداهنة في عقائده، فسجد الكافرون معه؟ كلا، فمن المحال لأي كافر مهما بلغ من الحمق والغباء أن يسجد مع النبي بعد سماع هذه الآيات القرآنية الداحضة للشرك.فإن هذه الآيات من سورة النجم تدل دلالة ساطعة على أن إقحام تلك الجملة المزعومة في هذا السياق مستحيل.كان الكافرون يعرفون اللغة العربية فكيف يمكن ألا يدركوا أن كل كلمة من هذه السورة تبطل الشرك؟ فكيف يُقال، والحال هذه، أن النبي الله مال إلى المداهنة في عقائده؟ هذا هو الموضوع الذي تناوله الله الله في الآيات قيد التفسير، فبين أن اتهام الكافرين النبي ﷺ بنزول الشيطان عليه بوحيه لاتهام باطل، وذلك لعدة أسباب.فأولاً: إن هذا الإنسان طيب السيرة طاهر الشمائل، فمن المحال أن يكون للشيطان أي صلة بمثل هذا الإنسان العظيم.وثانيًا: إن التعاليم التي نزلت عليه مقدسة فلا يمكن أن يُنزلها الشيطان النجس، إذ كيف يمكن أن يُعلّم الشيطان الناس ما فيه هلاكه؟! فما دام الوحي النازل على محمد ﷺ يُعلّم محاربة الشيطان فمن المحال أن يكون نازلاً من الشيطان؟ وثالثًا: إن هذا الكتاب مليء بالمعارف السماوية ويبطل تعاليم الشيطان مرة بعد أخرى، فلا يستطيع الشيطان ولا أعوانه أن يدسوا فيه شيئا مهما حاولوا ذلك، إذ لن ينسجم في آياته شيء من كلام الشيطان.كما أن الشياطين لا يقدرون على بيان معارف السماء، حيث إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْع لَمَعْرُولُونَ..أي أن الله لم الله يسمح لهم بسماع ما يجري في السماء من حديث فالقرآن الكريم يُعلن أن لا أحد الشياطين يقدر على الوصول إلى السماء، دعك من أن يصلوا إليها ويسمعوا ما من يجري فيها من حديث.
الجزء السابع ومن المستغرب أنه برغم سورة الشعراء أن الله الا الله يعلن هنا أن الشيطان لا يقدر على سماع حديث السماء فإن بعض المسلمين يعتقدون أن الشيطان يصعد إلى السماء ويسمع ما يجري عند العرش من حديث بين جبريل والملأ الأعلى، ثم يعود إلى الأرض، ثم يوحي إلى رفاقه وأعوانه تلك الأخبار (الرازي).مع أننا نرى في هذه الدنيا أن الناس لا يستطيعون أن يصلوا إلى الملوك الصغار والضعفاء أيضًا، بل يخافون ويرتعدون من الاقتراب منهم، فما بالك بالله الله الله الذي هو الإله؟ كيف يقدر الشيطان على أن يسترق أسرار إله السماوات والأرض، ثم يشيعها في الناس بصورة مشوهة ممسوخة.باختصار، إن القرآن الكريم يُفنّد اعتراض الكافرين، مبينا أن هذا الكلام لم تنزل به الشياطين بل إنهم لا يقدرون على ذلك بمعنى أن أحكام القرآن الكريم متعارضة مع ما يعلّمه الشيطان، فكيف يمكن أن يُنزل الشيطان بنفسه على محمد ما يتعارض مع التعاليم الشيطانية؟! وهذا الدليل قد قدمه المسيح الله أيضا حيث ورد في الإنجيل: "وكان يُخرج شيطانًا وكان ذلك أخرس، فلما أُخرِجَ الشيطان تكلّم الأخرسُ، فتعجب الجموع.وأما قوم منهم فقالوا: يَيَعْلَزَبُولَ رئيس الشياطين يُخرِج الشياطين.وآخرون طلبوا منه آية من السماء يُجربونه.فعلم أفكارهم وقال لهم: كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وبيت منقسم على نفسه يسقط، فإن كان الشيطان أيضًا ينقسم على ذاته، فكيف تثبت مملكته؟ لأنكم تقولون إني بيَعْلَزَبُول أخرج الشياطين." (لوقا ١١: ١٤-١٨).وكذلك ورد في الإنجيل أن المسيح اللي قال لهم: "فإن كان الشيطان يُخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته، فكيف تثبت مملكته" (متى ١٢: ٢٦).وقد قدّم القرآن الكريم هنا الدليل نفسه أمام المعارضين وقال لهم: إذا كان صحيحًا ما تقولون بأن الشيطان يُنزل هذا الوحي على محمد ﷺ فقد قتل الشيطان نفسه بنفسه، ذلك لأن كل كلمة من هذا الكتاب تلعن الشيطان، وكل
۳۳۱ سورة الشعراء الجزء السابع حكم منه يدين الشيطان، فكيف يمكن أن ينزل الشيطان كل هذه الأدلة والتعاليم ضد نفسه؟! هذا خلاف العقل.أما قوله : (وَمَا يَسْتَطِيعُونَ...فيعني أن هذا القرآن يتضمن أخبار الغيب، ولا قدرة للشيطان على الإدلاء بأخبار الغيب وهذا الدليل أيضا قد ورد في الإنجيل حيث بين المسيح الا أن الله لله وحده يعلم الغيب، وأن أسراره لا يطلع عليها الملائكة ناهيك عن الشياطين.فذات مرة أخبر المسيح ال قومه عن علامات حتى مجيئه الثاني، وأكد لهم أن ما يقوله لن يزول، بيد أنه أوضح لهم أيضًا وقال: "أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي و وحده.وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضًا مجيء ابن الإنسان، لأنه كما كانوا في الأيام التى قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوّجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفُلكَ ولم يعملوا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع، كذلك يكون أيضًا مجيء ابن الإنسان." (متى ٢٤: ٣٦-٣٩).و مع الله إذا، فإن حياة النبي الطاهرة المنزهة عن كل عيب، وتعاليمه المقدسة المطهرة، وكون القرآن متضمنًا علوم السماء وأخبار الغيب بكثرة، ثم عدم قدرة الشياطين على بيان علوم السماء كل ذلك يدل بشكل قاطع على بطلان تهمة الكافرين بأن الشيطان على صلة مع محمد ، وأنه هو الذي ينزل عليه هذا الوحي.الواقع أن محمدا لله وليس له أية صلة بالشيطان، بل هو على صلة ، وهو الذي يُنزل عليه هذا الوحى.ثم يقول الله : فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذِّبِينَ..أي أيها المسلم لا تدع أحدا سوى الله الله، فهو الذي يمكن أن يُطلعك على أسرار الفطرة الصحيحة، ولن يُساعدك على هذا سواه.أما إذا توجهت إلى غير الله له المعرفة أسرار الفطرة الصحيحة: فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذِّبِينَ..أي سيدفعك تعليم غير الله تعالى إلى العذاب تلو العذاب ولن تنعم بالراحة أبدا.
الجزء السابع ۳۳۲ سورة الشعراء وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَاخْرِضُ جَنَاحَكَ لِمَن ٢١٥ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرَى ٢١٦ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ () الَّذِي ۲۱۷ يَرَنكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فى السجدِينَ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) شرح الكلمات ۲۲۱ ۲۱۹ -- عشيرتك: العشير: القبيلة القريب؛ الصديق؛ زوج المرأة؛ المعاشر (الأقرب).اخفض: خفض الشيء: ضدُّ ،رفعه، وفي القرآن: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ للْمُؤْمِنِينَ..أي تواضع لهم.(الأقرب) تقلبك: تقلب على فراشه: تحوَّلَ من جانب إلى جانب.ويُقال: هو يتقلب في أعمال السلطان: أي يتنقل من عمل إلى عمل الأقرب).والتقلب: التصرف (المفردات).التفسير : يقول الله الا الله ولرسوله الكريم : عليك أن تنذر الناس وتوقظهم، لهم حقا مضاعفا عليك.ولكن يجب أن تنذر أقاربك أولاً لأن أن للقرابة تأثيرًا كبيرًا في هذه الدنيا، ونجد في التاريخ أمثلة مذهلة على الواقع ذلك.فعندما بدأ النبي ﷺ بنشر دعوته بأمر الله لم يدخر الكافرون وسعا ليمنعوه من الدعوة، ولكن النبي لم يحد عن تعاليمه ولم يمتنع عن نشر الحق.فجاء أهل مكة عمه أبا طالب وطلبوا منه أن ينصح ابن أخيه وإلا سيضطرون لمقاطعتهما.فدعا أبو طالب رسول الله الله وقال : يا ابن أخي، لقد وقفت بجانبك الآن، ولكن القوم قد جاءوني اليوم وهددوني :وقالوا يا أبا طالب، إنا نحترمك كثيرًا، ولكنا قد قررنا الآن أنك إذا لم تتخل عن محمد فسوف نخلعك من السيادة.حتى
للنبي ۳۳۳ سورة الشعراء صنع أن به يدفع الجزء السابع كان أبو طالب إنسانًا فقيرًا ولكنه كان خادمًا لقومه، وكان كل ما لديه هو حب القوم وتعظيمهم له ذلك أن بعض الناس في الدنيا يكسبون المال فجزاؤهم المال، وبعض الناس يخدمون القوم فجزاؤهم حب القوم لهم.ولما كان أبو طالب يعمل على خدمة قومه ليلاً ونهارًا فلم يملك من الدنيا إلا تعظيم القوم له.ولذلك قال : يا ابن أخي، إن قومي جاءوني اليوم وهددوني بالتخلي عني إذا لم أتخلّ عنك.لقد فكر أبو طالب في نفسه أنه قد أفنى عمره كله في خدمة قومه، وقد هددوه بخذلانه الآن في شيخوخته، فماذا يفعل؟ فاستولت عليه الرقة واغرورقت عيناه بالدموع.ولما رأى النبي علمه على هذه الحال وفكر أن عمه قد عنه دائما معروفًا كبيرًا وأيده ودافع رغم أنه ليس بمسلم، وقد هدده القوم ثمن تأييده له ويفقد ثروته الوحيدة التي كسبها في حياته تعظيم القوم له.فاستولت عليه الرقة أيضًا واغرورقت عيناه فقال لعمه بصوت شجي يا عم، إن رسالتي التي أنشرها إنما هي من عند الله الله، ولن أتخلى عنها لقول بشر.ويا عم، إني أعلم أن الله الله واحد ، فلن أتخلى عن عقيدة التوحيد إرضاء لقومي.والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، وأروا آية كبيرة لم يسبق لها مثيل على أن أقول أن خالق هذا الكون ليس إلها واحدا فلن أفعل ذلك أبدًا.يا عم، إني لا أريد أن تقدم لي هذه التضحية العظيمة، بل إني أشكرك على ما أسديت إلي من أياد من قبل، ولن أحملك المزيد من العبء في المستقبل، فيمكنك أن تتركني وأن تخبر قومك أنك تخليت عن ابن أخيك، وأنك معهم من الآن فأصبح أبو طالب في موقف صعب إذ أصبح أمام محبتين: محبة الرسول الا الله للحق والصدق، ومحبته لابن أخيه الذي كان يحبه ويهتم به أكثر من أولاده.لقد تذكر أبو طالب أباه عبد المطلب الذي حين جاءته المنية وضع يد محمد ﷺ في يده وقال: أبا طالب، إنه يتيم الأبوين، وقمت بتربيته بحيث إنه كان أعزّ علي من أبنائي.لقد حان أجلي، وإني أثق بك يا بني، وها إني أُسلّم لك أغلى أمانة لي، فلا تُقصرن فيها أبدًا.إذًا، فقد تمثلت أمام أبي طالب :روحان روح أبيه عبد المطلب، وروح ابن أخيه محمد الذي كان يدافع عن الحق والصدق بنفسه ومهجته.ولم يستطع أبو
الجزء السابع ٣٣٤ سورة الشعراء طالب مقاومة هاتين المحبتين رغم أنه لم يكن مسلمًا ، فقال للنبي : يا ابن أخي اذهَبْ وبلغ دعوتك التي تراها حقا.إني لا أستطيع أن أترك دين قومي ولكن قومي إذا كانوا سيتخلون عني بسببك فإني مستعد لتقديم هذه التضحية، وسوف أقف بجانبك دائما.فقرر القوم مقاطعة أسرة النبي ﷺ بني هاشم، فذهب أبو طالب بعشيرته وبالنبي وبعدد من المسلمين الذين كانوا عندئذ بمكة ليعيشوا في شعب قريب من مكة كان ملكًا لأبي طالب فكل من كان يعادي النبي الله من بني هاشم من قبل ويفرح أن يسبه ويشتمه ويرشقه بالحجارة، ويُؤذيه بتحريض من أبي جهل..كل هؤلاء تركوا ديارهم وأصبحوا محصورين في شعب أبي طالب بسبب حميتهم وقرابتهم معلنين للقوم أنهم لن يتخلوا عن أقاربهم (السيرة الحلبية مجلدا باب اجتماع للنبي المشركين على منابذة = بني هاشم).إذا، فالقرابة ذات تأثير كبير، وتدفع قرابة الدم أحيانًا إلى تقديم تضحيات تبدو مستحيلة في ظروف أخرى.ولذلك يقول الله الله هنا لرسوله : وأَنذر عشيرتكَ الأَقْرَبِينَ..أي يا محمد من واجبك تحذير الناس من كل أنحاء العالم، ولكن عليك أن تنذر أقاربك أوّلاً ، فلهم عليك حقان: فإنهم يهلكون كباقي الناس، ثم إنهم أقاربك وإن آباءهم قد صنعوا بك معروفًا في يوم من الأيام.هناك مثل في الإنجليزية "Charity begins at home" أي أن الإحسان يبدأ من البيت.ونفس الحال بالنسبة للنصح، فعلى الإنسان أن يبدأ النصح بأهل بيته.وعملاً بهذا الأمر الرباني صعد النبي ﷺ على جبل "الصفا" كعادة أهل مكة، وأخذ ينادي كل قبيلة باسمها.فنادى آل غالب" أولاً، فخرجوا من المسجد الحرام وأتوه، فقال أبو طالب للنبي ﷺ: ها قد جاء "آل غالب"، فقل ما تريد.ولكن النبي ﷺ لم يلتفت إليه، بل أخذ ينادي آل" لؤي".فلما حضروا قال أبو طالب لقد جاء "آل لؤي" فقل ما تريد.ولكن الرسول ﷺ لم يستمع لقوله وأخذ ينادي "آل مرة".فلما حضروا، أخذ ينادي "آل كلاب" و"آل قصي".فحضرت قبائل قريش جميعا، ومن لم يحضر منها بعث ممثله ليعلم سبب هذا الاجتماع.فخاطبهم النبي وقال: لو قلت لكم
٣٣٥ سورة الشعراء الجزء السابع إن جيشًا كبيرًا قد اجتمع وراء هذا الجبل لشن الغارة عليكم، فهل كنتم مُصدِّقِي؟ قالوا: بلى، فما جربنا عليك إلا الصدق ويعلم المطّلعون على أحوال مكة أن قول الرسول هل هذا يماثل قول من يُطالب بتصديق المستحيل.ذلك أن أهل مكة كانوا يرعون مواشيهم في ذلك الوادي، وكانوا يعرفون أن من المحال أن يختفي فيه جيش.ولكنهم كانوا متأثرين بصدق النبي ﷺ وسداده لدرجة أنهم صدقوه وإن لم تصدق عيونهم ما يقول، لأن صدقه أمر لا غبار عليه فلما اعترفوا بصدقه وسداده بلسان رجل واحد قال : ألا إني قد جئتكم بخبر هام ألا إن الله الله قد بعثني إليكم رسولاً، فاتبعوني إذا أردتم النجاة من عذاب الله فلم يتمالك أبو لهب نفسه وقال: "تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فانفض الجميع من حوله ساخرين مستهزئين.ولكن النبي ظل ينشر عقيدة التوحيد بين الناس ويبلغهم رسالة الله رغم ما لاقاه منهم من معارضة وسخرية واستهزاء.فأخرج الله من بينهم قوما ضحوا بحياتهم في سبيل الإسلام (البخاري: كتاب التفسير قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين، وروح المعاني: سورة المسد) لقد تبين من هنا أن كل إنسان تأتي عليه ساعات اليقظة والصحوة، فتنفتح نافذة قلبه، ويقبل الحق.لقد كان بين الصحابة من آمن بالرسول ﷺ في أول يوم من دعواه مثل أبي بكر وخديجة وعلي وزيد ومنهم من آمن به بعد عدة سنوات، مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما.لا شك أن خالد الوليد كان بن يتمتع بالذكاء والفطنة حين أعلن النبي له اول و دعواه ، ولكن نافذة قلبه لم تكن مفتوحة عندها فلم يؤمن به، وكان عمرو بن العاص أيضًا يتمتع بالذكاء الذي كان يمكن أن يدخله في الإسلام في السنة الأولى من بعثة النبي ، ولكن نافذة قلبه كانت مغلقة آنذاك فلم يؤمن عندها، بينما كانت نافذة قلب أبي بكر وخديجة وعلي وزيد مفتوحة فآمنوا في أول يوم من دعوته، فبمجرد أن أعلن الرسول ﷺ أنه مرسل من عند الله الله قالوا جميعًا آمنا وصدّقنا.ولكن نوافذ قلوب الآخرين انفتحت بعد سنة أو سنتين أو أربع سنوات.وبعضهم آمنوا قبيل وفاته.فالأمر يتوقف على انفتاح نافذة القلب وإلا فإن الحق يؤثر على الناس حتما.
الجزء السابع أخبرني ٣٣٦ سورة الشعراء ولكني أرى أن أفراد جماعتنا لا يهتمون بالتبليغ والدعوة بين أقاربهم، فلا يضغطون عليهم بهذا الصدد كما ينبغى.لقد كنت دعوت الإخوة ذات مرة إلى الاهتمام بهذا الأمر بوجه خاص، فعملوا بنصحي وكان له تأثير ملموس.فقد أحد الإخوة أنه ذهب إلى أقاربه يومًا وقال لهم إما أن تقنعوني فأنضم إليكم أو أقنعكم فتنضموا إلينا.ولأن أدلته كانت معقولة وقوية فأثرت فيهم فانضموا إلى جماعتنا.الواقع أن المرء لو أقنع صاحبه بخطئه فلا يتردد في قبول موقفه، ولكن المؤسف أن إخواننا لا يبدون الشجاعة الكافية في مجال الدعوة بين الأقارب.اعلموا أن من يملك دليلاً أقوى سيُقنع الآخر يقينًا، فلو قام إخواننا بالدعوة بين ذويهم لاهتم مئات الآلاف بالأحمدية.ثم إن هؤلاء الكثيرين سيقومون بالدعوة بين عشائرهم فيتسع نطاق التبليغ بما يفوق تصورنا ألا ترون أن الصحابة أيضا قاموا بالدعوة، ولكن متى كانت عندهم المطابع والكتب والمنشورات؟ ومتى كانوا دعاة يتقاضون رواتب؟ ومتى كانوا يعقدون الاجتماعات كما هو الحال عندنا؟ كلا لم يكن عندهم أي شيء من هذا القبيل، بل كان أسلوب دعوتهم أنه إذا ذهب الأخ إلى أخته وقالت له: لماذا تركت دين ،آبائنا فكان يجيبها: إني أحب آبائى وأحترمهم، ولكن اتخاذ الأصنام شركاء مع الله له خطأ فادح، إذ لا يمكن أن تهبنا الأصنام شيئًا، إنما المعطي هو الله وحده.وهكذا كان الواحد منهم يُعلّم صاحبه وحدانية الله ، فكان يؤمن لو شاء الله له الإيمان لم تكن هناك خطب ولا منشورات ولا اجتماعات بل كان مجال الدعوة يتسع بالتدريج من خلال لقاء الأقارب وحديثهم فيما بينهم.لقد رأيت أن بعض الإخوة من جماعتنا قد تركوا الدعوة بين أقاربهم وضيقوا نطاق علاقاتهم معهم وكأنما انتهت كل صلة بينهم، مع أن من واجبهم الديني والخلقي والشرعي أن يزوروا أقاربهم كثيرا، ويسعوا لإزالة ما عندهم من سوء فهم.ولكن ما يحدث على صعيد الواقع هو أن أحدًا عندما ينضم إلى الأحمدية أخذ يبتعد عن أقاربه غير الأحمديين.لماذا تعتبرون أنفسكم ضعفاء لهذه الدرجة؟ فإن عندكم الإيمان وعندكم الحق، وعندكم المعجزات المتجددة، وعندكم الآيات السماوية، وعندكم التأييدات الإلهية.يجب أن يكون الأحمدي
الجزء السابع ۳۳۷ - سورة الشعراء شجاعًا بحيث إذا لم يلتق بعمه مثلاً منذ عشر سنوات فعليه بإنشاء الصلات معه فور انضمامه إلى الأحمدية ليضمه إليها.وأرى أنه يوجد في هذه البلاد حوالي خمسة ملايين شخص من أقارب الأحمديين، فلا حاجة للذهاب إلى الآخرين للدعوة، بل بالحري أن تذهبوا إلى هؤلاء الخمسة ملايين من أقاربكم، وتبينوا لهم الحق.والقيام بالدعوة بينهم عمل جبار بحيث لن تجدوا الفرصة للتوجه للآخرين.وعندما تضمون هؤلاء الخمسة ملايين إلى الأحمدية، فتجدون حوالي عشرة ملايين من أقاربهم الذين يتطلب دعوتهم منكم بذل جهود كبيرة لمدة طويلة.فاتبعوا في الدعوة نفس الطريق الذي بينه القرآن الكريم في هذه الآية.وعندما تقومون بزيارة أقاربكم وتزيلون ما لديهم من سوء فهم عن الأحمدية فترون أن آلافا من الأرواح السعيدة منهم ستسارع إلى قبول الأحمدية، وإذا لم يقبلوها فلن يجرؤوا على الطعن في جماعتنا على الأقل.لقد ذكرت لكم مرارا أنني لما ذهبت إلى الحج ذهبتُ أولاً إلى مصر، ذلك إذ كنت أنوي أن أذهب أوّلاً إلى مصر لدراسة اللغة العربية ثم أؤدي فريضة الحج في السنة التالية.وتصادف أني وصلت إلى "بور سعيد" أولاً وأقمت هناك قبل أن أذهب إلى القاهرة فرأيت في المنام في أول ليلة قضيتها هناك أن المسيح الموعود ال جاء وقال لي: إن كنت تريد الحج، فأسرع واركب أول سفينة تخرج بالحجاج.فاتصلتُ بمكتب السفن وحجزت مكاني، وركبت أول سفينة ذهبت بالحجاج بعد ثلاث أو أربعة أيام.ومن عجائب القدر أن الأوضاع تغيرت بعد ذلك فجأة، و لم يستطع الناس من مصر أن يذهبوا للحج لمدة سنتين.وكان في السفينة التي ركبتها من الهند إلى "بور سعيد" مسلمان ومحام هندوسي.فعلموا أني أحمدي، فأخذوا يناقشونني في الأحمدية، ولكنني لم أدعهم يعرفون أني ابن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية اللي فأخذوا يحتدون في الحوار شيئا فشيئا ويوجهون مطاعن شنيعة، ومع ذلك ظللت هادئًا ورددت عليهم بالحجة والبرهان.وكنا قد استودعنا حقائبنا الثقيلة في مخزن الأمتعة على السفينة، فلما وصلنا إلى "بور سعيد" بعد أحد عشر يوما ذهبت واستلمتُ حقيبتي من مكان
الجزء السابع ۳۳۸ سورة الشعراء الحقائب.وكان شخص ما قد كتب على حقيبتي اسمي كالآتي: مرزا بشير الدين ابن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية.وبينما أنا أنزل من درجات السفينة رأيت هؤلاء الثلاثة يجرون إلي، فلما اقتربوا من قلت لهم: ما الذي وراءكم؟ قالوا نرجو منك المعذرة، فإنا قد ارتكبنا حماقة كبيرة.قلت: ما الذي حدث؟ قالوا: لقد أسأنا إليك كثيرًا أثناء الحوار، ولو علمنا أنك ابن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية ما تكلمنا بهذا الأسلوب غير اللائق فقلت: ترون قرابة الدم أهم، وأرى أن القرابة الروحانية هي الأهم.والحق أني أخفيت عنكم قرابتي من مؤسس الجماعة لتخرجوا كل ما في جعبتكم.إذا، فقد يصب المرء جام غضبه ويسب ويشتم أثناء الحوار الديني في أول الأمر، ولكن لو كان في قلبه خشية الله الا الله الاعتذر في النهاية.لقد رأينا أن كثيرًا من الناس كانوا يسبّون جماعتنا في أول الأمر سبًّا ،فاحشًا، ثم دخلوا فيها فيما بعد وظلوا طوال حياتهم مخلصين في ولائهم ووفائهم.ورد في التاريخ أنه لما اقترب أجل عمرو بن العاص له أخذ يبكي بكاء طويلاً، فقال له ابنه يا أبت، لم تحزن وقد وفقك لخدمة عظيمة للإسلام وسيجزيك عليها خير الجزاء؟ فقال: يا بني، قد جاء في حياتي فترتان: لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله ﷺ وأسرته مني، حتى لم أرفع عيني إلى وجهه قط نفورًا وكراهة، ثم هداني الله وألقى في قلبي من حب ما منعني من النظر إلى وجهه إجلالاً واحترامًا، ولو سئلت اليوم أن أصفه النبي ما استطعت.ولكن بعد وفاته قد حصلت منا أخطاء كثيرة، فأخاف أن يسألني الله الله عنها.(مسلم: كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله) فترى أن هذا الإنسان العظيم كان يُبغض النبي له في أول أمره بغضا شديدًا حتى لم يرفع بصره إليه، ولكنه أحبه فيما بعد حبًا منعه من النظر إلى وجه الرسول ﷺ من فرط حبه وعشقه، لقد رأى النبي الرؤية عابرة ولكنه لم يجرؤ على رؤية وجهه بدقة.فلا تيأسوا من هداية القوم ، وابدأوا الدعوة بين أقاربكم أولاً.فاذهبوا بالحري إلى عشيرتكم من إخوانكم وأخواتكم وأقارب زوجاتكم وغيرهم.
الجزء السابع ۳۳۹ سورة الشعراء وأحسنوا إليهم ووسعوا نطاق علاقاتكم معهم، ثم انظروا كيف يبارك الله الله في جهودكم التبليغية.أتذكر أنني ذهبت لزيارة بعض قريباتي بمدينة "دلهي"، وكانت من أقاربي الأبعدين وكنت أناديها جدتي.فجاء لزيارتها أحد إخوتها من مدينة "حيدر آباد".فدعاني يومًا وقال: ما هو الاختلاف بينكم وبين غيركم من المسلمين؟ وكنت لا أعلم كثيرًا من المسائل العلمية إذ كنت صغير السن فأجبته أننا نحن الأحمديين نقول إن عيسى اللي قد توفي، بينما يقول المسلمون الآخرون أنه لم يمت بل لا يزال حيًّا فقال : كيف تقولون بوفاته ال؟ فقرأت له قول الله : يَا عيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وقلت له ألا ترى أن الله يقول هنا لعيسى اللي صراحة إنني سأتوفّاك ثم أرفعك فالوفاة مذكورة قبل الرفع.فقال هذا العجوز البالغ من العمر قرابة سبعين سنة: إن ما تقوله كلام معقول، فلماذا يُعارضكم المشايخ؟ فسمعته أخته أعني جدتي هذه، وكانت متعصبة جدًا فقالت له غاضبة: لماذا تُفسد عقل هذا الولد الخرب العقل سلفا؟ فترى أن هذا الشيخ الهرم قد جاء لزيارة أخته من حيدر آباد"، ورغم صغر سني فتح معي الحوار كوني من أهلها ولو بقرابة بعيدة فإذا كان الناس يسألون حتى الصغار مثل هذه الأسئلة الهامة، فكيف لا يسألون أقاربهم الكبار من زوج بنت وحم وحماة وعم وعمة وخال وخالة وما إلى ذلك؟ وعندما يسألونك هذه الأسئلة فسوف ينطبق عليهم المثل القائل: إني أترك البطانية ولكنها لا تتركني.يُقال أن رجلين كانا يمشيان على شاطئ قناة في برد قارس، فرأى أحدهما بطانية تسبح في القناة - ولم تكن هناك في الواقع بطانية بل دب - فقال لصاحبه: انتظر حتى أُخرج البطانية من القناة.فقفز في الماء وأراد أن يمسك البطانية، فأمسكه الدب.فبدأت بينهما معركة ، فكان يحاول الرجل الإفلات من قبضة الدب الذي كان لا يتركه.فناداه صاحبه من الشاطئ تعال اخرج من الماء ولا تؤخرني، فإن أمامنا سفرًا "I
الجزء السابع ٣٤٠ سورة الشعراء طويلاً، وإذا كنت لا تقدر على أن تمسك البطانية فاتركها واخرج.فقال الرجل: إني أترك البطانية، ولكنها لا تتركني.وبالمثل إن هؤلاء القوم عندما سيبدأون بالسؤال عن معتقداتكم سيمهدون لكم الطريق للدعوة بحيث لا يكون عليكم أي اعتراض شرعًا ولا قانونا.فما داموا هم الذين قد بدأوا بسؤالكم فكيف يمنعهم شيوخهم من الحوار معكم؟ فمثلاً إذا كان أحد الأحمديين يحاور أمه، فمنعه شيخ من حوارها فتقول السيدة: إنه ابني وأنا أوجه إليه السؤال، فلماذا تقحم نفسك بيننا ؟ وإذا كان يحاور حماه فسيقول حموه: هذا صهري، وأنا أسأله، فكيف تمنعني من سؤاله؟ ولأن الحق معكم فستكون النتيجة أن الله الله سيشرح صدورهم في النهاية، ويجذبهم إلى الحق.واعلموا أن الدعوة ليست بشيء عابر ، بل إنها ستستمر إلى الأبد.يقول الله الله في القرآن الكريم مخاطبًا المسيح ال : وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا العلية إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ..وهذا يدل بكل وضوح أن الذين كفروا بالمسيح سيبقون إلى يوم القيامة.وما دام القرآن الكريم قد أكد ضرورة الإيمان بالمسيح، فإن الكافرين به سيكفرون بالقرآن الكريم أيضًا، فثبت من هنا أنه سيكون إلى يوم القيامة قوم لا يدخلون في الإسلام وبالتالي ستظل هناك حاجة لدعوتهم إلى الإسلام هناك لعبة كانت البنات عندنا يلعبنها في الماضي وقد تلاشت الآن إذ لم أرهن يلعبنها.فيقف فريق من خمس أو ست بنات في جانب ويقف فريق آخر في الجانب الآخر، ثم تذهب بنات أحد الفريقين إلى الآخر ويسألنهن شيئًا وربما يطلبن يد بنت منهن أو شيئا كهذا، فترفض البنات الأخريات ،طلبهن وعندها تبدأ اللعبة.فعندما تقول بنات الفريق الثاني: لن نعطي، تقول بنات الفريق الأول: سنأخذ حتما، وهكذا يستمر الجدال والصراخ بين الطرفين ولا ينتهي كذلك يقول القرآن الكريم سيظل قوم مصرين على الإنكار إلى يوم القيامة، ويقولون: لن نؤمن، ومن واجبكم أن تقولوا لهم: لن نبرح حتى نقنعكم.إذًا، فيجب أن يكون إيمانكم وحماسكم وغيرتكم أقوى من هذه البنات اللاعبات.فإن فريقًا منهن عندما يرفض، يظل الفريق الآخر مصرا على الطلب.
الجزء السابع لگے ٣٤١ سورة الشعراء كذلك من واجبكم أن لا تلين قناتكم، بل إذا وجدتم قوما مصرين على الإنكار فقولوا لهم باستمرار كلا لن نبرح حتى نقنعكم.لقد رأيت أن الناس عادة يقولون إن أقاربنا من إخوان أو بني إخوان أو غيرهم لا يستمعون لنا، ولا تنجع فيهم دعوتنا.ولا يفكر هؤلاء المتذرعون أنهم هم الآخرون كانوا في يوم من الأيام إخوانًا أو بني إخوان أو بني أخوات أو أحماء أو أزواج لبعض غير الأحمديين، ولكن الله الله هداهم إلى الأحمدية، فكيف يقولون أن أقاربهم لا يهتدون أبدًا؟ الواقع أن أفراد جماعتنا لا يقومون بدعوة أقاربهم وأصدقائهم المقربين بطريق سليم، وإلا فمن المحال ألا يتأثروا بدعوتهم.الواقع أن لكل قريب حقا على أقاربه، ولكل صديق على أصدقائه، ولكل أخ حقا على إخوته، ولكل زوج على زوجته.ولن تجد في الدنيا امرأة تقول إذا كان زوجي سيدخل الجحيم فليدخل، فما لي وله؟ ولن تجد رجلاً يقول إذا كانت امرأتي ستدخل الجحيم فلتدخل، فما لي ولها فالحقيقة أن الرجل إذا دعا امرأته إلى الحق، أو أن المرأة إذا دعت زوجها إلى الحق، فإنه لا يقوم بالتبليغ، بل إنه يؤدي واجبه تجاهه.وكذلك إذا دعا الأخ أخاه إلى الحق فإنه لا يقوم بالدعوة، بل يؤدي حق أخيه.وكذلك إذا دعا الصديق صديقه إلى الحق فإنه لا يقوم بالتبليغ، بل يؤدي ما عليه من حق؛ وإذا لم يؤد واجبه هذا فإنه ليس صديقا له بل عدوّا، ولن يعتبره صديقه ناصحًا له بل يعتبره عدواً حيث يحرمه من أتباع الحق.فلو قام كل قريب وكل صديق بواجب التبليغ تجاه قريبه أو صديقه باعتباره حقا واجبًا عليه فسوف يصل الحق إلى مئات الآلاف في فترة قصيرة.ثم يقول الله : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ..أي يا محمد، عليك بالرفق والعطف على الذين يتبعونك ليزدادوا حُبًا للإسلام، وعليك بتربيتهم خاصة لتستغل طاقاتهم على أحسن وجه الواقع أن الأمم كمثل الأنهار، فكما أن الأنهار تنبع وتجري، فتتضرر بعض الشعوب المهملة من فيضاناتها التي تغرق قراهم وتدمر أراضيهم، بدلاً من أن تنتفع من مياهها وغاية ما ينتفعون منها أنهم يصيدون السمك منها.ولكن الأمم الذكية تشق من الأنهار قنوات، فتعمر بها أراضيهم
الجزء السابع ٣٤٢ سورة الشعراء الجرداء وتكسب الملايين.كذلك لو تمت تربية الأفراد وتفخت فيهم روح التضحية، أمكن استغلال طاقاتهم على أحسن وجه وتقدمت الشعوب بسرعة هائلة.الحق أن مثل الجيل القديم كعين ينبع منها النهر، ومثل الجيل الناشئ كمثل جدول، والجيل التالي كنهر صغير والجيل الذي بعده كنهر عظيم، والجيل الذي بعده كبحر عظيم.فإن المرء إذا أراد الماء من العين اضطر للمشي إليها، ولكن الجدول يجري قريبا من البيوت وله ،خرير ولا يكون المرء بحاجة للذهاب إليه.ثم عندما يتحول إلى نهر صغير فلا يجري قريبًا من البيوت فحسب، بل يتسع ويقترب من البيوت أكثر.وحينما يُصبح نهرًا كبيرًا فيجري قريبا من البيوت أكثر، ولا يكون هناك خوف من أن يغور ماؤه في الأرض أو يختفي في الرمال، بل إنه يجري قافرًا من على الجبال والتلال والرمال باتجاه البحر.وعندما يتحول إلى بحر فتتصل به أطراف الأرض كلها، فلا يبقى طرف من أطرافها إلا ويكون متصلاً به.كذلك إذا تمت تربية أفراد الجماعة على أسس سليمة، ونُفخت في أجيالها الصاعدة روح التضحية والإيثار والفداء قدر الإمكان أصبحوا وسيلة كبيرة لإرساء السلام في العالم.إذا كانت القنبلة الذرية المصنوعة من معدن اليورانيوم" سلاحًا فتاكا مدمّراً للعالم، فإن استغلال طاقات أفراد الجماعة بطريق سليم ونفخ روح التضحية في الناشئة وتربيتهم الصحيحة لوسيلة يقينية لخلود الأمم، لأن كل فرد يشعر عندها أن جماعته بحاجة لجهوده الشخصية لفتح الدنيا وجعل الإسلام غالبًا على الأديان كلها.هذا هو الأمر الذي بينه الله الله في هذه الآية حيث أمر نبيه باتباع طريقين: أحدهما بخصوص المعارضين، وثانيهما بخصوص الموافقين.فعليه بإنذار المعارضين بما فيهم عشيرته الذين يتبعون سبيل الخسران، كما عليه بتربية المؤمنين الذين كثير منهم ليسوا من أقاربك ومع ذلك يتبعونك ويطيعونك، فإن نجاة العالم وطة الآن بتربيتهم الصحيحة.فقل للقوم: إن الذي لا يُطيعك من أقاربك ويعارضك سينال العقاب، وأن الذي يصدق بما تقول سينال الثواب وإن لم يكن من أقاربك.إن المنكر سيُعاقب وإن كانت بينك وبينه قرابة، وأن التابع سيُثاب وإن منوط 28
٣٤٣ سورة الشعراء الجزء السابع لم يكن بينك وبينه قرابة.فاخفض جناحك بالرفق والرحمة للمؤمنين، سواء أكانوا من الأقارب أو الأباعد.فكأن الله تعالى يقول الرسوله إن من واجبك أن تستمر في إنذار الأقارب لأنهم إذا لم يؤمنوا سيُعاقبون، وعليك أن تعتني أكثر فأكثر بالذين آمنوا بك وإن لم يكونوا من أقاربك، فبعضهم من الروم، وبعضهم من ،فارس، وبعضهم من الحبشة، وبعضهم من الشام وبعضهم من القبائل العربية غير قريش ذلك لأنهم هم أقاربك الحقيقيون من الآن فصاعدًا.أما الذين كانوا من أقاربك ولم يؤمنوا بك، فإنهم لم يعودوا أقارب لك لعدم إيمانهم، إنما أقاربك الحقيقيون من آمنوا بك واتبعوك وأطاعوك في كل شيء.ثم يقول الله : فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ.اعلم أن ضمير : الجمع للغائب في قوله "عصوك" يرجع إلى الكافرين وليس إلى المؤمنين، والمعنى إن عصتك عشيرتك رغم تحذيرك إياهم واستمروا في سبيل الغي، فقل: إِنِّي بَرِيء ممَّا تَعْمَلُونَ..أي عليك أن تقطع الصلة عنهم، وتعلن لهم أنك تتبرأ من أعمالهم وتكرهها، فلا يغتروا بقرابتك فيظنوا أنهم سينالون النجاة وإن لم يتبعوك.لا شك أنهم أقاربك، ولكن النجاة لا تتوقف على القرابة إنما سبيلها أن يتبعوك ويطيعوك، وإلا فإنهم سيعاقبون رغم قرابتهم منك.لقد علم القرآن الكريم هنا أسلوبًا رائعًا للدعوة والتبليغ، ولو أن المسلمين عملوا به لحققوا نجاحًا كبيرًا.فحيثما ينتشر الإسلام علينا أن نوضح للمسلمين الجدد أن يذهبوا فورًا إلى أقاربهم وأصدقائهم، فيبلغوهم دعوة الإسلام ويُحسنوا معاملتهم، فإن لم يطيعوهم فليقطعوا صلتهم بهم إلى حد ما لكي يتندموا ولكي يظل المؤمنون في مأمن من تأثيرهم السيئ.وهذا يُماثل قول المسيح للحواريين حين نصحهم قائلا: "من لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم، فاخرجوا خارجًا من ذلك البيت أو من تلك المدينة، وانفضوا غبار أرجلكم" (متى ١٤:١٠).
٣٤٤ سورة الشعراء يعني أن من الجزء السابع أما فئة المؤمنين فقد أمر الله رسوله بصددهم : وَاحْفَضْ جَنَاحَكَ لمَن اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.وتعبيرُ خفض الجناح مأخوذ مما تفعل الطيور بأولادها، حيث نرى أن فراخها عندما تكون ضعيفة غير قادرة على الجري أو الطيران فإنها تغطيها بأجنحتها كي لا تخطفها الحدأة وغيرها من الطيور الجارحة.إن الإنسان يكسو أولاده الثياب، ولكن ليست عند الطيور ثياب تكسوها أولادها، فتسترها تحت أجنحتها.فمثلاً إذا حملت دجاجة ذات فراخ من مكانها خرجت من تحتها العديد من فراخها.فقوله : وَاحْفَضْ جَنَاحَكَ لمَن اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) واجبك يا محمد أن توجه عنايتك كلها للمؤمنين وتربيهم على أحسن وجه.ومن البديهي أن عملية تربية المؤمنين والنهوض بهم إلى أعلى الدرجات لا تخلو من المشاكل والصعاب، ولذلك قال الله له بعد ذلك: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العليم.علما أن الإنذار والتحذير أمر سهل إذ يتم باللسان، ولكن التربية والإصلاح يتطلب جهودًا كبيرة، ولا يملك المرء سلطة وخيارًا لتربية أحد.فإننا نرى أحيانًا أن الأب يريد أن يصبح ابنه قاضيًا، ولكنه لا يصبح حتى ساعي بريد، أو يريد أن يصبح ابنه عالم دين، ولكنه عندما يكبر يرغب عن علوم الدين كلية.كان الخليفة الأول له يخبرنا أنه كان هناك عالم متبحر في الصرف والنحو وكان شهيرًا في الهند كلها، ولكنه كان إنسانًا بسيطا، ومن رآه لأول وهلة ظنه فلاحًا من يزور القرية، وكان اسمه "المولوي خان ملك".وعندما سمع دعوى المسيح الموعود ال جاء إلى قاديان، وسمع كلامه وآمن به ورجع وعندما وصل إلى لاهور أراد أن أحد تلاميذه "المولوي غلام أحمد" الذي كان إذاك مدرسًا في المسجد الملكي هناك، وكان عالما شهيرًا و ميسور الحال كونه يدرس مئات الطلاب في لاهور التي كان أهلها من أهل المال والثراء.فلما وصل المولوي" خان ملك" إلى المسجد الملكي ظن الطلاب أنه أحد العوام إذ كانوا لا يعرفونه ولا مكانته العلمية، فانخدعوا ببساطة مظهره وشخصيته.فسأله المولوي" غلام أحمد: من أين جئت؟ قاديان.فسأله من في حيرة من قاديان؟ قال نعم من قاديان.قال: لماذا قال:
الجزء السابع ٣٤٥ سورة الشعراء هو الآخر من كان ذهبت هناك؟ قال: لأنضم إلى أتباع حضرة المرزا قال: إنك عالم كبير، فماذا رأيت فيه حتى أصبحت من مريديه؟ فقال له باللغة البنجابية ما معناه: دعك هذا، فإنك لم تتقن بعد "قال ويقول".فبما أن "المولوي غلام من مشاهير العلماء، فاستشاط تلاميذه غضبًا وقالوا لـ "المولوي خان ملك": ماذا تقول أيها الشيخ الهرم؟! فمنعهم أستاذهم وقال: اسكتوا، فإن ما يقوله كلام سليم.باختصار كان "المولوي خان ملك" عالما ذائع الصيت في الهند كلها في علم تريد أن الصرف والنحو، حتى قيل أن كتبه تبدو وكأنها أُلّفت منذ أربعة أو خمسة قرون.المهم أن الخليفة الأول لله كان يقول : إن "المولوي خان ملك" شكا إلي ابنه الأكبر "عبد الله" وقال: إن ابني هذا لا يهتم بالعلم، فانصحه وقل له أنه إذا لم يتعلم اليوم فيخسر خسرانًا كبيرًا.فنصحت ابنه وقلت إنك ابن عالم ذائع الصيت في الهند، فلماذا لا تتعلم؟ فقال: إنني أريد أن أتعلم ولكن أبي لا يعلمني.قلت: لقد جاء أبوك يشكوك إلي أنك لا تتعلم، وأنت تقول إنه لا يعلمك مع أنك تتعلم؟ قال: إن أبي يريد أن أتعلم العربية، وأنا لا أريد ذلك، بل أريد أن أتعلم الإنجليزية.قال: لماذا ؟ قال : الواقع أنه عندما جاء القطار في منطقتنا أول مرة خرجتُ مع أبي في سفر، ولم يعرف أبي الذي تقول عنه إنه عالم كبير جدا أن هناك درجتين في القطار: فاقتحم عربة الدرجة الأولى حاملاً حزمة أمتعته، فوجد في العربة مفتش التذاكر الذي كان من الهنود المتأنجلزين، فنهره قائلا: اخرج، أيها العجوز، من هنا، فمالك ولهذه العربة؟ فخرج أبي من العربة وهرب من فجريت وراءه ولكنه لم يتوقف إلا بعد قرابة ميل فلحقته وقلت له: لماذا فر قال : لقد أخطأتُ فخفتُ أن يلقي المفتش القبض علي.فمنذ ذلك الحادث قررتُ المحطة، فررت؟ ألا أتعلم العربية أبدا، بل سأتعلم الإنجليزية فقط، لأن المرء لو صار عالما كبيرا في العربية ومع ذلك ظل جاهلاً لا يستطيع التمييز بين عربات الدرجة الأولى والدرجة الثانية، فما الفائدة من تعلم هذه اللغة؟ فإذا كان أبي يريد أن أتعلم فسأتعلم الإنجليزية فقط، ولن أتعلم العربية أبدا.
٣٤٦ سورة الشعراء الجزء السابع فترى أن ابن عالم دين ذائع الصيت ظل محروما من علوم الدين رغم أمنية أبيه الشديدة.فالله قد بين في قوله وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أن التربية والإصلاح عمل جبّار يتطلب جهودًا مضنية، ولا يمكن إنجازه إلا إذا كان الذين يراد إصلاحهم وتربيتهم متصفين بالحماس والإخلاص والطاعة.ولذلك قال الله تعالى من ناحية بصدد المنكرين المعارضين: ﴿فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ، ومن ناحية أخرى قال بصدد المؤمنين: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الذي يَرَاكَ حينَ تَقُومُ ) وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجدين ) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.الواقع أن عملية تربية المؤمنين التي أمر بها النبي له ما كانت لتتحقق لو لم تتوفر له ثلاثة عناصر : أوّلُها تأييد الله ونصرته، وثانيها تحلي النبي ﷺ بحماس تام لتربيتهم، وثالثها تحلّي القوم الذين يريد تربيتهم بروح الطاعة.وقد طمأن الله لنبيه بتوفر هذه الأمور له فقال: أولاً : وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ)..أي عليك أن تبدأ هذا العمل متوكلاً على الله الله فإنه ينصرك ويؤيدك حتما، وثانيا: الذي يَرَاكَ حينَ تَقُومُ..أي أنه يعلم جيدا ما فيك من حماس شديد لتربيتهم، وثالثًا: وَتَقَلْبَكَ في السَّاجدين..أي أنك تمشي بين قوم متحمسين لطاعتك تواقين لاتباعك.كان النبي الهلال يواجه ثلاث مشاكل في مهمته، فقال الله له: إن هذا العمل يتطلب تأييد الله الله وأنا جاهز لتأييدك ونصرتك، وأنه يتطلب حماسًا لتربية المؤمنين وإصلاحهم، وأنت تتحلى بهذه العاطفة، وأنه يتطلب روح الطاعة والاتباع في الذين تريد تربيتهم وإصلاحهم وهم متحلون بهذه الصفة، إذا، فإنجاز مهمتك ليس بمتعذر أبدًا.وقد قال بعض المفسرين أن قوله تعالى: وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجدين أن آباء كلهم كانوا ساجدين أي مؤمنين التفسير المظهري.ولكن هذا خطأ؛ فقد عن أُمِّه: "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ النبي ورد في الحديث أن النبي ﷺ قال مرة لأصحابه أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤذَنْ لِي." (مسند أحمد: مسند أبي هريرة) يعني فثبت أن نظرية المفسرين عن آباء الرسول الله لا صحة فيها.لا شك أنه قد ورد عن جده عبد المطلب أنه كان يحب التوحيد، ولكن يتضح أيضًا أنه كان في
٣٤٧ سورة الشعراء الجزء السابع حالة من التذبذب فكان يميل إلى التوحيد حينًا وإلى الشرك حينا آخر، فكونه قد نذر لدى بحثه عن بئر زمزم بأن الله الا الله إذا أعطاه عشرة أولاد فشبّوا وترعرعوا وتعالى أمام عينيه فسيضحي بأحدهم قربانا الله الله، وكونه قد اقترع أمام صنم "هبل"، ليشكل دليلاً واضحًا على أنه لم يدرك عقيدة التوحيد إدراكًا صحيحًا (السيرة النبوية لابن هشام، المجلد الأول، ذكر نذر عبد المطلب ذبح ولده).فمن الخطأ القول أن قول الله وَتَقَلُّبَكَ في الساجدين يدل على أن آباء النبي لو كانوا مؤمنين حتما.إنما الحقيقة أن الله تعالى يثني هنا على الصحابة ويقول للنبي ﷺ إنك تعيش وتتنقل بين ظهراني قوم عابدين ساجدين لله ، لأن التقلب قد ورد هنا كما ورد في قوله قَدْ نَرَى تَقَلبَ وَجْهَكَ فِي السَّمَاءِ)) (البقرة : ١٤٥)، ومعنى التقلب تنقل الشيء من هنا إلى هناك.وأي شك في أن النبي ﷺ كان يتنقل دائما بين صحابته، فحينا كان يتشاور في أمر حرب فيجتمع حوله لفيف من القادة، وحينا آخر كان يفصل في معاملات الناس فيجتمع حوله جماعة من الفقهاء والقضاة، وتارة كان يتحدث عن أمور التصوف فيجتمع حوله جماعة من الصوفية وتارة أخرى كان يتحدث عن الصدقة فيجتمع حوله أصحاب المال والسخاء فكان يجتمع عنده كل حين عباد مطيعون الله من كل نوع فكلما احتاج النبي إلى أمر وجد حوله المؤهلين لذلك المجال الخاص، وليس هذا فحسب بل كان هؤلاء يعبدون الله الله ويسجدون له أيضا، وكان النبي لا يتنقل بينهم ليلاً ونهارا، وهذا هو معنى التقلب في الساجدين.فالمراد من قوله : وتَقَلُّبَكَ في الساجدين أن الله قد أعطى النبي ﷺ صحابة من الطراز الأول، فحيثما توجه وجد ساجدين تلو الساجدين، فإذا توجه إلى القادة وجد عنده قادة ساجدين، وإذا توجه إلى القضاة قضاة ساجدين، وإذا توجه إلى المعلمين وجد عنده معلمين ساجدين، وإذا توجه إلى الصوفية وجد عنده صوفية ساجدين، وإذا توجه إلى المستشارين الاقتصاديين والمدنيين وجدهم أيضًا ساجدين فكان يجد في كل مجال من مجالات الحياة أناسًا مؤهلين، وفي نفس الوقت عابدين الله تعالى ومطيعين له..وإلى هذه المنة الإلهية قد أشار الله تعالى في هذه الآية حيث قال يا محمد إن كل من حولك موحدون، وجد عنده
الجزء السابع ٣٤٨ سورة الشعراء وتتنقل بين هؤلاء الموحدين ليلاً ونهارًا.فكم هي عظيمة منتنا عليك حيث خلقنا لك في أرض مكة المليئة بالشرك كثيرًا من المؤمنين الموحدين، وجعلنا بين أهلها الذين كانوا يعبدون مئات الأصنام ليلاً ونهارا قوما متمسكين بالتوحيد، فإذا توجهت إلى اليمين وجدت عبادًا موحدين، وإذا توجهت إلى اليسار وجدت عبادا موحدين، وحيثما ذهبت لقيت عباد الله الله الموحدين الساجدين.ومما لا شك فيه أن كفر زوجات نبي أو أولاده لا ينال من مكانته شيئًا، إلا أننا نرى أن زوجات بعض الأنبياء لم يؤمن بهم، وأولاد بعض الأنبياء قد أنكروا نبوتهم، بيد أننا نجد أن زوجات النبي كُن فداء الدين، كما كانت ذريته أيضا فدائيين للدين، وكان أصحابه عشاقا صادقين للإسلام، فكل من كان على صلة به قد جعله الله الله من "الساجدين"، وهذه خصوصية لم توجد في أحد سوى النبي ، ومن أجل ذلك قال الله تعالى له: وَتَقَلُّبَكَ في الساجدين..أي أنك حيثما تذهب تكن بين الموحدين الساجدين، ففي بيتك التوحيد، وعند أصدقائك التوحيد، وحيثما تذهب تغرس غراس التوحيد، حتى جعلت آلاف المشركين الله عابدين ساجدين الله.وأرى من الضروري هنا إلقاء الضوء على أحد أقوال المسيح الموعود اللي بصدد هذا الموضوع.يقول حضرته ما تعريبه: " يقول الله في موضع آخر من القرآن الكريم: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الله الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجدينَ..أي عليك أن تثق بالله الذي هو غالب وذو رحمة، والذي يراك حين تقوم للدعاء والدعوة، بل يراك منذ أن كنت تتنقل كبذرة في أصلاب الصالحين إلى أن استقررت في بطن والدتك العظيمة "آمنة"." (ترياق القلوب (أردو ) الخزائن الروحانية المجلد ١٥ ص ٢٨١).هذه الفقرة تبدو لأول وهلة متعارضةً للمعنى الذي ذكرته آنفا، ولكن اعلم أن كلمة "الساجد" تعني حرفيًا الذي يطيع في كل شيء ولا يوجد فيه أثر للعصيان والنشوز.ولو تدبرت أكثر لوجدت أن كلمة "الساجد" يمكن أن تستعمل بمفهومين: ساجد لله أو ساجد للمجتمع.والساجد الله من يتبع أوامر الله الله ولا
الجزء السابع ٣٤٩ سورة الشعراء يتعدى حدوده وقوانينه، والساجد للمجتمع من يطيع أوامر المجتمع ولا يتمرد على قوانينه.والآن نتوجه إلى معنى هذه الآية.فاعلم أن النبي الله وقد قال إن للقرآن الكريم بطونًا عديدة، فمن هذه البطون أننا إذا أردنا تفسير آية فعلينا أن نفسرها آخذين في الحسبان سياق الآيات الأخرى لأن إهمال السياق قد يؤدي إلى الخطأ في التفسير.ومن بطون القرآن أيضًا أن نفسر الآية على ضوء مجموعة كبيرة من الآيات الواردة قبل الآية المفسرة وبعدها.ومن بطون القرآن أن نفسر الآية على ضوء موضوع السورة كلها.ومن بطون القرآن الكريم أن نفسر الآية على ضوء عديد من السور التي قبلها وبعدها.ومن بطون القرآن الكريم أن نفسر الآية على ضوء القرآن الكريم كله.وهناك بطون أخرى للقرآن الكريم أيضًا، وهذا علم قد فتحه الله عليّ بفضله العظيم، ذلك أن مواضيع بعض الآيات تكون وثيقة الصلة بالسور السابقة لها حينًا أو بالسور اللاحقة حينًا ،آخر كما أن الآية الواحدة تؤدي بمفردها مفهومًا بينما تعطي مفهوما آخر بالجمع مع غيرها من الآيات.6 خاصة والآن نتدبر المعنى الذي بينه المسيح الموعود ال لهذه الآية لنعلم بحسب أي بطن فسرها.فلو تعمقنا في الأمر وجدنا أن المفهوم الذي ذكره حضرته العلمية لهذه الآية إنما بينه بالنظر إليها منفردة وليس بالنظر إلى سياقها، إذ اقتبسها في معرض البيان أن رسل الله ينتمون دائما إلى الأسر العريقة الشريفة بحيث لا يمكن أن يكرههم أحد بسبب الله أسرهم، إذ لو كانوا من أسر رذيلة عند أهل تلك المدينة أو المنطقة أو البلاد صعب عليهم تصديقهم.وإنه لمما يتنافى مع حكمة الله وتدبيره أن يبعث أنبياءه من أسر وضيعة رذيلة فيحمل الناسَ ما لا يطيقون.فبما أن بعث نبي أو رسول من أسرة رذيلة يكون حجر عثرة لطبائع البشر وتحول دون إيمانهم بأنبيائهم، لذا فلم يزل الله الله يبعث الرسل والمأمورين من بيوت الشرفاء والوجهاء لكيلا تنشأ في قلوب الناس مشاعر الكراهية والاحتقار تجاههم من جراء أسرهم.فثبت أن المسيح الموعود ال قد بين هذا المعنى نظراً إلى الآية منفردة وليس نظرا إلى سياقها، موضحا أن آباء النبي ﷺ كانوا من الساجدين للمجتمع..أي لم
٣٥٠ سورة الشعراء الجزء السابع يكونوا متمردين عليه بل كانوا من المواطنين الشرفاء الوجهاء، ولم يكونوا من الذين يعتبرهم القوم من الأراذل أو العصاة والغدّارين.وقد أخبر النبي أن الأنبياء كلهم يُبعثون من أسر عريقة، وهكذا فإن هذا المعنى الذي يذكره المسيح الموعود العلمية لا ينطبق على النبي وحده بل ينطبق على الأنبياء كلهم؛ وعليه فلا يمكن أن يكون الساجد هنا بمعنى الساجد الله الا الله ، إذ من المعروف أن آباء بعض الأنبياء لم يكونوا ساجدين الله تعالى، فلا بد من التسليم أن الساجد هنا بمعنى الساجد للمجتمع الذي يطيع أهله ولا يتعدى قوانينه.واعلم أن لكل مجتمع معياره الخاص للشرف والوجاهة، فمثلاً إذا شرب المسلم الخمر اعتُبر غير شريف في مجتمعه، ولكن أحد الإنجليز إذا شربها اعتبر شريفا في مجتمعه.فبرغم أن الفعل واحد إلا أننا إذا نظرنا إليه بحسب معيار مجتمع صار شرب الخمر إنما وشاربها آثما، بينما أصبح عند مجتمع آخر من الشرفاء والمطيعين.فثبت أن معيار الشرف يتغير من مجتمع إلى مجتمع نظرًا إلى أعرافه وقوانينه.ولا شك أن آباء الرسول ﷺ كانوا شرفاء في مجتمعهم ولكن مما لا شك فيه أيضًا أنهم لم يكونوا شرفاء صالحين بحسب معيار الإسلام، فثبت أن المعنى الذي ذكره المسيح الموعود العلم إنما بينه نظرا إلى هذه الآية منفردة وليس بالنظر إلى السياق كله، ولكنه مفهوم صحيح دونما شك طبقا لأحد بطون القرآن الكريم، إذ قد قال الرسول ﷺ إن للقرآن سبعة بطون، فيمكن تفسير آية واحدة بمعان عديدة وكل واحد منها يمكن أن يكون صحيحًا.فهناك مفهوم لآية بالنظر إليها منفردة، وهناك مفهوم بحسب سياق وتسلسل آيات عديدة، وهناك معنى لها وفق سياق السورة وموضوعها كلها، وهناك معنى لها بحسب سياق وتسلسل عدة سور، وهناك مفهوم لها على ضوء القرآن الكريم كله وكل هذه المفاهيم تكون صحيحة.فالمعنى الذي ذكره المسيح الموعود ال إنما ذكره نظرا إلى هذه الآية منفردة، حيث أثبت أن آباء النبي لا لو كانوا شرفاء محترمين في مجتمعهم وملتزمين بقوانينه.فكأنه الله يقول إن أسرة النبي ﷺ كانت عريقة جدًا بحسب المعايير التي وضعها المجتمع العربي للأسر الشريفة العريقة، وليس بحسب معايير الإسلام.لها
الجزء السابع ٣٥١ سورة الشعراء وقد سلّم القرآن الكريم أيضًا بهذا الفرق حيث أحلّ لنا أكل طعام أهل الكتاب بينما حرّم علينا طعام المشركين (المائدة: (٦)، مع أن أهل الكتاب أيضا كانوا يشربون الخمر ويأكلون لحم الخنزير، بينما كان بين المشركين من لا يأكل لحمه أيضًا - علما أن المراد من المشرك هنا من لا يؤمن بكتاب، ولكن هذا لا من يؤمن بكتاب لا يشرك أبدًا.لا شك أنه بحسب المعنى الدقيق للشرك فإن أهل يعني ما أن هو من الكتاب والملحدين أيضا مشركون، ولكن للمشرك مفهوم بحسب اصطلاح القرآن الكريم ومفهوم آخر بحسب العرف العام حيث أطلق القرآن اسم أهل الكتاب على الذين يؤمنون بكتاب سماوي وإن لم يكونوا عاملين بأحكامه وقوانينه، وإنما إيمانهم به يكفي لتسميتهم أهل الكتاب، شأنهم شأن الكثير من المسلمين الذين لا يعملون بأحكام القرآن الكريم ولكنهم يُسمون مسلمين - باختصار إن الله قد أحل لنا طعام أهل الكتاب لأنهم ملتزمون حتما ببعض الضوابط والأخلاق كونهم أهل كتاب، ويمكن أن تحسن بهم الظن بأنهم لن يُطعمونا على سبيل الخداع حرام في ديننا لأن الخداع ليس جائزا في أي كتاب سماوي.ولكن الذي يعلن بنفسه أنه ليس ملتزمًا بأي قانون سماوي فلا يمكن أن نحسن به الظن وإن كان الشرفاء، بل سنقول : حيث إنه ليس ملتزما بأي قانون سماوي ولا يمنعه من خداعنا مانع، فقد يخدعنا فيطعمنا ما حرم علينا ديننا.إذا، فإن القرآن الكريم إنما أحل لنا أكل ذبيحة أهل الكتاب لأنهم ملتزمون بقانون، وإن كانوا يأكلون لحم الخنزير أيضًا، وإنما نهانا عن أكل طعام المشركين لأنهم غير ملتزمين بقانون، فليس هناك مانع يمنعهم من الخداع.فيحل لنا أكل طعام كتابي وإن لم يكن ذا خلق من الناحية المادية، ولا يحل لنا أكل طعام مشرك وإن كان ذا خُلق من الناحية الدنيوية؛ ذلك لأن أهل الكتاب ملتزمون بقانون فاليهود يؤمنون بالتوراة، والنصارى يؤمنون بالإنجيل والهندوس يؤمنون بالفيدا، وكل هذه الكتب تنهى عن الخداع، ولذلك فقد منحت شريعتنا الإسلامية أهل الكتاب حقوقًا أكثر من غيرهم.6 قصارى القول إن آباء الرسول كانوا مواطنين شرفاء ملتزمين بقوانين مجتمعهم فسُمّوا ساجدين، ولكنهم لم يكونوا ساجدين لله له بل ساجدين لقانون
٣٥٢ سورة الشعراء الجزء السابع مجتمعهم وبلدهم وكانوا من أسرة عريقة والأنبياء يُبعثون دائما من الأسر العريقة الشريفة لأنه لو بعث نبي من قوم أراذل - خلافًا لسنة الله - لم يصدقه الناس محتجين بأنه ليس من أسرة عريقة أو أنه من العبيد.فإنك ترى أنه برغم أن موسى ذلك عيره فرعون مصر بأنك عشت على خبز بيوتنا العبيد، من كونه كي ومع العليا لم يكن نه قد تربى في بيته (الشعراء: ١٩).كذلك تجد النصارى يطعنون في النبي ﷺ حتى اليوم بأنه من ذرية إحدى الإماء، ذلك أنهم يعتبرون هاجر – رضي الله عنها – أَمَةً أنه (التكوين ١٦ :٢)، مع يتضح من التوراة جليًا أن هاجر كانت من أقارب الملك المصري، وأنه قد أهداها إلى إبراهيم بكل حب وإخلاص.فكونها قد قدمت لإبراهيم اللي هدية قد دفع النصارى ليعتبروها أمة.إذًا، فإن الأعداء ينظرون بمنظار التعصب دائما، ولذلك يبعث الله ل رسله دوما من الأسر العريقة الشريفة لا تنقبض قلوب الناس من تصديقهم.فترى أن هرقل قيصر الروم لما وجه بعض الأسئلة إلى أبي سفيان سأله عن نسب النبي ﷺ وقال: "كيف نسبه فيكم"؟ فما كان لأبي سفيان إلا أن يعترف بأنه من أسرة عريقة وأنه من أقاربه.(البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي) إذا، فإن المسيح الموعود الا لم يبين معنى هذه الآية نظرا إلى سياقها، إنما أثبت بها أن كل نبي يكون من شرفاء قومه، وأن الأنبياء الذين بعثوا في الدنيا كانوا كلهم من أسر عريقة شريفة، ومن أولاد مواطنين شرفاء ملتزمين بالقانون نافعين للمجتمع؛ فلم يستطع الناس أن يحتقروهم بسبب أسرهم، بل كانوا يحترمونهم ويبجلونهم من هذا المنظور.= مفهوم قصارى القول، إن المفهوم الذي قد بينه المسيح الموعود العليا إنما بينه نظرا إلى هذه الآية منفردةً، وهناك مفهوم آخر بينته على ضوء سياق هذه الآية، وهناك ثالث أيضًا بالنظر إلى موضوع السورة كلها وهو كالآتي: تتحدث هذه السورة (الشعراء) أولاً عن موسى ال، ثم عن إبراهيم ونوح وصالح ولوط وشعيب - عليهم السلام - وفي النهاية عن النبي.وهناك أنبياء كثر لم ترد أسماؤهم في القرآن الكريم، كما لم يعد تاريخهم محفوظا.وقد بين القرآن
الجزء السابع النبي ٣٥٣ سورة الشعراء الكريم كقاعدة عامة أن جميع الأنبياء ظلوا ينبئون عن مجيء رسول الله محمد ﷺ ولكن أنباء بعضهم محفوظة، وأنباء بعضهم غير محفوظة.فمثلاً لا تزال النبوءات التي أدلى بها إبراهيم وموسى وعيسى موجودة في التوراة والإنجيل، ولكن الأنبياء الذين لم يذكر القرآن أسماءهم وليس تاريخهم محفوظا فنبوءاتهم عن بعثته غير محفوظة.وبعد ذكر هؤلاء الأنبياء كلهم يقول الله : كيف يقول المعارضون أن شيطانا ينزل على محمد؟ فليأتوا بسلطان على زعمهم هذا إن هؤلاء المنكرين بعضهم من اليهود وبعضهم من النصارى وبعضهم من العرب، وكل فئة أو تؤمن بني منهم آخر من هؤلاء الأنبياء، فالنصارى يؤمنون بالمسيح واليهود يؤمنون بموسى ونوح وإبراهيم ولوط، والآخرون يؤمنون بهود وصالح.وقد كانت هناك نبوءات عن بعثة من قبل إبراهيم الجد الأكبر لأهل مكة، كما كانت هناك نبوءات عن العلامة الجد الأكبر للنصارى واليهود، فلذلك قال الله الله لمحمد : وَتَقَلبَكَ في الساجدين..أي أن من أكبر الأدلة على صدقك أن الله كافة ظلوا يخبرون عن مجيئك.وبما أن التقلب يعني التنقل من هنا إلى هناك وعليه فكأن الله له يقول: يا محمد، لقد ظهرت لموسى في حالة الكشف، وقد تجليت على إبراهيم ونوح وهود وصالح، وما دمت موجودًا أمام أعين هؤلاء الأنبياء الذين يؤمن بهم هؤلاء المعارضون فكيف يرفضونك ويتهمونك بالكذب؟ لقد رآك إبراهيم في حالة الكشف فأنبأ عن مجيئك، لقد رآك موسى في حالة الكشف فأخبر عن مجيئك، لقد رآك عيسى في حالة الكشف فأخبر عن بعثتك، لقد أخبر هؤلاء الأنبياء جميعهم أن نبيًّا عظيمًا سيُبعث بعدهم.وما دام أجداد هؤلاء المنكرين قد تنبأوا عن بعثتك يا محمد، معلنين لهم أن نبيًا عظيما سيبعث بعدهم، مجيئه رسل قبل موسى فعليهم أن يؤمنوا به، فكيف ينكرونك الآن رافضين شهادة آبائهم وكبرائهم؟ إذا، فكأن قوله : وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجدين يعني على ضوء موضوع هذه السورة كلها: "وتقلبك في الأنبياء"..بمعنى أن إبراهيم قد أشار إليك بإصبعه وقال إنه نبي صادق، وقد أشار إليك نوح وشهد بصدقك، وأشار إليك موسى بإصبعه وقال إنه رسول صادق، وأشار إليك عيسى بإصبعه وقال إنه نبي صادق، وقد أشار
٣٥٤ سورة الشعراء الجزء السابع إليك هود وصالح ولوط وشعيب بأصابعهم وقالوا إنه نبي صادق.فأيها المنكرون، ما دام جميع هؤلاء الأنبياء الذين هم أجدادكم قد شهدوا على صدق محمد ﷺ فكيف تكفرون به الآن؟ ثم يقول الله : إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))..أي أن الله الذي بعثك بالحق يستمع لدعاء العباد ويعلم حالاتهم.لقد ثبت من هنا أيضًا أن الآية السابقة تتحدث عن الصلاة والدعاء، وليس عن أجداد الرسول ﷺ، ولذلك قال الله الا الله بعدها إنه يستجيب دعاء العباد ويعلم أحوالهم، وكأنه تعالى يقول يا محمد إن أدعيتك وأدعية أصحابك سوف تؤدي إلى نزول تعاليم الإسلام كاملةً وإلى هذا قد أشير أيضًا في قوله : (وَقُلْ رَبِّ علما (طه: ١١٥).وبما أن هذا دعاء قرآني فما كان الرسول ﷺ وحده يقوم به، بل كان المسلمون كلهم يدعون به، وكان المراد من دعائه يا ربّ، أنزل علي القرآن في أكمل وأشمل صورة، وكان المراد من دعاء الصحابة يا ربّ، أعطنا بواسطة نبينا أشمل شريعة وأكملها.زِدْنِي هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ = تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ ۲۲۲ أَفَاكِ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَذِبُونَ ) ۲۲۳ شرح الكلمات: ٢٢٤ أفاك : الأفاك الذي يصدّ الناس عن الحق بباطله (الأقرب).التفسير : لقد قال الله الا الله من قبل إن هذا القرآن لم تنزل به الشياطين بل إنهم لا يقدرون على ذلك أصلاً، أما هنا فقد بين - للرد على اعتراض الكفار نفسه علامات القوم الذين تتنزل عليهم الشياطين فقال: (تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفاكَ أَثِيم..أي لا يكون للشيطان صلة إلا بالأفاك الأثيم، لأن الشيطان نفسه كذاب، كما أن اسمه يدل على أنه آثم كبير، ولكن محمدا ﷺ ليس بكاذب ولا آثم، فكيف يمكن أن
٣٥٥ سورة الشعراء الجزء السابع تنزل عليه الشياطين؟! بل كنتم تعترفون بصدق محمد واستقامته.ورد في التاريخ أن النبي لما أعلن دعواه اجتمع رؤساء مكة وقالوا إن مكة مركز العرب يجتمع فيه الناس للحج، فإذا جاؤوا هذه السنة للحج وسألونا عن الرسول (ﷺ) فسوف يعتبروننا مخطئين لو أجبناهم بأجوبة مختلفة، فيجب أن نتفق على شيء نقوله لهؤلاء الذين يأتون من الخارج.فقال أحدهم: سنقول لهم إنه كذاب.فقام أحد أعداء النبي الهلال الألداء واسمه "النضر بن الحارث" وقال: كيف تقول هذا وقد كنا ندعوه صدوقا أمينًا ؟ لو قلنا للناس أنه يكذب فلن يصدقونا، بل سيتهموننا بالكذب قائلين: تقولون عنه الآن خلاف ما قلتم من قبل (الشفاء للقاضي عياض، المجلد الأول ص ٧٩) فالله يذكر الكافرين بأنهم كانوا معترفين بصدق محمد من قبل، فكيف يقولون الآن أن الشيطان قد نزل عليه بوحيه كلا إنما ينزل الشيطان على الكاذبين الآثمين جدا، ولكن محمدًا ليس من الكاذبين، إذ عرفوا سيرته وأعماله خلال الأربعين سنة واعترفوا أنه كان أكثرهم صدقًا؛ أفليس من المستغرب أن يزعموا الآن نزول الشيطان على إنسان كان أكبر عدو للشيطان.ثم يقول الله : يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ..أي أن الشياطين يتسمعون إلى السماء وأكثرهم كاذبون ولإلقاء السمع إلى السماء مفهومان: أولهما أنهم يتمنون نزول الإلهام عليهم والاطلاع على أخبار الغيب، وتشتد بهم هذه الرغبة لدرجة أنهم بالفعل يتلقون إلهام الشيطان فيضلّون ويُضلون.ولكن محمدًا لا يطلب من الله له أن يوحي إليه، بل إنه له بنفسه يُنزل عليه وحيه، وإن محمدًا لا يطلب نزول كلام الله عليه جراء هوى النفس ليتفاخر أمام الناس، بل إذا أنزل الله بنفسه كلامه عليه فإنه يشكره عليه.أما الأفاكون الآثمون فيتمنون بشدة نزول الإلهام عليهم بطريق أو آخر، فيلجأون حينًا إلى المسمرية (Mesmerism)، وحينا إلى التنويم المغناطيسي (Hypnotism)، وطورا إلى الأذكار والأوراد، وتارةً إلى الاعتكافات والتأملات، ولا يهدفون من كل هذه الجهود إلا أن يعلموا شيئا من أخبار الغيب.وكان المسيح الموعود الله يقول: لا تتمنوا أبدًا
٣٥٦ سورة الشعراء الجزء السابع نزول كلام الله عليكم، أما إذا أنزل الله بنفسه عليكم شيئًا من كلامه وإلهامه فهذا فضله إذا أردتم أن تسألوا الله وعمل شيئًا فاسألوه فضله.بيد أن المرء إذا استخار الله تعالى في شيء راجيا منه أن يهديه بصدده فهذا شيء آخر، ولكن تمني المرء نزول إلهام الله عليه دليل على أنه لا يريد أن يحظى بقرب الله الله بل يريد أن ينال العزة بين الناس فقط.ومن أجل ذلك قد نهى المسيح الموعود الة أفراد 6 جماعته بشدة عن أن يتمنوا نزول الوحي والإلهام عليهم.فقال ما تعريبه: "لا تتمنوا بأنفسكم مكالمة الله ا ل ، لأن المرء إذا تمنى ذلك وجد الشيطان فرصة سانحة فيحاول إهلاكه ، بل على المرء أن يهدف دائما إلى أن تتيسر له تزكية النفس والتقوى بحسب مرضاة الله ، وأن يُوفِّق لأعمال حسنة يرضى الله بها.فإذا رضي الله عنه شرفه بنفسه بمكالماته إذا اقتضت حكمته ومصلحته ذلك.ولكن لا تجعلوا مكالمة الله هدفكم الأساس أبدًا، لأن هذا هو أصل الهلاك، بل يجب أن تكون غايتكم الحقيقية أن تُوفَّقوا للعمل بأحكام الله له الا الله طبقا لتعاليم القرآن الكريم، وأن تتيسر لكم تزكية النفس وتستولي محبة الله وعظمته على قلوبكم، وأن تكرهوا الإثم." (جريدة "الحكم" ٢٤ نوفمبر سنة ١٩٠٧ ص ٧).ويقول العليا أيضًا : إن الذين لا تتيسر لهم تزكية النفس بشكل كامل ويرغبون في الرؤى والإلهامات فلا يتيسر لهم إلا حديث النفس وأضغاث الأحلام." (جريدة "بدر" ١٠ يناير/كانون الثاني ١٩٠٧م ص ١٦، خطاب حضرة مسيح موعود الله جلسه سالانه (أردو) ٢٦ ديسمبر/ كانون الأول ١٩٠٦م) عندما نزل وحي لخديجة رضي الله الله الا الله على النبي أول مرة أول مرة رجع إلى بيته قلقا وقال عنها: قد خشيتُ على نفسي، ولا أدري أأتحمل هذه المسؤولية أم لا (البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان الوحي).أما الكاذبون الذين يتبعون الشياطين فيسعون ليل نهار لمعرفة أخبار الغيب بشتى الطرق من رمل وتنجيم وما
الجزء السابع ٣٥٧ سورة الشعراء إلى ذلك، وليس هدفهم من وراء ذلك إلا أن يعترف الناس بصلاحهم ويعتبروهم ملجأ لهم ومأوى.والمفهوم الثاني لقوله تعالى: (يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ أن هؤلاء الشياطين من البشر يسعون لسماع كلام الله الله وأكثرهم كاذبون.إنهم لا يستطيعون التخلي عن الكذب فيدسون أكاذيبهم فيما يسمعونه من كلام الله الله فيفتضحون.بمعنى أنهم عندما يسمعون من المسلمين القرآن الكريم يلبسونه بأكاذيبهم، ثم يشيعون هذا الكلام المشوه بين الناس زاعمين لهم كذبا أن هذا ما ورد في كتاب المسلمين.وليس معنى هذه الآية، كما زعم بعض المفسرين أن الشياطين تصعد إلى السماء وتحاول الاطلاع على وحي الله الله الرازي).ذلك لأن هذا مستحيل بحق القرآن الكريم، حيث سبق أن قال الله في هذه السورة نفسها: (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْع لَمَعْرُولُونَ ﴾ (الآية: ۲۱۳)، كما قال الله له في مكان آخر: أَمْ لَهُمْ سُلَّمْ يَسْتَمَعُونَ فِيه فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبين ) (الطور : ۳۹).فثبت من هنا أن القرآن الكريم يُنكر قدرة أحد من الشياطين على الوصول إلى السماء ناهيك عن أن يسمعوا وحي السماء.إنما المعنى أنهم يسمعون من المؤمنين كلام الله ، فيدسون فيه من أكاذيبهم ثم يشيعون بين الناس هذا الكلام المدسوس لتشويه القرآن الكريم، ثم ينكشف تلبيسهم.فليس معنى هذه الآية أن الشيطان يصل إلى السماء الحديث الذي يجري هناك بين الملأ الأعلى وجبريل والعرش، ثم ينزل به إلى الأرض، بل المراد أن أمثال الشيطان الذين يلبسون عباءة إبليس يعرضون على الناس وحي السماء ويسمع بصورة مشوهة بهدف تضليلهم، فتقع فتنة بينهم ويقع كثير منهم في شراكهم.فثبت بذلك أنهم محرومون من سماع كلام الله الله مباشرة.أما ما يسمعونه من الصحف السماوية من وحي سماوي فإنهم يدسون فيه من أكاذيبهم إغواء للناس.وقد بين الله الله هذه الحقيقة في آية أخرى فقال: وَكَذَلكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْحِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ
الجزء السابع ٣٥٨ سورة الشعراء غُرُورًا) (الأنعام: (۱۱۳)..أي لقد حصل في زمن كل نبي محاولات لخداع الناس كمثل الذي يحصل اليوم، حيث منحنا شياطين الإنس والجن الحرية لذلك، فكان بعضهم يُسمع البعض أكاذيبهم ليخدع بعضهم بعضاً.لقد تبين من هذه الآية أيضًا أن أعداء الأنبياء من كبار القوم وعوام الناس على 6 السواء، لا يخبر بعضهم بعضًا أمور الغيب إنما يتناقلون فيما بينهم أمورًا باطلة زائفة.وعلى سبيل المثال، قام علماء المسلمين بتفسير القرآن الكريم، كما قام به "ويري" وغيره من المستشرقين، ولكنك حين تقرأ تفاسيرهم تجد أن هؤلاء القسيسين المسيحيين لم يألوا جهدا لتشويه سمعة الإسلام.فالحق أن المؤمنين والكافرين على السواء يُلقون السمع إلى أخبار السماء، ولكن هدف المؤمنين أن يسمعوا كلام الله ويعملوا به، أما الكافرون فإنما يسمعون كلام الله ليدسوا فيه الكذب ليُضلّوا الناس ويُبعدوهم عن الله ورسوله.ثم يقول الله : وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ.وهنا ينشأ سؤال وهو: قد قال الله من قبل إن الشياطين تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفاك أثيم..أي على كل كذاب أثيم، ثم يقول بعد ذلك وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) مما يفيد أن كل واحد منهم لا يكون كاذبًا بالضرورة.الله فليكن معلوما أن قوله : (وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ) إشارة إلى أتباع كل أفاك أثيم، والمراد أن الذين يتبعون الأفاك الأثيم أكثرهم كاذبون، إذ ليس ضروريًا أن يكون أتباع الأفاك الأثيم كلهم كاذبين، بل يمكن أن يكون بعضهم مخدوعا حيث يتبع زعيمه معتبرا إياه صادقًا، وبالفعل نجد في الدنيا أناسًا يتبعون الباطل ظانين أنه الحق؛ فلذلك لم يقل الله الله هنا إن جميع أتباع الأفاكين الآثمين كاذبون، بل قال: وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ، إذ يكون بعضهم مخدوعا.
الجزء السابع ٣٥٩ سورة الشعراء وَالشُّعَرَاهُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُنَ ( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ ٢٢٥ يَهِيمُونَ (= وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَعَلُونَ * إِلَّا ۲۲۷ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا قل مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ۲۲۸ الكلمات : شرح يهيمون: هام على وجهه ذهَب من العشق أو غيره لا يدري إلى أين يتوجه.(الأقرب) انتصروا: انتصر منه : انتقم منه ؛ وانتصر عليه استظهر وانتصر امتنع من ظالمه.(الأقرب) التفسير: لقد ذكر القرآن الكريم في مواضع عديدة منه تعليقات الكافرين لدى سماعهم وحي الرسول ، فحينا سموه مجنونًا (القلم: ٥٢)، وحينا آخر زعموا أنه يرى أضغاث أحلام مما دفعه إلى هذه الدعوى (الأنبياء :(٦) ، وتارة قالوا إنه ساحر (يونس:٣)، وأخرى قالوا إنه شخص طيب ولكن سحره أحد، أي أنه ليس بساحر بل هو مسحور (الفرقان: ۹)؛ ومرةً قالوا إنه كاهن (الطور:٣٠، والحاقة:٤٣)، وأخرى قالوا بل قد علّمه بعض البشر هذا القرآن (النحل : ١٠٤)، وحينًا قالوا إنه على صلة بالشيطان الذي يوحى إليه (الحجر: (۱٥)، وحينا آخر قالوا إنه مفتر كذاب (ص:٥)، وحينًا ثالثا قالوا إنه شاعر (الأنبياء :(٦).لقد أشار الله الا الله إلى بعض اعتراضاتهم فقال: بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ (الأنبياء:٦)..أي أن كلامه ليس إلا كوابيس، بل الواقع أنه قد اختلقه من عنده كذبًا، بل الحقيقة أن طبعه ميال إلى الشعر وتخطر بباله صنوف الخيال وكلامه فصيح بليغ ككلام فحول الشعراء الذين يتسم شعرهم بالفصاحة والبلاغة وسموّ الخيال، إذا فهو مجرد شاعر وليس بإنسان روحاني.
٣٦٠ الجزء السابع سورة الشعراء لقد أبطل الله الله في هذه الآيات الاعتراض الأخير وردّ على الكافرين بأن ما يظنونه عن محمد لخطأ تماما بدليل أن الشعراء يتبعهم الذين لا تقوى فيهم ولا روحانية، حيث يتحدث الشعراء عادةً عن الحب المادي والعشق والجنس، فلا يتبعهم إلا الذين هم خلو من الورع والتقوى؛ ولذلك تجد الشباب الطائشين يحفظون مئات من أبيات الشعراء، وتجد القينات يتغنين بشعرهم.وبما أن شعرهم يخلو من ذكر الله ورسوله تماما - حيث يثيرون عموما الغرائز الجنسية في الشباب، ويضحكون على الناس والوعاظ - فلا يحظون بالشعبية إلا بين الذين لا صلة لهم بالروحانية مطلقا.أما الذين يتبعون محمدا رسول الله ﷺ فيقدمون نموذجًا منقطع النظير للصدق والأمانة والطهارة والعفّة فيبيتون لياليهم قياما وسجودًا ويقضون نهارهم في ذكر الله الله و إعلاء كلمة الإسلام؛ فكيف تقولون عن مثل هذا الإنسان المقدس، الذي صار أتباعه ببركة صحبته صالحين ،طاهرين، أنه مثل شعرائكم الفاسدين، ويجمع الناس حوله بإثارة عواطفهم؟ كلا، بل إن تحلّي جماعته بالطهارة والورع والتقوى بما لا مثيل له لدليل على زيف ادعائكم، وعلى أنكم قد أخطأتم خطأ فادحاً في فهم مكانة محمد.ثم يقول الله : أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ))..أي أن الشعراء يجمعون في شعرهم كل رطب ويابس ليسروا الناس من ذوي الطبائع المختلفة، وليس لهم هدف أو غاية بل يقولون كل ما يخطر ببالهم.وبالفعل لو قرأت أي قصيدة لهم لوجدتها مثالاً لقوله : في كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ )).فمثلاً يقول أحدهم في بيت إني أموت حبًا لحبيبي الذي يُجافيني، وإني على وشك الهلاك جراء جفائه وفراقه، بينما يقول في البيت التالي إنه قد حظي بوصال حبيبه الذي قد أحياه ثانية.ويقول في بيت إنه يستعد للقاء حبيبه، بينما يقول في بيت آخر إنه على وشك الموت نتيجة هجرانه.وحينًا يقول إنه يموت عشقا لحبيبه، مع أنه لا يزال حيًّا يُنشد شعره، ويقول في حين آخر إنه يهيم على وجهه صبابة، مع أنه يقوم بأعماله على خير ما يرام.وتارة يقول إن حبيبه يعيش في قلبه كل حين والحق أنه قول باطل تماما، وتارة أخرى يقول إنه يبكي دما لا دمعا من أجل حبيبه، مع أنه يعيش بسلام 28
هدف ٣٦١ سورة الشعراء الجزء السابع وراحة، ولم يمت ولم يبك أي دم على فراقه فلن تجد أي صلة بين بيت وآخر في أية قصيدة من قصائدهم ولن تجد أي ترابط في أبياتها، بل ستجد فيها تناقضاً على تناقض ولا يستهدف هؤلاء من ذلك إلا إثارة عواطف الناس سواء أكان في هذه الإثارة خير أو شر.يحاولون إثارة عواطف الناس بأي طريق كان، فتارة يتكلمون بما يبعث على الفرحة، وأخرى بما يبعث على الحزن.يريدون أن يفرح الجميع بشعرهم مهما كان محشوا بالكذب وخلاف الحقيقة.يريدون أن يسروا الجميع العاشق والمعشوق والقوي والفقير والظالم والمظلوم والغالب والمغلوب.ليس لهم من قرض الشعر إلا أن يسرّوا به كل صغير وكبير.أحيانًا يمدحون بعض الأثرياء لا حبًّا وتعظيمًا له بل طمعا في مال وعقار أو راتب ومعاش.يقال أن شخصا جائعًا رأى مجموعة من الناس يذهبون إلى مكان وقد لبسوا حللاً جميلة، فظن أنهم ذاهبون إلى مأدبة طعام، فانضم إليهم ليأكل معهم.فوصل هؤلاء إلى بلاط الملك وأخذوا ينشدون قصائدهم في مدحه..واحد بعد آخر.فعلم الشخص الجائع أنهم شعراء وأن كل واحد منهم جاء لينشد شعره في مدح الملك.فوقع في ورطة وقال: ماذا سأفعل، فأنا لا أقدر على قرض الشعر.ولكنه كان شخصا مازحًا، فلما انتهى الشعراء من إنشاد قصائدهم وأخذوا جوائزهم وذهبوا إلى بيوتهم، قال له الملك: هات ما نظمت؟ فقال: لست بشاعر.فقال الملك: فلماذا مع الشعراء؟ قال: سيدي أنا من الذين ورد عنهم في القرآن الكريم: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ...فهم شعراء وأنا أحد الغاوين.فسر الملك وأمر له جئت أيضًا بجائزة.لا شك أنها مجرد طريفة، ولكن مما لا شك فيه أيضًا أن الذين يتبعون الشعراء يكونون عادة من الغاوين.ذلك لأن الشعراء - كما بينت آنفا – يقولون مرة شيئًا وأخرى ما يناقضه ولا مبدأ لهم ولا موقف تارة ينشدون أبيانا هزلية ليضحكوا القوم، وأخرى ينظمون لهم حادث شهادة الإمام الحسين له ليبكوهم، وحينا يمدحون الناس بقصائدهم وآخر يهجونهم بها.فهم في كل مكان وفي كل واد يهيمون.ليس لهم هدف معين وغاية محددة.أما محمد رسول الله ﷺ فقد بعث
٣٦٢ سورة الشعراء الجزء السابع لنشر وحدانية الله في الدنيا، وهذا هو هدفه الوحيد المسيطر على أفكاره ليل نهار، ومن أجله يتحمل صنوف الأذى والتعذيب؛ فكيف تقولون أنه شاعر؟ لو كان شاعرًا لما كان له هدف ولا غاية مثل الشعراء الآخرين، بل مال إلى الأكثرية وحاول إرضاءها، لكنه قد تحدى العالم كله، ويسعى أن يأتي بكل إنسان إلى التوحيد، فكيف تقولون إنه شاعر؟ ثم يقول الله : وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ.إن عيوب الشعراء أن قولهم لا ينسجم مع فعلهم ويقولون ما لا يفعلون بمعنى أنك تجد أحدهم ينصح الناس بالخلق الحسن ولكنه يشرب الخمر.وإذا وعظ الناس بتقوى الله فهو نفسه لا يصلي ولا يصوم.أما محمد ﷺ فعمله مثل قوله وما يعمل به فهو على لسانه أيضًا، فاتهامكم محمدًا بكونه شاعراً لدليل على تعاميكم عن الحقائق، إذ إن التدبر سيكشف لكم أنه شتان بين محمد لله والشعراء قولاً وعملاً ولا توجد أية مماثلة بينه وبينهم.ثم يقول الله إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا الله وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا..أي نستثني من هؤلاء القوم الشعراء المؤمنين الذين يعملون الصالحات، لأن شعرهم حق ولا يقولون فيه إلا ما يُطابق حياتهم العملية.ومثاله ما نظمه حسان بن ثابت له من شعر عند وفاة النبي ، فقد قال معربًا عن حزنه العميق: كنت السواد لناظري فَعَمِي عَليَّ الناظر من شاء بعدك فليمت فعليك كنتُ أُحاذرُ (دیوان حسان بن ثابت الأنصاري.ص ۳۰۸) أي يا رسول الله، كنت حدقة عيني، وقد عميت عيني بموتك اليوم، فلا أُبالي الآن يموت أحد وإن كان أبي أو أمي أو زوجتي أو أخي أو ابني، لأنني كنت أخاف موتك أنت.والحق أن حسان بن ثابت له الله كان إنسانًا صالحًا وكانت أبياته هذه أيضا تعبيرًا عن الحقيقة.فالشعراء كمثله ليسوا من زمرة الشعراء الذين سبق ذكرهم.
الجزء السابع ٣٦٣ سورة الشعراء ثم يقول الله : وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا..أي أن الشعراء المؤمنين يذكرون الله كثيرًا، ولا يقولون بلسانهم فقط بأنهم سيضحون من أجل الحبيب بكل غال ورخيص كما يفعل غيرهم من الشعراء، بل إنهم بالفعل يكافحون وينتصرون عندما يُظلمون في سبيل الدين، وهكذا يؤكدون بأفعالهم ما أعلنوه في أشعارهم من فداء وتضحية للحبيب، بيد أنهم لا يظلمون العدو بل ينتقمون بقدر ظلم الظالم، ولا يعتدون على أحد.لقد اشترط الله الله في هذه الآية وفي آيات عديدة أخرى العمل الصالح مع الإيمان.ذلك لأن المنافق أيضًا يدعي الإيمان بالله وشريعته، وإن الناس أيضًا يعدونه من المؤمنين بناء على ما يقول بلسانه، مع أن الواقع أنه لا يؤمن بالإسلام بقلبه كما أن الله له أيضًا لا يقبل إيمانه.قال الله الا الله ولرسوله الكريم في القرآن الكريم إن بعض الناس يأتونك ويحلفون لك بأنك رسول الله، والله يعلم إنك لرسوله ولكن الواقع أن هؤلاء يقولون هذا بأفواههم فقط، ولم تؤمن قلوبهم.(المنافقون: ۲) ثم هناك فئة من الناس الذين يظنون في أنفسهم أنهم يدركون حقيقة الإيمان والواقع أنهم لا يعلمون منها شيئًا، ومثلهم كمثل أن تشرح لصاحبك بالإشارة أمراً فيظن أنه قد فهم إشارتك كما تظن أنت أيضا كذلك، ولكن يتبين في النهاية أن کليكما لم يفهم قصد صاحبه.وهناك طريفة شهيرة أن أحد الصوفية الإيرانيين قدم إلى بلاط الملك المغولي "أكبر"، وطلب إليه أن يحضر العلماء ليوجه إليهم بعض الأسئلة.فدعا الملك علماءه، فأخذ الصوفي يشير بيده، فقال له الملك: ماذا تفعل؟ ينبغي أن تتكلم حتى نفهم قصدك.فقال الصوفي : الكلام يفهمه الجهلاء أيضا، وأما الإشارات فلا يفهمها إلا العلماء، فإذا لم يفهم هؤلاء إشاراتي فليسوا بعلماء.فلما عجز العلماء عن فهم إشاراته، وأعلن أنهم قد فشلوا في مناظرة الصوفي الإيراني، انبرى له "الملا" أبو الحسن بن أبي المحاسن" الشهير بـ"الملا" دوبيازه"، وقال للملك: أنا أناظره.فأمر الملك الصوفي أن يسأله ما يشاء.فأشار إليه الصوفي بإحدى أصابعه، فأراه "الملا" "دوبيازه إصبعين في الجواب.ثم أشار إليه الصوفي بأصابعه
الجزء السابع فتقدم ٣٦٤ سورة الشعراء الخمسة، فأشار إليه "الملا دوبيازه بقبضة يده.ثم خط الصوفي على الأرض دائرة، "الملا دوبيازه" وجعل في وسط الدائرة نقطة.فقال الصوفي لا أريد أن أسأله المزيد لأنه عالم كبير.ولما انفض المجلس سأل الناسُ الصوفي: ماذا قصدت حين أريته إصبعًا؟ قال: كنت أعني بها أن الله واحد، وقد أجاب عليه "الملا دوبيازه" إجابة صحيحة حيث قال: أن الله واحد، ولكن صحيح معه رسوله أيضًا.ثم لما أريته الخمسة فكنتُ أعني أن بناء الإسلام على الخمسة المباركة، فأراني "الملا أصابعي دوبيازه" في الجواب قبضة يده ليقول: لا شك أن بناء الإسلام على الخمسة المباركة، ولكنهم في الواقع كشخص واحد ثم خططتُ على الأرض دائرة لأقول إن الأرض كروية الشكل، فجعل "الملا" "دوبيازه" في وسط الدائرة نقطة ليقول إنها كروية الشكل، ولكنها تدور حول محورها ثم قالوا للملا" دوبيازه: ماذا فهمت طة من إشارات الصوفي؟ قال إنه لما أراني إصبعه ظننت أنه يهددني بأنه سيفقأ عيني فأريته إصبعين مهددا إياه بأني سأفقأ عينيه الاثنتين.ثم إنه لما أراني يده مبسوم ظننت أنه يهددني باللطم على وجهي، فأريته قبضة يدي لأقول له إني سأوجه إليه لكمة.ثم إنه خط على الأرض دائرة، ففهمت أنه يقول إن الإنسان لا بد له من الخبز، فوضعت في وسطها نقطة لأقول له إن الخبز وحده لا يكفي، بل لا بد من حبة بصل معه.هذا هو حال المرء الذي يقول بلسانه إنه مؤمن ويظن أنه يعرف حقيقة الإيمان مع أنه لا يعرف منها شيئًا.إذا، فهناك من الإيمان ما يقرّ به المنافق بلسانه فقط ساخرًا بالناس، فيصدقونه ويعتبرونه مؤمنًا، ولكن الله الله يعرف حقيقة إيمانه جيدا.وهناك نوع آخر من ومراده من الخمسة المباركة ما أشار إليه بعض الشيعة في البيت التالي: لي خمسة أطفي بها حَرَّ الوباء الحاطمة المصطفى والمرتضى وابناهما والفاطمة (المترجم)
الجزء السابع ٣٦٥ مع سورة الشعراء الإيمان حيث يؤمن المرء ويظن أنه يعرف حقيقة الإيمان حق المعرفة أنه لا يعرف منها شيئا.ثم هناك نوع ثالث من الإيمان حيث يدرك المؤمن حقيقة الإيمان جيدًا، ويقول الناس إنه مؤمن، ويقول الله الا الله أيضًا إنه مؤمن فعلاً.ومثل الإيمان من النوع الأول كمثل شخص ينزع شجرة صغيرة من الأرض ويحملها في يده ولا تكون جذورها راسخة في الأرض.ومثل الإيمان من النوع الثاني كمثل شجرة تكون ثابتة في الأرض في بادئ الأمر، ولكن لا تكون جذورها متأصلة في الواقع، فتسقط إذا ما دفعها المرء دفعة بسيطة.ومثل الإيمان من النوع الثالث كمثل شجرة عظيمة أصلها ثابت في الأرض، فلا تقدر الرياح العاتية على زعزعتها.وهذا هو الإيمان الحقيقي الذي يتسبب في نجاة الإنسان، ولا بد معه من العمل الصالح أيضًا.ولا يغيبن عن البال أن ما نسمّيه عادةً الأعمال الحسنة أو ما يقال بالإنجليزية Good Actions لا يعتبره القرآن أعمالاً صالحة، ولن تجد في القرآن الكريم كله لفظ الخير بمعنى العمل الحسن - إلا ما شذ وندر - بل تجد القرآن يستعمل له دائما كلمة "العمل الصالح"، ذلك لأن الحسنة عند القرآن الكريم هو العمل الذي يكون بحسب مقتضى الحال، وإذا لم يكن كذلك فلن يسمَّى عملاً صالحا.فمثلاً لو سألت الناس عن الأعمال الحسنة قالوا: الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد وما إلى ذلك، ولكن القرآن يخبرنا أن من الصلوات ما هو معصية وسيئة، وأن من الصيام والصدقة والزكاة ما يجلب لصاحبه غضب الله بدلاً من أن يُكسبه الثواب.فثبت أن الصلاة وحدها ليست بعمل حسن لو كانت الصلاة في حد ذاتها عملاً حسنًا لما قال الله : فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين (الماعون:٥)، ولما لعن المصلين الذين يصلون رياءً ليقول عنهم الناس أنهم من كبار الزهاد العابدين.وكذلك من صام يوم العيد فهو شيطان في الإسلام (البخاري: كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي).ومن حج بدون أن تتوفر فيه شروط الحج فلن يُعد عمله عملاً صالحا، ومن أخرج الزكاة بدون أن تكون فرضًا عليه فلن يُعَدّ عمله عملاً صالحا.إنما العمل الصالح ما يكون بمقتضى الحال وملائما للموقف، ولذلك قال الله الله في القرآن مراراً في وصف المؤمنين: آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحات.يظن الناس خطأ أن
الجزء السابع ٣٦٦ سورة الشعراء الصلاة أو الصيام أو الحج أو الزكاة هي التي تتسبب في نجاة الإنسان، مع أنه لا يُنجي المرء إلا الصلاة التي يُصليها بمقتضى الحال.فمثلاً إذا كان المسلمون في قتال وكان الكفار يقتلونهم ،ويتقدمون فأخذ المرء السجادة وشرع في الصلاة فسوف يقال أن لا صلاة له إذ الوقت وقت الجهاد والقتال وليس وقت الجلوس على السجادة للتسبيح والتهليل.وبالمثل إذا لم يؤد المرء صلاته في وقتها بل قال إني ذاهب للجهاد، فنقول إنه يتذرع بالجهاد فرارا من الصلاة.فثبت أن الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج أو الجهاد ليس بحد ذاته سببًا لنجاة المرء، وإنما نجاته في عمل يقوم به مقتضى الحال والظرف.وثاني خصال المؤمنين المذكورة في هذه الآية هي قوله : (وَذَكَرُوا الله اعلم أن طبائع الناس مختلفة، فمنهم من يركز على الذكر إذا كان منفردًا، جمع الله ومنهم من إذا رأى الآخرين يذكرون الله تحمس للذكر، ولذلك قد في الصلوات كلا النوعين من الذكر : الفردي والجماعي.ففي صلاتي الظهر والعصر يقوم كل واحد بذكر الله الله منفردًا، فيقوم الإمام بالذكر في صمت ويقوم كل واحد من المصلين بالذكر في صمت.أما في صلوات المغرب والعشاء والفجر فقد أمر الله الله المصلين أن يردّدوا الفاتحة وراء الإمام، ولكنه حين يقرأ بعدها شيئا من القرآن الكريم فليستمعوا له صامتين.إذا قد جعل الله له المصلين تابعين للإمام تماماً في بعض أجزاء الصلاة، فإذا كبر كبّروا، وإذا ركع ركعوا، وإذا سجد سجدوا، ولكن عندما لا يجهر الإمام بشيء في الصلاة فكل واحد منهم حر في أن يذكر الله كما يشاء، فيقوم الإمام بدعاء ويقوم المقتدي بدعاء آخر.وهكذا شفى الله الله عليل جميع الناس ذوي الطبائع المختلفة، سواء الذين يتحمسون لذكر الله الله إذا رأوا الآخرين يذكرونه، أو الذين يستمتعون بالذكر والعبادة على انفراد؛ ذلك لأن من الناس من لا تتولد فيه الرقة والبكاء مطلقا إذا كان يدعو مع الآخرين، ومنهم من إذا سمع بكاء غيره استولت عليه الرقة فأخذ يبكي ويئن، مع أنه كان لا يجد أي حماس للبكاء من قبل.ولكن المؤمن الكامل من يذكر الله الله على انفراد وأيضًا مع الآخرين ولذلك قد حث الإسلام كثيرًا على الذكر الفردي
٣٦٧ الجزء السابع سورة الشعراء وعلى الذكر في المجالس والاجتماعات أيضًا.فعندما يجتمع المسلمون للحج يذكرون الله ، وعندما يجتمعون للعيدين يذكرون الله ، وعندما يشتركون في 6 حفلات الزواج يذكرون الله ، وعندما يشتركون في الجنازات يذكرون الله أيضًا.فلكي تكون اجتماعاتنا ومجالسنا بكل أنواعها مباركة أمرنا الإسلام بذكر الله له فيها، كما ركز على أهمية الذكر الفردي أيضًا مرارا، فحتنا على الدعاء حتى قبل الطعام ،وبعده، وعند الخروج للسفر والقفول منه، ووقت الفرح ووقت الترح، وعند دخول المسجد والخروج منه، وعند الصعود على مكان مرتفع وعند الهبوط منه، وعند رؤية المرآة وعند تغيير الثياب، وعند رؤية الهلال، وحتى عند لقاء الزوجين.كما أمرنا أن نبدأ كل عمل بالبسملة وإلا سيخلو من البركة.(الترمذي، أبواب الأطعمة، وأبواب الدعوات، وأبواب الصلاة، وأبواب اللباس والبخاري: كتاب الدعوات، وكتاب الجهاد والسير، ومسند أحمد المجلد الأول ص ٤٠٣) لا شك أن الإسلام قد أمرنا أن نقوم بعد كل صلاة بالتسبيح ثلاثا وثلاثين مرة والتحميد ثلاثا وثلاثين مرة وبالتكبير أربعًا وثلاثين مرة (الترمذي، أبواب الصلاة)، ولكنه أيضًا أوضح أن المؤمنين لا يكتفون بهذا العدد من التسبيح والتحميد والتكبير ، بل يذكرون الله كثيرًا فيسبحون الله ويحمدونه ويكبرونه عند كل أمر.والحق أن التدبر سيكشف لنا أن كلا الأمرين ،ضروري لأن المرء يمر بحالتين في حبه: الحالة الأولى هي أن المحب إذا فرغ من مشاغله أخذ في الحديث مع حبيبه، والحالة الثانية هي أن قلبه يظل مشغولاً بحبيبه رغم مشاغله الأخرى.فالحب يفرض على المحب أن يتفرغ لحبيبه من مشاغله الأخرى في أوقات معينة، كما يفرض عليه أن يذكره دائما رغم مشاغله الأخرى.وبما أن كلا الأمرين ضروري فقد أمر الإسلام بالقيام بالتسبيح والتحميد والتكبير بعدد معين في بعض المناسبات، كما أوضح ألا يكتفى المؤمن بهذا فقط، بل عليه أن يذكر الله قيامًا وقعودًا وأن يظل لسانه رطبًا بذكره الا الله دائمًا.وهكذا يكتمل حب المؤمن، ولكنه لو قال في نفسه أنه سيذكر الله الا الله في أوقات معينة ولا حاجة أن يذكره فيما سواها لكان معنى
الجزء السابع ٣٦٨ سورة الشعراء ذلك أنه ليس مستعدًا لقضاء كل أوقاته في ذكر الله مع يذكر الله له في كل حين.أن المؤمن الحقيقي من كان المسيح الموعود اللي يقرأ علينا مقولة فارسية لأحد أولياء الله تعالى: "دل بكار و دَست بيار"..أي ينبغي أن تكون يد الإنسان مشغولة بالعمل بينما يظل قلبه مشغولاً بذكر الله.وكذلك يُقال عن أحد أولياء الله أن أحدا سأله: كم مرة أذكر الله ؟ قال : تذكر حبيبك وتعدّ المرات؟! فالحق أن الذكر الحقيقي هو ما يكون بدون عد ،وحساب ولكن من فوائد تحديد وقت معين لذكر الله أن الإنسان يتفرغ فيه كلية من مشاغله لذكر حبيبه ولا بد من كلا الأمرين، لذا فالطريق السليم أن يقوم المرء بذكر الله الله في أوقات محددة، وأيضًا في أوقات غير محددة، فيذكر الله له قياماً وقعودًا ويذكر مننه وأفضاله كل حين.والصفة الثالثة التي بينها الله الله للمؤمنين هي قوله : وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلموا..أي أنهم لا يظلمون أحدًا ولكن إذا ظلمهم أحد فما وهنوا وما استكانوا، بل تصدوا للظالم بكل شجاعة.هذه السورة مكية حين لم يكن الإذن بالجهاد قد نزل بعد، فالواقع أن هذه الآية كانت بمثابة نبأ من الله له الا الله بألا يظن العدو أن تضحيات المسلمين الذين يتحملون ما يصب عليهم من ظلم واضطهاد ستذهب سدى بل سيأتي يوم نسمح لعبادنا المقهورين المضطهدين بالتصدي للعدو، ولكنهم لن يعتدوا عندها على الظالم، بل سينتقمون منه بقدر ظلمه.وأخيرا، يذكر الله أكبر دليل على صدق محمد فيقول: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ..أي أن الظالمين سيرون عن قريب مصيرا تعيسا، بمعنى أن الفرق بين عباد الشيطان وأنبياء الله الله العلي القدير على كل شيء أنه تعالى ينصر عباده، ولكن الشيطان لا يقدر على شيء، فسوف يأتي الله بنصره وسيرى الظالمون مصيرهم، وبالتالي سيعلم العالم أي الفريقين كان يتبع الشيطان الظالمون أم المسلمون؟
الجزء السابع ٣٦٩ سورة النمل سورة النمل مكية وهي مع البسملة أربع وتسعون آية وسبعة ركوعات زمن نزولها: هي سورة مكية عند ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما.وباقي علماء المسلمين أيضًا يؤيدون رأيهما.كما أن المستشرق "ويري" أيضًا يعتبرها مكية.(فتح البيان، وتفسير القرآن لويري) الترابط تكمن الصلة القريبة لهذه السورة بسورة الشعراء" في أن الله قد أخبر في آخر سورة "الشعراء" بغلبة المؤمنين وهلاك الكافرين، إلا أنها قد ركزت خاصة على بيان أن من سنة الله المستمرة إهلاك الكافرين دائما فكيف لا يُهلكون الآن؟ أما هذه السورة فلا شك أنها قد تحدثت عند نهايتها عن هلاك الكافرين أيضا، ولكنها ركزت خاصة على الجانب الآخر من هذه السنة الإلهية، أي أن الذين لبوا نداء الله ، وخضعوا للعقائد والأخلاق والنظام التي وضعها الله له قد نالوا العز والغلبة دائما رغم ضعفهم.كما بين الله فيها أيضًا أن رقي المسلمين لن يكون مؤقتا بل سيستمر مدة طويلة، وأنهم لن يحكموا بلادهم فحسب، بل سيصبحون ملوكا على البلاد الأخرى أيضًا.عليه، مع 6 وتكمن الصلة الأخرى لهذه السورة بسورة الشعراء في أن الله قال في آخر الشعراء إن هؤلاء يتهمون هذا النبي بكونه شاعرا، زاعمين أن الشيطان ينزل أن الشياطين ينزلون على كل أفاك أثيم، ومن دأبهم أنهم يسمعون أحكام الله الله يو ويقدمونها للناس في كلامهم ولكنهم كاذبون، بمعنى أنهم يدسون في التعاليم السماوية كثيرًا من أكاذيبهم فلا تكون تعاليمهم نافعة.أما الشعراء الذين يتبعون الشياطين فلا يتبعهم إلا الغاوون، إذ لا يكون وراء شعرهم هدف ولا غاية، إنما يريدون زخرفة الكلام ألا ترى أنهم في كل واد يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون.أما في هذه السورة – النمل فقد بين الله الله أن آيات هذه السورة - -
الجزء السابع ۳۷۰ سورة النمل الله آيات كتاب سيُقرأ دائما، وهو يتناول كافة القضايا الدينية بشكل واضح مصحوب بالأدلة، ويهدي المؤمنين إلى الطريق المستقيم، ويبشر العاملين به بالعاقبة الحسنى؛ فلذا لا يمكن أن تكون هذه التعاليم من قبل الشيطان لأنه لا يهدي إلى الطريق المستقيم ولا يحظى من يتبعه برحمة وبر ركاته.وإنما المؤمنون بهذا الكتاب الذين يعبدون الله ويؤتون الزكاة، ويؤمنون بالوحي القادم أو بالحياة القادمة؛ أن بمعنى تعليم الشيطان يكون مليئًا بالكذب خاليًا من الهدى، والذين يتبعون أوامر الشيطان ينحرفون عن جادة الحق والهدى، أما هذا الكتاب فهو مليء بالهدى والحق، والذين يؤمنون به يعبدون الله الله ويحسنون إلى الناس أيضًا، ويكونون مستعدين دائمًا لتصديق ما ينزل من عنده ،تعالى كما تظل فكرة الحياة الآخرة مسئولية على أفكارهم كل حين.إذا، فمن المستحيل أن تنزل الشياطين على محمد رسول الله الذي أتى بكتاب فيه هدى وبشرى كما لا يمكن أن يكون شاعرًا أيضًا لأن المؤمنين به يضربون أروع الأمثلة في حب الله والعطف على الناس.ملخص فحواها: لقد استهلت هذه السورة بمقطع "طس" الذي قد ورد في بداية سورة الشعراء مضافًا إليه حرف الميم، إذًا فهذه السورة تسلسل لنفس الموضوع الذي تعالجه سورة الشعراء وحرف "الطاء" في "طس" اختزال لصفة الله "اللطيف"، وحرف "السين" لصفة "السميع".ثم يقول الله : تلْكَ آيَاتُ الْقُرْآن وَكتاب مبين..أي أن آيات هذه السورة جزء من القرآن الكريم وأنها آيات من كتاب يذكر بنفسه أدلة صدقه، كما أنه هدي كامل؛ ذلك لأن لفظ هُدًى قد وردت هنا نكرة، والتنكير يفيد التعظيم أيضًا.(انظر كتاب العروس للسبكي، شرح مختصر المعاني الجزء الأول ص ٣٤٩) (الآيتان ١-٢).ثم يقول الله إن هذا الكتاب بشرى للمؤمنين الذين يتقدمون أمام الله تعالى بعباداتهم الجسمانية دائما، ولا يقومون بعبادته ،منفردين بل يدعون الآخرين أيضًا إلى عبادته ويصلّون جماعة - كما هو ظاهر من كلمة يُقيمُونَ، إذ إن الإقامة لا تقال إلا في صلاة الجماعة.والمؤمنون الذين يكون لهم القرآن بشرى ينفقون جزء
الجزء السابع ۳۷۱ سورة النمل بل ليرضى من أموالهم على الفقراء والمعدمين دائما، ولا ينفقونها من أجل السيادة والزعامة؛ الله عنهم.وإنهم يوقنون بالآخرة، أي أنهم سيتبوأون ببركة طاعة الله الدرجات العلى ماديًا وروحانيا.(الآيتان (٣-٤) الذين لا يؤمنون بمآل أعمالهم سواء في هذه الدنيا أو في الآخرة يرون أعمالهم جميلة، ويظلون هائمين على وجوههم وسينالون العقاب، ومصيرهم الفشل والخسران.(الآيتان ٥-٦) الله الذي هو ذو إن القرآن الذي نزل عليك هو من عند فهو مليء بكثير من البركات والحكم والعلوم.(الآية ٧) حكمة وعلم، لذلك أن نقص عليك قصة موسى إذ قال لأهله إني أبصرتُ نارا، فسأذهب إليها عسى آتيكم بمعلومات عن هذا البلد أو الطريق، أو آتيكم منها بجمر تستدفئون به.(الآية ٨) فلما اقترب موسى من النار تودي: مبارك الذي ترى تجليه في هذه النار، العليا ومباركة أيضًا المنطقة حولها، أي أن الله رب العالمين الذي أراك تحليه في هذه النار منزه من كل عيب، وسينال الذين يؤمنون بهذا الوحي بركة عظيمة.* (الآية ٩) وقال الله يا موسى الحق أنني أنا الله العزيز الحكيم..أي أن المشهد الذي رأيته هو الجلال الإلهي، فألق عصاك.فلما ألقى موسى عصاه وجد أنها تهتز كالحية، فخاف وولّى مديرًا ، فأوحى الله إليه يا موسى لا تخف، إنما هم أعدائي الذين يخافونني وليس رسلي، إلا من ظلم بالخطأ ثم عاد إلى الخير فإنني ذو مغفرة ورحمة واسعتين.(الآيات ١٠-١٢) وأدخل يدك في جيبك وعندما تخرجها تجدها بيضاء أي تجدها ساطعة ولكن بدون أي عيب أو مرض.(الآية ١٣) هذه الآية التي آتيناها موسى كانت ضمن تسع آيات أُرسل بها إلى فرعون وقومه لأنهم كانوا قوما فاسقين خارجين عن الطاعة.فلما ذهب موسى إلى فرعون وقومه هكذا ورد هنا، واقرأ التفصيل لدى تفسير هذه الآية.(المترجم)
۳۷۲ سورة النمل الجزء السابع لم ينتفعوا بتلك الآيات التي كانت آيات واضحة بينة تهدي إلى الحق، وقالوا إن هذا إلا خداع مكشوف، فرفضوا الآيات بشدة مع أن قلوبهم كانت مستيقنة بصدقها.فالحق أنهم لم يكفروا بها إلا ظلما واستكبارًا، فانظر كيف كانت عاقبة مثل هؤلاء المفسدين.(الآيتان ١٤-١٥) ثم بعد قصة موسى ال يذكر الله داود وسليمان، ويسجل قولهما بأن الله الله قد فضلهما على كثير من عباده المؤمنين..أي بالخلافة الروحانية والمادية.(الآية (١٦ ثم أخبر الله الله أنه بعد وفاة داود تولى سليمان الحكم، وقال إني عُلّمتُ منطق الطير..أي لسان أولئك القوم الذين يحلّقون عاليًا..أي لغة أنبياء الله ، وأن الله قد أعطاه كل ما يحتاج إليه، ولا يتيسر هذا لأحد إلا بفضل خاص من عند الله (الآية (١٧) ثم يقول الله الله أنه عُرض على سليمان ذات مرة جنوده من الجن والإنس والطيور، فاصطفت أمامه في صفوف - وهذه الكلمات تدل على أنه كان يتجهز لمحاربة بعض البلاد.(الآية ١٨) وجنوده أننا ضاحكًا، وبينما هو خارج مع جنوده مرّ على وادي قبيلة اسمها "النمل" - وقد ظن المفسرون خطأ أنه وادي حشرات النمل - فلما رأت ملكة قوم "النمل" سليمان وجنوده قالت لقومها يا ،قوم ادخلوا كلكم في بيوتكم لكي لا يظن سليمان نريد محاربتهم فيدوسونا تحت أرجلهم.فتبسم سليمان من قول الملكة وحمد الله أنه قد أذاع صيته الحسن في أقطار نائية من الأرض حتى يعرف أهلها أن سليمان ليس بظالم، بل يعامل الشعوب الضعيفة بالعدل.(الآيتان ١٩-٢٠) سليمان عندئذ جنوده، فوجد أن أحد قادته "الهدهد" غائب، فأصابه القلق على غياب قائد كبير في ذلك الوقت الحرج، فقال: سأعاقبه عقابًا شديدًا أو سأقتله إلا أن يأتي ببرهان مبين عن سبب غيابه.(الآيتان ٢١-٢٢) فتفقد فما لبث أن هذا القائد وأوضح لسليمان أنه لما رآه عازما على شن الغارة رجع على ملك قوم سبأ، سبقه للتجسس عليهم، وها هو تقريره بهذا الصدد.إن هذا
الجزء السابع ۳۷۳ سورة النمل القطر تحكمه امرأة بكل قوة وهي تملك كل نوع من العدّة والعتاد وملكها عظيم.ولكن يوجد في أهل تلك البلاد عيب شنيع وهو أن الملكة وقومها يعبدون الشمس معرضين عن وحدانية الله تعالى.فعلم سليمان ال أن قائده لم يغب إلا بنية حسنة، فقال: حسنًا، سنذهب هناك ونرى ما إذا كنت صادقا أم لا؟ فاذهَبْ برسالتي هذه وضعها أمام الملكة ،وحاشيتها ثم تأخَّر قليلاً وانتظر جوابهم بأدب ولباقة.(الآيات ٢٣-٢٩) فلما "الهدهد" عرض رسالة سليمان على الملكة قالت لحاشيتها: إنه مكتوب كريم من قبل سليمان، وقد ورد فيه ألا تتمردوا عليّ وأُتوني منقادين.(الآيات ٣٠- (۳۲ ثم قالت ملكة سبأ لرؤساء قومها: ماذا تقترحون عليّ في هذه المعضلة العويصة؟ قالوا نحن قادة محنّكون أولو بأس شديد ولكن القرار في يدك.قالت إن الملوك إذا دخلوا بلدا بجنودهم عاثوا فيه فسادًا، وجعلوا أعزة أهله أذلة مهانين، فأقترح أن أبعث إلى سليمان هدية وأنظر ما يرجع به رسلي من جواب.(الآيات ٣٣-٣٥) فلما قدمت الهدية لسليمان قال لقد أعطاني الله الا الله أفضل مما عندهم، وإن هذه : الهدية التي بعثوها إلي كرشوة لن تثنيني عن عزيمتي.فارجع يا "هدهد" إليهم وأَخبرهم أننا سنغير عليهم الآن بجنود لا قبل لهم بها.ثم قال سليمان اللي لقادة جيوشه: من يأتني بعرش هذه الملكة قبل أن يأتيني قومها منقادين؟ فقال أحد القادة: سآتيك بعرشها قبل أن تشن عليهم الهجوم، وسأكون أمينًا في نقل هذه الثروة العظيمة إليك.فقال شخص آخر عنده علم الدين: إن هذا سيحضر إليك العرش بتأخير، ولكني سأحضره بلمح البصر، أي سوف أصنع لك عرضًا جديدًا أفضل من عرشها وأحضره في بلاطك فوراً.فجيء بالعرش فلما رآه سليمان حمد الله تعالى وقال لهم: اجعلوه أفضل ما يكون حتى يبدو عرش الملكة حقيرًا أمامه لأرى ما إذا كانت تصرّ على كبريائها بعد رؤيته أم تعترف بفضلي.فنفّذوا أوامره.فلما جاءت الملكة قيل لها: أهكذا عرشك؟ فبدلاً من أن تعترف بأن عرش سليمان أفضل من عرشها قالت كأنه هو.(الآيات ٣٦-٤٣)
الجزء السابع ٣٧٤ سورة النمل ولكي يكشف سليمان للملكة حقيقة التوحيد وشناعة الشرك بمثال عملي بني قصرا زجاجيًا يجري الماء تحته، فلما دخلت الملكة القصر الزجاجي ظنت أن الماء يجري على أرضيته فرفعت ثوبها عن ساقها ،فزعًا، فقال لها سليمان: لقد أخطأت فإنه ليس ماء، بل الماء تحت الزجاج.ففهمت الملكة بهذا الدليل صدق عقيدة التوحید فآمنت بسلیمان متبرئة من عقيدة الشرك.(الآيتان ٤٤-٤٥) بعد واقعة سليمان ذكر الله له قوم ثمود لأن بلادهم خضعت لحكم سليمان.لقد قال الله الا الله إن نبيهم صالحا دعاهم إلى التوحيد ولكنهم صاروا فريقين، فريق آمن وفريق كفر.عندما نصحهم نبيهم قالوا يا صالح إننا نتشاءم منك، فأجابهم أنا أيضًا أخاف عليكم مصيرًا تعيساً لأنكم قد تركتم دين الحق وكان في القوم تسعة رؤساء، فحرض بعضهم بعضًا وحلفوا أنهم سيغيرون على صالح وأهله ليلاً ويقتلونه، وإذا سألهم أحد سيقولون لا نعلم شيئًا عن الحادث.ولكن مكر الله غلب في نهاية المطاف وبالفعل ترون ديار القوم خربة لا يسكنها أحد.(الآيات ٤٦ - ٥٤) ثم ذكر الله تعالى حادث لوط الل، وأخبر أنه نهى قومه عن الشذوذ الجنسي فخالفوه، فقُلبت مدينتهم بالزلزال رأسًا على عقب ودمروا تدميرا.(الآيات ٥٥ - ٥٩) بعد ذكر هؤلاء الأنبياء يقول الله : الله الذي يحمي عباده من الهلاك خير أم الآلهة الباطلة التي لم ينجح أحد ممن عبدوها قط؟ (الآية ٦٠) ثم يقول الله تعالى: الله الذي هو رب السماوات والأرض ويُنزل من السحب ماء فينبت به البساتين من شتى الثمرات خير أم الآلهة الباطلة التي هي بحاجة إلى هذه المياه والبساتين؟ ومن ذا الذي جعل الأرض صالحة للعيش والسكن، وفجر فيها الأنهار وجعل بين الماء العذب والماء المالح حاجزًا؟ هل بوسع أحد أن يُقدم ندا وشريكا لمثل هذا الإله المدبر؟ ثم من ذا الذي يستجيب دعاء المنكوبين عديمي فيجعلهم ملوك العالم؟ هل يمكن أن يكون لمثل هذا الإله ند وشريك؟ ولكن المؤسف أن الناس لا يتعظون رغم ذلك.(الآيات ٦١-٦٣) ثم يقول الله من ذا الذي يهديكم في ظُلمات البر والبحر، ومن يأتيكم بالهواء العليل قبل نزول المطر؟ هل هناك إله سوى الله الله يمكن أن يفعل ذلك؟ وهل الحيلة
الجزء السابع ۳۷۵ سورة النمل هناك إله سوى هذا الإله القادر المطلق القدرة الذي يبدأ الخلق ثم يُعيده.الحق أن وحده يعلم غيب السموات والأرض، أما الهتكم الباطلة فهي لا تدري متى الله كانت بداية دينها الوثني في الدنيا.(الآيات ٦٤-٦٧) إن الكافرين يقولون دائمًا كيف نعود إلى الحياة ثانية نحن وآباؤنا بعد أن متنا وصرنا ترابا، إن هي إلا أساطير الأولين التي تُعاد اليوم؟ يقول الله تعالى إذا كانت هذه الأمور أساطير فحسب فلماذا تعرّض الذين أنكروها للعقاب في زمنهم؟ وما دام أولئك القوم قد عُوقبوا فلن ينجو معارضوك، يا محمد، من عقاب الله الله بعد إنكارهم هذه الأمور.فلا تحزن على هلاكهم الذي سيحل بهم حتما، ولا يُصيبنكم القلق بسبب مكائدهم أيضًا لأنها كلها ستبوء بالفشل إنهم يقولون لكم متى يأتي هذا العذاب إن كنتم صادقين؟ قل إن بعض هذا العذاب سيأتيهم عاجلاً وبعضه آجلاً، لأن الله له ذو فضل على العباد فيمهلهم بفضله رغم أنه يعلم نواياهم الخفية وأعمالهم الظاهرة.(الآيات ٦٨-٧٥) إن الله لا يعلم ما في السماوات والأرض من أمور خفية، ومن الأدلة على ذلك أنكم ترون أن القرآن الكريم يقول الحق دائمًا، أما الكتاب المقدس وغيره من الصحف السماوية فقد تسربت إليها أنواع الأخطاء بمرور الزمن.إن هذا القرآن هدى ورحمة للمؤمنين ولن يكشف الله بالقرآن أن بني إسرائيل قد انحرفوا عن جادة الحق فحسب، بل سيفصل به بين الفئات الإسرائيلية كلها ويجعل الصادقين غالبين على الكاذبين.(الآيات ٧٦-٧٩) إنما واجبك أن تتوكل على الله له ولا شك أن تبليغ الرسالة واجبك، ولكن الذين ماتت قلوبهم لا يمكن إقناعهم، وإن الأخرس إذا ولّى مُعرضا لم يفهم بالإشارة أيضًا، ولم يبقَ سبيل لهدايته ونفس الحال بالنسبة للأعمى الذي لا يُريد أن يتبع البصير.إنما تستطيع أن تهدي إلى الحق من يؤمن بآيات الله.(الآيات ۸۰-۸۲) عندما يحين هلاكهم يُخرج الله من الأرض دابة تكلّمهم، وسيعلم الناس أنهم قد نالوا هذا العقاب لأنهم لم يكونوا موقنين بقول الله الله (الآية ۸۳).
٣٧٦ سورة النمل الجزء السابع اذكر ذلك اليوم الذي ستقيم من كل قوم يكفرون بآياتنا جماعة كبيرة، ثم نجعل هذه الجماعات أحزابا شتى، أي ستتكون في العالم اتحادات شتى، وتدعو فئة من كل قوم وشعب إلى الإلحاد على وجه خاص وسيستمر هذا إلى أن يصدر قرار العقاب بحقهم من عند الله الا الله ، فلن يملكوا الكلام عندها.(الآيات ٨٤-٨٦) إنهم لا يفكرون أننا أتينا عليهم بالليل أي بالزمن الذي يكون بعيدا عن زمن النبوة – ليتزودوا بكفاءات الرقي ثانية، ولكنهم قد أصبحوا فيه أكثر كسلاً، إذ لم ينتفعوا من النهار أي من النبوة.(الآية ٨٧) سيأتي يوم ينفخ فيه الصور، أي سيأتي زمن تتناحر فيه الأمم فيما بينها تتحارب، ويُصاب كل من في السموات والأرض بالذعر ، وبرغم أن هذا الدمار يكون شاملاً إلا أن باب الدعاء عند الله هل سيظل مفتوحاً.(الآية (۸۸) مع أن وترى الجبال وتظن أنها جامدة أنها تجري كما تجري السحب، بمعنى الأرض عندما تتحرك؛ تتحرك السحب معها أيضا.هذه صنعة الله الذي أتقن كل شيء وهو أعلم بأعمالكم.(الآية (۸۹) من عمل صالحا يُجزى به، أما الذين يعملون السيئات فيكبون في النار على وجوههم، إلا أن جزاء السيئة لن يكون أكثر منها.(الآيتان ٩٠-٩١) يا محمد قُل للناس إن الله قد أمرني أن أعبد ربَّ هذه البلدة..أي أن أتبع التجلي الرباني الذي ظهر في مكة بواسطة إبراهيم، وأن أكون نموذجًا عمليًّا حيًّا للطاعة، وأن أقرأ القرآن على الجميع.وأنا لا أمارس الإكراه على أحد إذ ليس علي إلا أن أبلغ الناس رسالة الحق، فإن شاءوا آمنوا به وإن شاءوا رفضوا.ولكن هذا لا يعني أن الله الا الله سيظل صامتًا على إنكارهم، بل إنه سينزل من السماء حتما ويُريهم الآيات بحيث يرونه له ماثلاً أمامهم.(الآيات ٩٢-٩٤)
الجزء السابع ۳۷۷ سورة النمل و مِ اللهِ الرَّحمن الرّحيمِ طس تِلْكَ ءَايَتُ الْقُرْءَانِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (٤) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٤) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) - التفسير : لقد استهلت هذه السورة أيضًا بمقطع "طس" كما استهلت به السورة السابقة، وكما قلنا من قبل إن "الطاء" اختزال للطيف و"السين" للسميع.بيد أن هناك فرقًا وهو أنه قد ورد في مقطع السورة السابقة حرف الميم فقيل: (طسم)) والميم اختزال للمجيد، وهذا يعني أن تلك السورة تركز على بيان صفة الله المجيد بوجه خاص، أما هذه السورة فمع أن موضوعها نفس السورة السابقة إلا أنها لا تركز على بيان صفة الله "المجيد" كالسورة السابقة.ومن الأدلة الظاهرة على هذا أن السورة السابقة تتحدث عن محمد رسول الله له أكثر، إذ قد ظهر مجد الله تعالى بواسطتها أكثر.أما هذه السورة فتتحدث عن موسى وداود وسليمان - عليهم السلام – الذين كانت حياتهم وحياة أتباعهم دليلاً على كون الله له عالما بالأسرار الروحانية وسميعًا للدعاء، ولكنها لم تدل على صفة الله "المجيد" بقدر ما دلت عليها حياة النبي وأصحابه.ثم يقول الله : تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَاب مبين...الخ..أي أن آيات هذه السورة آيات القرآن وآيات كتاب يُبين مضامينه بنفسه وهو هداية وبشارة للمؤمنين ولكن ليس للمؤمنين الذين يُعلنون إيمانهم بأفواههم فقط، بل للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون.الحق أن الله تعالى قد ذكر في قوله: ﴿تلْكَ آيَاتُ الْقُرْآن ميزة للقرآن الكريم لا توجد في سائر الصحف السماوية على الإطلاق، إذ لا توجد في الدنيا صحيفة
۳۷۸ سورة النمل الجزء السابع سماوية تُقرأ بالكثرة التي يُقرأ بها القرآن الكريم.ولذلك قال الله الله هنا : تلكَ آيَاتُ الْقُرْآن..أي إنها آياتُ تلك الصحيفة التي من أكبر خصوصياتها أنها "القرآن" أي أنها تُقرأ بكثرة بحيث لا يُباريها كتاب سماوي آخر في العالم.الحق أنه كان لزامًا على الكتاب الذي كان أكثر نفعًا للدنيا أن يكون "قرآنًا"..أي أن يُقرأ بكثرة.ومن الغريب حقا أنه برغم توافر تراجم التوراة والإنجيل بكثرة إلا أن هذه الكتب لا تُقرأ بقدر ما يُقرأ القرآن الكريم، مع أنه باللغة العربية ويقرأه الناس بالعربية نفسها.يقول المعارضون إن قراءة القرآن بكثرة راجعة إلى التدابير الكثيرة التي اتخذت في هذا السبيل كقراءته في الصلوات مثلاً، فقراءته بكثرة أمر طبيعي.والجواب أن قراءة القرآن الكريم بكثرة ليس بأمر طبيعي رغم اتخاذ هذه التدابير، وذلك للأسباب التالية: أولاً : ليس ضروريًا أن يُؤمن الناس بكتاب يُؤمرون بقراءته في صلاتهم.ذلك لأن الكثرة أمر نسبي، إذ لا يمكن أن يُقرأ القرآن أكثر من الكتب الأخرى إلا إذا كان عدد المؤمنين به كثيرًا.وإقناع الناس بالإيمان به بكثرة ليس من الأمور الطبيعية.لا شك أن السيخ يقرأون كتابهم "غرانث"، ولكنه ليس "قرآنًا" أي لا يُقرأ بكثرة، لأن عدد المؤمنين به محدود جدًا.فلا شك أن كثرة قراء القرآن كان نبأ من الله تعالى عن كثرة المؤمنين به.وثانيا: أن وجود المؤمنين بكتاب بكثرة لا يعني بالضرورة أنهم سيعملون بما يأمر به، ولكنا نرى أن المسلمين يقرأون القرآن بكثرة كما أمرهم الله تعالى رغم أنه بلغة أجنبية للأكثرية منهم، فثبت أن ذلك ليس بأمر طبيعي أيضًا.وثالثًا: ما دامت الكتب السماوية تنزل من الله الله، وما دام الله الله هو عالم الغيب ولا يمكن أن تخفى عليه التدابير التي تُتخذ لقراءة القرآن بكثرة، فلماذا لم يتخذها من أجل الكتب الأخرى يا ترى؟ أو لماذا لا يتخذها الآن المؤمنون بتلك الكتب؟ فثبت جليًا أن الله أراد لهذا الكتاب وحده أن يكون قرآنا، وما دام الله
۳۷۹ الجزء السابع سورة النمل لله الذي أنزل الكتب كلها لم يتخذ إلا هذا الكتاب وحده ليصبح "قرآنا" فثبت أنه أفضل الكتب حتما.رابعًا: يقول البعض أن الناس يحفظون القرآن الكريم لأنه نزل بصيغة تجعله أسهل حفظًا من الكتب الأخرى.ونحن نقول: لماذا لم تنزل الكتب الأخرى بصيغة كهذه؟ ثم هل صياغة كتاب بهذا الأسلوب أمر سهل؟ هو وباختصار إن كون هذا الكتاب الكريم "قرآنًا" إنما هي ميزة فريدة له لا توجد في الصحف الأخرى.إن بعض "الآرية الهندوس" يقرأون آيات من القرآن الكريم أثناء المناظرات ثم يتباهون أمام المسلمين ويقولون: انظروا نحن نستطيع قراءة كتابكم، ولكنكم لا تستطيعون قراءة كتابنا والحق أن قولهم هذا تأييد لدعوى القرآن الكريم، إذ يؤكدون بذلك أن القرآن سهل القراءة فعلاً حتى إن أعداءه أيضًا يستطيعون أن يتعلموه بلغته.بينما نجد أن المؤمنين بالكتاب الهندوسي "الفيدا" أنفسهم لا يقدرون على قراءته فثبت أن الاسم الذي أطلق على كتاب المسلمين في تلك الظروف غير المواتية كان اسمًا على مسمى، حيث إن العدو نفسه قد شهد بفعله على صدقه.فقول الهندوس هذا لا يقدح في القرآن الكريم في الحقيقة، بل تصديق لكتابنا الكريم.ومما يسترعي الانتباه أن الله قال في سورة الحجر": الر تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب وَقُرْآن مبين، بينما قال في هذه السورة: طسَ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآن وَكَتَابَ مبين، حيث قدم لفظ "الكتاب" على لفظ "القرآن" في موضع مضيفًا صفةً "المبين" إلى القرآن بينما قدّم في موضع آخر لفظ "القرآن" على لفظ "الكتاب" مضيفًا صفة "المبين" إلى الكتاب.لماذا هذا الفرق يا ترى؟ فليكن معلومًا أنه في "سورة الحجر" قد ذكر الله الكافرين بعد قوله: تلكَ آيَاتُ الْكتاب وَقُرْآن مُبين فقالَ: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، الله أما هنا في سورة النمل فذكر المؤمنين بعد قوله: تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ حيث قال: (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)؛ ومن الواضح أن الكافرين لا يقومون بتلاوة القرآن الكريم، وإنما تتوقف معلوماتهم عنه على ما يسمعونه من المسلمين،
سورة النمل الجزء السابع والسماع وثيق الصلة بلفظ "القرآن"، فالقرآن - أي القراءة - هو المبين بالنسبة للكفار.أما المؤمنون فإنهم يقرأون كلام الله الله وقراءتهم أكثر من سماعهم، مثلاً إذا كان المؤمن يقرأ جزءاً واحدًا من القرآن الكريم فربما لا يسمع منه ربع ما يقرأ، فثبت أن علمهم ذو صلة بصفة "الكتاب"، فالكتاب هو المبين بالنسبة لهم، ومن أجل ذلك جاء لفظ "القرآن" مقرونا بصفة "المبين" في "سورة الحجر"، بينما ورد لفظ "الكتاب" مقرونا بصفة "المبين" في هذه السورة.أما تقديم لفظ "الكتاب" في سورة وتقديم لفظ "القرآن" في سورة أخرى فالحكمة في ذلك أن الكافر يكون على صلة بهذا الوحي بصفته "قرآنا"..أعني أنه أحد، ثم إذا كان طيب القلب آمن به وأوجب على نفسه العمل يسمع به.كلماته من أما المؤمن فهو يتوجه إلى قراءته بعد إيمانه به، فالصفة القرآنية التي كانت أولى بالكافرين ذكرها قريبًا منهم وما كانت أولى بالمؤمنين ذكرها قريبا منهم.وهناك حكمة أخرى عندي في تقديم لفظ "الكتاب" على "القرآن" في سورة الحجر وتقديم لفظ "القرآن" على "الكتاب" في سورة النمل، وهي أن التركيز على صفة "الكتاب" أكثر منه على صفة "القرآن" في سورة الحجر؛ حيث يُذكر الشيء الكبير قبل الشيء الصغير لبيان الدرجة والمقام.أما في سورة النمل فالتركيز فيها على صفة "الكتابة" أكثر منها على صفة "القراءة"، ولذلك قدم لفظ "القرآن" على "الكتاب".وهذا يعني أن "القرآن" و"الكتاب" ليسا اسمين بل هما صفتان للوحي القرآني حيث قيل إنه "كتاب" و"قرآن" أيضًا، فكان لفظ "الكتاب" نباً بأنه سيكتب، وكان لفظ "القرآن" نباً بأنه سيُقرأ بكثرة.وهاتان الصفتان لا تتوفران معًا في أي كتاب سماوي سوى القرآن الكريم.أعني أنه موجود كتابة، ويُتلى بكثرة لا يتلى بها أي كتاب سماوي آخر في العالم.لا شك أن التوراة والإنجيل أيضًا يُقرآن ولكنهما لا يُقرآن بالكثرة التي يُتلى بها القرآن الكريم، هذا أولاً.وثانيا لقد هيأ الله الله للقرآن الكريم عشاقا يحفظون كل كلمة منه ويتلونه بأنفسهم كما يقرأونه على الآخرين أيضًا آناء الليل وأطراف النهار.ولكن لا يوجد في الدنيا حافظ واحد للتوراة ولا للإنجيل، ولا يوجد فرد واحد يحفظ كل
الجزء السابع كلمة ۳۸۱ سورة النمل من كتاب "الفيدا" الهندوسي، وهذا هو حال "الزند" و"الأفستا".إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يُقرأ كتابةً ويُحفَظ عن ظهر قلب أيضًا، ثم إنه يُتلى في الصلوات أيضًا.وبما أن سورة النمل تُركز على إبراز تأثير القرآن الكريم كتابة أكثر منه تلاوةً فلذا قد قدّم فيها لفظ "القرآن" على لفظ "الكتاب".وهناك حكمة أخرى في هذا التقديم والتأخير، وهي أن سورة الحجر تتحدث عن الأنبياء الذين لم يكن في أممهم رواج للكتابة، بل كانوا يضبطون العلوم بحفظها عن ظهر قلب، مثل آدم وإبراهيم ولوط وشعيب وصالح وغيرهم – عليهم السلام.وبما أن الخطاب في سورة الحجر موجه إلى شعوب هؤلاء الأنبياء فقد جاءت كلمة "القرآن" مقرونة بصفة "المبين"، وذلك للإشارة إلى أن هذا الوحي سينفع هذه الشعوب بصفته قرآنًا أكثر، ولكن الله الا الله زاد هنا كلمة "الكتاب" أيضًا للإشارة إلى حفظه لهذا الوحي حفظا تامًا.أما في سورة النمل فجاءت كلمة الكتاب مقرونة بصفة المبين لأن هذه السورة تركز على بيان وقائع موسى وداود وسليمان - عليهم السلام - الذين كانوا من بني إسرائيل حيث كانوا يعتمدون على الكتابة أكثر من الحفظ وبما أنه كان مقدراً أن ينفع القرآن الكريم أمم هؤلاء الأنبياء بصفته كتابا أكثر منه قرآنا فلذلك قد تم التركيز هنا على "الكتاب" أكثر منه على "القرآن".بيد أن الله الله قد ذكر هنا كلتا الصفتين "الكتاب" و"القرآن" للإشارة إلى أن هذا الوحي سيُكتب ويُحفظ أيضا، إلا أن الأمم التي تعتمد على الكتابة ستنتفع من هذا الكتاب من خلال كتابته أكثر وهذه السورة تخاطب هذه الأمم نفسها وكأن هذا الوحي "قرآن" "مبين" للأمم التي تعتمد على الحفظ عن ظهر قلب أكثر، وأنه كتاب" مبين" للأمم التي تعتمد على الكتابة أكثر.ويتضح بالتدبر في القرآن الكريم أن كلمة "قرآن مبين" قد وردت فيه مرتين، بينما تكررت فيه كلمة "كتاب مبين" اثنتي عشرة مرة، وفي هذا إشارة إلى أن تأثير القرآن الكريم يكون أوسع نطاقا من حيث كونه كتابًا، وأن أكثر الناس سينتفعون ككتاب، وهناك فئة منهم ستنتفع من بركاته بحفظه عن ظهر قلب.وهكذا قد منه ،
الجزء السابع ۳۸۲ سورة النمل نبه الله تعالى المسلمين أن يهتموا بترويج التعليم أكثر لينتفع الناس من بركات القرآن أكثر فأكثر.هي يعني والميزة القرآنية الثانية التي قد ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿تلْكَ آيَاتُ الْقُرْآن وكتاب مبين أنه كتاب..أي أنه موجود بشكل مكتوب ومحفوظ، أما الصحف الأخرى فهي مكتوبة الآن ظاهريًا فقط، ولم تعد مكتوبة في الحقيقة، وأن عباراتها نفسها تدل على أنها أصبحت مشوهة محرفة.كما أن لفظ "الكتاب" الوجوب، وعليه فالمراد أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يعمل به الناس الآن.وبالفعل لا يزال هناك ملايين الناس الذين يعملون بكل حكم من أحكام القرآن حتى اليوم، بينما لا يعمل الناس بالتوراة والإنجيل والزند والأفستا إلا قليلا.فثبت أن القرآن الكريم هو الكتاب سواء من حيث كونه قد كُتب وحيه أولاً بأول، وأنه محفوظ حتى اليوم تماما كما نزل على محمد رسول الله ، أو من حيث إنه الكتاب الوحيد الذي يُعمَل به في العالم.لا شك أن أتباع الديانات الأخرى يطبعون كتبهم السماوية ويؤمنون بأنها وحى الله تعالى، بل يتضايقون إذا اختلف أحد مع ما ورد فيها من تعاليم ولكنهم يضربون بها عرض الحائط فيما يتعلق بالعمل بها.وهذان الأمران ثابتان بحيث لا غبار على ذلك.يقول المستشرق الألماني نولدكه "Slight clerical errors there may have been, but the Koran of Othman contains none but genuine elements- though sometimes in a very strange order.All efforts of European scholars to prove the existence of later interpolations in the Koran have failed." قد يوجد في القرآن أخطاء إملائية طفيفة، ولكن القرآن الذي قدمه عثمان للعالم لا يحتوي إلا على المادة الأصلية (التي قدمها محمد ﷺ، وإن كان ترتيبه يبدو غريبًا جدًّا في بعض الأحيان.ولقد فشلت محاولات العلماء الأوروبيين تماما لإثبات وجود أي إضافات لاحقة أو تحريف في القرآن.الموسوعة البريطانية، تحت : Koran) ويقول السير وليام موير: "We hold the Cur'an to be as surely Mahomet's word, as the Mahometans hold it to be the word of God."
الجزء السابع ۳۸۳ سورة النمل (Life Of Muhammed: by Sir William Muir p.562-563) أي نتوصل إلى نتيجة أن القرآن المتداول اليوم هو بكل يقين نفس كلام محمد الذي يؤمن المسلمون بأنه كلام الله.وعلى النقيض نجد كبار القسيسين أنفسهم يعترفون أن التوراة والأناجيل قد أصبحت محرفة ومبدلة.إذا لا تُوجد في عالم الأديان كله اليوم صحيفة سماوية يمكن أن تُسمى "كتابًا" بمعنى الكلمة سوى القرآن الكريم، الذي لا يزال كل لفظ من ألفاظه بل كل حركة من حركاته محفوظة كما نزلت على محمد رسول الله.وفيما يتعلق بالعمل، فبرغم أن النصارى يتباهون بتعليم المسيح القائل: "لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضًا" (متى ٥: ٣٩)، ولكن لا أحد يعمل بهذا التعليم في أي مكان في العالم.هناك كتاب واحد فقط يُعمل به في العالم وهو القرآن الكريم الذي يأمر أنكم إذا قبضتم على الجاني فعاقبوه، ولكن إذا رأيتم أن العقاب سيُفسده أكثر وأن العفو عنه سيولد فيه الندامة، فيحاول إصلاح نفسه، فاعفوا عنه، لأن واجبكم هو إصلاح الناس، وليس أن تعاقبوا أحدًا بدون سبب أو تعفوا عنه بشكل غير مناسب.ويقول أيضا: “What we have, though possibly created by himself, is still his own." هذا الكتاب الذي بين أيدينا، بالرغم من أنه من الممكن أن يكون من اختراع محمد (ﷺ)، إلا أنه ما زال هو نفسه.(حياة محمد ص ٥٦٢) ويضيف قائلا: "We may upon the strongest presumption affirm that every verse in the Qur'an is genuine and unaltered composition of Muhammad himself." أي أننا نستطيع الجزم – بناء على قياسات قوية – بأن كل آية في القرآن الذي بين أيدينا أصلية غير محرفة، بل إنها هي هي كما أوردها محمد بنفسه.(المرجع السابق) وبعد قوله بأن ترتيب القرآن أمر غير مفهوم يستطرد قائلا: هي آية "There is otherwise every security internal and external that we possess the text which Muhammad himself gave forth and used." أي لدينا جميع البراهين القاطعة الداخلية أو الخارجية، على أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا نفس الكتاب الذي قدّمه محمد واستعمله المرجع السابق ص ٥٦١) (المترجم).هو
الجزء السابع ٣٨٤ سورة النمل قصارى القول إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يستحق بكل جدارة أن يُسمَّى "كتابا" من حيث العمل به، أما سائر الكتب الأخرى فقد أصبحت معطلة من هذا المنظور.ثم إن القرآن الكريم لا يزال "كتابا" من حيث إن العمل به يجعل الإنسان مقربًا عند الله الله وذلك أن أئمة اللغة قد قالوا عن لفظ الكتاب: ما يُكتب فيه؛ سُمِّيَ به الجمعه أبوابه وفصوله ومسائله.ومن معاني الكتاب أيضًا: الفرض، الحكم، القدر، المكتوب، وعلى ما يكتبه الشخص ويرسله.وكتب السقاء: حَرَزَه بسيرين؛ وكتب الناقة: ظأرها فخزم منخريها بشيء لئلا تشم البو".(الأقرب) فاتضح من هذه المعاني أن الكتاب يعني في الأصل الجمع.فيُسمّى الكتاب كتابا لأنه يجمع بين دفتيه مضامين شتى، وتُسمَّى الرسالة كتابا لجمعها بين صديقين، الحكم والفرض كتابًا لأن العامل به ينال مطلبه، ويُطلق الكتاب على القضاء والقدر لأن المرء لا يقدر على الفرار منه بل لا بد أن يلقاه؛ كذلك يُسمى الله كتابا لأنه وسيلة القرب والجمع بين الله وعبده.فالكتاب الذي يُوصل یک ويسمى رحي وتعالى.أن العبد بربه يستحق أن يُسمى كتابًا، أما الكتاب الذي يفشل في ذلك فلا يستحق يُسمى كتابًا في الواقع.وهذه الميزة لا تتحلى بها الآن أية صحيفة من الصحف السماوية إلا القرآن الكريم، فإن العمل به يوصل العبد بربه ويجعله مقربًا عند الله وقد ركز القرآن الكريم على هذا الأمر جدا، حتى قال الله في القرآن الكريم إنه قد أودع الفطرة الإنسانية حُبَّ الاتصال به حيث قال تعالى: خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (العلق :(۳).لا شك أن من معاني هذه الآية أن الله قد خلق الإنسان وقام بتطويره حين كان متعلقاً أمه، ولكن لهذه الآية مفهوم آخر أيضًا وإليك بيانه: إذا قيل في العربية: "خُلق فلان من كذا ، فيكون المعنى أنه مفطور عليه.فمثلاً قال الله له في آية: (وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَان من طين (السجدة:٨) ولا شك أن الله من تراب، ولكنه تعالى قال في آية أخرى: خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَل (الأنبياء: ۳۸)، وهذا لا يعني أن الله له أخذ مادة اسمها العجل، فصاغها في خلقه برحم
الجزء السابع ٣٨٥ سورة النمل قالب وخلق الإنسان؛ إذ ليس هناك مادة اسمها العجل، بل المراد أنه تعالى قد جعل العجلة في فطرة الإنسان.إذا فقوله : خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ أن الله قد خلق الإنسان وقام بتطويره حين كان متعلقا يصبح برحم كُما أمه.يعني يعني أيضا أن الإنسان مفطور على حب أحد والتعلق به، وأنه يُريد بفطرته أن وأنه يُريد بفطرته أن يصير لأحد.كان المسيح الموعود اللي يقرأ علينا بيت شعر باللغة البنجابية ومعناه: "إما أن تصبح لأحد، أو أحد لك".إذا، فمن معاني قوله : خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ أن الله جعل في فطرة الله الإنسان الحب والتعلق بأحد ما، أي أنه خلقه بحيث لا يجد راحة ولا قرارا ما لم يصبح لأحد.فما لم يجد ضالته المنشودة هذه يحب زوجته حينًا، وأخته حينا، وأمه حينًا وأباه حينًا وأصدقاءه حينًا، وهكذا يظل تائها هائما في حبه إلى أن يجد الطريق للوصول إلى الله وعندها يصبح الله وحده.ورد في الحديث أن رسول الله ﷺ وجد في وقعة بدر امرأة قد فقدت ولدها، فكانت تبحث عنه في ساحة القتال، وكلما وجدت ولدًا احتضنته وقبلته، وإذا علمت أنه ليس ولدها تركته باحثة عن ولدها حتى وجدته، فاحتضنته وجلست هادئة مطمئنة وأخذت تقبله.فلما رأى النبي الله هذا المشهد قال لأصحابه: هل رأيتم هذه المرأة كيف كانت قلقة بسبب ابنها، وعندما وجدته جلست هادئة مطمئنة، كذلك يظل الله قلقًا على عبده الذي ضل طريقه، وإذا تاب إلى الله الله بصدق ووصل إليه فرح الله تعالى مثل هذه الأم..= إذًا، فالقرآن الكريم أعلن أن الله قد أودع فطرة كل إنسان والتعلق به ، ثم بين القرآن الكريم طرق الوصال بالله أيضًا.عاطفة الله السبي نص الحديث كالآتي: عن عمر بن الخطاب : قدم على النبي سبي، فإذا امرأة من قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي : أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ قلنا: لا، وهي تقدر على أن تطرحه.فقال: لله أرحم هذه بولدها (البخاري كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله) (المترجم) بعباده من
الجزء السابع ٣٨٦ سورة النمل والواقع ، إذ من الممكن أن يكون المرء إنسانًا مجتهداً، وتاجراً ناجحا، وصناعاً ماهراً، وسخيًا كريما بدون أن يتبع دين الحق، ولكن من المحال أن يصل أحد إلى الله تعالى بدون اتباع دين الحق.هذا هو الشيء الوحيد الذي يُميز بين من يتبع دين الحق ومن لا يتبعه والبديهي أن الواصل بالله تعالى من يتبع الطريق الذي يوصل إلى الله له ، أما الذي لا يسير في ذلك الطريق فأَنَّى له أن يصل إليه تعالى.ومما لا شك فيه أن الله له ليس بشيء مادي ولا يقيم في مكان معين، بيد أن هناك طرقًا وسبلا للوصول إلى جميع الأشياء الروحانية والمعنوية.وعلى سبيل المثال إن التعلم ليس بشيء مادي، وإن معرفة اللغة أو الجغرافية أو التاريخ أو الحساب ليست بأمور مادية، ومع ذلك ثمة طرق محددة لتحقيق هذه الغايات فما لم تتعلم اللغة لإتقانها، وما لم تدرس كتب علم الحساب لتحصيله، وما لم تذاكر كتب الجغرافية من أجل علمها، وما لم تطالع كتب التاريخ من أجل معرفته لن تصل إلى اللغة ولا إلى الحساب ولا إلى الجغرافية ولا إلى التاريخ كذلك رغم أن الله الله ليس شيئًا ماديًا إلا أن هناك طريقًا للوصول إليه، وقد أخبر الإسلام عنه فقال: قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبَبْكُمُ الله) (آل عمران (۳۲)..أي يا محمد، بَشِّرِ الإنسانية وقُلْ اللَّهَ إن كنتم تريدون أن تحظوا بقرب الله الله فعليكم باتباعي، فسوف يُحبكم الله تعالى وتصبحوا من أحبته.أن ما يُميز الدين الحق عن الأديان أو العقائد الأخرى هو التعلق بالله ما أعظم هذه البشارة التي زُفِّتْ إلى الدنيا وكم تبت هذه الرسالة الأمل والحياة في القلوب الميتة! والأمر الواقع أنه لا يوجد في الدنيا اليوم شخص واحد يمكنه أن يدعي أنه قد نال قرب الله الله وتشرف بكلامه واطلع على أسرار الغيب من خلال العمل بالتوراة أو الإنجيل أو الفيدا أو الزند أو الأفستا، بينما كان ولا يزال بين المسلمين أناس أطهار حظوا بقرب الله الله وتمتعوا بأنواره وبركاته.بل إن الإسلام يعد المسلمين وعدًا أبديًا في قول الله تعالى: إِنَّ الَّذينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزِلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ
الجزء السابع ۳۸۷ سورة النمل تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدْعُونَ ) (فصلت: ۳۱-۳۲) لقد ثبت من هنا أن الإسلام يعلن أن باب قرب الله له مفتوح على مصراعيه لكل مؤمن، وأن الناس لو اتبعوا محمدا رسول الله له بصدق لأدخلهم الله في أحبته وشرفهم بإلهامه وكلامه، ونصرهم في المحن، وكتب لهم الانتصارات والبركات بشكل خارق.أما الصحف الأخرى فليس بينها كتاب واحد يقدر على أن يهب المؤمنين به واحدًا بالملايين من البركات التي يعد بها القرآن الكريم المؤمنين فثبت أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يستحق أن يُسمى كتابا حقيقةً، أما الصحف الأخرى فهى كتب بالاسم فقط لا حقيقةً، لأنها عاجزة عن إيصال العباد إلى ربهم.ثم إن القرآن الكريم ليس بكتاب فحسب بل هو كتاب مبين أيضًا، أي أنه لا يوصل العبد بربه فحسب، بل يبين بالتفصيل كل ما يتعلق بالتقرب إلى الله الله و لم يقصر في بيان أي شيء ضروري للعباد من أحكام وأخلاق فاضلة واعتقادات صحيحة.الحقيقة أن الذي هو في الخفاء والحجاب لا يمكن أن نعرف عنه شيئا إلا إذا نادانا وهدانا إليه بنفسه.لنفترض أن هناك غرفة مقفل بابها من الداخل، ولا ندري من فيها، فكيف، يا ترى نعرف ما بداخلها؟ فلو حاولنا التخمين بناء على قياسنا وحده لكان مثلنا كمثل العُميان الأربعة.يُحكى أنه كان في مدينة أربعة عميان، وجاء فيل إلى المدينة فذهب الناس لرؤيته، فطلب منهم العميان اصطحابهم.فأخذوهم ولكن أنى لهم أن يروا الفيل.فقالوا فيما بينهم تعالوا نتلمس الفيل بأيدينا لنعرف كيف هو فوقعت يد أحدهم على ذنب الفيل ويد الآخر على أذنه، ويد الثالث على بطنه ويد الرابع على خرطومه ولما رجعوا جلسوا يصفون الفيل، فقال الذي لَمس ذنّبه: إن الفيل شيء طويل في آخره شعر.فقال الذي لمس أذنه:
۳۸۸ سورة النمل الجزء السابع لا، بل هو كغربال كبير.فقال الثالث الذي لمس بطنه : لا ، إنه كالطبل.فقال الرابع الذي لمس خرطومه كلا؛ بل هو شيء طويل لين.فترى أن هؤلاء العميان لم يختلفوا في وصف الفيل إلا لأنهم لم يروه، وإنما وصفوه بناء على قياسهم فحسب.كذلك فإن الشيء الذي يكون خفيا وراء الحجاب لا يمكننا ،وصفه ومن حاول وصفه بناء على قياسه ورجما بالغيب سيخطئ في وصفه كما حدث مع العميان الأربعة ونفس الحال بالنسبة لمعرفة الله وتعاليمه، فإن هذا العلم لا يتيسر إلا بكتاب الله ، ومن أراده بطريق آخر كان مصيره كمصير العميان الأربعة، الذين لمس أحدهم خرطوم الفيل فظنه فيلا، ولمس ثانيهم ذنبه فظنه فيلا ولمس ثالثهم بطنه فظنه فيلا ولمس رابعهم أذنه فظنه فيلاً.إن العلماء الجاهلين يدعون في هذا العصر أن بإمكانهم معرفة الله له من خلال عقولهم، وعلى النقيض يقول بعض المشايخ الأغبياء ألا علاقة للعقل بالدين.والحق أن كلا الفريقين على خطأ، فإننا لا نستطيع معرفة الله بالعقل، كما لا يمكننا فهم الدين بدون العقل، بل لا بد لنا من استخدام العقل لفهمه مثلما نفهم أي شيء معقول بالعقل، حيث يقول الله : قُلْ هَذه سَبيلي أَدْعُو إِلَى اللَّهُ عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (يوسف: ۱۰۹)..أي يا محمد، قل للناس هذه سبيلي..أي أني أدعو إلى الله الله، وأنا وأتباعي على بصيرة فلا نقبل أي شيء إلا بالدليل والمنطق.بيد أن هذا لا أن بوسع المرء الوصول إلى الله الله بناء على عقله فقط، كلا بل إن الدين هو هادينا إلى الله ، وأن العقل هو هادينا إلى الدين فليس لنا منه يعني 6 بد، كما لا بد لنا من نبي لتوجيه العقل إلى الصراط المستقيم، ذلك لأن الذين حاولوا فهم الدين بمساعدة العقل وحده قد تعثروا دائمًا.هناك مثل باللغة البنجابية معناه: أنا الذي جئتُ من البيت فكيف تخبرني عن أحوال أهلي؟ ونفس الشيء ينطبق فيما يتعلق بالله ، فمن أراد لقاءه تعالى دلّه بنفسه على سبيل لقائه، ومن المحال أن يصل إليه بنفسه.
۳۸۹ الجزء السابع سورة النمل إذًا، فإن العلماء الذين يدعون أنهم يقدرون على الوصول إلى الله بمساعدة عقولهم فحسب لمجانين حقا، إذ من المحال الوصول إلى الله الله إلا بمساعدته هو، وإن أكبر وأنجع وسيلة للحصول على هدى الله وإرشاده بهذا الصدد هو أن يتدبر الإنسان كلام الله الله ويفهمه ويسعى للعمل به.ثم يقول الله : هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنينَ..وكلمة هدى جاءت هنا نكرةً على سبيل التعظيم، والمراد أنه هدى عظيم، بمعنى أنه ما من درجة من الهدى إلا ويوصل إليها القرآن الكريم ذلك لأنه مما لا شك فيه أن كلاً من التوراة والإنجيل والزند والأفستا وغيرها من الصحف كان هدى للناس في زمنه، ولكن الهدى الكامل الذي بلغ بالناس أوج الكمال والذي لا حاجة بعده إلى هدى آخر إلى يوم القيامة إنما هو القرآن الكريم.ولذلك ذكر الله ال مدارج مختلفة للهدى في الله له موضع آخر من القرآن فقال: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى (محمد:۱۸).أي أن الذين يبدأون السلوك في سبيل الهدى يزيدهم الله هدى على هدى، ذلك لأن الله الله كما هو غير محدود كذلك فإن مدراج قربه بلا حدود.ومن كمال القرآن أنه يهدي السالك عند كل مرحلة في سيره الروحاني للتقرب إلى الله ، وليس هناك مقام يمكن أن يستغني فيه المرء عن الهدى القرآني، كلا بل هو محتاج إلى هديه في هذه الرحلة الروحانية من بدايتها إلى نهايتها، ولا يزال القرآن الكريم يرشده ويمده بأنواره وبركاته عند كل خطوة إلى أن يصل إلى الله الله.ثم يقول الله وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنينَ..أي أن القرآن الكريم لا يهدي وتعالى الإنسان إلى درجات غير متناهية من قرب الله الله فحسب، بل إنه يؤيده بالآيات ويعطيه البشارات أيضًا.ذلك لأن اهتداء المرء وتَقَرُّبه من الله الا الله أمر روحاني لا يُرى بعيون مادية، فإذا لم تظهر لتأييد المؤمنين آيات من عند الله تعالى فيشك الناس فيما يدعونه من قربه الله ودفعا لهذا اللبس يؤيد الله المؤمنين بنصره دائما، ويُنـــزل لهم آياته ليقوي بها إيمانهم ويقيم الحجة على أعدائهم، مما يكون دليلاً على أنهم من المهتدين فعلاً وأنهم من عباد الله المقربين.إن المفتري الكذاب يمكن أن يدعي بقرب الله ، ولكنه لا يقدر على إنزال الآيات الإلهية لتأييده، ولكن إذا شملت نصرة =
الجزء السابع ۳۹۰ سورة النمل الله وتأييده أحد المدعين، ونزل عليه وحي الله وإلهامه، واستجيبت أدعيته بشكل غير عادي، وفاز في مقاصده فوزًا بعد فوز، وفشل أعداؤه في مسعاهم، لكان هذا دليلاً على صدقه في دعوى القرب من الله.ويعد القرآن الكريم بتوافر هاتين الميزتين في الذين يعملون بأحكامه، فإذا عملوا بهذا الهدى الأبدي ظلوا يتقربون عند الله الله كما سينزل الله لالالالالالاله بنفسه من السماء لتأييدهم ويبشرهم عند اشتداد الخطوب والمحن، ويكتب لهم الغلبة على أعدائهم ويجعلهم فائزين في هدفهم الذي يقومون من أجله.ثم يبين الله الا الله أنه مما لا شك فيه أن القرآن هدى وبشرى، ولكن لا هداية فيه ولا بشرى للذين يدعون الإيمان بأفواههم ولكن لا يعملون بحسبه، فلا يؤدون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ولا يوقنون بالآخرة.فهؤلاء لا يهتدون بالقرآن، ولا يصحبهم تأييد الله ولا بركاته، إنما يتمتع بثمار هدي القرآن وبشاراته الذين يُصلّون مع الجماعة، ويخرجون الزكاة، ويوقنون بالآخرة.الحق أن عبادة الله الله هي أهم ركن من أركان الدين، والحق أنه بمثابة القلب والدماغ للدين.وإذا خلا الدين من عبادة الله الله أصبح مجموعة من التقاليد والعادات فحسب، وبات الادعاء بوصال الله كذبا وزورا، ولذلك قد أخبر الله تعالى هنا أن أول صفة للمؤمنين أنهم يقيمون الصلاة.واعلم أن المراد من يُقيمُونَ أنهم يصلون جماعةً كما يحثون الآخرين على أداء الصلاة..أي أنهم يلتزمون بأداء الصلاة جماعة، إذ لو كان المراد أداء الصلاة بدون جماعة فقط، لقيل: "يصلّون"، ولكن الله الله قال هنا: يُقيمُونَ الصَّلاةَ ، وقال في مواضع أخرى أقِيمُوا الصَّلاةَ ، وأَقَامَ الصَّلاةَ ، والبديهي أن الإقامة إنما تكون في صلاة الجماعة فقط.إذا فمن أكبر علامات المؤمنين المذكورة هنا أنهم يواظبون على الصلاة بأنفسهم كما ينصحون الآخرين بأدائها.لقد رأيت أن بعض الناس يواظبون على الصلاة، ولكنهم لا يهتمون بصلاة أهلهم وأولادهم، مع أنهم لو كانوا مخلصين حقًا لم يتغاض أحد منهم عن ابنه أو زوجته أو أخيه أو أخته إذا ترك الصلاة.
۳۹۱ سورة النمل الجزء السابع كان في جماعتنا أخ مخلص وقد تُوفي الآن، لقد شكاه ابنه إلي ذات مرة وقال إن والده لا يرضى بأن يشترك في جريدة الجماعة "الفضل".فكتبت إلى أبيه: لماذا لا تحقق رغبة ابنك؟ قال: إني أريد أن يتمتع ابني بحرية تامة في دينه، فيتدبر في دينه بدون أي ضغط من أي طرف فكتبتُ إليه : إنك تظن أن قراءته جريدة "الفضل" ستؤثر على أفكاره فلن يتمتع بالحرية الدينية، ولكن هل اتخذت أي تدبير كيلا يؤثر فيه أساتذته وكتبه وأصدقاؤه؟ وما دام كل هؤلاء يؤثرون فيه فهذا يعني أنك تريد لا بنك أن يأكل السم، ولا تريده أن يتناول الترياق.مجمل الكلام أن إقامة الصلاة ضرورية جدًا، ومن معاني "إقامة الصلاة" أداؤها الجماعة، وبإخلاص وخشوع وهدوء، ومع كل شروطها، كما الآخرين عليها.ورد في الحديث أن الصلاة وسيلة للقاء العبد بربه، وهذا يعنى أن الله يريد بالصلاة أن يصطبغ المؤمنون بصبغة الله التي يبعث أنبياءه من أجلها، ومن خلال الصلاة يصطبغ المؤمنون بصبغته تعالى.مع يعني حث لقد كان النبي ﷺ شديد الاهتمام بأداء الصلاة جماعةً.فذات مرة جاءه شخص كفيف وقال: يا رسول الله، إن بيتي بعيد عن المسجد وأعاني كثيرًا في الوصول إلى المسجد من أجل الصلاة، فاسمح لي بأدائها في البيت - علما أن البيوت في المدينة آنذاك كانت طينية، وكانت مياه الأمطار تضر جدران البيوت عند تدفقها في الشوارع، فكان الناس يضعون أحجارًا مع قواعد الجدران لتحميها من المياه كما يفعل أهل بلادنا أيضًا.والكفيف لا يستطيع أن يمشي في وسط الشارع بسهولة ملتصقاً ولذلك يمشي بجدران البيوت دائما، وهناك خطر أن يتعثر بتلك الأحجار ويسقط ويُجرح، ولذلك قال الصحابي الكفيف هذا الكلام - فقال النبي ﷺ: حسنًا، فصل في بيتك ما دمت تُعاني في طريقك إلى المسجد.فعاد الكفيف إلى بيته، ولكن النبي الهلال لو أمر أصحابه أن يدعوه فلما رجع قال له: هل تسمع صوت الأذان في بيتك؟ قال: نعم.فقال النبي : ما دام صوت الأذان يصل إلى بيتك فعليك أن تصلي في المسجد، وإن تعثرت وتجرحت في الطريق.(مسلم: كتاب المساجد، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء)
۳۹۲ الجزء السابع سورة النمل وكذلك قال النبي ﷺ مرة وددتُ أن آمر أحدا ليؤم الناس صلاة العشاء أو الفجر نيابة عني، وآمر رجالاً أن يحملوا الحطب، فأدور في المدينة وأحرق على الذين لا يحضرون صلاة الجماعة بيوتهم.* * فبرغم أن النبي ﷺ لم يحرق أحدًا بالفعل، بيد أن قوله هذا يكشف أهمية صلاة الجماعة عنده.والحق أن النبي قد بين بهذا المثال أن الذين لا يؤدون الصلاة جماعة يجعلون أنفسهم حطبا لجهنم.لا شك أن هناك حسنات أخرى كثيرة، ولكن الله الا الله قد قدم الصلاة على جميع الحسنات الأخرى، فلا بد للمرء من حضور المسجد في مواقيت الصلاة إلا لعذر أو لأمر طارئ.والمراد من الأمر الطارئ - على سبيل المثال - اندلاع حريق، فلا بد للمرء عندها أن يُطفئ النار أولاً ويصلي فيما بعد.أما الذي يُقصر في أداء الصلاة الجماعة بدون عذر أو أمر استثنائي فإنه يرتكب جريمة كبيرة.والأمر الثاني الذي تحثّ عليه هذه الآيات هو الزكاة.وضرورة الزكاة وأهميتها مرتبطة بالفقر.والحق أن الفقر لم ينفصل عن الناس أبدًا.يظن الناس عادة أن الزيادة في سكان العالم هي التي تؤدي إلى الفقر، ولكنه ظن خاطئ إذ نرى أن الفقر كثيرًا.مع مستمر منذ القديم عندما كان عدد السكان قليلاً وأيضا عندما كان عددهم أن الناس كانوا قلة في زمن آدم العلم إلا أن بعضهم كانوا فقراء بحسب فرغم القرآن الكريم حيث يقول الله له لآدم بصدد الجنة: ﴿إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضحَى (طه: ١١٩-١٢٠).فما داموا يملكون وحدهم كل ما في الدنيا من الخيرات والثروات من ذهب وفضة وحديد ونحاس وأرض وثمر وزهر - إذ لم يسكن الأرض سواهم - فكيف، يا ترى، قيل لآدم لو عشت خاضعًا لهذا النظام فلن تعاني أنت ولا أصحابك الجوع والعطش والعُري؟ * نص الحديث كالآتي: عن أبي هريرة أن رسول ﷺ قال: "والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيُحطَب، ثم آمر بالصلاة، فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأُحرق عليهم بيوتهم." (البخاري: كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة) (المترجم)
الجزء السابع لقد تبين من ۳۹۳ سورة النمل هنا أنه كانت هناك إمكانية أن يجوع بعضهم ويظمأ بعضهم ويعرى بعضهم رغم امتلاكهم ثروات الدنيا كلها.ذلك لأن الثروة في الدنيا نوعان: ثروة كامنة وثروة فعلية والثروة الفعلية أيضًا :نوعان أوّلهما النقود أو ما يحل محلها في شراء الحاجات، وثانيهما: الحبوب وغيرها من السلع المستهلكة.ثم إن هذا أيضًا ينقسم إلى قسمين: أحدهما ما يستهلكه الإنسان مباشرة بدون أن يجهزه، وثانيهما ما يحتاج إلى التجهيز والإعداد أما الثروة الكامنة فتُسمى بالإنجليزية wealth، والمراد منه ما يوجد في البلد من مصادر الثروة الطبيعية مثل: معادن الذهب والفضة.فلو امتلك أهل بلد معادن الفضة والذهب أو الأراضي الخصبة، فلا يعني ذلك أنهم يملكون المال والثروة حقيقة، ذلك لأنه ما لم تصل هذه الفضة والذهب إلى أيدي الناس، أو ما لم يكن عندهم أدوات الزراعة لزرع القمح أو القطن في أراضيهم الخصبة، لتعرضوا للجوع والعطش والعري حتمًا.أو إذا كانوا يجهلون الصناعة والحرفة والزراعة فسوف يموتون جوعا وفاقة، وإن ملكوا من معادن الذهب والفضة ما يساوي بلايين البلايين، وإن ملكوا من الأراضي الخصبة التي لو ألقيت فيها حبة أصبحت ألف حبة.فثبت أنهم يملكون الثروة ولكنها ثروة جامدة.ولكن لو أُقيم في الدنيا نظام – سواء عن طريق الوحي أو الإلقاء والإلهام- يعلّم الناس شتى الفنون والمهارات من زراعة ونسيج وغيرهما مما ينهض بهم مدنيا، فلا بد أن يزول جوعهم وعطشهم وعريهم.وقد ورد في الروايات الإسلامية - وإن كانت ضعيفة – أن آدم الله علم الناس الزراعة وأن "شيئًا" ال علمهم النسج.فسواء أن آدم أو شيئًا أو غيرهما هو الذي علم الناس هذه الفنون والمهارات إلا أنه مما لا شك فيه أن الإلهام الإلهي قد ساعدهم بشكل مباشر في هذه الأمور في البداية.فقد صرح القرآن الكريم أن الله هل تعلم الإنسان بإلهامه ووحيه اللسان في البداية، قال الله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ (البقرة:۳۲)، فكما أن الله تعالى علّمهم اللغة كان لزاما عليه في البداية أن يعلّمهم بوحيه وإلهامه شتى الفنون والمهارات وإلا لعانوا أحقابًا طويلة.فمثلاً لو جاء الناس نبي ونصحهم بالحراثة والزراعة وغرس الأشجار والبساتين، فمن يعمل بنصحه يجد الخبز للأكل، وينج من
٣٩٤ الجزء السابع سورة النمل الجوع والفاقة، أما الذين لا يطيعونه ولا يقومون بأعمال الحراثة والزراعة وحفر الآبار والنسيج ولا يتعلمون اللغة فسوف يظلون جياعًا وعطاشى وعريًا وبكما.إن هذه الفنون والمهارات مهما كانت بدائية في البداية حتى ولو كانت منحصرة في طريقة ستر عوراتهم بالجلود أو العيش على تناول الثمار مثلاً، إلا أنه لا يسعنا الإنكار أن الذين سيخضعون لهذا النظام ينجون من الجوع والعطش والعري، ومع ذلك سيظل هناك قوم فقراء أيضًا إذ لا مناص للناس من الحوادث والآفات والكوارث التي لا يملكون أمامها حيلة لنفترض أنه كان في الدنيا إنسان واحد في البداية، وكان يملك جبال "كشمير" وأراضي "هزاره" ووديان "كابول"، وكانت في حوزته ثمار الدنيا كلها من عنب وإجاص وتفاح ومانجو وما إلى ذلك، ولكنه كان مبتور اليدين ومقطوع الرجلين، فماذا عسى أن تنفعه هذه الخيرات والثروات، يا ترى؟ كلا؛ بل من المحتم أن يموت جوعا وعطشا.فثبت أنه برغم أن الدنيا كانت في بدايتها مليئة بالثروات والخيرات إلا أن الناس ما كانوا لينتفعوا منها، إذ كانوا يجهلون الفنون والمهارات.وعندما جاء آدم ال وعلمهم شتى المهارات زال جوعهم وعطشهم وعريهم، بيد أن طبقة من المعوقين كالعُرج وغيرهم لم تستطع كما ينبغي.لنفترض أنه كان في الدنيا كلها عندئذ خمسة النعم هذه الانتفاع من عشرة شخصا، بينهم اثنان من العرج، فكيف يمكن أن يُزيل هذان جوعهما وعطشهما ما لم يكن بينهم نظام مسؤول عن الاعتناء بهما.والحق أن نبوّة آدم كانت تحتوي - أساسًا - على التعاليم البدائية التي العلا حولت البشر البدائي إنسانًا، حيث علّم الناس شتى الفنون ومبادئ التمدن، ودعاهم إلى العيش معا ومساعدة الفقراء وذوي العاهات والظاهر أنه إذا تشكل مثل هذا المجتمع فلن يظل أحد فيه جائعا ولا ظامئا ولا عاريًا، لأنه إذا وجد فيه بعض العُرج فيساعده الآخرون، وإذا وُجد فيه جائع فيشبع بطنه بالاشتغال بأعمال الزراعة أو التعدين؛ وهكذا يكسب الجميع المال ويزيلون معاناتهم أيضًا.فثبت أن قضية الفقر ليست وليدة هذا العصر، بل نشأت منذ مجيء الإنسان إلى الدنيا.لقد كان الفقر موجودًا عندما كانت بضعة أفراد من البشر يملكون الدنيا
مع سورة النمل الجزء السابع كلها، فدعت الحاجة إلى قانون ،ونظام، فأتى آدم ال إلى الناس برسالته ليلتزموا بالمبادئ والقواعد التي جاء بها فينجوا من معاناة الجوع والعطش.مما يعني أنه كانت هناك إمكانية في زمن آدم أيضًا لأن يعاني بعض الناس من الجوع والعطش والعري أن عدد سكان العالم لم يتجاوز عندها بضعة أفراد.أما بعد ذلك فقد ظلوا في ازدياد مستمر، فصاروا عشرين ثم مئة ثم ألفا ثم عشرة آلاف ثم مئة ألف، حتى بلغ عددهم اليوم نحو مليارين ونصف المليار.إذا، فكان من الممكن أن يوجد الفقر في الدنيا عندما كان فيها مئة شخص، وعندما كانوا ألفا، وعندما كانوا مئة ألف أيضًا.ذلك أن الجوع والفاقة ليس أساسه المال.هناك فكرة خاطئة بين الناس أن الفقر راجع إلى كثرة سكان العالم.كلا، إنما الواقع أن الفقر أو الرخاء منوط بمدى استغلال الإنسان للخيرات التي أودعتها الطبيعة في الكون، وأيضًا على مدى عقله وذكائه في استعمالها.فمثلاً لو كانت الأرض مليئة بالذهب ولم توجد فيها الحبوب والغلال لم يسد الذهب جوع الناس، أو لو وجدوا الغلال ولكنهم لم يعرفوا طريق الخبز لظلوا أيضًا جياعًا.فلا بد لهم في هذه الحالة من مساعدين، فيكسب بعضهم ويطبخ بعضهم وهلم جرا، ولأجل ذلك قد جعل الله له الرجل والمرأة زوجين.إذا، فهناك أمور عديدة لا بد منها للإنسان وإلا فلا مناص له من الجوع والعري.وهذا الوضع مستمر منذ بداية الإنسانية.لقد أتى على الإنسان زمان كانت موارد رزقه كثيرة، وكانت نسبة المعانين قليلة، إذ الواقع أن عدد المعوقين في المجتمع أو غير القادرين على العمل لمرض أو كبر سنّ لا يتجاوز الاثنين بالمئة، ولكن قد يصل عدد العاطلين عن العمل نتيجة البطالة تسعين بالمئة، ذلك لأنه إذا ازداد عدد السكان في بلد ولم تزدد موارد الدخل فيه أصبح تسعة من عشرة من سكانه عاطلين عن العمل أحيانًا، ولكن ليس لأنهم معوقون بل لأنهم لا يجدون عملاً.إذًا، فبعد زيادة عدد سكان العالم تغير الوضع، ولم تعد القضية كيف يمكن استخراج ثروات الأرض واستغلالها لأن كثيرًا من الناس يبذلون كل ما في وسعهم ومع بل قد مست الحاجة الآن إلى إيجاد أعمال جديدة.ذلك لا يجدون عملاً،
= ٣٩٦ سورة النمل الجزء السابع إذا، فالفقر والرخاء صنوان منذ بداية الإنسانية، وقد حاول الناس إزالة معاناة الفقر والفاقة بطرق شتى.فقد جاءت فترة في التاريخ قرر فيها الناس بأن هناك طائفة من الناس تستحق الحياة وفئة منهم لا تستحقها، وذلك كما حصل في الهند حين أصبح "الشوادر " * أكثر عددًا، فقال "البراهمة و"الكهتريين" أن لا حق للشوادر في الحياة، فإذا كانوا يموتون فليموتوا.فنهبوهم وحرموهم كل حق من حقوقهم الاجتماعية ثم جاءت فترة أخرى أخذ فيها الناس يقولون إن علاج الفقر إخراج الصدقات، فمن كان عنده مال كثير فعليه أن يساعد به الفقراء.وباختصار لقد اتخذ الناس تدابير مختلفة لمكافحة الفقر، ولكن لم يكن هناك تدبير شامل قادر على إزالة معاناة الفقراء والمحرومين.إنما هو الإسلام الذي قدم حلاً حقيقيًا لهذه المعضلة، فأعلن أن الصدقات وحدها ليست حلا مناسبًا للفقر، بل يجب أن يكون هناك نظام متكامل لمساعدة الفقراء والنهوض بهم.فأقام نظام الزكاة والعشر حيث يُؤخذ المال من الأثرياء تحت نظام ثم يُنفق على الفقراء.كما اتخذ الإسلام لرعايتهم تدابير محددة أخرى.لا شك أن الحكومات أيضا كانت تأخذ الضرائب، ولكن مصارفها لم تكن محددة.أما الإسلام فإنه فرض على الأثرياء أداء نسبة محددة من أموالهم في كل حال، كما حدد المصارف لهذه الأموال التي تؤخذ منهم، وبالتالي وضع نظامًا ثابتا للإنفاق على الفقراء وهذا النظام المتكامل بصدد الدخل والإنفاق لم يوجد عند أية أمة قبل الإسلام.لا شك أن الزكاة كانت تقسم الديانة الهندوسية أتباعها إلى أربع طبقات: ١- - البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله "براهما" من فمه بزعمهم: منهم المعلّم والكاهن والقاضي، وإليهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم.۲ - الكاشتر (أو "كهتري" ) : وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه: يتعلمون ويقدّمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع.٣-.الويش: وهم الذين خلقهم الإله فخذه: يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال، وينفقون على المعاهد الدينية.٤- الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم يشكلون طبقة المنبوذين، وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة ويمتهنون المهن الحقيرة.(المترجم) من
الجزء السابع النبي ۳۹۷ سورة النمل أما موجودة عند اليهود ولكنها كانت بصورة ناقصة (انظر الخروج ۲۳: ۱۰-۱۱).الإسلام فقد أقام بسنّ هذا القانون نظاماً رائعًا ينفع الإنسانية كنبراس في ساعات الظلام.ولكن الأسف أن المسلمين لم يولوا هذا النظام الأهمية الكافية وأهملوه كليةً، فتلاشى كما يتلاشى ماء النهر القديم في الرمال.وذلك برغم أن أول عمل قام به بعد هجرته إلى المدينة هو أنه جعل أصحاب المال والعقار والفقراء إخوةً، إذ كان الأنصار أصحاب مال وعقار ولكن المهاجرين لم يملكوا شيئا منها، فأقام النبي بينهم المؤاخاة.فعمل به الأنصار إلى حد المبالغة والمغالاة، فلم يتقاسموا مع المهاجرين أموالهم وعقارهم فحسب، بل من كان عنده زوجتان عرض على أخيه أنه مستعد أن يطلق زوجته ليتزوجها (البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار).وهذا أول مثال للمساواة التي أقامها النبي بين الناس بعد وصوله إلى المدينة فوراً، ذلك لأن أساس الحكومة الإسلامية لم يوضع إلا في المدينة.لم يكن عند النبي ﷺ في تلك الفترة أموال كثيرة، فكان الطريق الأمثل أن يختلط الغني بالفقير بحيث يجد كل إنسان في المجتمع شيئًا يأكله.المهاجر وقد عمل النبي بهذه المساواة في إحدى الحروب أيضا ولو بأسلوب آخر.ففي إحدى الغزوات علم النبي أن بعض المسلمين قد نفد زادهم، وأن بعضهم لا يزال عنده زاد كاف، فأمر النبي ﷺ الجميع أن يحضروا ما عندهم من الزاد، فجمعه في مكان وقد جعل لكل واحد منهم نصيبا محددًا منه (البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب حمل الزاد في الغزو).فكانت هذه محاولة أخرى لإيجاد طعام لكل إنسان.فكان الجميع يأكلون منفردين ما استطاعوا ذلك، ولكن عندما تعذر هذا وكان هناك خطر أن يظل البعض جياعا فقال النبي الله لا أسمح لكم الآن أن تأكلوا فرادى، بل سوف أطعم الجميع سويا.يقول الصحابة لقد عملنا بأمر النبي ﷺ بحذافيره، حتى إذا كان عند أحد منا تمرة واحدة رأينا أكلها خيانة كبرى، ولم نلبث حتى جئنا بها إلى مخزن الطعام.هذا نموذج ثان للمساواة قدمه النبي.=
يعني ۳۹۸ سورة النمل الجزء السابع ثم جاءت الخيرات والثروات بكثرة حيث فتح الله على نبيه خزائنه، ولكن لم يرد الله الله إقامة هذا النظام بكل تفاصيله إلا بعد النبي ﷺ لكي لا يقول الناس أنه كان خاصا بالنبي ، الله، ولا يحق لأحد سواه إقامته.على أية حال عندما أراد الله الله إقامة نموذج مثالي للمساواة على يد النبي ﷺ قدّم الأنصار عقاراتهم وأراضيهم للمهاجرين، ولكنهم لم يرضوا بأخذها مجانًا، بل قالوا نقوم بزراعة أرضكم ونعطيكم نصيبكم من ريعها (البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب إخاء النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار).لم يقصر الأنصار في إعطاء إخوانهم ما عندهم، ولكن المهاجرين لم يقبلوا عرضهم شاكرين ومثاله أن بعض الدول تقدّم لمواطنيها مساعدة وفق نظام السلع المدعومة، ولكن بعضهم لا يقبلها، وهذا لا أن الدولة مقصرة، بل الحق أنها قد أدت ،واجبها، ولكن الرجل لم يقبل عرضها.كذلك فإن الأنصار عرضوا على المهاجرين كل شيء، ولكن المهاجرين لم يأخذوا منهم شيئا.إذا، فإن النبي هل بدأ العمل بهذا النظام في حياته، حتى إنه لما دخل ملك البحرين في الإسلام أمره النبي ﷺ أن يعطي كل من ليس عنده أرض من رعاياه أربعة دراهم وكسوةً كي لا يتعرض للجوع والعري.أما بعد ذلك فأخذت الثروات تتدفق على المسلمين، وبما أنهم كانوا قليلي العدد مقارنة مع هذه الثروات، فلم تكن هناك حاجة إلى سن قانون جديد، لأن الهدف كان يتحقق على ما يرام والقاعدة أن القوانين إنما تُسنّ عند الخطر، أما إذا لم يكن هناك خطر فالحكومة مخيرة في سنّ القانون أو عدمه فلما توفي النبي وانتشر المسلمون في شتى البلاد والأقطار، دخلت شعوب أخرى في الإسلام بكثرة.كان العرب يعيشون كشعب موحد محافظين على المساواة فيما بينهم، ولكن عند انتشار الإسلام في أقطار أخرى ودخول الشعوب المختلفة في الإسلام، أصبحت قضية تأمين الخبز لهم مشكلة كبيرة.فقام عمر له بإحصاء السكان كلهم وأقام نظام التموين (Rationing) الذي استمر إلى عهد الحكم الأموي.وإن المؤرخين الأوروبيين أيضًا يعترفون بأن أول إحصاء للسكان في التاريخ هو ما قام به عمر
۳۹۹ سورة النمل الجزء السابع ه كما يعترفون أيضا أنه لم يقم بهذا الإحصاء ليسلب أموال الناس، بل لتأمين الطعام لهم.تقوم الدول بإحصاء السكان لإكراههم على أن يكونوا لها كبش الفداء ويقوموا لها بالخدمات العسكرية، أما عمر الله فلم يقم بإحصائهم ليجعلهم كبش الفداء، بل ليؤمن لهم الطعام.فبعد هذا الإحصاء أخذت رعيته كلها يحصلون على الطعام بحسب نظام خاص، كما يتلقون مساعدة مالية لسد الحاجات الأخرى.تاريخ اليعقوبي: المجلد الثاني ١٥٠، أيام ص عمر بن الخطاب ، والطبري المجلد الخامس ص ٢٠٣: حمله الدرة وتدوينه الدواوين والموسوعة الإسلامية: عمر بن وكان عمره شديد الحذر بهذا الشأن، فلما فُتحت بلاد الشام في عهده وجاء زيت الزيتون، فقال عمر الله للناس مرة: إن استعمال زيت الزيتون يسبب لي الغازات في البطن، فاسمحوا لي أن آخذ من بيت المال من السمن ما يساوي نصيبي من الزيت.(سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي، الباب التاسع والثلاثون، في ذكر قوله وفعله في بيت المال) الخطاب) فهذه أول خطوة اتخذت في الإسلام لسد حاجات الناس.والبديهي أنه لو قام هذا النظام لم يبق بعده حاجة لأي نظام آخر، لأن سد حاجات جميع المواطنين من طعام وشراب ولباس وتعليم وعلاج وسكن سيصبح من مسؤوليات الدولة الإسلامية وإذا سُدت هذه الحاجات فلن تبقى هناك حاجة لأي تأمين (Insurance).ولكن الذين أتوا بعدهم أخذوا لسوء الحظ، يقولون أن الملك مخير في أن يعطي أحدًا شيئًا أو لا يعطي ذلك لأن تعاليم الإسلام لم تكن قد رسخت فيهم بشكل كامل، فعادوا إلى ما كان يفعله قيصر و كسرى.وإنه من فضل الله الله أن ذلك النهر القديم الذي بات غائبًا في الرمال قد أجراه الله الله في قلبي ثانية، فأنا أول شخص في هذا العصر عرض هذا التعليم القرآني أمام الناس.وكثيرا ما يسألني المسلمون بمن فيهم أساتذة الجامعات والطلبة قائلين: إذا كان هذا ما يعلم الإسلام فلماذا غاب هذا التعليم؟ فأجيبهم دائما أن غياب هذا التعليم نفسه دليل على أنه من عند الله ، إذ لو كان من اختلاق بشر لظل راسخا في قلوب الناس، لأن العقول تكون جاهزة لتعاليم البشر لأنها تكون مواتية للأوضاع السائدة، فغياب هذا 6
سورة النمل الجزء السابع التعليم دليل على أنه من عند الله الله إن التعليم الإلهي يبدأ كموجة مرتفعة ثم يصيبها الانحطاط.ومن المقدر أن ترتفع موجة هذا التعليم الإلهي الآن ثانية، وستكون هذه المرة أرفع من المرة السابقة، ذلك لأن هذا ما نشاهده في نواميس الطبيعة أيضًا.عندما كنت طفلاً صغيرًا ولم أكن قد رأيت جبلاً، كنت أتخيل أن الجبل كمنارة عالية وأن الناس يصعدون عليه بمساعدة الحبال.ولكني لما رأيت جبال "شمله" أول مرة وجدت أن هناك ربوة تلو ربوة ثم ثالثة، وكل واحدة منها أرفع من السابقة، ولكن هناك انخفاض بعد ربوة أيضًا، وعندما يتقدم المرء من قمة الربوة الأولى يظن أنه يمشي إلى أرض منخفضة، ولكن الواقع أنه يصعد إلى ربوة هي أعلى من السابقة ثم يصل إلى الربوة الثانية ثم ينزل من قمتها فيخيل إليه مرة أخرى أنه ينزل إلى أرض منخفضة، ولكن الحقيقة أن كل خطوة يتخذها تذهب عاليا، وهكذا يمشي منخفضًا ومرتفعًا حتى يصل إلى قمة الجبل.وهذا هو نفس المشهد الذي نراه في نواميس الطبيعة ونجده في ارتقاء العقول الإنسانية أيضًا.لقد عمل الناس بهذا التعليم الرباني لأنهم تلقوه من النبي ﷺ مباشرة، ولكن بما أن العقول الإنسانية يكون كالموجات التي ترتفع تارة وتنخفض أخرى، فقد حصل الانحطاط بعد الموجة الأولى، ولكن قد ارتفعت الآن الموجة الثانية بواسطة المسيح الموعود اللة وستكون أعلى من الأولى طبقا لنواميس الطبيعة.به ارتقاء باختصار، إن بعد كل موجة انخفاضًا، فينسى الناس التعليم الحق.ولكن ما دام هذا النظام الإسلامي قائما فلا يبقى هناك حاجة لأي تأمين.ما هو التأمين يا ترى؟ إنما هدفه أن يمدّ أهلك وأولادك بالطعام واللباس والسكن بعد موتك.وما دامت الدولة مسؤولة عن سد حاجات جميع المواطنين بكل أنواعها، فما الحاجة إلى التأمين إذن؟ فالجميع سيجد غذاء وسكنا وكساء وتعليمًا وعلاجا.وهذه هي المصارف الاجتماعية التي من أجلها أقام الإسلام هذا النظام الواسع للزكاة والصدقات والتبرعات.وقد بين الإسلام أن من علامة المؤمنين أنهم يعطون الزكاة، فيحظون بحب الخالق بخدمة خلقه.والحق أن أنجع وسيلة لكسب حب أحد في الدنيا إنما هو أن تحب بعض أحبته، ويمكننا رؤية صدق هذا القول يوميًا في أسفارنا
٤٠١ الجزء السابع سورة النمل بالقطار.فإنك إذا قمت بمداعبة طفل لبعض الجالسين معك أو أعطيته قطعة حلوى فإن أباه يأخذ بالحديث معك بعد قليل وكأنه صديق قديم ونفس الطريق متبع في العالم الروحاني أيضا، فعندما ينفق المرء على عباد الله سدا لجوعهم وإفلاسهم فإن الله الله يقول إن عبدي هذا يقوم بخدمة أحبتي، فلندخله في زمرة المحبوبين.ورد في الحديث أن الله سيقول لبعض الناس يوم القيامة: كنتُ مريضًا فلم تعدني، وكنتُ جائعًا فلم تُطعمني، وكنت عاريًا فلم تَكْسُني؟ فيقول العبد: يا رب، كيف يمكن أن تمرض أو تجوع أو تعرى، فإنك منزه عن النقائص كلها؟ فيقول الله: كان بعض عبادي مريضًا، وبعضهم جائعا، وبعضهم عاريًا، فلم تعده ولم تطعمه و لم تلبسه، فكأنك لم تعدني و لم تُطعمني و لم تُلبسني (مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل عيادة المريض) إذا فإن الزكاة ركن مهم من أركان الإسلام، ومن أهملها فقد أسخط الله الله إذ أهمل حقوق عباد الله الفقراء.ثم يذكر الله له علامة أخرى للمؤمنين فيقول: (وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ...أي أنهم يقدمون التضحيات باستمرار غير مبالين بما إذا كانوا ينالون جزاءها في الدنيا أم لا، لأنهم يوقنون بالحياة الآخرة، وهذا اليقين ينفخ فيهم من الشجاعة التي تدفعهم للقفز في نيران التضحيات بلا تردد فعندما يُقاتل أحد الجنود في الدنيا فهل يقاتل لمنفعة شخصية؟ كلا، إن كل واحد منهم يعرف أنه سيُقتل في الحرب، وكثيرًا ما يُقتل بالفعل ولكن قومه ينتفعون من تضحيته.كذلك فإن الأم عندما ترضع ولدها فهل ترجو وراء ذلك أي فائدة؟ والواقع أن لبنها إنما هو من دمها، فكل جرعة يمتصها ولدها إنما هو دمها الذي يمتصه.ولو أن أمك رفضت إرضاعك وقالت: لماذا أرضعه دمي، لما كنتَ حيًّا اليوم.إن أمك أرضعتك دمها فأنت حي اليوم، فمن واجبك الآن أن تُريق دمك ليحيا أولادك وقومك ووطنك.هل فكرت: ما هي الراحة التي نالها في الدنيا الصحابة الذين استشهدوا في غزوة بدر.لقد تركوا آباءهم وأمهاتهم وأقاربهم وأصدقاءهم، وبعد أن ظلوا عرضة لأشد الاضطهاد طيلة ثلاث عشرة سنة تركوا وطنهم مكة بقلوب متقطعة وجروح
٤٠٢ الجزء السابع سورة النمل دامية، علهم يعودون سالمين إليها في يوم من الأيام.ولكن لم تمض على هجرتهم سنة ونصف إلا وفصلت سيوف الكافرين رؤوسهم عن أجسادهم، فسقطوا مضرجين بدمائهم في رمال محرقة في البرية بعيدا عن وطنهم القديم ووطنهم الجديد أيضًا.ولو أن هؤلاء لم يقدموا هذه التضحية قائلين: ما الفائدة التي نجنيها، إذ إن غيرنا الذين سيجنون ثمار تضحياتنا، لما نال الإسلام القوة والعظمة التي نالها فيما بعد.هم هي فمن وقائع غزوة أحد أن النبي بعث أبي بن كعب ليبحث عن الجرحى ويتفقد حالهم.فوصل أبي إلى سعد بن الربيع الذي كان قد أصيب بجراح بالغة وكان يلفظ آخر أنفاسه، فقال له : هل عندك رسالة تريد أن أبلغها أقاربك؟ فتبسم سعد وقال: كنت أنتظر أن يأتيني مسلم لأحمله رسالتي، ولكني أرجوك أولاً أن تضع يدك في يدي وتعدني بتبليغ رسالتي إلى أهلها ثم قال: أرجوك أن تبلغ إخواني المسلمين سلامي، وتقول لقومي وأهلي: إن رسول الله ﷺ أمانة ربانية عندنا، وقد بمهجنا وأرواحنا، وها نحن نرحل الآن من الدنيا واضعين هذه الأمانة في دافعنا عنه أيديكم، فلا تقصِّرُنّ في حفظها.(السيرة الحلبية: المجلد الثاني، غزوة أحد) عندما يحين أجل المرء تخطر بباله أفكار شتى عن أهله وأولاده، فيقول: ماذا ستفعل زوجتي بعدي، ومن سيرعى أولادي، ولكنك ترى أن ذلك الصحابي لم يترك أي رسالة كهذه وإنما قال يا ،قوم ها نحن نغادر الدنيا مدافعين عن رسول الله ، فسيروا وراءنا على نفس الطريق.والحق أن هذه القوة الإيمانية في هؤلاء القوم هي التي جعلتهم يقلبون العالم رأسًا على عقب، ويطيحون بعروش قيصر وكسرى.كان قيصر الروم وكسرى الفرس مذهولين من أمر هؤلاء القوم، حتى كتب كسرى إلى قائده وقال: إذا كنت لا تستطيع أن تهزم هؤلاء العرب فارجع واجلس في بيتك كالنساء.ألا تقدر على صدّ هؤلاء القوم الذين يأكلون الضب؟ فأجابه قائده إنهم ليسوا أناسًا بل هم عفاريت حيث يتقدمون قافزين على حد السيوف وأسنة الرماح.
من ٤٠٣ سورة النمل الجزء السابع و لم تكن هذه الشجاعة منحصرة في الرجال فحسب، بل تحيرني دائما التضحية التي قدمتها إحدى الأمهات.لما وقعت معركة القادسية في العراق ضد الفُرس في عهد عمر ، أتى كسرى بالفيلة في الحرب فأخذت إبل المسلمين تنفر منها، فلحقت بهم أضرار جسيمة فادحة، وقتل الكثير منهم.فقرر المسلمون ذات يوم ألاّ ينسحبوا من ساحة القتال ما لم يهزموا العدو.وجمعت الصحابية الخنساء – رضي الله عنها - أبناءها الأربعة وقالت لهم: يا بني، لقد أهلك أبوكم كل ما كان يملك مال وعقار، وألجأني للذهاب إلى أخي ليعطيني مما عنده، فذهبت إليه، فأكرمني وأعطاني نصف ما يملك من المال، فأخذته ورجعت إلى أبيكم، وقلت له: خُذ هذا المال وعش براحة.ولكنه أضاعه أيضًا، فاضطرني للذهاب إلى أخي ثانية، فذهبت فأَعزَّني وأكرمني وأعطاني نصف ما بقي عنده من المال.فرجعت به، ولكن أباكم ضيعه أيضا، فاضطررت إلى العودة إلى أخي مرة ثالثة، فأعطاني نصف ما بقي عنده من المال، ولكن أباكم ضيّعه أيضًا، فمات بدون أن يترك وراءه شيئًا.وكنت لا أزال في شبابي، ولو أصبحتُ بغية بحسب تقاليد المجتمع العربي لما كان علي من لوم، إذ لم يحسن إلي أبوكم في حياته ولم يترك لي بعده مالاً، لكني حافظت على عفافي من أجلكم.فإن لي حقوقا كثيرة عليكم، وسيقع غدًا بين الكفر والإسلام قتال مرير حاسم، فإذا رجعتم من القتال غير منتصرين فسأقول لربي إن أبنائي لم يؤدوا لي حقوقي وأنا لا أتنازل عنها.وبعد تحريض أبنائها على القتال، خرجت إلى البرية قلقة وخرّت أمام الله الله في انفراد ساجدةً باكية وقالت: رب، قد أرسلتُ أبنائي الأربعة ليموتوا في سبيل دينك، ولكنك قادر أن تعود بهم أحياء.فاستجاب الله دعاءها، وكتب الله بفضله الفتح للمسلمين ورجع أبناؤها كلهم أحياء.(الطبري، والاستيعاب: باب النساء وكناهن، باب الخاء: خنساء بنت عمرو السلمية) لم تكن هذه الشجاعة والبسالة إلا نتيجة الإيمان بالآخرة.لقد كانوا موقنين أن نجاة العالم منوط بالإسلام، فكانوا يقولون: إذا متنا فلا حرج ولا ضير، لأن الدنيا ستحيا بموتنا، ولأن الإسلام سيصبح غالبًا بتضحياتنا.
٤٠٤ سورة النمل الجزء السابع لا شك أنه يحق لقائل أن يعترض اليوم : لم يعد الإسلام غالبًا اليوم.ولكن الواقع أن المسلمين لا يزالون يتمتعون بالعظمة رغم انحطاطهم اليوم، حيث إن العالم كله يذكر دينهم باحترام بسبب كثرتهم.ما هو سبب هذا الرعب، يا ترى؟ إنما سببه تلك التضحيات التي قدّمها المسلمون الأوائل الذين كانوا في بعض الأحيان يبيتون جياعا ويصبحون جياعا، وإذا بليت عمامة أحدهم لم يجد عمامة أخرى، وإذا انكسر حذاؤه لم يجد حذاء آخر.إن هذا الرعب ليس إلا نتيجة تضحيات آبائكم هؤلاء الأولين.يُقال إن الصيت الحسن أعظم من العمل وهذا صدق وحق، إذ لا شك أن أعمال المسلمين اليوم ليست عظيمة، ولكن العالم كله يهاب اسمهم.كان المسيح الموعود الله يحكي لنا أن لصا دخل في بيت "رستم فقبض عليه رستم"، فبدأ الاثنان يتصارعان، وكان اللص لا يعلم أن الذي يُصارعه هو ستم" نفسه، بل ظن أنه يُصارع خادمه.فألقى اللص "رستم" على الأرض وجلس على صدره وهم بضرب عنقه، فصاح "رستم من تحته وقال: ها قد جاء "رستم".فنزل اللص من على صدره وهرب.فترى أن اللص تصارع مع "رستم وصرعه، ولكنه لم يستطع أن يصرع " " " " >110 من اسمه لما صفات كان لاسم "رستم" من هيبة في القلوب.فالذين يقدمون التضحيات يتركون وراءهم اسما حسنًا.لا شك أنهم يموتون إلا أن صيتهم الحسن يُدافع عن أولادهم، أما في الآخرة فيعطيهم الله جزاء خالدا يفوق التصور.إذا، فالله الله قد بين في قوله: وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أن المؤمنين أنهم يمضون قدما في مجال التضحيات غير مكترثين بسبب إيمانهم بوعد الله الله موقنين أن تضحياتهم ستُعزّ قومهم وتكسبهم رضوان الله الله مما يكونون موقنين تماماً بالفتوحات العظيمة التي ستظهر في المستقبل، فيقدمون في 6 سبيلها كل غال ورخيص بلا تردد.هو ، أحد أبطال الفرس.(المترجم) يعني أهم
الجزء السابع ٤٠٥ سورة النمل إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَلَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (3) أَوَلَتَيكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ) شرح الكلمات : يعمهون : عمه يعمَه عَمَها وعموهيَّة وعَمَهانًا: تردَّدَ في الضلال؛ وتحيَّرَ في منازعة أو طريق.وعن الزمخشري في "الكشاف" ) : العمه كالعمى غير أن العمى عام في البصر والبصيرة، والعمه خاص بالبصيرة فلا يقال: أعمه العين (الأقرب).التفسير: لقد بين الله هنا أن السبب الأساس لكفر الكافرين وسوء أعمالهم هو إنكارهم الآخرة.إنهم لا يؤمنون بأي جزاء ولا عقاب فلا يفكرون فيما يفعلون، ولا يشعرون بضرورة التدبر في الحق الذي جاءهم وإصلاح أعمالهم وتغيير سلوكهم.ولو كان عندهم يقين بأنهم ماثلون أمام الله الله في يوم من الأيام ليحاسبهم على أعمالهم ويعاقبهم على سيئاتهم، لغيروا سلوكهم وأصبحوا أكثر جدية فيما يفعلون، ولكنهم قد فقدوا كل إحساس بالمؤاخذة والحساب، فأصبحوا أغبياء جاهلين بحيث إنهم يجدون المتعة في أعمالهم السيئة أيضًا، ويتفاخرون بها عوضا عن استنكارها.لماذا لا يُدخل المرء يده في جُحر الحية؟ ولماذا لا يقفز في النيران الملتهبة؟ ولماذا لا يقتحم عرين الأسد؟ ولماذا لا يشرب كأس السم؟ إنما سببه إدراكه أنه لو أدخل يده في جُحر الحية لهلك حتمًا، ولو قفز في النيران لاحترق يقينًا، ولو اقتحم عرين الأسد لافترسه، ولو شرب كأس السم لقتله.فلو كان عند المرء مثل هذا الإيمان بالآخرة فكيف يتجاسر على ارتكاب إثم؟ إن أكبر سبب لجرأة الناس على الذنوب وإنكار الأنبياء أن قلوبهم لا توقن بالآخرة، بل يقول الواحد منهم بكل جسارة كما يُقال بلغتنا البنجابية ما معناه: دعونا نتمتع بهذه الدنيا، فمن ذا الذي رأى الآخرة حتى نترك من أجلها متع الدنيا.
٤٠٦ سورة النمل الجزء السابع فالحق أن القيام بالحسنات أو ارتكاب السيئات وثيق الصلة بالإيمان بالجزاء والعقاب، ولذلك أوضح الله الله هنا أن الذين لا يؤمنون بالآخرة يستحسنون أعمالهم السيئة، أي لا يرون فرقا بين الخير والشر.وذلك لأنه إذا لم يكن هناك أي نتيجة..أي لم يكن ثمة ثواب على العمل الحسن ولا عقاب على العمل السيئ، فلا جدوى من القول إن هذه حسنة وتلك سيئة.وهذه الآية تدل أيضًا على أن الأعمال بالنيات ذلك لأن الكافر أيضا يأتى أعمالاً تشبه أعمال المؤمنين، ولكن بما أن أعمالهم تخلو تماما من نية أن ينالوا بها رضا الله ، فلا يستحقون على أعمالهم أي جزاء من عند الله.أما المؤمن فإن عمله يأتي بنتيجة رائعة لأنه يكون مصحوبًا بنية حسنة، إذ يبتغي به مرضاة الله الله.يعترض البعض على قول الله : زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ويقول: ما دام الله الله هو الذي يُزين للكافرين أعمالهم فما ذنبهم في ذلك؟ (الكشاف) فليكن معلومًا أن الله الا الله لا يُشير هنا إلى تقدير خاص بل يُشير إلى إحدى النواميس الطبيعية التي يكمن فيها سرّ الرقي الإنساني، وهي أن المرء إذا مارس عملاً معينًا فترة طويلة أصبح ملائما لطبعه وموافقًا لمزاجه فيستحسنه.فقد بين الله الله هنا أن الذين يسلكون الطريق الخاطئ بدلاً من سواء السبيل يرون سوء أعمالهم حسنة في نهاية المطاف لأن من فطرة الإنسان أنه إذا قام بعمل ما فترة طويلة أحبّه واستحسنه.وبما أن الله الا الله هو خالق فطرة الإنسان فلذلك نسب أعمال هؤلاء إلى نفسه وقال: زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ؛ وإلا فليس المراد أن الله له يريهم سيئاتهم حسنات، وإنما المعنى أنهم يُسيئون استعمال هذا القانون الطبيعي الرائع حتى إنهم يستحسنون أعمالهم السيئة أيضًا.ومثال ذلك أن الله قد خلق النار لنطهو بها الطعام ونستدفئ بها في البرد، ولكن المرء إذا أساء استخدام النار وأحرق بها نفسه، فهذا ذنبه هو، وليس ذنب الله الذي خلق النار.كذلك قد جعل الله لرقي الإنسان قانونًا رائعًا بأنه إذا مارس عملاً ما واعتاد عليه استحسنه ومال إليه بطبعه؛ أما إذا أساء البعض استعمال هذا القانون الرائع وانغمس في المعاصي، فرأى سيئاته حسنات وفقا لهذا القانون، فهذا ذنبه ،هو ولا اعتراض على خالق الفطرة الله.
٤٠٧ سورة النمل الجزء السابع لقد قال النبي ﷺ إن المرء إذا عمل عملاً حسنًا وضعت ملائكة الله على قلبه نقطة بيضاء، وإذا عمل حسنة أخرى وضعت الملائكة على قلبه نقطة بيضاء أخرى، إلى أن يصبح قلبه كله نورانيا، ويتطهر من كل سوء.وعلى النقيض إذا أتى المرء عملاً سيئا وضعت الملائكة على قلبه نقطة سوداء، وإذا ارتكب سيئة أخرى وضعت الملائكة عليه نقطة سوداء أخرى، حتى تغطي البقع السوداء قلبه كله فيصبح كله أسود مظلمًا، وتحترق حسناته كلها.والحق أن هذا الحديث أيضًا إشارة إلى هذه الحقيقة نفسها وشرح لهذا القانون الفطري نفسه بأن المرء إذا داوم على الحسنات أصبحت جزءاً من نفسه، وإذا داوم على السيئات أصبحت جزءًا من نفسه؛ والقاعدة أن ما يصبح جزءاً من نفس الإنسان يبدو له حسنًا لا سيئًا ولولا أن الله له أودع هذا القانون الرائع في الفطرة الإنسانية رحمةً بالعباد، لصعب عليهم القيام بالحسنات أو الدوام على أي عمل، إلا أن هذا القانون سهّل على الإنسان رحلته إلى الحسنات، فيبدو له كل عمل أسهل من التالي هل تعرف كيف يصبح المرء ماهرًا في فنه حتى يمدحه الناس؟ إنما سببه أنه مارس عمله باستمرار حتى أصبح ملائماً لطبعه فسبق الآخرين في فنه.ولولا أن الله الله أودع هذه الملكة في فطرة الإنسان - أي أنه إذا مارس عملاً فترة أقرب رواية بهذا المعنى هي: عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيْكُمْ سَمِعَ رَسُولَ الله يَذْكُرُ الْفَتَنَ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ فَقَالَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ قَالَ: تِلْكَ تُكفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّيَامُ وَالصَّدَقَةُ.وَلَكِنْ أَيْكُمْ سَمِعَ النَّبِيِّ ﷺ يَذْكُرُ الْفَتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ.فَقُلْتُ: أَنَا.قَالَ: أَنْتَ، اللَّه أَبُوكَ قال حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفَتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرٍ عُودا عُودا.فَأَيِّ قَلْبِ أُشْرِبَهَا تُكتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيِّ قَلْب أَنْكَرَهَا تُكتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مَثْل الصَّفَا، فَلَا تَضُرّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَت السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالأَحَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًا كَالْكُوزِ مُجَحْيا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرا، إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ." (مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا) (المترجم)
٤٠٨ سورة النمل الجزء السابع طويلة أصبح ملائما لطبعه ومزاجه – لم يتقدم أي إنسان في مجال فنه وحرفته.ونفس القانون الفطري هو ساري المفعول في مجال الحسنات والسيئات أيضًا.فإن الإنسان عندما يعمل حسنة ما أول مرة تشقّ على نفسه ولكنه حين يواظب عليها تسري إلى كيانه تدريجيًا حتى يستحيل عليه تركها.كذلك عندما يقترف أحد السيئة للمرة الأولى يصيبه القلق والخوف، ولكنها تصبح فيما بعد بمنزلة الغذاء له شيئًا فشيئًا حتى يصعب عليه اجتنابها.باختصار إن الله الا الله قد أشار هنا إلى هذا القانون الفطري، وبين أن إنكار هؤلاء قد جعلهم لا يخافون حسابًا ولا عقابًا، فأصبحوا متجاسرين على ارتكاب المعاصي، واستمرارهم فيه قدران على قلوبهم بحيث يرون الآن أعمالهم السيئة حسنة.والحق أن حالهم يماثل حال اللص الذي جاء مرة إلى الخليفة الأول لله (للمسيح الموعود ( للعلاج، فأراد الله نصحه وقال : إن الله لم يعطك هذه الأيدي والأرجل لتأكل بها الحرام، وإنما أعطاك إياها لتكسب بها الرزق الحلال.لم لا تمتنع عن السرقة وتكسب الرزق الحلال؟ فاحمرت عينا اللص غيظًا وقال: حضرة الشيخ، إذا كان ما أكسبه حرامًا فما هو الكسب الحلال إذن؟ فعندما تستمتعون بنوم هادئ عميق نخرج أنا وأصحابي واضعين أرواحنا على أكفنا، إذ لو علم بوجودنا أحد لقتلنا بالرصاص، فما دمنا نقوم بالسرقة معرّضين حياتنا للخطر فمن ذا الذي يمكن أن يكون أكثر منا كسبًا للحلال ؟ فأدرك حضرته له أن هذا اللص قد اعتاد السرقة بحيث إن فطرته قد أصحبت ممسوخة مشوهة، فلم يعد يرى السرقة عملاً سيئا، فلن ينفعه الوعظ بالنقاش والجدال.ويقول حضرته : فغيرت مجرى الحديث لأستدرجه بعد أن يكون قد نسي ما قلت له.وبعد برهة من الزمان قلت له: هلا تخبرني كيف تقومون بالسرقة؟ فقال: الحق أن شخصا واحدا لا يستطيع السرقة، بل نكون سبعة أشخاص، فأحدنا يتجسس على البيت ويكون عادةً من السقاة أو الكناسين في البيوت، لأن السرقة لا تتم إلا بعد التجسس، فهو الذي يُخبرنا عن الغرف والأبواب وخزينة المال والمجوهرات في البيت الذي نريد أن نسرق منه.ثم بعد ذلك نحتاج إلى شخص ماهر لاختراق الجدار بحيث لا يُحدث
٤٠٩ سورة النمل الصناديق الجزء السابع صوتًا يوقظ أهل البيت.ثم نحتاج إلى شخص ثالث خبير في فتح أقفال الصناديق والخزائن ويبدأ عمله بعد خرق الجدار.ثم هناك شخص رابع عالي الخبرة في أن يمشي مشية لا تُحدث صوتًا، والشخص الثالث يُخرج الأموال من والخزائن ويناوله إياها.وهناك شخص خامس يقف على رأس الشارع ليحذرنا بالإشارة كالتصفير مثلاً إذا ما رأى هنالك شخصاً.ونحن الخمسة نلبس سراويل قصيرة ضيقة، وإذا رأى الناس أحدًا منا أيقنوا بأنه سارق، ولذلك يكون في عصابتنا شخص سادس يمشى هنا وهناك بعيدًا عنا في ثياب الشرفاء حتى لا يشك فيه أحد، فنوصل النقود والمجوهرات إليه فيذهب بها بكل هدوء إلى شخص سابع، وهذا الشخص يكون أحد الصاغة الذي يصفى الذهب والجواهر والآلئ من الشوائب ويُذيب الذهب، ثم يبيعها، فنتقاسم جميعًا الأموال.يقول الخليفة الأول : وعندها قلت للص لو أن الصائغ احتال عليكم، وأكل هذه الأموال التي كسبتموها بشق الأنفس فماذا تفعلون إذن؟ فلم يتمالك اللص نفسه حتى قال: هل يكون أحد خائنا بحيث يأكل أموال الآخرين؟! فقلت له الآن فهمت الأمر.لقد ثبت من قولك أن فطرتك أيضا تسلّم بأن أكل أموال الآخرين حرام، ولكن بسبب اعتيادك على السرقة قد أصبحت فطرتك مشوهة حتى ظننت أن مال السرقة رزق حلال.بيد أن الله الا الله إذ جعل قانونًا بأن المرء إذا مارس عملاً فترة طويلة بدا له عمله حسنًا بمرور الوقت، فإنه الا الله قد جعل إزاءه قانونًا آخر بأن مآل العمل السيئ لا يكون حسنًا، ولذلك قد بين الله هنا أن هؤلاء الكافرين الذين يستمتعون بأعمالهم السيئة ويستحسنونها لن ينجوا من عواقبها الوخيمة، بل سيتعرضون بسببها للخزي والهوان في الدنيا، وفي الآخرة هم من الأخسرين.وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) شرح الكلمات: تلقى تلقى الشيء منه: تلقنه، إذا أخذه من فيك مشافهة.(الأقرب، المصباح المنير).
21.سورة النمل الجزء السابع التفسير : يقول الله ﷺ هنا لرسوله الكريم أنه مهما أنكرك المنكرون وسبك السابون ولامك اللائمون فإن الله الله الحكيم العليم يريد تنفيذ خطته في العالم، ولن تستطيع قوة في الدنيا أن تحول دون تحقيق الخطة الإلهية، فليس للحاسدين الآن إلا أن يموتوا كمدًا، إذ لن يستطيعوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم أو يمنعوا الإسلام من التقدم بسيوفهم وسنانهم لأن الحكيم العليم قد علمك هذه الأحكام شفاهًا، ومن المستحيل أن ترفض الدنيا تعليمًا يكون من الحكيم العليم، أو تقدر على محوه.هناك شبهة تنشأ في قلوب البعض فيقولون: قال الله الله في السورة السابقة: نزل به الرُّوحُ الأمينُ ) عَلَى قَلْبكَ ﴾ (الشعراء: ١٩٤-١٩٥) بينما يقول هنا إنه الله نفسه قد أنزل القرآن عليك مباشرة، فلم هذا الاختلاف؟ لقد بينت من قبل أيضًا أن نزول الروح الأمين على الرسول يعني أن الملاك أوصل وحي الله تعالى إلى نبيه ولا تماما كما أعطاه الله إياه، فلم يبق هناك إمكانية للنسيان أو الخطأ فيه والكلام الذي يكون مبرأ من الخطأ والنسيان ويصل إلى صاحبه لفظا لفظًا وحرفًا حرفًا وحركة حركة فهو كمثل الكلام الذي يتمّ مشافهة، لأن الهدف من الكلام الشفوي أن لا يحصل فيه خطأ أو لا ينسى الرسول الذي ينزل به شيئًا منه، فما دامت كل حيطة قد اتخذت بالنسبة للرسول الذي ينزل بهذا الكلام حتى لا ينسى منه شيئا ولا يُخطئ في نقله، وبالنسبة إلى المرسل إليه أيضًا كي لا ينسى شيئا منه أو يخطئ فيه، فقد أصبح مثل الكلام الشفوي تماما.فثبت أن قوله في هذه السورة: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ الله عليم لا يتعارض مع قوله تعالى في سورة الشعراء: (نَزَلَ به الرُّوحُ الأمين على قلبك، بل هو بمثابة شرح وتوضيح له.الحقيقة أن الله تعالى قد ردّ في هذه الآية على اعتراض يثيره المسيحيون بأن الله تعالى قد كلّم موسى شفاهةً، وأما محمد (ﷺ) فقد نزل عليه جبريل فقط.لقد صل الله
الجزء السابع ٤١١ سورة النمل بين الله له هنا أنه قد كلّم محمدا لله له أيضًا ،شفاهةً، أما كون الروح الأمين واسطة بينهما فليس إلا على سبيل التمثل، إذ لا غبار على كلام الله مع النبي ﷺ مباشرة على الإطلاق.إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِلَى وَانَسْتُ نَارًا سَئَاتِيكُم مِّنها بخير أو واتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَس لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ) شرح الكلمات: آنست آنس الشيء: أبصرَه ؛ وآنس الصوت : سمعه وأحس به.(الأقرب) شهاب: الشهاب شعلة من نار ساطعة؛ أو كلُّ مضيء متولد من نار.(الأقرب) قبس: القبس : شعلة نار تؤخذ من معظم النار.(الأقرب) تصطلون اصطلى بالنار اصطلاء: استدفاً بها.(الأقرب) التفسير : لقد ذكر الله الله هنا قصة موسى العليا كدليل على كونه تعالى لطيفا وسميعًا، حيث يقول اذكروا لما أبصر موسى نارًا أثناء عودته مع أهله من مدين إلى مصر، فقال لأهله امكثوا هنا فإني ذاهب إلى هذه النار، لكي آتيكم بخبر منها أو آتيكم بجمرة منها لتستدفئوا بها.واعلم أن لفظ قبس بدل من لفظ شهاب كأن موسى ال قال: أعني بالشهاب قبسا.وبما أن الله تعالى قد استعمل هنا كلمة نار لا "النار"، فثبت أن هذا المشهد الذي رآه موسى ال كان مشهدا روحانيًا لا ماديًا، لأن الذي يرى النار بالعين المادية لا يقول إني رأيت نارا، بل يقول إني رأيت النار.كما أن النار المادية لا يراها شخص واحد بل يراها الجميع، ولكن موسى ال يقول هنا إنى أبصرتُ نارا أن أهله لم يروها.إذًا، فإن الآية تعنى أن موسى العلي قال لأهله إني رأيت نارا في الكشف وأرى أن الله تعالى يريد أن أذهب إليها، وها إني ذاهب إليها.وبما أن تلك النار كانت مشهدًا من الكشف، وبما أن رؤية النار في الرؤيا تعني الهدى مما يعني
٤١٢ سورة النمل الجزء السابع (تعطير الأنام، وبما أن الهداية إما أن تكون خاصةً بالرائي أو تكون لكل القوم، وبما أن موسى ال كان لا يعلم ما إذا كان الأمر الذي سينكشف عليه خاصا به أم أنه لأهله وقومه كلهم، فلذلك قال لأهله لو كان هذا الهدى خاصا بي فسآتيكم بخبره، ولو كان مما ينبغي تبليغه إلى الآخرين فسآتيكم منه بقبس لتستدفئوا به، أي سأقرأ عليكم من تلك الأحكام ما يزول به بردكم الروحاني.واعلم أن كلمة قبس وما شابه من الكلمات الواردة هنا لا تدل على نار مادية كما قلت ،آنفًا ذلك لأنهم إذا شبهوا شيئًا بشيء وصفوا المشبه بصفات المشبه به.مثلاً إذا شبهت أحدًا بالأسد فلن تقول إنه يتكلم كالأسد، بل تقول: إنه يزار كالأسد.فبما أن التجلي الإلهي قد سمي هنا نارا، فأُطلقت على توابعه أيضا صفات النار.باختصار إن المراد من النار والقبس هنا ذلك النور الإلهي الذي رآه موسى العليا، وبما أن هذه كانت بداية الوحي عليه، فلم يستطع أن يفهم ما إذا كان النور الذي رآه خاصا له فقط أم أنه لأهله وقومه أيضًا، بمعنى أنه لم يعرف ما إذا كان ما رآه هو تجلّي النبوة أم تجلّي الولاية، ولذلك قال لأهله إني ذاهب إلى النار فآتيكم منها بخبر، أي إذا كان هذا تجلّي الولاية فسأخبركم بأن الله تعالى قد تفضل علي بكذا وكذا؛ وإذا كان ذلك النور الإلهي لأهلي وقومي..أي إذا كان تحلّي النبوة لا تجلّي الولاية وكنت مأمورًا بتبليغ هذه التعاليم الآخرين أيضا فسوف آتي بأحكام ينتفع بها أهلي وقومي ويجدون فيها دفئًا دفئًا روحانيًا.فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ (3)
الجزء السابع ٤١٣ سورة النمل التفسير: لما وصل موسى إلى مكان التجلي بعد إخبار أهله عنه أوحى الله يا الله إليه وقال: (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا..أي أن الإنسان الذي يكون في هذه النار يبارك، والذي يكون حولها فهو الآخر يبارك.قال بعض المفسرين في تفسير هذه الآية إن الذي كان في تلك النار هو الله تعالى (الرازي).وقد قدمت التوراة أيضا نفس النظرية حيث ورد فيها: " وظهر له ملاكُ الرب بلهيب نار من وسط عُليقة.فنظر وإذ العليقة تتوقد بالنار، والعليقة لم تكن تحترق.فقال موسى: أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العليقة؟ فلما رأى الربُّ أنه مالَ لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى موسى.فقال: ها أنا ذا.فقال: لا تقترب إلى ههنا.اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة." (الخروج ٣: ٢-٥) ولكن القرآن لا يقبل هذه النظرية، إذ يُخبر أن الله تعالى قال لموسى ال: بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ، والبديهي أن الله هو يهب البركة للآخرين، ولا يهبه البركة.وبتعبير آخر يمكننا أن نقول : تبارك الله، ولكن لا يجوز لنا أن نقول: بورك الله.إذًا، فلا يصح القول أن المشار إليه في قوله تعالى: مَنْ فِي النَّارِ) أحد هو الله لا وتفاديًا لهذه المشكلة قال البعض أن حرف "في" في قوله مَنْ فِي النَّارِ هو الله بمعنى "وراء"، والمعنى أنه بورك من أتى وراء هذه النار أي باحثا عنها.ولكن هذا المعنى خلاف للأسلوب العربي.لا شك أن حرف "في" يفيد معنى "وراء"، ولكن بشرط أن يكون المذكور بعده شيئًا روحانيًا أو معنويا، وليس إنسانًا أو شيئا ماديًا.وبما أن المفسرين يعتبرون النار هنا مادية فلا يمكن أن يُفيد حرف "في" هنا معنى "وراء".فلا يجوز هذا التأويل أيضًا.ثم إن البعض قد فسر "في" بمعنى القرب، وقال إن المعنى أنه بورك من هو قريب من النار، ويستدلون على صحة موقفهم بقوله تعالى: وَمَنْ حَوْلَهَا (القرطي).
٤١٤ سورة النمل الجزء السابع ولكن قوله تعالى: (وَمَنْ حَوْلَهَا نفسه يُبطل موقفهم، لأنه بمعنى القرب، ولا يمكن أن يكون للتعبيرين مفهوم واحد.إذا فهذا المعنى أيضًا باطل.وقد قال البعض أنه مما لا شك فيه أن حرف "من" يُستعمل للعقلاء عادة، ولكنه قد ورد هنا لغير ذوي العقول والمعنى أن الخشب الذي في هذه النار والمكان الذي حولها مباركان بسبب التجلي الإلهي.(البحر المحيط) ولكن كل هذه المعاني باطلة عندي وقد وقع المفسرون في هذه المشكلة لأنهم اعتبروا أن النار هنا مادية ولكن كما أثبتُ من قبل أن لفظ نارا يدل على أن هذا المنظر لم يكن ناراً مادية بل روحانية.ولو سلمنا بأن تلك النار كانت روحانية وأن المراد منها هو حب الله له لم يصعب علينا فهم هذه الآية أبدا؛ ذلك أن رؤية النار في الكشف أو الرؤيا يعنى حب الله دائما.إذًا، فالضمير في بورك لا يعود إلى الله الله لأنه تعالى منزه عن الجسم، ثم إنه تعالى لا يُباركه أحد.كما لا يرجع الضمير في بورك إلى موسى الله أيضا، بل إن الله له قد بين هنا قانونا سماويًا عامًا ألا وهو أن كل من يلتاع بنار حب تعالى يُبارك.وبهذا المعنى لا نضطر لتأويل كلمات بورك، ولا مَنْ ولا ويتضح مفهوم الآية كل الوضوح، وهو أن الذي يحترق بنار حب الله الله يُصبح مباركًا، وليس هذا فحسب بل إن كل من في صحبته ينال هذه البركة أيضًا.والحق أن الحب يشبه بالنار في جميع لغات العالم، وأن علم تعبير المنام والرؤى أيضًا يُبين لنا أن من رأى في الرؤيا أو الكشف أنه يحترق في النار فإنه سيحظى = کے يعني الله أن بالعشق الإلهي.إذا، فقوله تعالى: بُوركَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا إِنما الذي يدخل في هذه النار يصبح مباركا، أما الذي لا يدخل فيها بل يقف قريبا منها سينال من هذه البركة أيضًا.هنا سؤال يطرح نفسه: لو كان موسى الا هو المراد من قوله : من في النَّار فمن ذا الذي أُريد بقوله تعالى: وَمَنْ حَوْلَهَا؟ إذ كان موسى العلي وحيدا عندها، و لم يكن.معه أحد.فثبت أن هذه الآية لا تتحدث عن شخص معين بل تبين قانونًا إلهيًا عامًا بأن الذي يقع في هذه النار ينال البركة، وأن الذي لا
٤١٥ سورة النمل الجزء السابع يدخل فيها بل يقترب منها ليستدفئ بها فهو الآخر ينال من هذه البركة.وقد ورد الفعل الماضي بورك هنا بمعنى المضارع.كان في "دلهي" في قديم الزمان أحد أولياء الله تعالى فحضر إليه أحد المريدين " مرة وقال إنا نؤمن بأن حضرة "كرشنا وحضرة رام" شندر" نبيان بعثا في الهند، ولكني أرى أننا مخطئون في هذه العقيدة، إذ رأيت في الرؤيا نارا ورأيت أن "کرشنا فيها، وأن رام" شندر" واقف حولها.فقال له الولي: لقد أخطأت في فهم تأويل رؤياك، لأن النار هنا نار حب الله ، والمراد أن "كرشنا" أشدُّ حبا لله من "رام شندر"، إذ رأيت الأول داخل النار ورأيت الثاني حولها.(ملفوظات (أردو) المجلد الخامس ص (٤٥٩ ثم يقول الله : وَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَالَمِينَ...أي أن الله رب العالمين منـزه عن كل نقص وعيب، بمعنى أن الذين قالوا إن الله نفسه كان في النار – كما قال أصحاب التوراة - مخطئون كلهم، لأن الله الله الله بريء من التجسد بأي نوع كان.كما أن قول الله : وَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَالَمِينَ إشارة إلى أن الذين يبارك فيهم تتجلى بواسطتهم سبوحية الله في الدنيا، فيعملون على تنزيه كل ما يُنسب إليه من عيب، فترى الدنيا وجه الله الجميل بكل جماله وعظمته ثانية.الله الله الله عن يَنمُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌ وَلَى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَمُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا تَخَافُ لَدَى الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ وو ) حُسَنا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَورٌ رَّحِيمٌ ) شرح الكلمات ۱۳ تهتز اهتزت الإبلُ: تحركت في سيرها لحداء الحادي واهتز الماء في جريانه: تطلق.واهتز الكوكب في انقضاضه: أسرع.(الأقرب)
الجزء السابع ٤١٦ سورة النمل جان: الجان حيّةٌ بيضاءُ كَحْلاء العين لا تؤذي.(الأقرب) التفسير: ليس المراد من قول الله تعالى: يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أنه تعالى كان في النار حين نادى موسى بهذا الكلام، إذ لا يظهر من أي كلمة من القرآن الكريم بأن هذا الصوت جاء من داخل النار، وإنما يخبرنا القرآن الكريم أن العليا موسی سمع صوتًا أيا كان مصدره.الحق أن هذه الآية توضيح لقوله تعالى: ﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا..أي أن قوله تعالى: أنا الله الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) دليل على أن الذي يلتاع بمحبة الله الله ينال البركة..بمعنى أن الذي يلتاع في حبه تعالى يصبح غالبًا، لا بقوة العصا بل بالأدلة والبراهين إذ يُعطَى حكمًا ،عظيمة، مثلما أصبح النبي ﷺ وغيره من الأنبياء غالبين على العالم بالأدلة والبراهين.أما قوله : (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَرُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ فكان مشهدًا من الكشف رأه موسى ال كما سبق أن بينا في تفسير سورة "الشعراء"، وكان المراد من العصا جماعته، حيث يقال باللغة العربية: "فلان شق العصا" أي ترك الجماعة وشتت شملها (المفردات).وقد أخبر الله الله موسى العلي بهذا المشهد أن جماعته ستكون نافعة مثل العصا ما دام يجمع أفرادها على يده ويرعاهم، ولكنهم إذا خرجوا عن طاعته الكاملة وانفصلوا عن كيانه الروحاني أصبحوا حيّةً.ولذلك نجد أن موسى ال حين ألقى عصاه تحولت حية، فكأنه رأى ما سيكون عليه قومه في غيابه.فلما ولى موسى ال مدبرًا برؤية هذا المشهد أوحى الله إليه: يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ...أي لماذا تخاف فإن الرسل يحضروننا لنيل الجزاء، لا للعقاب.ولم تُرك هذا المشهد لنخوّفك به، وإنما لكي نخبرك بالواقع ولنحتك على العناية بقومك وتربيتهم.
الجزء السابع ٤١٧ سورة النمل أما قول الله تعالى: ﴿إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيثير البعض شبهةً حوله قائلاً: يبدو من هذا أن بعض الرسل يكون من الظالمين.والحق أن هذا الاعتراض ناتج عن جهل أصحابه بقواعد النحو، لأن من الاستثناء ما يكون متصلاً ومنه ما يكون منقطعًا، بمعنى أن الحديث بعد "إلا" لا يستمر بالضرورة عن الفئة المذكورة من قبل، بل في بعض الأحيان يبدأ الحديث بعده عن فئة أخرى.وعليه فالمراد من هذه الآية أن من يرتكب ظلمًا – وهو ليس بالطبع من فئة الأنبياء - ثم يتوب ويعمل الحسنات قد يشك فيما إذا كانت توبته قبلت أم لا، فليعلم أني كثير المغفرة وكثير الرحمة، فلا داعي له - دَعك عن الأنبياء – أن يخاف.وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ وَايَتِ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَسِقِينَ (٣) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ وَايَتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (٤) ١٤ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنتَهَا أَدُسُهُمْ ظُلما وعُلُوا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُ سِدِينَ شرح الكلمات: استيقنت: استيقن الأمرَ: مثلُ تيقنه، وتيقّنَ الأمر: علمه وتحققه.(الأقرب) التفسير : والمراد من قوله تعالى: تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أن يدك تكون بيضاء ناصعة نورانية كآية من الله الله وليس بسبب مرض.
٤١٨ سورة النمل الجزء السابع والحق أن قوله تعالى: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ جاء ردًّا على تلك التهمة الشنيعة التي ألصقتها التوراة بموسى ال حيث ورد فيها: "فأدخل يده في عُبِّه ثم أخرجها فإذا يده مصابة بالجذام مثل الثلج." (الخروج ٤: ٦) وهذا يعني أن كتاب التوراة اعتبروا بياض يد موسى المرض الجذام، ولكن القرآن الكريم - الذي نزل بعد موسى الذي نزل بعد موسى بألفي عام والذي لم يدخر اليهود والنصارى وسعًا في إنكاره ومخالفته - يبرئ ساحة نبيهم من هذه التهمة، فيخبر أن بياض يده لم يكن نتيجة الجذام بل كان آية ربانية عظيمة.أما قوله تعالى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فَأَخبر الله العلم أن الكلام الذي أنزله عليه هو لقومه، فعليه أن يذهب إليهم ويلصقهم بنفسه، أي يدخلهم في كنفه ويربيهم تربية حسنة، فيخرج منهم رجال من الطراز الأول يكونون مُبرَّئين من العيوب طاهري القلوب، مرضيين عند الله أو من المقبولين، وسيضيئون العالم بأنوارهم ولكنهم إذا انفصلوا عنه أي إذا ألقوا تعليمه الروحاني وراء ظهورهم أخلدوا إلى الأرض، وأصبحوا ديدانًا أرضية مثل الحية التي تأكل التراب.به موسی وبالفعل ترى أن أتباع موسى ال كانوا يقومون بأعمال البناء البسيطة والمتواضعة، ولم يملكوا قوة وحيلة حتى يصبحوا ،غالبين، ولكن الله لمنحهم الهمة والقوة من خلال تربية موسى فأصبحوا غالبين على قوم العمالقة الخروج ١٧: العليا ٨-١٥).والحق أن غلبتهم على العمالقة كانت كغلبة الفأر على القط، إذ كان العمالقة يحكمون على أراضي الشام ،وكنعان وكانوا ذوي قوة ومنعة، أما فكانوا يعيشون عبيدا ويقومون بالأعمال المتواضعة، لا خبرة لهم بالحكم والسياسة، ولكن الله وعد بأنه سيجعل هؤلاء العبيد الذين ظلوا يرزحون تحت قيود العبودية لمئات السنين والجاهلين البسطاء وارثين لأرض أصحاب موسی هكذا ورد في الطبعة الأردية للكتاب المقدس، بينما ورد في الطبعة العربية: "برصاء مثل الثلج".(المترجم)
لا ٤١٩ الجزء السابع سورة النمل العمالقة، وسيجعل هذه الأمة العديمة الخبرة بالضرب والقتال غالبة على العمالقة الذين هم خبراء في فنون الضرب والحرب ويملكون كل نوع من العدة والعتاد.وهذا ما حدث فعلاً، وجعل الله تعالى بني إسرائيل غالبين عليهم في نهاية المطاف.جرم أنهم قد قالوا لموسى ال في البداية بسبب جهلهم: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ (المائدة: ٢٥)، ولكن الله الا الله غيرهم تماما بدعاء موسى وتربيته، فألقوا أنفسهم في نيران التضحيات غير خائفين، فانفتحت أمامهم أبواب أرض كنعان، وأصبح هؤلاء العبيد ملوك العالم.ولم يعطهم الله له الملك المادي فحسب، بل قد خرج منهم نتيجة عملهم بتعاليم موسى العليا كبار الربانيين والأحبار، بل الأنبياء العظام الذين ظلوا منارات الهداية للإنسانية طيلة أربعة عشر قرنًا.كان هؤلاء الأطهار دليلاً عمليا على صدق قوله تعالى: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ.كما أن هؤلاء الربانيين كلهم كانوا معصومين من كل عيب وإثم بحسب قوله تعالى: مِنْ غَيْرِ سُوء.لقد اتهم كتاب الكتاب المقدس هؤلاء الأنبياء الذين بعثوا لهداية بني إسرائيل بتهم شتى، فقالوا أن فلانًا منهم مالَ إلى الآلهة الباطلة، وأن فلانا منهم أمر بقتل إنسان ثم أخذ ،زوجته، وأن فلانًا كان يكذب.ولكن القرآن الكريم براً هؤلاء الأنبياء من هذه التهم، وبين أن الله كان قد أخبر سلفا أنه موسی سيُخرج من قومه ببركة تربيته قوما نورانيين مبرئين من كل عيب ومعصومين من كل ذنب.ثم يخبر الله له أن هاتين الآيتين كانتا ضمن الآيات التسع التي أراد أن يبعث بها موسى إلى فرعون وقومه، لأنهم كانوا قوما خارجين عن الطاعة.لقد ذكر الله هنا من تلك الآيات التسع اثنتين وهما آيتا العصا واليد البيضاء، بينما ذكر آيتين أخريين في قوله : وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف: ۱۳۱)..أي عاقبنا آل فرعون بعذاب القحط وموت الأولاد ليعودوا إلى الصواب.أما باقي الآيات الخمس فهي مذكورة في قول
الجزء السابع ٤٢٠ سورة النمل الله فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتِ مُفَصَّلَات فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (الأعراف: ١٣٤).وكل هذه الأنواع من عذابهم مذكورة في سفر الخروج في الكتاب المقدس.والمراد من عذاب الطوفان ما وقع في البحر الأحمر حين أُغرق فرعون وجنوده.كما أيد الله تعالى موسى ال بإنزال عذاب الجراد على فرعون وقومه، فكثرت الجراد في البلاد ودمرت الزروع، وأخذ الناس يموتون جوعا.كما أنزل الله تعالى عليهم عذاب القمل حيث اشتد البرد وصعب على الناس الاستحمام، فكثرت القمل في رؤوسهم.ثم عاقبهم الله تعالى بعذاب الضفادع..أي كثرت الأمطار، فتولدت الضفادع في كل مكان.ثم كان هناك عذاب الدم..وقد يكون المراد منه أنهم أصيبوا بأمراض الدم فخرجت البثور والدمامل بكثرة على أبدانهم، أو أصابهم مرض الرعاف أو البواسير الدموية، أو تفشى فيهم مرض الطاعون الذي يسبب النزيف من الأنف والفم ومع الغائط، وأحيانًا يسبب النزيف الذي يظل تحت الجلد فتظهر بقع سوداء على الجسد كله، ويموت ما بين سبعين إلى ثمانين بالمئة من المصابين به.(الخروج ١٤: ٢٥-٣١، و ١٠: ١٢-١٥، و ۹: ۱۸-۲۰، و۷: ١٧-٢٢، و۸: -٧ و ٨: ١٦-١٨) = إذا، فقد أنزل الله عليهم العذاب تلو العذاب تحذيرًا لهم، وكان في كل عذاب من المزدجر ما يفتح عيونهم ويعيدهم إلى الصواب ولكنهم ظلوا يقولون في كل مرة إن هو إلا خداع..أي لا شك أن كل هذه الأمور تبدو في ظاهرها آيات من عند الله تعالى ولكنها مجرد مصادفات في الواقع، فأنكروا هذا الآيات الربانية مع أن موقنة أنها ليست مجرد صدفة بل إنها عقاب على سوء أعمالهم.كانت قلوبهم فأنكروها ظلمًا واستكبارًا فحسب، و لم يريدوا الاعتراف بالحق عنادًا وكبرًا.ولكن انظُرْ كيف كان عاقبة هؤلاء المفسدين.وما دام فرعون وأصحابه قد أُهلكوا فكيف يمكن، يا محمد، ألا يلقى معارضوك مصيرًا سيئًا مثلهم؟ إذ يسلكون مسلك فرعون وقومه، فينكرون آيات الله كما أنكروها.
الجزء السابع ٤٢١ صلے سورة النمل وَلَقَدْ وَآتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَنَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (3) وَوَرِثَ سُلَيْمَنُ دَاوُدَ وَقَالَ يَتأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ صلے شَيْءٍ إِنَّ هَذَا هُوَ الَّضْلُ الْمُبِينُ شرح الكلمات : منطق الطير: المنطق: الكلام.(الأقرب) ۱۷ التفسير : بعد قصة موسی تحدث الله تعالى هنا عن داود وسليمان، إذ يُعتبر داود ابنا خاصا لموسى - عليهم السلام.ثم ذكر الله قول داود وسليمان وهو: الْحَمْدُ لله الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِير مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ))..والمعنى أنه جعلهم حاكمين على المؤمنين من خلال الخلافة روحانيا وماديا.لغة ثم قال الله : وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ..أي عندما توفّي داود خلفه سليمان عليهما السلام.وأما قول سليمان: عُلِّمْنَا مَنْطَقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فاعلم أن ضمير الجمع للمتكلم هنا عائد إلى سليمان وحده دون داود – عليهما السلام – إذ الكلام بصيغة الجمع هو من أساليب الملوك للدلالة على قوتهم وعظمتهم.وقد قال المفسرون عن قول سليمان: عُلِّمْنَا مَنْطَقَ الطَّيْر أنه كان يفهم الطيور من حمام وسمان وحجل وعصافير وغيرها كما يفهم الإنسان كلام إنسان آخر.وقالوا أن سليمان ال رأى ذات يوم بلبلا على غصن يغرد ويحرك رأسه وذنبه، فقال لمن حوله أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.قال إنه يقول: أكلتُ نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء.ثم ناحت حمامة، فقال سليمان إنها تقول: ليت هذه الخلائق لم تُخلق
٤٢٢ الجزء السابع سورة النمل ويقول المفسرون أيضًا أن سليمان الله كان يقول إن الحمام يقول: لدوا للموت وابْنُوا للخراب، ويقول الطاووس : مهما تفعل تُجزَ به.ويقول الهدهد: من يرحم الناس يرحمه الله تعالى.وتقول الأبابيل من العصافير: قدموا الأعمال الصالحة تجدوها عند الله.وتقول الحمامة: سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه.وتقول من يسكت يسلم.وتقول الببغاء: ويل لمن الدنيا همه.ويقول الديك: أيها الغافل اذكر الله.ويقول الضفدع: سبحان ربي القدوس.ويقول العصفور: القطة: أنه استغفروا أيها الآثمون.وتقول الحدأة: كل شيء هالك إلا وجهه.(القرطبي) إذا، فقد بذل المفسرون جهدهم ليثبتوا أن سليمان ال كان يفهم منطق الطير جيدا، وقد ضموا الضفدع إلى الطيور أثناء محاولتهم هذه والحق أنهم قد وقعوا في هذا الخطأ لعدم فهمهم هذا الكلام الذي هو من قبيل الاستعارة والمجاز، مع يماثل قول الله وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْط الأَسْوَد منَ الْفَجْر (البقرة : ۱۸۸)..أي أن وقت السحور في ليالي رمضان ينتهي عندما يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.ولكن بعض الفلاحين البسطاء من بلادنا "البنجاب" يضعون عندهم في ليالي رمضان خيا أبيض وخيطا أسود، وبما أن الخيط لا يُرى إلا في الضوء الكافي، فلا يبرحون يأكلون بعد طلوع الفجر أيضًا في انتظار أن يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود.كذلك حال هؤلاء القوم الذين لا يفهمون التشبيه والاستعارة فإذا قرأوا في القرآن أن الله يدا يقولون – والعياذ بالله – إن يده الا الله أيضًا من اللحم والدم مثل أيدينا.وإذا قيل لهم إن المراد من يد الله ل قوته وقدرته قالوا لا يحق لكم التأويل فإن الله الله نفسه قال إن له يدا.وإذا قرأوا قول الله عن نفسه: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الا الله الْعَرْش﴾ (الأعراف : ٥٥) فلا يبرحون حتى يقولوا أن الله جالس على عرش من الرخام.وذلك برغم أن التشبيه أو الاستعارة موجود في جميع لغات العالم.فيقال حرفيا: عينه جلست ولكنهم لا يفهمون منه أن للعين أرجلاً عندنا مثلاً ما يعني - وأنها تجلس على كرسي أو سرير، بل كل واحد يفهم منه أن عينه فقئت وضاعت.وهناك استعارات كثيرة من هذا القبيل في لغتنا ولا يعترض عليها أحد بل يعتبرونها
٤٢٣ الجزء السابع سورة النمل من كمال اللغة ومحاسنها.وكما تكثر الاستعارة والمجاز في كل لغة من لغات العالم كذلك ترد الاستعارات في الصحف السماوية أيضًا، ولكن الذين لا يفهمون الحقيقة يتمسكون بظاهر الكلمات فيضلون ويُضلّون.وهذا هو حال قول سليمان ال: عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ، فلما رأى المفسرون كلمة الطير هنا ظنوا أن من خصوصيات سليمان أن الله الله علمه لغة السمان والحجل وغيرها من الطيور.الله سليمان ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا ما الفائدة من تعليم منطق الطيور؟ فهل تعلم الطيور معارف وعلوماً عظيمة حتى نقول أن سليمان العلم علم منطقها لكي لا يظل محروما من معارفها وعلومها كلا بل الواقع أن الطيور لا تملك من العقل ما يملكه أغبى وأجهل إنسان في العالم، فماذا عسى أن يتعلم منها نبي التعليم وإذا كانت الطيور تبلغ من العقل والذكاء بحيث إن نبيا عظيما كسليمان كان بحاجة ليتعلم منها العلوم والمعارف فلماذا أحل الشرع ذبحها؟ فتحريم ذبح الإنسان وإباحة ذبح الطيور والحيوانات يشكل دليلاً بينا على أن الله تعالى قد جعل هذا الفرق بسبب فارق العقل إذ لا يبلغ دماغ الطيور والحيوانات نصف الدماغ الإنساني.فلأي حكمة عُلم سليمان منطق الطير إذا؟ ثم إن المفسرين لم يكتفوا بقولهم أن سليمان الا علم منطق الطيور كلها فحسب، بل قالوا أن طير الهدهد قد بلغ من الذكاء والفطنة أنه فهم كلام قوم "سبأ" وكلام حاشيتها وكلام سليمان ال، بينما لم يستطع أحد فهم كلام الهدهد إلا سليمان (الرازي).وهذا يعني أن هذا الطير كان أكثر ذكاء من جميع الأمراء والوزراء والعلماء والحكماء الذين كانوا في بلاط سليمان، إذ كان يفهم كلامهم ولكنهم كانوا لا يفهمون كلامه وكان هناك شخص واحد يفهم كلامه وهو سليمان، وكأن سليمان وحده كان يساوي طير الهدهد هذا عقلاً وذكاء.إنها فكرة لا يرضى بها أي إنسان عاقل، لأن التسليم بها يعني أن الطيور أفضل من الإنسان فلا يجوز ذبحها، بل يجب ذبح الإنسان مكانها لأنه أقل منها عقلاً – والعياذ بالله.فثبت أن هذه فكرة فوضوية لا يمكن أن يقبلها كل ذي عقل سليم.ملكة
الجزء السابع ٤٢٤ سورة النمل الحق أن قول سليمان: عُلِّمْنَا مَنْطقَ الطَّيْر هو من قبيل الاستعارة والمجاز كما بينت من قبل، ولكن هؤلاء القوم لم يفهموه فوقعوا في نقاش لا طائل وراءه.الواقع أن الطير في العربية هو كل ما يطير، ويُطلق استعارةً على عباد الله المختارين المقربين الذين يحلّقون عاليًا في أجواء السماء الروحانية وهناك إلهام باللغة الأردية تلقاه سيدنا المسيح الموعود الللا يسلط الضوء على معنى الطير وهو: " هزاروں آدمی تیرے پروں کے نیچے ہیں" " تذكرة (أردو) ص ۷۰۳ ، تاريخ الإلهام ۹ مارس ۱۹۰۷) أي أن آلاف الناس تحت أجنحتك.ومن البديهي أن الأجنحة تكون للطيور فقط، والطيور هي التي تجلس تحت أجنحة الطير.إذًا، فإن الله تعالى قد سمى المسيح الموعود اللي في هذا الوحي طيرا وأخبره أن الذين يستفيدون من صحبته هم أيضًا طيور العالم الروحاني.فهذا الوحي قد شرح هذه الآية القرآنية وبين أن الطير لا يعني هنا طيورا مادية، بل يعني عباد الله الذين يطيرون إليه وسبب إطلاق الطير عليهم استعارة هو أن الطيور تطير في جو السماء والعلوم الروحانية أيضًا تنزل من السماء، ومن الواضح أن الشيء الذي ينزل من فوق سيتلقاه أولاً مَن يطير إلى فوق؛ فسُمي عباد الله الذين يطيرون في أجواء العالم الروحاني طيرًا لأنهم يتلقون علوم السماء وأسرار الغيب النازلة من عند الله عبر الوحي والرؤى والكشوف، وهم الذين ينعم الله الله عليهم بفيوضه قبل غيرهم، ثم يتمتع بها الذين هم في صحبتهم..كل بقدر إخلاصه ودرجته.الله إذًا، فالمراد من قول سليمان ال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطَقَ الطَّير أنه قد علم اللغة التي يُعلمها الذين يطيرون في سماء الروحانية عاليا، أي أنه قد أُعطي المعارف والحقائق التي تُعطى للأنبياء.
الجزء السابع ٤٢٥ سورة النمل وقد أكد القرآن الكريم هذا الأمر لأن اليهود والنصارى لا يعتبرون سليمان ال نبيا وإنما يعدونه ملكًا دنيويا فقط، ومن أجل ذلك تجد الكتاب المقدس لا يذكره أبدًا كبي بل يعتبره أحد الفلاسفة والعلماء فحسب، حيث ورد فيها: "وأعطى الله سليمان حكمةً وفهما كثيرًا جدًا ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر.وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر." (الملوك الأول ٤: ٢٩-٣٠) وكذلك ورد فيها عن سليمان العلية : وتكلّم بثلاثة آلاف مثل، وكانت نشائده ألفًا وخمسًا.وتكلم عن الأشجار من الأَرز الذي في لبنان إلى الزُوْفَا النابت في الحائط.وتكلّم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك.وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته." (المرجع السابق: ٣٢-٣٤) قد وليس هذا فحسب بل إن الكتاب المقدس يتهم سليمان العلم فيقول: "وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أَمَلْنَ قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه." (الملوك الأول ١١: ٤) إذا، فإن الله تعالى قد فنّد بهذه الآية القرآنية موقف اليهود والنصارى من سليمان العليا، وبين أنه كان نبيًا وأن الله تعالى قد أعطاه نفس العلوم والمعارف التي أعطاها لعباده المختارين الذين يطيرون إليه ويتبوأون من قربه درجة عالية.ثم يقول سليمان ال : وَأُوتينا منْ كُلِّ شَيْءٍ.واعلم أن هذا لا أنه أُوتي كل شيء في العالم، بل المراد أن الله أعطاه كل ما كان بحاجة إليه؛ ذلك أن القرآن الكريم قد نقل في هذه السورة قول الهدهد عن ملكة "سبأ" أيضًا: (وَأُوتيت من كُلِّ شَيْءٍ (الآية: ٢٤)..مع أنها لم تكن تحكم إلا على منطقة صغيرة جدا.فلو كان المراد من قول سليمان أنه قد أعطي كل شيء في العالم لكان معنى ذلك أنه أعطي ملك ملكة "سبأ" وعرشها أيضا، ولكان المراد من قول الهدهد أن ملكة "سبأ" كانت تحكم على سليمان وتملك جنوده أيضًا؛ مع أن كلا الأمرين باطل بالبداهة.يعني
٤٢٦ سورة النمل نعم الدنيا الجزء السابع الحق أن كلمة (كل) في العربية لا تعني بالضرورة جميع أفراد جنس ما، بل يُراد بها فقط كل ما هو ضروري.فمثلاً يقول الله الله في القرآن الكريم: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا به فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (الأنعام : ٤٥)..أي أن الذين خلوا من قبلكم لما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم به فتحنا عليهم أبواب الرقي بكل أنواعها، ثم أنزلنا عليهم العذاب.وهنا أيضًا لا يُراد من لفظ كُلِّ شَيْءٍ» أنهم أعطوا كلها، بل المراد أنهم أعطوا نصيبا من النعم العظيمة المتوافرة في عصرهم وبلادهم.كذلك يقول الله تعالى عن أهل مكة: أَوَلَمْ تُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمَنَّا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا ﴾ (القصص:٥٨).وليس المراد من كلمة ثَمَرَاتُ كُلَّ ثمرات العالم كلها، بل المراد كثيرًا من الثمرات التي هي ضرورية لأهل مكة.ثم يقول الله تعالى للنحل: كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ (النحل: ٧٠)، مع تأكل من كافة ثمرات العالم، بل من بعضها فقط.إذًا، فليس المراد من قول سليمان ال: وأوتينا منْ كُلِّ شَيْءٍ أنه أعطي كل شيء في الدنيا، بل أعطى كل ما كان بحاجة إليه أي أن الله تعالى سد له العلي كل حاجة كما هيأ لملكة سبأ كل ما كانت بحاجة إليه في زمنها، ولذلك يقول سليمان ال بعد هذه الدعوى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ..أي أن حاجات الإنسان لا تُسد إلا بفضل خاص من عند الله تعالى.شيء أنها لا وَحُشِرَ لِسُلَيْمَنَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ۱۸ شرح الكلمات: يُوزَعون: وزعه: کفه ومنعه وحبسه.ووزع الجيش: حبس أولهم على آخرهم، ويُقال: رأيتُه يزَعُ الجيش: يرتبهم ويسوّيهم ويصفّهم للحرب.(الأقرب)
٤٢٧ سورة النمل الجزء السابع التفسير : يبدو من هذه الآية أن سليمان اللي كان يتأهب عندئذ لمحاربة بعض البلاد، فجمع له جنوده كلهم بمن فيهم جند الجن وجند الإنس وجند الطيور.إن المفسرين بمجرد أن يقرأوا لفظ "الجن" هنا يظنون أن الجن كائنات غير مرئية كانت تحت إمرة سليمان الله مع أنهم لو تدبروا القرآن الكريم لم يلجأوا إلى هذا التأويل الذي لا طائل منه.ولفهم حقيقة الجن علينا أن نرى أوّلاً وقبل كل شيء ما إذا كان القرآن يذكر أن الجن كانوا يحضرون إلى سليمان فقط، أم أنه ذكر أنهم حضروا إلى غيره من الأنبياء الآخرين أيضًا.وعندما نفحص القرآن نقرأ فيه قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ ) قوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِي وَإِلَى طَرِيقِ مُسْتَقِيمٍ ( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمَنُوا بِهِ يَغْفِرْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُحِرْكُمْ مِنْ عَذَابٌ رُكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)) (الأحقاف (الأحقاف: ٣٠-٣٢)..أي اذكرْ، يا محمد، حين أتيناك بنفر من الجن راغبين في سماع القرآن الكريم، فلما حضروا مجلسك قال بعضهم لبعض : اسكتوا لنسمع صوته جيدًا.فلما انتهت تلاوة القرآن الكريم رجعوا إلى قومهم منذرين وقالوا: يا قومنا إنا سمعنا تلاوة كتاب أنزل من بعد موسى، وهو يصدق كل الصحف السابقة له، ويدعو إلى الحق ويهدي إلى طريق مستقيم.يا قومنا، لبوا نداء منادي الله تعالى وآمنوا به، يغفر لكم الله ذنوبكم وينجكم من عذاب أليم.لقد ثبت من هنا أن الجن قد آمنوا بما نزل على موسى العلمية لا من التوراة وما نزل على النبي.وعليه فلم يكن سليمان الله هو النبي الوحيد الذي آمن به الجن، بل قد آمنوا بموسى ال وآمنوا بالنبي ﷺ بحسب القرآن الكريم.ولكن المؤسف أن المفسرين يذكرون قصصًا غريبة عن الجن الذين كانوا تحت قبضة سليمان العليا فيقولون مثلا أنه كان يجلس على بساط فكان الجن يمسكون بأطرافه ويطيرون به إلى السماوات.أما الجن الذين آمنوا بالنبي ﷺ في زمنه فلا
الجزء السابع أيضا، ٤٢٨ سورة النمل يذكر المفسرون – ولو برواية ضعيفة جدًا - أنهم قدموا مثل هذه المساعدة له مع أن النبي ﷺ وأصحابه قد تكبدوا عناء السفر مرارا إذ لم يجدوا ما يركبون، ففى مرات كثيرة أتوه يبكون ويسألونه أن يعطيهم ما يركبونه ليخرجوا معه، ولكنه لم يجد لهم ما يركبون.فخرجوا معه مرات كثيرة حفاةً في أسفار طويلة شاقة (التوبة:٩٢، والبخاري: كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع)، ولكن هؤلاء الجن لم تلن قلوبهم القاسية رغم رؤية ما تعرض له النبي وصحابته من آلام.كانوا يحملون سليمان الا وجنوده من مكان إلى مكان، ولكن الغريب أنهم لم يحملوا ولو عشرين من فقراء المهاجرين إلى ساحة القتال! يقول البعض أن الجن كائنات من غير جنس الإنسان، وقد آمن هؤلاء بنبينا عليهم السلام (الدر المنثور).ولكن علينا أن نرى ما إذا كان القرآن يصدق هذا المعنى أم لا ؟ إذا كان الكلام عن الجن استعارة فلا بد أن القرآن الكريم قد بين مراده منها، وإذا لم نعتبر هذا الكلام من قبيل الاستعارة وقع التناقض بين آيتين من القرآن الكريم وحصل فيه الاختلاف فعلينا أن نرى ما إذا كان اعتبار هذا الكلام استعارة يؤدي إلى الاختلاف في القرآن الكريم أم العكس هو الذي يؤدي إلى الاختلاف فيه؟ وبموسى وسليمان - وليكن معلوما أن الذين لا يعتبرون هذه الآية استعارة ويقولون أن الجن كائنات غير مرئية مثل الشيطان، وكما أن الشيطان كائن منفصل عن الإنس فالجن أيضًا كائنات غير الإنس (الرازي).والجواب أن هناك إجماعا لدى المفسرين على أن الشياطين المذكورين في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطينهم هم اليهود ورؤساؤهم (القرطبي)؛ فإذا كان الإنس يمكن أن يسموا شياطين فلماذا لا يسمون جنا أيضًا؟ كذلك قال الله تعالى: وَكَذَلكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْحِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا )) (الأنعام: ١١٣)..أي قد جعلنا لكل من شياطين الإنس ومن شياطين الجن الذين يحرّضون الناس على النبي وجماعته.لقد صرح الله هنا أن الشياطين يكونون من الناس أيضا.فإذا أمكن أن ني أعداء
٤٢٩ الجزء السابع سورة النمل يكون هناك شياطين الإنس فكيف لا يكون هناك جنّ الإنس؟ بمعنى أنه كما يمكن أن يولد من الناس من يسمون شياطين فكيف لا يمكن أن لا يكون من الناس من يسمون جنَّا؟ لقد ثبت مما سبق بيانه أن الجن لم يكونوا في قبضة سليمان فحسب بل لقد آمنوا بموسى وبنبينا أيضًا.والآن نرى إلى من بعث النبي ؟ يقول الله تعالى لنبيه : وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (النساء: ٨٠).فلو كانت كائنات خفية تسمى جنا قد آمنت بالنبي ﷺ فكان من المفروض أن يُقال: "وأرسلناك للناس والجن رسولاً بدلاً من أن يقول: (وَأَرْسَلْنَاكَ للنَّاسِ رَسُولاً.وإذا كان النبي ﷺ مبعوثا إلى الناس فثبت أن الجن الذين قيل هنا إنهم آمنوا به إنما كانوا من جن الإنس، وليس كائنات غريبة خفية يتصورها الناس.كذلك ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله له أن النبي ﷺ قال: أُعطيتُ خمس خصال لم يُعْطَها نبي قبلي، وإحداهن: "كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة." (البخاري: كتاب الصلاة، باب قول النبي جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) لقد صرح النبي الله هنا بشكل حاسم أنه لم يوجد بين الأنبياء السابقين نبي واحد بعث إلى أحد سوى قومه.ولكن هؤلاء المفسرين يقولون أن سليمان العلي قد بعث إلى الجن والطيور والنمل أيضًا.ولو كان هذا صحيحًا لصار سليمان أفضل من النبي ﷺ - والعياذ بالله – إذ كان مبعوثا إلى الإنس وغيرهم أيضا، بينما كان نبينا مبعوثا إلى الإنس فقط.ثم إذا كان هؤلاء الجن من غير الإنس فكيف قال الله الله في القرآن الكريم: يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ)) (الأنعام: ١٢٩).لقد تعبنا بحثا عن هؤلاء الجن الذين يتحدث عنهم الناس ولا نجدهم، ومع يعلن القرآن الكريم هنا أن الجن قد جعلوا معظم الناس في قبضتهم.الواقع أن ذلك المؤمنين بمثل هؤلاء الجن يرهقون أنفسهم بكثرة الاعتكافات والتأملات والأوراد
الجزء السابع ٤٣٠ سورة النمل فيصابون في عقلهم حتى يتخيلون أصوانًا، فيقولون ها قد جاءنا الجن.والواقع أنه لا يأتيهم أي من الجن، وإنما يفقدون حواسهم ويصابون بنوع من الجنون.أما الإنسان الذي يكون عقله متوازنا فلا يأتيه الجن أبدًا.على أية حال، سيقول الله تعالى للجن يوم الحشر أنهم جعلوا كثيرا من الناس تحت قبضتهم واستغلوهم كثيرًا، ومن ناحية أخرى نقرأ في القرآن الكريم قول الله تعالى: وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ (الأنعام: ١٢٩)..أي سيقول أصدقاؤهم من الناس لربهم ربنا انتفع بعضنا ببعض.ولكن الأمر الواقع أنك إذا سألت أهل قريتك ما إذا كان خمسون بالمئة منهم جلبوا أي نفع من الجن، فلن تجد ولا واحدا منهم يقول إنه قد انتفع من الجن وأنه على صلة بهم.فثبت أنه ليس المراد من الجن هنا أي كائنات غريبة دون الإنسان بل المراد من الجن بعض من الناس أنفسهم.وبالفعل ترى بين جنّ الإنس صداقات كثيرة.ثم هناك دليل أكبر مما سبق وهو قول الله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا (الأنعام: (۱۳۱).فترى أن الله تعالى يقول من جهة أن بعض الجن قد آمنوا محمد ، ويعلن هنا من جهة أخرى أن رسولنا هذا أيضًا منهم، فثبت من ذلك جليًا أن أولئك الجن كانوا من الناس، و لم يكونوا كائنات غريبة غير إنسانية.وليس هذا فحسب، بل يقول الله تعالى بعد ذلك: وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا.مما يعني أن موسى وسليمان ونبينا - عليهم السلام - كانوا يحذرون الجن أيضا، ويذكرونهم بلقاء الله ويوم الآخرة.فثبت من ذلك بوضوح أن هؤلاء الجن كانوا جن الإنس لا كائنات ،غريبة، فكما يكون ثمة شياطين الإنس كذلك يكون هناك جن الإنس.واستمع الآن دليلاً آخر واضحًا جدًا، يقول الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لتُؤْمِنُوا بِالله وَرَسُوله وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ (الفتح: ٩-١٠)..أي لقد أرسلنا هذا الرسول إليكم لتؤمنوا به وتنصروه وتعزّروه فما دام الجن قد آمنوا بالرسول ﷺ فهل بوسع أحد من الشيوخ أن يُثبت لنا أن هؤلاء الجن المؤمنين قد
الجزء السابع ٤٣١ سورة النمل أنه نصروا النبي ﷺ ولو في موطن واحد.إن الجن، بحسب زعمهم، يجلبون لشيخ بسيط منهم عناقيد العنب، ولكنهم لم يُحضروا للنبي ﷺ كسرة خبز، مع كان يبيت جائعًا في أحيان كثيرة.فذات مرة وجد الصحابة أثر الضعف على وجه نبینا ﷺ فعلموا أنه جائع جدًا، فذهب أحدهم وذبح ماعزا وأطعمه وأصحابه (البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الخندق)، ولكن هؤلاء الجن لم ينصروه في هذه الشدائد والمحن ولو مرة واحدة وعندي أن هؤلاء الجن كانوا عديمي الحياء جدًا، إذ يُحضرون للمشايخ أطيب الفواكه من تفاح وعنب وما إلى ذلك، ولم يحضروا للنبي الذي آمنوا به حتى خبز شعير! فكيف عُدّوا من المؤمنين به يا ترى؟ فمن الخطأ تماما الظن أن هؤلاء الجن كائنات غير مرئية غريبة عن الإنسان.كلا بل إن الجن الذين آمنوا بالنبي لو كانوا أيضا أناسًا، وقد نصروه كما نصره غيرهم من الناس.أما إذا اعتبرناهم كائنات غير إنسانية فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا والذي يجب أن يجيب عليه القائلون بالجن هو : لماذا لم ينصر هؤلاء الجن رسولنا رغم إيمانهم به، ورغم أن الله تعالى أمر بنصرته ؟ ثم هناك دليل أقوى مما سبق، وهو قول الله تعالى في القرآن الكريم: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب : ٧٣)..أي لقد عرضنا أمانة الشريعة والوحي على مخلوقات السماء وقلنا لهم هل فيكم من يؤمن ويعمل به؟ فقالت مخلوقات السماء كلها بصوت واحد لا نستطيع حملها.ثم عرضناها على مخلوقات الأرض وقلنا: تعالوا واحملوا هذا العبء ولكنهم أيضًا رفضوا وقالوا: لا نستطيع حمله.فعرضنا هذه الأمانة على الجبال فرفضتها وخافت من حملها – مع أن الشائع أن الجن يسكنون في الجبال - وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ..أي أن الإنسان تقدم وقال: أعطني يا رب أمانة شريعتك، فأنا أحملها وأعمل بها.إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً...أي أن الإنسان كان شديد الظلم لنفسه، إذ لم يُبال في نشوة حبنا وعشقنا بثقل هذه الأمانة، بل حملها بشوق ولهفة غير مكترث للعواقب.
الجزء السابع هناك أحد ٤٣٢ سورة النمل فترى هنا أن الله تعالى يقول هنا صراحة أن الإنسان وحده حمل الشريعة، وليس من سواه مكلف بالشرع وما دام الإنسان وحده قد حمل عبء الشرع، فكيف تقدم الجن - وهم كائنات غير إنسانية حسب زعمهم فآمنوا بالرسول والقرآن الكريم؟ لو سلمنا بكون الجن كائنات غير إنسانية لأصبح کلام الله لغوا باطلاً، لأنه تعالى يصرح أن جميع المخلوقات رفضت العمل بالشرع ما عدا الإنسان وحيث إن القرآن الكريم يعلن أن الجن آمنوا بالرسول ﷺ فتبين أن هؤلاء الجن كانوا أناسًا، ولم يكونوا كائنات غير إنسانية.فالمراد من الجن هنا أيضًا جن الإنس وليس كائنات سوى الإنسان.كما أنني لا أؤمن بالجن الذين يأتون الناس ويتلبسونهم.أتذكر أن أحد الإخوة كتب مرة إلى المسيح الموعود الله بأن الجن يأتون إلى أخته ويتلبسونها، وأنهم مستعدون للإيمان بحضرته ال فكتب له المسيح الموعود العملة في الجواب أن يُبلغ رسالته لهؤلاء الجن كالآتي: ما الفائدة من مضايقة امرأة مسكينة؟ إذا كانوا يريدون مضايقة أحد فليذهبوا بالحريّ إلى الشيخ "محمد حسين البطالوي" أو الشيخ "ثناء الله الأمر تسري" ويضايقوهما.إذًا، فليس هناك شيء من قبيل أولئك الجن الذين يؤمن بهم الناس عادة.لا شك أن بعض الناس من ذوي الثقافة الإنجليزية لا يؤمنون بالجن، ولكن المؤمن لا ينظر إلى ما يمليه عليه العقل بل ينظر إلى ما يقوله القرآن الكريم.إذا كان القرآن يقول بوجود الجن فنقول آمنا وصدقنا وإذا ثبت من القرآن الكريم أنه ليس ثمة مخلوق اسمه الجن سوى الناس فلا بد أن نؤمن بما يقول القرآن الكريم.الأمر الواقع أن فئة من الناس يكونون في غاية الإباء والتمرد فلا ينقادون لأحد، ولكنهم عندما يأتون الأنبياء يتغير حالهم رأسًا على عقب فجأة.وخير مثال على فكان في البداية لا يتحمل سماع كلمة عن الإسلام حتى ذلك هو عمر كان هذان الشيخان من أشد الناس معارضةً للمسيح الموعود ال.(المترجم)
الجزء السابع ٤٣٣ سورة النمل أخذ استشاط غضبًا ذات مرة، فامتشق حسامه وخرج بنية قتل النبي.ولكنه لما أتاه يرتعد هيبة له.(السيرة الحلبية المجلد الثاني، باب الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة) فثبت من هنا أن هناك أناسًا من ذوي الطبائع النارية، ولكنهم عندما يأتون الأنبياء تخمد نارهم وتهدأ حدقهم، وهؤلاء أيضًا يسمون في اللغة العربية جنَّا.يراد بالجن علية القوم الذين يقيمون في القصور وراء حراسة شديدة فلا كما يصل أحد إلى أبوابهم بسهولة، فقد ورد في القواميس: جن الناس: معظمهم.وكان من عادة الملوك العظام في القديم أن يقوموا بتعبئة أناس من قبائل عريقة ليكونوا من حرسهم الخاص ويحاربوا معهم في مواطن صعبة.فمثلاً كان عند الملك الألماني "ولهيلم" فرقة من الحرس الخاص.وكانت عند نابليون أيضًا فرقة خاصة كهذه.وكان عند الملك المغولي بالهند "أكبر" كتيبة خاصة من سادات "الباهرة"، وعندما أغار "أكبر" على قلعة "شتور" لم يستطع فتحها في البداية، فأمر هذه الكتيبة بشن الهجوم، فظلوا يُقطعون بسيوف الأعداء واحدا تلو الآخر إلى أن تمكنوا من إحداث ثغرة في جدار القلعة وكان عند الملك "جنكيز خان" كتيبة خاصة قوامها رجال من قبيلة معينة تارتاریوں کی یلغار (أردو) ص ٧٠، عام ١٢٠٦م)، فكان يكرمهم إكرامًا خاصًا وكان يخص قادتها بمكان الصدارة في بلاطه.وهناك قصة غريبة عن الفرقة الخاصة التي كانت تقوم بحراسة نابليون، وهي أن نابليون عندما لقي الهزيمة في موقعة "ووترلو" لم تنسحب كتيبته هذه عن ساحة القتال.كانت جيوش اللورد "ويلينغتون" يمطرونهم بالقنابل، ولكنهم كانوا يموتون الواحد تلو الآخر بدون أن يتركوا مكانهم.وكان نابليون قد بعث أحد قادته في مهمة، فمرّ عند عودته بقائد تلك الكتيبة واسمه الجنرال "ني"، وقال له: لقد نفذ عتادنا والعدو يتقدم، وأنت لا تزال واقفا هنا، تعال ننسحب لننقذ الملك ونجمع شملنا لنعيد الكرة على الأعداء ثانية.فنظر إليه الجنرال "ني" مستغربًا وقال بمنتهى البساطة: ولكن ماذا أفعل، فإن نابليون لم يعلّمني الانسحاب! إذا، فكلمة الجن في قوله تعالى: ﴿وَحُشِرَ لسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ قد أُطلقت على فرقة خاصة لسليمان ال، إذ كان رجالها
٤٣٤ سورة النمل الجزء السابع من أسر عريقة وكانوا معتادين على الإقامة في القصور وراء حراسة مشددة، وبالتالي استحقوا أن يُسمَّوا جَنَّا أي الذين لا يراهم الناس عادة كونهم يعيشون بعيدا عن أنظار القوم.فقد ورد في القاموس أن الجن يُطلق على "كل ما استتر عن الحواس" (الأقرب)..أي هم القوم الذين لا تسمع آذان الناس أصواتهم ولا ترى عيونهم أشخاصهم وكأنهم يعيشون منعزلين عن العالم، وبتعبير آخر، هم علية القوم وأمراؤهم؛ وقد ورد هذا المعنى أيضًا في القواميس بكل وضوح.إذا، كان قوام جنود سليمان ال فرقا ثلاثا : فرقة الحرس الخاص من علية القوم، وفرقة عامة الناس، وفرقة الرجال الروحانيين.وكان اللي يصف كل فرقة على حدة، كما يقال أن الملك "تيمورلنك" كان يأمر كل فرقة من جنوده أن تصطف منفصلة عن غيرها وكان يجعل فرقة المشايخ في مؤخرة الجيش وكان يقول: إن هؤلاء سيهربون قبل غيرهم من ساحة القتال فالأفضل أن يكونوا في مؤخرة الجيش (أمير تيمور (أردو) تعليقات: ص ٣٤٠).وإننا لا نستطيع أن نقول أن فرقة العلماء في جيش سليمان اللي كانوا كمثل فرقة المشايخ في جيش تيمورلنك، إلا أننا نستطيع أن نقول بكل جزم إن العلماء في عهد الرسول ﷺ لم يكونوا هكذا.فقد روى علي الله أن أبا بكر الله كان أشجع الصحابة، وعندما أُعدّت عريشة للنبي يوم بدر وتساءل القوم من الذي يقوم على حراسة النبي في هذا الوقت الحرج، امتشق أبو بكر له سيفه وقال: أنا سأقوم بهذا الواجب بإذن الله.(تاريخ الخلفاء للسيوطي، أبو بكر الصديق له، فصل في شجاعته) كذلك ورد في الحديث أن النبي ﷺ قال مرة: "أنا مدينة العلم وعلي بأبها".(الجامع الصغير، المجلد الثاني ص ١٦١، رقم الحديث ٢٧٠٥) فالنبي قد عد عليا له من العلماء، لكن في غزوة خيبر عندما كان المسلمون في موقف حرج جدا ناول النبي عليا الراية (الترمذي، أبواب المناقب، باب مناقب علي ، مما يدل أن العلماء في عهده لم يكونوا جبناء بل كانوا أشجع الشجعان.بيد أن الشعراء يكونون ضعيفي القلب، حيث ورد عن حسان بن ثابت أنه كان ضعيف القلب.(البداية والنهاية، غزوة الخندق)
الجزء السابع ٤٣٥ سورة النمل حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَتَأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَنُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (3) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَلِحًا تَرْضَهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّلِحِينَ شرح الكلمات : لا يحطمنكم: حطمه: كسره.(الأقرب) أَوزعني أوزَعَ الله فلانًا: أَلْهَمَه الشكر.(المفردات) التفسير: إن المفسرين - كما بالغوا في تفسيرهم عن الجن والطير- قد بالغوا أيضًا حول وادي النمل، وقالوا أنه كان واديًا للنمل - هذه الحشرات المعروفة – - وأن سليمان لما خرج بجنوده مر بهذا الوادي، فتكلمت نملة، ففهم سليمان قولها حيث كان يعلم منطق الطير.(تفسير حسيني (أردو)) ولكن كيف علم المفسرين أن النمل من جنس الطير يا ترى؟ يقول الله تعالى إنه علم سليمان منطق الطير، ولكنهم يقولون أنه علم منطق النمل أيضًا! ويقولون أن المطر انقطع مرة في عهد سليمان فقال للناس تعالوا نخرج من البلد ونصل صلاة الاستسقاء.فلما خرج بهم رأى نملةً تدعو الله تعالى رافعةً رجليها ووجهها إلى السماء وتقول رب نحن أيضًا من خلقك، فلا تحرمنا من المطر! فلما سمعها سليمان قال للناس تعالوا نرجع لا حاجة الآن لصلاة الاستسقاء لأن دعاء النملة يكفينا، ولسوف ينزل المطر بدعائها! (ابن كثير) ولم يكتف المفسرون بهذا القدر من الغوص في التفاصيل، بل قالوا أن النمل تكون شعوبا وقبائل كما عند الناس قبائل من مغول وراجبوت وأفغان وغيرها.
٤٣٦ سورة النمل تكلمت الجزء السابع وقد ذكروا لفائدتنا أن اسم إحدى قبائلها "بنو الشيصان"، وأن النملة التي كانت تنتمي إلى هذه القبيلة.وقد تمكن المفسرون بعد بحث مضن من معرفة اسم تلك النملة أيضًا، وإن لم يتفقوا على اسم واحد لها للأسف.فمن أسمائها التي ذكروها منذرة ،وطافية ولافية وخومي.ثم علموا أنها كانت عرجاء.كما ذكروا قامتها أيضًا فقال بعضهم أنها كانت بقدر الديك، وقال بعضهم أنها كانت بقدر الضأن، وبعضهم قال أنها كانت بقدر الذئب.كما اكتشفوا أنه كانت مع هذه النملة أربعون ألف نملة من النقباء، ومع كل نقيب أربعون ألف نملة من المحاربين.(ابن كثير وتفسير حسيني) والحق أن النملة هنا لا تعني الحشرة المعروفة، وأول دليل على ذلك هو أن الله تعالى يخبر هنا أن سليمان الله علم منطق الطير، بينما يقدم المفسرون أول دليل على معرفته بمنطق الطير أنه فهم كلام النملة مع صاحباتها! مع أن المفروض أن يقدموا على صدق هذه الدعوى مثال طير لا ،نملة إذ لو كان المراد من النملة هنا الحشرة المعروفة أصبح الدليل غير معقول تماما، لأن القرآن الكريم يقول إن سليمان عُلّم منطق الطير وكان يفهم لغتها، ولكنهم يقولون أن سليمان فهم كلام النملة مع صاحباتها.لذا فينبغي أن نفهم المراد من النملة هنا أوّلاً.والأمر الثاني الذي يستلفت النظر هنا هو قوله تعالى: لا يَحْطِمَنَّكُمْ).وإن عادةً المفسرين يفسرون قول النملة لا يَحْطِمَنَّكُمْ بأن لا يدوسنَّكم سليمان وجنوده تحت أقدامهم.وتفسير الحطم بهذا المعنى ليس صحيحا، بل يعني الحطم الكسر والهجوم على أحد من شدة الغضب، فقد سُمِّيت نار جهنم الْحُطَمَة)) (الهُمَزة : (٥) لأنها تحرق، ولا يقول أحد أن لجهنم أرجلاً تدوس بها الناس؛ كما يُسمى القحط حاطومًا إذ يكسر قوة أهل الأرض (الأقرب).إذا، فالمراد من قوله تعالى : لا يَحْطِمَنَّكُمْ))..لا يكسرتكم سليمان وجنوده، أو لا يهاجمنكم غاضبين ويدمرونكم.ثم هناك سؤال يفرض نفسه هنا وهو: كيف يُتوقع من نبي عظيم كسليمان العلي الذي كان يملك جنودًا من الجن والإنس والطير أن يستشيط غضبًا على النمل
٤٣٧ سورة النمل الجزء السابع ويحاول الهجوم على تلك الحشرات المسكينة؟ لو أخذنا بالمعنى الحقيقي للفظ "الحطم" لكان معنی الآية أن نملة قالت لصاحباتها: ادخلن مساكنكن مخافة أن يأتي سليمان وجنوده بالمعاول والفؤوس ويحفروا مساكننا ويخرجوا منها الغلال وبالتالي یکسروا قوتنا ! فهل من عاقل يرضى بهذا المعنى؟ والدليل الثالث الذي هو في منتهى الوضوح هو أن الصيغ التي استعملها الله تعالى كلها لذوي العقول، مثل (ادْخُلُوا ولا يَحْطِمَنَّكُمْ)، مع أنه لو كان الحديث عن حشرات النمل لقيل "ادْخُلْنَ" و "لا يحطمنكُنَّ".فثبت أن الكلام هنا هنا هي ليس عن حشرات النمل وإنما عن البشر.ثم إن قول النملة: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)) أيضًا يبين أنها لم تكن حشرات النمل لأنها يمكن أن تُداس تحت قدم نبي دَعْك عن أقدام جنود.لو كانت النملة هنا بمعنى تلك الحشرة المعروفة لأصبح قول الله : لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) لغوا وعبنا، فمتى ورد في أي كتاب سماوي – سواء في الإسلام أو قبله- أن الأنبياء كانوا يمشون ناظرين إلى الأرض كيلا تداس النمل تحت أقدامهم؟ الحق أن وادي النمل ليس واديًا للحشرة المعروفة، بل هو واد كان يُقيم فيه البشر، حيث ورد في القاموس الشهير "تاج" العروس أن واد النمل يقع بين جبرين وعسقلان.أما عسقلان فهي مدينة كبيرة ساحلية تقع في فلسطين على مسافة اثني عشر ميلاً بين ميناء غزة في المنطقة المجاورة لسيناء وجبرين.أما "جبرين" فهي مدينة شمالية في ولاية دمشق.(معجم البلدان لياقوت الحموي، باب الباء والياء وما يليه) إذا، فوادي النمل واد حقيقي يقع إلى جنوب من دمشق بحوالي مئة ميل على البحر المتوسط إزاء بيت المقدس أو قريبًا من ذلك، على الطريق المؤدي من دمشق إلى الحجاز.وكانت كثير من قبائل مدين وغيرها من القبائل العربية مقيمة بهذا الوادي إلى زمن سليمان العل.(انظر خريطة فلسطين والشام في العهد القديم والجديد في كتاب Nilson Encyclopaedia المجلد السابع عشر، تحت: (Palestine أما لفظ النملة فقد عنه : ورد :"و الأَبْرَقةُ من مياه نَملة." (القاموس المحيط: كلمة البرق)
= ٤٣٨ سورة النمل الجزء السابع إذا، فقد وجدنا بمساعدة القاموس وكتب الجغرافيا قوما باسم نملة وواديًا باسم النمل، كما علمنا أن هذه المنطقة كانت في الشام قريبًا من مملكة سليمان الله.والغريب أن مثل هذه الأسماء كانت متداولة بكثرة في الزمن القديم.ففي جنوب أمريكا قبائل أسماؤها "الذئب" و"الحية" و"العقرب" و"أم الأربعين" وغيرها.بل يوجد في بلادنا أيضًا قوم اسمهم "كادها" أي النمل، وكان هناك في لاهور شخص شهير اسمه نور الدين "كادها" أي النملة.وهناك قوم باسم "كيري" أي الديدان، وقوم آخرون باسم "مكوري" أي الحشرات.وفي كشمير قبيلة اسمها "هابت" أي الدب (تواريخ أقوام كشمير (أردو) ص (۳۰۰).وهذه هي حقيقة نمل سليمان العليا أيضًا، فإنه لما خرج للهجوم على ملكة "سبأ" باليمن مر على واد لقبيلة اسمها النمل، ولكن المفسرين ظنوا أنه مَرَّ بواد الحشرات النمل ثم قال القرآن إن سليمان ال لما بلغ هذا الوادي قالت "نملة" أي ملكة قبيلة النمل: أيها الناس ادخلوا في مساكنكم مخافة أن يظن سليمان وجنوده أنكم تريدون حربهم فيحطموكم.فأيقن المفسرون من هذا أنه كلام النملة الحشرة، مع أن تعبير "الحطم" تعبير واضح حيث يراد به إغارة قوم على قوم وإلحاق هزيمة نكراء بهم، ولكن المفسرين لم ينتبهوا لذلك.ولو أنهم راجعوا القواميس لوجدوا أن الحطم يعني الكسر.وعليه فالمراد من هذه الفقرة القرآنية أن ملكة قوم النمل قالت لهم: ادخلوا مساكنكم كي لا يكسر سليمان وجنوده قوتكم وشوكتكم.ثم يقول الله فَتَبَسَّمَ ضَاحكًا مِنْ قَوْلها، وهنا أيضا قد جاء المفسرون بالعجب العجاب، فمع أن الله الله يعلن أنه علم سليمان منطق الطير، إلا أن المفسرين يقولون أنه كان يعلم منطق النمل أيضًا! حيث فهم قول ملكة النمل فوراً، فتبسم ضاحكًا بأن حشرات النمل أيضا تعلم بأني إنسان عادل ولا يمكن أن أدوسها تحت قدمي إلا خطاً ولكن لن أدوسها عمدا (الطبرسي).والحق أن كل إنسان شريف – دعك عن نبي – لا يدوس حشرات النمل عمدًا، فقد رأينا كثيرًا من الشرفاء أنهم يمشون على الأرض بحذر عندما تخرج النمل بكثرة في موسم الأمطار كيلا يدوسوها.فثبت أن هذا المعنى باطل.
٤٣٩ سورة النمل الجزء السابع كل ما في الأمر هو أن سليمان الله لما علم أن ملكة قوم النمل قد أمرتهم بدخول بيوتهم وعدم مقاومة جنوده بأي طريق - مخافة أن يثوروا ويهجموا عليهم دون أن يدروا أنها قد أمرتهم بالاستسلام والانقياد - تبسم ضاحكا بأن الله لا قد أذاع صيته الحسن، فالناس يعرفون أنه ليس من الملوك الظالمين بل إنه يعامل أضعف الشعوب أيضا بالعدل والإنصاف.الحق أن ملكة النمل قد أمرت قومها بدخول البيوت وإغلاق الأبواب عليهم طبقا للعادة القديمة خلال الحروب إذ كان المراد منه قبول الهزيمة والاستسلام، فمثلاً قد أعلن النبي الله أيضًا يوم فتح مكة أن من يدخل بيته ويغلق بابه فهو آمن (السيرة النبوية لابن هشام: ذكر الأسباب الموجبة للسير إلى مكة وذكر فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان).ووفقا لهذه العادة قالت ملكة قوم النمل أيضًا بأن يدخلوا مساكنهم ويغلقوا أبوابهم كي يعلم سليمان أنهم لا يريدون حربه، أما إذا بقوا خارج بيوتهم فربما يُغير عليهم.فلما بلغ سليمان ال إعلانها تبسم ضاحكا، وشكر الله بأنه قد أشاع خبر صلاحه وورعه في الأقطار البعيدة، حيث علم هؤلاء القوم أيضًا أن سليمان لا يحارب أحدًا ظلما وأنهم إذا أغلقوا أبوابهم فلن يتعرض لهم، مع أن من عادة الشعوب الغازية السلب والنهب أثناء الحرب.فدعا ربه وقال: يا رب إن هذا الصيت الحسن ما هو إلا بفضلك، فوفقني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل على الدوام أعمالاً صالحة ترضاها..أي كما قد اعترفت ملكة قوم النمل بأن سليمان وجنوده قد يضرون قومها خطاً ولكن لن يضروهم ظلمًا واعتداء، فوفقني وجنودي في المستقبل أيضًا أن نتحلى بالأخلاق الفاضلة حتى يشهد الناس أن هؤلاء القوم لا يعتدون على أحد عمدًا، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.
الجزء السابع ٤٤٠ سورة النمل وَتَقَدَ الطَّيْرِ فَقَالَ مَا لِى لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَابِينَ نَ لَأُعَذِّبَتْهُ عَذَابًا شَدِيدًا أو لا اذكنَّهُ أو أَوْ لَأَ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَنٍ مُّ مبين : ۲۲ التفسير : أمر سليمان القادته وجنوده بالمثول أمامه، فلما تفقدهم وجد أحد قادة كتيبة العلماء غائبًا وكان اسمه "الهدهد".فثار سليمان غضبا لغياب قائده في ذلك الوقت الحرج الذي كان يتأهب فيه لمحاربة بلد آخر.فظن أن هناك مؤامرة تحاك ضده، فقال: ما لي لا أرى الهدهد أم أنه قد غاب وهرب؟ فإني سأعاقبه عقابًا شديدًا أو سأقتله إلا إذا أتاني بعذر واضح يبرر غيابه.يظن المفسرون أنه كانت في جيش سليمان العلا كتائب طيور حقيقية، وكان هذا الطير الذي يصيده الأطفال بالنبلة – أحد القادة.وبهذا الجيش القوي الهدهد - خرج سليمان لفتح بلاد اليمن (معالم التنزيل، والطبري) فأولاً : كل إنسان عاقل يدرك أن ما يقوله المفسرون لا يدل على كون الهدهد قائدا، بل يؤكد غباء سليمان - والعياذ بالله - مع أن أنبياء الله تعالى لا يكونون أغبياء.فمن المستحيل أن يخرج إنسان عاقل لفتح بلاد اليمن بجيش من الحمائم والزغاليل والعصافير والهداهد والسمان والحجل والحق أن التغلب على مثل هذا الجيش لا يتطلب جيشًا بل عند وصول خبره إلى البلدة سيخرج الأطفال بالنبال إلى الشوارع، ويجعلون اليوم يوم عيد لأهلها كلهم إذ يهيئون لهم شواء لذيذا من لحوم الطيور.أفستكون هذه حربًا أم مسابقة لصيد العصافير والطيور؟ بقراءة هذه القصص الخرافية التي ذكرها المفسرون في تفاسيرهم يضطر المرء لتصديق ما قاله تيمورلنك بأن فرقة العلماء ينبغي وضعها في مؤخرة الجيش، إذ يستهينون بالحرب بهذا الشكل المخزي.
٤٤١ سورة النمل الجزء السابع والأغرب من ذلك أن سليمان الله - الذي قالوا عنه أنه لم يرضَ أن يدوس نملة واحدة تحت قدمه عمداً - يمتلئ غيظًا ليهدّد الهدهد الذي لا عقل له وحجمه بحجم العصفور: الأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ).فمن المحال أن يتوقع نبي من الطيور ما يتوقعه المرء من أذكياء الناس.إن القرآن الكريم بين أيدينا، فمتى ورد فيه أن الطيور تبلغ من الذكاء والعقل بحيث إن بعضها إذا ارتكب خطأ فعلى المرء أن يستل سيفه ويقول له: سأضرب عنقك أو لتأتيني بعذر مقبول؟ أو هل رأيت أحدًا من جيرانك قابضًا على الهدهد وهو يضربه بالعصا ويقول له: لماذا أكلت غلالي؟ وإذا رأيت شخصا كهذا أتعدّه من العقلاء أم من المجانين؟ فثبت أن المفسرين الذين قالوا أن سليمان قال هذا الكلام لطير الهدهد إنما نسبوا الغباء إلى سليمان ال، إذ يقول هنا صراحة الأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتيني بسُلْطَان مُبين، وهذا يعني أن طير الهدهد هذا كان يعرف الأدلة والبراهين مثل سقراط وأبيقراط وأفلاطون، ولذلك توقع منه سليمان أن يقدم أدلته على براءته.ثانيا: يخبرنا القرآن الكريم أن سليمان كان يملك جنود الجن والإنس والطيور ولكن الغريب أنه لا يفكر إلا في الهدهد من بين كل الجيش، فيقول: ما لي لا أرى الهدهد؟ إن الدول في الدنيا لا تقبل عند التعبئة أي إنسان قامته أقل من خمسة أقدام، ولكن سليمان الله يقوم بتعبئة عجيبة حيث يقبل طير الهدهد في جيوشه! والأغرب من ذلك أنه لم تكن في جيشه أي كتيبة خاصة بالهداهد بل فيه هدهد واحد فقط ! فما الحكمة من اصطحابه؟ وما هو العمل الذي سينجزه؟ وثالثا: يعلن القرآن الكريم أن الهدهد قال كذا وكذا، مع أنه يتحدث هنا عن معرفة سليمان منطق الطير فكان المفروض أن تُذكر هنا معجزة سليمان ال، ولكنهم يذكرون هنا معجزة الهدهد التي هي في الحقيقة أكبر من معجزته العلي.ورابعا : أن الهدهد ليس من الطيور السريعة الطيران حتى يقال أنه طار كل تلك المسافة الطويلة، بل الحق أنه عادةً يموت في المنطقة التي يولد فيها.بينما يتضح من القرآن أن الهدهد طار من الشام إلى مُلك "سبأ" لأكثر من ثمانمئة ميل دون انقطاع،
الجزء السابع ٤٤٢ سورة النمل ثم عاد إلى سليمان بخبرهم.وهذا يعني أنه كان أسرع من الطائرات، وأن المعجزة هي للهدهد لا لسليمان، مع أن المفسرين يريدون هنا بيان معجزة سليمان العلة.خامسا: وقد أرى الهدهد معجزة أخرى حيث كان يعلم من دقائق الشرك والتوحيد ما لا يعلمه اليوم المشايخ أيضًا.فانظر كيف يبين أسرار التوحيد العالي إذ يقول وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ ).ثم إن مشايخ اليوم يرون جيرانهم يأتون أعمالاً وثنية ولا ينهونهم، ولكن انظر إلى غيرة الهدهد الدينية حيث يطير في كل حدب وصوب ليخبر سليمان بما يأتيه الناس من أعمال الشرك وعبادة الأصنام.سادسا: ثم إن الهدهد خبير بالأمور السياسية أيضًا حيث يقول لسليمان ال: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ..أي أن عند ملكة "سبأ" كل ما يحتاج إليه الملك.وهذا يعني.أن الهدهد قام بفحص خزائنها ومؤسساتها، فلذلك ذكر في تقريره أنها تملك كل ما هو ضروري للحكم.سابعا: ثم إن الهدهد يعلم جيدا الشيطان ومكائده إذ يقول من كان الشيطان وليه نشأت في قلبه أفكار سيئة.بل الحق أن الهدهد يعلم النتائج الوخيمة للأفكار السيئة أيضا حيث يقول: (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ..أي أن الشيطان قد صدّهم وأبعدهم عن سبل قرب الله الله من جراء أفكارهم السيئة.إذا، فإن الهدهد لم يكن مجرد طير بل كان عالما كبيرًا.يا ليتنا نجد هدهدًا واحدًا مثله لنطرد جميع المشايخ من وظائفهم ونعينه مفتيًا للبلاد.: ثامنا : إن الهدهد كان يعلم جيدا كيف يجب أن يكون عرش الملوك حيث يقول لسليمان ال وَلَهَا عَرْشِ عَظِيمٌ)..أي أن ملكة سبأ تملك عرشا عظيمًا ولكنك لا تملك مثله.وكأنه يُغريه بذلك بالهجوم على الملكة.إن هذه الأمور كلها تدل دلالة واضحة على أن هذا الهدهد لم يكن طيرا، بل كان إنسانًا.ذلك لأن القرآن يعلن صراحة أن أمانة الشرع لم تحملها الملائكة ولا السماوات ولا الأرض، إنما حملها الإنسان وحده (الأحزاب:٧٣)، وأنه وحده الذي
٤٤٣ سورة النمل الجزء السابع يعلم أسرار شريعة الله تعالى.إن الملائكة تعلم جانبًا واحدًا من الأشياء وهو جانب الخير، أما الإنسان فيعلم الجانبين جانب الخير والشر، وينظر إلى الأمور كلها.وما دام هذا الهدهد واقفا على أسرار الشريعة فثبت أنه كان إنسانًا لا طيرا، لقوله تعالى: (وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ حيث بين تعالى صراحة أن لا أحد من الخلائق يحمل أسرار الشرع سوى الإنسان.ومن الناس من يقول : إذا كان الهدهد إنسانًا لا طيرًا ، فلماذا قال سليمان العليا لأذبحنه؟ فاعلم أن الذبح في العربية يعني القتل والفتك أيضًا (تاج العروس).كما قال الله تعالى في القرآن الكريم عن فرعون يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ (القصص:٥)..أي أنه كان يقتل أبناء بني إسرائيل.فلو جاز للمفسرين اعتبار الهدهد طيرًا لورود لفظ الذبح في حقه، فلم لا يجوز اعتبار أبناء بني إسرائيل طيورًا لورود الذبح في حقهم أيضًا؟ ثم اعلم أنهم إذا أطلقوا اسم شيء على شيء لمشابهة بينهما وصفوا المشبه بكلمات تناسب المشبه به، وهو مما يفضي على الكلام جمالاً وبهاء.فمثلاً إذا شبّهت إنسانًا بالأسد، فتقول إنه يزأر كالأسد، ولا تقول إنه يغنّي كالأسد.وبالمثل لما استعمل القرآن الكريم لفظ الهدهد لهذا الإنسان استعمل له كلمة الذبح أيضًا تزيينا للكلام، وإن كان هذا قائد جيش.وهناك سؤال آخر يثار هنا : لماذا سمى القرآن الكريم هذا الشخص هدهدا؟ لقد سبق أن أجبتُ على هذا السؤال من قبل من الناحية العقلية، إلا أنني أبين المراد منه.عندما نتصفح كتب بني إسرائيل لمعرفة ماهية الهدهد ولنرى ما إذا كان فيهم إنسان بهذا الاسم نكتشف أنه كان في اليهود في زمن سليمان الله أناس كثيرون اسمهم."هُدَد".والحق أن الاسم العبراني "هُدَد" تحوّل إلى الهدهد في العربية شأنه شأن أبرهام الذي صار إبراهيم، ويسوع الذي صار عيسى، وموشي الذي صار موسى في العربية.ولا غرابة في ذلك مطلقا، خذوا مثلاً مدينة "لكهنؤ" الهندية، فإن أحد العرب عندما ينطقها سينطقها: "لاكهناءو".وبالمثل إن القرآن الذي نزل بالعربية عندما ذكر اسم "هُدَد" العبري جعله الهدهد.
٤٤٤ الجزء السابع سورة النمل والتاريخ يبين لنا أن "هُدَد" كان اسم العديد من الملوك الأدوميين، ومعناه: الجلبة الكبيرة.والهدُّ في اللغة العربية أيضًا يعني الصوت الغليظ (الأقرب).ويبدو أن إسرائيل كانوا يسمون الطفل الغليظ الصوت هُدَدًا أو هدهدا.وقد أُطلق "هدد" بني اسم ندَد على الملك الأدومي الثالث الذي ألحق الهزيمة بقوم مدين، وأيضًا على الملك الأخير (الموسوعة اليهودية، تحت Hadad).وكان الهدهد اسم أحد أبناء الأدومي إسماعيل اللة أيضا.وقد ذكر الكتاب المقدس (في الملوك الأول (۱۱: (١٤ أحد أمراء الأسرة الأدومية وكان اسمه هدد، وكان قد فرّ إلى مصر خوفًا من القتل العام الذي أمر به يوآب.وورد في الموسوعة اليهودية أن لفظ "هُدَد" إذا ورد في العهد القديم خاليا من أي صفة أو فعل فيعني أحد أفراد الأسرة الأدومية.(تحت كلمة: Hadad) باختصار، إن الهدهد تعريب للكلمة العبرية "هدد".الحق أن ولوع المفسرين بجعل تفاسيرهم شيقة قد دفعهم لنسج هذه الخرافات.فمثلاً هناك حيوان معروف باسم الضب، ولكنه اسم لرئيس قبيلة عربية أيضًا كما يُسمى عندنا بعض الهندوس "ببغاء" - وهذا الرئيس العربي حضر مجلس النبي مرة وأنشد قصيدة في مدحه ثم تحول هذا الحادث الحقيقي فيما بعد إلى خرافة في كتب الوعاظ، حيث ورد فيها أن النبي ﷺ كان يمشي في مكان، فخرج ضب من جحره وألقى قصيدة في مدحه.فالذين جعلوا هذه الحقيقة الواقعة خرافة فليس صعبًا عليهم أن يحولوا إنسانًا اسمه الهدهد إلى طير اسمه الهدهد.ثم يقول المفسرون أن ما دل سليمان ال على غياب الهدهد هو أنه كان في سفر في برية لا ماء فيها، فحان وقت الصلاة، فأراد الوضوء فلم يجد ماء، فقال لأصحابه: أين الهدهد؟ اطلبوا منه أن يبحث عن الماء.ذلك لأن الهدهد هو الذي كان يدلهم على الماء كلما احتاجوا إليه.فبحثوا عن الهدهد و لم يجدوه.فاستشاط لم نعثر على هذا الاسم.(المترجم)
الجزء السابع ٤٤٥ سورة النمل سليمان ال غضبا وقال: حينما يأتي الهدهد لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لِأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتيني بسُلْطَانٍ مُبِينٍ.(روح المعاني) ولكن البعض الآخر قد اختلف مع هؤلاء المفسرين وقال إن الواقع أن سليمان العليا كلما سافر أظلته أسراب الطيور، وفي أحد الأيام وصلت الشمس إليه من خلال ثغرة كانت في هذا الظل، فرفع بصره وعلم سبب الثغرة وهو أن الهدهد كان قد ترك مكانه.(القرطبي) إذا، فمن عادة المفسرين نقل حكايات خرافية في تفاسيرهم.مع أن كل ما في الأمر هو أن لفظ الهدهد الوارد في القرآن الكريم تعريب لاسم "هدد" العبري، والمراد منه أحد أمراء الأسرة الأدومية الذي كان قائدًا في جيش سليمان العلة.كانت الأسرة الأدومية أعداء سليمان وكانت تعيش خاضعة لملكه، فلما فقد من سليمان قائده الهدهد ظن أنه ربما خانه وذهب إلى الأعداء للتآمر عليه، فأعرب سليمان العليا عن قلقه وغضبه.وقد يكون الهدهد رئيس قبيلة عربية، إذ يخبرنا الكتاب المقدس أن أحد أبناء إسماعيل الي كان يسمى الهدهد.ومن الثابت تاريخيًا أن القبائل العربية كانت مقيمة في الطريق المؤدي من فلسطين إلى اليمن.وكان العرب واليهود يعادون بعضهم بعضًا، ورغم أن العرب خضعوا لملك سليمان إلا أن العداء لم يزل من القلوب، فلما وجد سليمان أحد الرؤساء العرب غائبا أوجس منه خيفة فثار اللي وغضب.وبما أن منطقة اليمن التي كان سليمان العليا قد خرج بنية الهجوم عليها كانت بلدا عربيًا فالأقرب إلى القياس أن الهدهد كان أحد الرؤساء العرب.فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَحِفْتُكَ مِن سَبَا بِنَبَرٍ يَقِينِ إِلَى وَجَدتُ امْرَأَةٌ تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ إِنِّي
الجزء السابع من و ٤٤٦ سورة النمل كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشُ عَظِيمٌ ( وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا ٢٤ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَنُ أَعْمَلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (3) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِى تُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ع الله لا إلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٢٦ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ () ۲۷ شرح الكلمات الحبء: الخبء: ما حُبى وغابَ وخَبْءُ الأرض نباتها، وخَبْءُ السماء: مطرها.(الأقرب) التفسير: أي لم يمكث سليمان ال في ذلك المكان طويلاً حتى رجع إليه ذلك الرئيس العربي الغائب، وقال له: كنت تريد الإغارة على ملك "سبأ" الذي هو منطقة من بلادي، فسبقتك إليه للاستطلاع، إذ لم تكن هذه المهمة صعبة علي لكوني من العرب وأعرف لغتهم.لقد علمتُ علم اليقين أن امرأة تحكم تلك البلاد حكمًا رائعا، وهي تملك كل نوع من الأسباب، وملكها عظيم.علما أن قوله تعالى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لا يعني أن ملكة "سبأ" أعطيت نعم الدنيا كلها، إذ لو كان الأمر كذلك لما قال سليمان عندما أرسلت إليه هدية: أتمدُّونَن بمال الله خَيْرٌ ممَّا آتَاكُمْ.فقوله هذا دليل على أن الملكة إنما أُوتيت كل ما فَمَا آتَانِيَ كان ضروريًا لحكمها، وأنها حاكمة يقظة.وربما أراد الهدهد بقوله هذا تخويف سلیمان کی لا يستولي على بلاد قومه، ولكن ما قاله بعد ذلك دفع سليمان أكثر للهجوم على تلك البلاد، وهو
٤٤٧ سورة النمل الجزء السابع قوله إن هؤلاء يعبدون الشمس من دون الله، وأن الشيطان قد زيّن لهم أعمالهم وأضلَّهم عن سبيل التوحيد، وأنهم مصرون على ألا يسجدوا الله الذي يعلم أسرار السموات والأرض كلها، والذي لم يجعل الشمس والقمر إلا كخادمين له، والذي وهب أنبياءه العلوم المادية والروحانية، والذي هو رب عباده الموحدين، والذي ملكه أعظم من ملك هذه الملكة، وسيكون مُلكه غالبًا على كل ملك آخر.وهكذا حاول الهدهد استرضاء سليمان الله، وبين له أنه لم يغب بدون سبب بل رأى هذا الاستطلاع ضروريًا لمصلحة البلاد.قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَذِبِينَ (3) أَذْهَب بِكَتَبِي هَذَا فَأَلْقِة إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (3) التفسير : فقال سليمان العلا سنذهب إلى هناك ونرى ما إذا كنت صادقا في ما قلت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا إلى هؤلاء القوم وضعه أمامهم، ثم تأخر قليلا في انتظار الجواب.انظر هنا أيضًا ما ينصح به سليمان الطيرًا من الطيور! إننا نعرف أن الناس يعلقون في عنق الحمام رسالة، ولكن المفسرين قد جعلوا الهدهد ساعي بريد فعلاً.ثم انظر إلى الأدب واللباقة التي يعلمها سليمان ال طيرًا لا عقل له، حيث يقول: لا تضع هذه الرسالة في يد الملكة مباشرة لأنه يُعَدّ من سوء الأدب، بل ضعها أمام حاشيتها ليعرضوها عليها بأنفسهم فهذا من الآداب السلطانية.ثم لا تتسرع في طلب الجواب - وهذا يعني أن سليمان لم يكن وحده يعلم منطق الطير بل العلة كانت ملكة "سبأ" أيضًا تعلمه - وانتظر حتى يعطوك الجواب، ثم ارجع به إلي.
الجزء السابع ٤٤٨ سورة النمل قَالَتْ يَتَأيُّها المَلوا إنّى أُلقى إلَى كِتَبٌ كَرمُ إِنَّهُ مِن أُلْقِيَ سُلَيْمَنَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) أَلَّا تَعْلُوا عَلَى وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (3) شرح الكلمات: ۳۲ الملأ: الأشراف، قيل: سُمّوا بذلك لملاءتهم بما يُلتمس عندهم من المعروف وجودة الرأي، أو لأنهم يملأون العيون أبهة والصدور هيبة.(الأقرب) التفسير : لقد تبين من هنا أن سليمان الله لم يتوجه إلى بلدهم لمحاربتهم بدون مبرر، بل كان هؤلاء قد تمرّدوا عليه، فذهب لإخماد ثورتهم، حيث يقول: ألا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأَتُونِي مُسلمينَ..أي إذا جئتموني منقادين فسأعفو عما سلف منكم.وليكن معلومًا أن أعداء الإسلام قد طعنوا فيه بناء على ورود البسملة في بداية رسالة سليمان ال، فقالوا أن البسملة التي تستهل بها كل سورة من سور القرآن لم يأت بها القرآن الكريم أول مرة بل كان الأولون على علم بها، وقد سرقها من الكتب السابقة.فقال رودويل (Rodwell) أن البسملة يهودية الأصل.وقال "ويري" (Wherry) إنه لمن المؤكد أن محمدًا قد استعار هذه الكلمة من اليهود والصابئين إذ كان الصابئون يستفتحون كتاباتهم بقولهم: بنام یزدان" بخشائش گر دادار" (تفسیر "ويري" للقرآن الكريم، المجلد الأول ص ۲۸۹)." " وقال القسيس سينت كلير تسدل (William St.Clair Tisdall) أن هذه العبارة زرادتشية الأصل إذ تبدأ صحيفة كل نبي في كتاب "الدساتير بالجملة التالية: بنام ايزد بخشائش گر مهربان دادگر" ينابيع الإسلام (ترجمة أردية) ص ١٢٧) هو كتاب الديانة الزرادشتية.(المترجم)
الجزء السابع ٤٤٩ سورة النمل والغريب أن ثلاثة من الكتاب المسيحيين يذكرون للبسملة ثلاثة مصادر مختلفة في محاولتهم إثبات كونها مسروقة، فأحدهم يذكر مصدرًا يهوديًا، والآخر مصدراً صابئيا، والثالث مصدرًا زرادشتيا.والحق أن جهودهم المضنية هذه تشكل بحد ذاتها دليلاً على أن البسملة بحر زاخر من المعارف والحقائق، وإلا فكان يكفيهم أن يقولوا أنها لا تحتوي على معنى خاص.ثم السؤال الذي يفرض نفسه هو : أي من هذه المصادر الثلاثة صحيح؟ إذ من المحال أن تكون كل واحدة من هذه الملل الثلاث قد اخترعت البسملة.لذا فمن واجب هؤلاء المسيحيين أو تلاميذهم أن يفصلوا أوّلاً فيما بينهم ما إذا كان اليهود قد سرقوها من الصابئين أو من الزرادشتيين، أم ماذا؟ ومن الجدير بالذكر أيضًا أن هؤلاء الكتاب المسيحيين لم يذكروا العبارة اليهودية التي قد وردت فيها البسملة بحسب زعمهم بل لم يسموا المصدر اليهودي المزعوم أن مع ديانتهم المسيحية فرع من اليهودية والصحف اليهودية هي صحفهم أيضا، وإنما اكتفوا بنقل بعض العبارات من المصادر الزرادشتية والصابئية، مما يدل على أنهم قد انبهروا من جمال هذه الآية ،وذهلوا، فراحوا يبذلون كل ما في وسعهم لإثبات أن البسملة موجودة في صحفهم.أصلاً وفيما يتعلق بصحف الصابئين والزرادشتيين فهي غير محفوظة.لا شك أن أجزاء من الصحف الزرادشتية توجد حتى اليوم، ولكن الزرادشتيين أنفسهم يعترفون بأنها ليست على أصالتها.فليس من المستبعد أن يكونوا قد قاموا بتأليف بعض هذه الأجزاء من عند أنفسهم بعد ظهور الإسلام.غير أننا لو سلمنا بصحة صحفهم فلا يقدح هذا في القرآن الكريم أيضا، إذ هو لا يدعي أن البسملة نزلت فيه أول مرة، بل إنه يُقر بوجودها قبله حيث أخبر أن سليمان ال قال في رسالته إلى ملكة سبأ: بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ.فلو ثبت وجود البسملة عند اليهود أو الزرادشتيين أو الصابئين أو أية أمة أخرى فلا اعتراض على القرآن الكريم ما دام هو يقر بأن سليمان العلة كان يعرفها ؛ وإذا كان يعرفها هو فلا بد أن يعرفها أتباعه أيضا.وقد
٤٥٠ سورة النمل الجزء السابع يعرفها أنبياء الأمم الأخرى أيضًا، والفرق الوحيد أن مفهوم هذه الآية نزل في القرآن الكريم باللغة العربية، بينما قد وجدت في الأمم الأخرى بلغتهم.بيد أن ورود هذه الآية في مستهل كل سورة من القرآن الكريم على هذا المنوال لا يمكن أن يُعتبر نقلاً، لأنه في الواقع تحقيق لإحدى النبوءات السابقة.وكل كلام يُعاد بهدف جديد ولمصلحة معينة لا نقلاً أو سرقة.يسمى والنبوءة المشار إليها آنفًا قد وردت في العهد القديم، وملخصها أن الله تعالى قال الله أن يأمر بني إسرائيل أن يطهروا أنفسهم وثيابهم، ثم يأتي بهم إلى أسفل جبل سيناء لسماع كلام الرب معه عليهم أن يقفوا قريبا من الجبل أولاً، وعندما يسمعون صوت البوق يقتربون من الجبل أكثر.فلما ذهب موسى إلى الجبل نزل الله تعالى وقد تزامنه برق ورعد ،ودخان فخاف الناس وارتعدوا وابتعدوا.فلما رجع إليهم موسى ال قالوا له: "تكلم أنت معنا فنسمع، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت.فقال موسى للشعب: لا تخافوا لأن الله إنما جاء لكي يمتحنكم ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم حتى لا تخطئوا.فوقف الشعب من بعيد وأما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله." (الخروج: الإصحاح ۱۹ والإصحاح عليه وحي (۲۱-۱۹ :۲۰ فرجع موسى إلى ربه وقال رب إن قومي يخافون الاقتراب منك، فأوحى الله إليه: "يقيم لك الرب إلهك نبيًا من وسطك من إخوتك مثلي.له تسمعون.حَسَبَ كل ما طلبت من الرب إلهك في حوريب يوم الاجتماع قائلاً: لا أعود أسمع صوت الرب إلهي، ولا أرى هذه النار العظيمة أيضًا لئلا أموت قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به ويكون أن الإنسان الذي لا لكلامي الذي يسمع يتكلم به باسمي أنا أطالبه وأما النبي الذي يُطغي فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي." (التثنية ١٨: ١٥-٢٠) لقد أخبر الله تعالى هنا: أولاً: أنه سيبعث نبيا في إخوة بني إسرائيل أي في بني إسماعيل.
سورة النمل الجزء السابع ٤٥١ الله ثانيا: أن النبي الموعود يكون مثيلاً لموسى فيُعطى مثله شريعة.ثالثا : أنه كلما نزل عليه شيء جديد من وحي تعالى قال للناس قبل عرضه عليهم أبدأ هذا الكلام باسم الله.: رابعا : أن كل إنسان يحاول تطبيق هذه النبوءة على نفسه كذبًا سيُهلك.خامسا: أن من يكفر بالنبي الذي يكون مصداقا لهذه النبوءة أيضًا سيُهلك.الله وقد وضع تعالى البسملة في بداية كل سورة من القرآن الكريم وفقا لهذه النبوءة، فقدم الله دليلا على صدق النبي ﷺ في مستهل كل سورة قرآنية أمام اليهود والنصارى كما أقام الحجة عليهم جميعًا بأنهم لم لا يؤمنون بهذا النبي الموعود الذي كلما أراد أن يقرأ على الناس كلام الله تعالى فإنه وفقا لنبوءة موسى يقول أقرأ عليكم هذا الوحي بسم الله.إذا، فقد حذر اليهود والنصارى بهذا الأسلوب بأن محمدًا إذا لم يكن نبيا موعوداً مثيلاً لموسى فسيعاقب لأن المدعى الكذاب لن ينجو من العقاب الإلهي بحسب هذه النبوءة، أما إذا كان محمد الموعود، وإذا كان يقرأ عليهم كلام الله تعالى بالفعل قائلاً الله تحقيقا لتلك النبوءة فلن يفلتوا من عقاب الله تعالى بل سيحاسبهم حتمًا.بسم هو النبي إذا، فبرغم رواج البسملة في أمم الأنبياء السابقين فإن ورودها في القرآن الكريم لا يمكن أن يُعتبر سرقة، وذلك للأسباب التالية: أولاً: قد أقر القرآن الكريم بوجود البسملة في الذين خلوا من قبل.ثانيا: قد وردت البسملة في القرآن تحقيقاً لنبوءة موسى ال؛ إذ لو لم تبدأ كل سورة قرآنية بالبسملة لبطلت نبوءته العليا.فهل يمكن لأحد أن يُثبت أن كتبة "الدساتير" كانوا من بني إسرائيل، أو أنهم أتوا بشريعة كموسى، أو أن كل وحي جديد لهم كان يستهل بالبسملة؟ كلا بل إن الدساتير كتاب تاريخى يذكر أحوال الأنبياء فحسب، بينما تقول نبوءة موسى ال: "ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أن هذه الكلمات تفرض على النبي الموعود أن يقرأ وحي الله تعالى أطالبه." مما يعني على الناس قائلا: بسم الله.أنا
الجزء السابع ٤٥٢ سورة النمل فما دامت البسملة قد وردت في مستهل كل سورة من القرآن الكريم وفقا لهذه النبوءة، فلا يليق بأحد اتهام القرآن الكريم بالسرقة لا سيما الذين هم من موسی العلمية لا.أتباع قَالَتْ يَنأَها الْمَلُوا أَفْتُونِي في أَمرى مَا كُنتُ قَاطِعَةٌ أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (3) قَالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمرُ إِلَيْكِ فَانظُرى مَاذَا تَأْمُرينَ (3) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفَسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلَهَا أَذِلَّةٌ وَكَذَلِكَ يَعَلُونَ ) شرح الكلمات قاطعة قطع فلان في القول: جزم.(الأقرب) التفسير : قالت الملكة أيها الرؤساء، أشيروا عليّ في هذه المعضلة، فإني لا أبتُ في أمر إلا بعد أن تحضروني وتقدموا مشورتكم.وهذا يدل أن الديموقراطية كانت سائدة في ذلك الزمن أيضا، وكانت حقوق الملوك محدودة.فقال الرؤساء للملكة - وقد رأوا أن أحد قادة جيش سليمان هو طير بقدر عصفور! - أيتها الملكة، إنا قوم بواسل خبراء بالحرب، فماذا عسى أن يضرنا جيش من الطيور ؟ سيصيدها أولادنا في دقائق ويأكلونها بيد أن القرار في يدك على أية حال، ونحن تحت أمرك فإن قررت أن يخرج قادة جيشك وراء هذه العصافير والطيور على متون خيولهم فسوف ننفذ أمرك، وإن قررت صيد هذا الجيش من العصافير والطيور لنعمل منها شواء لذيذا فعلى الرأس والعين!
٤٥٣ الجزء السابع سورة النمل فقالت الملكة: إن الملوك إذا دخلوا بجيوشهم قرية عاثوا فيها الفساد وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون دائما.والواقع أنك لو تصفحت تاريخ العالم لوجدت أن كل قوم قاموا بغزو بلد صبّوا على أهله المهزومين أبشع المظالم مغرورين بانتصارهم وخوفًا من تمردهم عليهم ثانية إذا لم يقوموا بقمعهم إذ لا تطمئن قلوبهم من قبلهم.فمثلا عندما احتلت إيطاليا بلاد الحبشة صبّت عليهم أنواع الفظائع التي يتحدث العرب عنها بكثرة، حيث قاموا بإبادة آلاف الأحباش دونما سبب، وأحيانًا أعدموا الناس على أبواب بيوتهم بدون جريمة ليبتوا الرعب بين القوم (الموسوعة البريطانية، تحت كلمة: Abyssinia) إن تاريخ العالم محفوظ منذ آلاف السنين، وستجد في هذا التاريخ كله أن كل شعب منتصر قد ارتكب الفظائع البشعة على الشعب المهزوم إلا محمد ﷺ وأتباعه، وواحد أو اثنان من الملوك الآخرين.متى فمثلاً لو قرأت الكتاب المقدس وجدته يأمر أتباعه تجاه أعدائهم المهزومين أنه دفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم، فإنك تحرمهم.لا تقطع لهم عهدًا، ولا تشفق عليهم.....تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم، وتقطعون سواريهم وتحرقون تماثيلهم بالنار." (التثنية ٧: ٢-٥) وكذلك ورد فيه: "وإذا دفعها الربُّ إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف...وأما مُدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا، فلا تستبق نسمةً ما." (التثنية ٢٠: ١٣-١٦) ولما احتل الإنجليز الهند صبّوا على أهلها الفظائع والويلات، ولم يبرحوا حتى غضبهم.وإن الجرائم التي ارتكبوها في أيام الثورة ترتعد لذكرها الفرائص، وقد سمعت بعضها من شهود عيان.كانت جدتي (والدة (أمي) تحكي لنا أن أباها كان طريح الفراش بمرض شديد في أيام الثورة، فدهم الجنود الإنجليز بيته وقال أحدهم منها هدأ أي ثورة ١٨٥٧م.(المترجم)
الجزء السابع ٤٥٤ سورة النمل مشيرًا إليه: لقد رأيت هذا الرجل أيضًا يُحاربنا.فهَبَّ المسكين من سريره فزعا، فأطلقوا عليه الرصاص فمات في سريره.فثبت أن الفاتح • جميع الغزاة عبر التاريخ إذا دخلوا قرية أفسدوها، وإلى هذه الحقيقة نفسها تشير ملكة سبأ وتقول: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلَهَا أَذلَّةً..أي أن القاعدة المستمرة منذ القدم أنه كلما احتل ملك بلدا آخر جعل علية القوم فيه أذلاء مهانين.هذه هي سنة الملوك المستمرة، إلا إذا لم يكن ملكًا ماديا مثل رسولنا له أو خلفائه، إذ كانوا ملوكًا روحانيين لا ملوكًا ماديين.وهناك ثلاثة أو أربعة آخرون أيضًا من ملوك العالم الذين هم استثناء من هذه القاعدة العامة، إذ لم يكونوا ملوكًا ماديين في الواقع بل كانوا عباد الله الصالحين رغم كونهم ملوكا وهناك في كل التاريخ الغربي مثال واحد فقط حيث عامل القائد المنتصر أعداءه بالعفو، ولكن أعداءه لم يكونوا من شعب آخر بل كانوا قومه هو، وهذا المثال هو إبراهام لنكولن الذي كان أحد الرؤساء الأمريكان.فقد حصلت ثورة في عهده في الولايات الأمريكية حيث تمردت ولايات الجنوب على ولايات الشمال، فكانت الغلبة للشمال.فلما أراد إبراهام لنكولن أن يدخل المدينة التي بها قائد الثوار أعدّ قادة لنكولن عُدّتهم لاحتفال كبير بالنصر، وأرادوا أن يدخلوا المدينة عازفين الموسيقى العسكرية، ولكن لنكولن لما رأى استعدادات الاحتفال زجر قادته وقال: أيليق بنا أن نفرح على قتل الأمريكان للأمريكان؟ لقد خضنا هذه الحرب مضطرين وإلا فإن سفك دماء رجال قومنا ليس بأمر مستحسن.ثم قال لقادته ابقوا بأماكنكم سأدخل المدينة وحدي.ثم دخلها وحده، ولما دخل في مكتب قائد الثوار جلس أمامه مطأطئًا رأسه على طاولته، ثم قام بعد قليل وقد اغرورقت عيناه بالدموع نتيجة اشتغاله بالدعاء.هذا هو المثال الوحيد في كل التاريخ الغربي حيث لم يسع الغالب لإذلال المغلوب.أما نبينا محمد ﷺ فحياته مليئة بمثل هذه الأحداث.فلما فتح مكة قال لأهلها : لا تثريب عليكم اليوم، فاذهبوا، وذلك برغم أن أهلها الكافرين قد آذوه وأصحابه بشتى أنواع التعذيب سنوات طويلة.
الجزء السابع ٤٥٥ سورة النمل و لم يقتصر عفو النبي على هذا فقط، بل لقد أوصى أصحابه مرة قائلاً إن الله تعالى سيعطيكم أرض مصر، فإذا دخلتموها منتصرين فلا تنسوا أن أُمكم هاجر – كانت من مصر (السيرة النبوية لابن هشام سياقة النسب من ولد رضی الله عنها - إسماعيل).هناك فارق زمني كبير بين هاجر والصحابة، ومع ذلك يُذكر النبي ﷺ أصحابه بجدتهم هاجر – رضي الله عنها التي مضت قبل ألفين ومئتي سنة، ويوصيهم بمعاملة أهل مصر برفق وإحسان من أجلها.ولا غرو أن مثل هذا النموذج المثالي لا يأتي به إلا الأنبياء فقط، لأن القاعدة العامة أن الملوك الماديين إذا دخلوا بلدًا منتصرين صبوا على أهله أبشع المظالم وقتلوهم بلا هوادة.إذا، فإن ملكة "سبأ" لما استشارت أكابر قومها بعد استلام رسالة سليمان العلا قالوا إنا مستعدون للتضحية في سبيل بلادنا فَأمرينا بما تريدين.فقالت لهم ما الجدوى من موتنا إذا لم ينفع وطننا؟ ليست القضية ما إذا كنا مستعدين للحرب أم لا، إنما القضية هي: ما إذا كان موتنا ينفع بلادنا أم لا.ينبغي أن نرى ما إذا كانت حياتنا وخضوعنا لملك سليمان أنفعَ لنا أم أن نحاربه ونموت ليخلو الملك له.إذ ليس أمامنا إلا خياران إما أن يبقى الملك بأيدينا وتكون العظمة والمجد لسليمان الذي ندفع له الجزية، أو نهلك في الحرب ليأخذ سليمان ملكنا.وقالت لهم الملكة بعد مداولة الرأي واعلموا أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزَّةَ أهلها أذلة.واعلم أن قولها هذا لا يعني ما يُفهم منه عادة بأنه كلما تأتي في البلاد حكومة جديدة تجعل كبار القوم أصاغرهم وأصاغرهم أكابرهم ، ذلك لأن البلاد لا تتضرر في هذه الحالة وإن صار الصغار كبارًا والكبار صغارًا، إنما يتحدث القرآن هنا عن الضرر الذي يلحق بالبلاد عندما يحتلها ملك أجنبي، حيث يجعل الملك الجديد الغريب كبار أهلها أذلة، ويجعل أذلّتها أكثر ذلاً وهوانًا.بتعبير آخر إن الشعب الأجنبي الغالب يعين على البلاد حكامًا جددا ورؤساء جددًا، فتفرض عليها قوانينها ونظامها ومسؤوليها وحكامها.فمثلاً لما احتل الإنجليز الهند جعلوا الحكام والمسؤولين من قومهم ولما جاء إليها المغول عملوا على النهوض بأفراد قومهم، ولما استولى عليها الأفغان وضعوا على المناصب القيادية أفراد قومهم، ولما حكمها الآرية
الجزء السابع ٤٥٦ سورة النمل رفعوا قومهم وجعلوا الشعوب المعززة الأخرى مثل "غوند" و"بهيل" من الأذلين الأراذل.إذا، فكل قوة أجنبية تُحدث في البلاد تغييرا جذريًا وتقيم نظامًا جديدًا بالقضاء على النظام القديم كي لا يتمكن أهلها من التمرد عليهم ثانية.أتذكر جيدا أنني ذهبت مرة إلى مدينة دلهي، فأشاروا إلى رجل وقالوا لي: إنه أحد أمراء الأسرة المغولية.وكان هذا الأمير يمشي في ميدان "شاندني شوك" وأمام "لال قلعة" حاملاً نرجيلة كان يعرضها على الناس للتدخين، فكان بعض المدمنين يدخنونها ويعطونه قرشًا أو قرشين.لقد ألجأت عزة النفس هذا الأمير إلى هذه الحيلة بدلاً من سؤال الناس.إذا فإن تاريخ العالم أيضًا يشهد على أنه كلما استولت على بلد دولة أجنبية جعلت أعزّةَ أهله أذلّةً، وألقت أفراد الأسرة الحاكمة في الحضيض بعيدا عن السياسة والحكم ووضعت زمام الحكم في أيدي قوم يبغضون الحكومة السابقة، وذلك كي لا تبقى هناك فرصة لصعودهم إلى سدة الحكم ثانية.انظروا إلى الإنجليز كيف جعلوا الراجات والمهراجات أعزةً في الهند وجعلوا أفراد الأسرة الملكية المغولية أذلة بحيث لا نجد لهم اليوم أثراً.وقول الله : وَجَعَلُوا أَعزَّةَ أَهْلِهَا أَذلَّةٌ لا يعني أنهم يهينون أعزة البلاد فحسب، بل له مفهوم آخر :أيضًا وهو أن اللئام إذا استولوا على الحكم وظلموا الفقراء والضعفاء وعديمي الحيلة معتبرين أنفسهم ،أعزّةٌ ثارت الغيرة الإلهية ضدهم نتيجة سوء أعمالهم، فيرحم الله الضعفاء الفقراء، ويسلط على هؤلاء اللئام الظالمين من يقضي على عزتهم الزائفة ويذيقهم أنواع الخزي والهوان، وهكذا يجعل الله الظالمين مغلوبين والمظلومين غالبين.فمثلاً لما توفي سليمان ال وتربع ابنه على العرش لم يعامل الرعية برفق وإحسان، فثارت عليه عشر من قبائل بني إسرائيل، وتقلصت مملكة سليمان العظيمة إلى ولاية صغيرة في عهد ابنه.الحق أن بعضا من هذه القبائل حاولت في زمن سليمان العلة أيضًا إضعاف ملكه بإعلان التمرد عليه، ولكنه قمع ثورتهم بتأييد من الله تعالى ولكن لما خلفه ابنه تشاورت عشر من قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة وقالوا فيما بينهم: تعالوا نذهب إلى الملك ونطالبه بأن لا يُعاملنا بقسوة.لقد ظنوا أن الملك سيُصاب بالرعب بسبـ اتحادهم، فيرضى ببعض
الجزء السابع ٤٥٧ سورة النمل مطالبهم.والواقع أنهم لو ذهبوا إلى سليمان في حياته بشكواهم ومطالبهم فربما لم يرض بها، ولكن لا بد أن يكرمهم ويعزهم على الأقل، ويخبرهم بلطف أن ما يفعله من إنما هو لمصلحتهم.أما ابنه هذا فلم يكن من أهل التقوى والورع ولا مؤيدا الله تعالى، فلما سمع بما دار بين القبائل العشر استشاط غضبًا، واستشار أمراءه ووزراءه وأصحابه الذين كانوا يفكرون بطريقته، فقالوا له: عليك أن تلقي الرعب في قلوبهم من أول يوم.فلما حضره رؤساء القبائل وقالوا له أيها الملك، كنا خادمين مطيعين لآبائك، ولكنا نرى أننا نُعامل بقسوة بصدد بعض القضايا، فنرجو أن ترفق بنا.فقال الملك في كبريائه وغروره إذا كنتم تخدمون آبائي وتنصاعون لهم فلم تمنوا علي بشيء، وإذا كانوا قد قهروكم على طاعتهم، فلا تظنوا أني سأخاف مما تثيرون الآن من ضجة وجلبة، بل سأعاملكم بأشد مما عاملوكم به، فانسوا هذه المطالب، وإلا سوف أقتلع ألسنتكم.فلما سمعوا جوابه القاسي تمردوا أكثر واجتمعوا في ناحية من بلاط الملك للتشاور وقرروا أنه ليس أمامهم الخيار إلا إعلان الثورة.فنصب ممثلو القبائل العشر هؤلاء واحدا منهم ملكا عليهم ورجعوا إلى ابن سليمان وقالوا له: ها نحن نعلن الثورة على حكمك.وهكذا انفصلت القبائل العشر و استمر حكمهم عدة قرون، أما حكم ابن سليمان فأصبح منحصرا في ولاية صغيرة.(أخبار الأيام الثاني :۹ ۳۱ و ۱۰ : ۱-۱۹، و ١١: ٥-١٢) هذا مثال أولئك القوم الظالمين الذين يحكمون الناس بقوة العصا، ويظنون أنهم أعزة القوم.ولكن عندما يبلغ سيل ظلمهم الزبى تثور الغيرة الإلهية، وتقع الثورة في البلاد فيصبح أعزتها أذلة وينالون العقاب على سوء أعمالهم.لا شك أن قول ملكة "سبأ" هذا قد جاء في سياق الحديث عن السياسة، ولكنه يمثل أيضًا الإشارة إلى ذلك القانون الروحاني الذي يعمل عند بعثة نبي في الدنيا؛ فكما أن الملوك الماديين يأتون بانقلاب في البلاد كذلك يحدث عند مجيء الأنبياء الذين هم ملوك المملكة الروحانية، فيتحقق قول الله تعالى (وَجَعَلُوا أَعزَّةَ أَهْلَهَا أذلة حيث يصبح كثير من الأعزة في زمنهم أذلة وكثير من الأذلة أعزة، وتنال الأمم المحتقرة الذليلة العزة ببركة إيمانها بني الله، وتصير كثير من الأمم
٤٥٨ سورة النمل الجزء السابع القوية ذليلة محتقرة جراء إنكار النبي.بل الحق أن التاريخ الطويل للعالم يكشف أن الحقائق السماوية تزدهر عادة في المناطق التي يُعتبر أهلها جاهلين همجيين بقوة أكثر وعلى نطاق أوسع، إذ لم ينتشر تعليم نبي من الأنبياء إلا بين أمة كانت تعتبر أكثر الأمم تخلفا وانحطاطا، ولكنها ببركة تلبيتها لنداء الله تعالى أصبحت فاتحة للعالم وحاكمة على الدنيا.الواقع أن الله تعالى قد جعل فطرة الإنسان - مهما كان جاهلاً – تستنتج بعض النتائج تلقائيًا مما يحدث حوله.والحق أن هذا الأمر لا يتوقف على الإنسان فحسب، بل نرى هذه الظاهرة في الحيوانات والأشجار أيضًا؛ إذ الثابت علميا أن بعض المخلوقات تكتسب ألوان الأشجار التي تعيش فيها.خذوا مثلاً الفراشة التي هي حشرة صغيرة لا عظم فيها ولا لحم، ومع ذلك حين نراها تطير بين الأزهار تصيبنا بألوانها الجميلة بالذهول والدهشة.ومن ذا الذي يمكنه أن ينكر أن ألوانها الجميلة الزاهية إنما هي بسبب الأوراق والأزهار التي تعيش فيها؛ إذ ليس ألوانها إلا انعكاسا لألوان الأوراق والأزهار؛ ومن ذلك تجد أن ألوانها ليست دائمة ثابتة خلافًا لألوان المخلوقات الأخرى.فمثلاً لو حاولت إزالة لون الببغاء الأخضر لم تنجح في ذلك، أو لو حاولت محو لون الحمامة البني لم تستطع أيضًا، ولكنك لو أخذت جناح الفراشة بين أناملك وفركته لتلونت يدك بلونه، مما يدل على أن لون الفراشة ليس إلا انعكاسا للأشعة المنبعثة من الأزهار والأوراق التي تعيش فيها.وعندما تنعكس هذه الأشعة على الفراشة فترة طويلة تكتسب هذا اللون بشكل دائم.وبالمثل فإن الحيوانات التي تعيش في رمال الصحراء تكتسب لون الرمال بحيث إنك لا تنتبه أحيانًا لها مع أنها تكون رابضة أمامك.ففي بعض الأحيان يكون الغزال بل قطيع من الغزلان رابض أمامك في التلال الرملية ومع ذلك لا تنتبه لها، وإنما الصائد الماهر ينتبه لذلك.وليس ذلك إلا لأن الغزلان قد اكتسبت لون الرمال شيئا فشيئا بحكم عيشها فيها فترة طويلة والحال نفسه بالنسبة للأشجار التي تكتسب ألوانها من ألوان بيئتها وكذلك بالنسبة للناس الذين يتأثرون من البيئة التي يعيشون فيها.يمكنك أن تسميهم همجيين جاهلين بعيدين عن التمدن والحضارة
تتأثر ٤٥٩ سورة النمل الجزء السابع ولكن هل تظن أن عقولهم لا تعمل بقدر ما يعمل عقل ببغاء أو فراشة أو غزال؟ كلا، كل ما يمكننا قوله هو أن الببغاء والفراشة والغزال كما لا تقدر أن تعبر عن تأثير البيئة فيها كذلك لا يعبّر هؤلاء الجاهلون الهمجيون عن تأثير بيئتهم فيهم، ولكن لا يسعنا الإنكار أنهم يتأثرون من بيئتهم حتما ويتأقلمون بحسبها.فمثلاً لو سألت أحدهم ما إذا كان قد تأثر من البيئة التي يعيش فيها لقال لك: لا، بينما الحقيقة أنه قد تأثر منها حتمًا، ولكنه لا يدري ذلك كما لا تدري الفراشة أنها ألوان الأزهار ، ولا يدري الغزال أنه يتلون بلون الرمال، ولا تدري النحلة من ما العسل وما هي فوائده، ومع ذلك فهي تمتص رحيق الأزهار وتحولها في بطنها عسلاً، ثم تخرج قطراته من فمها شاءت أم أبت.وكذلك فإن الشعوب التي أهملتها الدنيا هي تتأثر من أوضاعها وبيئتها وبرغم أنها لا تدري في الظاهر أن ظروفها تصوغها في قالب معين إلا أنه لا يزال في قلوب أفرادها إحساس ضئيل بأن الله تعالى كان قد خلقها للانتفاع من نعم الدنيا، وقد أخذت الشعوب الأخرى نصيبها منها، ولكنهم لم يشتركوا بعد في هذا السباق بل قد أهملتهم شعوب الدنيا و طردتهم بعيدا وحرمتهم من الانتفاع منها إن هؤلاء لا يزالون يتمتعون بخيرات الدنيا منذ أجيال وأجيال، ولكنهم لم يعطونا الفرصة للتمتع بها.إن هذا الإحساس يظل موجودًا في قلوب الشعوب المقهورة المحرومة ولكن بشكل غير ملموس.وعندما يرفع نبي من عند الله تعالى نداءه أنه قد جاء ليأخذ بالشعوب المهملة المقهورة إلى قمة الرقي والازدهار تلتهب الحسرة في قلوب تلك الشعوب وتنم تصرفاتهم عن كربهم فيقولون ها قد جاء يوم تحقق آمالنا وزوال نحوستنا، تعالوا نؤمن بهذا النبي فنحكم العالم ونبذل كل ما في وسعنا لاسترداد حقوقنا.مما لا شك فيه أن الأرض المزروعة منذ زمن طويل تُخرج صنوف الخضار والثمار والأزهار ، وتسرّ خضرتها العين وتغذّي ثمارها الناس وتسد أوراقها جوع الحيوانات، ولكن لا غرو أيضًا أن تلك الأرض تفقد طاقتها وقدرتها نتيجة طول الاستعمال.أما الأرض المجاورة لها التي لم تُزرع بعد فتكون أقدر على الإنتاج إذا ما تم حرثها وزراعتها.والفلاح الذكي يرغب دائما في الأرض المهملة المتروكة بدون
الجزء السابع ٤٦٠ - سورة النمل أنها حراثة منذ قرون ولا يرغب في الأرض التي تُحرث من آلاف السنين، إذ يعلم لن تدرّ عليه بنفع كبير، بل إن الأرض التي تبدو جرداء خربة غير معمورة ستكون أكثر ريعًا وإن تطلبت منه جهودًا أكثر.إن الجهال من الناس يشترون الأراضي الغالية الثمن التي تكون قريبة من القرى، ولكن المزارعين الأذكياء يشترون الأراضي الخالية غير المحروثة، والنتيجة أن الناس الذين يشترون الأراضي المجاورة للقرى يملك بعضهم أحيانًا مئة أو مئتي ،فدان، ولكنه يعيش في فقر حيث تجد إزاره رنا باليًا ولا يغطي جسمه تمامًا، بينما تجد الشخص الذي يملك – مثلاً خمسة وعشرين فدانًا من الأرض غير المحروثة من قبل، فيعيش في رخاء ويلبس أفضل ثياب ويأكل أطيب طعام، ويُعد من كبار المزارعين، مع أنه لا يملك إلا ثمن ما يملكه المزارع الآخر من الأرض.لماذا يعيش من يملك أرضًا أكثر في فقر، ويعيش من يملك أقل في رخاء، يا ترى؟ إنما سببه أن الأخير اشترى بذكائه أرضا لم تستهلك طاقتها، وأما الأول ففضل شراء أرض فقدت كل طاقتها، فخسر رغم أنه أنفق أكثر، وربح الآخر رغم أنه أنفق أقل.لا شك أن الأرض القريبة من القرى والمدن أيضا مفيدة من الناحية العمرانية إذ يمكن أن تُباع بأسعار غالية من أجل البناء والعمارة، ولكن فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي فإن الأرض الخالية هي الأكثر ريعًا، إذ من القواعد الزراعية أيضًا ألا تُزرع الأرض فترة من الزمن إذا أرادوا إنتاجًا أكثر.مما لا شك فيه أن بعثة النبي بين العرب لم تكن إلا فضلاً وتحقيقا للأنباء الإلهية السابقة، ولا شك أيضًا أن أفعال الله الا الله لا تخلو ولذلك يسمى حكيما، وما دام الله تعالى لا يفعل شيئا إلا لحكمة ما فلا بد لنا من الاعتراف بأن بعثة النبي ﷺ بين العرب أيضا كانت تنطوي على حكمة عظيمة، أن بلاد العرب ظلت محرومة من العز والمجد منذ آلاف السنين.لا شك أن العرب قاموا بمعارضة النبي الله في أول الأمر حيث كفروه وكذبوه وشتموه، ولم يألوا جهدًا في محاولة القضاء عليه، ومع ذلك فإنهم لما سمعوا قول النبي : أيها العرب، لقد جئت لأجعلكم ملوك العالم، أخذت قلوبهم تخفق بسرعة وقالوا: ما هذا الصوت الذي تسمعه آذاننا؟ ثم فكروا أكثر وقالوا في أنفسهم: إنه نفس وهي من الله تعالى من حكمة
٤٦١ الجزء السابع سورة النمل الصوت الذي كان آباؤنا ينتظرون سماعه منذ مئات السنين.فلما نسوا المعارضة فيما بعد وزالت العداوة من قلوبهم أحدث هذا الصوت ثورة في نفوسهم وبدأوا يندفعون إلى النبي الله كالمجانين قائلين: لبيك يا رسول الله، لبيك يا رسول الله، إذ أدركوا أن زمن غلبتهم قد جاء.فثارت عواطفهم الدفينة وهاجت أمانيهم القديمة، فكسروا كل حاجز واجتمعوا حول هذا المنادي.يقول المؤرخون إن النبي ﷺ لما رفع هذا الصوت بدا وكأن الصحراء العربية الخالية من الماء قد تحولت إلى بحر زاخر وأخذت أمواجه ترتفع وتصطدم بالبلاد المجاورة، ثم إلى البلاد التي بعدها، حتى اكتسحت كل تلك البلاد والأقطار الحق أن ذلك الإحساس الدفين في قلوب العرب بأنهم ظلوا محرومين من فرصة للرقي والتقدم هو الذي جعلهم كالمجانين، إذ قالوا في أنفسهم كيف يمكن أن يأخذ العالم كله نصيبه من الرقي والتقدم ونظل محرومين منه؟ فخرجوا على إبلهم مندفعين كالمجانين حتى أطاحوا بعرش كسرى وقيصر، وبسطوا حكمهم إلى أطراف الأرض.هذا هو التدبير الذي اتخذه الله تعالى لرقي النبي وعظمته، إذ بعثه في بلد كان في قلوب أهله مشاعر مكبوتة منذ قرون، إذ قالوا في أنفسهم لقد أخذ سائر العالم نصيبه من الدنيا ولكننا لا نزال محرومين منه.فتشابه حالهم مع حال الأعمى الذي أراد الأكل مع رجل بصير؛ فيحكى أن أعمى وبصيرًا جلسا للأكل معا في طبق واحد، ففكر الأعمى أن صاحبه يأكل أكثر منه لأنه يبصر، فأخذ يسرع في الأكل.ثم فكر أن صاحبه قد تنبه إلى ما فعل، ولا بد أنه أيضًا بدأ يأكل بسرعة، فأخذ الأعمى يأكل بكلتي يديه.ثم فكر أن صاحبه أيضًا يفعل مثله، فأخذ الطبق في يده وقال لصاحبه: لقد أكلت أنا.نصيبك وما بقي هو نصيبي مع أن الواقع أن صاحبه البصير لم يكن قد أكل حتى لقمة واحدة، وإنما ظل يضحك على ما فعله الأعمى.وهذا ما فعل العرب أيضا، حيث حملوا من أمام باقي العالم طبق الملك والحكم قائلين: لقد أخذتم نصيبكم وما بقى هو نصيبنا نحن..باختصار هذا هو التدبير الذي اتخذه الله تعالى من أجل غلبة النبي ، إذ بعثه في أمة كانت محرومة من الرقي والغلبة منذ مدة طويلة وكانت في قلوبهم مشاعر
الجزء السابع أما ٤٦٢ سورة النمل مكبوتة وأمان دفينة عبر القرون، وكانوا ينتظرون فقط نداء مناد ليهيج مشاعرهم ويجعلهم ملوك العالم.كانت قلوبهم مليئة بالغضب والثورة بأن الشعوب الأخرى لا تزال تتمتع بنعم الدنيا ولا تعطيهم منها شيئا.ومن المعلوم أن المرء إذا كظم غيظه على أحد سنة أو سنتين ثم وجد فرصة لصب جام غضبه عليه حطمه وكسره، فما بالك بقوم كان غيظهم مكبوتًا منذ قرون طويلة؟ كان سيدنا المسيح الموعود اللي يحكي لنا قصة للمهراجا "رنجيت سنغ" بأن أحد الطباخين وضع مرةً في طعامه ملحًا أكثر من اللازم خطأ، فعاقبه المهراجا على ذلك بمئة جلدة.وكان للمهراجا وزير مسلم طيب القلب اسمه عزيز الدين، فقال له: لا يليق بجلالة الملك أن يضرب الطباخ مئة جلدة على جريمة زيادة الملح في الطعام فقال المهراجا أيها الوزير لا تظن أنني عاقبته بسبب الملح الزائد، بل الحق أنه قد أكل مئة خروف لي أثناء فترة خدمته، وقد ضربته سوطا على كل خروف؛ الملح الزائد فهو مجرد عذر لعقابه على جرائمه السابقة.إذا، لو كبت المرء مشاعره لسنة أو سنتين أصبح كالمجنون من فورة غضبه، فما بالك بالقوم الذين ظلوا يكبتون مشاعرهم قرونًا طويلة، إذ كانوا يرون أن العالم قد أخذ نصيبه من الدنيا ولم يعطهم نصيبهم منها؟ والحق أن مثل هذه المشاعر الدفينة تلعب دورًا كبيرًا في رقي الشعوب.لا شك أنها تتأثر من أوضاعها، ولكن مشاعرها لا تكون واضحة المعالم لها أيضًا شأن الفراشة التي لا تدري أنها تكتسب ألوان الأزهار، ومثل الحمامة التي لا تعلم أنها تكتسب لونًا رماديًا، ومثل الببغاء التي لا تعلم أنها تكتسب لونا ، أخضر ، ومثل الغزال الذي لا يعلم أنه يكتسب لونا رمليا.ولو كان للغزال لسان وسألته هل تكتسب لون الرمال، لم يستطع أن يقول: نعم، إلا أن رغبته في الاختفاء في رمال الصحراء تكسبه ذلك اللون تلقائيا من حيث لا يدري.ولو كان للفراشة التي تعيش بين الأزهار الحمراء لسان تنطق به لم تستطع أيضًا أن تقول إنها تكتسب لونا أحمر، إلا أن رغبتها في الاختفاء بين الأزهار الحمراء مثلاً تكسب أجنحتها لونًا أحمر من حيث لا تدري.ولو كان للببغاء الخضراء لسان تنطق به لما استطاعت أن تقول إنها تكتسب لونا أخضر من
ثلاثة قرون.أما موسى ٤٦٣ الجزء السابع سورة النمل الأشجار، ولكن رغبتها في الاختفاء بين الأوراق الخضراء تكسبها لونا أخضر من حيث لا تدري.كذلك حال الشعوب المتخلفة الهمجية المنعزلة عن باقي العالم المتحضر والمحرومة من الحكم ومن الانتفاع من متع الدنيا، فإن أمانيها المكبوتة تؤثر على نفسها تأثيراً معينًا، وإن لم تستطع هذه الشعوب أن تقول بلسانها إنها تتأثر من ظروفها وبيئتها.إنها تفكر أنها تعيش منذ قرون وأجيال ولكن الدنيا لم تمنحها أي حق، بل سلبت حقوقها وثرواتها وخيراتها، وحرمتها من التعلم والثقافة، فحان الأوان لتثور على العالم وتستولي عليه وتسترد منه كل حق.هذه كل حق.هذه هي المشاعر التي تتولد في الأمم المحرومة بحكم الأوضاع التي تعيش فيها، وهذه هي المشاعر التي تجعلها غالبة على الآخرين.لقد بعث عيسى اللي في أمة متحضرة مثقفة قد أخذت نصيبها من الرقي المادي، ولذلك استغرق كفاحه هو وحوارييه من أجل الرقي العليا فقد بعث في أمة مقهورة محرومة من الرقي وكانت ترى أن الأمم الأخرى قد سبقتها في سباق التقدم والرقي وأنها لا تزال في الخلف، فاجتمعت حول موسى ال فورًا عندما رفع نداءه، إذ كانت فطرة هؤلاء القوم تصرخ من داخلها أنه قد حان الآن وقت رقيهم، ولما اجتمع صوت فطرتهم مع النداء الإلهي أصبحوا غالبين على الناس واستردّوا منهم حقوقهم بالقوة.هذه السنة الأزلية التي قد أشار الله تعالى إليها في هذه الآية مبينا أنه تعالى عندما يحدث الثورة الروحانية على يد الأنبياء يشاهد العالم عندها أيضًا صدق قوله تعالى: وَجَعَلُوا أَعزَّةَ أَهْلِهَا أَذلَّةٌ..حيث يصبح كثير من الكبراء وأهل الدهاء أذلّةً صاغرين، وينال الكثير من الأمم والأفراد العزَّ والإكرام بعد أن كانوا يُعدون مهانين أذلّين.كان أبو جهل يحظى باحترام كبير حتى اعتبره قومه داهية وستموه أبا الحكم، ولكنه لما عادى النبي أصبح من الأذلين حتى سُمّي أبا جهل.وعلى النقيض كان علي لا يزال طفلا في الحادية عشرة من عمره فقط حين قام لنصرة الدين، فأعزه الله وأكرمه حتى جعله خليفة لنبيه ، ثم جعل نسله أيضا من الصلحاء الأتقياء حتى كان في ذريته اثنا عشر إمامًا على التوالي.ولكن الذين كانوا يرون
الجزء السابع ٤٦٤ سورة النمل عندها أنهم رؤساء مكة وأنهم ذوو سؤدد وشرف فلا تجد اليوم أحدا يذكر اسمهم بخير أو ينظر إليهم باحترام.إذًا، فكما أن القانون الإلهي إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلَهَا أَذلَّةً جار في الملك المادي فإنه جار في العالم الروحاني أيضًا، حيث يجعل الله تعالى عند بعثة كل نبي كثيرًا من الكبار صغارًا وكثيرًا من الصغار كبارا ويكتب لهم العزة والشرف.٣٦ وَإِنِّي مُرْسِلَهُ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةِ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا وَاتَني اللهُ خَيْرٌ ۳۷ مِمَّا ءَاتَنكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَرَحُونَ (3) أَرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَتَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَغِرُونَ ۳۸ شرح الكلمات : قبل: القبلُ: الطاقة، يقال: ما لي به قبل.(الأقرب) صاغرون الصاغر المهان والراضي بالذل والضيم.(الأقرب) التفسير: لما فرغ حاشية ملكة "سبأ" من تقديم مشورتهم لها قالت: لقد ارتأيتُ بعد دراسة الأمور كلها أن أُرسل إلى سليمان هدية وأنتظر الجواب الذي يردّ به على رجالي.فسلّمت الهدية إلى الهدهد.فلما رأى سليمان ال هديتها قال إن هؤلاء القوم يريدون أن يمدوني بمال.ويمكن للقراء الأفاضل تصور الهدية الكريمة التي حملها طير الهدهد في منقاره.فإن الهدهد ربما لم يستطع أن يأخذ في منقاره عُشر الجنيه الواحد، فكيف، يا تُرى، أيقن برؤية هذه الهدية الحقيرة أن الملكة قد أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ؟
٤٦٥ سورة النمل الجزء السابع على أية حال، فلما وضعها أمام سليمان قال ما هذا الشيء الحقير الذي جئت به؟ فإن ما آتاني الله خير مما عندهم.ولا يمكن أن يفرح بهذه الهدية إلا أُناس أذلاء مثلهم! ثم قال للهدهد ارجع إليهم، فالآن سنأتيهم بجنود لا طاقة لهم بمواجهتها – ولا تنس أن هذا الجيش قوامه الهداهد والعصافير الصغيرة منها - والكبيرة - وسأطرد أهل سبأ من بلدهم مهانين صاغرين وسيعيشون تحت سيطرة التاريخ أن هذا الجيش في خزي طويل.علما أن صاغرون) اسم فاعل وفيه معنى الدوام.لقد غضب سليمان العلة لأن الملوك كانوا يسترضون الملوك الأقوياء بتقديم الهدايا والأموال لهم كرشوة.فلما وصلت هدايا الملكة "بلقيس" إلى سليمان ظن أنها تعتبره من الملوك الفاسدين المرتشين، فاستنكر فعلتها.والحق أن ما فعلته ملكة سبأ يُماثل ما فعل كسرى مع المسلمين، إذ ورد في أن المسلمين لما هاجموا بلاده قال كسرى لحاشيته: لا أُصدق أن العرب يمكن أن يشنوا الغارة على مُلكي، فإنهم أحقر شأنا من ذلك؟ ابعثوا إلى قائدهم يأتي لزيارتي.فذهب رسوله برسالته إلى قائد المسلمين، فبعث إليه القائد المسلم أحد الصحابة مع كتيبة صغيرة.ودخل هؤلاء الصحابة في بلاطه متكئين على الرماح فوق السجادات الغالية المفروشة، فازداد الملك غضباً وقال للصحابي: كيف تجاسرتم على الهجوم على بلدي، وأنتم أمة ذليلة حقيرة تأكلون الضب وتنكحون الأمهات؟ وها إني أعطي كل ضابط منكم دينارين وكل جندي دينارا، فخذوها وارجعوا أدراجكم، ولا تفكروا في الهجوم على مملكتي ثانية.فأجابه الصحابي: أيها الملك، قد صدقت فيما قلت، كنا قومًا يأكلون الضب وينكحون الأمهات، أما الآن فقد تغير الوضع، فإن الله تعالى قد بعث فينا رسوله الذي غيّرنا رأسًا على عقب، وبيّن لنا الحلال والحرام واعلم أيها الملك، أنه قد ولى الزمان الذي كان الناس يعطوننا بعض الأموال رشوة ليملوا علينا أوامرهم، فإننا لن نبرح حتى نفتح بلادك.فقال الملك: سأعاقبك على جرأتك هذه.ثم أمر بعض ده بإحضار عدل مليء بالتراب، فلما أتى به قال الملك للقائد المسلم: تعال واخفض رأسك.ففعل، فوضع الملك العدل على ظهره وقال: اخرج الآن من جنوده
الجزء السابع ٤٦٦ سورة النمل بسر عة من عندي فلن أعطيك أكثر من ذلك.فحمل الصحابي التراب وخرج بلاطه وركب حصانه قائلاً لأصحابه : تعالوا نرجع الآن، فإن ملك الفرس قد سلّم إلينا بيده أرض بلده ثم ركبوا جيادهم وطاروا عليها إلى الجيش المسلم.وبما أن المشرك يتوهم كثيرًا، فإن الملك لما بلغه قول القائد المسلم أمر رجاله بالخروج وراءهم بسرعة واسترداد عدل التراب منه إذ من الشؤم الكبير أن منه إذ من الشؤم الكبير أن يضع الملك بيده تراب أرضه بيد العدو فخرجوا وراء الوفد المسلم، ولكنهم كانوا قد ذهبوا بعيدا.(البداية والنهاية: المجلد السابع غزوة القادسية) كذلك حاولت ملكة سبأ استرضاء سليمان العلة بالهدايا لتثنيه عن الهجوم، ولكنه رفض هداياها إذ لم تكن إلا نوعًا من الرشوة.قَالَ يَتَأَيُّهَا الْمَلُوا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (3) قَالَ ءِ رِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا وَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ صلى أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ : قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَبِ أَنَا وَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ で طَرْفُكَ فَلَمَّا رَوَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي وَأَشْكُرُ أَمْ أَكْرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِئَ سِهِ وَمَن كَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (1) قَالَ نَكَّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ ٤١ أَتَهْتَدِى أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (3) شرح الكلمات: ٤٢ عفريت: العفريت: النافذ في الأمر المبالغ فيه مع دهاء؛ الخبيث المنكر.(الأقرب)
٤٦٧ الجزء السابع سورة النمل التفسير : ثم قال سليمان ال الرجاله يا أيها الملأ من منكم يأتيني بعرش الملكة أن قبل أن يأتوني مطيعين؟ فقال رئيس من فرقة الحرس الخاص: سآتيك بعرشها قبل تخرج للهجوم عليهم.لقد كان أحد قادة الجيش فكان يعلم المدة التي سيقيم فيها الجيش في ذلك المكان، ففكر في نفسه أنه سيرعب الملكة ويأتي بعرشها في تلك المدة، وأضاف أنه ذو قوة ولا يقدر جيش الملكة الصغير على مقاومته.ثم إنه مطيع له فلن يخون عند نقل هذه الثروة إليه.فنهض شخص آخر عنده علم الدين وقال لسليمان سآتيك بعرشها قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.وكان الخليفة الأول الا الله يقول إن من معاني الطرف الخراج، أما أنا فلم أعثر على هذا المعنى حتى الآن؛ فلذا ما لم أجده سأفسر هذه الجملة بمعناها المعروف وهو: السرعة، حيث يقول الرجل إذا أراد التعبير عن فعل شيء بسرعة: سأقوم به بلمح البصر.وعليه فالمراد أن ذلك العالم اليهودي وعد سليمان العلم بإحضار عرش الملكة قبل أن يُحضره الشخص الآخر الذي كان رئيسا يهوديًا أو أدوميًا أو عربيًا..وكان يعني أنه سيصنع عرشًا جديدا فخما مثل عرش الملكة ويُحضره إلى سليمان اللي بسرعة.ذلك لأن البلد بلد اليهود، فكان هذا العالم اليهودي موقنا أنه سيصنع العرش بسرعة بمساعدة الحرفيين اليهود، فوعد بإحضاره قبل أن يُحضره هذا العفريت.فلما جيء سليمان ال بالعرش ورآه قال: إن هذا من فضل ربي..أي أنه تعالى أعطاني مسؤولين نشيطين أذكياء وحقق لي كل ما أتمناه، لينظر أأكون عبدًا شاكرًا له أم ناكرا لنعمه؟ وحيث أعلن القرآن الكريم في سورة البقرة: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾ (الآية ١٠٣) ، موضحا أن سليمان الله أصبح بهذه النعم عبدا شاكرًا لله تعالى لا كافرًا به.ثم قال: (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ..أَي أن الشكر ينفع الإنسان نفسه وأن الكفر لا يضر الله شيئا لأنه تعالى كامل في ذاته ولا يحتاج إلى أحد.
٤٦٨ الجزء السابع سورة النمل وبعد أن أعرب سليمان ال عن مشاعر شكره الله تعالى عاد إلى الموضوع الأساس وقال: نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ..أي لا بأس بهذا العرش، ولكني أريد أن يكون أروع من هذا أيضًا حتى يبدو عرش الملكة أمامه نكرةً أي حقيراً، لأني أريد أن أرى ما إذا كانت تعترف بأن الله تعالى أكثر نعمةً عليّ أم أنها تظل مغرورة بما عندها.فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَعْبُدُ مِن صلے دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَدِرِينَ ) : ٤٤ التفسير لما جاءت الملكة قيل لها أعرشك كمثل عرش ملكنا؟ فأخذتها العزة فلم تعترف بفضله بل قالت كأنه مثل عرشي ثم قالت ولا داعي لمثل هذه الأمور فإننا قد سمعنا عن دين سليمان وعلمنا أنه على الحق وقد دخلنا في طاعته.وعندها أراد سليمان أن يمنعها من عبادة ما سوى الله تعالى، فقام بوعظها إذ كانت من قوم كافرين.قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَتْ ج وو عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَنَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ (3) شرح الكلمات: سی الصرح: القصر؛ كل بناء عال.(الأقرب)
الجزء السابع ٤٦٩ سورة النمل لجة: اللجة: معظم الماء؛ المرآة؛ الفضة.(الأقرب) مُمرَّد : مرَّد البناء: ملَّسَه وسواه.(الأقرب) قوارير: جمع قارورة: الزجاج.(الأقرب) فالمراد من قوله تعالى: (مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ مصنوع من الزجاج.التفسير: يقول المفسرون أن سليمان الله كان يريد الزواج من الملكة بلقيس، ولكن الجن أخبروه أن ساقها مغطاة بالشعر كالماعز ، فأراد تحري الأمر، فبنى قصراً في فنائه حوض كبير مفروش سطحه بالزجاج يجري فيه الماء فينخدع الرائي ويظن أن الماء يجري في أرضية الفناء.فدعا الملكة للإقامة في القصر، فلما مرّت في الفناء ظنت أن فيه ماء يجري، فرفعت ثيابها فزعًا، فانكشفت ساقها، فعلم سليمان العلي أنها مغطاة بالشعر فعلاً، فأمر بإعداد النورة لإزالة شعرها.(ابن كثير) ويقول البعض أن سليمان ل لم يين القصر الممرد بالقوارير ليرى شعر ساقها، وإنما الواقع أنه وجد في إحضار عرشها إساءة له، فأمر ببناء القصر إظهارا لعظمته.ولكن هل من عاقل في الدنيا يقول أن هذه الأمور تبلغ من الأهمية بحيث يذكرها الله تعالى في وحيه الذي هو آخر شريعة للإنسانية.الحق أن هذه الأفعال التافهة لا تمت إلى الدين ولا إلى المعرفة بصلة، كما أن أنبياء الله تعالى لا يأتونها.كل ما في الأمر أن ملكة سبأ كانت مشركة تعبد الشمس، وأراد سليمان العلة منعها من الشرك، فقام بنصحها بالكلام أولاً ، ثم أراد كشف خطأ عقيدتها عليها بشكل عملي، فأمر بإقامتها في قصر أرضيته زجاجية يجري تحتها الماء، فلما همت بالمرور عليها ظنتها ماء فرفعت ثيابها عن ساقيها بسرعة، أو المعنى أنها خافت خوفا شديدًا - لأن الكشف عن الساق يعطى كلا المفهومين - فهدا سليمان العلة من روعها وقال لا تنخدعي فإن ما تظنينه ماء إنما هو أرضية زجاجية يجري من تحتها الماء.لقد كشف عليها سليمان بطلان الشرك بالأدلة من قبل، فأوضح لها الآن حقيقته بمثال عملي وبيّن أنها كما رأت الماء من خلال الزجاج وظنته ماء كذلك هو الذي يتجلى في الأجرام السماوية.فاقتنعت بهذا الدليل وقالت من فإن نور الله
الجزء السابع ٤٧٠ سورة النمل فورها: «رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ..أي يا رب لقد ظلمت نفسي بالشرك، وها إني أؤمن مع سليمان، أي بحسب دينه، بالله الذي هو رب العالمين والذي تستفيض الشمس والقمر من فيوضه.وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَلِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ تَخْتَصِمُونَ (3) قَالَ يَنقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ صلے بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ で تُرْحَمُونَ قَالُوا اطَّيِّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَيرُكُمْ صلے εν عِندَ اللهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْم تُ تَنُونَ ) شرح الكلمات : اطَّيَّرنا : تطير بالشيء ومنه : تَشاءَمَ، ويقال: اطَّيَّرَ أيضًا بالقلب والإدغام (الأقرب) طائر كم كل ذي جناح من الحيوان وبما أن العرب كانوا يتشاءمون فأطلقوا الطير على ما تيمنوا به فيقولون: "سر" على الطائر الميمون" دعاء للمسافر.ويقولون أيضًا هو ميمون الطائر" أي مبارك الطلعة.والطائر أيضًا: عمل الإنسان الذي قلدَه وطار عنه من خير أو شر الطائر :أيضًا كوكب إذ كانوا يتشاءمون أو • يتيامنون به.(الأقرب) تفْتَنون: فتن الرجل في دينه مال عنه، وفتن فلان: أصابته فتنة فذهب ماله أو عقله.(الأقرب) التفسير : بعد ذكر واقعة سليمان العلة تحدث الله هنا عن ثمود.كان هؤلاء القوم قد خلوا قبل موسى ال بزمن قريب ولكن الله تعالى قد ذكرهم بعد ذكر سليمان مباشرة لأن الكثير من بلادهم خضعت لحكمه الله.علما أن القرآن
٤٧١ الجزء السابع سورة النمل الكريم ليس مصدرًا تاريخيًا حتى يذكر الأحداث بحسب التاريخ، إنما هو كتاب الدين والحضارة فيذكر أحداث الأمم من هذا المنظور.وقد ذكر ثمود بعد ذكر سليمان ال مع أنهم قد خلوا قبل زمنه لأن الأمة اليهودية قد أثرت فيهم ولأن لا بلادهم خضعت لسليمان ودخل أهلها في طاعته.والحق أن الجن المذكورين في قصة سليمان اللهم من نسل ثمود ، وقد سُمّوا جنًا لكونهم أجانب، وقد ذكرهم الله تعالى هنا بعد اليهود لكونهم ذوي صلة باليهود والخضوعهم لحكمهم.يخبر الله تعالى هنا أن نبيه صالحا العلي دعا قومه ثمود إلى التوحيد، فأخذوا يجادلونه مثيرين الفتنة، بدلاً أن من يلبوا نداءه، إذ صاروا فريقين: فريق آمن وفريق كفر.بصرى - وهي به الواقع أن ثمود خلفوا عادًا (الأعراف: ٧٥).لقد أتى هؤلاء من جنوب الجزيرة العربية وانتشروا في جميع مناطقها الشمالية، فصارت لهم صلات بالأمم المؤمنة بالتوحيد.فقد كتب أبو إسماعيل مؤلف "فتوح الشام" أن ثمود كانوا منتشرين من مدينة سورية - إلى "عدن" التي كانت عاصمتهم.لما اضطروا للهجرة في زمن قوة قوم حمير وقوم "سبأ" خرجوا من جنوب الجزيرة إلى شمالها، فأتوا أولاً إلى الحجاز ثم تهامة ثم الحجر أرض القرآن ص ۱۸۸).فمن كان متأثرا بعقيدة التوحيد آمن بصالح ال، أما الذين كانوا بعيدين عن عقيدة التوحيد فعارضوه معارضة شديدة فلما نصحهم صالح ال لم يتعظوا بل قالوا يا صالح إننا نتشاءم منك، ونرى أن هذه الفرقة الحاصلة بين القوم بسبب تعاليمك ستؤدي بنا إلى الدمار.لم يدرك هؤلاء الجاهلون أن صالحا إنما جاء ليُحييهم وليُخرجهم من الحضيض إلى القمة، بل لما رأى المعارضون أن تعليم صالح قد جعل القوم مختلفين، وأن بعضهم قد بدأ يشعر بالفعل أنهم يسلكون طريقا خاطئا ولا بد لهم من إصلاح أحوالهم والانتهاء عن سوء أعمالهم، فأخذوا يقولون له لم يحدث هذا الخلاف والفرقة بين القوم إلا بسبب نحوستك، فلولاك لم يتشتت شملنا.مع أن الواقع الموتى لا يقدرون على إحداث أي انقلاب في الدنيا وإن كانوا مئات الآلاف، إنما أن تقع الثورة بواسطة الأحياء مهما كان عددهم قليلاً.كان قوم ثمود أموانًا قبل بعثة
٤٧٢ سورة النمل الجزء السابع صالح ال فأراد الله تعالى إصلاحهم على يد نبيه ولكنهم عوضا عن أن يشكروا الله تعالى على ذلك أخذوا يقولون لنبيهم : ويلك قد فرّقت شمل القوم وقضيت على وحدتهم.وذلك كما حصل مع النبي له أيضًا، حيث بعثه الله تعالى لإقامة وحدانيته في العالم ولكن الكافرين الهموه بأنه قد شتت شمل القوم وقضى على وحدتهم.بل إن الكافرين قد جاؤوا أبا طالب مرة وطالبوه بنصح ابن أخيه لكي يمتنع عن نشر عقيدة التوحيد.كذلك فعل المعارضون في زمن صالح، فلما رأوه يدعو القوم إلى التوحيد تميزوا من الغيظ واعتبروه نحسًا وشؤمًا عليهم، ولكن صالحًا العلا لم يمتنع عن تبليغ رسالة الإله الواحد بسبب قولهم، كما أن النبي ﷺ لم ينته عن نشر عقيدة التوحيد؛ فعادت الحياة إلى العرب الذين كانوا أمواتا روحانيا (السيرة النبوية: مباداة رسول الله ﷺ قومه).ما هو الفرق بين الحي والميت، يا ترى؟ إنما هو أن الميت يفقد الحس والشعور ؛ فلو سب المرء أعزَّ أعزّته أو قتله لم يحرك ساكنا للدفاع عنه، عنه، بل لم يشعر بهذا الظلم مطلقا.ولكن الإنسان الحى يعرف نفعه من ضره، ويسعى للدفاع عن حقوق الآخرين أيضًا.ونفس الحال بالنسبة للذين يموتون روحانيا، فيرتكب الناس أمامهم الفظائع والمنكرات فيكذبون ويخدعون ويغشون ويظلمون، ولكن هؤلاء لا يبالون بهذه المنكرات وعندما يأتي نبي من عند الله الله يقول للناس إذا رأيتم أحدا يكذب فامنعوه من الكذب، وإذا رأيتم أحدا يظلم صاحبه فانهوه عن الظلم بل لقد قال نبينا أن من علامة المؤمن أنه إذا رأى منكرًا غيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، أي يستنكره في قلبه (مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان).ولكن الموتى الروحانيين لا يتصفون بأي من هذه الخصال، إذ يرون الناس يقعون في الظلم والكذب أمام أعينهم ولكنهم لا يزيلونه بيدهم ولا بلسانهم ولا بقلوبهم.لا شك أنهم يستنكرون هذه المنكرات بلسانهم أحيانًا ولكنهم يفعلون ذلك رياء بدون أن تظهر على وجوههم أية آثار للغيرة الإيمانية.أما علامة الإنسان الحي فهي يتحلى بإحدى هذه الخصال الثلاث حتمًا، فإما أنه يزيل المنكر بيده أو بلسانه أو يستنكره في قلبه على الأقل.أنه
٤٧٣ الجزء السابع سورة النمل وإن أفضل مثال لذلك هو ما فعل عثمان بن مظعون له الذي كان قد أسلم وهو في مقتبل شبابه.ولما أذن النبي لأصحابه بالهجرة إلى بلاد الحبشة، أراد عثمان الهجرة، فقال له رئيس من مكة: كان أبوك صديقا لي وكان يعتبرني أخا له، فإذا كنت تهاجر خوفًا من أذى الناس فها إني أعلن بين أهل مكة أني أجير عثمان في جواري من اليوم، فلن يتعرض لك أحد بأذى فرضي عثمان له بعرضه، وأعلن الرئيس بحسب عادة العرب بأن عثمان في ذمته فامتنع الناس عن إيذائه، فأخذ يمشي بين الناس بحرية تامة.ولكنه لما رأى إخوانه المسلمين الآخرين لا يزالون هدفًا للتعذيب بيد أهل مكة ثارت غيرته الإيمانية فقال لنفسه: كيف تمشي بين الناس في حرية وإخوانك في الإسلام عرضة لإيذائهم؟ فذهب له إلى ذلك الرئيس وقال له: خُذْ ذمتك عني فإني لا أرضى بأن أمشي بين الناس بحرية وإخواني لا يزالون هدفًا لتعذيب القوم.فقال له الرئيس لا ترد على جواري، ولكنه لم يرض بذمته، فأعلن الرئيس مضطرًا بأن عثمان لم يعد في ذمته منذ اليوم.وبعد أيام قامت سوق عكاظ، وحضر عثمان مجلسًا كان الشاعر الشهير لبيد يُنشد فيه شعره بين أعيان مكة ورؤسائها الذين كانوا يكيلون له المدح والثناء.وبينما هم في ذلك إذ أنشد لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ الله أي أن كل شيء باطل وفان سوى تعالى.فلما سمعه عثمان بن مظعون الله قال بصوت عال: قد صدقت وأصبت، إذ كل شيء فان إلا الله فعلاً.وكان عثمان أصغر سنًا من لبيد بكثير إذ كان عمر لبيد عندها ثمانين سنة وقد مات بعد أن تجاوز مئة وعشرين سنة، وكان يعتبر نفسه من فحول الشعراء العرب، فتحرج من شاب عمره ثمانية عشر سنة يُثني على شعره، فتوجه إلى رؤساء مكة قائلا: لماذا يثني علي هذا الولد؟ متى حدث فيكم هذا فلا تحترمون شعراء كم؟ فأخذ الناس يلومون مظعون ويقولون: لا تتكلم في حضرة الكبار، اسمع الشعر صامتًا.فاستأنف لبيد إنشاد الشعر وقرأ الشطر الثاني من البيت وقال: وكلُّ نعيم لا محالة زائل
٤٧٤ سورة النمل الجزء السابع فلم يتمالك عثمان نفسه وقال : هذا كلام فاسد و باطل، إذ لا زوال النعيم الجنة.فلم يتحمل لبيد نقده خاصة وأنه كان متضايقا من قبل أيضا، فقال: لن أنشد شعري بعد اليوم في قوم أمثالكم فثار القوم ولَكم أحدهم عثمان بقوة وفقاً عينه.وكان الرئيس الذي منح عثمان الأمان من قبل حاضرًا في المجلس، ولكنه لم يستطع الدفاع عن عثمان علنا خوفًا من رؤساء القوم، فأخذ يلومه كما تلوم الخادمة ولدها إذا ما تشاجر مع ابن سيدها، فقال له غاضبًا: ألم أقل لك أن لا تخرج عن ذمتي هل رأيت نتيجة ذلك؟ فأجابه عثمان بن مظعون: إذا كانت إحدى عيني قد ضاعت فلا ضير فوالله إن عيني الأخرى أيضًا لتتلهف أن تفقاً في سبيل الله تعالى.* ميتًا، هذه هي الحياة التي نفخها الرسول ﷺ في صحابته، فجعلهم من الخالدين.وعلى النقيض كان أبو جهل يرى الناس يرتكبون أمامه أنواع المنكرات ولكنه كان يسكت عليها ويضحك ولم يسكت أبو جهل على المنكرات إلا لأنه كان و لم يستنكر الصحابة تلك المعاصي إلا لأنهم كانوا أحياء.ومن البراهين الدالة على الحياة التي نفخها النبي ﷺ في صحابته أنه برغم أن مكة قد وضع أساسها منذ قديم الزمان على يد إبراهيم العلي، إلا أن أهلها لم يخرجوا عن الجزيرة العربية شأن ثور الرحى الذي لا يبرح يدور حولها فقط.ولكن عندما نفخ النبي في الصحابة - الذين كانوا أولاد ذلك القوم الذين لم يستطيعوا منذ زمن إبراهيم إلى زمن الرسول ، أي ما يقارب خمس مئة وألفي سنة، إحراز أي تقدم ولا رقي، بل ظلوا يطوفون في الجزيرة العربية كثور الرحى – روحًا جديدة، حيث خرجوا من الجزيرة العربية، ووصلوا إلى الصين وإسبانيا وصقلية وإيطاليا وإفريقيا وحتى حدود ،روسيا و لم يمض نصف قرن حتى سيطروا على العالم كله.الحياة التي نالوها ببركة النبي ، وهذه هي الحياة التي أتى الأنبياء كلهم هذه هي * لقد ورد هذا الحادث في السيرة النبوية لابن هشام مع بعض الاختلاف.(المترجم)
٤٧٥ سورة النمل الجزء السابع حاملين كؤوسها ليشربها الموتى الروحانيون منذ عشرات القرون، فيحيوا بها ثانية.ولكن بما أن الأنبياء يأتون بنظام جديد، وكل نظام يكون مصحوبا بانقلاب، فإن أعداء الحياة الروحانية ينبرون لمعارضتهم معتبرين إياهم سبب كل شؤم ونحس.وقد رأينا ذلك في هذا العصر أيضًا، وذلك أنه عندما أخذ الناس يموتون بكثرة نتيجة مرض الطاعون والزلازل بحسب ما أنبأ به مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية العليا، فلا شك أن فريقا منهم اهتدى بسببها، ولكن فريقا منهم أخذوا يقولون إن كل هذه الأوبئة والبلايا والكوارث إنما هي بسبب نحس المرزا وشؤمه! فلو لم يدع النبوة بعد محمد ﷺ لما نزل هذا العذاب على الدنيا.وهذا ما فعل أعداء صالح ال أيضًا إذ قالوا له : إن كل البلايا إنما تنزل بسبب شؤمك ونحسك.فأجابهم صالح ال إنما نحسكم وشؤمكم بيد الله تعالى، وإذا تحديتم عذابه فسيعاقبكم به حتما ، أما إذا سألتم فضله فسينزله عليكم أيضًا.ولكني أخاف عليكم عذابه لأنكم قد تركتم الدين الحق.وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (3) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ، ثُمَّ لَتَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَدِقُونَ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٢) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمرْتَهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ حَاوِيَةٌ بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ
الجزء السابع ٤٧٦ سورة النمل لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (ج) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا ۵۳ يَتَّقُونَ ٥٤ شرح الكلمات: رهط : الرهط: قومُ الرجل وقبيلته؛ وعدد يجمع من الثلاثة إلى العشرة وليس فيهم امرأة.(الأقرب) لنبيّتنَّه : بيت الأمرَ: عمله أو دبّره ليلاً.(الأقرب) دمرنا دمرهم وعليهم: أهلكهم.(الأقرب) خاوية: حَوَتِ الدارُ: سقطتْ وتهدّمت.وحويت الدار: خلت (الأقرب) توحيد من أهلها.التفسير: وكان في المدينة التي بعث الله فيها صالحا الله تسعة من أئمة الكفر، وكانوا يفسدون في الأرض ليلاً ونهارًا جاهدين لكي يُفشلوا صالحا الل في إشاعة الله تعالى.ولو أنهم استغلوا مكانتهم المرموقة في أعمال الخير وهداية الناس لازدادوا عزَّا ،وشرفًا، ولكنهم سلكوا طريق الهلاك والدمار.فتشاوروا فيما بينهم وقالوا تعالوا نحلف بالله أنا ستغير على صالح وأهله بالليل ونقتلهم جميعًا، وإذا جاء ورثته يطالبون بدمه نقول لهم لم نشهد قتلهم وإنا لصادقون.يقول الله تعالى: لقد نسجوا هذا الخطة لقتل صالح ال ولكنهم نسوا أن هناك إلها في السماء يحفظ نبيه.فمكروا مكرهم، ومكر الله مكرًا ضدهم دون أن ينتبهوا لمكرنا، فظنوا مغترين بمكرهم أنهم سينجحون في قتل صالح، ولم يدروا أن ملك السماء غالب على مكرهم.وبالفعل ترون أنا أهلكنا أولئك التسعة وقومهم صغارا وكبارا كلهم، سواء الذين كانوا متورطين في مؤامرة قتله أو الذين كانوا متعاطفين معهم، هدفًا للعذاب ودمرناهم أجمعين فترون ديارهم خربة وبيوتهم متهدمة لا وجعلناهم يسكنها أحد، بل أصبحت عبرة لمن يعتبر، وآية عظيمة لقوم يعقلون.أما الذين
الجزء السابع ٤٧٧ سورة النمل آمنوا بصالح وعاشوا بالصلاح والورع فأنجيناهم من العذاب وأمددناهم بأسباب الرقي والتقدم.سيُخرج ا الله أما قول الله تعالى: (إِنَّ في ذَلكَ لآيَةٌ هنا فهو تحذير بأن التسعة من ثمود كما خططوا لقتل صالح، كذلك سيتآمر تسعة من أئمة الكفر على محمد أيضًا، فيقررون أن يقتله فتيان من جميع القبائل معًا.ولكن الله تعالى كما خيب أعداء صالح في خطتهم كذلك سيُحبط خطة أئمة الكفر ضد محمد.وكما أنه تعالى نجى صالحًا ال والذين آمنوا معه من العذاب، وأخذهم إلى مكان محفوظ، كذلك النبي وأصحابه من بين الأعداء ويذهب بهم إلى المدينة حيث يفتح عليهم أبواب النجاح والانتصار.وكل من هو مُلمّ بالتاريخ يعلم جيدا كيف تحققت هذه النبوءة القرآنية حرفيًا.فكما كان في زمن صالح ال تسعة هم رأس الفساد، كذلك كان في زمن النبي تسعة من أئمة الكفر وهم أبو جهل الذي كان أهل مكة يسمونه أبا الحكم وكان رأس المفسدين المعاندين، وأبو لهب، وأمية بن خلف، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعتبة، وشيبة.فأما أبو جهل وأمية وعقبة بن أبي معيط وعتبة وشيبة فكل هؤلاء الخمسة قتلوا يوم بدر.وأما النضر بن الحارث فأسر يوم بدر ثم قتل على جرائمه.وأما الوليد بن المغيرة فأصابه سهم في قدمه فهلك به بعد الهجرة بثلاثة أشهر.أما العاص بن وائل فمات بعد الهجرة بشهرين بعد أن انتفخت رجله فجأة.وأما أبو لهب فمرض بعد غزوة بدر بقليل ومات.(البخاري: كتاب المغازي، باب دعاء النبي ﷺ على كفار قريش، والسيرة لابن هشام: غزوة بدر الكبرى، وكفاية الله أمر المستهزئين وذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب) لم يدخر هؤلاء الرؤساء التسعة من قريش وسعا في إيذاء النبي ﷺ وإفشاله في مهمته.وليس هذا فحسب بل اجتمعوا في دار الندوة وأشاروا على القوم بوضع خطة للقضاء على الإسلام إلى الأبد.فاقترح أبو جهل أن تختار كل قبيلة فتي منها فيذهب هؤلاء الفتيان بسيوفهم ويقتلوا محمدًا بالليل، إذ لن يتجاسر بنو عبد مناف على حرب كل القبائل التي يشارك فتيانها في قتله، وإذا طالبوا بالدية نعطيهم إياها.
الجزء السابع ΣΥΛ سورة النمل ففرح الجميع بهذا الاقتراح وظنوا أن نجاحهم مضمون، ولكن الله الذي قد حفظ صالحا العليا وأتباعه المخلصين من مكر ،أعدائه قد كاد كيدا لنجاة محمد من مؤامرتهم.فما إن خرجوا من ندوتهم بعد حبك المؤامرة حتى أخبر الله تعالى بها نبيه وأذن له بالهجرة (السيرة لابن هشام : هجرة الرسول.والحق أن الهجرة كانت أساسًا لغلبة الإسلام حيث أدت إلى نزول ذلك العذاب الحاسم على أهل مكة الذي قصم ظهورهم؛ أعني حرب بدر.ثم نزل عليهم العذاب الثاني لدى فتح مكة حين دخلها النبي ﷺ مع عشرة آلاف من الأبرار الحق أن العذاب الذي حل بأهل مكة كان مؤلما جدا، ذلك أن رؤساءها كانوا يحظون بعزة واحترام كبيرين حتى هاب الناس الحديث معهم.كانت لهم أياد ومنن كثيرة على الناس؛ فما كانوا يرفعون بصرهم إليهم، والحادث خير شاهد على ذلك: كما التالي عند صلح الحديبية بعث أهل مكة أحد رؤسائهم للتفاوض مع النبي ، وبينما هو يحاوره لمس لحيته ، فأبعد صحابي بقبضة سيفه يد الرئيس عن لحيته قائلا: لا تلمس بيدك النجسة لحيته المباركة.فرفع بصره ليرى الذي ضرب يده بقبضة سيفه، فلم ير منه إلا عينه إذ كان الصحابة لابسين دروعهم، فبعد أن صوّب بصره في وجه الصحابي قال: أأنت فلان ؟ قال : نعم.قال : أنسيت إذ نجيتك وأهلك من محنة كيت، وأحسنت إليك في مناسبة كيت؟ لا شك أن نكران الجميل ظاهرة شائعة في هذا العصر بحيث لو أحسنت إلى أحد في الصباح نسيه في المساء، ولو أحسنت إليه في المساء نسيه في الصباح، ولقال لك: هل تريد أن أصبح عبدا لك طوال الحياة لأنك قد أحسنت إلي؟ فينسى صنيعك الذي فعلت به البارحة، دعك أن يتذكر أياديك التي أسديتها إليه طول الحياة.ولكن العرب كانوا شديدي الشكر لمن يحسن إليهم، فلما ذكر الرئيس ذلك الصحابي بأياديه عليه خجل وانسحب إلى الوراء رغم خطورة الموقف.فاستأنف الرئيس حديثه مع النبي ثانية وقال: إني أبو العرب وأرجوك أن ترضى بما يقول قومك من قريش أما هؤلاء الذين اجتمعوا حولك فإنما هم أحابيش وسيخذلونك عند المصيبة ولن ينفعك إلا قومك، فلا
الجزء السابع ٤٧٩ سورة النمل تذلّهم.ثم لمس لحية النبي لا الله مرة أخرى متوسلاً إليه.فلم يملك الصحابة أنفسهم إذ رأوا فيه نوعا من الاحتقار، فضرب أحدهم على يد الرئيس وقال: لا تمد يدك النجسة إلى لحيته المباركة.فرفع بصره ليرى الذي يمنعه.فلما عرفه خفض بصره وقال: فأنت أبو بكر ، وليس لي منة في عنقك (البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، والسيرة لابن هشام: أمر الحديبية) إذا فكان لهؤلاء الرؤساء أياد كثيرة عند الناس إذ كان لهذا الرئيس أياد في عنق كل أنصاري ومهاجر إلا أبا بكر، ولذلك لم يجرؤ أحد سواه على إبعاد يده عن النبي.ولكن الوضع قد انقلب بعد ذلك تماما، فإن كل هؤلاء الرؤساء ذوي العزة والهيبة والمنن والأيادي عند الناس عُرضوا أمام النبي يوم الفتح مطأطئي الرؤوس نادمين، فسألهم هل تعرفون ما أنا فاعل بكم؟ فقالوا: نرجو أن تفعل بنا ما فعل يوسف بإخوته.(السيرة) لابن هشام ذكر الأسباب الموجبة للمسير) إذا فكما كانت هجرة صالح ال مباركة له ولأصحابه كذلك كانت الهجرة التي اضطر لها النبي الا الله وأصحابه فاتحة خير عظيم وفتوحات كبيرة، حيث خرج الإسلام من مكة وانتشر بين الجزيرة العربية كلها ثم في العالم كله.بينما انقرض مشركو مكة و لم يبق لهم أثر.وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ で أَيْنَكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ : فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا صلے أَخْرِجُوا قَالَ لُوطٍ مِن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (3)
الجزء السابع ٤٨٠ سورة النمل فَأَنجَيْنَهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَهَا مِنَ الْغَبِرِينَ صلے وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاءَ مَطَرُ المُنذَرينَ ) الكلمات شرح ۵۸ الغابرين الغابر الباقي والغبر: الحقد.(الأقرب) التفسير : بعد الحديث عن هلاك ثمود يذكر الله تعالى قصة قوم لوط.والواقع أن لوطا قد خلا قبل زمن سليمان بمدة طويلة، إذ كان سليمان من نسل موسى الذي كان من نسل إبراهيم الذي كان لوط ابن عمه عليهم السلام.وقد ذكر الله هنا واقعة لوط ال لأنها تشبه واقعة صالح ال، فكما خطط قوم صالح لاغتياله ليلاً، كذلك جاء قوم لوط أيضا ليلاً ليخرجوه من بيته ويهينوه أمام ضيوفه.والحق أن القرآن الكريم لم يذكر هذه الأحداث إلا كنبوءة بأن هذا سيحدث بالنبي.وبالفعل قد تعرض لل الحادث مماثل الحادث لوط ال؛ فكما أن قوم لوط أرادوا طرده من بينهم كذلك قرر قوم النبي الا الله وطرده من بينهم.ثم إن التهمة الموجهة إليهما كانت واحدة وإن كانت الأسباب مختلفة، وهي: إنهم أناس يتطهرون..أي أنهم يظنون أنهم أكثر منا طهارة وعفافا.ثم نجى الله تعالى لوطًا الله وأهله من العذاب إلا امرأته إذ كانت تعارضه وتستنكر تعاليمه كذلك أنقذ الله نبيه الا الله وأبا بكر أيضًا.وعليه فكان أبو بكر من أهل النبي حتما بحسب هذه الآية.بيد أن هناك فرقًا وهو أن زوجة لوط ال أصبحت من الذين تخلّفوا وهلكوا، ولكن حيث إن النبي أعظم من لوط اللي فلم تتخلف عنه أي من نسائه وقت الهجرة بالمعنى الذي أصبحت زوجة لوط من المتخلفين إذ لم تتخلف عنه أي منهن برغبتها أو بشكل دائم أو بهلاكها بالعذاب بل قد هاجرت سودة وعائشة - الله عنهما – إلى المدينة بعد هجرته له بأيام قلائل، إذ أعطى النبي ﷺ زيدا رضي
الجزء السابع ٤٨١ سورة النمل جملين وخمس مئة درهم وبعثه إلى مكة ليأتي ببناته وأزواجه فجاء بفاطمة وسودة؛ أما عائشة فهاجرت إلى المدينة مع أخيها عبد الله (الطبقات الكبرى: باب ذكر خروج رسول الله ﷺ وأبي بكر).وهكذا فكل نساء النبي ﷺ تمتعن معه بما خوّله الله تعالى من النعم.لما بلغ لوط ال قومه رسالة الله ونهاهم عن الظلم والفساد والشذوذ الجنسي، لم يرتدعوا و لم يصلحوا حالهم، بل قالوا عن أتباعه: إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ..أي أنهم ليسوا من أهل الطهارة حقا ولكنهم يتكبرون علينا بالطعن فيما نفعل، أو أنهم يتظاهرون بالصلاح والعفاف رياءً وليسوا من أهل الصلاح والورع حقا.ثم يقول الله تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذِرِينَ..أي أمطرنا عليهم مطرًا مدمرا بسبب جرائمهم ومن صدر قرارنا بهلاكه يكون المطر النازل عليه مخيفا ومدمرًا جدًا.الواقع أنهم أمطروا بالحجارة نتيجة زلزال عنيف، حيث انشقت الأرض وتطايرت ملايين الأطنان من التراب ثم سقطت عليهم.أما النبي ﷺ فقد أنزل الله على أعدائه عذاب المطر الظاهري أيضًا، وذلك يوم بدر.كما نزل عليهم مطر الرمال والحجارة أيضا حين أخذ النبي ﷺ حفنة من الحصباء ورماها تجاههم بعد الدعاء، فأصبحت هذه الرمية بمثابة إشارة إلى قوى السماء، حيث هبت بعد ذلك عاصفة من وراء المسلمين فأثارت عاصفة من الرمال والحجارة وأعمت عيون الكفار، وصدّت سهامهم التي كانوا يطلقونها على المسلمين، فلم تصبهم بأذى بل سقطت في الطريق.وهكذا نزل على الكافرين ذلك العذاب الذي كان لزامًا أن ينزل بهم لتتم المشابهة بين النبي ﷺ ولوط ال وليتحقق به دعاء لأبي جهل قال فيه: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ الْتَنَا بِعَذَابٍ أَلِيم)) (الأنفال:۳۳).ثم أخذهم الله تعالى بعذاب كان أشد إيلاماً إذ أهلك خيرة قادتهم في وقعة بدر نفسها، فقضى بذلك على عزتهم وجاههم، وحلّى صدق نبيه كالشمس في كبد السماء.
الجزء السابع ٤٨٢ سورة النمل قلب قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامُ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى وَاللَّهُ خَيْرُ أَمَّا يُشْرِكُونَ الله التفسير: أي يا محمد، للقوم إن وحده يستحق كل نوع من الحمد إذ بعث أنبياءه لهداية الناس في كل عصر.فبعث موسى لهداية الناس في عصره، وبعث داود وسليمان في زمنهما، وأرسل صالحا في عصره، ولوطًا في عصر آخر.ثم إنه تعالى لم يحرم أحدًا من هؤلاء المصطفين الأخيار من نصرته وتأييده بل شملهم بالسلام دائما وسيشملهم إلى الأبد.فأخبروني الآن أيها الناس، الله الذي حمى عباده وكتب لهم النصر والغلبة وأنزل وحيه لهداية الناس خير أم الآلهة الباطلة التي يهلك عَبَدَتُها دائما والتي لم تبعث قط رسولاً أعلن للناس أني قد أُرسلتُ لهدايتكم من قبل هبل أو اللات أو مناة، وأني سأكون غالبًا على أعدائي.وقوله تعالى: وَسَلَامٌ عَلَى عِبَاده الذينَ اصْطَفَى يبين أن الله تعالى يشمل عباده المصطفين الأخيار بالسلام دائما، ومن أجل ذلك أمرنا أيضا أن نقول "عليه السلام" عند ذكر اسم أحد الأنبياء.ولكن الذين يجهلون الحقائق يعترضون على مثل هذه الأدعية قائلين: لماذا أُمرنا أن ندعو لنزول السلام على الأنبياء مع أنهم يعيشون في ظل رحمة الله تعالى حتما؟ ولا يدري هؤلاء المعترضون أنه مما لا شك فيه أن الأنبياء يعيشون في ظل رحمة الله تعالى بعد وفاتهم، إلا أن ثمة أمرًا هامًا يُحتم علينا الدعاء بنزول السلام عليهم دائمًا بعد وفاتهم أيضًا، وهو أنهم يخلفون وراءهم ثروة روحانية كبيرة جدًا.والثروة المادية التي يتركها المرء وراءه لو وقعت في أيدي أناس غير مؤهلين وضاعت فيكون الضرر محدودًا جدًا، ولكن الثروة الروحانية التي يتركها الأنبياء وراءهم لو وقعت في أيدي أناس غير أكفاء فاتخذوها سببًا للضلال، فلا يزال الناس يضلّون قرونًا وأحقابًا؛ ولذلك كان لزاما أن يتم الدعاء لهم على الدوام.لقد تركوا هذه
الجزء السابع ٤٨٣ سورة النمل الثروة ليستنير بها الناس ويهتدوا، ولكن الذين يخلفونهم لا ينالون من ثروتهم نورا وهدى، بل يضلُّون بها ويُضلّون الآخرين.فمثلاً ترى أن بني إسرائيل يتهمون موسى وداود وسليمان ولوط عليهم السلام - بأنواع الذنوب والمعاصي الملوك الأول ۱۱: ۳، صموئيل ١١: ٢-٢٧، تكوين ۱۲: ۱۹-۱۳، تكوين ١٩: ٣١-٣٥) وقراءة هذه الأمور تؤثر سلبيًا على أصحاب الطبائع الضعيفة، حيث يقولون ما دام الأنبياء قد ارتكبوا الآثام والمعاصي فما الحرج إذا فعلنا مثلهم؟ أما المسيحيون فلا شك أنهم يدّعون بأفواههم عصمة عيسى ال عن الإثم، ولكنهم لا يتورعون عن اتهامه أيضًا بالإثم في الأمور الجزئية؛ فقالوا مثلاً أنه العلي أخذ حمارًا وظل يسير عليه هنا وهناك بدون إذن صاحبه (مرقس ١١ ومتى ٢١)، وأنه كان يسب الناس ويشتمهم ويسميهم كلابا وخنازير (متى ٧: ٦، ومتى ٢٥: ٢٦، ومتى ۱۲: ۳۹، وأنه صار - والعياذ بالله - ملعونًا بموته على الصليب حاملاً ذنوب الناس، وأنه مكث في الجحيم ثلاثة أيام رسالة بطرس الأولى ٣: ١٨-٢٠)، وأنه أهلك قطعان الخنازير بدون أن يدفع ثمنها لأصحابها (متى ٨: ٢٨-٣٢، ومرقس ٥).أما الهندوس فبرغم أنهم يعتبرون كرشنا و رام" "شندر" من أنبيائهم، لكنهم ينسبون بدون خجل إلى "رام شندر" معاملة غير إنسانية مع زوجته "سيتا" مما يستحيل أن يصدقه المرء بالنظر إلى صلاح هذا الإنسان العظيم وورعه.وأما "كرشنا" فيقولون أنه كان يسرق الزبدة من بيوت الآخرين ويأكلها، الله تعالى ! رامائن اتركاند (أردو) ، الحصة ۷ ص ۹۷۹ - ٩٨۰ سرك ٥٣-٥٤: سيتا كان نبي جلا وطني) كي ومع ذلك إذا فبرغم أن الأنبياء هم وسيلة انتشار النور والهداية في العالم إلا أن أشياع الشيطان يجعلونهم سببا لشيوع الغي والضلال في الدنيا، ولذلك قد ركز الله تعالى في القرآن الكريم على نزول السلام على أنبيائه ،خاصة حتى إذا مر الناس على ذكرهم دعوا الله تعالى بهلاك أصحاب الفتنة الذين ينشرون الضلال باسم الأنبياء، فتفشل محاولاتهم الخبيثة.
ΕΛΕ سورة النمل الجزء السابع ورد في الحديث أن النبي لا الله قال في مرض الموت في ساعاته الأخيرة وهو يتقلب يمينا وشمالاً في كرب شديد لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (مسلم: كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المسجد على القبور)، ذلك لأن الناس لو بدأوا السجود لقبور الأنبياء لم يبق التوحيد في العالم بل انتشر الشرك بكل قوة.إذًا، فهذه هي الحكمة وراء دعاء نزول السلام على الأنبياء..أي أن ينشر الله أنوارهم وبركاتهم على نطاق أوسع ويدمر أصحاب الفتنة الذين يدمرون ثروتهم الروحانية.أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَابِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن قلے تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَولَهُ معَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (3) شرح الكلمات: حدائق: جمع حديقة، وهي البستان يكون عليه حائط.(الأقرب) بهجة البهجة: الحسن، ويُقال: هو حسن لون الشيء، وقيل: هو في النبات النضارة، وفي الإنسان ضحك أسارير الوجه أو ظهور الفرح البتة.(الأقرب) التفسير: أي يمكنكم أن تجيلوا النظر في نظام الكون لتروا من ذا الذي خلق السماوات والأرض، ومن ذا الذي يُنزل الماء من الغيوم، فينبت به حدائق شتى في حين أنكم لا تقدرون على أن تُنبتوا شجرة واحدة منها؟ ثم فكروا فيما إذا كان الله الذي خلق نظام الكون خيرًا أم آلهتكم الزائفة التي بنفسها بحاجة إلى البساتين والمياه والسماء والأرض؟ أبوسعكم أن تدلّوا على إله مثل الله تعالى؟ كلا لن تقدروا على ذلك أبدًا.ومن المؤسف أنكم لا تعملون عقولكم وتتخذون شركاء مع الله بلا دليل ولا برهان.
٤٨٥ الجزء السابع سورة النمل علما أنه قد ورد ضمير المفرد للغائب خلق و وأنزل في بداية الآية، بينما ورد ضمير الجمع للمتكلم أنبتنا في آخرها.والحق أن من أكبر فضائل القرآن وكمالاته أنه يشير أحيانًا بكلمة وجيزة إلى مفاهيم عظيمة، وهنا أيضًا لم ينتقل القرآن من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم بدون حكمة، إنما لفت بذلك الأنظار إلى أمر عظيم، وهو: أن المرء إذا أعمل فكره في خلق السماوات والأرض وظاهرة نزول المطر من السماء وخروج أنواع الخضار والزروع والبساتين به، تجلت له قدرة الله وجلاله وجبروته فلا يعتبر الله تعالى غائبا عنه بل يراه ماثلاً أمامه، وقد أدى القرآن الكريم هذا المفهوم العظيم بنقل ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم: (أنبتنا، وكأن الله تعالى يتجلى على عبده عيانًا ويعدّد عليه مننه وأياديه ماثلاً أمامه.فثبت أن انتقال ضمير الغائب إلى المتكلم ليس خطأ بل هو يدل على إحدى مزايا القرآن ومحاسنه هذا، وإن الله تعالى قد أشار هنا إلى الخلق الروحاني من خلال ذكر خلق العالم المادي، مبينًا أنه يوجد في العالم الروحاني نظام مماثل لنظام خلق السماوات والأرض ونزول الأمطار من السحب في العالم المادي، فإن بعثة الأنبياء تماثل المطر المادي؛ فكما أن المطر المادي يهطل من السحب عند الحاجة أي حين يكون الناس في كرب عظيم من شدة القيظ واحتباس الهواء، ويتلهف كل إنسان وحيوان للماء البارد العذب الفرات، وتحنّ الزروع إلى قطرات الماء لتخرج خضرتها ونباتها، وعندما يرى الناس المطر يبتهجون جدا بأنه قد حان الأوان لتتحقق آمالهم ولتصبح زروعهم مخضرة نضرة.كذلك يظهر الأنبياء في الدنيا عند الحاجة حين تشتد المعاناة وتطول جراء الظلمة الروحانية، فيشفون غليل العالم العطشان بأنفاسهم القدسية ويُجرون أنهار العلوم والمعارف التي تنبت بساتين روحانية عظيمة تسرّ العيون وتجلب السكينة إلى القلوب.بيد أن المطر الذي هو فضل إلهي كبير؛ إذ لولاه لهلكت الزروع وجفت الآبار، يكون مصحوبًا ببعض الأذى والمعاناة أيضًا؛ فمثلاً في حالة نزول المطر إذا أراد المرء حضور المسجد أو إحضار شيء من السوق فلا بد له أن يعاني من الوحل الذي يسببه المطر في الطريق، أو إذا كان أحد لم يقم
الجزء السابع ٤٨٦ سورة النمل بترميم سقف بيته قبل نزول المطر فسوف يتأذى حين يتقطر سقفه بالماء، وإذا لم تكن عند فلاح حظيرة للدواب فسيضطر ليربطها داخل البيت عند نزول المطر في الشتاء وقاية لها من البرد فيعاني من عفونة بولها وروثها.ثم إن المطر يكون مصحوبًا بالظلام، وأحيانًا بالرعد الشديد الذي ترتجف له قلوب الأطفال وضعيفي القلوب من الكبار، بل يقتلهم أحيانًا.كما يلمع البرق في السحب ويسقط أحيانًا على بعض الناس والدواب ويقتلهم.وكل هذه جوانب سلبية للمطر رغم أنه فضل كبير من عند الله تعالى.ولكن بالرغم من كل هذه الأشكال العديدة من المعاناة التي يكتنفها المطر، فإن الناس لا يُبالون بها مطلقا، إذ يعرف الجميع أنه إذا نزل المطر فلا بد من الوحل أيضًا.فهل في الدنيا فلاح يظن أن لن يكون عند نزول المطر بلل على الأرض ولا وحل ولا رعد ولا.برق.كلا بل إن الجميع يعرف هذه الأمور السلبية في المطر ومع ذلك يدعون الله تعالى بنـزوله.فلماذا يدعون له يا ترى؟ إنما ذلك لأنهم يعلمون أن نفع المطر أكبر من ضرره، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله : أَوْ كَصَيِّب منَ السَّمَاء فيه ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) (البقرة: ٢٠)..أي أن في المطر الذي ينزل من السحب منافع وبركات كثيرة، كما يكون فيه بعض المعاناة والضرر والرعد والبرق أيضا.والحال نفسه بالنسبة لبعثة الأنبياء، إذ تكون فيها بركات كثيرة كما يصحبها بعض المعاناة أيضًا، وكما أن الناس لا يستغنون عن المطر رغم ما فيه من عناء وضرر، كذلك لا يمكن الاستهانة ببعثة الأنبياء خوفًا مما فيها من المعاناة، لأن الناس سيعرفون منافع تلك المعاناة يوم القيامة التي تظهر فيها النتائج، مثلما يعرف الفلاح فائدة المعاناة التي تكون في المطر من ظلمات ورعد وبرق، إذ لولاها لما جنى الفلاح من زرعه يوم حصاده إلا حبوبًا قليلة ناقصة النمو.ولكن إذا نزل المطر ونضج الزرع عرف الفلاح نفع الظلمة والرعد والبرق إذ تصبح كل حبة بذرها سبعين أو ثمانين أو مئة حبة، فيأتي إلى بيته بغلال كثيرة، فيشتري بها الثياب ويغطي بها نفقات أخرى من أكل وشرب وتزويج أولاد وبنات إذًا، فبرغم أن المطر يكون مصحوبًا بظلمات ورعد وبرق إلا أن الناس يدعون ،لهطوله ولا يبالون بما فيه من ضرر
٤٨٧ سورة النمل الجزء السابع ومعاناة نظرًا لفوائده الجمة.والحق أن الله تعالى لو أعلن أنه لن ينزل المطر هذه السنة إلا إذا انزلقت قدم كل فلاح فيه عشر مرات لرأيت أن كل فلاح ينزلق عشرين مرة لينزل المطر.أو لو أن الله تعالى جعل قانونًا بأن المطر لن ينزل إلا إذا دوّى فيه الرعد عشرين مرة لقال الفلاحون رب أنزل المطر ولو دوّى فيه الرعد ثلاثين مرة.وبالمثل تكون بعثة الأنبياء مصحوبة ببعض الأذى والمعاناة أيضًا، ولكن الذي يقدر هذه النعمة رغم ما فيها من معاناة فيصبح كالفلاح الذي قد يسقي المطر زرعه.باختصار لقد نبهنا الله تعالى بتشبيه بعثة الأنبياء إلى أن على المؤمن تحمل المعاناة التي تُصاحب بعثة الأنبياء بشجاعة.فإذا آمن بدين مرة باعتباره الدين الحق فلا يُبدي ضعفًا واستكانة مهما أوذي ولو مُزِّقَ إربا، بل عليه أن يظل مستمسكا بدينه كما تستمسك النملة بالشيء ولا تنفصل عنه بأي حال.كان هناك شخص اسمه "ميانجان محمد الكشميري"، وكان جدي قد عيّنه إمامًا في المسجد الأقصى بقاديان، فكان يؤم الناس في الصلاة كما كان يقوم ببعض الأعمال في بيتنا أيضًا.وذات مرة بعث بعض الإخوة إلى المسيح الموعود ال هدية سمك، فأخذ "ميانجان محمد" السمك وبدأ ينظفه على طاولة كبيرة موضوعة خارج بيتنا.فذهبت مع بعض الأولاد نتفرج عليه، وكانت في يدي قطعة حلوى أكلها.وبينما أنا في ذلك وقعت يدي على الطاولة بدون أن أدري، فالتصقت نملة كبيرة بالحلوى، فلما وضعتها في فمي قرصت النملة شفتي، فحاولت التخلص منها حتى جذبتها بيدي، ولكنها لم تنفصل عن شفتي، فأخذ "ميانجان محمد" السكين وقطعها بها.هذا هو حال المؤمن الحق، فعلى المرء أن يتمسك بدينه كما تتمسك النملة بالشيء، ولا ينفصم عنها وإن قطع إربا.ذلك لأن زرع الإيمان لا يكون جاهزا للحصاد إلا بعد موت الإنسان، ولو مات في هذا الكفاح فلا ضير، إذ يعني ذلك أن زرعه قد أينع قبل زروع الآخرين، وسيأتي بالغلال إلى بيته قبلهم.وقد شبهت بعثة الأنبياء بالمطر لسبب آخر أيضا، وهو أن هطول المطر يؤدي إلى ظهور الخضرة بكل أنواعها، فيتسبب في نمو الثمار الحلوة والثمار المرّة أيضا مع أنه
الجزء السابع ΕΛΛ سورة النمل مطر واحد.فمثلاً ترى أن قطرة المطر التي تُحلّي حبة العنب والمانجو وغيرهما من الثمار الحلوة، هي ذاتها تُمرِّر الثمار المرّة، وتحمّض الثمار الحامضة، وتنمّي اللحم في جسم الإنسان وتعيد إليه النمو والنشاط وتخضّر أنواع الكلا، وتُنبت آلاف الأعشاب في البراري والغابات ووديان الجبال مما نعرف أسماءها ولا نعرف.وهذا بالضبط يحصل عند بعثة الأنبياء أيضًا، أعني أن هطول المطر الروحاني من السماء يؤدي إلى ظهور الخضرة بنوعيها، حيث يعيد الخضرة والنضارة إلى زرع الإيمان من ناحية، ويوقظ الكفر من سباته من ناحية أخرى فتقع صحوة بين أعداء الإيمان من فمثلاً جديد.كان رؤساء أهل مكة الذين كفروا بالنبي هم نفس العرب الذين كانوا قبل بعثته ، ولكن لم يكن عندهم قبل ذلك نظام، أما بعد ذلك فبدأوا بمعارضته تحت نظام، حيث اتحدوا كلهم ضده باذلين كل ما في وسعهم ليحولوا دون انتشار دينه بل ليقضوا عليه.فما هو السبب وراء ذلك؟ إنما هو أن المطر الروحاني إذا نزل من السماء اخضرت النباتات بكل أنواعها، ورفع الكفر أيضًا رأسه.ولكنا نرى أيضًا أن الناس لا يستشعرون من المتنبئين أي خطر، إذ لا يخاف الماعز من الماعز، إنما يخاف الماعز من الأسد.ولكن إذا ظهر النبي الحق هبّ الكافرون من سباتهم واستشعروا خطرًا شديدا، ورأوا التصدي له ضروريًا؛ ولذلك ترى أن المعارضة المنظمة التي واجهها النبي الله في زمنه أو المسيح الموعود ال في هذا العصر لم يواجهها أي متنبئ كذاب لا شك أن فتنا قد وقعت في زمن الباب" أيضًا، ولكنها لم تكن إلا رد فعل على تصرفات "البابيين"، إذ بدأوا بقتل الناس، فعاقبتهم الحكومة على ذلك، بينما ظل عامة الناس صامتين و لم يتصدوا للبابيين (33-32.Baha'u'llah And The New Era: p).ولكن عند ظهور المسيح الموعود العلي ثارت كل الأمم والطوائف ضده وبذل كل واحد جهده لقمع الأحمدية.وهذا الشيء لا يشاهد عند ظهور مدع كذاب في العالم.فمثلا يعلن البهائيون نسخ شريعة النبي (الكواكب الدرية: الجزء الأول ص ٢٢٠)، ومع ذلك يمشي بعض المسلمين واضعين أيديهم في أيدي البهائيين ويقولون تعالوا ننس الخلافات بيننا، فأنتم ونحن كلانا على الحق، فلنتحد ضد الأحمدية.
٤٨٩ سورة النمل الجزء السابع فثبت من هنا أن ماء المطر المادي كما يساعد على خروج الخضرة بجميع أنواعها، كذلك فإن نزول المطر الروحاني ينضّر الإيمان كما يوقظ الكفر أيضًا من رقاده.فمثلاً عندما بعث المسيح الموعود اللة في هذا العصر قامت جماعة مؤمنة مخلصة متحلية بالتقوى فيها صحوة وطموح، ومن ناحية أخرى تجد صحوة في صفوف الكفر أيضا.والله تعالى لا يتوقع من جماعات الأنبياء أن تنمو وتنهض كما تنمو الأعشاب المرّة الضارّة من تلقائها عند نزول المطر المادي، بل ينبغي ينموا بسرعة أكثر منها ويُبرزوا جمالهم الروحاني بكل ما في وسعهم حتى يتضاءل أمامهم ما يدعيه الشيطان من حسن وجمال.أن أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضِ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا قل رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِرًا أَوِلَهُ مِّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * شرح الكلمات : ٦٢ رواسي: الرواسي: الجبالُ الثوابت الرواسخ.(الأقرب).حاجزا: حجزه حجزًا وحجازةً : منعه وكفه ودفعه، والحاجز: البرزخ.(الأقرب).التفسير : أي مَن ذا الذي جعل الأرض صالحة للسكنى وأجرى خلالها الأنهار؟ وجعل الجبال كي لا تضيع مياه الأنهار؟ ثم جعل في الأرض بحارا وجعل بين مياهها المالحة وبين مياه الأنهار العذبة حاجزًا..بمعنى أنه تعالى جعل مياه البحار في انخفاض فلا تفسد مياه الأنهار العذبة، كما جعل مياه الأنهار العذبة أقل من مياه البحار كثيرًا فإذا انصبت فيها لم تغير طعمها المالح؛ فكأنه تعالى قد جعل هناك حاجزا دائما بين الماء العذب والماء المالح.هل يمكن أن يكون لمثل هذا الإله المدبر الحكيم شريك؟
٤٩٠ الجزء السابع سورة النمل كلا ولكن أكثر المشركين جاهلون فلا ينتفعون برؤية هذه الآيات العظيمة ويهيمون هنا وهناك كالعميان.لقد نبه الله تعالى الناس بذكر نظام الكون هذا إلى أنه تعالى ما دام قد هيّاً لفوائدهم المادية كل هذه الأسباب العظيمة فكيف يمكن أن يُهمل حاجاتهم الروحانية؟ ألا يعلمون أنه تعالى لو لم يجعل التضاريس والانخفاضات التي تجري فيها ماء الأنهار منكمشا لغطّى ماؤها اليابسة كلها، فلم تصلح الأرض للعيش؟ كذلك لولا الجبال التي تدّخر الثلوج وتُمدّ الأنهار بالماء طوال السنة لما استطاع الإنسان العيش على مياه الآبار والغُدران والحياض وحدها والحال نفسه في العالم الروحاني أيضًا، فإن التدابير الإنسانية لهداية الناس هي بمثابة الآبار والحياض، فلا تساعد الناس إلا لزمن محدود ونطاق محدود، أما الهداية الدائمة التي تشبه مطر السماء فتنزل من عند الله تعالى وحده، وهي التي تقدر على شفاء غليلهم الروحاني.وكما أن الجبال تحتفظ بذخائر كبيرة للخشب والعقاقير والأزهار والثمار التي لا بد للإنسان منها، كذلك لا بد لسد حاجاته الروحانية من وحي فيه ذخائر الهداية والرحمة الأبدية.وكما أن الله تعالى قد جعل حاجزًا بين الماء المالح والماء العذب فقد جعل بين الكفر والإيمان حاجزًا من الأدلة والبراهين أيضًا، فيُعرف الماء الروحاني العذب بعذوبته فورا والماء الروحاني المالح بملوحته.إذًا، فلا يتخذ شريكا مع الإله المحسن ويتركه ويسجد أمام الأصنام إلا الخالي من العقل والفهم كلية.هذا أَمَّن يُحِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَاءَ الْأَرْضِ أَولَهُ معَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (3) ٦٣ التفسير: أي يجب أن تفكروا أيضًا من ذا الذي يستجيب لدعاء الذين تحيط بهم المصائب فيدفعها عنهم، ومن ذا الذي يجعلكم ورثة الأرض؟ هل تجدون ندا لمثل هذا الإله المتصف بهذه الصفات الحسنة ؟ كلا، ولكنكم للأسف لا تتعظون.
الجزء السابع ٤٩١ سورة النمل والمضطر هو من تحيط به المصائب من كل الجوانب، فلا مخلصا یری ولا يجد منقذا إلا الله تعالى.وليس المضطر من يكون قلقًا ومضطربًا فقط، ذلك لأن القلق يدفع الإنسان أحيانًا للاندفاع إلى أي جهة بدون أن يعلم يقينًا أنه سيجد هناك أمانًا، بل قد يدفعه القلق للجري إلى مكان الخطر نفسه فلا ينجو منه.فاضطراب القلب وقلقه ليس من الاضطرار في شيء، وإنما الاضطرار أن ييأس المرء من كل مأمن ومن كل معين إلا طرفا واحدًا وكأن الاضطرار ليس أن يرى المرء النار في كل جهة فحسب، بل أن يرى أيضًا سبيلاً للخلاص منها في جهة ما موقنًا بأنه مكان محفوظ من النار.لقد تبين من هنا أن الدعاء لا يُستجاب إلا إذا دعا به العبد ماثلاً أمام الله تعالى وموقنا بأنه لا ملاذ له الآن إلا الله تعالى.وقد بين الرسول ﷺ حالة الاضطرار هذه نفسها في دعائه: "لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك" (البخاري: كتاب الوضوء، باب النوم على الشق الأيمن)..أي يا رب لا ملاذ من العذاب أو من البلايا التي تأتي من عندك إلا أن آتي إليك يائسا من كل واحد هذه هي حالة الاضطرار، والمراد من قوله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ أن الذي يدعوه تعالى موقنا أن لا ملجأ له ولا مأوى إلا عند الله تعالى، فدعاؤه مُجاب حتما.والحق أن هذا الشرط لم يوضع بدون سبب، إذ الواقع أنه برغم أن الله تعالى هو وحده علاج كل مضطر ، إلا أن بعض عباده أيضًا يقدرون على إزالة اضطرار المضطرين بما أعطاهم الله من نعم.فمثلاً هناك شخص فقير يبلى ثوبه وليس عنده ما يشتري به ثوبًا جديدًا، فيراه أحد الأثرياء - وقد يكون هندوسيًا أو سيخيا أو مجوسيا أو جَيْنيَّا - فيقول له : تعال أشتر لك ثوبًا جديدًا فقد بلي ثوبك.لا شك أننا نؤمن بأن الله تعالى هو الذي ألقى في روع الثري أن يشتري للفقير ثوبًا جديدًا، ولكن الذي لا يكون إيمانه كاملاً يقول إن فلانًا ساعدني في اضطراري بدلاً يقول إن الله تعالى أعانني.ولكن هذا الشخص الفقير لو أصيب بمرض شديد حتى الجيني: هو أحد أتباع الفرقة الهندوسية الجينية التي تحرّم أكل لحم أي حيوان.(المترجم) من أن
٤٩٢ سورة النمل الجزء السابع لم يقدر على الأكل والشرب والحركة من شدة الضعف فلن يساعده الثري في هذه الحالة، بل سيساعده طبيب حاذق يترحم عليه برؤية حاله، فيقول: ليس عندك مال للعلاج، فتعال عندي فسأتولى علاجك ودواءك وسكنك أيضا مجانًا.فترى أن هذا الفقير إذا اضطر إلى شراء الثياب ساعده الشخص الثري، ولكنه حين اضطر إلى العلاج والدواء لم يستطع الثري مساعدته بل ساعده الطبيب.وأحيانًا يؤخذ المرء في قضية مزورة يرفعها ضده بعض أعدائه الأقوياء حقدًا، فيجره إلى المحكمة دونما جريرة ولكنه لا يملك مالاً لدفع أجرة المحامي، كما لا يقدر على الدفاع عن نفسه بنفسه، فيقع في ورطة من أمره، فيتقدم محام رحيم ويقول له: أنا أتولى الدفاع عنك مجانًا.فترى أنه لم يغن عنه هذه المرة ثري ولا طبيب، وإنما ساعده محام.وقد يكون عند المرء متاع كثير، فيمشي حاملاً إياه، ولكنه يرهقه إرهاقًا شديدا، فيضعه على الأرض ثم لا يستطيع حمله ثانية فيم به فلاح قوي فيسأله عن سبب جلوسه في الطريق هكذا، فيقول: لا أقدر على حمل متاعي، فيحمل الفلاح متاعه.فترى أنه كان مضطرًا، ولكن لم يستطع أن يغني عنه هذه المرة ثري ولا طبيب ولا محام بل ساعده أحد الفلاحين.فثبت أنه يمكن أن تأتي على الإنسان حالات اضطرار مختلفة، فيساعده فيها أشخاص دون أشخاص.ولكن الله تعالى يقول هنا: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ..أي أنا الوحيد الذي يسد حاجة كل مضطر سواء كان جائعا أو عاريًا أو ظاميًا أو مريضا أو حامل ثقل.إذا بلي ثوب أحد فيمكن أن يساعده ثري، ولن يغني عنه طبيب، وإذا مرض أحد فيغني عنه طبيب ولن يغني عنه محام، وإذا أخذ أحد في قضية بدون ذنب فيغني عنه محام ولن يغني عنه ثري ولا طبيب.وإذا كان لا يقدر أحد على حمل متاعه فيغني عنه فلاح قوي، ولن يغني عنه ثري ولا طبيب ولا محام.أما الله تعالى فيقدر على سد كل حاجة لكل إنسان وعلى مساعدة كل مضطر في أي ظرف.يمر المرء بحالات شتى من الاضطرار، فأَنَّى لبشر أن يساعده في كل هذه الحالات؟ بل لن يغني عنه عندها أحد الملوك أيضًا.فمثلاً لو مرض إنسان مرضا
الجزء السابع شديدا فلن يغني عنه ٤٩٣ قرب الملك ولا خزائنه ولا جنوده، إنما يغني عنه سورة النمل الله وحده الذي هو قادر على شفائه من كل مرض.أو لو كان المرء يسافر منفردًا في برية، فيهاجمه ذئب أو أسد أو نمر مثلاً، فلن يغني عنه الملك مهما كان مقربا إليه ولو كان ابنا له، كما لن يغني عنه الطبيب ولا الثري ولا المحامي وإنما يغني عنه وحده.الله تعالى فثبت أن المرء لن يُعد مضطرًا ما لم يكن موقنا بأن الله تعالى وحده قادر على أن يُغني عنه عند كل اضطرار، فإذا دعا الله تعالى مضطرًا أتاه بالفعل مهرولاً ونجاه من كل أذى ومصيبة.بينما نجد في الدنيا أن المرء إذا أراد أن يستغيث بالملك ضد بعض الولاة والمسؤولين فإن الوالي أو المسؤول يهدده بنزع لسانه من جذوره لو رفع الشكوى ضده إلى الملك، فيتراجع عن عزمه خوفا من أن يلقيه المسؤول في مشاكل أخرى.أما الله تعالى فيمكن أن يستغيث به المرء وهو يتأوّه في سريره ملتفا بلحافه في ظلمة الليل بدون أن يعلم أحد من البشر ما يفعل وما يقول، فلا يخاف تهديدًا من مسؤول ولا منعًا من حاكم، بل يرفع صوته في بلاط الله تعالى من داخل لحافه مستلقيا على سريره قائلا: رب لقد ظلمني فلان، فانتقم منه من أجلي.فلا يعرف الظالم أن الشكوى ضده قد وصلت إلى الملك، إذ لا يراه ولا يسمعه ولا يخطر بباله ذلك، فتصل دعوة المظلوم إلى العرش وتهزه هزا.فهذا هو السبب وراء قول الله تعالى: أَمَّنْ يُجيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ..أي من ذا الذي يأتي لنصرة العبد حين يتوسل إلى الله تعالى مضطرًا حين لا يجد عنده مغيثًا ولا معينًا؟ إن الدنيا تكون غافلة عن هذا العبد، ولكن الله تعالى لا يكون غافلاً عنه، بل يأتي إليه هرولة ويقول: ها قد جئت لنصرتك يا عبدي، فيعامله بلطف وحب وينجيه من كل أذى وكرب.= ثم يوضح الله تعالى أنه لا يُنعم على عباده بقدر محدود ولا يزيل كرب المضطر استجابة لدعائه فحسب، بل (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ)..أي إنه يُهلك الظالمين المستبدين ويجعل الضعفاء المظلومين خلفاءهم ما يعني أن الله تعالى يُزيل مشاكل العباد بشكل فردي، كما أنه يُغيثهم بشكل قومي أيضًا حيث يأخذ الشعوب
الجزء السابع ٤٩٤ سورة النمل المقهورة الضعيفة من الحضيض ويرفعها إلى أوج الرقي والرفعة، فيُصبح الطغاة المستبدون صيدا لآهات المقهورين.وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحقيقة في موضع آخر من القرآن الكريم أيضًا حيث قال: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ في الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِتَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس: ١٤-١٥).والمراد من قوله تعالى : لتَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ : لننظر كيف تعملون في الدنيا وما إذا كنتم تحافظون على الصلاح والورع في زمن حكمكم وقوتكم كما كنتم متحلين به حين كنتم ضعفاء مغلوبين.لا شك أن دعاء المضطرّ يجعله مستحقا لنعم الله تعالى، ولكن بقاءها واستمرارها يتطلب منه المزيد من الجهد والكفاح؛ فإذا قصرت أمة في هذا الأمر وتساهلت حُرمت من تلك النعم.الحق أن الله تعالى قد ذكر في هذه الآية نوعين من النعم الفردية والقومية، وبين أن الفرد إذا دعاه مضطرًا استجاب دعاءه وأزال كربه، بينما يقضي، بحسب قانونه الخاص بالأمم، على الشعوب الظالمة فيجعل الشعوب المقهورة خلفاء لها.والتاريخ زاخر بأمثلة ذلك.ويستشهد الله تعالى هنا بذكر هذه الأحداث والوقائع على وجوده تعالى ويقول: ترون، أيها الناس، أن يد الله تعالى هي التي تعمل وراء هذه الأحداث، ومع ذلك لا تتعظون للأسف، بل تسجدون أمام الأصنام معرضين عن أعتابه تعالى.كما يتبيّن من هذه الآية أيضًا أن باب استجابة الدعاء مفتوح على مصراعيه لأهل كل ملة وطائفة على سواء، لكي يجعلهم يوقنون بوجوده ويدلهم على نفسه ويجذبهم إليه بمعنى أن كل إنسان - أيا كان دينه - إذا دعا الله تعالى مضطراً – استجاب الله لدعائه وفتح عليه سبيلاً وأزال كربه وأنزل السكينة على قلبه.أتذكر أن هندوسيا جاء إلى قاديان مرة وقال لي: لقد بعثني سيدي إليك لأسألك ما إذا كان هناك سبيل لجلب النور؟ و لم يخبرني الهندوسي عن سيده ومكان إقامته شيئًا، بل حاول إخفاء ذلك، فلما ناقشته عن هذه الأمور بإصرار أخبر أن سيده
٤٩٥ الجزء السابع سورة النمل مقاول كبير في بناء المباني وحفر القنوات وأنه يملك مصنعًا كبيرًا في الهند.فعلمت بعد أسئلة كثيرة أنه يقصد والد سردار" بلديو "سنغ" وزير الدفاع بالهند، حيث كان للرجل مصنع كبير بالقرب من مدينة "تاتا نغر.فقلت له: إن سيدك سيخي وأنت هندوسي، فما الذي يجمع بينكما؟ قال: لقد درسنا معًا في الطفولة، ونحن صديقان حميمان، وقد جعلني مسؤولاً في أحد مكاتبه، ويناقشني أحيانًا في مسائل الدين، وقد أمرني أن آتيك وأسألك ما إذا كان ثمة سبيل لجلب النور الآن؟ فقد ذهبنا إلى أولياء المسلمين ونساك الهندوس وكبار السيخ و لم نجد نوراً في أي مكان.فقلت له: إن تعبير "جلب النور" ليس مصطلحا إسلاميا، وإنما يستعمله السيخ، إلا أنهم يعنون بالنور على ما يسمى عندنا الهدى، وإني مستعد لأن أدلّه على سبيل ومع أني لست مسيحيًا إلا أنني أؤمن بنبوة المسيح الة وصلاحه، وإنه الهدى؛ يقول: "إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله" (متى 19: ٢٤).لقد أخبرتني أن سيدك مليونير، لذا فبرغم أني سأدلك على طريق النور إلا أن سيدك لن يقبل هذا النور.فقال لي الهندوسي: كيف يمكن أن تسنح للمرء فرصة لجلب النور فلا يغتنمها؟ قلت : هكذا قال المسيح الله، ولذا فإني أرى أن سيدك لن يسعى لقبول النور رغم رؤيته.قال : عليك أن تدل على طريق النور وإني على يقين أن سيدي سيقبله.فدعوتُ سكرتيري الخاص وقلت: إن هذا الرجل لا يعرف اللغة العربية فاكتب له ترجمة بنجابية لقول الله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فكتبها له.فقلت للهندوسي: قُلْ لسيدك أن يقرأ هذا الدعاء قبل النوم يوميًا، ولكن قبل الدعاء عليه أن يُعاهد الله تعالى بصدق القلب ويقول: يا رب سأقبل الهدى حيثما وجدته، لأنه إذا لم يعاهد الله ولم يحسن النية قبل الدعاء فلن يُريه نوره، لأن الله تعالى ليس كالمهرجين بل إنه لا يُري أي شيء عبئًا.عليه أن يكون صادق القلب عند الدعاء، أما إذا حصل منه شيء من التقصير عند العمل بما أراه الله تعالى من جراء الجبن وضعف الإيمان، فهذا أمر آخر؛ ذلك لأن السارق أيضا يتوب أحيانًا عن السرقة بصدق القلب فيقبل الله تعالى توبته مع أنه يعلم أنه سينقض
٤٩٦ سورة النمل الجزء السابع توبته بعد أيام أو ربما في اليوم التالي ويعود إلى السرقة ثانية.كذلك سينظر الله تعالى إلى نيتك وقت الدعاء وإذا رأى أنك مستعد لقبول الهدى حيثما كان فسيريك النور ولن يُبالي لو صدر عنك أي ضعف أو تقصير فيما بعد.فذهب الهندوسي وبعد اثنين أو ثلاثة أسابيع جاءت رسالة من عنده قال فيها: لقد تحقق ما قلت فإن سيدي قد رأى نور الله تعالى فعلاً، كما تحقق قولك الآخر أيضًا إذ لا يجد في نفسه الشجاعة لقبول النور الذي رآه.يبدو أن الله تعالى قد كشف على هذا الثري صدق الإسلام، ولكنه خاف أنه لو قبل الإسلام فإن ابنه يفقد الوزارة ويُدمَّر ،مصنعه، فما الفائدة من قبوله؟ باختصار إن الله تعالى قد جعل طريق الدعاء مفتوحا لأهل كل دين وطائفة وعصر.فكل من يدعو الله تعالى بصدق في حالة الاضطرار - أيا كان دينه ومذهبه - فإنه تعالى سيستجيب لدعائه حتمًا، ولكن المؤسف أن الناس لا ينتفعون من هذا الأمر، فلا يزالون سائرين في الطريق الخاطئ بدلاً من أن يسلكوا الطريق المستقيم.أَمِّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَنتِ البَر وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرَّيح قلے ج بُشْرًا بَيْنَ يَدَى رَحْمَتِهِ أَوِلَهُ مَّعَ اللَّهِ تَعَلَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ٦٤ التفسير: واعلم أن المراد من (البر)) في قوله تعالى: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَات الْبَرِّ وَالْبَحْرِ يعني الشعوب التي لا يوجد عندها شيء من وحي الله تعالى، والبحر الشعوب التي يوجد عندها الوحي الإلهي ولكنه قد أصبح كماء البحر أجاجًا نتيجة عبث الناس به.وقد أوضح القرآن الكريم هذا الأمر في آية أخرى حيث وصف الله تعالى زمن بعثة الرسول ﷺ بقوله: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ هنا يعني
٤٩٧ سورة النمل الجزء السابع وَالْبَحْر (الروم: ٤٢)..أي لقد مست الحاجة إلى بعثة محمد رسول الله ﷺ لأن الأمم التي ليس عندها ماء الوحي وتسنّ لها القوانين بعقلها قد فسدت، كما فسدت أيضًا الأمم التي عندها ماء الوحي إذ أصبح أجاجًا مثل ماء البحر فلم يعد صالحا للاستعمال.ثم يقول الله تعالى: وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتَه..أي من ذا الذي يرسل الرياح الندية قبل السحب؟ هل هناك إله سوى الله يُرسلها؟ فثبت أن الله تعالى أسمى وأرفع مما يحمله الوثنيون من أفكار تافهة.مما لا شك فيه أن الرياح المادية أيضًا دليل على وجود البارئ تعالى، ولكن الحديث هنا عن الرياح الروحانية، والمراد من الرحمة هو بعثة الأنبياء، والمعنى أن الله تعالى ينفخ الحماس في قلوب الناس لقبول أنبيائه قبل بعثتهم، حيث يشعر القوم بضرورة مجيء نبي لإصلاحهم وإلا لا سبيل لإصلاحهم دون ذلك، فيكون هذا دليلاً على صدق المدعي المبعوث من عند الله تعالى.وبما أن أحدًا لا يُبعث لإصلاح الناس من قبل الأصنام، هكذا يقوم النبي بدحض الشرك وإرساء التوحيد، مما يهيئ للناس دليلاً على أن الله أحد وأنه متعال عن الشرك والوثنية.وعمل الله تعالى لقد رأينا في هذا العصر أيضًا أنه قبل بعثة المسيح الموعود الي قد جعل كافة الناس أيا كان دينهم ومذهبهم يعترفون بأن هذا الزمان بحاجة إلى المهدي والمسيح.فقد كتب الخواجة حسن نظامي بعد قيامه بسياحة الممالك الإسلامية وقال: لقد وجدت كل المشايخ والعلماء الذين قابلتهم خلال رحلتي في البلاد الإسلامية ينتظرون الإمام المهدي بفارغ الصبر." (جريدة "أهل الحديث " عدد ٢٦ يناير/كانون الثاني ١٩١٢م) وقام أحد المفكرين الأوربيين اسمه "مارس" إندس" بزيارة البلاد الإسلامية وسجل انطباعاته كالآتي: "إن دمشق وبيروت وبغداد ومكة وطهران والقاهرة وكذلك لندن وواشنطن كلها تنتظر نبيًا يأتي حاملاً لواء الإصلاح الاجتماعي." مجلة "نگار" عدد يناير وفبراير/ كانون الثاني وشباط ١٩٥١)
الجزء السابع ٤٩٨ سورة النمل أما البروفيسور الأوروبي "مكينزي" فقال في كتابه في معرض الحديث عن أن المجتمع لا يبلغ أوج الكمال بدون الكُمّل من الناس: "إننا بحاجة إلى مسیح من أجل رقينا." (Introduction to Socialogy نقلاً كتاب مكاتيب إقبال ص ٤٦٢-٤٦٣) " وكذلك كتب نواب صدیق حسن خان" بكل حسرة وكرب: "كان المفروض وفق الحساب أن يظهر المهدي في بداية القرن الثالث عشر من الهجري، ولكن القرن كله انقضى ولم يظهر المهدي، وقد حلّ علينا القرن الرابع عشر، فلعل الله يشملنا بفضله، فيظهر المهدي خلال أربعة أو ستة أعوام." اقتراب الساعة ص ٢٢١) وقد عبّر الشاعر الشهير "إقبال" عن هذه الحقيقة نفسها في شعره فقال: "إن هذا العصر يبحث عن إبراهيم، إذ قد أصبح العالم معبدا للأصنام، ولا إله إلا الله." كليات إقبال (أردو) ص ٥٢٧) حتى إن الشيخ المودودي نفسه يعترف قائلاً: "إن معظم الناس يبحثون، لقيادة حركة دينية عن رجل كامل يكون تجسيدا لكل الكمالات التي يمكن أن يتصورها كل واحد منهم، ويكون قويًا من جميع النواحي، ولا يوجد فيه أي نوع من الضعف.وبتعبير آخر إنهم يبحثون عن نبي في الواقع، وإن كانوا يُقرّون بختم النبوة بأفواههم، ولو تفوّه أحد ببقاء النبوة لنزعوا لسانه من جذره.فالحق أنهم ينتظرون نبيا وليسوا براضين بأقل من ذلك." (مجلة "ترجمان القرآن" عدد ديسمبر ويناير/كانون الأول وكانون الثاني ١٩٤٢-١٩٤٣ ص وجريدة "مسلمان" الصادرة في سوهدره بالهند عدد ٢٨ فبراير ١٩٤٣م نقلا عن جريدة "الفضل" الصادرة في قاديان عدد ٦ مارس ١٩٤٣م) إذا فإن الله تعالى قد جعل العالم كله ينتظر مجيء المسيح والمهدي بفارغ الصبر قبل مجيء المسيح الموعود الله، وكانت هذه الرياح الندية دليلاً على أنه قد حان الأوان لأن تغيم السماء بسحاب لينزل منه مطر غزير إرواء للأرواح الظامئة وشفاء لغليلها.ومن أجل ذلك قال المسيح الموعود اللي ما تعريبه:
٤٩٩ سورة النمل الجزء السابع "يا عباد الله، تعلمون أن المطر إذا انقطع فترة طويلة أخذت مياه الآبار تغور وتغيب.فكما أن نزول ماء السماء يؤدي إلى جيشان في مياه الأرض في العالم المادي كذلك يُنضّر ماء السماء – أي وحي أي وحي الله - عقول أهل الأرض في العالم الروحاني.وكان هذا الزمن أيضًا بحاجة إلى الماء الروحاني.د من وأرى لزاما علي أن أبين للناس بصدد دعواي أنني قد أُرسلت عند الله تعالى عند الحاجة تمامًا لأن الكثيرين في هذا العصر قد حذوا حذو اليهود، ولم يتخلوا عن التقوى والورع فحسب، بل أصبحوا أعداء للحق كما كان اليهود في زمن عيسى، ومن أجل ذلك قد سماني الله المسيح إزاءهم.فلا أدعو أهل هذا الزمان إلي فحسب، بل إن الزمان نفسه يدعوني." ( براهين أحمدية ( أردو ) الجزء الخامس، الخزائن الروحانية المجلد ٢١ ص ٤٢٨) إذا فإن أهل هذا الزمن أيضًا قد شكلوا بتصرفاتهم دليلاً قويًا على صدق مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية ال بحسب قول الله تعالى: (يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَته، فمن أراد فلينتفع من هذا الدليل.أَمَّن يَبْدَوُاْ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوِلَهُ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَنَكُمْ إِن كُنتُمْ قار صَادِقِينَ ) أن التفسير : أي أخبروني من الذي يخلقكم أول مرة ثم لا يزال يُعيد عملية الخلق هذه باستمرار، أو من الذي يرزقكم من السماء والأرض؟ هل هناك إله يستطيع يفعل هذا سوى الله القادر المطلق؟ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.اعلم أن قوله تعالى: أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ليس إشارة إلى بداية خلق الكون حين خُلقت الأرض وطبقاتها وما إلى ذلك، إذ لا أحد من البشر قد شاهد ذلك الخلق ولا يمكن أن يُقدَّم ذلك الخلق دليلاً على وحدانية الله تعالى، وإنما المراد
الجزء السابع ٥٠٠ سورة النمل من بدء الخلق هنا غلبة الأمم ومن إعادة الخلق إحياؤها ونفخ الصحوة فيها بعد زوالها فكأن الله تعالى يقول هنا: لو أمعنتم النظر في تاريخ رقي الأمم وزوالها الله أمة بعد تعالى، لعلمتم أنه لم تحرز أمة الرقي والتقدم إلا بتأييد الله ونصرته، ولم تحيَ انحطاطها ثانية من تلقاء نفسها بل بالتدابير الإلهية.لقد ذكر الله تعالى هنا غلبة الأمم بعد أن كانت في الحضيض ثم إحياءها ثانية بعد الزوال لينبه المسلمين أنهم لن ينالوا الغلبة على الدنيا إلا بفضل فعليهم أن لا يعزوا رقيهم إلى قوتهم أبدًا، وإلا ستذهب ريحهم ولن ينالوا الغلبة مرة أخرى بدون تدبير من الله تعالى.ومن المؤسف أن المسلمين نسوا هذا الدرس العظيم، فأصابهم الانحطاط وأصبحوا أضحوكة عند الأغيار.فضله، لا جرم أن الأفراد يولدون في الدنيا ويموتون أيضا إذ لم يعش إنسان للأبد، ولكن فيما يتعلق بالأمم فبوسعها أن تعيش إلى الأبد لو أرادت.ومن أجل ذلك قال المسيح الناصري ال: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد." (يوحنا ١٤: (١٦)..أي لا شك أن الموت مصير كل إنسان وبالتالي سأغادركم في يوم من الأيام، ولكنكم لو أردتم الخلود فاسألوا الله من فتكونون من الخالدين.إذا فليس بوسع الإنسان أن يخلد ولو أراد ذلك، أما الشعوب فإذا أرادت الخلود خلدت وإذا لم تُرده ماتت.ولقد كتب المسيح الموعود الله أيضا وهو يحث جماعته على هذه الحياة الخالدة فقال ما تعريبه: "لا بد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة ولا يمكن أن تأتيكم تلك القدرة الثانية ما لم أغادر، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرة الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد." (وصيت (أردو)، الخزائن الروحانية ج ۲۰ ص ٣٠٥) والحق أن قوله ال "إلى الأبد" إنما يعني أن "القدرة الثانية" ستبقى معكم ما شئتم بقاءها، وستنالون الحياة الأبدية نتيجة القدرة الثانية.والمراد من "القدرة الثانية" صنوف التأييد الإلهي الذي يكون حليفا للمؤمنين.كما تعني نظام الخلافة
0.1 سورة النمل الجزء السابع التي يقيمها الله تعالى بنفسه ليمتد نور النبوة.فبوسع القوم أن يحظوا بالتأييدات الإلهية دائما لو أرادوها وجعلوا أنفسهم أهلاً لها، كذلك بإمكانهم أن يتمتعوا بنعمة الخلافة لو أرادوا ذلك وجعلوا أنفسهم أهلاً لها.الله ما والحق أن الفساد إنما ينشأ نتيجة العقلية الممسوخة دائمًا، إذ من المحال أن يتخلى عن قوم وطريقة تفكيرهم سليمة، لقوله تعالى في القرآن الكريم: إن الله لا يُغَيِّرُ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسهمْ (الرعد: ۱۲)..أي أن الله تعالى لا يغير سلوكه مع قوم إلا إذا فسدت قلوبهم.وهذا أمر لا يصعب فهمه على أي إنسان، ولكن الغريب أن الأمم تنسى هذا الأمر البسيط دائما فتهلك.لا شك أن الإنسان عرضة للموت، ولا لوم عليه لو مات ولكن الشعوب لا تموت بالضرورة، بل بوسعها أن تحيا للأبد إذا أرادت ولكنها تنسى مبادئ الحياة الخالدة وتلقى حتفها بنفسها.والحق أن الله تعالى كان قد أعطى المسلمين منهجًا عظيما بواسطة النبي ، ولو ظلوا عاملين به لعاشوا إلى الأبد، ولكنهم تركوا العمل به فماتوا.إن الدنيا تتساءل دائمًا وقد سُئلتُ أنا أيضًا مراراً : لقد أعطى الله الصحابة تعليمًا عظيما فيه حلول بهذا لكافة القضايا والمشاكل الاجتماعية، كما قدم النبي أسوته الحسنة عاملاً.المنهج العظيم، فأين ذهب هذا التعليم ولماذا تلاشى بعد ثلاثة وثلاثين عاما؟ لقد كانت عند المسيحيين خلافة لا تساوي شيئًا إزاء خلافة المسلمين، ولكن الخلافة المسيحية لا تزال قائمة في شكل البابوات، أما المسلمون فقضوا على خلافتهم في ثلاث وثلاثين عامًا فقط.لا شك أن فئة من المسيحيين متمردة على البابوية، ولكن أكثريتهم تابعة للبابا، وقد انتفعوا بهذا النظام كثيرًا، ولكن الخلافة في المسلمين استمرت لثلاث وثلاثين سنة فقط ثم تلاشت وانتهت.لماذا؟ إنما سببه ذلك الفساد الذي تطرق إلى عقلية المسلمين وطريقة تفكيرهم.لو ظل تفكيرهم سليما لما فقدوا هذه النعمة.لقد انكشفت هذه الحقيقة علي من خلال إحدى الرؤى، حيث رأيت مرة أوراقا قد كتب فيها بعض المصنفين أو المؤرخين ملاحظات باللغة الإنجليزية، ورأيت أنها مكتوبة بقلم الرصاص أو بالحبر الأخضر، ولكنها لا تُقرأ بوضوح.وقد تبين لي مما استطعت قراءته أنها تتحدث عن سبب
٥٠٢ سورة النمل الجزء السابع فساد المسلمين بعد الرسول الله بتلك السرعة.لقد أنعم الله عليهم نعما عظيمةً وأعطاهم منهجًا ساميًا في الاجتماع والاقتصاد ثم أراهم النبي ﷺ بأسوته كيف يعملون به، ومع ذلك فسدوا وسقطوا إلى الحضيض.برغم أن الملاحظات مكتوبة بالإنجليزية إلا أن الغريب أنها مكتوبة من اليمين إلى الشمال خلافا للمعتاد، ومع ذلك تمكنت من قراءتها.وكانت إحدى الفقرات فيها كالآتي على الأغلب: There were two reasons for it.There temperament becoming morbid and anarchical.أي لقد فسد المسلمون لأنهم أصيبوا بمرضين : أوّلهما أنهم أصبحوا غير طبيعيين، وثانيهما: أنهم أصيبوا بنزعة العصيان والتمرد.ولما فكرتُ في الأمر وجدت أن كلا الأمرين صحيح.فالدليل على أنهم أصبحوا غير طبيعيين هو أنهم أخذوا يعزون رقيهم إلى كفاءاتهم الشخصية مع أنهم إنما نالوا الغلبة والرقي ببركة الإسلام والرسول ﷺ، و لم يكن لكفاءاتهم الذاتية دخل فيها.ويكفيك لمعرفة حالة أهل مكة قبل النبي الله لو أن تعلم أن العرب كانوا يكنون لهم الاحترام لسبب واحد فقط وهو سدانة الكعبة ولم تكن فيهم ميزة أخرى تدعو الناس إلى إعزازهم وتكريمهم و لم تكن الشعوب الأخرى أيضا تحترمهم لكونهم حكامًا بل لكونهم سدنة البيت أو لكونهم تجاراً.وكانوا ضئيلي الشأن عند الشعوب الأخرى لدرجة أن الحكومات الأجنبية كانت ترى أنها قادرة على سحقهم في أي وقت تشاء.ومثاله هجوم والي اليمن على مكة لهدم بيت الله وقد ورد ذكره في القرآن الكريم باسم أصحاب الفيل.أما النبي ﷺ فلم يؤمن به خلال ثلاث عشرة سنة إلا قليل من الناس ولكن في السنة الثامنة بعد الهجرة خضع العرب كلهم لنظامه، وقد أصبح الإسلام قوة كبيرة تحسب لها الدول الكبرى الحساب.كان العالم عندئذ منقسمًا إلى إمبراطوريتين عظيمتين: الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية وكانت الأولى تحكم شرق أوروبا كلها وتركيا والحبشة واليونان ومصر والشام والأناضول، بينما كانت الأخرى تحكم إيران والعراق وأفغانستان وعدة مناطق روسية وبعض مناطق الهند والسند.وكان العرب
الجزء السابع ضئيلي ٥٠٣ سورة النمل أهم الشأن إزاء هاتين الإمبراطوريتين، ولكن بعد السنة الثامنة من الهجرة خضع العرب كلهم للرسول الله ثم بدأت أخبار اعتداء القبائل المسيحية الخاضعة للرومان المقيمة على تخوم الشام تصل إلى النبي ، فخرج بنفسه للقائهم، ولكنه علم لم يخرجوا لمحاربته، فرجع بدون أي حرب بعدما عقد معاهدات مع بعض القبائل.ولكنه علم بعد فترة أن تلك القبائل قد بدأت تثير الفتن مرة أخرى، فبعث جيشا تحت إمرة أسامة بن زيد الله لقمع فتنتهم، فقام الجيش المسلم بعقاب بعض القبائل وعقد معاهدات كثيرة مع القبائل الأخرى تاريخ الخميس: غزوة تبوك، والموطن الحادي عشر: سرية أسامة بن زيد).و لم تمض بعد وفاته سنتان ونصف السنة حتى أخذ حكم العرب يمتد إلى المناطق المجاورة للجزيرة العربية، وبعد خمسة أعوام من فتح مكة اصطدم المسلمون بالإمبراطورية الفارسية واحتلوا بعض مناطقها، وخلال بضعة أعوام قضوا على الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية كلتيهما قضاء مبرما.ولا يوجد مثال واحد لمثل هذا الانتصار العظيم والانقلاب المذهل في تاريخ العالم كله.فمثلاً يذكر التاريخ نابليون، ولكنه لم يواجه أية قوة كانت أكثر منه عددًا وعتادًا، إذ كانت ألمانيا حينها مشتتة القوة تماما حيث كانت منقسمة إلى أربع عشرة ولاية صغيرة.لقد سئل أحد الرؤساء الأمريكان عندئذ عن رأيه في أوروبا فقال: هناك أسد وثلاثة ثعالب وبضعة فئران.وكان يقصد من الأسد روسيا، ومن الثعالب الحكومات الأوروبية الأخرى، ومن الفئران الولايات الألمانية المشتتة الشمل.إذا، فكانت هناك قوة واحدة فقط وهي روسيا، ولكن نابليون لما اصطدم بها مني بالفشل الذريع، كذلك لم يستطع غزو إنجلترا بل كان مصيره الأسر.وكان هناك شخصیتان قويتان أخريان: هتلر في ألمانيا، وموسوليني في إيطاليا، ولا شك أن كليهما قد حققا الرقى ولكن كان مصيرهما الهزيمة.أما الملوك المسلمون فقد نال تيمورلنك من بينهم ملكًا كبيرًا بسر عة، ولكن كان مصيره أيضًا مثل هؤلاء الأولين.لا شك أنه بلغ إلى شتى أنحاء العالم غازيًا منتصرا، ولكنه فشل في هدفه لفتح العالم كله فمثلا لم يستطع إخضاع بلاد السند كما أراد، ولما حانت منيته قال: تتراءى لي تلال من جماجم البشر وتلومني.
٥٠٤ سورة النمل الجزء السابع إذا فإن نبينا الا الله وهو المثال النادر الوحيد في كل التاريخ البشري منذ زمن آدم إلى اليوم حيث كان في البداية فردًا وحيدًا ثم لم يزل يحرز الرقي تلو الرقي حتى أخضع العرب كلهم في فترة وجيزة.أما بعد وفاته فقد قضى أحد خلفائه على إمبراطورية كبيرة قضاء نهائيًا، بينما فتح خليفته الآخر باقي المناطق.لم يحدث هذا الانقلاب العظيم إلا بنصرة الله تعالى، ولم يكن لعمل إنسان دخل فيه.عندما توفي النبي ﷺ واختير أبو بكر خليفة له بلغ خبر وفاته إلى مكة.وكان أبو قحافة والد أبي بكر حاضرًا في المجلس الذي جاء الرسول فيه بنعيه.فأصيب الناس بصدمة كبيرة، وظنوا بسبب الأوضاع السائدة أن شمل الإسلام سيتفرق الآن حتمًا.فسأل والد أبي بكر الرسول: فماذا سيحدث الآن؟ فقال الرسول: لقد قامت الحكومة الإسلامية بعد وفاة النبي الله مرة أخرى حيث اختار المسلمون خليفة له.فقال: من ذا الذي اختاروه خليفة؟ قال أبو بكر.فقال أبو قحافة في حيرة ومن يكون أبو بكر؟ ذلك لأنه كان يعرف مكانة أسرته جيدا، فما كان ليتصور أن العرب كلهم سيرضون بابنه ملكًا.فأجاب الرسول أبو بكر الذي هو من القبيلة الفلانية.قال أبو قحافة ومن أي أسرة هو؟ قال: من الأسرة الفلانية.قال: ومن يكون أبوه؟ قال: أبو قحافة.فلم يملك أبو قحافة نفسه وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأضاف: اليوم أيقنت أن محمدا كان من عند الله تعالى.كان أبو قحافة من قبل مسلمًا بالاسم فقط، فأيقن قلبه بصدقه في ذلك اليوم، إذ لم يكن أبو بكر من عائلة مرموقة حتى ترضى به العرب كلهم حاكمًا عليهم.فثبت أن الإسلام دين حق من عند الله تعالى.ولكن عقلية المسلمين فسدت فيما بعد، فظنوا أنهم قد حققوا هذه الانتصارات بقوتهم، وأخذ بعضهم يقول: إن بني أمية هم مصدر قوة العرب، فالخلافة حقهم.وقال بعضهم: إن بني هاشم هم قوة العرب في الحقيقة، وقال بعضهم: إن بني المطلب هم قوة العرب وقال بعضهم: إن الأنصار هم أحق بالخلافة إذ آووا النبي في ديارهم وهذا يعني أن المسلمين أصبحوا غير طبيعيين في سنوات قلائل
الجزء السابع 0.0 سورة النمل وزاغت طريقة تفكيرهم، وحاولت كل قبيلة منهم انتزاع الخلافة بالقوة، فأضاعوها.وكان السبب الآخر لفساد المسلمين نزوعهم إلى التمرد والعصيان.كان الإسلام قد نفخ فيهم روح المساواة، ولكنهم لم يدروا أن المساواة تعني النظام، إذ لا مساواة بدون نظام عادل ولكن لم تمض إلا سنوات قلائل حتى أخذت المسلمين فكرة أن الخزائن والأموال هي تغزو ملك لهم.فلما منعهم الحكام من ذلك بدأوا في قتلهم.هذه النزعة قد أفسدت المسلمين.كان عليهم أن يدركوا أن هذه حكومة إلهية وأن الله تعالى هو الذي أقامها فالأفضل لهم أن يتركوها في يد الله تعالى.ذلك لأن الله تعالى قد صرح في سورة "النور" أنه بنفسه يقيم الخلفاء، ولكن المسلمين بدأوا يظنون أنهم هم الذين يقيمون الخلفاء.فقال الله لهم: حسنًا، إذا كنتم أنتم تقيمون الخلفاء، فإني أخرج من القضية وأرى كيف تقيمونهم الآن.فظلوا لمدة يأكلون من الصيد الذي تصيّده الأوائل مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضوان الله عليهم.ولكن الصيد المذبوح لا يدوم طويلاً، فمثلاً إذا كان عندك كبش حي أو شاة حية أو دجاجة حية فستمدّك باللحم والبيض دائما، ولكن الدجاجة أو الشاة المذبوحة لن تدوم طويلاً، بل ستفسد بعد أيام.كان المسلمون في زمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلى يأكلون لحما طريا من الصيد، ولكنهم لما قضوا على الخلافة التي كانت روح حياتهم أخذوا يأكلون ما صاده آباؤهم بدلاً من أن يقوموا بصيد جديد طري، ولكن إلى متى يمكن أن ينفعهم الصيد القديم، إذ إن لحم الشاة المذبوحة ينتهي بعد أيام ولو كان عشرين كيلو غراما أو أكثر.هذا ما حدث مع المسلمين بالضبط، إذ انتهى ما كان عندهم من صيد قديم، فأصبحوا كالذي قيل فيه: رجَع بخُفِّي حُنين.لقد ذلوا وهانوا وضُربوا في كل مكان، وذهبت ريحهم وفقدوا مجدهم.إن المسيحيين لا يزالون يحافظون على خلافتهم الميتة حتى اليوم، ولكن المسلمين وأدوا خلافتهم الحية بأيديهم من جراء اتباع الهوى وثوائرهم النفسية العابرة وحب الدنيا وزخرفها.
٥٠٦ الجزء السابع سورة النمل لقد أقام الله تعالى اليوم بفضله الخلافة الراشدة في الجماعة الإسلامية الأحمدية بواسطة المسيح الموعود اللي إحياء للمسلمين مرة أخرى، فأوصي جماعتي وأقول: عليكم بالتمسك بالخلافة دائما، وتقديم التضحيات من أجل استمرارها، ولو فعلتم ذلك استمرت الخلافة فيكم إلى الأبد.إن الله تعالى لم يضع الخلافة في أيديكم إلا ليقول: كنتُ وضعتها في أيديكم، ولو أردتم دوامها لدامت فيكم.كان الله تعالى قادرًا على إقامة الخلافة بطريق مباشر من خلال الوحي والإلهام، ولكنه لم يفعل ذلك بل قال: سأقيم الخلافة بينكم لو أردتم أنتم ،دوامها، وكأنه تعالى يريد أن تقولوا بأفواهكم إنكم تريدون الخلافة أو لا تريدونها.فالآن لو سكتم أو لم تختاروا عند الانتخاب من هو أهل للخلافة، فستزول نعمة الخلافة من بينكم.فينبغي عليكم أن تتدبروا في أسباب دمار المسلمين دائمًا وأنقذوا أنفسكم من الموت.يجب أن تكون عقولكم متقدة وهممكم عالية، ولا تكونوا كصخرة تحول دون جريان النهر وتغيّر مجراه بل كونوا كالقناة التي تمرّر الماء بسهولة كونوا كالنفق Tunnel الذي تتدفق منه الفيوض الإلهية التي وصلتنا بواسطة الرسول وتحري إلى الأمام.فكونوا أُمة لا تموت أبدًا إذا أردتم النجاح.وإذا وقفتم كصخرة في طريق الفيوض الإلهية وصددتموها من الجريان، فاعلموا أن هلاككم قد حان، ولن يطول عمر أمتكم، بل ستهلكون كما هلكت الأمم السابقة.ثم يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهُ مَعَ اللَّهُ..أَي عليكم أن تفكروا من ذا الذي يرزقكم من السماء والأرض؟ هل هناك إله مع الله تعالى يمدكم بالرزق؟ لقد بين الله هنا أن الأمم لا تزدهر ماديًا أيضًا إلا بفضل الله تعالى، ذلك لأن الأمة التي لا تجتهد لا تحرز رقيًا، والأمة التي لا تصدق القول لا تزدهر أيضا، وأي شك في أن الله تعالى هو الذي يوفّق أفراد قوم لبذل المجهود وقول الصدق.إذًا، فإن أمة ماديا أيضًا لا يمكن أن يعزى إلى أحد سوى الله تعالى، وليس بوسع أحد تقديم دليل خلاف هذا ولو حاول ذلك لرفضه التاريخ نفسه.ازدهار
الجزء السابع سورة النمل ثم إن الله تعالى قد لفت هنا أنظار البشر إلى حقيقة أخرى، وهي أنه تعالى ما دام يمدكم بالرزق من أجل حياتكم المادية، فكيف يمكن أن لا يدبر نظام الرزق لحياتكم الروحانية التي هي غاية خلقكم؟ فإمداده إياكم بالرزق لحفظ أبدانكم واستمرار حياتكم يشكل دليلا على أنه قد هيأ الأسباب لإصلاح أرواحكم ونمائها، وإن وجود الأنبياء والمصلحين ثبوت واضح للرزق الروحاني.فإذا كان المشركون صادقين في دعواهم أن أصنامهم تتمتع بقدرات إلهية فلم لا يعرضون للناس مبعوثين من عند أصنامهم كالأنبياء الذين بعثهم الله تعالى؟ وإذا كانوا لا يستطيعون تقديم أي مدّع كهذا فثبت أن إشراكهم إياها بالله تعالى لا يستند إلى دليل بل هو هراء.قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَل أَدارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَة بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ (3) شرح الكلمات ادّارَكَ : أَصلُه تَدارَكَ، وتدارَكَ القومُ : تلاحقوا أي لحق آخرهم أولهم.(الأقرب) عَمُونَ: العمون جمعُ العَمي، وهو: ذو العمى.(الأقرب) التفسير: أي لا يعلم أحد في السموات والأرض الغيب سوى الله تعالى، بمعنى أن علم الغيب المطلق ليس إلا عند الله تعالى.أما هؤلاء الذين يعبدون الأصنام أو يدعون معرفة أخبار الغيب بالنظر في النجوم وغيرها فلا يستطيعون حتى أن يخبروا متى يزدهر قومهم.يهلكون باستمرار ولا يعرفون متى ينجون من الدمار.أما محمد رسول الله ﷺ فكان في البداية فردًا وحيدًا وقد أصبح اليوم سيدًا للملايين.لو كانت آلهتهم تملك شيئا من القوة أو لو كان هؤلاء يعلمون الغيب بالتنجيم فلم لا
0.1 الجزء السابع سورة النمل يخبرون عن زمن رقيهم؟ ولم لا يقدرون على إيقاف ازدهار محمد رسول الله ﷺ الذي ينكر معرفة علم الغيب مما سوى الله تعالى.وحيث إنهم لا يستطيعون الإخبار حتى عن زمن رقيهم فأي غيب يمكن أن يخبروا عنه؟ ثم يقول الله تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ منْهَا عَمُونَ..أي أنهم لا يعلمون مصيرهم، بل الحق أنهم يشكون في رقيهم، وإنما يتخبطون خبط عشواء.فكما أن الأعمى يتحسس بيده هنا وهناك، فتقع يده على خشب تارة، وعلى حديد تارة أخرى، ويجد الطريق المستقيم حينًا، ويسقط في حفرة حينا آخر؛ كذلك فإن هؤلاء القوم يقولون ما هو صحيح رجما بالغيب حينًا، ويعتبرون الباطل في أحيان كثيرة، والفرق الواضح بينهم وبين أنبياء الله تعالى أن الوحي الذي ينزل على الأنبياء يكشف غيب السماوات والأرض، أما أتباع الآلهة الباطلة فلا يوجد بينهم من يكشف غيب السماوات والأرض.ثم إن النبي ينبئ عن زمن ازدهار قومه، بينما لا يقدر أي من ممثلي الآلهة الباطلة أن يخبر متى تعاد الهته إلى الحياة ثانية أي متى يقوم دينهم الوثني في الدنيا.لقد نفد علمهم بهذا الصدد، بل الحق أنهم أصبحوا يشكون في رقيهم، إنما يتكلمون رجما بالغيب، بل الحق أنهم عميان بهذا الشأن ولا يعرفون شيئا عن مستقبلهم.بينما لا يزال نبي تعالى ينبئ عن انتشار وحدانية الله تعالى ويؤكد غلبتها، وبالفعل يحدث في الدنيا انقلاب عظيم.= الله وَقَالَ الَّذِينَ كَرُواْ أَعِذَا كُنَّا تُرَبَا وَ آبَاؤُنَا أَبِنَّا لَمُخْرَجُونَ : لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَطِيرُ الْأَوَّلِينَ (3) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ 79 فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (3)
الجزء السابع شرح الكلمات: ۵۰۹ سورة النمل أساطير: الأساطير مفردُ الإسطار الذي مفرده سطر.وقال المبرد: الأساطير مفردها أسطورة وهي ما يُسطّر أي يُكتب (الأقرب) التفسير: أي يقول الكافرون أإذا متنا نحن وآباؤنا وأصبحنا ترابًا فهل تعاد للحياة مرة أخرى؟ لقد وعدنا نحن وآباؤنا بهذا من قبل، ولكن هذا لن يحدث أبدا، بل الحق أن كل هذه الضجة عن الحشر والنشر مجرد هراء وتقليد لأقوال السابقين.يقول الله تعالى للكافرين في الجواب سيروا في الأرض لتروا كيف كان مآل المجرمين.لم لا تدركون أن الله الذي يُري المجرمين في الدنيا مشهدًا كيوم القيامة بعقابهم على جرائمهم، لا يُعجزه أن يُريهم مشهد القيامة في الآخرة؟ إن أكبر اعتراضهم هو أن الناس يتحدثون منذ آلاف السنين عن مجيء القيامة، ومع ذلك لم تأت القيامة حتى اليوم، وهذا دليل على أن كل هذه الضجة عن القيامة باطلة.عليهم أن يفكروا فيما إذا كان الله قادرًا على إقامة القيامة أم لا.وإذا كان قادراً على ذلك حيث يرون مشاهد كثيرة كمثل القيامة في الدنيا، فكيف يقولون لماذا لم مر تقم القيامة؟ فثبت أن قولهم مجرد هراء مثير للضحك.ولذلك قال الله تعالى: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ))..أي ألم تروا المجرمين على العصور كيف نالوا العقاب دائما، إذا، فكيف ظننتم أنكم ستنجون من العقاب؟ وكما أن عقاب المجرمين وهلاكهم في الماضي وفي هذه الدنيا كان دليلاً على القيامة في الآخرة، كذلك عندما يحل بكم العذاب في الدنيا سيكون دليلاً لكم على قيامتكم في الآخرة.وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (2) ۷۱ التفسير : لقد أخبر الله من قبل أن الذين يعادون محمدًا رسول الله لن ينجوا العقاب، بل سيحل بهم حتمًا كما حل بالذين خلوا من قبلهم.وهذا الخبر قد أحزن النبي كثيرًا إذ لم يُرد هلاك قومه ولا أن يكونوا هدفًا لغضب الله تعالى؛ من
الجزء السابع ۵۱۰ سورة النمل ولذلك قد طمأن الله رسوله هنا وقال يا محمد لا تحزن على هلاكهم إذ سيحلّ بهم لا محالة ولكنهم لا يُهلكون كلية بل سيتأخر هلاكهم التام بعض الوقت، وسيستمرون في نسج المؤامرات ضدك حتى ذلك الحين، ولن يألوا جهدا للقضاء عليك، فلا تنزعج من مكائدهم إذ لن ينجحوا فيها أبدًا بل ستبوء كلها بالفشل الذريع.وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ ( قُلْ ۷۲ ۷۳ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِن صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ Vo شرح الكلمات : تُكنُ: كَنَّ الشيء وأَكنَّه ستّره في كنه وغطاه وأخفاه.(الأقرب) التفسير: أي أن هؤلاء الكافرين قد بلغوا من التمرد غايته إذ لا ينتفعون من المهلة الممنوحة لهم ولا يصلحون أنفسهم عاملين بأحكام الله تعالى، وإنما يسألون بكل جسارة: متى يتحقق وعد العذاب هذا إن كنتم صادقين؟ فقل لهم: قد يكون بعض العذاب الذي تستعجلون به قادمًا وراءكم..أي أن ساعة هلاككم التام ستتأخر بعض الوقت ولكن لا بد أن تتعرضوا قبله لصنوف العذاب البسيط، فكفوا عن جسارتكم إذ لا قبل لأحد بعذاب الله تعالى.أما سؤالكم: لماذا يتأخر العذاب الأكبر عنكم، فجوابه: أن الله تعالى لذو فضل على عباده، ويريد بهذه المهلة إنقاذ الذين يمكن إنقاذهم، ولكن المؤسف أن الناس لا يشكرونه بل يزدادون بسبب
۵۱۱ الجزء السابع سورة النمل المهلة كبرًا ،وشراً، ولا يدرون أن ربك يعلم ما يخفون من نواياهم وما يعلنون من أعمالهم، ويرى أنهم يستحقون عليها العقاب، ومع ذلك يُمهلهم رحمةً منه وفضلاً.وَمَا مِنْ غَابِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3) ٧٦ إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَءِيلَ أَكْثَرَ الَّذِى هُمْ فِيهِ تَحْتَلُونَ وَإِنَّهُ هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ ۷۷ ج ۷۸ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم لِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ فَتَوَكَّلْ صلے عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (1) شرح الكلمات: ^.۷۹ غائبة من الغيب الذي استُعمل في كلّ غائب عن الحاسة وعما يغيب عن علم الله الإنسان بمعنى الغائب.(المفردات) التفسير : أي ما من شيء خفي في السماء والأرض إلا وهو محفوظ في علم تعالى حفظًا تامًا.والدليل على ذلك هو أن القرآن الكريم يبين أكثر الأمور التي يختلف فيها بنو إسرائيل، ويكشف الحقَّ للناس وإن كان مغطى تحت آلاف الحجب؛ فلا يملك العاقل أمامه إلا الاعتراف بصحة موقف القرآن وخطأ موقف الكتاب المقدس.فمثلاً ورد في الكتاب المقدس أن موسى ال لما ذهب إلى الطور من لرؤية التجلي الإلهي انضم هارون في غيابه إلى المشركين، فصنع لهم عجلا الذهب وأخذ في عبادته الخروج ۳۲ (٦۱ ، ولكن القرآن الكريم يعلن أن هارون ال لم يشرك أبدًا، وإنما هي تهمة شنيعة نجسة ألصقت به، بل الحق أنه قد نهى بني إسرائيل عن عبادة العجل بكل شدة وقال: يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) (طه: ۹۱)..أي يا قوم إنما أُلقيتم في الاختبار
۵۱۲ الجزء السابع سورة النمل بسبب هذا العجل وإن ربكم الرحمن الذي لا يزال يعينكم حتى قبل ولادتكم، وقد أنعم عليكم بنعم كثيرة، أما العجل فلن ينفعكم شيئًا، فلماذا تخرّون أمامه ساجدين؟ ثم بين القرآن الكريم أن هذا العجل إنما صنعه شخص خال من الروحانية واسمه السامري.لقد نزل القرآن الكريم بعد موسى بألفي سنة، بينما دونت التوراة في زمنه بحسب المؤمنين بها ، أفليس غريبا أن الكتاب من زمن موسى يتهم هارون - عليهما السلام - والكتاب الذي نزل بعده بألفي سنة يُبرئ ساحته؟ ثم لو فحصنا هذا الأمر على ضوء علم النفس لوجدنا موقف القرآن الكريم هو الصحيح ذلك أن التوراة تعترف بنزول وحي الله على هارون ال، فما دام هو من عباد الله المختارين فكيف يمكن أن يشك في وجود الله تعالى الذي يُنزل عليه الوحي؟ إذ لا يمكن أن يعبد العجل إلا الذي يشك في وجود البارئ تعالى، أما الذي يتلقى الوحى من الله تعالى فكيف يشك في وجوده تعالى؟ فثبت أن التهمة التي ألصقتها التوراة بهارون الباطلة تماما بحسب علم النفس أيضًا، وهو أمر لا بد لكل عاقل من الاعتراف به.مئات وإن كبار علماء الإنجليز الذين أعدّوا الموسوعة البريطانية أيضًا قد تناولوا هذا الموضوع واعترفوا ببطلان قصة وقوع هارون في الشرك، بل استدلوا من هذه القصة على إضافات كثيرة دست إلى التوراة الأصلية فيما بعد.(الموسوعة البريطانية المجلد ٤ تحت the golden calf ، والمجلد ١٥ تحت: Moses) كذلك تزعم التوراة أن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر كان عددهم الآلاف الخروج) ۱۲ (۳۷)، ولكن القرآن الكريم قال عن عددهم : وَهُمْ أُلُوف (البقرة : ٢٤٤)..والتاريخ وكذلك الأحداث المفصلة من التوراة نفسها تؤكد أنهم لم يكونوا مئات الآلاف بل كانوا عدة آلاف، إذ من المستحيل أن يجتمع مئات الآلاف من الناس من مختلف أنحاء مصر ويصلوا إلى بحر قلزم في فترة وجيزة، كما لا يمكن أن تتيسر الدواب لحمل هذا العدد الهائل من الناس.فإننا نعيش اليوم في
۵۱۳ الجزء السابع سورة النمل عصر الأجهزة والآلات ولو أردنا نقل أربعين ألف شخص من مكان إلى آخر في وقت قصير بالباصات والقطارات لم نتمكن من ذلك، فما بالك بجمع ونقل مئات الآلاف على متن الخيول والثيران والحمير مسافة تبلغ مئات الأميال؟! كذلك يقول القرآن الكريم والتوراة أيضًا إن الله تعالى أمر إبراهيم العلم بذبح ابنه، ولكن يتبين لنا عند الخوض في التفاصيل أن حُكم الذبح الوارد في التوراة يبدو بلا حكمة، بينما يبدو حُكم الذبح في القرآن الكريم أمرًا حكيمًا جدا.لا شك أن هناك اختلافا بين المصدرين حول الابن الذبيح إذ ترى التوراة أنه إسحاق، بينما يقول القرآن الكريم إنه إسماعيل (الصافات:۱۰۳)، ولكن هذا لا يغير من الأمر الواقع كثيراً ألا وهو أن الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ابنه فرضي بذلك.ولكن فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي لهذه الواقعة فإن بيان القرآن الكريم يبدو معقولاً جدًا، بينما يبدو بيان التوراة بلا حكمة، حيث ورد فيها: "إن الله تعالى امتحن إبراهيم فقال له : يا إبراهيم؟ فقال: ها أنا ذا.فقال: خُذ ابنك وحيدك الذي تحبّه إسحاق، واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك مُحرَقةً على أحد الجبال الذي أقول لك." (التكوين ٢٢: ١-٢) وتقول التوراة أن إبراهيم العمل بأمر الله تعالى فربط إسحاق ووضعه على المذبح فوق الحطب، وأخذ السكين ليذبح ابنه، فناداه ملاك الرب من السماء وقال: إبراهيم إبراهيم؟ فقال: ها أنا ذا فقال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئًا، لأني الآن علمتُ أنك خائف الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني.إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه مُمسكًا في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش، وأصعده مُحرقة عوضًا عن ابنه." (المرجع السابق: ٩- ١٣) وهذا يعني أن إسحاق العلة لم يُذبح - بحسب التوراة – ماديًا ولا معنويا.وهكذا تبدو القصة الواردة في التوراة - والعياذ بالله - أضحوكة مع إبراهيم من قبل الله تعالى، إذ ما الجدوى في أن يأمر الله تعالى إبراهيم بذبح إسحاق أولاً ثم يمنعه فيما بعد؟ إذا كان الله تعالى يريد أن يكتشف إيمان إبراهيم فقط، فالسؤال الذي يفرض نفسه هو: ألم يكن الله تعالى يعلم من قبل أنه إنسان بار صادق
الجزء السابع ٥١٤ سورة النمل الإيمان وأنه يطيع أوامره دونما تردد؟ فما دام الله تعالى علم ذلك سلفًا فأمره بالذبح ثم لهيه عنه يصبح أمرًا عبثا خاليًا الحكمة.من ولكن القرآن الكريم يخبرنا أن ذبح إسماعيل الذي أمر الله تعالى به إبراهيم إنما كان ذبحا مجازيًا، إذ لم يرد أن يذبح ابنه بالسكين، بل كان المراد من ذبحه أن يسكنه – لإعلاء كلمة الله - في مكان قفر لا يوجد فيه طعام ولا شراب.فيخبرنا القرآن أن الله تعالى قد منع إبراهيم من ذبح إسماعيل، ولكن لم يمنعه من العمل بالتأويل الحقيقي لمنامه وهو ترك إسماعيل في واد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، بل قد أمره الله تعالى بالعمل بحسب هذا التأويل، ونتيجة لعمله به تجد مكة حتى اليوم عامرة بذرية إسماعيل ويُعبد الله وحده فيها ويُدعى الناس إليه سبحانه.إذا، لم يكن قربان إسماعيل ال عملاً ظالما وحشيًا بل كان عملاً حكيما نافعا للدنيا حتى اليوم، حيث يُرفع اسم يُرفع اسم الله تعالى من خلال ذرية إسماعيل ال في ذلك الوادي الخالي من الزرع، ويجتمع فيه مئات الآلاف من الناس في موسم الحج، وكل واحد منهم ينادي: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك "..أي اللهم إني حاضر لديك كما حضر إبراهيم، لا شريك لك ولا معبود سواك، ها إني حاضر لنشر وحدانيتك.إذا، فلا مقارنة بين القصة التي تحكيها التوراة وبين ما ذكره القرآن الكريم، إذ يبدو ما ورد في التوراة حُكمًا همجيًّا خاليًا من أي حكمة، فماذا عسى أن ينفع الدنيا ذبح إسحاق بالسكين؟ أما إقامة إسماعيل في مكة فنفعته هو والدنيا أيضًا، إذ أصبح إسماعيل معلما عظيمًا للتوحيد، كما تمكنت الدنيا بواسطته من عبادة الله الأحد.فلو حذفت مكة من خريطة العالم لم يبقَ في الدنيا كلها مركز واحد لوحدانية الله تعالى، ولو محوت قربان إسماعيل من التاريخ لما كان هناك سبيل لخلق الحماس في الناس لينذروا حياتهم لإعلاء كلمة الله تعالى.إذًا، فإن القرآن الكريم يزيل غبار التحريف المتراكم على بيان التوراة للأحداث على مر القرون، ويعرضها على الدنيا بشكلها الحقيقي، وبالتالي يقدّم الدليل على
الجزء السابع ٥١٥ سورة النمل صدق قول الله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ غَائِبَة فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِين..أي أن أخفى خفايا السماوات والأرض المحفوظة في علم الله تعالى.ثم إن القرآن الكريم لا يسلّط الضوء على الحقائق التي يختلف فيها المسلمون وبنو إسرائيل فحسب بل يكشف للعالم حقيقة الأمور التي يختلف فيها اليهود والنصارى فمثلاً يقول اليهود بالإجماع أن المسيح (ال) ولد – معاذ الله - ولادة غير شرعية، حيث يقول بعضهم أنه ولد نطفة يوسف النجار من دون من - أنه ولد زواج.(الموسوعة البريطانية مجلد ٥ ص ۱۰۲ تحت Celsus)، ويقول بعضهم نتيجة علاقات غير شرعية بين مريم وجندي رومي اسمه بانسيرا؟ (الموسوعة اليهودية مجلد ه ص ۱۷۰ تحت: Jesus).بينما يقول الإنجيل عن ولادة المسيح العل: "أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وُجدت حُبلى من الروح القدس." (متى ١: ١٨) = إذا، فهناك اختلاف كبير بين اليهود والنصارى حول ولادة المسيح، فجاء القرآن الكريم وفصل بين الفريقين بكلمات صريحة واضحة: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا قد فَنَفَحْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: ٩٢)..أي أن مريم حافظت على كل منافذها من الوقوع في الإثم فاتهامها بالفاحشة افتراء شنيع لأنها حملت في الواقع بروح طاهرة نفخناها فيها.ثم هناك دعوى عيسى ال بأنه هو المسيح، ولكن اليهود ينكرون رسالته أصلاً، أما المسيحيون فبدلاً من أن يعتبروه رسول الله اتخذوه ابن الله ولكن الإسلام عرض على العالم نظرية صحيحة تتنافى مع موقف اليهود والنصارى كلهم، فبين أن اليهود مخطئون حيث كفروا بالمسيح كلية، وأن النصارى أيضا مخطئون إذ اعتبروه إلها، إنما الأمر الحق أن المسيح لم يكن إلا رسولاً إلى بني إسرائيل.(آل عمران: ٥٠) وقال اليهود أن المسيح أصبح ملعونًا بموته على الصليب (تثنية ٢٣: ٢١، وغلاطية ۱۳ (۳)، وقال النصارى أنه بعد موته على الصليب مكث في الجحيم ثلاثة أيام فداء عن آثام الآثمين، ثم عاد إلى الحياة وصعد وجلس على يمين الله (رسالة بطرس الأولى : ١٨، والموسوعة البريطانية تحت : Creed).ولكن القرآن الكريم أعلن أن كلا الفريقين
الجزء السابع على ٥١٦ سورة النمل الخطأ، فلم يمت المسيح على الصليب بل أغمي عليه وهو على الصليب، فظن الناس أنه قد مات والحق أنه قد أنزل من على الصليب حيا (النساء: ١٥٨)، وأنه لم يصعد إلى السماء بعد نجاته من الموت على الصليب، بل ذهب الله به إلى بلاد كشمير (المؤمنون: (٥١)، وأنه قد نشر دينه هناك مدة طويلة.إذا، فالقرآن الكريم يفصل بين اليهود والنصارى فيما اختلفوا فيه، كما يسلّط الضوء على ما يختلف فيه المسلمون وبنو إسرائيل، وهكذا يصير هدى ورحمة للناس.ثم يقول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)..أي أنه تعالى لن يرفع بالقرآن الكريم الخلاف الموجود بين بني إسرائيل فحسب، بل سيقضي بحكمه بين شتى طوائفهم وفرقهم ويجعل الصادقين غالبين والكاذبين مغلوبين، لكونه تعالى: هُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).وبالفعل أصبح المسيحيون بعد نزول هذه الآية غالبين في كل مكان، بينما صار اليهود الكافرين بالمسيح الا مغلوبين.ولكن لما كانت غلبة المسيحية تمثل خطرًا دائمًا على الإسلام وكانت مسؤوليات جسام ستلقى على المسلمين لنشر الإسلام، فقال تعالى إثر خبر غلبة المسيحية فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهُ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِين..أي عليك أن تستمر في إشاعة دينك متوكلاً على الله تعالى، لأن المسيحية وإن كانت على الحق في اختلافها مع اليهودية، إلا أن الحق المبين هو عند الإسلام فقط.فاتخذ كل تدبير لنشر الإسلام موقنا أن الله تعالى سيجعلك من الناجحين، وستصبح راية الإسلام في الدنيا أعلى من كل راية.ولكن المؤسف أن المسلمين في هذا العصر قد فهموا التوكل فهما خاطئًا تماما، فظنوا أن التوكل هو أن لا يتخذ المرء أي تدبير لإنجاز أمور دينه بل يتركه الله لينجزها بنفسه.والغريب أنهم يُبدون هذا النوع من التوكل في أمور دينهم لا في أمور دنياهم.فمثلاً إذا أصيب قريب لهم بمرض بادروا إلى المستشفى للدواء والعلاج ولم يجلسوا في البيت عاطلين محتجين بأن الله تعالى نفسه سيشفيه، وإذا مرض أحد منهم فلا يقول: لن يضرني مرض الملاريا أو الطاعون أو الكوليرا، بل
الجزء السابع ۵۱۷ سورة النمل يهرع إلى العلاج فوراً، ويدفع أجرة الأطباء والدواء متخذا كل تدبير ممكن بدلاً من الجلوس تواكلاً على الله تعالى.كذلك لن تجد أحد الطلاب يقول لا حاجة بي للالتحاق بالمدرسة وشراء الكتب أو الدراسة، فإني قد توكلت على الله حق التوكل، وسيجعلني من الفائزين.كذلك لو احتاج أحد منهم إلى بناء بيت فلن يقول، ليس بي حاجة لأن أشتري مواد البناء من لبن وطوب أو آتي بالمعماريين والعمال، فإن الله تعالى نفسه سيبني لي بيتًا.أو لو رجع أحدهم إلى البيت جائعا فوجد زوجته لم تهيئ له شيئا، فلما سألها الطعام قالت لا حاجة بي لإعداده لأن الله تعالى سيمدنا به إذ قد وعد أن يرزق كل حيوان وإنسان؛ أفتظن أنه سيفرح بأن زوجته متو وكلة على الله حقا، أم يتميز غيضًا؟ ولربما يضربها بالعصا إذا كان من الهمجيين غير المهذبين.فبرغم هذه الحقائق كلها في أمور دنياهم يلجأ الناس إلى التوكل الزائف في أمور دينهم حينما يتعلق الأمر بشؤون دنيانا من طعام وبيت ووظيفة وما إلى ذلك لا نلجأ أبدا إلى هذا التوكل الزائف، بل نتخذ كل خلقه الله لذلك.فمثلا برغم علمنا أن الله تعالى قد أعلن أن بيده الموت والحياة، والذلة والعزة والضيق والرخاء، إلا أننا نسعى جاهدين لأن نتخذ كل تدبير ممكن ضروري لإنجاز أمور دنيانا فنتخذ كل سبب للحياة لنتجنب الموت، ونتخذ كل تدبير للعزة لنتجنب الهوان ولا ندخر وسعا لجلب المال لنتجنب الفقر، ولكن عندما يتعلق الأمر بالدين نقول بدون حياء: سينجز الله تعالى بنفسه أمور دينه ولا داعي للقلق.كنت ذات مرة قادمًا بالقطار من لاهور في عهد الخليفة الأول له، فركب معي في العربة أحد المتصوفين المشهورين وكان يريد مني أن أشفع له عند بعض أفراد جماعتنا.فأخرج أثناء الحديث منديلاً فيه زبيب، فوضع المنديل أمامي وقال: تفضل وكُل.وكان هذا المتصوف قد نشر فتوى ضد جماعتنا بأن التعامل والحديث مع الأحمديين حرام قطعًا، ومن فعل ذلك أو اشترك في اجتماعاتهم فسخ زواجه وحل الطلاق من زوجته وأتذكر جيدا أنه بعد نشر هذا الرجل فتواه ذهب سيدنا المسيح الموعود العليا إلى سيالكوت وألقى هناك.محاضرة.ولما وصلنا قريبا من مكان
۵۱۸ الجزء السابع سورة النمل المحاضرة رأيت كبار المشائخ واقفين في الطريق حاملين فتوى هذا المتصوف وكانوا ينهون الناس عن حضور الاجتماع مهددين إياهم بفسخ النكاح، قائلين أن من ذهب لسماع محاضرة هذا الرجل أصبحت زوجته مطلقة، ومن زار الأحمديين أصبحت زوجته مطلقة، ومن سلّم عليهم أصبحت زوجته مطلقة! ورأيت أن بعض الناس كان يتضايق من قولهم ويقول: فليفسخ نكاحي فإني سأعقد القران ثانية بإعطاء روبية واحدة وربعها لبعض المشائخ، أما حضرة المرزا فلن يأتي هنا كل يوم ولا بد أن أسمع خطابه، ثم يدخل مكان الاجتماع.لقد مدّ هذا المتصوف منديله أمامي ودعاني لتناول الزبيب بالرغم من أنه كان صاحب تلك الفتوى ضد الأحمديين، وبرغم أنه كان يعلم أني ابن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية.لقد كرهت أن أكل منه شيئًا بسبب فتواه إلا أن الله تعالى قد أوجد لي عذرا بفضله، وهو أنني كنت مصابا يومئذ بالزكام والسعال، وأكل الزبيب يزيد هذا المرض.فاعتذرت إليه قائلاً: أرجوك أن تعذرني من أكل الزبيب لأني مصاب بالزكام.فقال: كلا لن يضرك أبدًا، ويمكنك أن تجرب.فرفضتُ وقلت: إني أعلم بالخبرة أن أكله سيضرني حتمًا.قال: كل هذا كلام فارغ، فإن الأمر كله بيد الله، ولا يكون إلا ما يشاء الله.قلت: لقد تأخرت كثيرًا في إعلامي بذلك، إذ لو أخبرتني بذلك عندما كنا في لاهور لتجنبت أنت وأنا من الخسارة قال كيف؟ قلت: لقد أخطأنا نحن الاثنين حين اشترينا تذاكر القطار - كان قادمًا إلى "أمر تسر" وأنا إلى "بتالا"- لو علمنا هذه المسألة عندها لم نستأجر عربة حصان أو لم نشتر تذاكر قطار، لأن الله تعالى كان سيوصلك إلى أمرتسر ويوصلني إلى قاديان لأنه هو الذي يفعل كل شيء! قال: ولكن لا بد للإنسان من تدبير قلت وأنا أيضا أتخذ التدبير، فلا أكل الزبيب في مرض الزكام.إذا، فإن الإنسان يتذكر اتخاذ التدبير ما دام الأمر يخصه، ولكن حين يخص الأمر دين الله تعالى فيقول بدون تردد لا حاجة بي لاتخاذ أي تدبير لأن الله تعالى أن الله تعالى هو الذي سينجز شؤون دينه كلها، كما أنه هو نفسه ينجز شؤون دنيانا أيضًا في الواقع، إذ لا ننجح في شتى أمور الدنيا إلا سينجزه بنفسه! لا جرم
۵۱۹ سورة النمل الجزء السابع بفضله تعالى، وليس بمحض جهودنا، وإلا فيجب أن ننجح في كل أمر دائما، ولكنا ننجح في بعضها ونفشل في بعضها.فمثلاً هناك آلاف الطلاب الذين يجتهدون ويفوزون في الامتحانات، وهناك آلاف آخرون يجتهدون فيفشلون.وهناك آلاف الناس الذين يجتهدون وينالون العزة، وهناك آلاف آخرون يبذلون كل ما في لينالوا العزة فيصبحون أكثر ذلاً وهوانًا من ذي قبل.فثبت أن الله تعالى هو وسعهم الذي ينجز كل شيء، ولكن مما لا شك فيه أيضًا أن الأمر لو كان يتطلب من المؤمن اتخاذ تدبير و لم يتخذه حلّ عليه عقاب الله وصار هدفًا لبطشه وعذابه.الله تعالى في القرآن الكريم مثالاً واضحًا لذلك فيما حصل بقوم موسى العليا، فقد وعدهم الله تعالى بأنه سيعطيهم أرض كنعان، كما وعدنا الله تعالى أنه يجعلنا ملوك الدنيا، ولكن الله تعالى أخبرهم أيضًا أن سبيله أن يذهبوا ويقاتلوا أهل كنعان، فيفتحها الله على أيديهم.فلما أمرهم موسى الا بذلك قالوا له: لقد الله تعالى بأرض كنعان، فعليه أن يفي لنا بوعده بنفسه، لماذا يدفعنا نحن إلى الهلاك؟ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (المائدة: ٢٢-٢٧)..أي لقد بين وعدنا اذهب أنت مع ربك وقاتلا الأعداء فإذا فتحتها أخبرنا فسوف ندخلها حتما! وهل تعرف نتيجة قولهم هذا؟ لقد حرّم الله عليهم أرض كنعان أربعين سنة رغم وعده بإعطائهم إياها وضرب عليهم الذلة والمسكنة حتى مات كل أولئك القوم المعترضين على موسى تائهين في البراري، ثم أنجز الله تعالى وعده على أيدي ذرياتهم.فثبت أن الأمور التي تتطلب اتخاذ التدابير من قبل العباد لا تنزل نصرة الله بشأنها - رغم وعد الله وقراره ومشيئته وإرادته - ما لم تستعد الأمة كلها لتقديم التضحية في سبيلها، أما إذا ترددت في تقديم التضحية فلن ينفعها التوكل الزائف ولن يحالفها النجاح.ورد في الحديث أن شخصا سأل الرسول ﷺ مرة: يا رسول الله، أأعقلُ ظلف بعيري أولاً ثم أتوكل، أم أتركه هكذا متوكلاً على الله ؟ فقال النبي ﷺ: "اعقلها توَكَّلْ." (الترمذي: أبواب صفة القيامة)..أي عليك أن تقوم بالعمل أولاً ثم تترك
الجزء السابع سورة النمل نتيجته الله تعالى.ومن أجل ذلك نجد الصحابة يعملون ليل نهار، وكان الرسول ﷺ رضي نفسه يعبد الله تعالى حتى تتورم قدماه من طول القيام.فقالت له عائشة مرة: لماذا تعبد الله طويلاً وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما الله عنها - تأخر؟ قال : أفلا أكون عبداً شكورًا الله تعالى؟ (البخاري: كتاب التهجد، باب با قيام النبي حتى ترم قدماه) : فلو كان التوكل يعني أن يجلس المرء عاطلاً لكان النبي ﷺ أولى بذلك إذ كان أكبر المتوكلين، ولكن الواقع أنه كان أكثر الناس عملاً.ولو كان هذا هو معنى التوكل وجب أن يكون أهل الجنة عاطلين، ولكن القرآن الكريم يخبرنا أن أهلها سيكونون مشغولين بأعمال كثيرة حيث قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) (يس: (٥٦).ما دام الله تعالى يهيئ للمؤمنين كل شيء في الجنة كان المفروض أن يجلسوا فيها عاطلين كل الوقت ولكن الله تعالى يقول عنهم: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغْلِ فَاكِهُونَ ولفظ (شغل نكرة ويراد به التعظيم، والمراد أنهم سيكونون مشغولين بعمل عظيم.والفرق الوحيد أن الإنسان لن يصاب في الجنة بالسأم والملل والنصب من العمل بل يفرح بقيامه ويشعر بالبشاشة والانبساط.باختصار، إن المسلمين في هذا العصر يفهمون التوكل فهما خاطئًا تماما، فإذا مع كان الشيء بحسب رغبتهم قاموا به، وإذا لم يرغبوا فيه قالوا: نتوكل على الله أنه لو كان هذا هو التوكل على الله لما كانت ثمة حاجة إلى صلاة وصوم وحج وزكاة وغيرها من الأحكام، بل كان يكفي المرء أن يقر بالإيمان بلسانه فقط.فالمفهوم الصحيح للتوكل أن يأخذ المرء بالأسباب التي خلقها الله تعالى لإنجاز شيء، ثم يُنيب إلى الله تعالى ويقول: ربِّ، قد فعلتُ كل ما كان بوسعي، فإذا كان هناك تقصير في عملي فعوّض عنه بفضلك، وأت بالنتيجة الطيبة لعملي متغاضيًا عن أما تقصيري وخطئي.ولو فعل ذلك حالفته نصرة الله تعالى، ونجح في كل شيء.الذي لا يحرك ساكنا أنه ويزعم متوكل على الله تعالى فهو يسخر من التوكل ويجلب عليه سخط الله تعالى.
الجزء السابع ۵۲۱ سورة النمل إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلوا صلے مُدْبِرِينَ الله وَمَا أَنتَ بِهَندِى الْعُمَى عَن ضَلَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِشَايَتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ الصم ۸۲ التفسير : لقد قال الله تعالى من قبل لرسوله إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ، أما الآن فيبين أن من الناس من ينكر الحق مهما كان واضحًا بينا، فكون هذا القرآن الحق المبين لا يعني بالضرورة أن الجميع سيقبلونه.إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى..أي لن تستطيع أن تُسمع الذين قد ماتت قلوبهم وخلت من خشية خشية الله ومحبته.وَلا تُسْمِعُ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ..ولن تستطيع أن تُسمع الذين لا يقدرون على سماع شيء، ولا سبيل لهدايتهم خاصةً إذا ما ولّوا مدبرين عمن يكلمهم، إذ لا يعودون قادرين على فهم إشارته أيضًا.وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ..أي لا تستطيع أن تنقذ من الضلال من هو أعمى ولا يريد أن يتبع البصيرة، إنما تستطيع أن تُسمع الحق وتشرحه لمن يؤمن بآيات الله، فهؤلاء هم الذين يدخلون في الإسلام في نهاية المطاف.وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةٌ مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِطَايَتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) شرح الكلمات: ۸۳ تكلّمهم كلّمه: حدثه؛ وجرحه.(الأقرب) التفسير : أي عندما يصدر من السماء القرار بعقاب هؤلاء الموتى والصم والعمي روحانيا، سيُخرج الله من الأرض دودة تجرحهم، وسننــزل عليهم هذا العذاب لأنهم لم يوقنوا بآياتنا.
الجزء السابع واعلم ٥٢٢ سورة النمل أن نبأ خروج دابة الأرض هذا قد أوضحه النبي في أحاديث أخرى، وأخبر أن خروجها سيكون في آخر الزمان الذي هو زمن ظهور المسيح والمهدي (تفسير ابن كثير).كما بين النبي ﷺ أيضًا أنه عندما تشتد المعارضة ضد المسيح الموعود فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم." (مسلم: كتاب الفتن، باب ذكر الدجال)..أي أن معارضي المسيح الموعود سيصابون بمرض الدمامل في رقابهم بأمر الله تعالى فيهلكون بها.وعندما ندرس هاتين الروايتين معًا يتضح لنا جليًا أن دابة الأرض التي أخبر القرآن عن ظهورها هنا هي في الواقع مرض الطاعون الذي قد تفشى في زمن المسيح الموعود الله وأهلك مئات الآلاف من الناس.وسبب هذا المرض دودةٌ تدخل في جسم الإنسان من الأرض، فيظهر دمل خطير في عنقه أو عند أصل الفخذ، ولذلك سمى النبي هذه الدودة دابة الأرض وأيضًا النغف.وبما أن النبي قد اعتبر خروج دابة الأرض من علامات الزمن ﷺ قد الأخير، فثبت أن قوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) إنما يشير إلى أولئك القوم الذين يكذبون المسيح الموعود الل، ولن يروا آيات السماء لمرضهم الروحاني، ولن يسمعوا كلام الله تعالى جرّاء صممهم الروحاني، ولن يفعلوا الخيرات لحرمانهم من الحياة الروحانية.وسيبطش الله تعالى بهم من جراء معاصيهم فيسلّط فيسلّط عليهم الله دودة أرضية لتهلكهم.لقد تردوا وأصبحوا ديدانًا أرضية بكفرهم بآيات الله، فيسلّط الله عليهم دودة من الأرض كعقاب.فهذه نبوءة عظيمة قد تحققت في عهد المسيح الموعود ال.وقد أشارت إليها أنباؤه العلم أيضا بكل وضوح وجلاء.وبيان ذلك أنه لما وقع خسوف القمر بحسب نبوءة النبي الله في الليلة الثالثة عشرة من رمضان وكسوف الشمس في اليوم الثامن والعشرين من رمضان نفسه أخبر الله المسيح الموعود الله أن الناس إذا لم هذه الآية و لم يؤمنوا به الله فسينزل عليهم عذاب شديد.فقد كتب ينتفعوا من العليا بصدد هذه الآية ما نصه:
الجزء السابع "I سورة النمل وحاصل الكلام أن الخسوف والكسوف آيتان مخوفتان وإذا اجتمعا فهو تهديد شديد من الرحمن، وإشارة إلى أن العذاب قد تقرر وأكّد من الله لأهل العدوان." (نور الحق الجزء الثاني، الخزائن الروحانية ص ٢٣٢) وتحقيقا لهذا النبأ ألقى الله في روع المسيح الموعود الله أن يدعو لنزول وباء عام حيث قال ال عام ١٨٩٤م في قصيدة عربية: فلما طغى الفسق المبيد بسيله تمنيت لو كان الوباء المتبـــرُ فإن هلاك الناس عند د أُولي النهى أحَبُّ وأَولَى من ضلال يُحْسِرُ (حمامة البشرى الخزائن الروحانية المجلد ٧ ص ٣٢٦) ثم في عام ١٨٩٧م كتب حضرته ال ما تعريبه: لقد تلقيت إلهاما من الله تعالى: "يا مسيحَ الخلق عدوانا"..أي يا مسيح الخلق اهتم بمرضنا.وأضاف بعد ذلك قائلاً: مومبي "فلا ندري بأي وقت تتعلق هذه الأخبار ومتى تتحقق.فترون أنهم يموتون بالدعاء تارة ويحيون بالدعاء تارة أخرى." (سراج منير، الخزائن الروحانية المجلد ١٢ ص ٧٠-٧١) عندما أُشيعت هذه النبوءة الأخيرة كان الطاعون قد تفشى في مدينة مومباي فقط، وكان انتشارها فيها قد توقف بعد سنة، فكان الناس فرحين أن الأطباء قد تمكنوا من إيقافه ولكن أنباء الله تعالى كانت خلاف ذلك.فبينما كان الناس يعتبرون هجمة الطاعون هجمة عابرة، إذ كان قد خف واختفى من منطقة وكانت منطقة بنجاب محفوظة منه ما عدا قرية أو قريتين، نشر المسيح الموعود العلية إعلانا آخر قال فيه ما تعريبه: "هناك أمر هام آخر أجدني مندفعا لذكره هنا بدافع الشفقة على الإنسانية.وبرغم أني أعلم جيدًا بأن المحرومين من الروحانية سيضحكون علي بسببه ويستهزئون، إلا أني أرى كشفه للناس واجبًا علي شفقة على الإنسانية، وهذا الأمر هو: أني رأيت في المنام اليوم ٦ فبراير/ شباط ۱۸۹۸م يوم الأحد أن ملائكة الله يغرسون في شتى مناطق البنجاب أشجارًا سوداء كريهة الشكل مخيفة المظهر
٥٢٤ سورة النمل الجزء السابع وقصيرة الطول، فسألت بعض هؤلاء الزارعين : ما هذه الأشجار؟ فقالوا: إنها أشجار الطاعون الذي سيتفشى في البلاد عن قريب.لقد اشتبه على الأمر فيما إذا قالوا إن هذا المرض سيتفشى في فصل الشتاء القادم أم في الذي بعده، ولكن ما رأيته كان منظرًا مخيفا جدًا.وقد تلقيتُ قبله إلهامًا عن الطاعون وهو: "إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم، إنه أوى القرية"..أي لن يزول هذا الوباء الظاهر ما لم يزُل وباء المعصية من القلوب." (أيام الصلح، الخزائن الروحانية المجلد ١٤ ص (٣٦٠-٣٦١ وقد سجل حضرته اللي في آخر هذا الإعلان أبياتًا فارسية وهي فيما يلي: گر آن چیزی که می بینم عزیزان نیز دیدند ز دنیا توبه کردندے بچشم نزار و خوں بارے تابان سیه گشت است ان بدكارئ مردم زمین طاعون همی آمرد نے تخويف وانذارے پئے به تشویش قیامت ماند این تشویش گر بيني علاجے نیست بهرِ دفع آن جز حسنِ کردار من امر همدردی ات گفتم تو خود هم فكر كن باری خرد امر بهر این مرونز است اے دانا وهوشیار (المرجع السابق ص ٣٦٣) أي لو رأى أصدقائي ما أراه لتابوا عن حب الدنيا باكين.قد اسودت الشمس المضيئة من جراء سيئات العباد، كما أخرجت الأرض الطاعون تحذيرا للناس.لو أمعنتم النظر لوجدتم أن هذه المصيبة هي كمصيبة ،القيامة، ولا علاج لها إلا صالح الأعمال.لقد ذكرتُ هذا الأمر بدافع الشفقة، فتدبر في الأمر أيها الإنسان العاقل الذكي إذ قد أُعطيت العقل لمثل هذا اليوم.
الجزء السابع لقد تبين من ٥٢٥ سورة النمل هنا أن سيدنا المسيح الموعود ال قد تنبأ قبل عام ١٨٩٤م بنزول عذاب شديد ثم أنبا صراحة عن تفشي الطاعون، ثم قبل تفشيه في الهند أخبر عن الدمار الذي سيخلفه الطاعون في منطقة البنجاب خاصة، واعتبره نموذجًا للقيامة، وأخبر أنه لن يختفي إلا إذا أصلح الناس قلوبهم.وأما ما حدث بعد ذلك فلا يمكن وصفه بالكلمات.لقد بدأ الطاعون من مومباي، وكان الأقرب إلى القياس أنه سيكون شديد الوطء هناك، ولكنه ترك مومباي وخيم في منطقة البنجاب، وكان شديد الوطء جدًا، حتى مات في بعض المرات ثلاثون ألف شخص في أسبوع واحد ومات مئات الآلاف في سنة واحدة.لقد عُيّن مئات الأطباء لمكافحته، واخترعت عشرات الطرق لعلاجه، ولكن بدون جدوى حيث صار الطاعون كل سنة أشد فتكا من ذي قبل، ووقفت الدولة عاجزة حياله.وأدرك كثير من الناس أن هذا العذاب إنما نزل بسبب تكذيب المسيح الموعود العلي، وبرؤية هذه الآية القاهرة قبل مئات الآلاف الحق وآمنوا بالمأمور المبعوث من عند الله تعالى.ولم تخف وطأة الطاعون إلا بعد أن أوحى الله تعالى إلى المسيح الموعود ال ما تعريبه: ص ٥١٢ الهامش، تاريخ "ذهب الطاعون ولكن بقيت "الحمى" (تذكرة: الطبعة الثالثة الإلهام : ۲۸ إبريل / نيسان (١٩٠٤).وبعدها أخذ الطاعون يخف ويختفي باستمرار.إن هذه الآية تبلغ من الوضوح والجلاء بحيث لا يسع المؤمن والكافر إلا تصديقها، ولو أنكرها أحد عنادًا ومكابرة فلا شك أنه يستحق الرثاء.أما الذي عنده عين مبصرة فيمكن أن يرى بجلاء ما يلي: أولاً: لقد تم الإخبار عن الطاعون قبل تفشيه بمدة طويلة، مع أنه ليست هناك وسيلة طبية للإنباء عن الأمراض قبل تفشيها بهذه المدة الطويلة.ثانيا: لقد تم الإعلان قبل ظهور الطاعون أنه لن يكون مؤقتًا هذه المرة، بل سيظل يصول ويهاجم سنوات متتالية.
٥٢٦ الجزء السابع سورة النمل ثالثا: لقد قيل قبل تفشيه أيضًا أنه سيشتد في منطقة البنجاب خاصة.وهذا ما أكدته الأحداث فيما بعد إذ تفشى في البنجاب خاصة وكان أكثر فتكا بأهلها مقارنة بالمناطق الأخرى.رابعا : لقد أعلن الأطباء بالتكرار أنهم قد سيطروا على هذا المرض، ولكن المسيح الموعود اللي أخبر الناس أنهم مهما فعلوا فإن وطأة الطاعون لن تخفّ ما لم يتم علاجه من عند الله تعالى.وهذا ما حصل بالفعل، إذ ظل الطاعون يشتد ويشتد طيلة تسع سنوات على التوالي.خامسا: وفي النهاية رحم الموعود العلي: "ذهب الطاعون ولكن بقيت الحمى".وبالفعل بعد هذا الوحي الإلهي أخذ الطاعون يخفّ، وتفشى مرض الحمى واشتد في منطقة البنجاب التي لم يخل منها بيت ،واحد حتى اعترفت الحكومة في تقاريرها الرسمية بأنها حمى غير الله العباد ووعد بكسر حدة الطاعون فأخبر المسيح عادية.باختصار لقد أخبر الله في هذه الآية أنه بعد إقامة الحجة على الناس بالآيات السماوية والأدلة العقلية سيرسل لعقاب الموتى والصم والعمي الروحانيين دابة من الأرض تكلّمهم وتجرحهم إذ لم يؤمنوا بآيات الله.لقد صرح المسيح الموعود الله في كتبه أيضا أن الله تعالى قد ألقى في روعه أن دابة الأرض هي الطاعون وقد أثبت حضرته ذلك بشتى الأدلة والقرائن.(نزول المسيح، الخزائن الروحانية المجلد ١٨ ص ٤١٥-٤٢١) وجدير بالذكر أن نبأ خروج دابة الأرض لا يُنبئ عن الطاعون فحسب، بل تُنبئ عن اختراع المجهر أيضًا إذ كان من المستحيل بدونه أن يُعرف أن دابة تسبب هذا المرض، إذ كان الناس قبل اختراع المجهر يُرجعون كل مرض إلى أربعة مواد في البدن الإنساني وهي: البلغم والصفراء، والسوداء، والدم.
الجزء السابع ويوم ۵۲۷ سورة النمل مَ تَخَشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِنَايَتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (3) حَتَّى إِذَا جَاءُ و قَالَ أَكَذَّبْتُم بِشَايَتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِمَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (3) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ (3) التفسير : أي اذكروا ذلك اليوم الذي سنقيم فيه جماعة كبيرة من كل قوم يكفرون بآياتنا، ثم نوزعها في شتى الفرق..بمعنى أن الإلحاد سيغزو في الزمن الأخير أتباع كل دين وستميل طائفة من كل قوم إلى الإلحاد واللادينية، كما نرى في هذا العصر، وستستمر هذه الظاهرة إلى أن يصدر القرار بعقابهم ويُبلغوا تعالى بأنهم قد كفروا بآياته دون أن يتدبروها حق التدبر ويختبروا أدلة صدقها حق الاختبار.وإذا كان هذا غير صحيح فماذا كانوا يفعلون إذا؟ لقد بين الله هنا أنه تعالى عندما يكشف صدق الإسلام على يد مأموره في الزمن الأخير ستهب شتى الأمم لنشر الإلحاد في الدنيا باسم العلم والثقافة، وستنقسم إلى فئات مختلفة، أي ستتشكل شتى المؤسسات والجامعات والاتحادات التي ستقوم بإنكار الدين الحق.مما لا شك فيه أن منكري الدين قد وجدوا في العصور الماضية أيضا، ولكنا لا نجد في الماضى أحزابا ونقابات ومؤسسات للمعارضة المنظمة.أما في هذا العصر فتجد نقابات لكل فئة من التجار والصنّاع والعمال والمستثمرين وغيرهم حتى تجد عصابات منظمة للصوص الذين يختطفون النساء والأولاد.كما أن الكفر أيضًا يهاجم الإسلام اليوم هجومًا منظما.ولكن إذا كان الشيطان يعمل على تنظيم جنوده فإن ملائكة السماء ليسوا صامتين على ذلك، بل يتأهبون للقضاء على جنوده، ولذلك يقول الله تعالى هنا: ﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ..أي سيحل العذاب بديارهم ويتحقق ما أخبر الله به..أي سيصبح الإسلام غالبا، وسيتم القضاء على الكفر للأبد، فتصاب ألسنتهم بالعي
الجزء السابع ۵۲۸ سورة النمل والحصر، وسيصلى على محمد الله ويسلم عليه من كانوا يسبونه ويشتمونه من قبل، أو سيُهلكون ويُبادون.أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا الَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إنَّ فِي ذَلِكَ لا يَنتِ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ۸۷ التفسير : أي ألم يفكر المسلمون أننا لم نأت عليهم بالليل - المراد من الليل فترة البعد عن عهد النبوة - إلا ليستعيدوا قواهم فيُشعلوا القناديل في كل مكان لتبديد الظلام، ولكنهم لم يستغلوا هذه الفرصة العظيمة للثواب؛ فالآن سنضيء عليهم النهار من جديد..أي سنبعث مأمورًا من عندنا، وسيطلع عليهم هذا النهار ليميزوا بين الحق والباطل، ولكن لن ينتفع منه إلا المؤمنون، أما الذين قد ماتت قلوبهم فيظلون في ظلماتهم يعمهون.لقد نبه الله تعالى بذكر ظاهرة تناوب الليل والنهار هنا إلى أن الإنسان لا يستطيع بفطرته أن يعمل بدون انقطاع، ولو أجبر على العمل باستمرار لانهار وسقط مغشيًا عليه بعد فترة.والحق أن الله تعالى قد جعل الليل ليغطي به ضعف الإنسان، حيث يستعيد في الليل القوة والنشاط فيصلح لاستئناف عمله ثانية.ونفس الحال بالنسبة للرقي الروحاني، إذ يأتي على المرء أوقات من القبض الروحاني وأوقات من البسط الروحاني..أي يأتي على المؤمن العادي أيضا وقت يشعر فيه أنه قد وصل إلى الله تعالى وأنه ماثل أمام ربه الذي يتجلى عليه بكل عظمته وجلاله وجبروته، ثم يأتي عليه وقت آخر يحاول فيه إقامة صلاته التي قد انهارت فيحاول إقامتها ثانية فتنهار مرة أخرى، فيقيمها ثالثة وهلم جرا.وهذا الأمر ليس خاصا بالمؤمن العادي فحسب، بل يمر بهذه الحالة كبار المؤمنين وصغارهم كل بحسب درجته، فتأتي عليهم حالات القبض والبسط روحانيا كالليل والنهار.ولو ظل المؤمن في حالة القبض باستمرار بدون البسط لمات قلبه وخلا من
۵۲۹ الجزء السابع سورة النمل الروحانية، ولو ظل في حالة البسط دائما لقام بالعبادة عادةً وتقليدًا فحسب، وخلت حسناته من النية والإرادة والعزيمة؛ فلكي لا يفقد الإنسان مقامه الحقيقي ويقوم بالحسنات عن إرادة وعزيمة ونية ولا يفقد التركيز في العبادة، تأتي على المؤمنين كلهم صغارًا وكبارًا موجات من الروحانية مرتفعة ومنخفضة كما يتناوب علينا الليل والنهار، فيرتفع كل واحد منهم عن مقامه مرةً وينخفض أخرى، ولكنه لا يزال يزداد رفعة عند كل ارتفاع وعند كل انخفاض فظاهرة القبض والبسط هذه تنهض به إلى أعلى دائما لا إلى أسفل.وإن ظاهرة الارتفاع والانخفاض هذه لا تختص بالأفراد فحسب، بل تأتي على الأمم أيضًا، فحينًا تخيم عليهم ظلمات البلايا وحينًا يهطل عليهم مطر رحمة الله، وتارة تطلع عليهم شمس النجاح، وأخرى يُخيّم عليهم ليل الفشل، ومرةً تجد فيهم حماسًا للارتقاء والازدهار، وأخرى يركنون إلى الكسل ولكن لا تُصاب الأمة بالتردي والانحطاط ما دام انخفاضها وارتفاعها ضمن حد مناسب، لأن حالة القبض والبسط تأتي على كل فرد وقوم.إنما يصاب إنسان أو شعب بالخراب والفساد عندما يسقط مقامه.وهذا هو الأمر الذي قد نبهنا الله تعالى إليه بذكر ظاهرة الليل والنهار، فبين أن من واجبنا أن ننتفع بالليل والنهار كليهما، فإذا أتى علينا القبض فيجب أن يزيدنا رقيًا، وإذا أتى علينا البسط فيجب أن يزيدنا أيضًا رفعة.وَيَوْمَ يُنخُ فِي الصُّورِ فَزِعَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) شرح الكلمات: فزع خاف وذعر.(الأقرب) داخرين: دخر ودخر دخورًا ودَخَرًا: ذلَّ وصغر.(الأقرب) ۸۸
۵۳۰ سورة النمل الجزء السابع التفسير: لما كان الصُوْرَ يُنفخ فيه لجمع الجيوش فيبدو أن نفخ الصور هنا جاء على سبيل المجاز، حيث بين الله تعالى أنه يوشك أن يأتي على الناس يوم تقف فيه الشعوب وجهًا لوجه، فيفزع كل من في السماوات والأرض.ويبدو أن هذه الآية تتحدث عن الطائرات الحربية والقنابل الذرية حيث تحلق الطائرات في جو السماء، وتلقي القنابل الذرية التي تنفجر على الأرض، فتنشر الدمار بين أهلها، بينما تتصاعد موادها النارية في جو السماء.أما قوله تعالى: إلا مَنْ شَاءَ الله فبين الله تعالى فيه بأن هذا الدمار سيكون شاملا ولا شك، إلا أن باب الدعاء سيظل مفتوحًا، وأن الذي يُرضي ربه سيُحفظ من هذا الدمار.لا جرم أن العلماء قد اكتشفوا سلاح الموت هذا بجهودهم ومكائدهم، ولكن الله الذي أقام دين الإسلام يملك الموت والحياة أيضًا.إن هؤلاء القوم يظنون أنهم بامتلاكهم سلاح الموت قد أصبحوا حاكمين على الدنيا، ولكن الحاكم الحقيقي هو من يملك الموت والحياة كليهما، والذي أخبر الناسَ سلفًا أنهم لو ظلوا يدعونه تعالى فسوف يخلق الأسباب التي تحميهم من ويلات هذا السلاح الفتاك.لا شك أن القنبلة الذرية تبدو وكأنها من آثار القيامة، ولكن الله تعالى لم يجعل القيامة بيد روسيا أو أمريكا، بل جعلها بيده هو..فقبل بضعة سنوات قابلني عالم روسي كان مديرًا لمعهد أبحاث القنبلة الذرية، فقلت له: تدّعون أنكم تعملون لخير الإنسانية، ولكن ما فائدة القنبلة الذرية التى اخترعتموها.فلو ألقتها روسيا على أمريكا لدُمّرت، ولو ألقتها أمريكا على روسيا لهلكت، وماذا عسى أن ينفع الناس دمارُ أمريكا أو روسيا؟ عليكم أن تُعملوا فكركم فيما ينفع الناس وتكتشفوا شيئًا مضادا للقنبلة الذرية لحماية العالم من دمارها فقال: لم نستطع اكتشاف هذا الشيء المضاد ولا يخطر ببالنا.الحق أن الشيء المضاد للقنبلة الذرية قد جعله الله بيده، وعندما يريد إنقاذ الناس من دمارها سيمكن الناس من اكتشاف سلاح مضاد لها.وتوجد في مجموعة
۵۳۱ الجزء السابع سورة النمل الإلهامات المنشورة لسيدنا مؤسس الجماعة الإسلامية العلة أعداد الجماعة الإسلامية العليا أعداد وبجنبها أشكال (تذكرة: الطبعة الثالثة ص ١٩٥)، ويرى بعض العلماء (Scientists) من جماعتنا أنها أشكال مشابهة لتصميم القنبلة الهيدروجينية.وهذا يعني أن الله تعالى قد نبه المسيح الموعود ال قبل اختراع هذه القنابل المدمرة بحوالي ستين سنة بأن شيئًا كهذا سيُخترع عن قريب، ثم مكن و العباد من اختراعه فعلاً، وما دام الأمر كذلك فإن الله تعالى قادر على أن يُهيئ أسباب نجاة الناس من دمارها أيضًا.وقد تلقيتُ ذات مرة نبأ عن اختراع غاز معين فقد رأيت في الرؤيا أنني جالس في غرفة، فألقى فيها أحدٌ غازا، فلما شممته قلت فيه رائحة الكلورين، فجريت إلى الخارج، فزال أثر الغاز عني وعن الناس الآخرين.ولما قصصت رؤياي هذه لبعض العلماء أخبروني أن الغاز الذي يسبب الغشيان يُصنع من الكلورين، ولكن الغاز الذي رأيته في المنام كان يسبب إغماء مؤقتًا.وأفهم من هذه الرؤيا أيضًا أن الله تعالى سيهيئ بفضله من الأسباب ما يمكن من الانتصار على العدو بدون أن ينشر دمارًا عامًا، ولكن ليس سبيله إلا التوجه إلى الله تعالى والاستعانة به بالدعاء والابتهال أن يعلموا أنه عندما ذهبت إلى أوروبا للعلاج أقامت جماعتنا بلندن مأدبة طعام على شرفي اشترك فيها شخصيات مرموقة كعمدة لندن والسفير الباكستاني وأعضاء من البرلمان البريطاني.فقلت للأوروبيين في كلمتي إن القنبلة الذرية قد بثت الذعر في قلوب الناس، ويتساءلون ما السبيل إلى سلام العالم الآن؟ عليهم يكن عند الناس قبل عشرين سنة أي علم بالقنبلة الذرية، ولم يعرفوا أن اكتشاف اختراع كهذا ممكن، ولكن العلوم تتطورت وأدّت إلى اختراع القنبلة الذرية؛ فإذا كان الله تعالى هو الذي قد وهب عباده علم اختراع القنبلة الذرية، فكيف يستحيل أن يرشدهم إلى اكتشاف شيء مضادّ لها؟ لقد قلتُ لهم إنني رجل دين، ولو سئلت ما إذا كان اكتشاف شيء مضاد للقنبلة الذرية ممكن أم لا، لقلت: نعم، الله تعالى نفسه وهب للعباد علم القنبلة الذرية وليس بمستبعد عن فضله تعالى أن عليه لأن يهب لهم الآن علم اكتشاف مضاد لها ولكن السبيل لجلب فضل الله تعالى أن
۵۳۲ سورة النمل الجزء السابع يتوجه الناس إلى ربهم ويدعوه موقنين بأن الذي قد وهب لعباده علم القنبلة الذرية سيمدهم بعلم اكتشاف مضاد لها وسيحمي الناس من ويلاتها.وأما قوله تعالى: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ)) فبين فيه أن جميع الناس سيحضرون الله تعالى مذعنين منقادين، الكافرون نتيجة العقاب والمؤمنون نتيجة الإيمان واليقين.ج وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ ج اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعَلُونَ (3) التفسير: ليس المراد من قوله تعالى: (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ أن الجبال تمر منفصلة عن الأرض، بل المعنى أنها تتحرك مع حركة الأرض كما يتحرك السحاب مع حركتها.مما لا شك فيه أن هذه الآية تدل بظاهرها على حركة الجبال حيث شُبّهت حركتها بحركة السحب، ولكنها تنطوي على نبأ هلاك الدول الكبيرة أيضا، حيث أخبر الله المسلمين أنهم سيرون حولهم حكومات قوية جدا وسيظنون أنها لن تملك لقرون طويلة، ولكن الله تعالى سينسفها لتوطيد عظمة الإسلام نسفا فلا يبقى لها أثر.وللتأكيد على ذلك قد نبه الله تعالى إلى ما تفعله الرياح بالسحب، وبين أن الرياح كما تُزجي السحب كذلك إذا هبت رياح تأييد الإسلام من عنده تعالى فستطير دول الكفر والشرك الكبيرة فلن يُرى لها أثر.ولكن هذا لن يتم بتدابير البشر، بل سيتم بيده تعالى إظهارا لقدرته وعظمته.ثم قال الله تعالى في الأخير: إِنَّهُ خَبِيرٌ بمَا تَفْعَلُونَ..أي أن هذا الانقلاب العظيم لن يحدث إلا إذا أحدثتم أيها المسلمون في أنفسكم انقلابًا، أما إذا لم تغيروا ما بأنفسكم، وكنتم في عداد الظالمين عند الله تعالى، فلماذا يأتي بظالم ليحل محل ظالم؟ إنما ينسف الله تعالى هذه الجبال إذا عملتم بأحكام الإسلام وحاولتم الفوز بحبه تعالى ورضاه.
الجزء السابع ٥٣٣ سورة النمل مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعِ يَوْمَبِدٍ امِنُونَ.وَمَن جَاءَ بِالسَّيْفَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ شرح الكلمات: كُبّت : كَبَّ الإناء كبا: قلبه على رأسه، وكَبَّ زيدًا على وجهه ولوجهه: صرعه.(الأقرب) - والعياذ به - التفسير : تتناول هذه الآية قضية هامة من تعاليم الإسلام.ذلك لأن نظرية النجاة التي تقدمها الديانة الهندوسية الآرية هي أن الله تعالى عندما يجزي العباد على أعمالهم يستبقي شيئًا من ذنوبهم ليعاقبهم عليها فيما بعد.بمعنى أنه تعالى يهب الروح الإنسانية النجاة أوّلاً ويُدخلها الجنة، ولكنه بعد فترة يُخرجها من الجنة بسبب بعض ذنوبها التي لم يعاقبها عليها، فيعاقبها بإلقائها في سلسلة من الولادات المختلفة التي لا نهاية لها (موسوعة الأديان: تحت: Transmigration).وكأن الله تعالى يعامل عباده كالمرابين الهندوس الذين عندما يستردون من الناس أموالهم مع الربا يتركون عندهم جزءًا منها لكي يتراكم عليه الربا فيأخذوه منهم أضعافا مضاعفة مرة أخرى.فالهندوس يظنون أن الله تعالى أيضا يجزيهم على حسناتهم أولاً، ثم يُرجعهم إلى الدنيا ثانية بسبب بعض أعمالهم السيئة التي لم يعاقبهم عليها من قبل ليمروا بولادات مختلفة لا نهاية لها.ولكن القرآن الكريم يرفض هذه العقيدة رفضًا بانا، ويعلن أن الله الذي هو خالق الأرواح والمادة قادر أن يخلق منها ما يشاء بمجرد أن يقول كُن، وأنه تعالى ليس بحاجة إلى التلاعب مع الأرواح كما يقترح الآريون الهندوس.كما يُبين الإسلام أن حسنات المرء محدودة بلا شك، ولكن نيته لفعل الخير ليست محدودة، ولذلك سيجزيه الله تعالى أكثر من عمله بكثير، وأنه سيهيئ
٥٣٤ الجزء السابع سورة النمل للمؤمنين الأمان يوم الجزاء - سواء في الدنيا أو في الآخرة – فلن ينظر إلى قلة بضاعتهم بل سيكتب لهم النجاة الأبدية بفضله.أما الذين يعملون السيئات فسيلقون على وجوههم في النار ويقال لهم : هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ...أي أن جزاء السيئة يكون مثلها لا أكثر منها.وقد زاد الله هذا الأمر إيضاحا في آية أخرى فقال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (الأعراف:١٥٧).فإن أسوأ الناس عملاً وأشدّهم عداء للحق أيضًا يستحق رحمة الله بحسب هذه الآية، وستفتح عليه أبواب الجنة في النهاية.لقد بينتُ هذا المعنى نظراً إلى الحياة الآخرة، أما من منظور الحياة الدنيا فالمراد أن الذين يضحون لإحياء الإسلام سينالون جزاء محيرا تتضاءل أمامه تضحياتهم.لا غرو أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلي - رضوان الله عليهم أجمعين – قد قدموا في سبيل الإسلام تضحيات جسيمة عظيمة، ولكني أرى أنهم لو رجعوا إلى الدنيا اليوم لاعتبروا تضحياتهم أحقر وأضأل مما أعطاهم الله من العزة والصيت الخالدين، ولقالوا إنهم لم يقدموا أي تضحية في الحقيقة، لأنهم لو عادوا إلى الحياة اليوم ومروا بالشوارع لسمعوا الناس يقولون: قال أبو بكر كذا، وقال عمر كذا، وقال عثمان كذا، وقال علي كذا كما رأوا أن مجموعة من الناس يحملون العصي والهراوات وقد احمرت عيونهم وإذا ما سُئلوا عن سبب غضبهم قالوا: إننا غاضبون لأن فلانا قد سب أبا بكر، أو أساء إلى عمر، أو شتم عثمان، أو أهان عليا – رضوان الله عليهم أجمعين.ورد في الحديث أن صحابيا استشهد في غزوة، فوجد النبي ﷺ ابنه يمشي منكسر النفس مطأطئ الرأس حزنًا، فسأله النبي ﷺ: ما بك؟ قال: يا رسول الله، لقد استُشهد أبي وترك أولادًا صغارًا وقد أهمني شأنهم.فقال : لو علمت ما أعطى الله أباك من الجزاء لما حزنت.لقد أحضر الله روح أبيك وقال له: قد رضيت عنك يا عبدي، فاسأل ما بدا لك، فسوف أحقق لك اليوم كل ما تتمناه.فقال أبوك: رب، ليس لي أمنية إلا أن تُحييني وترجعني إلى الدنيا ثانية لأقتل في سبيل الإسلام.فقال الله تعالى: أقسم بنفسي بأنه لولا كلمةٌ سبقت مني بأني لن أرجع أحدًا إلى
٥٣٥ الجزء السابع سورة النمل الدنيا بعد الموت لحققتُ أمنيتك.(الترمذي: أبواب التفسير قوله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموانًا) 6 إذا، فإن الإنسان يرى تضحياته قبل ظهور نتائجها شاقة ثقيلة عليه، ولكنها عند ظهور نتائجها تبدو له ضئيلة حقيرة الشأن ألم تر أن كل طالب يعتبر الذهاب إلى المدرسة مصيبة، ولكنك لن تجد طالبًا يتأسف على ما بذله من جهود في دراسته، بل عندما تظهر نتيجة جهوده ويتقلد مناصب مرموقة يعتبر جهوده حقيرة جدًا.هذا هو المعنى الذي بينه الله تعالى في هذه الآية حيث أخبر أن من عمل صالحا جزاه الله على حسناته جزاء يفوق تضحياته آلاف المرات، ولكن الذي يقف عقبةً في سبيل هذه الخطة الإلهية سيُلقَى على وجهه وستحرقه نار جهنم المتمثلة في فشله الذريع، وسيصبح مع ذريته محروما من بركات الله تعالى.إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبِّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (3) وَأَنْ أَتْلُواْ صلے الْقُرْءَانَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ ) ۹۳ التفسير : لقد بين الله تعالى هنا أنه قد اتخذ شتى الأماكن مركزا لتجلياته على مر العصور، فتارةً تجلّى بالجودي بواسطة نوح، وأخرى تحلّى بمكة المكرمة بواسطة إبراهيم، وحينًا ظهر بسيناء بواسطة موسى وحينا آخر ظهر بجبل الزيتون بواسطة أما أنت يا محمد (ﷺ) فقل : إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا..أي أنني مأمور بأن أتبع التجلي الإلهي الذي ظهر بواسطة إبراهيم في مكة التي شرفها الله وحماها، وأن أعلن أن كل شيء بيد الله، وأنني أُمرت أن لا عیسی،
الجزء السابع ٥٣٦ سورة النمل أكتفي بالكلام وثرثرة اللسان فقط، بل أُمرت أن أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)..أي أن أقدم نموذجًا عمليا للطاعة والاستسلام.والجدير بالذكر هنا أن الإسلام اسم لذلك الدين الذي جاءنا به نبينا ، ولا يُطلق اسم "المسلمون" إلا على الذين آمنوا بالدين الذي جاء به سيدنا محمد ﷺ واعتبروه سيدًا وإمامًا لهم.بيد أن القرآن الكريم قد أطلق اصطلاح "المسلمون" على الأنبياء الآخرين وأتباعهم الصادقين أيضًا (آل عمران ٦٨، يوسف ١٠٢، البقرة ١٢٩و١٣٣).والظاهر أن هؤلاء القوم لا يُسمون مسلمين بسبب إيمانهم برسولنا إذ لم يكن الشرع الكامل أي القرآن الكريم قد نزل في زمنهم، كما لم يكن النبي قد بعث عندئذ.فإطلاق القرآن على هؤلاء القوم مصطلح "المسلمون" يدل صراحةً على أن للإسلام مفهومين: أحدهما أن المسلم من يؤمن بالرسول ، وثانيهما أن المسلم من يطيع وينقاد؛ وبحسب المفهوم الثاني، فكل من كان مطيعا ومنقادًا سواء لآدم أو لنوح أو لإبراهيم أو لموسى وعيسى – عليهم السلام – كان مسلما.أما نحن المسلمين فإنا مسلمون من جهتين أوّلاً لأن الله تعالى قد سمى أتباع نبينا له مسلمين، وثانيا : لكون أتباعها المتميزين عن أتباع كل نبي في الدنيا في التحلي بروح الطاعة والانقياد.إذا ، إن أتباع النبي يفضلون على أمم الأنبياء الآخرين من حيث إنهم مسلمون مزدوجون؛ فإنهم مسلمون لأنهم مطيعون كجماعات الأنبياء الآخرين، بيد أن الله تعالى قد سماهم المسلمين على وجه الخصوص أيضًا (الحج: ٧٩).والحق أن الله تعالى لا يسمي أحدا باسم على سبيل التفاؤل كما يسمى الناس أولادهم بأسماء جيدة تفاؤلاً، بل إن ذلك الإله القادر القوي لا يسمي قوما باسم خاص إلا إذا كانوا متصفين بتلك الصفات حقًا.إذًا، فإطلاق اسم "المسلمين" علينا من قبل الله تعالى لا يتطلب منا السعي للتحلي بالصفات التي يدل عليها هذا الاسم فحسب، بل فيه تأكيد بأن أتباع محمد ﷺ كلما سعوا للتقدم ماديًا وروحانيا متحلين بأعلى مستوى من الطاعة والانقياد أعطاهم الله الدرجات العلى.إذا، فإنما الإسلام الحقيقي أن نتحلى بروح الطاعة والإذعان بحيث يستحيل علينا اتخاذ أي
۵۳۷ الجزء السابع سورة النمل خطوة خلاف مشيئة الله تعالى ورضاه حتى لا نكون مسلمين بالاسم فقط، بل يشهد عملنا وسلوكنا على أننا نستحق هذا الاسم بجدارة، وأن قيامنا وقعودنا وحركتنا وسكوننا تجسيد لهذا الاسم.ثم يقول الله تعالى: وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ...أي قل لقد أُمرت أيضا أن أقرأ القرآن على الجميع لأضمهم إلى الإسلام، فمن اهتدى فإنما ينفع نفسه، ومن ضلّ فإنما أُمرت أن أعلن أنني لن أكره أحدًا على الإيمان، بل سأقوم بتبليغ رسالة الله، وكل واحد حر بعد ذلك في أن يؤمن أو يكفر.ج وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ وَايَتِهِ، فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَا ِل ٩٤ عَمَّا تَعْمَلُونَ (3) التفسير: أي قُلْ إني مأمور من عند الله تعالى بأن أقول أن الحمد كله الله..بمعنى أن الإله الذي يقدمه الإسلام إله حى قوي، فقد أرى آياته في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى و داود وسليمان وصالح ولوط وعيسى ولم يزل يري آياته لما بعث محمدا لله تأييدا ،له والآن لما جاء زمن انحطاط المسلمين بعث المسيح الموعود العليا لإحياء الإسلام ،ثانية وبدأ يُظهر آيات قدرته وجلاله من جديد.فالحق أن وحده يستحق الحمد كله الذي قد دلّل في كل عصر على أنه حي، وأرى وجهه في كل زمان من خلال آياته.لو أن الله تعالى امتنع عن إراءة آيات قدرته بعد زمن آدم أو نوح أو إبراهيم أو موسى أو داود أو سليمان أو عيسى فكيف يمكننا أن نقول الحمد الله؟ إنما يصح قولنا الحمد لله إذا رأينا آيات الله البينات في أنفسنا وتجلت قدرته في كل عصر ،وزمان ولذلك قال الله تعالى: قل للعالم إن الإسلام يقدم للناس إلها حيًا، وإذا أنشأتم الصلة معه سيريكم آيات ترون بها وجهه بعيونكم الروحانية.الله =
الجزء السابع ٥٣٨ سورة النمل وَمَا رَبُّكَ بغَافِل عَمَّا تَعْمَلُونَ...أي أنه تعالى يعلم أنكم تائهون في الظلمات، ومقرنون بأصفاد التقاليد والعادات، فسوف ينزل بنفسه من السماء لتحريركم، ويُريكم آياته التي ترونه بها ماثلاً أمامكم.
الجزء السابع ۵۳۹ سورة القصص سورة القصص مكية وهي مع البسملة تسع وثمانون آية وتسعة ركوعات زمن نزولها : إنها مكية عند الحسن وعكرمة (البحر المحيط).ولكن مقاتلا يرى أن أربع آيات منها مدنية وهي قول الله تعالى: الَّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ به يُؤْمِنُونَ إلى قوله تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)).(الآيات ٥٣-٥٦) ويرى البعض أن هذه الآيات ليست مدنية بل نزلت بين مكة وجُحفة.بينما يرى ابن عباس أنها لم تنزل بين مكة وجُحفة بل نزلت في جُحفة بالتحديد في أثناء هجرة النبى الله إلى المدينة.ولكن ابن سلام يقول لم ينزل في جحفة أثناء الهجرة إلا قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد)، أما باقي السورة فكلها مكية.(البحر المحيط) بينما يرى عمر بن محمد أن هذه السورة نزلت في أثناء هجرة النبي ﷺ من مكة إلى المدينة القرطبي ومعالم التنزيل).ولو سلمنا بصحة هذا القول فأيضا ستعتبر هذه السورة مكية لأن الهجرة لم تكن قد انتهت عندها.أما القسيس ريفرند ويري فهو أيضًا اعتبر هذه السورة مكية، وقال إن عمر بن محمد قد اعتبرها مكية بسبب الآية: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى معاد..أي أن الله تعالى سيعود به إلى مكة ثانية (تفسير القرآن لويري).ولكن استدلال القسيس ويري ضعيف جدا، لأن الصحابة كانوا يذكرون زمن نزول آيات القرآن بناء على شهادات تاريخية عادةً.وبما أن القسيس ويري لا يؤمن بوجود أية أنباء صادقة في القرآن الكريم، فينحت بحسب عقيدته سببًا للنزول مع أن الكتاب الذي يحتوي على النبوءات ينبئ أحيانًا عن أخبار ستقع بعد قرون.فمثلاً قد قال الله تعالى في هذه السورة نفسها إنه سيجعل أتباع محمد ﷺ غالبين
٥٤٠ سورة القصص الجزء السابع على مكة كما جعل اليهود غالبين على فرعون الآية (٦ وقد تحققت هذه النبوءة في أواخر الهجرة.فلو صح ما استدله القسيس "ويري" من قوله تعالى: إن الذي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلَى مَعَاد للزم أن نقول إن هذه السورة نزلت عند فتح مكة لأنها تتحدث عن فتحها، ولكنه استدلال خطأ كاستدلال القسيس.إنما الحق أن كلتا الآيتين كانتا نبوءتين قد أدلى بهما الله عالم الغيب في مكة قبل وقوعهما بسنوات عديدة.إذا، فمن الخطأ تحديد زمن نزول الآيات اعتمادًا على مضامينها.وكما سبق أن بينّتُ مرارًا أن الصحابة كانوا عادة يحددون زمن نزول الآيات بناء على شهادة من التاريخ وليس نظرا إلى مضامينها.أما نحن فنقول: إن ورود قول الله تعالى: إن الذي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلَى مَعَاد في سورة هي مكية بالإجماع لهو دليل على أن الله تعالى أخبر نبيه بوقوع الهجرة وفتح مكة وهو لا يزال مقيما فيها.فإن كلمة لَرَادُّكَ) تنبئ عن هجرته من مكة، وكلمة إلى معاد تخبر عن عودته إليها ثانية.إذًا، فهذه الآية دليل بين على صدق القرآن الكريم.نسبها الترتيب والترابط : يقول العلامة ابن حيان إن الرابط بين سورتي النمل والقصص هو أن الله تعالى قد أمر رسوله في آخر سورة النمل بحمد الله تعالى، ثم قال تعالى: سَيُريكُمْ آياته - والمراد من آياته معجزات الرسول ، وقد الله تعالى إلى نفسه لأنه هو الذي يُريها على أيدي أنبيائه في الواقع – فتحقيقا لوعده بإراءة الآيات أنزل الله تعالى سورة القصص التي قال في بدايتها: تلكَ آيَاتُ الكتاب المبين...أي أنها آيات الكتاب الذي هو مدعوم بأدلة صدقه، فقدّم الله تعالى كون القرآن كتابًا مبينًا للتدليل على إنجازه وعده للكافرين بإراءة الآيات، لأن القرآن هو أكبر معجزات الرسول.(البحر المحيط) بيد أني أختلف معه في أن الله تعالى قد العلامة ابن حيان قليلاً؛ فإني أتفق مع وعد في سورة النمل بإراءة الآيات، ولكني لا أتفق معه في قوله بأنه تعالى قد قدم إعجاز القرآن كدليل على إنجازه لهذا الوعد؛ بل الحق أنه تعالى قد ذكر في سورة
٥٤١ سورة القصص الجزء السابع القصص بعضا من آياته التي وعده بها في السورة السابقة، ومن هذه الآيات مثلاً أن الله تعالى قد أنبأ في سورة القصص أن النبي سيهاجر من مكة نتيجة اضطهاد أهلها إياه، كما أخبر أنه سيعود في النهاية إلى هذه البلدة التي أُخرج منها فاتحاً منتصرًا؛ وهكذا قد أنجز الله في سورة القصص ما وعد به في سورة النمل، حيث ذكر فيها الآيات التي سيتم بها الحجة على الكافرين.أما العلاقة الثانية فهي أن الله تعالى أمر نبيه ﷺ في آخر سورة النمل أن يعلن للناس أني مأمور بأن أَتْلُوا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ)..أي أنني إنما بعثت لأنذر الناس ولم أُبعثَ لأكرههم على الإسلام؛ وتحقيقا لما أمر الله به رسوله هناك أنـزل سورة القصص التي استهلها بقوله طسم..أي أن الله اللطيف السميع المجيد قد أنزل هذه السورة تحقيقا لوعده في سورة النمل، وأعطى الناس كتابا يبين مضامينه تبيانا لكي يُقرأ هذا الكتاب في كل مكان العالم، ولتنتفع الإنسانية من هديه إلى يوم القيامة.ملخص محتواها: لقد استهل الله هذه الآية بمقطع طسم الذي هو اختزال لصفات الله اللطيف والسميع والمالك أو المجيد، وكدليل على كونه تعالى لطيفا وسميعا ذكر قصة موسى وفرعون، موضحًا أن ما سيسرده من قصة موسى هو الحق إذ إن الأحداث الواردة في التوراة هى غير موثوق بها.(الآيات ١-٤) ثم بين الله تعالى أن فرعون تكبّر ،وتجبر وأوقع الفتنة والخلاف بين رعيته، إذ كان يقتل أبناء بني إسرائيل ويستحيي بناتهم قمعًا لهم.ولكنا أردنا أن نجعل هؤلاء المستضعفين في الأرض أئمة للناس، ونجعلهم وارثين نعما كتلك التي كان يتمتع بها من فرعون، وأن نُري فرعون وهامان المصير التعيس الذي كانا يخافانه.(الآيات ٥-٧) ثم سرد الله تعالى قصة ولادة موسى ال بأنه تعالى أوحى إلى أُمّه أن ترضعه وعندما تخاف على حياته تطرحه في نهر النيل فنفذت أُمه أوامر الله تعالى ووضعته وطرحتها في النهر، فوصلت السلة إلى قصور فرعون، فالتقطها بعض في سلة
الجزء السابع أسرته، ٥٤٢ سورة القصص ته، فتوسلت إليه امرأة من عائلته ألا يقتل الولد عسى أن ينفعهم عندما يكبر أو يتخذوه ولدا.(الآيات (٨-١٠) أما أُم موسى فلما ألقته في البحر أصبح قلبها فارغا من الهم والحزن، ولولا أن ربط الله على قلبها لكشفت هذا السر.ثم دعت أخته وأمرتها أن تنظر إلى السلة عن بعد، ففعلت ولم تزل تبصرها بحيث لم يفطن لها أحد من قوم فرعون.ولما وصل موسى الطفل إلى القصور الملكية تساءلوا عمن ترضعه؟ فلما حاولوا إرضاعه جعله الله تعالى يرفض أن يرضع أي امرأة فتقدمت أخته التي جاءت وراءه وقالت لعائلة فرعون: هل أدلّكم على أهل بيت يقومون بإرضاعه وتربيته بكل سرور.أعدائنا وهكذا رجع موسى إلى حضن أمه بتدبير إلهي، فقرت عينا.(الآيات ١١-١٤) ولما بلغ موسى ال سن البلوغ الروحاني وهبه الله علوم السماء والقدرة على اتخاذ القرار الصائب.وفي إحدى الليالي كان موسى يمشي في المدينة، فرأى شخصين يقتتلان أحدهما من قومه والآخر من أعدائه فاستغاثه الذي من قومه، فتقدم موسى ووجّه إلى عدو قومه لكمةً، فسقط ميتًا في مكانه.فدعا موسى ربه وقال رب لقد أردت نصرة المظلوم من قومي فمات بيدي شخص من خطأً، فاستر خطئي، ونَجِّني من نتائجه الوخيمة.فشمله الله برحمته حيث لم يره أحد من المسؤولين، وظل الأمر في طي الخفاء.وفي الصباح التالي خرج موسى في المدينة، فوجد الشخص الذي استغاثه البارحة يتشاجر مع شخص آخر ويناديه للنصرة.فعلم موسى أنه شخص عصبي المزاج، فأخذ يلومه بأنه كثير الشجار والقتال.ثم تقدم موسى وهم أن يبطش بالذي هو من أعدائه، فظن الذي هو من قومه أنه يريد ضربه هو، فصاح يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت شخصاً البارحة؟ فعلم الناس أن موسى هو الذي قتل الرجل أمس.فشاع هذا الخبر في بسرعة إذ كان القتيل من قوم فرعون.(الآيات ١٥-٢٠) وبينما هم في ذلك إذ جاء إلى موسى شخص يجري من الناحية الأخرى من المدينة، وقال: إن رؤساء القوم يأتمرون بقتلك، فاهرب من هنا فورا.فهرب موسى المدينة
الجزء السابع ٥٤٣ سورة القصص إلى مدين، وكان يلتفت يمينا وشمالاً من شدة حذره، ويدعو الله تعالى أن ينجيه من شر القوم الظالمين.(الآيتان (۲۱-۲۲) ووصل موسى ووجد على ناحية منهم امرأتين تحبسان غنمهما عن باقي الرعاة.فقال لهما موسى: ما شأنكما؟ قالتا لا نسقي حتى يفرغ الرعاة من سقي مواشيهم ويذهبوا، لأنا لا نريد الاختلاط بهؤلاء الأوباش، وإن أبانا شيخ كبير لا يقدر على سقي الغنم فنأتي بها ونسقيها.فتقدم موسى وسقى لهما، ثم ذهب وجلس تحت شجرة وقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير.(الآيات ٢٣-٢٥) أخيرًا إلى بئر لقوم مدين، فوجد عندها قوما يسقون غنمهم، وبعد برهة من الزمن جاءته إحدى الفتاتين تمشى في خجل وحياء وقالت: إن أبي يدعوك ليجزيك على صنيعك معنا.فلما أتاه موسى العليلة وقص عليه قصته طمأنه الرجل وقال: لا تحزن، قد نجوت من القوم الظالمين.فقالت إحدى ابنتيه: يا أبت استأجره فإنه رجل قوي وأمين أيضا.وكان الرجل قد اقتنع سلفا بأمانته لما عنه من ابنتيه، فاقترح عليه أن يخدمه ثماني سنوات فيزوجه إحدى ابنتيه؛ أما لو خدمه عشر سنوات بدل الثماني فهذا منة العليا اقتراحه وقال: منه.وقبل موسى أيما الأجلين قضيتُ فلا اعتراض علي.(الآيات ٢٦ - ٢٩) سمع وغادر موسى العلية لا حماه أهله نار في ناحية من جبل الطور.فقال لأهله: قد رأيت هناك نارا وسأذهب لأتيكم منها بخبر أو آتيكم منها بقبس تستدفئون به.(الآية ٣٠) مع بعد قضاء مدة الخدمة، فرأى في طريقه شعلة بسر فلما أتى موسی النار نودي من الناحية اليمنى من تلك البقعة المباركة من الشجرة يا موسى إني أنا الله رب العالمين، وأن ألق عصاك.فلما ألقاها رآها تهتز رعة كأنها حية صغيرة، فخافها موسى وولّى مُدْبَرًا، فقال الله تعالى يا موسى لا تخف، فإنك من الآمنين.ثم قال الله تعالى له أدخل يدك في جيبك وضمها إليك خوفًا، فهاتان آيتان أعطيتكهما لتذهب بهما إلى فرعون ورؤساء قومه.(الآيات (۳۱-۳۳) فقال موسى: ربِّ، لقد قُتل شخص منهم بيدي، فأخاف أن يقتلوني قبل أن أقوم بتبليغ رسالتك، فابعث معي هارون أخي مساعدًا لي، فإنه أفصح مني لسانًا.
٥٤٤ سورة القصص الجزء السابع فاستجاب الله دعاءه وقال: سنشدّ يدك بهارون وسنكتب لكما غلبة واضحة على فرعون، فلن يستطيع أن يضر كما شيئا.(الآيات ٣٤-٣٦) فلما ذهب موسى إلى فرعون وحاشيته وبلّغهم رسالة الله عارضوه بشدة واعتبروا رسالته مؤامرة وقالوا ما سمعنا بهذه الأمور من آباءنا الأولين.ثم قال فرعون: يا هامان ابن لي صرحًا عاليا شامخًا لأصعد عليه وأرى إله موسى.وتكبر فرعون وجنوده، فأغرقناه معهم في اليم وألقينا عليهم اللعنة في الدنيا، وسيكونون في الآخرة أيضًا من الأذلين الصاغرين.(الآيات ٣٧-٤٣) لقد آتينا موسى الكتاب المشتمل على البصيرة الروحانية والهدى والرحمة، ولكنهم لم ينتفعوا منه كما لا ينتفع منها الآن اليهود المعاصرون لمحمد.ثم أشار الله تعالى إلى نبوءات التوراة عن بعثة محمد رسول الله ﷺ وقال لنبيه: يا محمد، لم تكن مع موسى بالجانب الغربي من الطور إذ بعثناه برسالتنا، كما لم تكن بين أهل مدين إذ أنبأناه مجيئك.لو كنت معه عندها كانت هناك إمكانية أن يظن الناس أن كليهما قاما بحبك مؤامرة، ولكن موسى قد خلا قبلك بألفي سنة، فوجود تلك الأنباء في كتابه دليل ساطع على صدقك.(الآيات ٤٤-٤٧) ثم بين الله تعالى أن بعثة الأنبياء ضرورية لإقامة الحجة على الناس، إذ لو لم يبعث الله رسله لقالوا: ربنا كيف تعذبنا ولم تبعث إلينا من ينصحنا؟ أما وقد بعث الله الآن نبيه لإصلاحهم فإنهم يقولون لم لم ينزل عليه الكتاب دفعة واحدة كما نزل على موسى؟ فردّ الله عليهم بأنه إذا كان ما يطالبون به دليلاً على صدق المدعي فلماذا رفض الناس موسى، إذ قالوا ليس موسى وهارون إلا ساحران يساند أحدهما الآخر.لقد كفروا بالتوراة من قبل، وقد كفروا الآن بالقرآن أيضا، وكانت عند كفرهم من قبل: لماذا نزلت التوراة دفعة واحدة، بينما يرفضون الآن القرآن قائلين: لم لم ينزل دفعة واحدة؟ فليأتوا الآن بكتاب نزل بطريق آخر وكان أهدى من هذين الكتابين إن كانوا صادقين، ولكنهم لن يستطيعوا ذلك أبدا.(الآيات ٤٨ -٥٠) حجتهم
٥٤٥ سورة القصص الجزء السابع إن مطاعنهم هذه دليل على أنهم لا يبحثون عن الحق، بل يقدمون هذه المعاذير من جراء أهوائهم وأفكارهم السخيفة.ومن يتبع أهواء نفسه وأفكاره الفاسدة فلا يفلح أبدًا.(الآية ٥١) لقد أنزلنا هذا الوحي نزولاً مترابطاً، إذ يوجد في القرآن الكريم كله ترتيب محكم رائع.وإن الذين آتيناهم الكتاب من قبل والذين هم أهل الكتاب حقا يؤمنون بالتوراة ويصدقون القرآن الكريم أيضًا، وأولئك الذين ينالون أجرًا مضاعفا.(الآيات ٥٢-٥٥) ثم بين الله تعالى علامات هؤلاء المؤمنين بأنهم يقاومون السيئة بالحسنة وينفقون في سبيل الله تعالى كل ما عندهم من قوة وكفاءة ويعرضون عن كل ما هو لغو، ويريدون السلام للذين يعادونهم أيضًا.(الآيات (٥٥-٥٦) ثم أخبر الله تعالى أن الهدى موقوف على فضل الله تعالى، فلا بد للمرء أن يكون طاهر القلب حتى تجذبه يد الفضل الإلهي إلى الهدى (الآية ٥٧) يقول هؤلاء لو دخلنا في الإسلام لأكلتنا الأمم التي حولنا.ألا يفكرون أن الله هو الذي جعل مكة حرما آمنا منذ زمن ،إبراهيم ثم لم يزل يمد أهل هذا الوادي الذي لا ماء فيه ولا زرع بثمار الدنيا وخيراتها، فكيف يتعذر عليه حماية عباده الذين يقبلون الهدى في هذا العصر؟ وكيف يمكن أن يتركهم بلا معين ولا نصير؟ الحق أنهم لا يؤمنون بالله تعالى بل قد غرتهم قولهم إنهم يرون بأم أعينهم القرى التي دمرناها بالعذاب ثم لا يتعظون.والحق أنه لم يحل بها الدمار إلا لكفر أهلها برسلنا.لا شك أن متاع الدنيا شيء جيد، ولكن الرقي الذي يمنحه الله تعالى خير من متاعها ومالها ،وذهبها إن هؤلاء الأغبياء لا يفهمون هذا الأمر البسيط.(الآيات (71-01 ثم أخبر الله تعالى أنه لا يستوي أصحاب الثراء المادي والذين قد وعدهم الله تعالى ببركات روحانية دائمة، لأن الخير الحقيقي ما تكون عاقبته خيرا، أما هؤلاء فليس مصيرهم إلا أنهم سيُحشرون إلى الله تعالى للحساب يوم القيامة.(الآية ٦٢)
٥٤٦ سورة القصص الجزء السابع ولن يكون عندها جواب أئمة الكفر الذين كانوا يغوون الناس إلا قولهم: ربنا لم نعلمهم إلا ما رأيناه حقا، والحق أنه لم يكن لنا عليهم سلطان، وإنما اتبعونا لأن قلوبهم كانت راغبة في ذلك، فلم يتبعونا بل اتبعوا أهواء أنفسهم.(الآيات ٦٣-٦٤) ولكي يكشف الله تعالى للناس عجز الآلهة الباطلة سيأمر عبدتها أن يدعوها حتى تنجيهم من العذاب، فينادونها فلن يستجيب لهم أي منها، فيقول الغاوون في حسرة: ليتنا اتبعنا الهدى ولم ننحرف عن الصراط المستقيم.(الآية ٦٥) بينهم ثم يسألهم الله تعالى ماذا كان جوابكم لرسلنا الذين أرسلناهم إليكم؟ فيصيبهم الذعر والهلع فينسون كل العقائد التي كانوا يتبعونها ولن يقدروا على التساؤل فيما أيضا.أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فأولئك هم الفائزون.(الآيات ٦٦-٦٨) ثم بين الله تعالى أن كل تغيّر بيد الله تعالى الذي يُحدث ما يشاء من انقلاب، ولكن الكافرين لا يقدرون على ذلك شيئا.إن الله يرى ظاهرهم ويعلم أسرارهم أيضا، وهو الأحد لا شريك له، وبيده البداية والنهاية وهو الذي يستحق الحمد في كل ما يفعله.(الآيات ٦٩-٧١) إنهم يشركون بالله تعالى، ولكنهم لا يتفكرون في أن الله تعالى لو مد الليل إلى يوم القيامة فمن يأتيهم بضياء من دونه تعالى؟ أو أنه تعالى لو مد النهار إلى يوم القيامة فمن يأتيهم بالليل من دونه تعالى؟ هو الله الذي يجعل الشمس تطلع وتغيب، وقد جعل الليل والنهار لتسكنوا بالليل وتعملوا بالنهار ابتغاء فضله، وتكونوا من عباده الشاكرين.إن المشركين يشركون بالله آلهتهم المزعومة، ولكن لا يوجد بينهم يؤمن بأن الشمس تطلع أو تغيب بأمر من بعض آلهتهم أو أصنامهم.(الآيات أحد (٧٢ - ٧٤ سيأتي حتمًا يوم يقال فيه للمشركين أين شركاؤكم المزعومون؟ لم لا ينصرونكم اليوم؟ أين براهينكم على عقيدتكم الوثنية إن كانت عندكم أية براهين؟ يومئذ سينكشف على المشركين زيف أصنامهم فيقولون إن ما قال الله هو الحق، وينسون كل ما ادعوه من قبل كذبًا وافتراء.(الآيتان ٧٥ – ٧٦)
٥٤٧ سورة القصص الجزء السابع ثم ضرب الله لأعداء الحق مثل قارون وأخبر أنه كان يعامل قومه بقسوة مزهوا بثرائه، إذ كان بحوزته من الكنوز ما كانت مفاتيحه لتثقل على عصبة من الناس.ولقد نهاه قومه عن الكبر والتعالي وقالوا إن الله تعالى لا يحب المتكبرين، فقال لم أُوتَ هذا الثراء من فراغ وإنما أوتيته بسبب علمي؛ ولم يتفكر أنه كم من أمة دمرها الله تعالى وكانت أقوى منه فخرج ذات يوم في أبهته أمام قومه، فأخذ.بعض منهم يغبطونه، فقال أصحاب البصيرة الروحانية منهم إن ما يملكه لا يليق بالغبطة، وإنما الحري بالغبطة ما يناله المؤمنون عند الله من أجر، ولن يناله إلا الذين يصبرون عند المحن والشدائد.فلما حانت ساعة نزول العقاب على قارون جعلناه وأهله كلهم من الأذلين فلم يخرج لنصرته حزب و لم يستطع هو أن ينصر نفسه.فاعترف القوم أن هذا هو مصير الكافرين بنعمة الله.(الآيات ۷۷- ۸۳) ثم بين الله تعالى أن الذين لا يسعون للسيطرة على البلاد بغير حق ولا يفسدون في الأرض فأولئك الذين يكتب لهم الله الغلبة والتقدم.(الآية ٨٤) ثم بين الله تعالى سنته بصدد جزاء الحسنة والسيئة، وأخبر أنه يجزي على الحسنة أكثر من حجمها، ولكن لا يعاقب على السيئة إلا بقدرها.ثم قال الله تعالى لنبيه سيخرجك قومك من مكة في يوم من الأيام، ولكن الله الذي أنزل عليك القرآن يعدك حالفا بنفسه أنه سيعود بك إلى مكة ثانية، ويجعلك غالبًا عليهم.فهو الذي يعلم من على الهدى ومن هو في الضلال، فكيف يمكن أن يفشل أهل الهدى وينتصر أهل الضلال؟ (الآيتان ٨٥-٨٦) فيا أيها الإنسان الذي يخاطبه القرآن من واجبك بعد رؤية هذه الآية العظيمة ألا تكون ظهيرًا للكافرين وتتجنب الشرك والوثنية، وأن لا تعبد مع الله أحدًا فإنه لا إله إلا الله إن كل ما في الكون بما فيه الآلهة المزعومة هالك ولن ينجو إلا من شملته عناية الله، فإنه هو صاحب الحق وهو الذي سيُعرض عليه الخلق كلهم.
الجزء السابع ٥٤٨ سورة القصص مِ اللهِ الرَّحمن الرّحيمِ طسم ) التفسير: لقد استهلت هذه الآية بمقطع طسم الذي هو اختزال للطيف والسميع والمالك أو المجيد..والمعنى أن الله لطيف فيعامل الناس بلطف ورفق ولا يمارس عليهم الشدة والجبر.ثم إنه تعالى سميع..أي أنه أنزل هذا القرآن لهداية الناس حين انحرفوا عن سبيل الهدى وانطلقت الصرخات من قلوبهم.ثم إنه مالك الخلق، فما كان لائقًا به أن يترك عباده بدون هدى.أو أن الميم في (طسم) اختزال للمجيد، والمراد أن الله ذو مجد فما كان له أن يترك عباده الضعفاء بدون هدى ولا يتفقد أحوالهم.وبما أن هذه الصفات الإلهية قد وردت في مستهل سورة الشعراء أيضا فموضوع هاتين السورتين متماثل في الواقع.يظن بعض الناس لعدم تدبرهم في القرآن الكريم أن آياته وسوره مبعثرة لا ترتيب فيها ولا يربطها رابط.والحق أن المرء يكتشف بأدنى التدبر أن هناك حكمة بالغة في ترتيب سور القرآن الكريم، كما أن آياته وثيقة الصلة بعضها ببعض.خذوا مثلاً سورتي الشعراء والقصص، فقد استهلت كل واحدة منها بقوله تعالى (طسم، ثم بعد مقطع طسم قال الله تعالى في سورة الشعراء تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين ، كذلك قال تعالى في هذه السورة أيضًا تلْكَ آيَاتُ الْكَتَاب الْمُبين، مما يدل دلالة واضحة أن هذه المقاطع قد وضعت في مستهل السور لهدف خاص وأن المقاطع المماثلة تدل على موضوع واحد.وقد سبق أن بينا لدى تفسير سورة النمل أن الله تعالى قد استهلها بقوله طس، خلافًا لسورة الشعراء التي استهلها بقوله تعالى (طسم؛ وذلك لأن مجد وجلاله قد انكشف بواسطة النبي ﷺ - الذي ورد ذكره في سورة الشعراء- الله
الجزء السابع ٥٤٩ سورة القصص أكثر مما انكشف من خلال موسى وسليمان - عليهما السلام – الوارد ذكرهما في سورة النمل.أما سورة القصص فقد استهلها الله تعالى بمقطع طسم مرة أخرى مضيفًا "الميم" إلى طس، وذلك لأن هذه السورة أيضا تركز على ذكر النبي ﷺ وخاصة على فتح مكة الذي قد تجلّى به مجد الله وجلاله أيما جلاء.تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (*) التفسير : أي أن آيات هذه السورة هي آيات الكتاب المبين..بمعنى أنه الكتاب الذي يبين مضامينه تبيانًا، وبتعبير آخر يبينها مدعمة بأدلتها.والحق أن هذه الآية تمثل ردا على سؤال نشأ على قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ، وهذا السؤال هو: لماذا بعث محمد منذرا فقط ولم لم يُسمح له بالجبر والإكراه؟ فأجاب الله بأن الكتاب الذي نزل على محمد يذكر المواضيع والقضايا مصحوبة بأدلتها، ومن أتى بكتاب مدعم بالأدلة والبراهين على كل ما فيه من دعاوي فليس له حاجة للجوء إلى الجبر والإكراه، لأن الذي يتدبر في كلامه بصدق سينال الهدى، أما الذي لا يُعمل فكره فيه فلا فائدة في جميع إكراهه، لأن الذي لم ينفعه الدليل والبرهان لن ينفعه الجبر والإكراه أيضًا.نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) سميع التفسير: أي يا محمد نسرد عليك قصة موسى كمثال على أن الله ولطيف، واعلم أن ما نسرده هو الحق..أي قد تسربت إلى قصة موسى الواردة في التوراة كثير من أفكار البشر، ولكننا نسردها لك على حقيقتها منزهة عما شابها من أفكار الناس.
٥٥٠ سورة القصص الجزء السابع وإن ما كتبه القسيس "ويري" في ملاحظاته التفسيرية على هذه الآية يؤكد صدق ما أعلنه القرآن هنا، إذ يقول "ويري" إن محمدًا لم يذكر هنا كل أحوال موسى، مما يدل على أن أحوال اليهود وصلت إليه بصورة ناقصة.(تفسير القرآن لويري) ولكن الله تعالى قد أخبر نبيه في القرآن الكريم من قبل نظرا إلى اعتراض القس ويري وأمثاله أن القصة الحقيقية هي ما نسرده عليك في القرآن الكريم، أما ما يصل إليك من أخبار موسى من مصادر أخرى فلا تصدقه لأنه خلاف الحقيقة.إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا で يَسْتَضْعِفُ طَابَةٌ مِّنْهُمْ يُذَيْحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْى نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُ سِدِينَ ( وَتُريدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ (3) اسْتُضْعُوا فى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَهمِّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (3) وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَتُرَى فِرْعَوْنَ وَهَمَنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا تَحْذَرُونَ (3) شرح الكلمات شيَعًا : الشيع جمعُ الشيعة، وشيعة الرجل: أتباعه وأنصاره، والشيعة: الفرقة.(الأقرب) يحذرون: حذر يحذر حذرًا وحَذَرًا ومحذورةً: تحرَّزَ منه.(الأقرب) التفسير: أي أن قصة موسى الحقيقية هي أن فرعون تكبر وتجبر مغترا بحكمه وقوته، وأخذ في العدوان على الناس وظلمهم، ولم يعدل مع رعيته، ولم يهتم برقيهم، بل كان يحرّض بعض الفئات ضد بعض، فكان ينحاز لبعض الفئات ضد
٥٥١ سورة القصص الجزء السابع غيرها التي كان يحتقرها ولم يكن يعتبر حكومته مسؤولة عن حمايتها.لقد لإضعاف طائفة من الناس، إذ قتل الذكور من أولادهم واستبقى بناتهم على قيد الحياة.ولا شك أنه عاث في الأرض الفساد، فقررنا عندها – كما قررنا الآن أيضًا أن نمن على الذين يُستضعفون في الأرض ونجعلهم الوارثين في الأرض ونجعلهم الأقوياء في البلاد ونعطيهم النعم التي كان يتمتع بها فرعون وأقاربه.كما قررنا أن تري فرعون ومساعده هامان وجنودهما مصيرًا كانوا يخافونه..إذ كانوا يحذرون من أن تتقوى بعض الشعوب في البلاد فتشكل عليهم خطرًا.ويتضح من قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا أن فرعون كان يعمل بحسب الخطة المعروفة: "فَرِّق تَسُد"، فكان يدفع مختلف فئات المجتمع إلى التناحر فيما بينها 6 كي يظل الناس مشتتي الشمل ولا ينتبهوا إلى ما يرتكبه من مظالم وفظائع ضد المجتمع.وكما أن الجبابرة ينصرون بعض القبائل ويهينون الأخرى لتظل نيران التباغض والتناحر مضطرمة بينها بشكل دائم، فكذلك سعى فرعون أن يظل الإسرائيليون وغيرهم في خصام دائم صرفًا لأنظار القوم عن فظائع ترتكبها حكومته.والقرآن الكريم يشجب هذه الخطة الخبيثة بشدة ويعتبرها أساسًا للفساد في الأرض، داعيًا إلى ضرورة سيادة القانون على الجميع بدون تمييز بين الفقير والثري والعالم والجاهل.والحق أن من المحال أن تنجح دولة في إرساء السلام في الدنيا إلا إذا امتنعت كليةً عن التمييز بين شتى فئات المجتمع ولم يدفعها الاختلاف أو العرقي أو الوطني أو الديني إلى القضاء على مقتضيات العدل والإنصاف.كان فرعون يريد إضعاف بني إسرائيل فأراد القضاء على نسل بني إسرائيل مستعينًا بالقابلات، لكنه فشل في خطته لأن القابلات لم يقتلن مواليدهم رحمة بهم.فأمر بقتل الذكور من أولاد الإسرائيليين غرقا في النهر وباستبقاء إناثهم على قيد الحياة، وقد جاء تفصيل ذلك في التوراة كالآتي: "وكلّم ملك مصر قابلتي العبرانيات اللتين اسم إحداهما شفرَةُ واسم الأخرى فُوعَةُ، وقال حينما تولدان العبرانيات وتنظرانهن على الكراسي إن كان ابنا فاقتلاه وإن كان بنتا فتحيا.ولكن القابلتين خافتا الله ولم تفعلا كما كلّمهما ملك مصر، بل استحيتا الأولاد.فدعا القومي
٥٥٢ سورة القصص الجزء السابع ملك مصر القابلتين وقال لهما : لماذا فعلتما هذا الأمر واستحييتما الأولاد؟ فقالت أن القابلتان لفرعون إن النساء العبرانيات لسن كالمصريات فإنهن قويات يلدن قبل تأتيهن القابلة.فأحسن الله إلى القابلتين.ونما الشعب وكثر جدا.وكان إذ خافت القابلتان الله أنه صنع لهما بيوتا.ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلا كل ابن يولد تطرحونه في النهر، لكن كل بنت تستحيونها." (الخروج ١: ١٥ - ٢٢) أما قوله تعالى: (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ فقد ظن البعض خطأ أن فرعون كان يقتل أولادهم خنقًا، ولكنه كلام غير سليم، لأن الذبح يعني القتل أيضًا (تاج العروس)، وعليه فالمراد من قوله تعالى: يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ أن فرعون كان يقتل أولاد بني إسرائيل سواء أكان هذا القتل غرقا أو بأي طريقة أخرى.وقد أوضح القرآن الكريم هذا الأمر في موضع آخر فقال إن المصريين كانوا يُقَتُلُونَ أَبْنَاءَكُمْ (الأعراف: ١٤٢) علما أنه عند الحديث عن قتل أولادهم في سورة البقرة قد قال القرآن الكريم: يُذَبِّحُونَ) (الآية: ٥٠) بدلاً من "يُذبحون"، وذلك لأن باب التفعيل يفيد الشدة والمبالغة، فلو قال "يذبحون" لكان معناه أنه كان يقتلهم، ولكنه قال يُذَبِّحُونَ ليشير إلى شدة حقد قوم فرعون تجاه الإسرائيليين وليبين أنهم كانوا يبحثون عن كل مولود جديد لهم ويقتلونه.أما قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، فلفظ نريد هو صيغة المضارع الذي يفيد الحال والاستقبال أيضًا، فكأن الله تعالى قد أشار بذلك أنه لم يُرد في زمن موسى فحسب، بل يريد الآن في زمن محمد أيضًا أن يهب القوة للذين تريد بلادهم إضعافهم عدوانًا لأنهم من المظلومين.لا شك أن محمدا لم يسمح له بالإكراه، ولكن الله تعالى كما دمّر فرعون وملأه بتدبير من السماء ونصر القوم الذين كانوا عرضة لفظائعه وجعلهم ،غالبين، كذلك سيدمر الله تعالى أهل مكة بتدبير من السماء ويجعل أتباع محمد هم الغالبين.أما التدبير الذي يتخذه الله تعالى لتنفيذ مشيئته هذه فهو مذكور في مستهل هذه السورة، حيث بين تعالى أن الكلام الذي
الجزء السابع ٥٥٣ موسی سورة القصص نزل على محمد مليء بالحكمة ومدعم بالأدلة، وسيفتح الله بتأثير هذا الكلام قلوب الناس.وكأن الله تعالى يعلن هنا أنه سيُظهر لمحمد نفس النتيجة التي أظهرها في زمن موسى العلا، ولكن هناك فرق أن هو قد اضطر لممارسة نوع من الجبر والقسوة على قومه ليعملوا بأحكام الله تعالى، كما لم يؤمن بموسى قومه كلهم وإنما انضم إليه معظمهم من أجل المصالح السياسية كما هو ظاهر من التوراة، حيث ظلوا يعترضون عليه في شتى المناسبات زمنا طويلا.أما محمد ﷺ فإن الكلام الذي نزل عليه مليء بالحكمة ومدعم بالدليل، فسيؤمن به قومه من الصميم وسينالون من العز والشرف أكثر مما ناله قوم موسى.لقد ورث بنو إسرائيل جزءا مما تمتع به فرعون من القوة والشوكة أما قوم محمد ﷺ فسينالون عزة وغلبة أكبر لأن معهم الكتاب المبين.وقد بين الله تعالى هذا المعنى في موضع آخر من القرآن الكريم حيث قال: وَجَاهِدْهُمْ به جهادًا كبيرًا ) (الفرقان: ٥٣)..أي يا محمد، ستضطر للخوض في الحروب المادية، ولكن ليست الحروب غاية حياتك بل هي جزء ضئيل من منجزاتك، إنما غايتك أن تحارب قومك بالقرآن الكريم، وهذه هي الحرب الكبرى التي لا تضاهيها الحرب بالسيف والسنان أبدا.وقد تحققت هذه النبوءة القرآنية بشكل مذهل.لا شك أن مسلمي مكة قد اضطروا لمحاربة بعض القبائل العربية، ولكنها كانت قبائل صغيرة وكانت نتيجة تلك الحروب أيضًا صغيرة، أما الحرب بالقرآن الكريم فقد خاضها النبي ﷺ ضد العرب وضد الفرس ثم ضد العالم كله وهي مستمرة حتى اليوم، وعندما تظهر نتائجها الأخيرة ستفتح قلوب العالم كله للإسلام لتمتد مملكة محمد رسول الله ﷺ إلى كل أنحاء العالم قافزةً من فوق السهول والجبال.أما الحروب المادية فنتائجها أقل بكثير من نتائج هذه الحرب الروحانية، ولكن الغريب أنه برغم وجود هذه الآيات البينة في القرآن الكريم لا يزال الغرب يعترض بأن محمدا (ﷺ) قد أخضع العدو بالحروب.مع أن انتصارات النبي لو كانت متوقفة على الحروب المادية لما اعتبر القرآن الكريم الجهاد بالقرآن أكبر من الحرب المادية، ولما قال الله لنبيه :
الجزء السابع ٥٥٤ سورة القصص وَجَاهِدْهُمْ به جهادًا كبيرًا..أي أن الحرب الحقيقة التي تخوضها إنما تتم بسلاح القرآن الكريم، فحارب به العدو لأن هذه هي الحرب الكبرى.ومن المستغرب أن هذه الآية – التي تتحدث عن نوعين من الجهاد: جهاد صغير - وهو الذي يكون بالسيف، وجهاد كبير وهو الذي يكون بالأدلة والبراهين أن الله تعالى قد أخبر نبيه ل وهو في مكة حين لم يكن عنده يعني مكية، وهذا جيش ولا ملك بأنه سيضطر لخوض الحروب ضد أعدائه بعضها بالسيف والسنان وبعضها بالدلائل ،والبراهين وأن الحرب بالدلائل هي أكبر من الحرب بالسيف.وقد بين النبي ﷺ بنفسه الفرق بين هاتين الحربين حين رجع مرة بعد قتال العدو بالسيف فقال: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" (رد المحتار على الدرّ المختار: كتاب الجهاد)..أي رجعنا من حرب صغرى لنخوض الآن حربا كبرى وهي حرب الدلائل والبراهين وإشاعة القرآن الكريم.إذًا، فإن النبي أيضا قد اعتبر حرب الأدلة والبراهين حربًا أكبر من حرب السيف والسنان.هذا، وقد اعترض المستشرق سيل (Sale) في ترجمته الإنجليزية للقرآن الكريم على شخصية هامان المذكور هنا، وقال إن القرآن الكريم قد اعتبر هامان معاصراً أنه كان وزيراً للملك الفارسي أَحَشويروش الذي خلا قبل موسى بزمن طويل.وأضاف "سيل" وقال إن إقناع أحد من المسلمين بهذا الخطأ الواضح صعب جدًا إذا لم يكن محالاً.(ترجمة "سيل" للقرآن ص ۳۷۸) لفرعون مع وقد أعاد القسيس ريفرند ويري هذا الاعتراض في تفسيره للقرآن الكريم كما فعل عديد من المستشرقين الآخرين أيضًا فقال لم يكن هامان وزيرا أو مسؤولاً كبيرًا عند فرعون بل كان وزيرا لملك فارسي كان في القرن الخامس قبل الميلاد، وقد وضع هامان في عهد الملك أَحَشْوِيرُوش خطة لإبادة اليهود بشكل شامل، ولكن الملك سخط عليه وقتله صلبًا.(تفسير القرآن لويري) وقد أسس المستشرقون الأوروبيون اعتراضهم هذا على ما ورد في التوراة كالآتي:
الجزء السابع " ٥٥٥ سورة القصص عظم الملكُ أَحَشْوِيرُوش هامانَ بنَ هَمَدَانَا الأَجاجي ورقاهُ وجعَل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه.فكان كل عبيد الملك الذين بباب الملك يجثون ويسجدون لهامان لأنه هكذا أوصى به الملك، وأمَّا مُرْدَحَايُ فلم يَحْثُ ولم يسجد.فقال عبيد الملك الذين بباب الملك لمُردخاي: لماذا تتعدى أمر الملك؟ وإذ كانوا يُكلِّمونه يوما فيوما ولم يكن يسمع لهم أخبروا هامان ليروا هل يقومُ كَلامُ مُردخاي لأنه أخبرهم بأنه يهودي.ولما رأى هامانُ أن مُردخاي لا يجثو ولا يسجد له امتلأ هامان غضبًا وازْدُريَ في عينيه أن يمدّ يده إلى مُرْدَخاي وحده لأنهم أخبروه عن شعب مُرْدَحَايَ، فطلب هامان أن يُهلك جميع اليهود الذين في كل مملكة أَحَشويروش شعب مُرْدَحَايَ." (أستير ٣ ١ - ٦) ثم تقول التوراة إن هامان فشل في مكيدته لأن الملكة "أستير" اليهودية حرّضت الملك ضد هامان، فأمر بقتله.وبناء على هذه الرواية في سفر أستير أنكر المستشرقون وجود شخص معاصر لفرعون باسم هامان ولكن الغريب أن الكتاب الذي يبنون عليه اعتراضهم ضد القرآن الكريم مشكوك فيه وغير قابل للثقة به عند الباحثين المسيحيين أنفسهم، حيث لا يصدقون ما ورد فيه من أحداث.فقد صرّح مارتن لوثر وغيره من العلماء المسيحيين أن قصة أستير هذه مجرد خرافة مليئة بالمبالغات.بل قالوا: لم يوجد في القرن الخامس قبل الميلاد أي ملك فارسي كان له وزير باسم هامان، كما لم تكن عند الملك أَحَشويروش ملكة اسمها أستير، ولا يصدق التاريخ كل هذه القصص الخرافية التي جمعت في هذا السفر.(.Black's Bible Dictionary: p.174 Under: Esther والموسوعة التوراتية: تحت كلمة: Esther) فما دام الكتاب الذي بنوا عليه اعتراضهم هو موضع طعن وشك من قبل المسيحيين أنفسهم حيث لا يعتبرونه مصدرًا تاريخيًا موثوقا به؛ فكيف يصح الطعن في القرآن الكريم بناء على مصدر مشكوك فيه؟ لقد ذكر القرآن الكريم عن هامان الأمور التالية:
سورة القصص الجزء السابع الأول: كان هامان يتمتع بقوة عسكرية في مصر، إذ كان عنده جنود كما كانت عند فرعون حيث قال الله تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خاطئين (القصص: ٩)، كما صرح تعالى في الآية قيد التفسير أيضًا فقال: ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ).والثاني: يتضح من القرآن الكريم أن هامان كان عمله الإشراف على بناء العمارات الشاهقة والقلاع وغيرها، حيث قال الله تعالى حكاية عن فرعون فأوقد لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبينَ) (القصص: (۳۹).علما أن قول فرعون وَإنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) يعني أَن هذا لا يعني أني قد اقتنعتُ بصدق موسى، كلا، بل أعتبره كاذبًا، بيد أن تصرفي هذا سيُقنع الآخرين أيضا بكذبه وافترائه.والآن لو عثرنا في تاريخ مصر القديم على شخصية معاصرة لفرعون موسى وكانت تتمتع بقوة عسكرية وكان عملها الإشراف على بناء المباني الشاهقة والقلاع لثبت صدق القرآن بكل جلاء.تكشف لنا دراسة التاريخ أن المصريين القدماء كانوا يعبدون آلهة كثيرة، وكان كل واحد منهم ينتمي إلى إله معين أو آلهة عديدة، وكان سكان العاصمة المصرية "طيبة" (Thebos يدعون إلههم "آمان" أو "آمون"، وكان يسمى في القديم "آمانا"، ثم اشتهر باسم "آمان و آمون.ولما كان "آمان" هو إله سكان العاصمة المصرية، وحيث إن العاصمة هي أشد تأثيرًا على المناطق الأخرى من البلاد، فكان لزاما أن يتفوق الإله "آمان" على الآلهة الأخرى بالتدريج، وهذا ما حدث فعلاً، حيث أصبح هذا الاسم مقدسًا جدا، فبدأ الناس يُكثرون من استعمال لفظ "آمان" كاسم أو لقب، شأن المسلمين الذين يضيفون اسم الله تعالى إلى أسماء أولادهم.(تاريخ مصر لجيمس هنري بريستد ص ٦٠٤) فلما ازداد الإله "آمان" شعبية أصبح كاهن "آمان" رئيسًا للكهنة كلهم، فازداد نفوذه حتى أصبحت في قبضته كل الأملاك والعقارات والمعابد التي كانت وقفًا للإله "آمان." تاريخ الملل القديمة لسنيوجس، ترجمة سيد محمود أعظم فهمي ص ٣٩)
٥٥٧ سورة القصص الجزء السابع ويقول جيمس هنري بريستد في كتابه "تاريخ مصر": لقد ظهرت في العصر الجديد لحكومة مصر - بالإضافة إلى القوة العسكرية - حركة مؤثرة وقوية جديدة كانت مبنية على نظام الكهانة.والحق أنه كنتيجة طبيعية لثروة المعابد الهائلة أخذت الكهانة صورة مهنة معينة.وبقدر ما ارتفع عدد الكهان ازدادوا كقوة سياسية وكلما زادت ثروة المعابد نشأت معها جماعة كبيرة للموظفين في المعابد أيضا، وكانت مسؤوليتهم أن يشرفوا عليها، رغم أنه لم يكن لهم وجود في الأيام الخالية.وفي نهاية المطاف اتحد نظام كافة المعابد للآلهة المختلفة في البلاد تحت منظمة عظيمة ومقدسة.وكان الكاهن الأعظم في معبد آمان في العاصمة "طيبة" رئيسها الأعلى.وهكذا تضاعفت قوة الكاهن الأعظم في معبد الإله "آمان" أضعافا مضاعفة مقارنة بما كانت عليه من قبل.وعندما حاز فراعنة مصر الثروة من بلاد مفتوحة حُوّل النصيب الأكبر منها إلى المعابد، وبالتالي تحولت المعابد إلى قصور واسعة وعظيمة يسكنها جماعات عديدة من الكهان.كان الكاهن الأعظم في معبد "آمان" الرئيس الأعلى لهذه المنظمة الدينية المقدسة، وكان يُعتبر أميرا مقدسا، وكانت زوجته تُلقب "جارية الله العليا، وكانت حائزة على مرتبة الملكة." (تاريخ مصر، لـ جيمس هنري بريستد ص٢٤٧- ٢٤٨) وكانت لكاهن الإله "آمان" ألقاب عديدة، غير أنه كان عادة "هُمْ آمَان"، يسمى 11° 6 مثلما كانوا يطلقون اسم "هَمْ" رَعْ" على الكاهن الأعظم للإله "رغ"، واسم "هَمْ كا" على الكاهن الأعظم للإله "كا".(The Dwellers on the Nile by sir E A Wallis Budge KT.P.148-163-173) و كلمة "هم" تعني حرفيا الخادم أو العبد، فالمراد من "هم آمان" خادم أو عبد الإله آمان، ولكنها تعني مصطلحا الكاهن الأعظم.علما أن فرعون الذي تربى موسى ال في بيته هو "رعمسيس الثاني"، أما فرعون الذي هلك بسبب عدائه لموسى العليا فهو منْفتَاح".وقد تم انتخاب الكاهن الأعظم للإله "آمان" أول مرة في عهد رعمسيس الثاني"، وفي عهده أيضًا
٥٥٨ سورة القصص الجزء السابع اعتبر هذا الكاهن عضوًا مرموقا في الحكومة.فقد كتب "ألكسندر موريت" في كتابه "النيل والحضارة المصرية": لقد عيّن رعمسيس الثاني في العام الأول من حكمه شخصا اسمه "نف" (Nebunnef) ككاهن أعظم لآمان.كان الملك قد قرر من قبل بتعيينه كاهنا أعظم للإله "هاتور" ولجميع آلهة مصر، ولكنه (أي (الملك لم يعلن تعيينه بصورة رسمية إلا بعد أن عرض على إلهه "آمان" في معبد "كرنك" أسماء جميع المسؤولين والكهان والزعماء في البلاط لهذا المنصب، ولكن إله "آمان" لم يرض إلا باسم نيبنف.وعندما تمت عملية الانتخاب قال الملك مخاطبا نيبنف: منذ الآن تكون أنت الكاهن الأعظم في آمان وإن كنزَي معبد آمان ومستودعات الغـــلال تكــــون تحــت خاتمك، وإن معبد الإله "هاتور" سيكون من الآن تحت عصا حكومة ابنك، ويحتل ابنك المنصب نفسه الذي كان خاصا بك.فقام جميع أركان البلاط وقُضاته الثلاثة بتهنئة الملك والكاهن الأعظم على هذا الانتخاب.ثم وهب الملك خاتمين ذهبـــيين خاصين به والعصا الملكية الذهبية لـ نيبنف وعينه على منصبه وخلع عليه الألقاب التالية: -۲ -۳ W "طيبة" الكاهن الأعظم لآمان مدير أعلى للكنوز والمستودعات مدير عام لجيوش مصر مدير أعلى الجميع الصنّاع وأصحاب الحرف في العاصمة (The Nile and Egyptian civilization by Alexender Moret p.334) لقد تبين من ذلك أن الكاهن الأعظم للإله "آمان" كان أكثر الناس قوة في مصر بعد فرعون في عصر موسى العلا، وكان له نفوذ في الجيش، كما كان يشرف على بناء المعابد.
٥٥٩ سورة القصص الجزء السابع ويقول جيمس هنري بريستد عن "هَمْ" آمان: إنه (أي رعمسيس الثاني) قسم 11 110 الجنود في أربع كتائب، وسمى كل كتيبة باسم آلهته الكبيرة: "آمان" و "رغ" و" ناح" و"ستيخ"، وتولى بنفسه قيادة كتيبة الإله "آمان." (ص ٢٤٥) لقد ثبت مما سبق أن كاهن الإله "آمان" كان الرجل الثاني في مصر بعد فرعون في زمن موسى العل.وحيث إن "آمان" كان يُعتبر سيد الآلهة فقد اعتبر كاهنه أيضا الرئيس الأعلى للنظام الديني، كما كان المشرف الأعلى على الكنوز والخزائن والمستودعات للمعابد، وكان يتقلد منصب القائد الأعلى للجيش، وكان ذا سلطة ونفوذ حتى سُمّيت إحدى كتائب فرعون باسمه.كما سُمِّي الرئيس الأعلى للصناع والمعماريين أيضا لكونه المشرف الأعلى على بناء المعابد كلها، إذ يتضح من التاريخ أن المصريين كانوا يبنون معابد فخمة ومقابر وقصورًا وتماثيل كبيرة للآلهة في كل مكان، وكان كاهن الإله "آمان" يشرف على هذه الأعمال كلها.(الموسوعة البريطانية: تحت كلمة Egypt) إذا، فالشخصية التي سماها القرآن الكريم "هامان" ليست شخصية خرافية، بل هي شخصية تاريخية كبيرة، وكانت تسمى في مصر القديمة "هم آمان" و "هَمْ آمون".لا شك أن التوراة لم تذكر هامان في معرض الحديث عن وقائع موسى وفرعون ولكن الشواهد التاريخية قد دلّتنا على شخصية كانت تُعتبر في مصر ثاني شخصية كبيرة بعد فرعون، وكان هناك كتيبة عظيمة باسمه، وكان مشرفا على أعمال بناء المعابد كلها.إذا، فإذا كانت التوراة قد أهملت ذكر هذه الشخصية الكبيرة فهذا ليس دليلا على وقوع القرآن الكريم في خطأ تاريخي، إنما هو دليل على أن التوراة هي التي قد ارتكبت خطأ تاريخيا مع أنها قد كتبت في عهد موسى العلي وتدعى أنها تسرد وقائع عصره سردًا صحيحًا.أما القرآن الكريم الذي نزل بعد التوراة بألفي سنة فقد نبّه إلى خطئها متحديًا أن بيانه هو الصحيح، وأن ما ذكرته التوراة فهو خطأ، ومن أجل ذلك فقد أعلن القرآن الكريم في بداية هذه السورة: تلك آيات الكتاب الْمُبين..أي أن هذه آيات الكتاب الذي يبين الحقائق كلها
الجزء السابع ٥٦٠ سورة القصص ويكشف الأسرار بأسرها.كما أعلن أيضًا: نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإٍ مُوسَى وَفَرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ..أي أننا لا نكرر ما ورد في التوراة من قصص وأحداث، بل نسرد لك الوقائع الحقيقية من زمن موسى ،وفرعون ولكن لن ينتفع منها إلا الذين يوقنون بها، أما الذين لا عمل لهم إلا الاعتراض فلن ينتفعوا منها.وبالفعل ترى أن سيل وويري لم ينتفعا من هذه الحقائق التي ذكرها القرآن الكريم، بل زعما أن محمدا قد ارتكب هنا خطأ تاريخيًا، إذ اعتبر هامان معاصرا لموسى العليا أنه كان وزيرا لملك فارسي خلا قبل موسى بخمسة قرون.ولكن المصادر التاريخية قد أكدت أن اعتراضهما باطل وأن الحق مع القرآن الكريم.مع وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمَ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا جَتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ في الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) فَالْتَقَطَهُ وَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَمَنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ شرح الكلمات : اليم: هو البحر.(الأقرب) فالتقطه: التقطه: عثر عليه من غير قصد ولا طلب.(الأقرب) التفسير: المراد من قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا أن أم ألقته في النهر كما أمرها الله تعالى ولكن عين حمايته تعالى كانت موسی تكلؤه، فلم يغرق بل أخذه شخص من عائلة فرعون والمراد من قوله تعالى:
الجزء السابع ٥٦١ سورة القصص لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا أن موسى أصبح في نهاية المطاف عدوا لهم وسب هما وحزنًا حيث إن اللام في ليَكُونَ للعاقبة.لهم وقد صرح القرآن الكريم في سورة "طه" أن الله تعالى أمر أُمَّ موسى ال أن تضعه في التابوت ثم تضع التابوت في النهر، وليس أن تُلقيه في النهر هكذا، حيث ورد هناك اقذفيه في التَّابُوتِ فَاقْذفيه فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لي وَعَدُوٌّ لَهُ ) (طه: ٤٠).وإن التوراة أيضا تسلّم بذلك إذ ورد فيها أن أم موسى صنعت سلةٌ من البَرْدي وطلته بالحُمَر والزفت، ووضعت فيه الولد، ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر الخروج (۲ (۳).وسلّة البردي والتابوت شيء واحد في الحقيقة، إذ ليس ضروريًا أن يكون التابوت مصنوعًا من الخشب، بيد أنه كان ضروريًا أن يوضع موسى في شيء لا يتسرب إليه الماء، ولذلك تخبرنا التوراة أن أمّه طلت السلة بالحمر والزفت لتسد ثقوبها، فلم تعد بعد ذلك سلة بل صارت شيئا كالتابوت.قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فَرْعَوْنَ أن آسية امرأة فرعون هي التي التقطت موسى من النهر، إذ ذهبت إلى النهر للغسل في ذلك اليوم، فرأت تابوتًا صغيرًا يطفو على الماء، فحملته وفتحته فوجدت فيه ولدا جميلا، فأشفقت عليه وأخذته إلى البيت وقامت بتربيته (الطبري).ولكن التوراة تخبرنا أن ابنة فرعون هي التي كانت تغتسل في النهر، فرأت سلة بين الحلفاء على حافة النهر، فبعثت بعض زميلاتها لتحمل السلة إليها، فلما فتحتها وجدت فيها ولدا جميلاً، فأشفقت عليه وأخذت تربّيه.(الخروج ١: ١٦) وبما أن القرآن الكريم قد صرح هنا فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ مما يدل أن أحدًا عائلة فرعون وقبيلته أخذه فالمراد من آل فرْعَوْنَ ابنته لا زوجته.من
الجزء السابع ٥٦٢ سورة القصص صلے وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ، وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) التفسير: لما أخذت ابنة فرعون الولد إلى البيت قالت زوجة فرعون له سيكون هذا الولد قرة عين لي ،ولك فلا تقتله عسى أن ينفعنا كخادم أو يكون ذكيًا فنتخذه ولدا.وكانوا لا يشعرون بما كان يخفيه لهم القدر وماذا سيحدث في المستقبل.هي التقطت التي موسى من لا شك أن ابنة فرعون الماء وهي التي أخذته إلى البيت، ولكن لا تطرح أيُّ أمّ ولدها في النهر إلا إذا خافت على حياته خوفًا شديدًا.ولما كان بنو إسرائيل هم الذين يخافون على حياة مواليدهم لأن فرعون كان قد أمر القابلات بقتلهم (الخروج ١: ١٦)، فلما أخذت ابنته موسى إلى البيت أدرك أنه ولد إسرائيلي فأراد قتله، ولكن زوجته شفعت له وقالت لفرعون دع البنت تفعل ما تشاء ولا تقتل الوليد من أجلي، عسى أن ينفعنا إذا كبر أو نتخذه ولدًا إذا كان ذكيًا.ولكن فرعون وأهله لم يعلموا ما كان القدر يخفيه لهم.وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمَ مُوسَى فَرعًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) وَقَالَتْ لأُخْتِهِ، فَضِيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبِ وَهُمْ لَا ۱۲ يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ يَكْلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ
الجزء السابع ٥٦٣ سورة القصص ۱۳ نَنصِحُونَ : فَرَدَدْنَهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شرح ١٤ الكلمات : فؤاد: الفؤاد: القلب لتوقده، لأنه فَأَدَ اللحم في النار: شواه، وقيل لتحرُّكه من لأن أصل الفاد الحركة.(الأقرب) التفسير: لما تلقت أم موسى الله هذا الوحي أدركت أن الله تعالى سيتولى حفظ ولدها ولن يقدر فرعون على قتله فخلا قلبها من الهم وغمرها الفرح حتى كادت تبوح بهذا السر لولا أن جعل الله تعالى قلبها قويًا لتكون من المؤمنين.يقول المفسرون في تفسير قوله تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغا أن أمه لم تبرح تفكر فيه كل حين بعد طرحه في النهر (الرازي)، ولكن هذا المعنى باطل، وإنما المفهوم السليم هو أن الله تعالى لما بشرها أن فرعون لن يضر موسى شيئا زال حزنها واطمأن قلبها وغمرتها هذه البشارة فرحة وسرورًا حتى كادت تخبر الناس أن الولد لها وأن الله تعالى قد وعدها بحمايته؛ ذلك لأن ضمير الغائب في قوله تعالى: لتبدي به قد يعود إلى موسى فيكون المعنى أن أمه كادت أن تبوح بالسر وتخبر الناس أن الولد لها، وقد يعود هذا الضمير إلى الوحي الذي تلقته فيكون المراد أنها كادت أن تبدي للناس بأنها قد تلقت من الله وحيا كذا وكذا، وألقت وليدها في اليم طبقا لوحي الله تعالى.أما لو كانت أمه لا تزال تخاف عليه وتفكر فيه كل حين فما كانت لتبوح بهذا السر، إنما يمكن أن تفكر في البوح بسر ابنها إذا كانت فرحة ومطمئنة على حياته.
الجزء السابع سورة القصص ثم يقول الله تعالى: وَقَالَتْ لأُخته قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُب وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ..أي أن أمه أمرت أخته أن تتبعه في النهر وتراقبه عن بعد لا من قرب حتى لا ينتبه لها أحد من قوم فرعون.أن أما قول الله تعالى: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ..الخ..فيعني أنهم لم يجدوا له مرضعًا ترضعه، أو يعني أن موسی القلعة رفض يرضع أيا من المراضع.فتقدمت أخته وقالت لأهل فرعون هل أدلكم على أهل بيت يقومون لكم برضاعته ويكونون له ناصحين؟ وهكذا رجع الله بموسى إلى أمه كي تقر عينها ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الأمور لغبائهم.وَلَمَّا بَلَ أَشُدَّهُ، وَاسْتَوَى وَآتَيْنَهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ تجزى الْمُحْسِنِينَ ) شرح الكلمات : أَشُدَّه: بلغ فلان أشُدَّه أي قوته، وهو ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة.(الأقرب) التفسير: أي لما بلغ موسى شبابه واستوى بقوة على الخلق الأسمى وهبنا له الحكم والعلم وكذلك نجزي المحسنين.لا شك أن الأسد هو ما بين الثمانية عشر إلى الثلاثين، ولكن هذا لا يعني أن هناك عمرًا معينًا يبعث فيه أحد نبيًا، إذ يتضح لنا من دراسة التاريخ أن الأنبياء بعثوا في سن متفاوتة، فقد بعث النبي ﷺ مثلا في سن الأربعين (البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب مبعث النبي ، وبعث عيسى وعمره ثلاثون سنة بحسب إجماع النصارى والمسلمين.(البداية والنهاية: بيان نزول الكتب الأربعة، لوقا ۳: ۲۳)، وبعث يحيى العلمية وهو دون الثلاثين (الخازن: قوله تعالى: وآتيناه الحكم صبيا.وعليه فيمكننا القول بناء على التاريخ أن الأنبياء يُبعثون في سن العلية لا متفاوت وفقًا لأوضاع عصورهم، ولا يمكن تحديد بلوغ الأشد لغويًا ولا تاريخيًا.
الجزء السابع سورة القصص وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينٍ غَلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَان هَذَا من شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ صلے فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ، فَوَكَرَهُ من صلے صلے مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَنِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مضِلٌ مُّبِينٌ : قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَسِي فَاغْ سِرْ لِي فَغَرَ ج و ١٦ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَ ُورُ الرَّحِيمُ ) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَى فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (2) ۱۸ وَكَزَه: دفعه.ووَكَزَ فلانًا: ضرَبه بجمع الكفّ.وقال الكسائي : وكزه: لكمه.(الأقرب) ظهيرا : الظهير : المعين.(الأقرب) التفسير: لقد ذكر الله تعالى هنا حادثا هاما من حياة موسى حادثا هاما من حياة موسى الله أدى إلى بعثته العليا نبيا، وهو أنه دخل المدينة مرة على حين غفلة من الناس أي وقت الليل، فوجد فيها رجلين يقتتلان، أحدهما من قومه والآخر من أعدائه.ويبدو أن هذا الشخص الأول كان يتكلم بالعبرانية فعلم موسى أنه من قومه، فرأى مساعدته واجبًا عليه.لقد قال الله تعالى هنا: وَهَذَا مِنْ عَدُوِّه ولم يقل: "وهذا من أعدائه"، وذلك لأن لفظ عدوه إشارة إلى قوم فرعون، ووصف القوم" بصيغة المفرد جائز في اللغة، فالمعنى أن الآخر كان من القوم الذي هو عدوّه.فلما استغاثه الذي من قومه ضد الذي كان من قوم فرعون رأى موسى الله أنه إذا لم ينصر أخاه الإسرائيلى فإن الرجل سيقتله، فتقدم موسى ووجه إلى الرجل لكمةً، فإما أنه لكمه بقوة لأن الموقف كان حرجًا، أو أن الرجل كان ضعيف
الجزء السابع سورة القصص في القلب أو الكبد، فأصابت اللكمة قلبه أو كبده فمات في مكانه.فقال موسی نفسه: هذا من عمل الشيطان..أي أن ما حدث إنما هو نتيجة الغضب، إذ إن الشيطان مشتق من شطن أو شاط، فيقال: "شاط الشيء: احترق، واستشاط الرجل غضباً..أي غضب غضبا شديدا (الأقرب)؛ فثبت أن الشيطان هنا بمعنى الغضب.أما قول موسى : إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضلَّ مُبِينٌ فمعناه أن الغضب عدو كبير العلية للإنسان حيث يُنسيه طريق الصواب، إذ يقال: ضَلَّ الناسي: أي غاب عنه حفظُ الشيء" (الأقرب).ففكر موسی العلم أن فرعون وقومه سيعادونه الآن فدعا ربه وقال رب، لقد ألقيت نفسي في العناء حين تقدمت لمساعدة رجل من قومي حين رأيته في محنة، علما أن الغفر يعني الستر سواء أكان ستر المصيبة أو ستر الذنب، فيقال: "غفَر الشيء غفراً : ستَره" (الأقرب)، فقوله فاغفر لي يعني استر مصيبتي.فاستر لي مصيبتي، فستر الله مصيبته حيث لم يره أحد من مسؤولي الحكومة، ثم فشلت الحكومة حين أرادت قتله.ولا شك أن الله يستر عباده في مصائبهم ويرحمهم كثيراً.ثم دعا موسى وقال رب قد مننت علي كثيرًا فلن أنصر المجرمين بعد ذلك.والواقع أن الشخص الذي أغاثه موسى ال لم يبد محرما بظاهره، وإنما اعتبره موسى محرمًا بناءً على فراسته، إذ فكر أنه قد أغاثه بحسن النية فقُتل رجل من قوم فرعون مما ألقاه في بلاء شديد؛ فيبدو أن هذا الشخص محرم عند الله تعالى.ج فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ حَاءٍ مَا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ : فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَنمُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا
الجزء السابع ٥٦٧ سورة القصص صلے قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُريدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (3) شرح الكلمات: يترقب : ترقبه : انتظره (الأقرب).وترقب: احترز راقبا.(المفردات) يستصرخه: استصرخه: استغاثه.(الأقرب) عصبي موسی التفسير: وفي الصباح خرج موسى ال إلى المدينة وهو يلتفت يمينا وشمالاً ليرى ما إذا كان أحد يتتبعه أم لا، فوجد أن الشخص الذي استغاثه بالأمس يناديه للمساعدة.وبما أن العليا كان قد أدرك بفراسته أن هذا الرجل من قومه كان على خطأ في شجاره مع الرجل الذي قتل أمس، فقال في نفسه أنه شخص يُسخط الناس وإلا فلم يتشاجر الجميع معه، فقال له: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ..أي لا شك أنك مفسد.علما أن "الغوي" صفة مشبهة باسم الفاعل من غوى يغوي ومن معانيه المفسد.ثم رأى موسى أن الشخص الآخر يبدو معتديًا فهم أن يبطش به فظنَّ الإسرائيلي أنه يريد ضربه إذ لامه من قبل، فصرخ على موسى بدون تفكير وقال أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس؟ إنك لا تريد الإصلاح وإنما تريد أن تظلم الضعفاء وتتكبر في الأرض.علما أن الجبار صفة من صفات الله تعالى وهو الذي يسدّ حاجات الناس، ولكن إذا وُصف بها غير الله تعالى فتعني كل عات متمرد لا يبالي بأي قانون وحدود (الأقرب).فعلم الناس بصرا اخه أن الذي قتل المصري البارحة.ولأن القتيل كان من قوم فرعون وكان المعتدي اليوم من قوم فرعون، فانتشر هذا الخبر في المدينة انتشار النار في الهشيم وثار قوم فرعون موسى هو وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَمُوسَىٰ إِنَّ المَلَأُ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ
الجزء السابع ٥٦٨ سورة القصص صلى النَّصِحِينَ (٢) خَرَجَ مِنْهَا خَارٍا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ يَجْنِي ۲۱ مِنَ الْقَوْمِ الظَّلِمِينَ العليلا التفسير : فجاء رجل من الناحية الأخرى من المدينة فقال لموسى إن رؤساء القوم يأتمرون بقتلك فاهرب من هنا فورًا، فإني لك من الناصحين.فهرب موسى من المدينة فوراً وهو يلتفت يمينا وشمالاً ليرى ما إذا كان أحد يطارده أم لا، وكان يدعو الله تعالى ربِّ إن قوم فرعون ظالمون معتدون إذ رأيتُ بأم عيني مرتين أنهم حاولوا قتل إسرائيلي، فنَجِّني من هؤلاء الظالمين.ثم توجه موسى إلى أرض مدين.وكان مدين أحد أبناء إبراهيم ال من زوجته ،قطورة، وقد جاء ذكره في الا التوراة كالآتي: وَعَادَ إِبْرَاهِيمُ فَأَخَذَ زَوْجَةٌ اسْمُهَا قَطُورَةُ، فَوَلَدَتْ لَهُ زِمْرَانَ وَيَقْشَانَ وَمَدَانَ وَمَدْيَانَ وَيَشبَاقَ وَشُوحًا." (التكوين ٢٥ : ١-٢) وكان الناس في القديم يُدعون بأسماء آبائهم، فدعي نسلُ مدين أيضا باسمه.ثم إن هؤلاء القوم سموا عاصمتهم أيضًا مدين.وكانت هذه المدينة تقع قريبا من البحر على خليج العقبة ناحية الجزيرة العربية علما أن البحر الأحمر يصبح فرعين في الشمال: فرع في ناحية مصر وفرع في ناحية الجزيرة العربية، والفرع الذي يتاخم الجزيرة العربية يُدعى خليج العقبة – وكانت القوافل التجارية العربية تمر بمدين في طريقها إلى مصر.الواقع أن مدينة مدين قد اندرست الآن إلا أنه لا تزال هناك قرى صغيرة حتى اليوم.أطلس القرآن ص ۹۲-۹۳ ، وتاريخ أرض القرآن (أردو) المجلد الثاني - (۱۱۱-۱۱۰ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ : وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً ۲۳
الجزء السابع ٥٦٩ سورة القصص مين النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْن تَذُودَان صلے صلے تو صلے قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخُ كَبِيرٌ ( فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظَّلِّ فَقَالَ رَبِّ To إلى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَى مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ جَاءَتْهُ إِحْدَنَهُمَا تَمْشِي إِنِّي عَلَى اسْتِحْيَاءِ قَالَتْ إِنَّ أَبي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا ج صلے سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ، وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ تَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّلِمِينَ شرح الكلمات: ٢٦ تذُودان: ذادَه يذود ذودًا وذيادًا: طرده ودفعه.(الأقرب) خَطْبُكما : الخطب: الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب.(المفردات) يُصدر : أصدر فلانًا: ذهب به.(الأقرب) الرعاء مفرده الراعي، ومن معاني الراعي أيضا: كلُّ من ولي أمر قوم.(الأقرب) التفسير: فكما أن يعقوب ال قال إني لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفنَّدُون (يوسف: (٩٥)..أي لو لم تتهموني بالجنون حيث لا أزال أذكر يوسف كل حين فإني أخبركم بأن لقائي بيوسف وشيك، فيبدو أن موسى الله أيضا قد شم السكينة والطمأنية لما توجه إلى مدين، قال: عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السبيل..أي حان أن يوصلني ربي إلى حيث قدر لي الخير والبركة.فاستجاب الله دعاءه حيث إنه لما بلغ ماء مدين وجد عليه قوما يسقون مواشيهم، ووجد من دونهم امرأتين تمنعان أغنامهما كيلا تختلط وتضيع بين مواشي القوم.فتقدم موسى ريح
الجزء السابع ۵۷۰ سورة القصص إليهما وقال : ما خَطبكما..أي ما الذي يهمّكما - علما أن من معاني الخطب: الشأن، وأيضًا الأمرُ صغر أو كبر (الأقرب) - فقالتا لا نسقي غنمنا إلا بعد أن يذهب هؤلاء الرعاة بمواشيهم لأنا لا نريد الاختلاط.بهم.ثم فكرتا أنه شخص غريب وربما يُسيء بأهلهما الظن إذ أرسلوا بناتهم ولم يأتوا بأنفسهم ليسقوا مواشيهم، فقالتا إن أبانا هو الرجل الوحيد في أهلنا ولكنه شيخ كبير لا يقدر على القيام بهذا العمل.فأشفق موسى على البنتين فسقى لهما أغنامهما، ودون أن العليا يفكر في أجرة أو شكر من قبلهما، ثم ذهب وجلس في ظل شجرة، ودعا ربه قائلاً: رَبِّ إِنِّي لمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ..أي رب، إنني مسافر غريب وحيد في هذا البلد، ولا أملك شيئا فإني محتاج إلى أي خير تؤتيني إياه.ولم يمض عليه وقت طويل حتى جاءت إليه إحدى البنتين في خجل وحياء وقالت: إن أبي يدعوك ليعطيك أجر ما سقيت لنا.ثم يخبر الله تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ..لما جاء موسى أبا الفتاتين وقص عليه قصته كلها أثناء الحديث، طمأنه الرجل وقال لا تخف الآن فقد نجوت من القوم الظالمين.قَالَتْ إِحْدَنَهُمَا يَتَأَبَتِ اسْتَجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَكْجَرْتَ القوى الأمِينُ قَالَ إِلَى أُريدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَى ۲۷ إِنِّي هَنتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَنِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صلے
الجزء السابع ۵۷۱ سورة القصص منَ الصَّلِحِينَ : قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) شرح الكلمات: حجج: جمع حجة، والحجة السنة.(الأقرب) ۲۹ التفسير: حيث إن البنتين تذهبان إلى الماء يوميًا فيعاكسهما الرعاة الأوباش العمل تخلصا موسی لهذا ويُسمعونهما كلامًا بذيئًا، فاقترحت إحداهن على أبيها أن يستأجر من هذه المعاناة، وقالت: يا أبانا استأجره لأن أفضل الأجراء من يكون قويًا وأمينا.يبدو أن موسى لما سقى الغنم دفع الرعاة بقوة وشجاعة العليا فعلمت الفتاتان أنه قوي ولما توجه إلى الظل غاض البصر عن الفتاتين فأيقنتا أنه أمين، أما أبوهما فكان قد علم ذلك سلفا عندما سمع منهما قصته؛ ولكنه كان لا يملك من المال إلا تلك المواشي، فلم يلبث أن اقترح على موسى الله أن يزوجه إحدى ابنتيه شريطة أن يخدمه ثمانية أعوام، ثم قال فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمَنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ..أي أطلب منك الخدمة ثمانية أعوام ولن أُصر على أن تكمل عشر سنوات، أما إذا زدت على الثماني سنتين من عندك فتكون منة عظيمة منك عليّ، ولن أكون قاسيا عليك بل ستجدني إن شاء الله حسن المعاملة.فقال ال حسن لقد تمت هذه المعاهدة بيني وبينك وأنا مخير في أن أقضي أيَّ الأجلين شئت، ولا تتوقع مني أن أكمل عشر سنين وحيث إن هذه المعاملات بحاجة إلى الشهود فأُشهدُ الله على ما قد تم بيني وبينك.موسی وبناء على هذه الآيات أقول لمن يستشيرني في مقدار المهر عند الزواج إن مقداره ما يكسبه المرء في ستة أشهر إلى سنة، وذلك لسببين: أولاهما أن سيدنا المسيح الموعود اللي قد اشترط بأمر الله على كل من يريد الانخراط في "نظام الوصية" أن يدفع عُشر دخله..وهذا يعني أنه العليا قد اعتبرها تضحية كبيرة، ولذلك أرى دفع المرء عُشر دخله مهرا لزوجته - بالإضافة إلى ما عليه من نفقات شتى- أن
سورة القصص الجزء السابع لتضحية كبيرة بحيث إن صاحب مثل هذه التضحية قد وعد عليها بالجنة في نظام "الوصية"، ولذلك أرى أن ما يكسبه المرء في السنة - وهو عُشر ما سيكسبه في عشر سنوات - لمبلغ كاف كمهر لزوجته، بل أرى أنه أقصى حد للمهر.وثانيهما: أن هذه الآيات أيضا تدعم موقفي كما بينت من قبل، إذ ورد فيها أن حما موسى ال قد طلب منه خدمة ثماني سنوات كمهر للزواج، أما أن عليها سنتين فهو مخير في ذلك، وهذا يعني أن الله تعالى قد اعتبر ثمن دخل موسى یزید بل عشره أيضًا أقصى حد للتضحية؛ ذلك لأن من البديهي أن موسى ال كان لا العليا يأكل ولا يشرب في هذه السنين الثماني أو العشر من ماله الخاص، بل كان حموه هو الذي ينفق عليه وعلى زوجته أيضًا، ونظرًا إلى هذه النفقات يمكن القول إن عُشر كل الأجرة التي قد استحقها موسى فعلاً كان يبقى عند حميه باعتباره مهرا لا بنته.أن العليمة أما حمو موسى ال فتخبرنا التوراة في مكان أن اسمه "يثرون" (الخروج ۳: ۱)، العليا بينما يقول في مكان آخر إن اسمه "رَعُوئيل" (الخروج ۲: (١٨).أما القرآن الكريم فلم يذكر اسمه، بيد أن المفسرين قالوا أن حماه هو شعيب العلل الذي بعث إلى قوم مدين (ابن كثير).ولكنه خطأ عندي، إذ يتضح من القرآن الكريم بعث بعد هلاك قوم شعيب ال، حيث قال الله تعالى بعد ذكر هلاكهم ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا) (الأعراف:١٠٤).فما دام القرآن قد صرح أن موس بعث بعد دمار قوم شعيب – عليهما السلام – فكيف يقال أن شعيبا هو حمو موسى؟ ثم يورد القرآن الكريم في مكان آخر قول شعيب ال لقومه : لا يَحْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيد ) (هود: ٩٠).ويتضح من هذا أنه بعث بعد لوط - عليهما السلام - بزمن قريب.إذا، فاعتبار شعيب معاصرًا وحما لموسى قول غير سليم بحسب هذه الآيات.وسواء كان اسم حميه "يثرون" أو "رعوئيل" أو غيره إلا أنه كان شخصًا غير شعيب العلم، إذ كان قوم شعيب قد هلكوا قبل
الجزء السابع سورة القصص موسى بزمن طويل، و لم يبق في عصر موسى إلا آثار من ذريتهم، وكانوا قد فقدوا عزهم ومجدهم.لقد أوضح القرآن الكريم في مستهل هذه السورة أن ما يذكره من وقائع موسى قبل بعثته ليس نقلاً لما ورد في التوراة، بل إنها هي الوقائع الصحيحة من حياة موسى ، كما أوضح القرآن الكريم أنه لم يسردها كقصة فحسب، بل إن فيها آیات عظيمة لقوم مؤمنين..أي على المؤمنين أن يوقنوا بأن الله تعالى كما نصر موسى وجعل بواسطته شعبه المستضعف المقهور ملوكًا في الدنيا، كذلك فبرغم أن الذين آمنوا بمحمد سيُضربون ويهانون كبني إسرائيل، وسيضحون بأنفسهم وأموالهم وأجيالهم في سبيل الله تعالى، إلا أنه تعالى سيعاقب الملوك الجبابرة – مثل فرعون – الذين لا ينصاعون لأحكامه تعالى، ويمزق ملكهم كل ممزق كما مزق ملك فرعون من قبل وجعل بني إسرائيل وارثين للنعم التي كان يتمتع بها هو وقومه.والحق أن كل صفحة من تاريخ الإسلام شاهدة على صدق هذه النبوءة وتمثل دليلا بينا على صدق النبي.ثمة اختلافات بين ما ورد في القرآن الكريم و التوراة حول هذه الأحداث، وإليك بيانها: الأول: لم تذكر التوراة أن الله تعالى هو الذي أمر أم موسى ال بالوحي بأن تطرحه في النهر إذا خافت على حياته، بل تقول التوراة أن أمه اتخذت هذا التدبير من عند نفسها، بينما يبين القرآن الكريم أن فكرة إلقائه في النهر لم تخطر ببالها من تلقائها، بل إن الله تعالى هو الذي أمرها بذلك بوحيه.والحق أنه لو كان هذا التصرف فعلاً شخصياً لأم موسى ولم يكن مصحوبا بتأييد الله ونصرته ته لما تبعثه الأحداث التي تتعلق بتربيته في القصر الملكي.فهذه الأحداث دليل على أن كل ما حدث قد تم بحسب مشيئة الله وتدبيره.والثاني: تقول التوراة إن أم موسى "أخذت له سَفَطًا من البَرْدي وطلته بالحمر والزفت، ووضعت الولد فيه ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر" (الخروج ٢: ٣).
الجزء السابع ٥٧٤ سورة القصص وهذا يعني أن أمه لم تجرؤ، بحسب التوراة، على إلقائه بيدها في ماء النهر ليأخذه الماء، بل غاية ما فعلته أنها خبأته بين الحلفاء على حافة النهر.ثم تذكر التوراة أن ابنة فرعون ذهبت للاغتسال على النهر فرأت سلّة بين الحلفاء، فأرسلت صديقاتها ليأتين بها، حيث ورد فنزلت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل، وكانت جواريها ماشيات على جانب النهر.فرأت السفط بين الحلفاء، فأرسلت أمتها وأخذته.ولما فتحته رأت الولد وإذا هو صبي يبكي فرقت له وقالت: هذا من أولاد العبرانيين.فقالت أخته لابنة فرعون هل أذهب وأدعو لك امرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد.فقالت لها ابنة فرعون: اذهبي.فذهبت الفتاة ودعت أم الولد.فقالت لها ابنة فرعون: اذهبي بهذا الولد وأرضعيه لي وأنا أعطيك أجرتك.فأخذت المرأة الولد وأرضعته.ولما كبر الولد جاءت به إلى ابنة فرعون، فصار لها ابنا ودعت اسمه موسى، وقالت: إني انتشلته من الماء." (الخروج ٢: ٥-١٠) ولكن الغريب أن التوراة تقول من جهة أن أم موسى خبأته بين الحلفاء وأن ابنة فرعون أخذته من بين الحلفاء، ومن جهة أخرى تقول أن بنت فرعون سمته حيث بينت سبب تسميته بأنها انتشلته من الماء.فما دامت أمّ العليا لم تلقه من بين موسى من موسى الماء؟ في الماء بل خبأته بين الحلفاء على حافة النهر، وحيث إن ابنة فرعون لم تنتشله من الماء بل أخذته الحلفاء، فكيف ادعت أنها سمته موسى لأنها انتشلته فثبت أن أمه لم تلقه في ماء النهر أصلاً بحسب التوراة، بينما يعلن القرآن الكريم أن أمه لم تخبئه بين الحلفاء بل وضعته في التابوت وألقته في ماء النهر فجرى به.الثالث : تتهم التوراة موسى الله بقتل المصري عمدًا ثم إخفائه في الرمال حيث ورد: " موسی وحدث في تلك الأيام لما كبر أنه خرج إلى إخوته لينظر في أثقالهم.فرأى رجلاً مصريًا يضرب رجلاً عبرانيًا من إخوته.فالتفت إلى هنا وهناك ورأى أن ليس أحد، فقتل المصري وطمره في الرمل.ثم خرج في اليوم الثاني وإذا رجلان
لینگ ٥٧٥ الجزء السابع سورة القصص عبرانيان يتخاصمان فقال للمذنب لماذا تضرب صاحبك؟ فقال: من جعلك رئيسًا وقاضيًا علينا؟ أمفتكر أنت بقتلي كما قتلت المصري؟ فخاف موسى وقال: حقا قد عُرف الأمر.فسمع فرعون هذا الأمر، فطلب أن يقتل موسى.فهرب موسى من وجه فرعون، وسكن في أرض مديان." (الخروج ۲: ١١-١٥) وهنا أيضا نجد اختلافًا في بيان القرآن الكريم وبيان التوراة، وكل عاقل إذا تدبر أن بيان القرآن الكريم هو الأقرب إلى المنطق والصواب.الأمر وجد التوراة أن موسی فمثلاً تزعم ال لما رأى فردًا من قومه يتشاجر مع المصري التفت يمينا وشمالاً ليطمئن بعدم وجود شرطي هناك، ثم تقدَّم وقتل المصري وأخفاه في الرمال.وهذا يعني عمد مع سبق الإصرار والترصد ولذلك نظر يمينا وشمالاً، وحين اطمأن أنه لا يراه أحد قتله وأخفاه في الرمال ولكن القرآن الكريم يعلن أن موسى ال لم يتقدم أن التوراة تتهم موسى بالقتل عمداً، حيث كان ينوي قتل المصري عن العليا لمساعدة العبراني لما رآه يتقاتل مع المصري بل العبراني نفسه استنجد به، فتقدم لمساعدته بدون أن يلتفت يمينا وشمالاً ، ولكم المصري بدون أي إرادة لقتله، ولكن اللكمة، لسوء الحظ، أصابت المصري في مكان حساس فمات.فالقرآن الكريم يُبرئ ساحة موسى العلية لا من القتل العمد، ولكن التوراة تعتبر موسى نبيًا من جهة، ومن جهة أخرى تتهمه بكل جسارة بقتل المصري عمدًا.ثم إن القرآن الكريم يختلف مع التوراة في حادث اليوم التالي ويعلن أن نفس العبراني كان يتشاجر مع مصري آخر ولكن التوراة تقول أن الشجار كان بين اثنين من العبرانيين هذه المرة.والواقع أن الخصام لو كان بين عبرانيين فما كان لموسى أن يتدخل بينهما، إن تدخله يؤكد أن هذا الشجار أصبح قضية قومية دفعته للتدخل.ثم تقول التوراة فقال للمذنب : لماذا تضرب صاحبك." والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : إذا كان المتخاصمان كلاهما من قوم موسى العال فكيف عرف موسى المذنب منهما، ولأي سبب أخذ يعنّفه؟ فثبت من التوراة قد أخطأت في قولها أن المتخاصمين هذه المرة كانا عبرانيين، بل الحق ما أن ذلك
٥٧٦ سورة القصص الجزء السابع ذكره القرآن الكريم؛ أي أن أحدهما كان مصريًا والآخر عبرانيا.وحيث إن التوراة قد أصبحت عرضة للتحريف بأيدي البشر فقالت أن الشجار وقع بين اثنين من العبرانيين.ثم إن العهد الجديد أيضًا لم يذكر الحادث الحقيقي بل اعتبر موسى محرما، إذ ورد فيه: "وفي اليوم الثاني ظهر لهم وهم يتخاصمون فساقهم إلى السلامة قائلاً: أيها الرجال أنتم إخوة لماذا تظلمون بعضكم بعضًا؟ فالذي كان يظلم قريبه دفعه قائلاً: من أقامك رئيسًا وقاضيًا علينا؟ أتريد أن تقتلنى كما قتلت المصري بالأمس؟ فهرب موسى بسبب هذه الكلمة، وصار غريبًا في أرض مديان حيث ولد ابنين." (أعمال الرسل ٧ ٢٦ - ٢٩) ولكن هذا خطأ كما أسلفت والواقع أن أحد المتخاصمين في اليوم التالي كان مصريًا والآخر عبرانيا، والمتشاجر العبراني هذه المرة أيضًا كان نفس الذي كان البارحة، ولذلك قال لموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس؟ لو كان عبرانيا آخر فكيف علم، يا ترى بما حصل بالأمس وأن موسى هو قاتل المصري؟ الحق أن هذه الكلمات من العهد القديم والجديد نفسها تمثل شهادة داخلية منهما على أن المتخاصم العبراني في الصباح لم يكن شخصا جديدًا، بل كان نفس العبراني الذي كان يتخاصم بالأمس.فمن المستغرب أيضًا أن الكتاب المقدس يقول من جهة أن موسى خبّأ القتيل المصري في الرمال.أي أن أمر قتله ظلّ سرًّا مكتومًا، ولكنه يعود فيقول أن عبرانيا آخر قال لموسى في الصباح أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس؟ أي أن الحادث كان قد أصبح مشهوراً بين القوم.مع أن القتيل إذا كان قد دفن في الرمال دون أن يراه أحد فلا يمكن أن يعلم قاتله إلا شخص واحد وهو العبراني المتشاجر البارحة.فثبت أن هذه الجملة لا يمكن أن يتفوه بها أحد إلا الذي شهد حادث القتل بالأمس، خصوصا وأن الكتاب المقدس يخبر أن القتيل كان قد حُبّئ في الرمال و لم يعلم أحد بما حدث معه.
الجزء السابع OVV سورة القصص والرابع: تقول التوراة أن موسى ا لما هرب ووصل إلى مدين: "جلس عند البئر، وكان لكاهن مديان سبع بنات، فأتين واستقين وملأن الأجران ليسقين غنم أبيهن فأتى الرعاة وطردوهن فنهض موسى وأبجدهن وسقى غنمهن." (الخروج ۲: ١٥ - ١٧) وهنا عدة أمور جديرة بالانتباه وهي: أ: تقول التوراة أن سبعة بنات لكاهن مديان جئن إلى البئر، بينما يقول القرآن الكريم إن ابنتين جاءتا إلى البئر لسقي الغنم.ذلك لأن القرآن الكريم اكتفى بذكر الكبيرتين منهن إذ كان أمر الزواج سيناقش فيما بعد، بينما ذكرت التوراة بناته كلهن الصغيرات منهن والكبيرات.ب: يخبرنا القرآن الكريم أن الابنتين لم تتقدما لسقي غنمهما خجلاً وحياء من الرعاة، بل دفعتا غنمهما عن البئر حتى يفرغ الرعاة ويذهبوا.ولكن الكتاب المقدس يخبر أن البنات كن يسقين فجاء الرعاة ،ومنعوهن، مع أنهن لو كن قد وصلن إلى البئر وكنَّ يسقين ،قبلهم، فلا يُعقل أن يمنعوهن.ج: يبدو من بيان الكتاب المقدس أن الرعاة حين طردوا البنات تقدم موسى العليلة وساعدهن، وهذا يعني أنه تشاجر معهم، ولكن القرآن الكريم يخبر أن موسى العليا لم يتشاجر مع الرعاة، بل انحصرت مساعدته للبنتين في أنه أخذ غنمهما وسقاها.والعقل أيضًا يؤيد بيان القرآن الكريم إذ كان موسى العلة غريبا عديم الحيلة لا نصير له ولا معين هناك، فكيف يمكن أن يدفع نفسه إلى الشجار والقتال؟ إنما قام بمساعدة البنتين وسقي غنمهما بعاطفة الخدمة والشفقة فقط.ثم يخبر الكتاب المقدس أن البنات لما حكين القصة لأبيهن قال لهن: "لماذا تركتن الرجل؟ ادعونه ليأكل طعامًا" الخروج (۲ (۲۰ ولكنه لا يخبر عن عدد البنات اللواتي ذهبن الدعوة موسى ال بينما يخبر القرآن الكريم أن بنتا واحدةً فقط ذهبت إلى موسى في خجل وحياء وبلغته رسالة أبيها.
الجزء السابع ۵۷۸ سوره رة القصص العلمية لا ثم إن الكتاب المقدس لا يتحدث عن المعاهدة التي أبرمت وحميه، وإنما اكتفى بقوله: "فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل" (الخروج ۲: ۲۱)، مع موسی أنه كان لزاما عليه أن يذكر أن حما موسى رضي بإسكانه عنده، أما بالنسبة إلى فإن موافقته على الإقامة مسألة بديهية؛ إذ كان يبحث عن ذلك.أما القرآن الكريم فيخبر صراحة عن عقد معاهدة بينهما وأن موسى رضي بخدمة حميه ثماني سنين أو عشرا.موسی موسی وبرغم أن الكتاب المقدس لا يذكر شيئًا عن هذه المعاهدة إلا أنه يعترف "أما فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن "مديان الخروج ۳: ۱)، وهذا يؤكد أن موسی ال كان يعمل عند حميه بحسب المعاهدة التي ذكرها القرآن الكريم.إذا، فمن فضائل القرآن الكريم أنه قد قام بسرد الوقائع الصحيحة من حياة بألفي سنة، أما التوراة فرغم أنها تُدعى كتاب العلي رغم نزوله بعده إلا أنها أهملت ذكر عدة أحداث هامة كما أخطأت في بيان وقائع أخرى، موسی ولذلك قد صرح القرآن الكريم في مستهل هذه السورة : تلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين..أي أنها آيات الكتاب الذي يبين كل أمر ضروري..أي مما لا شك فيه أن التوراة أيضا ،كتاب ولكنها أصبحت غير صالحة للانتفاع منها إذ قد تعرضت للعبث والتحريف على أيدي البشر، إنما الكتاب المبين الذي يكشف الأسرار المكتومة كلها ويذكر الأحكام الضرورية كلها مقرونة بأدلتها فإنما هو القرآن الكريم فقط، وهو الكتاب الوحيد الذي إذا اتبعه البشر نالوا النجاة.فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ وَانَسَ مِن جَانِبِ الطُّور نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ آمَكُتُوَاْ إِنّى وَانَسْتُ نَارًا لَّعَلَّى وَاتِيكُم مِّنْهَا يخَيرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢) فَلَمَّا أَتَنَهَا
الجزء السابع ۵۷۹ سورة القصص ج نُودِيَ مِن شَطِي الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَرَكَةِ مِنَ الشَّجَرَة أَن يَمُوسَى إِنّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَلَمِينَ ) وَأَنْ ألْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَوَاهَا تَر كَأَنهَا جَانٌ وَلَى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَمُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (3) أَسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَأَضَهُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى ج فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيْهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَسِقِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ ذَسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (1) وَأَخِي هَرُونَ هُوَ أَفْصَحُ مِنَى لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي و صلے إِنِّي إنّى أَخَافُ أَن يُكَذِّبُون : قَالَ سَتَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ج وَتَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَنَا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِفَايَتِنَا أَنتُمَا وَمَن اتَّبَعَكُمَا الْغَلِبُونَ (3) ٣٦ الكلمات شرح آنس: آنس الشيء: أبصرَه ؛ وآنس الصوت سمعه وأحس به.(الأقرب) جذوة الجذوة الجمرة الملتهبة.(الأقرب) تصطلون اصطلى بالنار اصطلاء: استدفاً بها.(الأقرب)
الجزء السابع 01.سورة القصص شاطئ شاطئ الوادي: جانبه.(المفردات) تهتز اهتزت الإبلُ : تحركت في سيرها؛ واهتز الماء في جريانه: تطلق.(الأقرب) جان: اسم فاعل من جَنَّ؛ واسم جمع للجن؛ وحيّة بيضاء كحلاء العين لا تؤذي.(الأقرب) ردْءًا : الردء: العون؛ الناصر.(الأقرب) التفسير: اعلم أن قول الله تعالى: (نُودِيَ منْ شاطئ الْوَادِ الأَيْمَن فِي الْبُقْعَة الْمُبَارَكَة منَ الشَّجَرَة أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) لا يعني أن الشجرة صاحت قائلة: إنني أنا الله رب العالمين، بل المراد أن الله تعالى أوحى عندها إلى فكان يسمع صوت الوحي كأنه منطلق من الشجرة.موسی وأما قوله تعالى: وَاضْهُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْب فَذَانكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسقين فالمراد من الجناح بنو إسرائيل، والمعنى أن ابتعادهم عن نفسك يا موسى سيكون مدمرًا، فعليك أن تضمهم إلى نفسك دائما وتقوم بتربيتهم جيدًا حتى لا يغفلوا عن الدين.وهنا أيضًا نجد بعض الاختلافات بين الكتاب المقدس والقرآن الكريم، وإليك بيانها : أولاً: يقول الكتاب المقدس أن موسى ال خرج ذات يوم بغنم حميه أثناء العلية لا إقامته في مدين ووصل إلى جبل حُوريب، وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عُليقة" (الخروج ۳: ۱-۲)، فأمره الله تعالى هناك بالذهاب إلى فرعون.ثم ورد في الكتاب المقدس نفسه أن موسى ال "رجع إلى يثرون حميه وقال له أنا أذهب وأرجع إلى إخوتي الذين في مصر لأرى هل هم بعد أحياء.فقال يثرون لموسى: اذهب بسلام.وقال الرب لموسى في مديان اذهب ارجع إلى مصر لأنه قد مات جميع القوم الذين كانوا يطلبون نفسك.فأخذ موسى امرأته وبنيه وأركبهم على الحمير، ورجع إلى أرض مصر" (الخروج ٤: ١٨-٢٠).
۵۸۱ سورة القصص الجزء السابع ولكن القرآن الكريم يخبر أن موس موسی العلم لم يذهب إلى الجبل لرعي الغنم، بل مر بالجبل وهو مسافر مع أهله إلى جهة ما بعد قضاء سنوات خدمته عند حميه، فأوحى الله إليه عندها وجعله رسولاً وأمره بالذهاب إلى فرعون.موسی ثانيا : يقول الكتاب المقدس أن الله تعالى لما أمر موسى ال بأن يذهب إلى فرعون رفض الذهاب إليه مراراً حيث ورد "فقال الله: من أنا حتى أذهب موسی إلى فرعون وحتى أُخرج بني إسرائيل من مصر" (الخروج ۳: ۱۱)، بل قال أيضا "استمع أيها السيد، أرسل بِيَدِ مَن تُرسل" (الخروج ٤: ١٣).وتخبر التوراة أن العلي لما رفض مراراً وتكرارًا "فحمي غضب الرب على موسى." (الخروج ٤: ١٤) وهذا يعني أن التوراة تعلن أن موسى العليا أصبح - والعياذ بالله – أول هدف لغضب الله الذي لا ينزل إلا على أعدائه وأعداء ،رسله، ولكن القرآن الكريم العليا موسی من هذه التهم معلنا أن الله تعالى قال له: ﴿إِنَّكَ مِنَ الآمنين..أي يا موسى لا خطر عليك، بل أنت من الذين يشملهم السلام من عند الله تعالى.ثم إنه تعالى لم يعد موسى وهارون بغلبتهما فحسب، بل بشرهما بغلبة المؤمنين بهما أيضًا.وباختصار إن الكتاب المقدس يعتبر موسى ال عرضة يبرئ ساحة لسخط الله وغضبه، ولكن القرآن الكريم يعلن أنه كان موردا لنعم الله وبركاته.ثالثًا: تقول التوراة "ثم قال له الرب أيضًا أدخل يدك في عبّك.فأدخل يده في ثم أخرجها، وإذا يده برصاء مثل الثلج." (الخروج ٤: ٦) ولكن القرآن الكريم يخبر أن الله تعالى قال لموسى: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ..أي ستبدو يدك بيضاء نورانية كآية من الله تعالى، وليس بسبب مرض الجذام كما تزعم التوراة.رابعًا: تقول التوراة أنه لما حمي غضب الله على موسى قال له: "أليس هارون اللاوي أخاك؟ أنا أعلم أنه هو يتكلم.وأيضًا ها هو خارج لاستقبالك.فحينما يراك يفرح بقلبه.فتكلّمه وتضع الكلمات في فمه.وأنا أكون مع فمك ومع فمه،
۵۸۲ سورة القصص الجزء السابع وأعلمكما ماذا تصنعان.وهو يكلّم الشعب عنك، وهو يكون لك فما، وأنت تكون له إلها." (الخروج ٤: ١٤ - ١٦) لقد ثبت من هذه العبارة أن الله تعالى إنما بعث هارون رسولاً مع موسى إظهارا لغضبه عليه، ولكن القرآن الكريم يدحض هذا الزعم ويوضح أن موسى ال نفسه توسل إلى الله تعالى أن يبعث هارون ليؤازره ،وينصره حيث ورد في القرآن الكريم قول موسى ال وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي لا : أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُون، فاستجاب الله دعاءه وبعث معه هارون نبيًا.إذا، فإن القرآن الكريم يعتبر بعثة هارون نبيًّا مع موسى نتيجةً لدعائه ومنة إلهية عليه، ولكن التوراة تزعم أن الله تعالى غضب على موسى فأمره أن يأخذ معه هارون أيضًا.خامسًا: تقول التوراة أن الله تعالى اعتبر هارون أخا لموسى كونه من قبيلة بني لاوي فقط، وليس لأنه كان شقيقا له أو أخا من أمه، ولكن القرآن الكريم يعتبر هارون شقيقا لموسى أو أخا من أمه على الأقل، حيث أخبر الله تعالى أن هارون قال لموسى: يَبْنَؤُم لا تَأْخُذُ بلحيتي ولا برأسي (طه:٩٥)..علما أن كلمة يَبْنَؤُم أصلها : يَا ابْنَ أُمِّي.إذًا، فإن ما أعلنه الله تعالى في مستهل هذه السورة بقوله: نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَا مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) قد تحلى صدقه تماما من خلال الاختلاف الموجود بين القرآن الكريم والتوراة حول هذه الوقائع.فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِشَايَتِنَا بَيِّنَتٍ قَالُواْ مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ هُ تَرَى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي ءَابَابِنَا الْأَوَّلِينَ وَقَالَ ۳۷ مُوسَىٰ رَبِّيَ أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ، وَمَن تَكُونُ صلے لَهُ عَقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُ لِحُ الظَّلِمُونَ (3) ۳۸
سورة القصص الجزء السابع التفسير: أي لما جاء موسى فرعون وملأه بآياتنا البينات اعتبروها سحرًا عوضًا عن أن ينتفعوا منها.علما أن السحر يطلق في اللغة على "كلّ ما دق ولطف مأخذه، وعلى إخراج الباطل في صورة الحق، وعلى الغش والخداع، يقال سحره: خدعه (الأقرب).فالمراد من قول فرعون : مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرى أن ما يقول لكم موسى إنما هو خداع عظيم، أو أنه باطل يُقدَّم في صورة الحق، أو أنه مكر يمكره لإغوائكم.ولما كان من الوارد أن يتساءل القوم: من أين تعلم موسى هذا المكر، فقال فرعون سحْرٌ مُفْتَرى..أي قد اختلق موسى هذا السحر من عنده، فادعاؤه أن هذه آيات من عند الله مجرد فرية اختلقها ليضل الناس عن دينهم.ثم استعمل فرعون سلاحًا آخر لإثارة القوم ضد موسى فقال: وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا في آبائنَا الأَوَّلِينَ...أي لقد كان آباؤنا أذكياء وحكماء ولكن هذا يظن أنه أذكى من آبائنا الذين ضربوا أروع الأمثلة لحكمتهم وذكائهم، ويريد أن يوجهنا إلى طريق غير طريق أسلافنا، وإذا كان ما يدعونا إليه حقاً لعُدَّ آباؤنا أغبياء جهلاء إذ لم يستطيعوا أن يروا النور الذي رآه.موسى وقد استعمل فرعون لإثارة الناس ضد موسى نفس السلاح الذي لم يزل أعداء الحق على مر العصور يستعملونه لإثارة القوم ضد أنبيائهم.وانظر إلى روعة جواب موسى ال إذ قال رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ العلة عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)..لقد اتهمتموني بالافتراء على الله تعالى مع أنه حري بكم أن تفكروا بأني أدعي مرة بعد أخرى بأني من عند الله تعالى، أفليس الله بكاف أن يُعاقبني على افترائي؟ ترون أن الحكومات الدنيوية أيضًا لا تسكت على الافتراء والتزوير، فمثلاً إذا خدع أحد الناس بادعائه زورًا بأنه موظف حكومي ألقت الحكومة القبض عليه وزجته في السجن، فكيف يمكن أن يتركني الله تعالى بدون عقاب وهو يعلم أنني أفتري عليه؟ كلا، بل إن الله أعلم بمن جاء بالهدى من عنده وهو الأعلم من يكون له الفتح والغلبة في نهاية
ΟΛΕ سورة القصص الجزء السابع المطاف.فاتركوا أمري في يد الله ليحكم بنفسه ولا تتهموني بالكذب والافتراء عليه تعالى، فلو كنت مفتريًا عليه فسيقطع بيده عنقي فأرى مصيرا كمصير جميع المفترين في العصور كلها.أما إذا كنت من عند الله تعالى الذي قد بشرني بالنجاح والغلبة، فيمكن أن تقدروا زخم الجريمة التي ترتكبونها باتهامي بالافتراء..العلي هنا يماثل ما قاله المسيح الموعود اللي مخاطبًا والحق أن ما قاله موسى المعارضين حيث كتب ما تعريبه: "الدنيا لا تعرفني، ولكن الذي بعثني يعرفني.إنه لخطؤهم الفاحش وشقاوتهم الشديدة أنهم يريدون إبادتي.إنني ذلك الغراس الذي غرسه المالك الحقيقي بيده.فمن يريد قطعي فإنما يريد أن ينال نصيبا من مصير قارون ويهوذا الأسخريوطي وأبي جهل" ضميمة تحفة جولروية (أردو)، الخزائن الروحانية ج ١٧ ص ٣٩٩ - ٤٠٠) ثم قال موسى ال: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ..أي أن الدليل على صدقي أن الله تعالى سيكتب لي النجاح والغلبة، وأما أنتم فسيحل بكم العذاب من جراء الظلم الذي ارتكبتموه بالتهامي بأني أفتري على الله تعالى.ويراد بلفظ الظالمون من يفتري على الله تعالى كما يراد به أيضًا من يُكذِّب المدعى الصادق المبعوث من عند الله تعالى حيث قال الله تعالى في موضع آخر: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ) (العنكبوت: ٦٩)..أي أن أظلم الناس شخصان أحدهما من يفتري على الله تعالى، وثانيهما من يُكذِّب النبي الصادق.إذًا، فإن موسى ال قد حذر فرعون بقوله : إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) أي إذا كان الافتراء جريمةً لا تغتفر، فإن تكذيب المدعي الصادق أيضًا ظلم عظيم، فلا تفرحوا بكيل السباب والشتائم لي، بل فكروا في مصيركم، فلربما قد أصبحتم بتكذيب نبي صادق من الظالمين.
الجزء السابع ٥٨٥ سوره ة القصص وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَتَأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهِ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَنهَمَنُ عَلَى الدِّينِ فَأَجَعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلَّى أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَذِبِينَ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوَاْ ۳۹ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ، فَأَخَذْتَهُ وَجُنُودَهُ، فَتَبَذْتَهُمْ في الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الظَّلِمِينَ شرح الكلمات : صرحًا الصرح: القصر؛ وكل بناء عال.(الأقرب) ٤١ التفسير: وحيث إن موسى ال كان يقدم لفرعون وجود الله تعالى دليلاً على صدقه، ويقول له مرة بعد أخرى إن ربه يعلم أنه من عنده وأنه يبشره بحسن العاقبة والنجاح، كما أن آيات الله وتأييداته شاهدة على صدقه، فتوجه فرعون إلى حاشيته وقال لا أرى لكم إلها غيري، فلا أدري من هذا الإله الذي يتحدث عنه موسى مرة بعد أخرى ثم دعا فرعون من فورة حماسه وقال لهامان اعمل اللبن وابن مبنى عاليًا لأصعده: لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى.ثم قال: (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ منَ الْكَاذِبِينَ..أي لا يظنن أحدكم أني قد أمرت ببناء صرح عال مقتنعًا بوجود إله يذكره موسى، إنما أريد أن أكشف للناس زيف ادعائه حيث ترى الدنيا أني قد بنيت هذا الصرح الشامخ وصعدت عليه لأرى هل هناك من أثر لإله يذكره موسى، ولكني لم أر شيئًا.
الجزء السابع ٥٨٦ سورة القصص الواقع أن الشعوب القديمة كان لديها اعتقاد راسخ أن الأرواح السماوية تنزل على الأبراج العالية، بل كانوا يتصورون أن الله نفسه ينزل عليها، والدليل على ذلك ما ورد في الكتاب المقدس كالآتي: "وكانت الأرض كلُّها لسانًا واحدًا ولغةً واحدة.وحدث في ارتحالهم شرقًا أنهم وجدوا بقعة في أرض شنْعَار وسكنوا هناك.وقال بعضهم لبعض: هلم نصنع لبنا ونشويه شيا.فكان لهم اللبن مكان الحجر وكان لهم الحمر مكان الطين، وقالوا: هلم نبني لأنفسنا مدينةً وبرجا رأسه بالسماء، ونصنع لأنفسنا اسما لكلا نتبدد على وجه كل الأرض.فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كانا بنو آدم بينونهما." (التكوين ١١: ١-٥).أخذناه به أن إذًا، إن نزول الله تعالى على الأبراج العالية اعتقاد قديم، فأمر فرعون ببناء قصر عال ليثبت للناس كذب موسى ويقول أيها القوم هل هناك دليل أكبر على كذبه من هذا؟ فإني بنيت قصرًا شامخا ومع ذلك لم ينزل عليه إلهه؟! باختصار إن فرعون وجنوده أيضًا تكبروا وتجبروا بدلاً من أن يؤمنوا بما أتاهم موسى من الهدى والتعليم، وظنوا أنهم لن يحضروا عند الله تعالى للحساب، ولكنا مع جنوده في نهاية المطاف عقابًا على بغيهم وتمردهم.فالذي كان يحلم يرانا على قمة برج شامخ أريناه تجلّينا في قعر البحر، فانظر كيف كان عاقبة الظالمين.لقد سبق أن حذرهم موسى من هذا المصير حين قال: (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عنده وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّار ، ولكنهم لم يأبهوا بإنذاره مغرورين بقوتهم وملكهم، وقالوا من ذا الذي يستطيع أن يضرنا ويهلكنا؟ ولكن وقع المحذور الذي أنذرهم منه موسى، فأصبح موسى من الناجحين، بينما رأى فرعون بأم عينيه مصيره التعيس.
الجزء السابع ۵۸۷ سورة القصص صلى وَجَعَلْتَهُمْ أَبِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً القِيَمةِ هُم مِن الْمَقْبُوحِينَ ) شرح الكلمات : ٤٣ صلے وَيَوْمَ المقبوحين: قبحه الله عن الخير قَبْحًا: نحاه الخير قَبْحًا: نحاه عنه.(الأقرب) التفسير : أي أننا جعلنا هؤلاء القوم زعماء لقومهم وهداة لهم، ولكنهم أخذوا يدعونهم إلى الدمار، فحرموا من نصرة الله في الدنيا، ولن يكون لهم نصير ولا معين يوم القيامة أيضًا.لقد ساقوا قومهم إلى الدمار في الدنيا فلعناهم في الدنيا، أما في القيامة فسيكونون من البائسين.وبالفعل ترى أنه يوم ثلاثة انقضاء أكثر من آلاف سنة على زمن موسى لا يزال الناس يصلّون عليه ال، وسيظلون كذلك إلى يوم القيامة.أما فرعون فكل شعب في الدنيا يلعنه، وستنزل عليه اللعنة يوم القيامة أيضًا.الواقع برغم أن الله تعالى إذا لعن قومًا في زمن فلا تتوقف اللعنة عندها بل تستمر.ومثاله أن النبي خرج في إحدى الغزوات ونزل في طريقه بديار أصحاب الحجر بعض الوقت، فأخرج الصحابة الدقيق وأخذوا يعجنونه ليعدوا الطعام، فلما راهم النبي الا أصابه القلق، فأمرهم أن يطرحوا العجين ويخرجوا من ذلك المكان لأنه مكان قد حل به غضب الله تعالى على قوم (البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: وإلى محمود أخاهم صالحا.فترى أن أصحاب الحجر الذين غضب الله عليهم قد ماتوا وبادوا، وكانت مدينتهم المغضوب عليها قد خربت واندرست منذ أحقاب وقرون، ولكن الرسول الله رأى أن عذاب الله تعالى لا يزال ينزل عليها، فلم يأمر أصحابه بالرحيل من ديارهم فحسب بل أمرهم ألا يأخذوا معهم مالهم؛
الجزء السابع ۵۸۸ سورة القصص أعني العجين الذي أعدّوه للخبز، وقال لا يحل لكم أكل العجين الذين أعددتموه بماء هذا المكان.أتذكر حادثًا مماثلا وقع مع الخليفة الأول الله، وبيانه أن حضرته كان يحب عبد الحكيم البتيالوي كثيرًا قبل ارتداده عن الأحمدية، وكان هو الآخر يكن لحضرته حبًا جمًا حتى إنه كتب إلى المسيح الموعود اللي عندما ارتد وبدأ في المعارضة: ليس في جماعتك إلا المولوي نور الدين الذي هو نموذج للصحابة، ولا ريب أنه مفخرة لهذه الجماعة.وكان هذا الرجل قد قام بتفسير القرآن أيضًا وكتب معظمه مستعينًا بالخليفة الأول ، ولكنه لما أعلن ارتداده رأيت أنا بأم عيني أن الخليفة الأول أصيب بذعر شديد، فدعا بعض تلاميذه وأمره بإخراج تفسير عبد الحكيم من مكتبته كي لا ينزل عليه أيضًا سخط الله تعالى بسبب وجود تفسيره عنده.فبرغم أن الكتاب هو تفسير القرآن الكريم وقد كتب الرجل معظمه بمساعدة الخليفة الأول له، إلا أن حضرته الله أمر بإخراج تفسيره من مكتبته، لأن الرجل صار موردا لغضب الله تعالى.كذلك حصل بفرعون الذي كان يعتبر نفسه إله المصريين، وكان يقول في زهوه وغروره: لا أدري ما هذا الإله الذي يدعو إليه موسى"، فلا تزال لعنة الله تعالى تنزل عليه حتى اليوم رغم مرور ثلاثة آلاف سنة، فكل من يذكر اسمه أو يرى مومياءه المحفوظة في القاهرة كآية من الله تعالى لا تتولد في قلبه مشاعر الاحترام تجاهه، بل يكرهه ويحتقره.لقد ذكر الله تعالى هذه الوقائع أمام أهل مكة ليبين لهم أن فرعون كما حارب موسى كذلك يحرض أبو جهل أهل مكة على محمد الله، ولكن عليهم أن يتذكروا أن كل من ينبري لحرب محمد الله سيدمر وستلعنه الأجيال إلى يوم القيامة كما هلك فرعون مع جنوده ولا تزال الدنيا تلعنه حتى اليوم.وبالفعل ترى أن الناس يلعنون إلى اليوم أبا جهل وغيره من رؤساء مكة الذين آذوا النبي أذى شديدا، بل إن ذرياتهم لا تريد الانتماء إليهم خوفًا من الفضيحة، أما محمد ﷺ فيثني عليه
۵۸۹ سورة القصص الجزء السابع الناس ويحمدونه في كل مكان في العالم، إذ لا يوجد قطر ولا بلد في الدنيا إلا ويوجد فيه قوم يصلّون ويسلمون على محمد ﷺ ويفدونه مهجهم.وَلَقَدْ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَابِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْنِ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى ٤٤ الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّهِدِينَ ) وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا ٤٥ فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٢) وَمَا كُنتَ ٤٦ يجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا ما أَتَنهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) شرح الكلمات ٤٧ ثاويًا: الثواء: الإقامة مع الاستقرار (المفردات).وثوى بالمكان: أقام.(الأقرب) التفسير: أي بعد هلاك الأمم الأولى كانت الدنيا بحاجة إلى شريعة جديدة وكانت محرومة من جميع أسباب الخير والبركة، فأنزلنا على موسى للناس بصيرة روحانية وهداية ورحمة، وقد أعطوه لكي يحدثوا في أنفسهم انقلابا طيبًا متعظين بهديه ومستنيرين بنوره.كتابا يهب لقد بيّن الله تعالى في هذه الآية أن الغاية من نزول التوراة لم تنحصر في أن ينتفع الناس من تعاليمها وينالوا بها البصيرة الروحانية التي تمكنهم من التمييز بين
۵۹۰ سورة القصص الجزء السابع الخير والشر والتغلب على العدو، بل كان فيها رسالة هداية ورحمة أيضًا..بمعنى أنها كانت تنطوي على نبوءات عن بعثة الرسول الكريم لله أيضًا، لكي لا يُحرم أهل الكتاب من تصديق النبي الموعود عند بعثته؛ ومن أجل ذلك ترى أن الله تعالى قد أشار إلى تلك الأنباء في الآيات التالية فقال: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ..أي يا محمد لم تكن مع موسى بالجانب الغربي حين أمرناه بتبليغ رسالات الله ولم تكن شاهد عيان على تلك الواقعة.لقد بين الله تعالى هنا أن المكان الذي رأى فيه موسى التجلي الإلهي على العليا شكل نار لأول مرة كان في الجانب الغربي.وقد يراد منه الجانب الغربي من برية سيناء التي يوجد فيها جبل حوريب بحسب اعتقاد اليهود كما ورد في التوراة العليا (الخروج ۱۹: ۱-۳)؛ حيث تقول أن موسى خرج ذات مرة بالغنم، فساقها إلى وراء البرية، وجاء إلى جبل الله ،حوريب وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة" (الخروج ۳: ۱-۲).ويرى علماء التوراة أن المراد من "وراء البرية" هو الجانب الغربي من برية سيناء.12.Through The Bible).إذًا، فقد يراد بقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ بجانب الْغَرْبي أن المكان الذي نزلت فيه أنوار الله على موسى العليا كان في الجانب الغربي من صحراء سيناء، وقد يراد به أنه كان في الجانب الغربي من الجزيرة العربية.وجدير بالذكر أن كلمة الأمر قد وردت في القرآن الكريم بعدة معان، منها: الخلق بإذن الله تعالى، وقضاؤه ووحيه، وقد وردت هنا في قوله تعالى: إذ قضينا كلفنا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ) بمعنى وحي الله وكلامه..والمعنى حين موسى بتبليغ الله ورسالته.وقد ورد لفظ الأمر بهذا المفهوم في آيات أخرى أيضًا حي كقوله تعالى عن بني إسرائيل: (وَأَتَيْنَاهُمْ بَيِّنات من الأمر (الجاثية: ١٨)..أي آتيناهم بينات من الوحي، وكقوله تعالى: ﴿فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى ربِّكَ (الحج: ٦٨)..أي يجب ألا يخاصموك في كلام الله تعالى لأن فيه هداهم ولكنهم يجهلون حقيقة وحي الله تعالى، فاستمر في دعوتهم إليه تعالى.
۵۹۱ سورة القصص الجزء السابع فالله تعالى يقول في الآية قيد التفسير - مشيرًا إلى النبوءات الواردة عن بعثة رسوله - لم تكن يا ،محمد مع موسى حين عهدنا إليه مهمة تبليغ رسالتنا.إذ لو كان موسى معاصرًا لك لقيل أن كليهما قاما بهذه المؤامرة، فمن المحال أن يقال أن موسى قد ادعى الرسالة تنفيذا لهذه المؤامرة، إذ لم تكن موجودا في الدنيا حين كلفنا موسى برسالتنا بل قد خلا قبلك بقرون بل بألفي سنة، فما دام الوحي الذي نزل عليه يكشف صدقك فثبت أنك مرسل صادق من عند الله تعالى، إذ كيف يمكن أن تتآمر مع موسى الذي كان قبلك بألفي سنة وتقول له أن يدعي النبوة ويدلي بهذه الأنباء ليصدقك الناس بسببها؟! إن موسى ما ادعى النبوة إلا لأن الله تعالى بعثه رسولاً، فإنكار النبوءات الواردة في وحيه عن بعثتك ليس إنكارا لك فحسب، بل هو إنكار لموسى أيضا الذي بعثه الله رسولاً.ثم يبين الله تعالى أن الناس نسوا هذه الأنباء لأننا: (أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ..أي خلقنا بعد موسى أجيالاً كثيرة ومضت عليها فترة طويلة حتى نسيت تاريخها ولم تتذكر أين تجلينا على موسى، وما هى الأخبار الغيبية التي كشفناها عليه لدى هذا التجلي.ثم يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكنَّا كُنَّا مرسلين هذه الآية إشارة إلى الأحداث التي وقعت لموسى وبني إسرائيل بعد خروجهم من مصر.لقد بين الله تعالى هنا أن موس العليا لما خرج بهم من مصر أتى إلى أهل مدين ثانية وأقام عندهم، وظل يزيد إيمانهم بإراءة آيات الله فترة طويلة.تكشف لنا دراسة التوراة أيضًا أن موسى أقام في براري موآب ومدين نفسها بعدما خرج ببني إسرائيل، فخرج حموه للقائه وقدّم له اقتراحات كثيرة لتنظيم بني إسرائيل (الخروج) (۱۸)، ولكن نساء مدين أملن قلوبهم إلى أعمال وثنية، فأغار عليهم موسى وأباد القوم عن بكرة أبيهم العدد ٢٥: ٢ والعدد ٣١: ١-٢).كما يتضح من التاريخ أنه بعد دمار مدين أتى حمو موسى إليه ليقيم عنده فأعطاه
الجزء السابع ۵۹۲ سورة القصص أرضًا للإقامة عنده قدامة اليهود الكتاب الخامس الباب الثاني نقلاً عن أرض القرآن المجلد الثاني ص ١٩) إذًا، فهذه الآية: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مرسلين تتحدث عن تلك الفترة التي جاء فيها موسى العليا إلى مدين مرة ثانية، وأقام فيها فترة طويلة قضاها في تربية قومه وتنظيمهم.بيد أنه العليا في من الممكن أن تكون هذه الآية تتحدث عن فترة إقامة موسى مدين أول مرة، حيث أخبر الله تعالى أنه بدأ يُنزل وحيه على موسى وهو لا يزال في مدين، وهنالك تنبأ موسى عن بعثة رسول يأتي من بعده.وقد تكون النبوءة المتعلقة بظهور النبي ﷺ قد نزلت على موسى المرتين: مرة أثناء إقامته بمدين، ومرة أخرى على جبل الطور، وذلك كما نزلت بعض سور القرآن الكريم مرتين مرة في مكة المكرمة ومرة في المدينة المنورة.ومهما يكن، فمن المؤكد أن هذه الآية لا تتحدث عن أي نبي سوى موسى؛ إذ إن الحديث كله من أوله إلى آخره عن موسى الله، فقد ذكر الله تعالى هنا واقعة أخرى لموسى العليا کدلیل آخر على صدق محمد حين ذهب موسى إلى مدين، حيث نبه الله تعالى أن محمدًا لم يكن مع موسى في مدين حين أدلى بهذه النبوءة عن ظهوره، وإن ما حدث مع موسى في مدين سيحصل مثله محمد، فكما أن مع أصبح مظفرا منصورًا كذلك سيكون محمد من المنصورين.كما نبأ الله بذكر إقامة موسى في أن موسى هرب من اضطهاد المصريين ولاذ بمدين، ففتح له رجل صالح من أهلها أبواب بيته، فأقام عنده ثماني سنين أو عشرا، كذلك فإن قوم محمد سيخرجونه من مكة، فيذهب الله به إلى المدينة، فيقوم قوم من أهلها لنصرته فيفتحون له أبوابهم ويضحون لأجله بالنفس والنفيس وكما أن موسى مكث في ثماني سنين أو عشرا، كذلك سيقيم محمد (ﷺ) في المدينة ثماني سنين أو عشرا.وبالفعل قد حقق الله هذه المماثلة بين النبيين حيث فتح النبي السنة الهجرية الثامنة ومكث في المدينة عشر سنين.مدین مدین صل الله موسی مكة في
۵۹۳ سورة القصص الجزء السابع بيد أن النبي ﷺ يفضل على موسى في هذه المماثلة أيضًا حيث تزوج موسى العليا بعد الهجرة، بينما تزوج النبي ﷺ خديجة قبل الهجرة.ثم يقول الله تعالى: وَمَا كُنْتَ بجانب الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ..أي لم تكن يا محمد عند جبل الطور إذ أوحينا إلى موسى وأخبرناه ببعثتك، ولا شك أن هذا الخبر كان رحمة عظيمة من ربك لتنذر قومًا لم يُبعث إليهم قبلك من نذير ولكي يتعظوا.لا شك أن أهل مكة كانوا من أولاد إبراهيم العليا، ولكنهم كانوا قد نسوا تعاليمه بحكم مرور قرون طويلة ووقعوا في الشرك والوثنية.والنبوءة العظيمة التي تلقاها موسی العليا عند جبل الطور بسيناء والمشار إليها في هذه الآية قد وردت في التوراة كالآتي: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعلُ كلامي في فمه، فيكلّمهم بكل ما أوصيه به ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه.وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلامًا لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي." (التثنية ۱٨ : ۱۸ - ۲۰).واعلم أن التوراة تذكر أن موسى ال قد تلقى هذه النبوءة على جبل الطور بعد خروجه من مصر.إذا، فهذه هي تلك النبوءة العظيمة التي تشير إليها هذه الآية القرآنية حيث نبه الله تعالى منكري محمد الله وقال : لم يكن محمد موجودًا عند الطور لما تنبأ موسى عن البعث له الا الله أم ترون أن موسى قد قام بهذه النبوءة بالتآمر ، محمد؟ فما دامت هذه النبوءة من عند الله خالق السماوات والأرض، وما دامت قد تحققت حرفيًا أمام أعينكم بعد مرور سنة، فكان حريًا بكم أن تسارعوا إلى الإيمان بهذا النبي الموعود وتذعنوا له لتنالوا نصيبا من رحمة الله وبركاته التي هي منوطة بالإيمان ،به ولكنكم لم تبالوا بهذه النبوءة العظيمة لموسى أيضا، بل لما ظهر ذلك الموعود الذي كنتم تنتظرونه منذ ألفي سنة أصبحتم أول الكافرين به، و لم تألوا جهدا في معارضته.مع ألفي
٥٩٤ الجزء السابع سورة القصص إن تفاصيل هذه النبوءة من سفر التثنية ١٨ غاية في الأهمية، وكلما تدبر فيها الإنسان انكشف عليه صدق النبي لا و لوله بصورة أجلى، إذ تخبر هذه النبوءة ما يلي: أولاً - أن هذا النبي الموعود لن يكون من بني إسرائيل، بل سيكون من إخوتهم..أي من بني إسماعيل.وثانيًا: أن هذا النبي الموعود سيأتي بشريعة مثل موسى، وأن وقائع حياته ستكون مماثلة لوقائع حياة موسى، إذ ورد فيها: "أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك".أن والبديهي النبي الموعود لا يمكن أن يُعتبر مثل موسى إلا إذا كان صاحب شريعة مثله، وكانت هناك مماثلة في وقائع حياتهما.ثالثا : قال الله تعالى "وأجعل كلامي في فمه"..أي أن الوحي الذي سينــزل عليه سيكون بكلمات إلهية محددة، وليس أنه يبين أحكام الله تعالى بكلماته هو.رابعًا: ورد في النبوءة: "فيكلّمهم بكل ما أوصيه به"..أي أنه سيلقى المعارضة الشديدة ويواجه أنواع الأخطار في سبيل تبليغ رسالة الله، ولكنه سيظل يبلغها كبطل مغوار غير خائف ولا هياب.خامسًا: ورد في النبوءة أن النبي الموعود سيعرض على الناس تعاليمه باسم الله تعالى.ومن مفاهيم هذه الفقرة أن وحيه سيدحض الشرك دحضا كاملاً.سادسا : أن الذين يكفرون بتعاليمه سيصبحون عرضة لعذاب الله تعالى.سابعًا: أن الذي اعتبر نفسه مصداقا لهذه النبوءة على سبيل الافتراء سيُقتل.جمة لا شك أن ما ورد في التراجم الأردية للتوراة هو: "سيُقتل"، ولكن هذه الترج ليست صحيحة، إنما الصحيح ما ورد في التراجم الإنجليزية وهو: (he shall die)..أي أنه سيهلك.والتدبر في كل هذه الجزئيات المختلفة لهذه النبوءة يكشف جليًا أن لا أحد كان مصداقا لها إلا محمد ، وذلك للأسباب التالية: أ: إن محمدا لله هو النبي الموعود الذي وُلد من بين إخوة بني إسحاق أي من بين بني إسماعيل.
الجزء السابع ب: إن محمدا هو النبي سورة القصص الموعود الذي أعلن أنه مثيل لموسى والذي قال الله الله فيه: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (المزمل: ١٦).فكما أعطى موسى العليا التوراة التي هي كتاب شريعة، كذلك قد أُعطي محمد القرآن الكريم الذي هو شريعة كاملة.ثم إن وقائع حياته تشبه وقائع حياة موسى.ثم كما بعث الأنبياء والمجددون بعد ال.موسى باستمرار لإصلاح أمته وتجديد دينه، حتى بعث أخيرا المسيح الناصري كخليفة ونائب له بعد ثلاثة عشر قرنًا، كذلك قد أخبر محمد بظهور المجددين في أمته في كل قرن (أبو داود: كتاب الملاحم باب ما يذكر في قرن المئة)، ثم بظهور المسيح الموعود في الأخير الذي تتم على يده غلبة الإسلام ونشأته الثانية، حيث قال النبي ﷺ: "لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجل من هؤلاء" (البخاري: كتاب التفسير، سورة الجمعة)..والمراد من "رجل من هؤلاء"..أي رجل فارسي الأصل.ت: ثم إن محمدا رسول الله ﷺ هو النبي الموعود الذي وضع في فمه كلام تعالى حتى قال تعالى عنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى الْهَوَى ) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى )) (النجم : ٤-٥)..أي أن محمدا هل الله لا يبين مشيئة الله بكلماته، بل يعرض على الدنيا ما نزل عليه من كلام الله فحسب؛ ولذلك قد سُمي القرآن الكريم أيضًا کلام (البقرة: ٧٦)، وذلك لأنه من أوله إلى آخره ليس إلا كلام الله، أما صحف الأنبياء الآخرين فإن كلام الله فيها أقل من كلام البشر.ث: ثم إن محمدًا هو النبي الموعود الذي بلغ الناس كلام الله تعالى بلا نقص ولا زيادة، رغم تعرضه لمعارضة شديدة.فلما نزل في أثناء حجة الوادع قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (المائدة: ٤) قام النبي بتذكير المسلمين بواجباتهم مرة أخرى، ثم قال في الأخير: "اللهم هل بلغت"، فقال المسلمون كلهم بصوت رجل واحد: تشهد الله أنك بلغتنا جميعًا رسالة الله.(السيرة النبوية لابن هشام: خطبة الرسول ﷺ في حجة الوداع) ج: ثم إن محمدًا الا الله وهو النبي الموعود الذي يفتتح كل باب من كتابه بقول الله: الله
الجزء السابع ٥٩٦ سورة القصص بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم.وكأن كل مسلم عندما يبدأ تلاوة سورة من سور القرآن الكريم تتراءى أمامه نبوءة موسى ل هذه بأن النبي الموعود سيعرض على الناس ما نزل عليه من كلام الله بقوله: (بسم الله.ح ثم ورد في هذه النبوءة أن الذين يكفرون بتعاليم هذا النبي الموعود لن ينجوا من عقاب الله تعالى.وقد تحققت هذه الجزئية من النبوءة أيضا بشكل جلي، فإن جميع أولئك الذين قاموا لمعارضة النبي الله هلكوا ،و بادوا، حتى إن جيوش كسرى وقيصر لما اصطدمت بالمسلمين مزّق الله ملكهما كل ممزق.خ: وتقول هذه النبوءة إن الذي يعتبر نفسه مصداقًا لها كذبًا وافتراء سيُهلكه الله ويخيبه.وهذه الجزئية أيضًا تكشف صدق النبي ﷺ ،بجلاء، إذ يشهد التاريخ أن الأعداء لم يدخروا وسعا لقتله متبعين كل طريق؛ مشروعا كان أم غير مشروع، ولكن الله تعالى أيده بنصره و لم يستطع العدو أن يضره شيئًا.باختصار، يقول الله تعالى هنا لنبيه : يا محمد متى كنت مع موسى عند جبل الطور حين أخبرناه بمجيئك؟ أأنت قلت له أن يدلي بهذه النبوءة؟ كلا، إنما هو فعل الله الذي هو عالم الغيب والذي أنبأ ببعثتك قبل ألفي سنة.فما لهؤلاء القوم لا ينتفعون من هذه النبوءات مطلقا ويصرون على إنكارك؟ إن الله تعالى لم يُدل بهذه الأنباء قبل مدة طويلة إلا ليؤمن الناس بهذا النبي الموعود فينالوا نصيبا من رحمة الله، وأيضًا لكي توقظ يا محمد من الرقاد قومًا: مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ..أي تقوم بإنذار أهل مكة.لا شك أن أهل مكة كانوا من نسل إبراهيم العل، ولكنه قد خلا قبلهم بقرون كثيرة، وكذلك لما بعث إسماعيل في الجزيرة العربية لم يكن نسله قد انتشر فيها بعد، فكان لزامًا أن يُبعث إليهم نبي جديد يدعوهم إلى الله تعالى ويثبتهم على التوحيد الحقيقي.
الجزء السابع ۵۹۷ سوره رة القصص وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَتَتَّبِعَ وَايْتِكَ وَتَكُونَ مِن الْمُؤْمِنِينَ ) التفسير : أي لولا أنه إذا حل بهم العذاب جراء سيئاتهم قالوا ربنا لم لم تبعث إلينا رسولاً فنتبع أحكامك ونكون من المؤمنين بدلاً من أن نذل ونخزى، لعذبناهم دون أن نرسل إليهم رسولا.علما أن جملة "العذبناهم دون أن نرسل إليهم رسولا" محذوفة هنا وهنا أمثلة كثيرة كهذه في القرآن الكريم حيث يُحذف جواب الجملة 28 السابقة.لقد بين الله تعالى هنا أنه لو لم يبعث الأنبياء إلى الناس لم تقم الحجة عليهم ولقالوا: ربنا إننا لم نهتد لأنك لم تبعث إلينا رسولاً، ولو أرسلت إلينا رسولاً لاتبعنا أحكامك وفزنا برضاك وحيث إنه عذر معقول لذلك يبعث الله أنبياءه، وقد أرسل محمد ﷺ الآن لإصلاح العالم بحسب سنته المستمرة هذه.ولو أن هؤلاء سلكوا سبيل الظلم والبغي بدلاً من العمل بآيات الله فلا بد أن يحل بهم العذاب بحسب نبوءة موسى ولن ينفعهم عندها الصراخ والعويل.6 فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا صلى أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكُ رُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلِّ كَاسِرُونَ التفسير : لقد أخبر الله الله هنا أنه لما بعث محمدًا أثار قومه اعتراضا جديدًا بدلاً من الإيمان به والعمل بتعاليمه فيرثوا أفضال الله.لقد قالوا: لم لم ينزل عليه
الجزء السابع الوحي ۵۹۸ سورة القصص كما نزل على موسى..أي لم لم ينزل عليه الكتاب دفعة واحدة كما نزل على موسى؟ وقد فصلت آية أخرى من القرآن الكريم هذا الاعتراض حيث قال الكافرون: لولا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحدةً (الفرقان:۳۳).والحق أن التوراة أيضًا لم تنزل على موسى ال مرة واحدة، بل نزلت في فترة أطول مما نزل فيها القرآن على محمد.إذ تذكر التوراة أنه لم ينزل على موسى في أول الأمر إلا عشرة أحكام فقط، أما باقي التوراة فقد اكتمل نزولها في سنين عديدة وفي أماكن مختلفة في برية سيناء.فثبت أن من الخطأ القول أن التوراة نزلت دفعة واحدة.بيد أن الله تعالى يبين هنا أنه لو سلّمنا جدلاً أن التوراة نزلت دفعة واحدة فالسؤال الذي يفرض نفسه هو متى آمن الناس بالتوراة التي نزلت دفعة واحدة بحسب زعمهم؟! كلا بل قالوا عندها سحران تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلِّ كَافِرُونَ...أي أن موسى وهارون ساحران كبيران يدعم أحدهما الآخر، ونحن نكفر بالاثنين وإن كان كتابهما قد نزل دفعة واحدة.فثبت أنه حتى لو نزل القرآن الكريم على محمد مرة واحدة فما كنتم لتؤمنوا به، بل كان لا بد أن تستمروا في الاعتراض.وقد يكون قول الكفار: (سحْرَان) تَظَاهَرَا) إشارة إلى موسى ومحمد - عليهما السلام - والمراد أنهم عندما يتم الرد على جميع مطاعنهم كلها بشكل مفحم وينكشف ضعف موقفهم يقولون منزعجين: لن نؤمن بموسى ولن نؤمن بك أيضًا فكلاكما مفتر.إنك تذكر موسى مرة بعد أخرى لتستدل على صدقك بما أدلى به في كتابه من أنباء وكلاكما مفتر ويدعم أحدكما الآخر.الواقع أن الإنسان إذا أنكر حقيقة اضطر لإنكار الحقائق الأخرى حتما، فهؤلاء القوم لما كفروا بمحمد كفروا بموسى أيضا إذ كان كتابه يتضمن أنباء عن مجيئه ، فقالوا إن كل هذا الكلام كذب وخداع ولا نرى فيه شيئًا من الحق.
الجزء السابع ۵۹۹ سورة القصص قُلْ فَأْتُوا بِكِتَبٍ مِنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعَهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ : التفسير : أي يا محمد قل لأعدائك، لقد رفضت التوراة لأنها نزلت دفعة واحدة، وقد رفض القرآن لأنه لم ينزل جملة واحدة، فدلوني الآن على كتاب نزل بطريق ثالث وكان أكثر نشرًا للهدى من هذين الكتابين، ولكنكم لن تستطيعوا ذلك لأنكم كاذبون أما أنا فإني مستعد لقبول كل ما هو حق وصدق، فاعرضوا على حقيقة من الحقائق فسترون أني سأصدقها بلا تردد فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن أَتَّبَعَ هَوَنهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّلِمِينَ (2) أفكاره التفسير: أي إذا لم يستجيبوا لاقتراحك فاعلم أنهم لا يبحثون عن الحق بل يُبدون لك كل ما يختلج في قلوبهم من أفكار وأهواء فاسدة، ومن اتبع الفاسدة وأهواء نفسه فهو جدُّ ،ظالم، والله لا يهدي القوم الظالمين طريق الفلاح.وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ٥٢ التفسير: ولقوله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ مفهومان: أحدهما أننا أرسلنا لهم رسلنا واحدا تلو الآخر، أو أنزلنا لهم وحينا مرة بعد أخرى؛ والثاني أننا أنزلنا هذا القول أي القرآن الكريم نزولاً مترابطا..أي أننا أنزلنا القرآن كله بترتيب محكم رائع، لكي يتعظوا به.
الجزء السابع الله ٦٠٠ سورة القصص ونظرا إلى المفهوم الأول سيعني قول الله تعالى هذا نفس الموضوع الذي بينه الله تعالى في قوله: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّة إلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ ) (فاطر: ٢٥)، وقوله تعالى: أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى (المؤمنون : ٤٥)..أي لم يزل الله تعالى يبعث رسله لهداية العالم، فليس في الدنيا أمة إلا وبعث فيهم هاديًا يدعوهم إلى الصلاح والورع.والبحث يؤكد لنا أن كل الأمم متفقة على أن الله تعالى قد بعث فيهم هاديًا ومصلحًا.فعندما نسأل الهندوس يقولون لقد جاءنا "كرشنا" و "رام" تشندر" برسالة الله، وعندما نسأل النصارى يذكرون لنا عيسى ، وحينما نسأل اليهود يذكرون لنا موسى العليا، وهارون، وحين نسأل الفرس يسمون لنا ،زرادشت وعندما نسأل الصينيين يسمون لنا كنفوشيوس، وعندما نسأل اليونان يذكرون لنا سقراط.فليس في الدنيا أمة إلا وأمدّهم الله تعالى بأسباب الهدى، ذلك لأنه تعالى كما هو رب العرب فهو رب أهل الهند والصين والشام ومصر وإيران واليونان أيضا.وحيث إن الله تعالى قد سد الحاجات الجسمانية لكل الإنسانية فكيف يمكن أن يهمل سد حاجاتها الروحانية، خاصة وإن وقاية الروح أهم من وقاية الجسم؟ فيلفت الله تعالى أنظار القوم إلى منته هذه، ويبين أنه لم يزا يزل یهیئ للناس الهدى رحمة منه، ويبعث إليهم رسله واحدا تلو الآخر وينزل لهم الوحي مرة بعد أخرى كي لا يهلك أحد نتيجة جهله بالحقيقة.أما بالنظر إلى المفهوم الثاني فسيعني قول الله هذا أننا جعلنا هذا القول أي القرآن الكريم مرصعة آياته ومرتبة مواضيعه كلها ولكن المؤسف أن المسلمين قد أهملوا قضية ترتيب القرآن الكريم تمامًا، وأخذوا يقولون أن لا ترتيب فيه – والعياذ بالله – وكأنهم يقولون إننا نؤمن بأنه كلام الله تعالى ولكنه عار عن ميزة الترتيب والترابط التي توجد حتى في كلام البشر ! فتجد المفسرين القدامى لم يولوا موضوع ترتيب القرآن الكريم أدنى اهتمام إلا ابن حيان - رحمه الله - مع أن الله تعالى يبين هنا أن من فضائل القرآن الكريم أنه مرتب ترتيبا رائعًا ليتدبر فيه الناس ويتعظوا.ولكن لا يغيبن عن البال أن ترتيب الصحف السماوية مختلف عن ترتيب الكتب الأخرى.فمثلاً تتناول كتب البشر مسائل الوضوء أولاً ثم مسائل العبادة ثم النكاح
٦٠١ سورة القصص الجزء السابع ثم الطلاق والخلع، ولكن ترتيب الكتب السماوية يكون مختلفا عن ترتيب كتب البشر تماما، فيظن الجاهل ألا ترتيب فيها.وهنا ينشأ سؤال : لماذا تختلف الأسفار السماوية في ترتيبها عن كتب أهل الدنيا؟ والجواب أن في ذلك عدة حكم منها: ا: يهدف هذا الترتيب إلى ترغيب القارئ في الكتاب كله.وعلى سبيل المثال لو كان ترتيب الكتاب السماوي كترتيب كتاب "الهداية" الذي يوجد فيه باب خاص لمسائل الوضوء وباب لمسائل النكاح مثلاً لاهتم عامة الناس بالجزء الذي يتفق مع مزاجهم وعملوا به مهملين باقي القرآن الكريم، ولكن الله تعالى قد هذه وزع المسائل والقضايا كلها في القرآن الكريم كله بحيث لا يتيسر للمرء علم كامل بهذه المسائل إلا إذا قرأ القرآن كله.ب والحكمة الثانية في هذا الترتيب أن يعتاد الناس على التدبر وإعمال الفكر في الكتاب.ولو أنه تعالى بين هذه المسائل بأسلوب كتب أهل الدنيا لم يدرك الناس أن هذه المسائل تنطوي على دقائق الحكم والمفاهيم، فمروا بها بنظرة سطحية وحرموا من التدبر فيها، ولكن الله تعالى قام بتوزيع هذه المسائل في كتابه كله وجعلها متداخلة بعضها ببعض بحيث يضطر الإنسان للتدبر فيه فيكشف له التدبر أن هذا الكتاب بحر زاخر بالمعارف.ج يهدف هذا الترتيب الخاص في كتاب الله تعالى إلى إنشاء خشية الله في القلوب.فمثلاً لو بين الله تعالى في القرآن الكريم مسائل الوضوء وطريقة المضمضة وأسلوب العبادة وعدد الركعات كما وردت في الكتب الأخرى مثل "القدوري" و "الهداية" لما تولدت خشية الله في القلوب.متى تتولد خشية الله في القلوب بقراءة "القدوري" و"الهداية" مع أن كل هذه المسائل عن العبادات وغيرها مذكورة فيها.ولكن المرء حين يقرأ نفس المسائل في القرآن الكريم فإن خشية الله تغمر قلبه، ذلك لأن القرآن الكريم يبين هذه المسائل بحيث يجعلها جزءا من خشية الله.إذ ليست غاية الصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها من الأحكام إلا خلق تقوى الله
٦٠٢ سورة القصص الجزء السابع وخشيته في القلوب، فالقرآن يقدّم التقوى على كل شيء حتى إذا أمر الإنسان بالوضوء يكون مستعدًا له سلفًا، وإذا أمره بالصلاة يكون جاهزا لها من قبل.ولكنه لو تناول الصلاة في باب منفصل لما تولدت خشية الله في القلوب.باختصار إن الكتاب السماوي يقدّم إصلاح النفوس على كل شيء آخر، فلا أنه يتبع الترتيب العام السطحي، بل يتبع ترتيبا جديدا هو ترتيب عاطفي، بمعنى يستفيض في الحديث وفقًا لما يتولد في قلب الإنسان من مشاعر وتغيرات.فمثلاً إنه لا يتناول مسائل الصلاة بعد ذكر الوضوء فورا، بل يوجه انتباه الإنسان بذكر الوضوء إلى الطهارة والروحانية وقرب الله تعالى لأن الوضوء يولد مشاعر الطهارة.ثم عند ذكر موضوع الصلاة لا يبدأ الله تعالى في بيان مسائلها بل يستغلّ المشاعر التي تختلج في قلب الإنسان بذكر الركوع والسجود، فيوجهه إلى الله تعالى حتى يزداد قربا منه تعالى مغتنما هذه المشاعر.باختصار، إن ترتيب القرآن الكريم لا يتأسس على الظاهر، إنما أساسه على موجات العواطف التي تتولد في القلوب، والتي تختلف من شخص إلى شخص.وأضرب لبيانها المثال التالي: يقال أن شيخا بدأ يصلّى بالناس، فخطر بباله أن الذين يصلون وراءه اليوم هم من الأثرياء، فقال في نفسه لو أعطاني هؤلاء هدايا فسيكون عندي مال كثير أستثمره في التجارة، فأذهب بالبضائع إلى "دلهي" مرة وإلى "كولكتا" مرة أخرى، فلم يزل يجول بأفكاره هنا وهناك حتى خطط للرحلات التجارية في الخارج حتى وصل إلى بخارى.وكان من بين المصلين رجل من الصالحين، فكشف الله وعمل عليه حال الشيخ وأخبره بكل ما يجول في رأسه من أفكار، فقطع صلاته وراء الشيخ وأخذ يصلي على حدة.فلما انتهى الشيخ من الصلاة أخذ يلوم الرجل الصالح، وقال: ألم تعلم أن قطع الصلاة بدون مبرر ممنوع؟ فقال الرجل الصالح: إني أعلم هذه المسألة، ولكن صحتي ليست على ما يرام، لقد سافرت معك في الصلاة إلى دلهي ثم إلى بخارى، ثم تعبتُ وانفصلت عنك، لأني لا أقدر على هذا السفر الطويل.فأصيب الشيخ بخجل شديد.
٦٠٣ أمام الجزء السابع سورة القصص فترى أن الشيخ كان يقوم بالركوع والسجود في الظاهر ولكن أفكاره سارت به من بلد إلى آخر.لا شك أنها أفكار فاسدة ولكنك ترى أنها نشأت في قلبه وفقا لترتيب مشاعره وعواطفه ونفس الحال بالنسبة للأفكار الصالحة، فإنها أيضا تتولد تبعًا للمشاعر والعواطف.فمثلاً إذا كنت تصلي بحضور القلب والخشوع وسجدت وقلت "سبحان ربي الأعلى"، فإن سبوحية الله ستتراءى أمام عينيك، وستظل مستولية على مشاعرك، فرغم أنك تردّد بلسانك سبحان ربي الأعلى" للمرة الثانية أو الثالثة، إلا أن قلبك سيظل يستمتع بالتسبيحة الأولى ولن يريد الخروج منها.أو إذا قلت مثلاً "الحمد لله" بحضور القلب والخشوع تراءت أيادي الله ونعمه عينيك، فتظل مستغرقا فيها؛ وإذا كنت تصلي حينئذ وراء إمام، فيظل حمد الله مستوليا على قلبك مع أنك تكون قد تقدمت مع الإمام إلى الركوع والسجود وتردد بلسانك "سبحان ربي العظيم".فثبت أن كيفيات روحانية معينة تستولي على القلوب في أثناء الصلاة، والحق أن تلك الكيفيات هي الصلاة بعينها.لا شك أن المرء يردد بلسانه كلمات مختلفة، ولكن مشاعره الروحانية تجري على نمط معين.والواقع أن ترتيب القرآن الكريم يتأسس على تلك الكيفيات الواردة على قلب الإنسان.إن الله تعالى لا يتناول في القرآن الكريم موضوع الصوم بعد الصلاة مثلاً لأنه يعلم المشاعر والأفكار التي قد تولدت في قلب القارئ بقراءة آيات الصلاة، بل يتحدث بحسب الأفكار الناتجة في قلبه.إذا، فإن ترتيب القرآن الكريم مبني على المشاعر التي تتولد في قلب المرء عند القراءة، لأن الله عالم الغيب ويعلم الأفكار التي يمكن أن تختلج في قلوب المؤمنين بقراءة آية معينة أو حكم معين من القرآن الكريم، فرتبه بحسب تلك المشاعر والأفكار عوضا عن الترتيب العادي السطحي.بيد أن من نتائج هذا الترتيب أن الذين لا يقرأون القرآن الكريم بمحبة وإخلاص يبدو لهم هذا الكتاب مملاً.فيقولون مثلاً كان الحديث فيه عن موسى ثم تحول إلى فجأة، ثم بدأ القرآن يقص حالات شعيب – عليهم السلام – أو يقولون كان القرآن يتحدث عن الربا ولكنه تناول موضوع الصلاة فجأة.فتبدو لهم هذه الأمور نوح
٦٠٤ الجزء السابع سورة القصص بلا ترتيب بحيث يتعذر عليهم أن يدركوا ما يصل بعضها ببعض، ولكن هذه الأمور نفسها عندما يقرأها أحد العلماء يتمتع بها فيرقص قلبه فرحًا.أما إذا سألت ما السبيل لفهم هذه الصلات بين الآيات، فالجواب كالآتي: أولاً على المرء أن يقرأ كلام الله تعالى كله ويقرأه مرة بعد أخرى، وليس أن يختار عبارة معينة منه للقراءة.ثانيًا : أما الذين تظل عاطفة حبهم للقرآن الكريم كاملة في كل حين فيكفيهم أن يحدّدوا وقتًا لقراءة القرآن الكريم في الصباح أو المساء، ولكن الذين لم تبلغ محبتهم هذه الدرجة فعليهم أن يقوموا بتلاوة القرآن - علاوة على تلاوته صباحًا أو مساء- حين تكون عاطفة المحبة جياشة في قلوبهم سواء وقت الظهر أو أي وقت.ثالثا : ا على المرء أن يقرأ القرآن موقنًا أنه كنز لا ينفد ذلك لأن الذين يظنون أن معارف القرآن منحصرة فيما ذكره لهم العلماء أو ما ورد في التفاسير فإن هذا الكتاب يظل مغلقًا بالنسبة إليهم، أما الذي يوقن بأن القرآن كنوز المعارف والعلوم التي لا نهاية لها يجد هذا الكتاب بحراً من المعرفة لا شاطئ له.ومثاله أنك إذا مررت بغابة وجدت فيها آلاف الأشجار ولكنك ستمر بها دون التأمل فيها، أما إذا مر بها أحد مسؤولي مصلحة الغابات ليتفقدها فسيجد فيها عشرات الأمور الجديدة.كذلك فمن قرأ القرآن الكريم موقنا بأنه كنز لا ينفد وأنه مرتب ترتيبا محكما رائعا، فلا بد أن ينتفع منه منه كثيرًا، أما الذي لا يقرأه بهذا الإيمان واليقين يظل محروما من الانتفاع منه.الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ) ۵۳ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا وَامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٤) أَوْلَنَبِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مِّرَّتَيْنِ بِمَا
الجزء السابع ٦٠٥ سورة القصص صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَهُمْ يُمْ قُونَ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغَوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَتَا أَعْمَلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَلُكُمْ سَلَامُ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَهِلِينَ (3) شرح الكلمات : حقا وليس يدرؤون: دَرَأَه دَرْءًا ودَرْءةً: دفعه؛ وقيل: دفعه شديدا.(الأقرب) التفسير: أي أن الذين أوتوا الكتاب قبل القرآن الكريم ويؤمنون به بالاسم فقط، فهم يؤمنون بالقرآن أيضًا بصدق القلب، إذ يتضمن كتابهم نبوءات عن نزوله، فإذا قرئ عليهم القرآن قالوا قد آمنا به، فإنه كتاب حق من عند ربنا، وقد كنا مطيعين لأوامر الله من قبل ونحن مطيعون لها الآن أيضًا.ثم يقول الله تعالى: أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا..أي أن الذين يقدمون هذه الأسوة الحسنة من أهل الكتاب ويصبرون على أنواع الأذى والتعذيب الذي يتعرضون له من قبل قومهم بسبب إيمانهم بالقرآن، فأولئك يُعطون أجرا مضاعفا من عند الله تعالى؛ سينالون أجراً لأنهم ظلوا متمسكين بالتوراة، وينالون أجرًا آخر لأنهم آمنوا بالقرآن الكريم أيضًا، أو المعنى أنهم ينالون أجرًا في الدنيا وأجرًا في الآخرة.واعلم أن للصبر في العربية ثلاثة معان: الأول : الإمساك عن الإثم، والثاني: الثبات على أعمال الخير، والثالث: عدم الشكوى والجزع عند حلول الشدائد (الأقرب).وعليه فقد بين الله تعالى في قوله : أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا..أهم يُعطون الأجر المضاعف لأنهم (أولاً): تجنبوا الذنوب دائما، فوفقهم الله تعالى لتلبية نداء هذا المنادي، (وثانيًا) : أنهم ظلوا متمسكين بالحسنات فأعجب الله فعلهم هذا ووفقهم لحسنة أخرى فآمنوا بمحمد ، وثالثًا) أنهم تعرضوا لأذى المعارضين بسبب إيمانهم بالتوراة من قبل، وقد تعرضوا الآن أيضًا لمطاعن قومهم بسبب إيمانهم 6
الجزء السابع ٦٠٦ سورة القصص بالقرآن الكريم، فلم يشتكوا بل رضوا برضا الله دائمًا.وهذه حسنات لا تضيع الله عليها في هذه الدنيا، كما يُنعم عليهم برضوانه في أبدا، لذلك سيجزيهم الآخرة.ثم بين الله تعالى أن أهل الكتاب هؤلاء يتحلون بسمات حسنة أخرى أيضا منها: السمة الأولى: أنهم يَدْرَءُونَ بالْحَسَنَة السَّيِّئَةَ.ولهذه الجملة عدة معان أولها: أنهم يقدمون أسوتهم الحسنة درءا للسيئة ، وهكذا يبينون للناس أن تجنب السيئات ليس بأمر مستحيل.وكأنهم يقولون بلسان حالهم ما دمنا قد تركنا السيئات فكيف يصعب على الآخرين التغلب عليها وثانيها أنهم يقومون بالوعظ والنصح لنشر الخير ليتم القضاء على السيئات في أذهان الناس وتتولد في قلوبهم الكراهية تجاهها.وثالثها: أنهم يتخذون للقضاء على السيئة موقفا يأتي بنتيجة طيبة، بمعنى أنهم إذا رأوا إصلاح المجرم في العفو عفوا عنه، وإذا رأوا إصلاحه في عقابه عاقبوه.فهم لا يسعون للانتقام دائمًا كما تأمر التوراة، ولا يعفون عن المجرم دائمًا كما يأمر الإنجيل، بل يدفعون السيئة بحسب مقتضى الموقف والظرف وبما يكون مآله حسنًا.والسمة الثانية: أنهم وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ..أي أنهم لا ينفقون أموالهم على الفقراء فحسب، بل ينفقون نصيبا من كل ما أعطاهم من النعم من أجل الإنسانية.علما أن الرزق في العربية يُطلق على كل ما يُنتفع به" (الأقرب)، فهو الله يشمل المال والعلم والقوة والغلال والوقت وما إلى ذلك من عطايا الله تعالى مما ينفع الإنسان بشكل أو بآخر.فقد نبهنا الله تعالى بقوله: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أن على المرء أن ينفق لنفع الإنسانية من كل ما أعطاه الله تعالى؛ فمثلا إذا كان عند شخص مهارة ما ولكنه لا يملك مالاً، فعلينا أن نساعده بالمال لينتفع بمهارته، وإذا لم يكن عند شخص ما يأكله فعلينا أن نطعمه، وإذا لم يكن عند شخص ما يشربه فعلينا أن نسقيه، وإذا لم يكن عند أحد ما يلبسه فعلينا أن نعطيه الثياب.
الجزء السابع ٦٠٧ سورة القصص وكان الخليفة الأول له يحكي لنا أن أحد الصلحاء كان أثناء تلاوة القرآن بلسانه يمرر إصبعه أيضا على كلمات المصحف بناء على هذا الحكم الرباني، فسئل عن سبب ذلك؟ فأجاب : إن لساني وعيني وإصبعي كلها هبة من الله تعالى، فأشرك هذه الثلاثة في قراءة القرآن في وقت واحد، لأني أخاف أني لو اكتفيت بتلاوة القرآن باللسان فقط فيقول الله لي لم لم تشرك يدك وعينك في قراءته، ولو قرأته باللسان واليد فقط يقول الله لي: لم لم تشرك عيونك في قراءته، وإذا قرأته بالعيون فقط فيقول الله لي: لم لم تشرك لسانك ويدك في قراءته؟ فالله تعالى يبين هنا أن من صفات هؤلاء المؤمنين أنهم يحبون الإنسانية حبًا عميقا، فينفقون نصيبا من كل نعمة أعطاهم الله إياها للنهوض بالناس.فمثلاً إذا أنفقوا المال لخير الناس فلا يظنون أنهم قد أدوا حق خدمتهم بل يُشركون الآخرين في كل ما أعطاهم الله من خير ونعمة للنهوض بهم.لقد رأيت أن زوجة عمي - رغم بلوغها سن الثمانين أو الخامسة والثمانين - كانت تغزل القطن طوال السنة، ثم تبعثها إلى الحائكين، ثم تصنع الألحفة وأغلفتها، ثم توزعها على الفقراء.وكانت تقوم بمعظم هذا العمل بيدها.وإذا قيل لها: لماذا ترهقين نفسك ولا تستعينين بالآخرين؟ قالت لا أجد متعة إلا إذا قمت بهذا العمل بنفسي.إذا، فلا بد للمرء أن ينفق في سبيل الله تعالى من كل ما أعطاه.إن الذين يعطون : الفقراء شيئًا من أموالهم ويظنون أنهم قد أدوا الواجب لمخطئون.إن الذي ينفق على الفقراء شيئًا من ماله ولكن لا يقوم بالدعوة إلى الله بلسانه فلا يحق له أن أنه قد أدى واجبه.والذي يقوم بالدعوة إلى الله ولكن لا يهتم بخدمة الأرامل واليتامى فلا يحق له أيضا أن يدعي أنه قد أدى واجبه كما ينبغي.كذلك لا بد للمرء أن يضحي بعواطفه ومشاعره أيضًا في سبيل الله تعالى، فإذا غضب على أحد كظم غيظه وعفا عنه لوجهه تعالى.إن حكم الإنفاق في سبيل الله يشمل كل الأعمال التي تتعلق بخدمة الخلق، وعلى شبابنا أن يهتموا بهذا المجال بشكل خاص، يدعي
الجزء السابع 7.1 سورة القصص فيخدموا الإنسانية كلها بدون تمييز بين دين وملة طبقا لمستوى المسلم الأحمدي ليحظوا برضوان الله تعالى.السمة الثالثة: ثم يقول الله تعالى ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ..أي إذا سمعوا كلامًا سخيفا من قبل الذين يكفرون بالله الأحد أعرضوا عنهم وقالوا: لماذا تعادوننا؟ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا نريد لكم إلا خيرًا وسلامًا، ولكن لا نحب صحبة الجاهلين العصبيين.لقد بين الله تعالى هنا ميزة أخرى للذين أسلموا من أهل الكتاب بأنهم يُعرضون عن اللغو.ولكن المؤسف أن المسلمين الذين كتابهم القرآن – سواء منهم القدامى أو الجدد من الأوربيين والأمريكان الذين جاءوا من أهل الكتاب تتحدث عنهم هذه الآية – يشاهدون السينما والمسرح، ويحبون اللغو بدلاً من أن يعرضوا عنه، أن النبي ﷺ قد نهى عن اختلاط الرجال والنساء، وليست الأفلام إلا نتاج الاختلاط بين الرجال والنساء، إذ إن إخراج الفيلم مستحيل بدون أن يختلطوا ويرقصوا معًا؛ وهذا غير جائز في الإسلام ولكن المؤسف أن المسلم اليوم يندفع شوقا إلى هذا اللغو، كما أن المسلم الحديث من أوروبا وأمريكا أيضًا منهمك في هذا السخف.ليتهم يتعظون ويسعون للتحلي بهذه المحاسن التي بينها الله هنا.مع إِنَّكَ لَا يَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) Ov التفسير : أي يا محمد إنك تحب الخير للإنسانية جمعاء وتريد أن تهدي الخلق كلهم، ولكن أمنيتك هذه لن تتحقق لأن من سنة الله تعالى أنه لا يهدي إلا الذين يريدون أن يهتدوا.
الجزء السابع ٦٠٩ سورة القصص وَقَالُوا إِن نَّتَّبِع أَهْدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَمًا وَامِنًا تُجى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رَزْقًا مِّن لدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) شرح الكلمات : ол تتَخطَّف تخطَّفَه: انتزعه واجتذبه واسترقه واستلبه؛ ومَرَّ به سريعًا.(الأقرب) يُجبى حبى الخراج يحبوه حبوةً وجَباوةً يجي جباية، وجبا المال والخراج: جمعه؛ والجابية: الحوض الذي يُجى فيه الماء للإبل.(الأقرب) التفسير: أي يقول المعارضون لمحمد ﷺ لو دخلنا في الإسلام معك سيتخطفنا الناس..أي أنك تعلّم السّلم لو اتبعنا طريق السلم فإن الأمم حولنا ستدمرنا وتستعبدنا، فيرد الله عليهم: أولم تسكنهم في الحرم الذي هو مكان أمن وسلام، ويؤتى إليه بأنواع الثمرات من كل مكان رزقا وعطاء من عندنا؟ ومع ذلك فإن معظمهم لا يفهمون ولا يدرون أن الله الذي جعل مكة حرما منذ زمن إبراهيم حيث دمر جيش أبرهة حمايةً لبيته، وما زال يجلب إلى هذا الوادي وحماها دائمًا - - الذي لا يوجد فيه زرع ولا ماء صنوف الثمار والغلال من كل أنحاء العالم – لا يمكن أن يتخلى عن حمايتهم لو آمنوا بالهدي الذي نزل في هذا العصر.أليس من الغباء أنهم يرون هذه الآية الإلهية العظيمة بأم أعينهم ومع ذلك لا يدخلون في الإسلام بناء على خوفهم - الذي لا أساس له - بأن الأمم التي حولهم ستخطفهم وتأكلهم، ولا يدركون أن الله تعالى لا يضيع أبدًا من يضحي في سبيله، ولو أنهم آمنوا لحماهم وجعلهم غالبين على أعدائهم مثلما أيد إبراهيم بنصره وأمده بنعمه في ذلك الوادي الذي لم يوجد فيه زرع ولا ماء ولا كسرة خبز.
الجزء السابع ٦١٠ سورة القصص صلے وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَكِنُهُمْ صلے لَمْ تُسْكَن مِّنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ) شرح الكلمات: ۵۹ بطرت بطر يبطر بطراً : أخذته دهشة وحيرة عند هجوم النعمة عن القيام بحقها؛ أو طغى بالنعمة أو عندها؛ وبطر الشيء: كرهه من غير أن يستحق حقا فتكبَّرَ عن عنه الكراهة؛ وبطر الحق: تكبَّرَ فلم يقبله؛ وعند بعضهم لم يره قبوله؛ وبطر فلان النعمة: استخفّها فكفرها؛ وأبطَره المالُ: جعله بطراً.(الأقرب) التفسير : ينبغي أن لا يصاب أهل مكة بالكبرياء نتيجة العزة والمنعة التي تيسرت لهم بسبب دعاء إبراهيم فكم من قرية أصابها رخاؤها بالغرور، والنتيجة أنكم ترون بأم أعينكم مساكنهم خربة لا يسكنها أحد بعدهم وأصبحنا نحن الوارثين لها..أي أن ذريتهم هلكوا وبادوا فأصبحت ديارهم خرابا يبابا.فلم لا يعتبر أهل مكة بذلك؟ ولم أصيبوا بالزهو والغرور نتيجة كثرة الرزق الذي هو هبة ربانية؟ ولم لا يقبلون الحق الذي هو الأساس؟ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَلِمُونَ (3) التفسير : لقد بين الله تعالى في هذه الآية قاعدة هامة بأنه لا ينزل العذاب على بلد إلا بعد أن يبعث رسولاً في البلدة التي هي مركزه الديني عنده تعالى، ليذكر الناس بأحكامه تعالى كما أن الله تعالى لا يهلك بلدا ما دام أهله عادلين غير ظالمين، إنما ينزل العذاب بقوم إذا أصبحوا ظالمين أو كافرين بنبيهم.وقد بين الله
الجزء السابع སྐ ད ད سورة القصص تعالى هذا الموضوع في موضع آخر فقال: وَلَوْ أَنَا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَتَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَحْزَى (طه: ١٣٥)..أي لو أننا أهلكناهم بالعذاب قبل بعثة رسول لاعترضوا علينا قائلين: ربنا لقد رأيتنا ظالمين وبحاجة إلى الهدى، فلم لم تبعث إلينا رسولاً لهدايتنا حتى نتبع أوامرك من قبل أن نذل ونخزى؟ فترى أن الله تعالى لم يرفض اعتراضهم هذا بل أقرّ بصحته.والحق أن القرآن الكريم قد تناول هذا الموضوع في أماكن متعددة مؤكدًا أهمية هذا الاعتراض، فمثلاً قال الله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهَدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهدُوا عَلَى أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) (الأنعام: ۱۳۱-۱۳۲).لقد تبين من هنا أن إصدار الفتوى بهلاك قوم بدون إنذارهم ظلم..وبتعبير آخر إن من الظلم أن يكون قوم بحاجة إلى الهدى فلا يرسل الله إليهم هاديًا، ويعذبهم يوم القيامة قائلاً: لم لم تتبعوا أوامري؟ والله تعالى لا يفعل هكذا لأنه ليس ظالما.وباختصار من سنة الله أنه لا يُنزل عذابًا عالميًا على الدنيا ما لم يبعث إلى أهلها رسولاً من عنده ليذكرهم ويحذرهم.فالحق أن نزول أنواع الكوارث والعذاب على الدنيا في هذا العصر بما لا نظير له في الماضي، لدليل على صدق المسيح الموعود ال الذي بعثه الله رسولاً لهداية الدنيا، والذي حذر العالم قبل حلول هذه البلايا والكوارث قائلاً ما تعريبه: "لقد جاء نذير إلى الدنيا فلم تقبله، ولكن الله تعالى سيقبله ويُظهر صدقه بهجمات قوية." (براهين أحمدية (أردو) الأجزاء الأربعة الخزائن الروحانية المجلد الأول ص ٦٦٥) وبعد إعلان هذا الوحي وقعت من عند الله تعالى هجمات قوية على شكل زلازل وحروب وأوبئة وفيضانات مما أودى بالملايين، ورأى الناس في الدنيا مشهدا کیوم القيامة؛ ولكن المؤسف أن قلوب بعض الناس قست برؤية هذا الدمار الشديد أيضًا، فقالوا بكل جسارة ما الغريب في وقوع الزلازل والحروب والأمراض والفيضانات فإنها ظواهر طبيعية تقع في الدنيا دائما؟ وبما أن مثل هؤلاء القوم قد
٦١٢ سورة القصص الجزء السابع مضوا أيضًا في الأمم الخالية التي تفوهت بمثل هذه الأقوال ضد أنبيائها احتقاراً لاياتهم، فقد سجل الله تعالى اعتراضهم أيضًا في القرآن الكريم فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا في قَرْيَة مِنْ نَبِيٍّ إلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (الأعراف : ٩٥-٩٦).والمراد من قوله تعالى: (حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ أَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ أنهم تقدموا وازدهروا وأخذوا يقولون قد أتى العسر واليسر على آبائنا أيضًا، فليس في هذه البلايا والكوارث دليل على صدق الأنبياء.فالواقع الحق، وإنما الأمر الواقع أن العذاب العالمي لا يأتي إلا بعد أن يبعث الله رسولاً حيث يقول تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (الإسراء: ١٦).إذًا، فهذا العذاب ليس مما يستهان به، إنما هو دليل على أن رسولاً قد بعث من عند الله تعالى في هذا العصر.أن هذه الفكرة الخطيرة لا توجد إلا في قلوب الذين قد ابتعدوا عن ج وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا وو عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ التفسير: أي أن الناس يرون لغبائهم أن متاع الحياة الدنيا من مال وعز ونفوذ دليل على رقيهم ونجاحهم فيصابون بالزهو ،والغرور، والحق أن ملذات الدنيا تجلب لهم الراحة والمتعة لفترة قصيرة جدا، أما الرقى الذي يكتبه الله تعالى لقوم فليس كتجارة صغيرة أو كحفنة من الذهب والفضة بل هو أكبر منها وأبقى بكثير، ألا وهو الغلبة والحكم.ثم يقول الله تعالى: أَفَلا تَعْقِلُونَ..أي أليس عندكم عقل حتى تدركوا هذا الأمر وتسعوا للرقي القومي بالإيمان بمحمد (ﷺ) بدلاً من الرقي الفردي؟
الجزء السابع ٦١٣ سورة القصص أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَقِيهِ كَمَن مَّتَعْنَهُ مَتَنعَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ )) التفسير: لقد بين الله هنا أن من أعطي ثراء الدنيا لا يساوي من وعده الله تعالى بالبركات الروحانية في المستقبل.وبما أن ما يملكه الشخص الأول مال مادي وما يوعد به هذا المؤمن شيء روحاني، فمن علامة إيمانه أن يعتبر ما وعد به أفضل من الحاضر الموجود عند الشخص الأول، ذلك لأنه إذا كان مؤمنًا حقا فلن يعتبر وعد الله أقل من الحاضر الموجود.علما أن الوعد يعني في بعض الأحيان الوعيد أيضًا أي وعد العذاب كقوله تعالى: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذْنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظالمين ) (الأعراف : ٤٥)، ولذلك قال الله هنا : (وَعْدًا حَسَنًا ليوضح أن الوعد هنا يعني ما وعد به المؤمنون من رقي وجزاء روحاني في الآخرة.ثم قال الله تعالى: (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) فبين أن الخير ما تكون عاقبته خيرا، ولكن الذي نال متاع الدنيا ثم أحضر يوم القيامة للحساب فلن يستوي هو والذي وعده الله بالحسنى.واعلم أن من مزايا القرآن الكريم أنه يبين معاني واسعة بتغيير بسيط في الكلمة في بعض الأحيان، فمثلاً قد استعمل الله هنا صيغة المجهول فقال: «الْمُحْضَرِينَ..ليبين أن هذا لن يحضر بنفسه بل سيؤخذ ويُجَرُّ كما يؤخذ المجرمون إلى المحكمة مقرنين في الأصفاد ليصدر الحكم بشأنهم.٦٣ ور وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَاءِى الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا
الجزء السابع ٦١٤ سورة القصص صلے صلے أَغْوَيْنَهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ تَبَرَّأَنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (3) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (3) التفسير : أي اذكروا ذلك اليوم الذي ينادي الله فيه ويقول أين القوم الذين كنتم تتخذونهم شركائي مع أنهم لم يكونوا لي شركاء أبدًا.فيقول الشركاء المزعومون – الذين نكون قد أصدرنا القرار بعذابهم ربنا هؤلاء هم القوم الذين أضللناهم، ولكنا لم نضلهم بسوء نية وإنما لأننا كنا بأنفسنا ضالين، وها نحن نتبرأ منهم أمامك إذ لم يكونوا يعبدوننا، بل كانوا يعبدون أهواءهم في الواقع.إن محتوى هاتين الآيتين يبين أن الحديث هنا ليس عن أي كائنات غير مرئية إنما هو عن كبراء القوم من أئمة الكفر الذين يتخذهم الناس كالآلهة والذين يُضلونهم بمكرهم وشرورهم.كما ليس المراد من كلمة شركائي أن الناس كانوا بالفعل يعتبرونهم آلهة ذلك لأن الأمر الواقع أن الذين يعتبرهم الناس آلهة ليسوا ضالين بأنفسهم ولا يُضلّون غيرهم، بل الحق أنهم لا يدعون ما يعتقد عنهم عقائد باطلة.فمثلاً يخبر الله تعالى في القرآن الكريم أن الله تعالى عندما يسأل المسيح العلية لا يوم القيامة: أَنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ أَتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ الله يقول ﴿أَأَنتَ المسيح في الجواب: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (المائدة:١١٨).لقد تبين من هنا أن المسيح وأمه اللذين اتخذهما النصارى إلهين لا يعلمان شيئًا عما يعتقد هؤلاء فيهما، بينما يخبر الله تعالى هنا أن هؤلاء الشركاء يقولون: رَبَّنَا هَؤلاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا.فثبت أن الشركاء المذكورين هنا هم أئمة الكفر الذين يستغلون مكانتهم ونفوذهم لإضلال الناس، وهؤلاء سيقولون يوم القيامة ربنا قد الناس من
الجزء السابع 710 سورة القصص علمناهم ما رأيناه حقا ولم يُطعنا هؤلاء إلا لأنهم كانوا يرغبون في ذلك إذ لم نمارس عليهم جبرًا أو إكراها.أما قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ...الخ فالحديث هنا عن الشركاء من نوع آخر..أي الذين يعبدهم الناس في الواقع، فيقول الله تعالى للذين كانوا يعبدونهم ادعوا شركاءكم الآن لينجوكم من العذاب، فيدعونهم فلن يستجيب لهم شركاؤهم، وسيجدون عندها أمارات العذاب بادية لهم.ثم يقول الله تعالى: لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ)...أي أنهم يقولون ليتهم اتبعوا سبيل الهدى و لم يشركوا فلا يكونوا عرضة لعذاب الله تعالى.وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (3) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْباءُ يَوْمَيذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (3) فَأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُ لِحِينَ ) شرح الكلمات : عميت: عمي: ذهب بصره كله من عينيه كلتيهما؛ وعمي فلان: ذهب بصرُ قلبه وجهل؛ وعمي عليه الأمرُ: التبس واشتبه، ومنه فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئذ، وعميت الأخبار عن فلان: خفيت.(الأقرب) التفسير: أي اذكروا ذلك الوقت الذي سيُحضرهم الله فيه عنده ويسألهم ماذا أجبتم الرسل الذين بعثتهم لهدايتكم؟ فلن يستطيعوا الجواب إذ يصيبهم الذعر برؤية جهنم أمامهم وينسون ما كانوا يحملونه من قبل من أفكار ويأتونه من أعمال، بل لن يقدروا أن يسائل بعضهم بعضاً.ثم يقول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحينَ.واعلم أن كلمة (عسى تفيد الرجاء والأمل عادة، ولكنها إذا
الجزء السابع ٦١٦ سورة القصص استعملت من قبل الله تعالى فتفيد القطعية واليقين (القرطبي)؛ وعليه فالمراد هنا أنهم سيكونون من الفائزين حتما.وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تكن صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (5) شرح الكلمات : الخيَرَة : خَار الرجل على غيره : فضَّله وخارَ الشيء: انتقاه؛ وخارَ فلانًا بين الأمرين : فوَّض إليه الخيار.(الأقرب) تكن: أكنَّ الشيء: ستره في كنه وغطاه وأخفاه؛ والكن: وقاء كلّ شيء وستره.(الأقرب) التفسير : أي أن ربك يُحدث ما يشاء من انقلاب، ويبعث من يشاء لهداية الدنيا، ولكن شركاء الكفار فليس بيدهم خيار لأي تغيير وتبديل في الدنيا، وهذا دليل على أن الله منزه عن كل ضعف ونقص، وأنه أسمى من عقائدهم الوثنية وأفكارهم الفاسدة.كما ردَّ الله تعالى بقوله: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ على الذين يؤمنون بأزلية الروح والمادة ولا يؤمنون بأن الله خالقهما، وإنما يعتقدون بأن الله تعالى يجمع بين الروح والمادة الموجودتين معه منذ الأزل ويخلق صوراً جديدةً منهما.كما أن الله تعالى قد ردَّ بذلك على الطبيعيين الذين يظنون أن الله تعالى قد تخلى عن الخلائق بعد أن خلقهم ولا صلة له بهم الآن فكأن الله تعالى محرّدُ بنَّاء عندهم والعياذ بالله - فكما أن البنّاء يتخلى عن العمارة بعد بنائها كذلك قد تخلى الكون واعتزل بعد خلقه.الله عن
٦١٧ سورة القصص الجزء السابع باختصار إن قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)) تفنيد للطائفتين حيث بين أنه هو خالق كل شيء، ولم يتخلَّ عن الإنسان بعد خلقه، بل لا يزال يشمله بعنايته عند كل خطوة في سبيل رقيه.فكلما يكون الخلق عطاشى للهدى يبعث الله إليهم رسولاً من عنده بمقتضى صفة ربوبيته فيحدث رسوله في الدنيا انقلابا جديدا مرة أخرى.فهلا يخبر المشركون ماذا يعمل شركاؤهم المزعومون في الدنيا، وماذا يحدثون فيها من انقلاب وتغيير، فإذا لم يستطيعوا أن يقدموا مثالاً واحدًا على ذلك الانقلاب، فما المبرر لأن يشركوا بالله سواه؟ ثم يقول الله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ..أي عليهم أن يعلموا أن خططهم لن تنفعهم شيئًا وأن مكائدهم لن تنجحهم، لأن رب السماوات والأرض قد أراد نشر وحدانيته في العالم والقضاء على الشرك، فلن الآن ما يبذلون لتأييد الشرك والوثنية من مكر مكشوف وكيد خفي.ينفعهم و صل وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ VI التفسير : بعد إبطال عقيدة الشرك يوضح الله تعالى هنا للناس مكانة التوحيد الحقيقي ويقول إنه لا إله إلا هو، وهو الذي كان له الحمد في البداية ويكون له في الآخرة أيضا، وبيده الملك كله وإليه ترجعون في نهاية المطاف..أي أن منه البداية والعاقبة، وحمده يتأكد حيثما تتجلى يده تعمل، وكل الأشياء تفنى في النهاية ولا بقاء إلا لذات البارئ تعالى، مما يشكل دليلاً على وحدانيته.والحق أن قوله تعالى: لَهُ الْحَمْدُ في الأُولَى وَالآخرة يومئ إلى صفتي الله الرحمن والرحيم، ذلك لأن الرحمانية تتعلق بالبداية والرحيمية تتعلق بالعاقبة.إن الرحمانية هي التي تلعب الدور الأول في جميع شؤون العباد سواء ما يتعلق منها بالله وما يتعلق ببني جنسهم، وكلما تدبر المرء في ذلك تجلى له حمد الله تعالى أكثر
٦١٨ سورة القصص الجزء السابع فأكثر.فترى مثلاً أن الأُم هى التي تحسن إلى ولدها في الظاهر حيث تحمله في بطنها أو تسقيه لبنها، ولكن لو فكرت فيمن خلق في بطنها أسباب نمو الوليد ومن خلق في ثديها اللبن تبين لك أن الحمد الله في الواقع.كذلك يُعتبر الأب محسنًا إلى ولده حيث يتولى كفالته والإنفاق عليه، ولكن الواقع أنه لم يخلق القدرات والأسباب التي يكسب بها المال بل إن الله تعالى هو الذي زوده بها.فثبت أن الحمد لله أوّلاً وإليه الحمد أخيرًا.وترى الدنيا تثني على أهل الحسن والجمال، ولكن هل يقدر أحد منا على أن يخلق صورته بنفسه؟ وتشيد الدنيا بالعلم، ولكن أليس حقا أن الأسباب التى يُنال بها العلم بما فيها الذاكرة التي تحفظ العلم كلها مما خلقه الله تعالى؟ وتمدح الدنيا أهل الذكاء والعقل، ولكنهما أيضًا هبة ربانية وليسا مما يُكتسب.فثبت أن الله صاحب الحمد في الواقع إذ خلق هذه الأسباب كلها.عندما تحمد الدنيا الخَلْقَ يظن الشخص الجاهل أنها تثني عليهم، ولكن الإنسان البصير يعلم يرجع رحیم أنه مخدوع، إذ إنها تحمد الله في الواقع وأنه تعالى هو صاحب الحمد في الحقيقة.ثم أخبر الله تعالى أن له الحمد في الآخرة أيضًا..أي أنه ليس رحمانًا فحسب، بل أيضًا.والرحيم من يرحم مرة بعد أخرى، ولا يمكن استمرار رحمة الله على العبد إلا إذا نال حياةً أبديةً، وأيضًا إذا دخل كل إنسان – مهما كان آما – في كنف رحمته تعالى في النهاية بعد أن تُغفر له ذنوبه تعلن المسيحية للعالم أن الجحيم أبدي، ولكن رحيمية الله تفنّد هذه العقيدة، ذلك لأن سيئات كل جهنمي ستظل على حالها، بينما تستمر حسناته في الازدياد نتيجة رحمة الله المتكررة، وبالتالي تزداد حسناته على سيئاته في النهاية، وإذا زادت حسناته على سيئاته فلا يجوز إبقاؤه في الجحيم، بل سيدخل في الجنة حتمًا.وهكذا سيثبت في الآخرة أيضًا أن الحمد كله الله الذي زاد حسنات أهل النار أيضًا نتيجة رحيميته وأنــزل رحمته عليهم مرة
٦١٩ سورة القصص الجزء السابع بعد أخرى حتى استحقوا فضل الله في نهاية المطاف.وقد أشار النبي ﷺ إلى ذلك في اللَّهِ حديثه: "يأتي على جهنم زمان ليس فيها أحد ونسيم الصبا تحرّك أبوابها "..ومن أجل ذلك يقول الله تعالى عن أهل الجنة: ﴿وَأَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَن الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ (يونس:١١)..أي أن الله تعالى وحده يستحق الحمد كله إذ زاد حسناتنا حتى جزانا على كل حسنة عشرة أضعاف، وزاد حسنات أصحاب النار أيضًا حتى دخلوا الجنة في النهاية وفازوا برضوانه تعالى.وباختصار قد أخبر الله تعالى في قوله: لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَة)) أنه كما يثبت أن الله تعالى هو صاحب الحمد في بداية كل عمل إذ يهيئ الأسباب التي لولاها ما استطاع الإنسان إنجاز شيء، كذلك يثبت في النهاية أيضًا أنه تعالى هو صاحب الحمد كله حيث يأتي بنتائج الأعمال.ثم إن رحيميته تتقبل القليل من الحسنات أيضًا كبذرة ثم تنميها باستمرار حتى إن أولئك الذين كفروا بأنبيائهم ونالوا العقاب على سيئاتهم سيسترهم الله تعالى برداء مغفرته ويخرجهم من الجحيم.فثبت أن الله هو الأول والآخر، وكما أن الحجاج يطوفون حول الحجر الأسود في الحج فيبدأون به طوافهم وينهونه عنده أيضًا، كذلك يطوف المؤمن بالله تعالى؛ فبه يبدأ طوافه وأمامه يسقط في النهاية أيضًا.وكما أن القنوات التي تتفرع عن الأنهار ثم تصب فيها، أو كما أن الناعورة تخرج من البئر مليئة من جهة وتغوص فيها من جهة أخرى، كذلك فإن المؤمن يخرج من عند الله تعالى ويعود إليه ثانية، ويجري حمده وثناؤه على لسانه في كل حال.كما أن في قوله تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخرة نبأ بأن الحمد يكون الله تعالى في أوائل الإسلام ويكون الحمد له في الزمن الأخير أيضا عند خروج يأجوج ومأجوج، فيُرسي الله حمده ومُلكه في العالم كله بالقضاء عليهم.حمد لم نعثر على رواية بهذه الكلمات، بيد أن صاحب "معالم التنزيل" قد نقل رواية عن ابن مسعود ه تقول: "ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابًا." (تفسير سورة هود: قوله تعالى ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُودٍ) (المترجم)
الجزء السابع ٦٢٠ سورة القصص قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ صلى مَنْ إِلَهُ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ) وَ شرح الكلمات: سَرْمَداً : السرمد : الدائم؛ الطويلُ من الليالي يقال: ليل سرمد؛ والسرمدي: ما لا أوّل له ولا آخر.(الأقرب) التفسير : أي يا محمد قل للمشركين إن الليل شيء نافع بلا ريب، ولكن لو مده الله تعالى إلى يوم القيامة فمن ذا الذي يأتيكم بالشمس من دونه تعالى؟ فإن آلهتكم لا تقدر على تغيير ظلمة الليل إلى ضياء النهار ولو كان بعضها لبعض ظهيرا.هذا ما أكده الله تعالى في قصة إبراهيم الله حين قال للملك في أثناء المناظرة: فإن الله يَأْتي بالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) (البقرة : ٢٥٩)؛ إذ ليس هناك مشرك يؤمن أن أحدًا من آلهته يأتي بالشمس، فلو أن الملك قال لإبراهيم : لا يأتي إلهك بالشمس من المشرق بل أنا آتي بها، لثار العلي: عليه قومه الذين كانوا يعبدون الشمس والنجوم ولقالوا له كيف تعتبر نفسك أكبر من إله الشمس حتى تدعي بهذا ؟ ولذلك فلم يكن أمامه خيار إلا أن يسكت.قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ صلے الْقِيَمَةِ مَنْ إِلَهُ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْل تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) ۷۳ التفسير : هذا الدليل أيضًا يقيم الحجة على المشركين إذ لا يرون أن صنما من أصنامهم أو إلها من آلهتهم الباطلة يجعل الشمس تغيب
٦٢١ سورة القصص الجزء السابع وجدير بالذكر هنا أن الله تعالى قال في آخر الآية السابقة عند ذكر الليل أفلا تَسْمَعُونَ بينما قال هنا عند ذكر النهار أَفَلا تُبْصِرُونَ)، والحكمة في ذلك أن الإنسان يعمل بالآذان بالليل أكثر من العيون أما في النهار فيعمل بالعيون أكثر من الآذان.وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) التفسير: لقد بين الله تعالى هنا أنه قد جعل الليل والنهار برحمته العظيمة لتناموا بالليل من أجل الراحة والسكينة ولتجلبوا بالنهار فضله باكتساب المال.كما جعل ظاهرة الليل والنهار لتشكروه دائمًا، فتمتلئ قلوبكم بعواطف الشكر لله تعالى بحلول الليل ويجري ذكره على ألسنتكم عند طلوع النهار.واعلم أن الله تعالى كما جعل في العالم المادي ظاهرة تناوب الليل والنهار، كذلك يأتي على الإنسان في العالم الروحاني أيضًا أوقات القبض والبسط.والحق أن ظاهرة القبض والبسط هذه ضرورية للإنسان من أجل رقيه الروحاني مثل الليل والنهار، فلو لم يأت عليه الليل الروحاني لتوقف رقيه وانحط من مقامه.ورد في الحديث أن أحد الصحابة جاء النبي ﷺ وقال يا رسول الله، قد أصبحت منافقًا.فقال : كيف عرفت ذلك؟ قال : يا رسول الله، عندما أكون في مجلسكم أشعر كأن الجنة على يميني والجحيم على شمالي، وعندما أغادر مجلسكم لا أبقى على هذه الحالة.فقال النبي : لو كنتم في حالة واحدة لمثم.* نص الحديث كالآتي: "عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِي قَالَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَقيني أَبُو بَكْر فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ.قَالَ: سُبْحَانَ الله مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُول الله ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ، عَافَشَنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ
٦٢٢ سورة القصص الجزء السابع فكما أن الله تعالى قد جعل الليل لجلب الراحة والنهار لكسب المعيشة، فالعاقل من ينتفع بالليل والنهار أيضًا، فينام بالليل ليستعيد قواه ويجدد نشاطه، ويعمل بالنهار ليحرز المزيد من الرقى؛ كذلك قد جعل الله تعالى ظاهرة القبض والبسط أيضًا من أجل رقي الإنسان روحانيا، ليزداد رفعة لدى تحليقه في السماء الروحانية بعد كل حالة ،قبض، ويزداد شكرًا على نعم الله وأياديه.وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَاوِي الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ : وَتَزَعْنَا مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا Vo بُرْهَنَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقِّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يترون ) V7 التفسير: أي اذكروا ذلك الوقت الذي يقول الله فيه للمشركين أين شركائي الذين اتخذتموهم بزعمكم؟ سنقيم من كل أمة شهيدًا يومئذ ونقول لهم هاتوا برهانكم، فيعلم المشركون عندها أن ما قال الله تعالى هو الحق، وينسون افتراءاتهم كلها.حَتَّى والضيعات، فَنَسِينَا كَثيراً.قَالَ أَبُو بَكْر : فَوَالله إنا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْر، دَخَلْنَا عَلَى رَسُول الله.قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ.يَا رَسُولَ الله.فَقَالَ رَسُولُ الله : "وَمَا ذَاكَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهَ تَكُونُ عِنْدَك، تُذَكَّرُنَا بالنّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَا رَأَي عَيْنَ، فَإِذَا رَجْنَا مِنْ عنْدِكَ، عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَات، نَسِينَا كَثِيرًا.فَقَالَ رَسُولُ اللَّه : "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشَكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ.وَلَكِنْ، يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً." (مسلم: كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر) (المترجم)
٦٢٣ سورة القصص الجزء السابع لقد استعمل الله تعالى هنا صيغ الجمع فقال: وَنَزَعْنَا) و (فَقُلْنَا)، وهذا الأسلوب يسمى "كلام الملوك"، حيث يتكلم الملوك بصيغ الجمع إظهارا لقوتهم، لأن الملك حين يصدر حكما ينضم إليه الآخرون لتنفيذه.أما قوله تعالى: (وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّة شَهِيدًا فالشهيد هنا نبي كل قوم، كقول المسيح الا الله تعالى يوم القيامة: كُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فيهم (المائدة: ۱۱۸)، وقوله تعالى عن نبينا : إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا (المائدة:١١٨)، عَلَيْكُمْ (المزمل: (١٦) ؛ ذلك لأن الشهيد يعني الشاهد والرقيب أيضًا.إذًا، فيخبرنا تعالى هنا أنه سيأتي بني كل قوم شاهدًا عليهم يوم القيامة ليُخزي المشركين بعرض نموذج نبيهم عليهم فيقول : انظروا كيف انحرفتم عن تعاليم نبيكم.لقد نهاكم عن العليا الله الشرك ليلا ونهارًا ، فتناسيتم هديه وخررتم أمام الأصنام تاركين أعتاب الله تعالى.الواقع أن الله تعالى قد جعل لكل شيء في الدنيا نموذجًا، ولا يمكننا النجاح ما لم نعمل بحسب ذلك النموذج.فمثلا يتنازع الناس في بلادنا كل يوم في المعاملات، فيقول أحدهم لغيره مثلاً: خُذ مني مئة روبية وابعث لي هذا النوع من الحنطة التي عندك، وعندما تصل إليه الحنطة يرجع إلى صاحب المحل شاكيًا أنه قد بعث إليه الحنطة من النوع الرديء، مع أنه قد طلب منه نوعًا أفضل.ومنعا لمثل هذه النزاعات تحتفظ الشعوب الأوروبية عندها بنماذج من كل شيء، فتجد عندها قوارير كبيرة فيها نماذج من النوع الجيد من الحنطة والأرز والدخن والقطن وما إلى ذلك، وقد كتبوا على كل قارورة اسم كل نوع من هذه السلع مع مواصفاتها؛ وإذا أرادوا شراء نوع من الحبوب بعثوا نموذجه إلى البائع طالبين منه أن يبعث لهم ذلك النوع من الحنطة أو الأرز؛ وعندما يُبعث إليهم هذه الغلال يقارنها الخبراء مع النموذج الذي بعثوه، فإذا لم تكن السلعة بحسب طلبهم رفضوها.فثبت أنه لا بد لنا من وجود نموذج، لنعرف ما إذا كان الشيء جيدا أم لا، وما إذا كان حسب طلبنا أم لا.وكما تمس الحاجة إلى نماذج الأشياء المادية في الدنيا، كذلك لا بد من نموذج في مجال الأخلاق والروحانية، ويبعث الله تعالى هذا النموذج إلى الدنيا على شكل الأنبياء دائما.فمن جعل نفسه وفقا لهذا النموذج
٦٢٤ سورة القصص الجزء السابع حظي بالقبول عند الله تعالى، ومن لم يجعل نفسه طبقًا للنموذج رفضه الله تعالى.فبعث الله تعالى آدم إلى الناس ،تارة وأعلن أن من يكون مثل آدم الله يصبح من المقبولين، ومن لم يكن مثله يصبح من المرفوضين.وتارة أخرى بعث الله تعالى نوحًا العليلة كنموذج للناس، وحينًا إبراهيم الله كنموذج مثالي للناس، وحينا آخر بعث کرشنا ورام شندر نموذجًا للناس، ومرة بعث زرادشت نموذجا للناس، وأخرى بعث أيوب نموذجًا للناس، وبعث داود وسليمان كنموذج للناس في عصرهما، وبعث المسيح الناصري اللي نموذجًا للناس في زمنه وأخيرًا بعث الله تعالى محمدا ل إلى الدنيا معلنا أنه الأسوة للناس إلى يوم القيامة، فإذا تأسيتم بأسوته قبلتكم وإلا أصبحتم من المرفوضين.هذا ما نبه الله إليه هنا فبيّن أنا سنأتي كلَّ قوم بنبيّهم الذي جعلناه أسوة لهم ونقول لقد بعثناه إليكم كنموذج وتريدون الآن أن تدخلوا الجنة، ولكن لا بد أن نرى أولاً مدى سعيكم للتأسي بأسوته.أما قوله تعالى: (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ فبين فيه أنه ستغيب عنهم يوم القيامة دعاواهم العريضة التي كانوا يقومون بها في الدنيا، بمعنى أنهم ينسون عندها افتراءاتهم التي كانوا يختلقونها على ذات البارئ تعالى.والمعنى الآخر أن أعمالهم التي كان أساسها الافتراء ستذهب كلها سدى يوم القيامة، فلن تنفعهم عباداتهم ومجاهداتهم التي كانوا يقومون بها ابتغاء مرضاة أصنامهم وآلهتهم.صلے إِنَّ قَرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَوَاتَيْنَهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَسَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ, قَوْمُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا تَحِبُّ الْ َرحِينَ ! لا ترح ) شرح الكلمات: VV الكنوز: جمع الكنز: وهو المال المدفون في الأرض؛ وقيل: اسم للمال إذا أُحرِزَ في وعاء؛ الذهب والفضة؛ ما يُحرز فيه المال كالمخزن والصندوق.(الأقرب)
الجزء السابع ٦٢٥ سورة القصص مفاتح: قد يكون جمع مفتح ومفتاح وهو آلة الفتح، أو جمع مفتح: وهو الخزانة؛ الكنز المخزن.(الأقرب) تَنوء: ناءَ الرجلُ: نهض بجهد ومشقة وناءَ بالحمل: نهض به مُثقلاً؛ وناء به الحمل: أثقله وأماله.(الأقرب) العُصبة: العصبة والعصابة: الجماعة من الرجال؛ وقيل: العشرة؛ وقيل: ما بين العشرة إلى الأربعين.(الأقرب، وفتح البيان) التفسير : اسم قارون في التوراة هو: قُورَح، حيث ورد فيها أنه تآمر مع بعض أناس الناس وأثار فتنة كبيرة ضد موسى ال حيث بدأ هؤلاء يعارضون موسى مع من بني إسرائيل مئتين وخمسين رؤساء الجماعة مدعوّين للاجتماع ذوي اسم، فاجتمعوا على موسى وهارون وقالوا لهما كفاكما إن كل الجماعة بأسرها مقدسة وفي وسطها الرب، فما بالكما ترتفعان على جماعة الرب؟ فلما سمع موسى سقط على وجهه، ثم كلّم قورح وجميع قومه قائلا: غدًا يعلن الرب مَن هو له ومَن المقدس حتى يقربه إليه، فالذي يختاره يقربه إليه.افعلوا هذا: خُذوا لكم مَجامِرَ، قورحُ وكلُّ جماعته واجعلوا فيها ناراً وضعوا عليها بخورا أمام الرب غدا، فالرجل الذي يختاره الرب هو المقدس.كفاكم يا بني لاوي.قال موسى لقورح: اسمعوا يا بني لاوي، أقليل عليكم أن إله إسرائيل أفرزَكم من جماعة إسرائيل ليقربكم إليه لكي تعملوا خدمة مسكن الرب وتقفوا قُدّامَ الجماعة لخدمتها.فقربك وجميع إخوتك بني لاوي معك، وتطلبون أيضا كهنوتا.إذن أنت وكل جماعتك متفقون على الرب.وأما هارون فما هو حتى تتذمروا عليه؟ فأرسل موسى ليدعو داثانَ وأبيرام ابني الياب، فقالا: لا نصعد، أقليل أنك أصعدتنا من أرض تفيض لبنا وعسلاً لتميتنا في البرية حتى تترأس علينا ترؤسا؟ كذلك لم تأت بنا إلى أرض تفيض لبنا وعسلا ولا أعطيتنا نصيب حقول وكروم؟
٦٢٦ مجد الجزء السابع سورة القصص هل تقلع أعين هؤلاء القوم.لا نصعد.فاغتاظ جدا وقال للرب: لا تلتفت موسی إلى تقدمتهما، حمارًا واحدا لم آخذ منهم، ولا أسأتُ إلى أحد منهم.وقال موسى لقورح: كن أنت وكلُّ جماعتك أمام الرب أنت وهم وهارون غدًا، خُذوا كل واحد مجمرته واجعلوا فيها بخورا، وقدموا أمام الرب كل واحد مجمرته.مئتين وخمسين محمرة.وأنت وهارون كل واحد محمرته.فأخذوا كل واحد محمرته وجعلوا فيها نارا ووضعوا عليها بخورا ووقفوا لدى باب خيمة الاجتماع مع موسى وهارون، وجمع عليهما قورحُ كل الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع.فتراءى الرب لكل الجماعة وكلَّم الربُّ موسى وهارون قائلا: افترزا من بين هذه الجماعة، فإني أفنيهم في لحظة.فخرًا على وجهيهما وقالا : اللهم إله أرواح جميع البشر، هل يخطئ رجل واحد فتسخط على كل الجماعة؟ فكلّم الرب موسى قائلا: كلّم الجماعة قائلا : اطلعوا من حوالي مسكن قورح وداثان وأبيرام.فقام موسى وذهب إلى داثان وأبيرام، وذهب وراءه شيوخ إسرائيل، فكلم الجماعة قائلا: اعتزلوا عن خيام هؤلاء القوم البغاة، ولا تمسوا شيئًا مما لهم لئلا تهلكوا بجميع خطاياهم.فطلعوا من حوالي مسكن قورح وداثان وأبيرام وخرج داثان وأبيرام ووقفا في باب خيمتيهما مع نسائهما وبنيهما وأطفالهما.فقال موسى بهذا تعلمون أن الرب قد أرسلني لأعمل كل هذه الأعمال وأنها ليست من نفسي: إن مات هؤلاء كموت كل إنسان وأصابتهم مصيبة كل إنسان، فليس الرب قد أرسلني، ولكن إن ابتدع الرب بدعةً وفتحت الأرضُ فاها وابتلعتهم وكلَّ ما لهم فهبطوا أحياءً إلى الهاوية تعلمون أن هؤلاء القوم قد ازدروا بالرب.فلما فرغ من التكلم بكل هذا الكلام انشقت الأرض التي تحتهم وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل من كان لقورح مع كل الأموال فنزلوا هُمْ وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية، وانطبقت عليهم الأرض، فبادوا من بين الجماعة، وكلُّ إسرائيل الذين حولهم هربوا من صوتهم لأنهم قالوا لعل الأرض تبتلعنا وخرجت نار من عند الرب، وأكلت المئتين والخمسين رجلا الذين قربوا البخور " (العدد ١٦: ٢ - ٣٥)
٦٢٧ سورة القصص الجزء السابع لقد اتضح مما ورد في التوراة عن هذا الحادث أن قارون وبعض أصحابه أثاروا فتنة عظيمة ضد موسى العلم في برية سيناء بعد هلاك فرعون مصر، فقد رموه بمطاعن شتّى وأخذوا يقولون كيف يحق لموسى أن يعتبر نفسه أفضل منا ويتحكم فينا، مع أن كل فرد من هذه الجماعة مقدس؟ وقالوا إن موسى قد أخرجنا من بلد فيه أنهار من لبن وعسل، وألقانا في هذه البرية، وكان وعدنا بأرض كنعان ولكنه أخلف وعده وتخبرنا التوراة أن مئتين وخمسين شخصا انضم إلى قارون في إثارة هذه الفتنة، ففرّق موسى بين الفئتين ودعا على قارون وأصحابه، فانشقت الأرض وابتلعت قارون وحزبه.وإذا كان بيان التوراة صحيحا فهذا أن العلية لا قد دخل في المباهلة مع قارون، فهلك الأخير.ولكن القرآن الكريم يذكر قارون وفرعون وهامان معًا (العنكبوت: ٤٠)، مما يدل أن هذه الواقعة لم تقع بعد هجرتهم من مصر بل قبلها، وأن قارون كان من بني إسرائيل، وكان يتقلد منصب وزير المالية عند فرعون وكان شخصا ثريًا، فأخذ يقسو على قومه مزهوا بثرائه، فظن أنه سيزداد حظوة عند فرعون كلما صب على قومه سوط العذاب.موسی لقد قلت كان قارون وزير المالية عند فرعون، لأن القرآن الكريم يخبرنا أنه أخذ يظلم قومه الإسرائيليين، والحق أن ثراء المرء وحده لا يدفعه لاضطهاد قومه، إلا أن منصبه في الحكومة قد يدفعه إلى ظلم ،قومه، ولاسيما أن قوله تعالى: وَآتَيْنَاهُ منَ الْكُنُوزِ يبين أن هذه الكنوز لم تكن ملكًا له بل كانت ملكًا للحكومة وكان مشرفا عليها.ثم يقول الله تعالى: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنْ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولي الْقُوَّة.واعلم أن الأقفال في الزمن القديم كانت تصنع من الخشب، بل كانت تُستعمل في مكة قبل أربعين سنة أيضًا.ولو سلمنا أن الناس في زمن فرعون كانوا يستعملون أقفال الحديد فلا بد أن تكون هذه الصناعة في مراحلها البدائية حيث كانت الأقفال ومفاتيحها كبيرة جدًا، وكان الملك إذا خرج في سفر أخذ معه المال في صناديق كثيرة لدفع أجرة العمال وشراء المؤن للجيش؛ فكان صعبًا على الجماعة
٦٢٨ سورة القصص الجزء السابع القوية حمل تلك المفاتيح الكثيرة الضخمة التي بلغ وزنها آلاف الكيلوغرامات، خاصة لو كان السفر طويلا.ويُحتمل أنهم كانوا يضعون المفاتيح في الصناديق التي كانت تحملها الجمال، لأن القرآن الكريم لم يصرح أن الناس كانوا يحملون تلك المفاتيح بل قال لو حملتها جماعة قوية من الناس لشق عليهم حملها..أي لم يستطع أن يحملها إلا عشرة أو اثنا عشر من الرجال الأقوياء.ثم يقول الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ.لما كان قارون مصابًا بالكبر لكونه وزير المالية وثريا أخذ يظلم قومه إرضاء لفرعون، فقال له قومه لا تتكبر فإن الله تعالى لا يحب المتكبرين.وَابْتَ فِيمَا وَاتَلكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنس صلے نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ و وَلَا تَبْ الْسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُ سِدِينَ ) ۷۸ صلے التفسير: لقد قال له قومه أن يجعل بيته في الآخرة أحسن بإنفاق ماله الذي أعطاه الله إياه، دون أن يهمل نصيبه من الدنيا، لأن الدين الحق يعلم المرء سلوك الطريق الوسط ولا يريد أن يهمل دنياه كلية، وإنما يأمره أن يكسب دنياه ويساهم في أمور الدين أيضًا.كان سيدنا المسيح الموعود اللي يقول : يعجبني كثيرًا قول بعض الصوفية وهو: "دست در كار و دل با بار" أي أن الطريقة المثلى أن يباشر المرء أعمال الدنيا بيده وقلبه مشغول بذكر الله.لقد ظن البعض في الماضي أن على المرء أن لا يشتغل بأمور دنياه فأضاعوا أعمارهم بينما ظن البعض الآخر أن على المرء أن يقوم بمشاغل الدنيا ولا داعي
٦٢٩ سورة القصص الجزء السابع لذكر الله تعالى.وهكذا صار هناك فئتان: فئة اعتبرت الدين عبثا، وفئة أخرى اعتبرت الدنيا عبثا، مع أن الحق بين الاثنين؛ فالحق أن يهتم الإنسان بدنياه وبدينه معا دون أن يُعرض عن الدنيا كليةً، ولكن ما حصل أن فريقًا اهتم بالدنيا فقط، وفريقًا اهتم بالدين فقط، ولم يتفكروا في أنه لو أراد الله تعالى منا الاهتمام بالدين فقط لما قال: وَلله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: ۹۸)، ولما قال أيضا: (خَدْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تَطَهَّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ (التوبة: ١٠٣)، ولما قال أيضًا: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجِ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا (النساء: ۲۱)، إذ لو كان اقتناء المال ممنوعا، فكيف يذهب المرء للحج، وكيف يؤدي الزكاة، وكيف يعطي زوجته قنطاراً أن الذهب؟ لا جرم من الله تعالى قد جعل بعض الناس نموذجًا للآخرين، فقد سمعت من المسيح الموعود العليا أن شخصا سأل بعض الصلحاء عن نصاب زكاة المال؟ فقال: إن نصابها بالنسبة لك هو أن تخرج دينارًا واحدًا على كل أربعين دينارا.فقال: ماذا تعني بقولك "بالنسبة لك؟ هل يتغير نصاب الزكاة من شخص إلى آخر؟ فقال الرجل الصالح: نعم، أما أنت فتدفع دينارًا على أربعين دينارًا، أما أنا فلو اجتمعت عندي أربعون دينارًا فعلي أن أدفع واحدًا وأربعين دينارا، ذلك لأن الله تعالى أمرك بأن تكسب وتأكل، أما أنا فقد تولى الله حاجاتي ؛ فإذا اجتمعت عندي أربعون دينارا بسبب غبائي فعلي أن أدفع أربعين دينارا، بالإضافة إلى دينار آخر كغرامة.إذا، فهناك أناس من واجبهم أن يكرسوا حياتهم لخدمة الدين فقط، فعليهم بذكر وترديد الأوراد والوظائف وأداء صلاة التهجد والاستغفار والدعاء، باقي الناس فمن واجبهم أن يكسبوا الدنيا وينفقوا نصيبا مناسبًا من مالهم ووقتهم في خدمة الدين والعبادة وهذا نصح به بعض صلحاء قوم قارون فقالوا: نحن لا نقول لك أن تنفق كل ثروتك في سبيل الله تعالى، وإنما ننصحك أن تجعل أول غايتك الدار الآخرة لدى إنفاق أموالك ولا بأس في أن تنفق من أجل رقيك وازدهار عائلتك فتخصص لهم جزءاً من أموالك، فهذا جائز، وإنما المحظور أن تنسى الله كلية وأن تجعل الدنيا غاية همك.الله أما
الجزء السابع ٦٣٠ سورة القصص ثم قالوا لقارون: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ..أي عامل الناس بالحسنى وساعدهم بمالك وعلمك ونفوذك، لأن الله تعالى قد أحسن إليك..بمعنى أن القوى والطاقات التي اكتسبت بها المال والعز والنفوذ كلها مما خلقه الله تعالى ووهبك إياه إحسانًا منه؛ فمن واجبك الآن أن تحسن إلى الناس ولا تفسد في الأرض، إنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ؛ ذلك لأن الله تعالى خالق المخلوقات وربُّها، ومن سعى ليفسد خلقه ويدفعهم إلى التناحر والتحارب فلن يحبه الله تعالى.فمثلاً إذا كره المرء ولدًا فلن تحبه أمه وهناك حكاية إنجليزية أن أحدًا عشق أرملة وأراد الزواج منها، ومن عادة الأوربيين أن أحدهم إذا أراد الزواج من امرأة فلا يطلب يدها من أهلها فقط، بل يحاول استمالتها أوّلاً، لأن الزواج عندهم يتم بعد الصداقة بين الفتى والفتاة، فحاول هذا العاشق استمالة الأرملة، فلم ينجح، فذكر ذلك لبعض أصدقائه، فسأله: أعندها ولد ؟ قال : نعم قال : إذًا، قد حلّت المشكلة.عليك أن تداعب ولدها وتحتضنه، فترغب فيك تلقائيا.فثبت أن المرء إذا كره حبيب أحد فلن يحظى بحبه أبدًا، ولذلك قال المسيح الموعود العليا في بيت شعر له بالفارسية: "خاکم نثار کوچۀ آل محمد است" در همين (فارسي) ص (۸۹ أي ليتني كنتُ غبارًا في طرق ديار آل محمد.لقد كان في آل محمد ﷺ كبار الصالحين، بينما لم يعد بعض آله صالحين، ولكن حضرته اللي يبين هنا أن من أراد حب النبي ﷺ فليحب عائلته لأنهم أقاربه، أما إذا ظن أحد أنه سيحظى بحبه وإن لم يحب آله فهو مخطئ.باختصار قد نبه الله تعالى بقوله : إنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ أنك إذا أفسدت في الأرض فلن يحبك الله لأنه يحب ،عباده، ومن لم يُحبهم و لم ينصح لهم فلن يحظى بحبه تعالى.
الجزء السابع ٦٣١ سورة القصص قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً من وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْتَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) وینسی ۷۹ التفسير: لما سمع قارون وعظ قومه أصابه الغرور، فقال: أتظنون أني قد حصلت على هذا المال من فراغ؟ إنما كسبته بعلمي وذكائي وجهدي.لم يفكر هذا الغـــــي أن العقل الذي يفكر به لم يخلقه هو، بل الله تعالى خلقه، وأن الوسائل التي يكسب بها المال لم يخلقها هو بل الله خلقها.كان تفكير قارون كتفكير إنسان هذا العصر الذي يتباهى ويقول بكل غرور إنه قد اخترع دواء كذا واكتشف حقنـة كــذا، أن العناصر التي صُنع منها هذا الدواء أو الحقنة إنما هي من خلق الله تعالى.فمثلاً يتباهى باكتشافه حقنة الزُّهري، وينسى أن الفوسفور والزرنيخ اللذين يُستعملان في هذه الحقنة هما من خلق الله تعالى.ثم إن القار المستعمل في صنع نصف الأدوية الكيماوية اليوم هو من خلق الله تعالى.وهذا يعني أنه تعالى يحسن إلى الإنسان، ولكنه يعزو كل فضل إلى نفسه.وبدلاً من أن يقدر صنيعه تعالى نــــراه يقول: أنا فعلت كذا بذكائي وأنا عملت كذا بجهدي؛ مع أن الله تعالى هو الذي يهيئ الوسائل والأسباب لإنجاز أي عمل، وليس هذا فحسب بل هو الذي يـأتي بنتيجته أيضًا.فكم من شخص يبذل جهده طوال سنة ليتعلم الحدادة مثلاً فـــلا يتعلمها، وكم من إنسان يجيد حرفة ولكن لا يجد عملاً، وكم من رجل يكسب مالاً كثيرًا فيسلبه منه الصعاليك.وقد يرجع المرء إلى بيته بمال كثير، فيصاب في بطنه بوجع شديد يقتله، أو يأتي بثوب جميل ولكن يصاب جلده بمرض يمنعه مــــــن لبسه.فثبت أن كل شيء يقوم به المرء إنما يتم بفضل الله تعالى فقط، فإذا اكتسب الرزق بجهده فإنما هو هبة من الله تعالى في الواقع، فمن واجبه إذا أن يزداد تواضعًا الله تعالى كلما نال رفعة ألا يرى أنه كلما يوضع عليه حمل ثقيل أصبح أكثر
الجزء السابع ٦٣٢ سورة القصص انحناء؟ إذا ، فمن وجد مالاً فمثله كمن وُضع على رأسه حمل ثقيل، فعليه أن يزداد حلما وتواضعًا بدلاً من أن يتكبر ويحتقر الآخرين.وكل من اعتبر مالـه وثــــراءه وعزته هبة ربانية ازداد تواضعًا للآخرين ومن عزاها إلى ذكائه وجهده أصابه الكبر والغرور، وابتعد عن الله تعالى في نهاية المطاف.ومن أجل ذلــك لا يمنعنــــا الإسلام من السعي للرقي والتقدم وإنما يقول ابذلوا ما شئتم من الجهود للتقدم، ولكن يجب أن تكونوا أكثر تواضعًا كلما أحرزتم رقيًا.أما إذا أصابكم الرقـــي بالزهو والغرور فلن يرضى الله عنكم بل يسخط عليكم، ولن يكون رقيكم رحمة، بل يصبح لكم ابتلاء وفتنة، وتُحرمون من أنوار السماء في المستقبل.ورد في الحديث أن شخصاً جاء النبي الله وقال : يا رسول الله، إنني في ضيق شديد، فادع الله تعالى أن يبسط علي الرزق.فدعا له النبي ، فأصبح ببركة دعائه من الأثرياء الكبار فكانت مواشيه تملأ الوادي - إن أهل المدن يصعب عليهم تربية جاموس أو بقرة واحدة ،أيضًا فمن الصعب عليهم أن يصدقوا أن شخصا واحدًا يمكن أن يملك هذا القدر من المواشي، ولكن الذين يعيشون في القرى يعرفون أن الرجل الواحد يملك الكثير منها فذات مرة ذهبت لزيارة ضيعات جماعتنا بالسند، فرأيت هناك قطيعًا كبيرًا يضم ما بين ثلاث مئة وأربع مئة من الأنعام، فسألت: هل هذه المواشي لأهل هذه القرية؟ فقال مدير ضيعتنا متبسما : إن هذا القطيع لشخص واحد - فأرسل النبي ﷺ بعض صحابته إلى هذا الشخص الثري ليأخذ منه زكـــــاة مواشيه، فلما طلب الرسول منه زكاتها أجاب: ما هذا؟ ليس عندنا ما نطع المواشي وإن هؤلاء لا يفكرون في مشاكلنا وهمومنا، بل لا هـ م لهم إلا إلا جمع التبرعات.فلما بلغ ذلك النبي الله قال : لن نقبل منه الزكاة أبدًا.فقيل للرجل: أيها الشقي لقد أصبحت ثريًا ببركة دعاء النبي ، وقد رفضت أداء الزكاة له؟ فنــــدم وجاء النبي عمال الزكاة فقال : لن نقبل منك الزكاة الآن.فجعل يبكـ ويحثي التراب على رأسه، ثم عاد إلى النبي ﷺ في السنة التالية بالزكاة، ولكن النبي رفض أن يأخذ ماله و لم يزل الرجل يأتي النبي الله له مال الزكاة كل سنة، وكان يرفض ماله كل مرة حتى توفي.فأتى أبا بكر له بصدقته، فقــــال لــه: لم
الجزء السابع ٦٣٣ سورة القصص يقبلها رسول الله وأقبلُها؟ يبدو أن الرجل كان في قلبه شيء من الصلاح فكان يأتي بالزكاة كل سنة، ولكن لم تقبل البراءة) منه.(مجمع البيان للهيثمي، كتاب التفسير، ســــورة ومن الناس من إذا تقدم لامتحان كتب إلينا طالبا الدعاء لينجح فيه ويتقلد منصبا مرموقا، وإذا حصلت له بغيته أخذ يبتعد عن إخوانه الأحمديين، فتارة يقول إن المجتمع الأحمدي ليس مجتمعًا راقيًا، وتارة أخرى يقول ليس عند الأحمديين مال، وتارة ثالثة يقول ليست بيوتهم أنيقة، وينسى أنه كان يطلب منا الدعاء في يوم من الأيام.إن هذا التصرف يدل أن قلوب هؤلاء خالية من الإيمان إذ لو كانوا مؤمنين حقا لخدموا الدين وأهله وجماعته ولم يصابوا بالكبر والغرور.لقد رأيت أن الفقراء هم أكثر تواضعًا وانكساراً، ولذلك يدخل الفقراء في جماعة الأنبياء عادة، ولكن هذا لا يعني أن الله تعالى يريد أن يظل هؤلاء فقراء دائما، وإنما يوفق الفقراء لخدمة دينه لأنهم بريئون من الطمع والجشع وهم أكثر شكرا لله تعالى.لا شك أنه يوجد في جماعتنا أثرياء بعضهم ،مخلصون وبعضهم يرضون بما نقول إذا ضغطنا عليهم، ولكن بعضهم يهربون من أداء التبرعات، وإذا جلسوا في مجلس قالوا: ما هذه المصيبة؟ لماذا تطالبنا الجماعة بالتبرعات دائما ؟ أما الفقير الذي دخله خمس وعشرون روبية شهريًا فقط فيدفع التبرعات، وتأخذه الحيرة من الثري الذي لا يدفع التبرعات مع أن دخله ألفان ونصف الألف شهريًا! إنما السبيل للتخلص من هذه النقائص أن يقدر المرء نعم الله تعالى ويذكر أياديه دائما.أما الذي يقول : إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عندي، أو الذي يهرب من أداء التبرعات قائلاً إننا في ضيق من قبل فكيف ننفق في سبيل الدين، أو الذي يقول متضايقا : لماذا نطالب بالتبرعات دائمًا، فهؤلاء يُحرمون من بركات الله تعالى.إنما ينال نصيبا من بركات الله تعالى من اعتبر كل ما يكسبه وكل زيادة تحدث في دخله فضلاً الله تعالى، سواءً كان دخله روبية أو عشرين أو مئة أو ألفا.ومثل هذا الإنسان إذا طولب بالإنفاق في سبيل الدين فلن يعتبره مصيبة لأنه يعلم أن كل من ما عنده ليس ملگا له، إنما هو عطية من الله تعالى.إذا ترك المرء عندك أمانة، ثم
٦٣٤ سورة القصص الجزء السابع جاءك يطلبها، فهل تعتبر ردّ أمانته له مصيبة ؟ كذلك لو أيقنت في قلبك أن كل ما عندك من مال إنما أعطاك الله بفضله، فلن تتردد في إنفاقه في سبيله تعالى أبدًا، لأنك ستؤمن بأنه ليس ملكًا لك بل هو الله تعالى.ومثاله ما يفعله أهل بلادنا، فإن أحدا منهم إذا أراد أن يخرج في سفر لبضعة أيام ترك بقرته عند جاره قائلا: اشرب لبنها في غيابي وسآخذها عندما أعود من السفر.وكل إنسان شريف يردّ البقرة لصاحبها عند عودته شاكرا إياه بأنه قد انتفع منها كثيرًا، ولئيم من يقول في نفسه: لماذا يسترد مني الآن بقرته، ولماذا لا يدعها عندي؟ بيد أن هناك فرقا كبيرًا، وهو أن الناس إذا تركوا أمانة عند أحد استردّوها كاملةً، أما الله تعالى فلا يسترد أمانته كلها بل يأخذ جزءا منها.إذًا، فإن الله تعالى مؤتمن فريد من نوعه ولا شك أن الذي يتضايق عند سؤال الله تعالى إياه فهو لئيم حقير، إذ انتفع بنعم الله تعالى ليل نهار وإذا طلب الله منه شيئًا أخذ يصرخ ويصيح بأن الله ظلمني! الحق أن كل هذه الأمور إنما هي نتيجة لنكران نعم الله تعالى وأفضاله، ولذلك قد نبهنا الله تعالى مرارا بأن نتذكر أفضاله ونشكره على نعمه دائما، ذلك لأن الإنسان إذا اعتبر كل ما عنده عطاء من تعالى وقدر نعمه الله اكتمل إيمانه.ورد الله على قول قارون هذا فقال: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْله عل منَ الْقُرُون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا.وهذا دليل على أن ثروة قارون لم تكن ثروة شخصية وإلا لقال الله تعالى كم من ثري كبير دمرناه قبله، ولكنه تعالى يذكر هنا الأمم الثرية القوية التي دمرها، مما يدل أن الثروة التي حازها قارون كانت ثروة قومية..أعني أنه كان مسؤولاً كبيرًا في الحكومة المصرية وليس الحديث هنا عن ثروته الشخصية.أما قول الله تعالى: (وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فبين فيه أن المحرم يُعرف بأعماله ولا تكون ثمة حاجة لسؤاله، ذلك أن العقاب الذي ينزل من عند الله تعالى يكون عقابًا طبيعيًا يدل بنفسه على أن المجرم قد استحقه فعلاً.مثلاً لو فقد أحد بصره لعدم استعماله عيونه أو صار مشلول الأيدي والأرجل لعدم استعماله
٦٣٥ الجزء السابع سورة القصص إياها، أو فقد قوة التدبر والتفكر لعدم استعماله عقله أو صار محروما من الهدى لإنكاره التعاليم الحقة لعلم الجميع أن عقابه بحسب أعماله ولن يعترضوا على عقابه.فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا يَنلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَرُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظِّ عَظِيمٍ : وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحًا وَلَا يُلَقَّنهَا إِلَّا الصَّبِرُونَ (٢) حَسَنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ من ۸۱ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ : وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْس يَقُولُونَ وَيُكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ صلے صلے وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مِّنْ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيُكَأَنَّهُ لَا يُسْلِحُ الكرُونَ ) شرح الكلمات : وَيْكَأَنَّ وَيْ كلمة تعجب يقال : وَي لزيد أي أعجب به، ويكنى بها عن الويل، تقول: وَيْكَ اسمع قولي، وتدخل على كان المخففة والمشددة.(الأقرب)
الجزء السابع ٦٣٦ - سورة القصص التفسير قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمه في زينته يعني أن قارون خرج يوما في أبهته بين الحاشية والحراس ليتباهى أمام قومه بما يتمتع به من سلطة وعزة ونفوذ، ليريهم كيف يسعى الناس ليؤدوا له مراسم التبجيل والاحترام حتى يحظوا بقربه.وقد فعل ذلك ليُهين قومه ويؤكد لهم أن النجاح في طاعة فرعون.كان فرعون عدوا لدودًا لبني إسرائيل وأراد القضاء عليهم نهائيا، ومن الطرق التي اتخذها لتحقيق هدفه أنه أحدا جعل منهم – وهو قارون – مسؤولاً في حكومته، وكان في ذلك غرضان: أحدهما أن يتظاهر أنه يقدّر أهل الكفاءة من بني إسرائيل، وثانيهما أن لا يُنسب إليه الظلم الذي يصبّه قارون على قومه، وإنما يقول الناس لم يظلمهم إلا واحد منهم، فما ذنب فرعون في ذلك؟ وهي نفس الإستراتيجية التي اتبعها الإنجليز إبان حكمهم على الهند، إذ وضعوا الهنود أنفسهم في بعض المناصب الصغيرة، فظلموا قومهم أكثر من الإنجليز الحاكمين ليرضوهم.وكان قارون أيضًا من قبيل المسؤولين الظالمين إذ كان يطمح دائمًا لإهانة قومه بني إسرائيل بغية إرضاء فرعون، فخرج يوما في موكب مع حاشيته وعماله وأمر بني إسرائيل بالاجتماع في مكان ليروا موكبه ويبكوا على هواهم وقلة حيلتهم.ثم يقول الله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.اعلم أن كل قوم يوجد بينهم بعض الضعفاء الذين يحبون عزة الدنيا وثروتها ويؤثرونها على الدين والورع والتقوى.فلما رأى الضعفاء من بني إسرائيل موكب قارون غبطوه، وأخذوا يقولون ليتنا كنا مثل قارون، إنه لذو حظ عظيم إذ نال النفوذ والسلطة لهذه الدرجة.ثم يقول الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهُ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالحًا...أي لما أثنى الضعفاء على قارون، بل تحسّروا على حرمانهم مما عند قارون من عزة ومنعة نصحهم أولو العلم منهم..أي العلماء الربانيون منهم..وقالوا لماذا تموتون حسرةً من أجل هذه الحياة التي هي أيام معدودة وستنتهي لا محالة، إنما الحياة الأبدية التي تبدأ بعد الموت والتي سينال فيها المؤمنون الذين يعملون
٦٣٧ سورة القصص الجزء السابع بحسب إيمانهم جزاء لا تساوي أمامه متع الدنيا وزينتها شيئًا.ماذا ينفعكم لو عشتم في الدنيا عيشة رخاء مئة سنة ولم يكن لكم شيء من الراحة في الحياة الآخرة غير المحدودة؟ فاسعوا لنيل الراحة الأبدية، ولا تركنوا إلى الدنيا ومتعها.أما قوله تعالى: وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ فبين فيه أن ثواب الآخرة كما هو عظيم فهو يتطلب من المرء تضحية عظيمة، ولا يُلقاها إلا الصابرون.والصبر لا يعني ترك الجزع والفزع عند حلول بليّة فحسب، بل يعني أيضًا مقاومة الأفكار السيئة والثبات على الخير (الأقرب).إذا، فقد نصحهم الربانيون منهم بإيثار الدين على الدنيا محذرين إياهم أنهم لن يتبوأوا هذا المقام إلا إذا قاوموا التأثير السيئ الذي تولد في قلوبهم برؤية ما يتمتع به قارون وأمثاله من مجد مادي، وتجنبوا دائما السيئات و لم يسلكوا طريق الظلم كقارون وثابروا على الحسنات، وعندها ستتفتح عيونهم الروحانية فيدركون أن الدنيا حقيرة ذليلة إزاء الحياة الآخرة.ثم يقول الله تعالى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبَدَارِهِ الأَرْضَ..أي لما تجاوزت مظالم قارون الحد حل به العذاب.كان مصدر اضطهاده لبني إسرائيل تلك العزة والمنعة التي كان يتمتع بها بسبب رضا فرعون عنه ولكن الله تعالى لما أراد إهلاكه صار فجأةً ذليلاً مع عائلته.ورد في التوراة أن الأرض انشقت وابتلعت قارون وجنوده (عدد أنه هلك نتيجة زلزال.علما أن الخسف يعني الدفن في مهانًا ،(۳۲-۳۱ :١٦ هذا يعني أيضا الخزي والإهانة حيث يقال: "خسف فلانًا: أذله وحمله ما بِهِ..الأرض، ويعني يكرهه" (الأقرب)، وهذا هو المراد هنا بقوله تعالى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبَدَاره الأَرْضِ أي ضربنا عليه وعلى عائلته الذلة في الدنيا.أما قوله تعالى: (فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَة يَنْصُرُونَهُ فالمراد أنه أصبح ذليلاً صاغراً في البلاد بحيث لم يرد أحد ذكر اسمه ولم يخرج أحد لنصرته.أما قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ منَ الْمُنتصرين فاعلم أن الانتصار هو الامتناع من العدو (الأقرب)، وعليه فالمراد أنه لم يستطع الخلاص من الخزي والهوان باتخاذ تدبير خارجی، كما لم يستطع إنقاذ نفسه من الدمار بعلمه الذي كان يزهو به.
الجزء السابع ٦٣٨ سورة القصص ثم يقول الله تعالى: (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بالأَمْس يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ...أي لما حل عذاب الله بقارون انفتحت عيون القوم الذين كانوا يغبطونه قائلين ليت لنا مثل ما لقارون من مكانة مرموقة، واعترفوا بأن الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويضيّقه على من يشاء، ولولا أن الله تعالى أحسن إلينا وعفا عنا خطيئة الاغتباط بقارون لشملنا العذاب الذي حل به ولم يبق لنا أثر.وقد تبين من ذلك أن من قام بنصرة المجرمين ومساندتهم أو الدفاع عن جرائمهم أو مخالفة الذين يرفعون الصوت ضدهم استوجب العذاب، ولو لم يتب ويستغفر ويغير سلوكه ظل في خطر أن يشمله العذاب أيضًا.أما قوله تعالى: (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ فبين فيه أن معارضي الأنبياء يحرزون نجاحًا مؤقتًا في الدنيا، ولكن الفلاح - الذي يعني إصابة الهدف – لا يكون حليفهم أبدا، بل يهلكون حتما.تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ تَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ الله Λε التفسير: لقد بين الله تعالى هنا أنه قد جعل نعم الحياة الآخرة خالصة للذين لا يريدون أن يتكبروا في الأرض بإهانة الناس ولا يرغبون في الفتنة والفساد.ولا شك أن الناس يظنون في البداية أن النجاح والعز محال باتباع سبيل السلام، وإنما سبيله إسقاط الآخرين وإثارة الفتنة في البلاد ولكن لا ينال العز في نهاية المطاف إلا المتقون، ولا تكون العاقبة إلا لأهل الصلاح الذين يحبون السلام.أما الذين يثيرون الفتنة والفساد في الأرض فقد يحرزون النجاح المؤقت إلى حد ما، ولكن عاقبتهم تكون وخيمة، ويعاقبون على أعمالهم في الدنيا، ثم يكونون في الآخرة من الصاغرين المهانين.
الجزء السابع ٦٣٩ صلے سورة القصص مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا تجزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) التفسير : لقد ذكر الله تعالى هنا قانونه عن جزاء الحسنة والسيئة، فبين أن الذي يعمل حسنة يجزى بأكثر مما عمل، وأن الذي يعمل سيئة فلن يجزى إلا بقدرها.والحق أن الحسنات التي يعملها الإنسان إنما يعملها مستعينًا بما وهبه الله تعالى من قوى وكفاءات، فلو لم يُعط على حسناته أي جزاء لم يكن هناك محل للاعتراض، إذ إن الأسباب التى استعان بها في فعل الخير إنما هي من خلق الله تعالى.فهو - مثلاً- لم يخلق يده التي يعمل بها عملاً حسنًا، بل الله خلقها، كما لم يخلق القوة الكامنة في يده لإنجاز أي شيء، إنما هي من خلق الله تعالى.فإذا سقى بعض العطاشى مثلاً، فإن الماء الذي سقاه هو من خلق الله، والكوب الذي سقى به هو مصنوع بمادة خلقها الله أيضًا، ثم إن العقل الذي دفعه إلى هذا الخير أيضا من خلق الله.فما دام كل شيء هو من خلق الله تعالى وما دامت القوى التي يعمل بها المرء عملاً حسنًا هبة ربانية، فلا يستحق على أعماله أي جزاء في الواقع حتى ولو ضحى بحياته في سبيله تعالى لأن الله هو خالق الإنسان ومالك كل الأشياء التي يملكها.ونعم ما قال الشاعر "غالب" بهذا المعنى في قوله باللغة الأردية: هي جان دی، دی ھوئی اسی کی تھی حق تو یه هے که حق ادا نه هوا (شرح دیوان غالب.ص يسمى (۸۳ فعله أي لو ضحى المرء بحياته في سبيل الله تعالى فأيضًا لا يمكن أن تضحيةً لأنه تعالى هو الذي وهبه الحياة، ومثله في الحقيقة كشخص ردَّ الشيء لصاحبه بعد أن استعمله سنوات طويلة.إذًا، فلا بد للإنسان من أن يشكر الله تعالى في هذه الحالة أيضًا، ولا يحق له الادعاء بأنه قد قام بتضحية.
٦٤٠ سورة القصص الجزء السابع وبرغم أن المرء لا يقوم بأي حسنة إلا بفضل ما أعطاه الله من قوى ولو لم يُجْزَ عليها لما كان ثمة حرج، إلا أن الله تعالى لا يمارس مالكيته لهذه القوى والأشياء بحيث يحرم الإنسان من جزاء أعماله، بل يعامله كأنه قد قام بها بقوة ذاتية أو بأسباب أوجدها بنفسه، ثم لا يجزيه الله على حسناته جزاء مساويًا لها بل يزيد في الجزاء كثيرًا.أما الذي يعمل السيئة فإن الله تعالى يقبل توبته ويعفو عنه، وإذا لم يتب فيجزيه بقدر معصيته فقط.وكأن الله تعالى يعامل الأبرار بإحسان، ويعامل الآثمين بإنصاف حيث يجزيهم بقدر آثامهم لا أكثر منها.で إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رى أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِأهْدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينِ الله رَّنِي ٨٦ التفسير: يذكر الله تعالى الآن أهم حدث في حياة الرسول كنبوءة بأن معارضي الأنبياء سيهلكون حتمًا مهما بلغوا من القوة وأن المؤمنين سينتصرون لا محالة، فيقول: إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادِ..أي أن الله الذي أنزل عليك القرآن وفرض على الناس طاعته يحلف بنفسه أنه لا بد أن يعود بك إلى المكان الذي يعود إليه الناس مرة بعد أخرى.وما هو ذلك المكان الذي يعود إليه الناس مراراً؟ إنه ذلك المكان الذي جعلناه مَثَابَةً للنَّاسِ (البقرة : ١٢٦).واعلم أن الله تعالى لو قال هنا: "لرادك إلى مثابة" بدلاً من قوله: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى معاد لم يبق هناك خفاء في الأمر، ولكنه تعالى استعمل لفظ (معاد) وهو مرادف لمثابة، وهكذا أدلى بالنبوءة بدون أن يزول منها عنصر الخفاء أيضًا.فالله تعالى يقول هنا لنبيه حالفا بذاته بأني سأعود بك ثانية إلى هذا المقام الذي يأتي إليه الناس بنية الحج والثواب..أي إلى مكة المكرمة.والبديهي أنه لا يعاد بالمرء إلى مكان إلا إذا كان قد غادره، أما الذي لم يغادره فكيف يعاد به إليه؟
٦٤١ الجزء السابع سورة القصص فثبت أن هذه الآية تتضمن نبوءتين عظيمتين: أولاهما : أن النبي سيضطر للهجرة من مكة، وثانيتهما : أنه سيرجع إليها بعد الهجرة فاتحا منتصراً.الله كانت هذه الآية تُعتبر بالغة الأهمية في القرون الأولى للإسلام حتى وقع بعض الحمقى بسببها في خدعة كبيرة، حيث إن عبد الله بن سبأ – الذي أثار فتنة كبيرة في الإسلام وقاد الحركة المعادية لعثمان والتي قتلته وحاربت عليا رضي عنهما- كان يستنتج من هذه الآية أن الإسلام يقول بالتناسخ، فكان المراد من معاد هنا هو الدنيا وأن هذه الآية تعني أن الله تعالى سيعود بنبيه إلى يزعم أن الدنيا ثانية (الطبري: سنة ٣٥) لا شك أن الذين يكونون أمثال الأنبياء وأظلالهم يُبعثون إلى الدنيا دائما كونهم أحق بذلك من غيرهم.فإذا كان المثل الإنجليزي history repeats itself - التاريخ حقا فلا شك أن الأنبياء يظهرون في الدنيا مرة بعد أخرى ظهورا يعيد نفسه - مجازيًا وسيظهرون هكذا في المستقبل، إذ لو كان هناك شيء جدير بالإعادة فهو الشيء النافع، بيد أن هذه الآية لا تقول بالتناسخ أبدًا، كما أن كلمة معاد أيضًا لا تعني هذه الدنيا، بل إن قوله تعالى: إِنَّ الَّذي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى معاد إنما هو نبوءة بأن محمدا لله سيهاجر من مكة – التي جعلت مركزا للعبادة والتي يأتي الناس إليها مرة بعد أخرى للحج والعمرة – ثم يعود إليها ثانية.وهذا يعني سيخرجونه من وطنه في يوم من الأيام، ولكن الله الذي أنزل عليه القرآن وفرضه على الناس يُقسم بنفسه أنه سيعود بنبيه إلى وطنه بعد أن يخرجه العدو منه.انظر إلى روعة إخبار الله تعالى نبيه بالهجرة، فبدلاً أن يخبره أنه سيضطر من أن الله تعالى قد أخبر نبيه وهو لا يزال في مكة أن الكافرين للهجرة في يوم من الأيام فيصيب قلبه بالصدمة؛ بشره بالعودة إلى هذا المكان مكان أنه قد يعني خرج أولاً، فكان في بشارة منه ثانية، وحيث إن عودة المرء إلى عودته إلى مكة نبأ بأنه سيهاجر منها في يوم من الأيام، وهكذا تتحقق مماثلته بموسى العليا.
٦٤٢ الجزء السابع سورة القصص لا شك أن علماء المسلمين متفقون على أن سورة القصص هذه مكية، ولكن المستشرقين المسيحيين أيضًا يعتبرونها مكية تفسير القرآن لويري)؛ وهكذا قد شهد هؤلاء الأعداء بأنفسهم على صدق محمد ، وبيان ذلك أنه إذا كانت هذه السورة مكية فكيف علم محمد مسبقا أنه سيهاجر من مكة ثم يدخلها فاتحاً ﷺ منتصرًا؟ فما دام النبي ﷺ يجهل ما يخفيه له المستقبل، ثم يدلي بهذه النبوءة التي تحققت فعلاً، فلا شك أنها دليل ساطع على صدقه فالحق أن هؤلاء المستشرقين المسيحيين قد وقعوا في المأزق باعتبار هذه السورة مكية، إذ أكدوا بذلك على صدق النبي له ولو أنهم قالوا إنها سورة مدنية لقال قائل إن محمدا أدلى بهذه النبوءة بعد أن نال القوة في المدينة، ولكن المستشرقين قد اعتبروا هذه السورة مكية وبالتالي قد أكدوا بأنفسهم على صدقه.والغريب أن بعض المفسرين المسلمين اعتبر بعض آيات هذه السورة مدنية، ولكن المستشرقين يعتبرونها كلها مكية، وبالتالي يؤكدون صدق الإسلام.إن بعضا منهم يتباهون عادة بأنهم يعرفون بأسلوب السورة ما إذا كانت مكية أو مدنية، وإذا كان ادعاؤهم هذا صحيحًا أفليس مما يدل على فضل القرآن الكريم أن الله تعالى قد أنزل فيه هذه السورة التي تضمنت نبأ الهجرة بأسلوب جعل هؤلاء المستشرقين المسيحيين يعتبرونها مكية، فكان هذا اعترافا منهم بصحة نبوءة الهجرة والفتح التي نزلت في القرآن الكريم في الفترة المكية.إذ لو كان هذا الكتاب افتراء بشر فكيف علم أنه سيأتي المستشرقون من أمثال ويري ونولدكه بعد القرآن بقرون، فيعتبرون سوره مكيةً أو مدنيةً بالنظر إلى أسلوبها، فيجب أن يؤلف هذه السورة بأسلوب يجعلهم يعتبرونها مكية بدون تردد.ثم أليس عجيبا أن الذي أنزل القرآن الكريم في زمن محمد كان يعلم الاعتراضات التي سيثيرها المستشرقون النصارى في القرن العشرين، بينما لم يعرف هؤلاء النصارى أنفسهم كيف سيقومون بتفسير هذه الآيات.إنهم يطعنون في آية ما، فنفسرها بما يدحض طعنهم تماما، فينكشف فضل القرآن الكريم وصدق الرسول الله على العالم، مما يشكل دليلاً أن القرآن الكريم ليس من تأليف بشر، بل
الجزء السابع ٦٤٣ سورة القصص خبر من قد أنزله عالم الغيب وأنه مليء بأخبار الغيب بحيث تنطوي كل آية منه على الغيب.وكما يقال بلغتنا: "تحت كل حجر شيء"، كذلك إذا أخذت أي آية من القرآن الكريم وجدت تحتها معجزة وهكذا سيتأكد لك أن القرآن الكريم زاخر بالمعجزات.واعلم أن نبأ هجرة النبي لم يرد في هذه الآية وحدها، بل هناك آيات أخرى في السور المكية قد أنبأت عن هجرته بكل وضوح.فمثلاً قال الله تعالى لنبيه في سورة البلد وهي مكية لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلَّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ (البلد: ٢-٣)..أي أقدم بلدة مكة دليلاً على بطلان دعاوى الكافرين، وأعلن أنك يا محمد ستحل في هذه البلدة في يوم من الأيام مظفرًا منصوراً.وهناك آية أخرى تنبأت عن هجرته له وعودته إلى مكة المكرمة منتصرا وهى قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا)) (الإسراء: ۸۱)..أي يا رب اجعل عودتي إلى مكة ناجحة مباركة وآية باقية واجعل خروجي منها أيضًا ناجحًا مباركا وآية باقية، واكتب لي الغلبة من عندك، واجعل أعدائي من المغلوبين.يثير البعض هنا اعتراضا ويقول: لماذا ذكر القرآن الكريم الدخول أولاً مع أن محمدا خرج من مكة أولاً ثم دخلها؟ كان المفروض أن يقال "رب أخرجني مُخرج صدق وأدخَلْني مُدخَلَ صدق" عوضًا عن يقال: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْحَلَ صدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ.والجواب أن من سنة الله الله أنه لا يخوّف أنبياءه بل يضيء لهم بارقة الأمل واليقين دائما.فلو قال الله تعالى هنا رب" أخرجني مُخرج صدق" لأصيب نبيه بالصدمة والقلق ولقال في نفسه: لا أدري ما إذا كان خروجي من مكة مؤقتًا أم للأبد؛ ولذلك بشره الله تعالى بدخوله فيها قبل خروجه ليطمئن قلبه ويعلم أن خروجه مؤقت إذ يريد الله تعالى أن يعود به إليها ثانية.أما قوله تعالى: مُدْخَلَ صدق و مُخْرَجَ صدق ، فاعلم أن الصدق إذا نُسب إلى شيء دلّ على عظمته وروعته فكأن الله تعالى قد أمر نبيه هنا أن يدعو:.
٦٤٤ سورة القصص الجزء السابع رب اجعل خروجي من مكة ودخولي فيها حدثا تذكاريًا تذكره الدنيا إلى يوم القيامة وما أروع ما حقق الله به دعاء رسوله و كم كان خروجه رائعا، وكم ! كان دخوله عظيمًا.فعندما خرج النبي ﷺ من بيته كان الكفار يحاصرونه، ولكنه خرج أمام أعينهم بكل شجاعة حتى رأوه وهو يمر من بينهم ولكن لم يخطر ببالهم أنه محمد بل ظنوه شخصا آخر، وظلوا يطلون من خلال الباب داخل بيته طوال الليل.وكان عليه نائما في سريره ، فلم يخطر ببالهم ببالهم أنه قد خرج بل ظنوا أنه نائم في سريره.وفي الصباح نهض من السرير عليه بدل محمد ﷺ، فكانت آية عظيمة.ثم ذهب النبي واختفى في غار ثور الواقع على مسافة ثلاثة أو أربعة أميال من مكة.وقد ذهبت إلى جبل ثور بنية أن أرى ذلك الغار ولكن في قلبي شيء من الضعف يمنعني من صعود الجبل، وقد حاولت الصعود فعلا، ولكن لم أقدر على ذلك بعد حوالي مئة قدم.فقلت لبعض زملائي أن يصعد ويرى المغارة ويصفها لي.فمما حكى لي أنها مغارة كبيرة تسع عدة ،أقدام وأنها واسعة من مدخلها أيضًا وكأنها غرفة تبلغ عدة أقدام طولا وعرضا.المهم أن النبي خرج مع أبي بكر بالليل واختبأ في تلك المغارة.وفي الصباح علم أهل مكة بغيابه فقرروا بعد التشاور ،ملاحقته وجعلوا لمن يأتي بمحمد مكافأة قدرها مئة من الإبل، ثم خرجوا على آثارهما مع قصاص الأثر.فتتبع قصاص الأثر أثرهما وذهب بهم إلى مدخل غار ثور، وقال إن محمدًا إما مختبئ هنا أو صعد إلى السماء.وبرغم أن أهل مكة كانوا يثقون بقصاصي الأثر كثيرا، إلا أنهم لم يصدقوه، فلم يتجاسروا على أن يتقدموا وينظروا في المغارة مع أنها كانت تسع عدة أقدام طولاً وعرضا، وكان مدخلها واسعًا.فما أعظمها من آية أظهرها الله تعالى ! إذ لم يصدّقوا قول قصاص الأثر، بل ضحكوا عليه واعتبروا قوله ضربًا من الهذيان.لقد كانوا قريبين جدا من النبي ﷺ حتى أحس أبو بكر بالخطر وهمس في أذن النبي ﷺ معربا عن قلقه، فقال له النبي : لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا..أي إذا كان هؤلاء قد أتوا ووقفوا على رؤوسنا فإن
الجزء السابع سورة القصص الله معنا، فلن يرونا أبدًا؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله، إني لا أخاف على نفسي لأني إنسان عادي ولئن قتلوني سيهلك شخص واحد، ولكنهم لو أصابوك بأذى فإن العالم كله سيهلك.فظل الكفار يتكلمون عند مدخل المغارة بعض الوقت، ثم عادوا أدراجهم إلى مكة.وفي اليوم الثالث خرج النبي ﷺ وغادر إلى المدينة.(السيرة النبوية، البخاري: كتاب المناقب، باب مناقب المهاجرين) يوم فكم كان خروج النبي من مكة رائعا والحق أن كل ذلك قد تم ببركة الدعاء الذي علمه الله تعالى بقوله: وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صدق..أي إذا أخرجتني يا رب من مكة فأخرجني بحيث يصبح خروجي منها حدثا رائعا يذكره الناس إلى القيامة.هل يمكن أن ينسى المرء هذا الحادث؟ لقد جاءوا لاغتيال محمد ﷺ في بيته وضربوا الحصار حول بيته، ولكنه خرج من بينهم يشق صفوفهم دون أن يفطنوا له.ثم خرجوا على آثاره مع قصاص الأثر ، فيقول لهم بكل ثقة إما أن محمدًا موجود في المغارة أو صعد إلى السماء.ولكنهم لا يصدقونه رغم ثقتهم به، ولا يبحثون عنه في المغارة، بل يرجعون أدراجهم مستهزئين بقصاص الأثر ضاحكين على عقله.ثم إن دعاء النبي : رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ أيضا قد تحقق بشكل رائع.كان أهل مكة ذوي قوة ومنعة، ولكن الله تعالى كسر شوكتهم تمامًا وأدخل محمدًا في مكة فاتحا منتصراً بحيث إن ألد أعدائه أصبحوا خاضعين منقادين له.كانت هند تعادي الإسلام عداء شديدًا حتى إنها مثلت بحمزة له حيث بقرت بطنه وأخرجت كبده وقطعته، وكان النبي الله وقد أمر بقتلها، ولكنها اختفت ثم جاءت متنكرة بين النساء اللواتي جئن للبيعة يوم الفتح.فلما قال لهن النبي ﷺ في أثناء البيعة: قلن لن نشرك بالله لم تملك هند نفسها وقالت يا رسول الله، هل نشرك بالله تعالى بعد كل هذا؟ كنا ذوي مال وكنت فقيرًا، وكنا ذوي أنصار وكنت وحيدًا، لو كانت أصنامنا تملك شيئًا لما انتصرت علينا.فغلبتك علينا رغم ما كنا
الجزء السابع ។។ سورة القصص نتمتع به من مال وقوة وأنصار ونفوذ لدليل واضح على أن أصنامنا لا تملك شيئا.* هذه هي الآية العظيمة التي ظهرت على يد النبي ﷺ يوم فتح مكة، والتي أنبأ الله عنها بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ.هذا، وعندما نفحص الصحف السابقة نجدها أيضًا تنبئ بأن محمدا رسول الله ﷺ سيضطر للهجرة من وطنه مكة، ثم يعود ويدخل فيها فاتحا منتصرا وفي رفقته عشرة آلاف قدوسي.وقد وردت هذه النبوءة في سفر إشعياء كالآتي: "وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين.هاتوا ماء لملاقاة العطشان، يا سكان أرضِ تَيْماءَ، وافُوا الهارب بخبز ؛ فإنهم من أمام السيوف قــــد هربوا.من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب.فإنه هكذا قال لي السيد: في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار.وبقية عدد قسى أبطال بني قيدار تقل، لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم." (إشعياء ٢١: ١٣ - ١٧) تخاطب هذه النبوءة قافلة الددانيين سكّانَ أرض تيماء بأن يخرجوا بالخبز والمــــاء لاستقبال القوم الذين ظلوا عرضة للاضطهاد تحت السيوف المسلولة والأقواس المشدودة من قبل معارضيهم فترة طويلة، وقد هربوا الآن لاجئين إلى بلادهم.و ددان" اسم أحد أحفاد إبراهيم ال الذي كان من ابنه "يقشان" المولود من زوجته الثالثة قَطُّورة التكوين (۲٥ (۲۱) وأما تيماء فهو الابن التاسع لإسماعيل العليا ، وأما قيدار فهو ابنه الثاني (أخبار الأيام الأول ۱ : ۲۹ - ۳۰).ويتضح من التوراة بني إسماعيل وبني قطورة سكنوا في الشرق..أي في الجزيرة العربية (التكوين ٢٥: ٦).وبالفعل قد سكن أولاد "ددان" أوّلاً في اليمن ثم انتشرت قبائلهم في مختلف أنحاء الجزيرة العربية وكان منهم قبيلتا الأوس والخزرج.وكذلك سكن أولاد تيماء أن * حين هناك رواية تنسب هذا المعنى إلى زوج هند أبي سفيان حيث ورد أن الزبير بن العوام قال لأبي سفيان يوم الفتح كسر صنمُ هُبَل: "يا أبا سفيان، قد كُسر هبل! أما إنك قد كنتَ منه يوم أنه قد أحد في غرور، حين تزعم أنعم! فقال أبو سفيان: دع هذا عنك يا ابن العوام، فقد أَرَى لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان." (كتاب المغازي للواقدي: شأن غزوة الفتح ج ۲ ص ۸۳۲) (المترجم)
٦٤٧ الجزء السابع سورة القصص في المدينة وضواحيها.أما أولاد قيدار فسكنوا في مكة وضواحيها، وقريش مـــن نسلهم.(البداية والنهاية : ذكر أخبار العرب، وتاريخ ابن خلدون: الجزء الثاني، الخبر عن بـــني عدنان وأنساهم) لقد قال النبي إشعياء في هذه النبوءة لذرية ددان وتيماء المقيمة في المدينــــة ومـــا حولها أنه سيأتي زمان يهاجر فيه محمد رسول الله له مع أصحابه إلى المدينة هروبا من اضطهاد ،قريش فمن واجبكم أن تستقبلوه بحفاوة وتعينوه بالخبز والماء..أي أن تفتحوا بيوتكم لهم وتعتبروا خدمتهم بركةً ورحمة.وطبقا لهذه النبوءة خرج النبي لام عن أبي بكر من مكة تحت ظلال السيوف المسلولة في أيدي الأعداء الذ حاصروا بيته بنية قتله، ولكن الله تعالى أظهر آية قدرته فأخرج نبيه من بينهم مـــــن حيث لا يدرون.من الذين العلمية لا كما تنبئ هذه النبوءة بوقوع حرب بين النبي وأعدائه بعد الهجــرة بـسنة، فيهزم فيها العدو وتدمّر قوة قريش كلها وبالفعل وبعد سنة واحدة من هجرة النبي تماما وقعت غزوة بدر التي انتصر فيها الإسلام انتصاراً ساحقا، وفرت قريش ساحة القتال تاركة وراءها جثث قادتها وأبطالها.(البخاري: كتاب المغازي، بـــاب دعاء النبي على كفار قريش) هذه النبوءة تتحدث عن الهجرة، أما نبوءة فتح مكة فقد أدلى بها موسى بالكلمات التالية: "فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ جبل فاران، وأتى مع عشرة آلاف قديس* وعن يمينه نار شريعة لهم." (التثنية ٣٣: ١-٢) والنبي الموعود الذي سيظهر من جبال فاران بحسب هذه النبوءة التوراتيــة هـو محمد رسول الله ﷺ نفسه، حيث تصرح هذه النبوءة أن محمدا سيدخل مكة مع جيش قوامه عشرة آلاف من صحابته وفي يده نار شريعة والمراد من نار شريعة أنها تطهر القلوب، كما يمكن أن يراد بنار شريعة السيف بالنظر إلى مناسبة فتح * الكلمات التي تحتها الخط هي بحسب ما ورد في الطبعة الأردية، إذ قد قد حرّفوها في بعض الطبعات الحديثة خاصة العربية منها.(المترجم)
الجزء السابع ٦٤٨ سورة القصص مكة؛ والمعنى أن أهل مكة عندما يرفضون الخضوع لحكومة القرآن الكريم التي هي رسالة رحمة، وسيحاولون القضاء عليها، فإن الله تعالى سيناول محمدا سيفا، فيخضع أهل مكة رؤوسهم أمام هذا السيف أخيرًا.وكان علماء اليهود أيضًا على علم بهذه النبوءة التوراتية عن هجرة النبي ، والدليل على ذلك أن النبي ﷺ لما خاف عند نزول أول وحـــي عليـه، وذكـــر لزوجته خديجة رضي الله عنها ما وقع معه، ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ليخبره بالواقع، إذ كان الرجل خبيرًا بصحف الأنبياء السابقين.فلما قــص عليه النبي ﷺ قصة نزول الوحي عليه قال: ليتني كنتُ شابا حـــــى أساعدك إذ يُخرجك قومك.ولما سمع النبي ﷺ قوله أخذته الحيرة إذ لم يكن قد أعلن دعـــــواه بعد وكانت قريش كلها تعتبره صدوقا أمينًا وتُكرمه.فقال لورقة بن نوفل في حيرة: أو مُخرِجيَّ هم؟ أي أقومي يخرجونني من بينهم؟ قال: نعم بكل تأكيد (البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي).مما يدل أن أذهان أهل الكتاب كانت قد تبادرت إلى هذه النبوءات الواردة في صحفهم، وكانوا على علم بأن نبيا عظيمًا مثل موسى سيبعث بين العرب، وأن قومه سيُخرجونه من مدينته، وأنه سيفر إلى مكان آخر، وسينال هناك القوة، وسيفتح مكة ثانية.فلما حان ظهور هذه النبوءة أخبر الله نبيه ل وهو لا يزال بمكة: إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ..أي قد اقترب وقت هجرتك، وسيخرجك العدو من مكة فرحًا بأنه قد حقق غايته، ولكن ربك يبشرك حتى قبل الهجرة أنـــه سيعود بك إلى هذه المدينة مرةً أخرى ليقضي على الفرحة الزائفة التي يبتهج بمــــا العدو.ثم يقول الله تعالى لنبيه : قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مبين، فكيف يمكن أن يفشل من يأتي بالهدى وينجح أهل الضلال؟ كلا، بل إن القرار النهائي بيد الله تعالى، فلا بد أن ينجح من يأتي بالهدى ويهلك أعداؤه.
الجزء السابع ٦٤٩ سورة القصص وَمَا كُنتَ تَرْجُوَاْ أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَبُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَرِينَ * وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ ۸۷ صلے وَايَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ۸۸ التفسير أي يا محمد لقد كان من المستحيل أن يخطر ببالك أن ينزل عليك کتاب كامل من عند الله تعالى، وإنما هي رحمة ربك التي قضت أن يُنزل عليك، بحسب نبوءة موسى، كتابًا فيه علاج لكل ما تعانيه الإنسانية وهدى لـبني نـوع الإنسان كلهم إلى يوم القيامة.أما وقد أنزلنا هذا الكتاب الكامل، فمن واجبك، يا من تدعي باتباع محمد ألا تكون معينًا للكافرين.لقد فسرت الكتاب بمعنى الكتاب الكامل لأن اللام في العربية يفيد الكمــــال أيضًا، كقوله تعالى: الْحَمْدُ لله..أي أن الحمد الكامل مختص بالله تعالى.إذًا، فالمراد من الكتاب هنا أنه الكتاب الكامل الذي يلبي كل حاجة روحانية للناس.لا شك أن الخطاب هنا موجه إلى محمد ، ولكن من أساليب القرآن الكريم أنه يخاطب الرسول في آيات كثيرة وهو يقصد أفراد أمته، وهنا أيضًا قال الله تعالى: فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا للْكَافرين وهو يقصد أفراد أمته، ذلك لأن الله تعالى قد سبق أن قال لمحمد : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) لا شَريكَ لَهُ وَبِذَلكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمينَ) (الأنعام: ١٦٣-١٦٤).فما دامـــــت عبادة النبي وحياته وتضحياته كلها لله تعالى، وما دام قد أعلــن أنـــه أول المسلمين، وما دام لم يشرك قبل النبوة ولا بعدها، فكيف يتصور أن يكون ظهيرا للكافرين؟! فثبت أن الخطاب هنا موجه إلى أمته حيث نبههم الله تعالى أنه قـــــد أنزل الكتاب الكامل وهياً أسباب الخير والبركة للإنسانية جمعاء، فلم تبق هناك حاجة إلى شريعة أخرى إلى يوم القيامة، فلا ينبغي لهم الآن أن يغفلوا عن معارف
سورة القصص الجزء السابع هذا الكتاب ويتقاعسوا عن العمل به وإلا سيتسببون في انتشار الغي والضلال في الدنيا ويساعدون الكفار بأعمالهم.ذلك لأن المؤمن والكافر يسلكان طريقين مختلفين، حيث يخرج المؤمن ممسكًا بهذا الكتاب ويسعى لنشره، بينما يحاول الكافر محو هذا الكتاب والقضاء عليه.أما إذا ألقى المؤمن بهذا الكتاب وراء ظهره رغم ادعائه بالإيمان لأصبح مساعدًا للكافر.ولذلك يقول الله تعالى أيهـا المسلمون أمسكوا بهذا الكتاب بقوة دائمًا ولا تكونوا مساعدين للكفار في نواياهم الخبيثة، حيث يريدون محو اسم الله ورسوله من العالم بل ثابروا على نشر تعليمه دائما.ثم يوجه الله تعالى نصيحة أخرى للمسلمين فيقول: (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ الله بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ..أي لا شك أنه كتاب كامل ولا شريعة بعده، ولكن هــــذا لا يعني أن الآيات الإلهية أيضًا قد انقطع نزولها بعد القرآن الكريم، كلا بل سيستمر نزولها في كل زمن بأشكال مختلفة؛ فحينًا على شكل المجددين، وحينــا آخــــر بصورة المبعوثين، وحينًا ثالثًا على شكل المعجزات والآيات والتأييدات السماوية.فكلما نزلت عليكم آيات الله..أي كلما أرى الله تعالى وجهه في مرآة آياته المختلفة للنهوض بكم فلا يصدّنّكم شيء عن الإيمان بها.وهذا يماثل أمر النبي ﷺ للمسلمين بأنه إذا ظهر المسيح الموعود في الزمن الأخير وبلغ نداؤه آذانكم، فعليكم أن تلبوا نداءه فوراً، وسارعوا إليه ولو حبوا على الثلج.(ابن ماجة: كتاب الفتن، باب خروج المهدي) ثم يقول الله تعالى: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ..أي من واجبكم بعد الإيمان أن تشركوا الناس في هذه النعمة وتدعوهم للإيمان بهذا المبعوث الإلهي، وتقوموا بالدعوة والتبليغ على أوسع نطاق.ثم يقول الله تعالى: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)).وهذا الكلام أيـــضـا لـيـس موجها إلى النبي ﷺ بل إلى أمته، إذ لم يُشرك قبل النبوة ولا بعدها قط.إذًا، فالله تعالى قد حذر أمة النبي لا أن إنكار آيات الله تعالى والتقصير في الدعوة هو نوع من الشرك، إذ لا ينكر آيات الله تعالى إلا الذي يسيطر على ذهنه أنه لو أعلن إيمانه عارضه الناس كما لا يقصر في الدعوة إلا الذي يخاف معارضة
الجزء السابع ٦٥١ سورة القصص الناس وإيذاءهم؛ وكلا الأمرين نوع من الشرك؛ ولذلك يوصينا الله تعالى أن لا نكون من المشركين، بل نؤمن بآيات الله ،بشجاعة ثم نسعى لنشرها في العالم ببسالة، ونتطلع دائما إلى السماء غير خائفين من أهل الأرض لأن هذا أيضا نوع من الشرك الخفي.وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَيْهَا وَاخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِك إِلَّا وَجْهَهُ، لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٩ الله شيئا التفسير: لقد نصح الله تعالى هنا المسلمين بأمر آخر بأن لا يدعوا مع آخر باعتباره إلها إذ لا معبود سواه.لما كانت الآيات السابقة تنبه المسلمين إلى أهمية نشر الإسلام وكانت المسيحية هي الديانة التي ستتم المواجهة بينها وبين الإسلام بشدة ولفترة أطول، فقد ركز القرآن الكريم على تفنيد العقائد المسيحية الباطلة خاصة، ونبه المسلمين مرارا أن خصمهم الأكبر هو المسيحيون الذين يؤمنون بآلهة ثلاثة فمن واجبهم أن يتصدوا للمسيحية ولا يتخلوا عن وحدانية الله تعالى أبدا؛ إذ لا إله إلا الله، وإنه أحد في ذاته وغير منقسم، فلا يحتاج إلى ابن ولا إلى روح القدس.أتذكر أن الخليفة الأول لله كان مريضا ذات مرة وكنا جلوسا عنده، ففتح عينيه فجأة وقال: لقد عُلّمت حالاً معنى قول الله تعالى: لا إله إلا الله حيث قيل لي إن الله تعالى وحده مفرد، أما ما سواه من الأشياء فكلها مركبة؛ فنظرية أزلية الروح والمادة باطلة لأن الروح والمادة ليستا مفردتين بل كلتاهما مركبتان، ويستحيل قياس ذات البارئ تعالى عليهما ؛ ومن أجل ذلك فإن الله تعالى وحده أسمى من الفناء، إذ إن المفرد لا يفنى وإنما يأتي الفناء على الشيء المركب.لأن المراد من الفناء تفكك الأجزاء المركبة، والمفرد ليست له أجزاء، فلا إمكانية لتفككه أبدا.وهذا هو الدليل الذي يقدمه الله تعالى في الجزء التالي من الآية فيقول: كُلُّ
٦٥٢ الجزء السابع سورة القصص شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ..أي كل شيء بما فيه جميع الآلهة المزعومة هالك وهذا يدل على أن ليس ثمة شيء هو قائم بذاته بل هناك من يسانده على قيامه.وترد هذه الآية ضمنيًا على أصحاب عقيدة وحدة الوجود الذين يقولون ليس في الدنيا سوى الله تعالى، وكل ما نراه إنما هو تحل لله تعالى.فيرد الله على هؤلاء قائلا: ألم يروا أن كل ما هو مخلوق عرضة للفناء، ولو كان كل شيء هو الله تعالى لما رأينا تغيرا في أي شيء في الدنيا، فتغير الأشياء دليل على أنها ليست جزءا من الله تعالى، لأنه إذا كان بعض الشيء متغيرا فلا بد من التسليم كله.بتغير الشيء أما قوله تعالى : إلا وَجْهَهُ فبين فيه أنه لن ينجو من الفناء من توجَّهَ الله إليه.وقد أتى الله بهذا الاستثناء لأن البعض قد يخطئ فهم قوله تعالى: كُلِّ شَيْءٍ هَالِك فيظن أن الفناء سيشمل الجنة ،أيضًا، أو أن العلوم الروحانية التي أنزلها الله تعالى للدنيا في القرآن الكريم أيضًا ستتعرض للفناء، أو أن عباد الله المقربين أيضًا سيفنون للأبد، فدفعًا لهذا اللبس أضاف الله تعالى هنا قوله إلا وَجْهَهُ ليبين أن يد الفناء لن تنال بعض الأشياء، بل ستبقى محفوظة وهي التي تحظى بالعناية الإلهية.إن كـــل شيء سوى الله تعالى عرضة للفناء، ولا أحد من البشر في منجاة منــه إلا الذين يتفانون في حب وجه الله تعالى وينالون حياة جديدة.لا شك أنهم لن ينجوا مـــــن الموت المادي، لكن أرواحهم ستنال الخلود الأبدي، لأنها اتصلت بالله تعالى فصاروا أناسا ينعكس وجه الله تعالى في وجودهم.وذلك كما ورد في الحديث القدسي: لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أكون يده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولسانه الذي يتكلم به، ومن حاربه فإنما حارب الله تعالى، ومن أعزّه فإنما أعز الله تعالى (صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع).وهذه هـــي الروحانية التي قد أشار إليها المسيح الموعود ال في بيت شعر له بالأردية فقال: سر سے میرے پاؤں تک وہ یار مجھ میں ھے نہاں اے مرے بدخواه کرنا هوش کرکے مجھ په وار المكانة براهين أحمدية (أردو) الجزء الخامس، الخزائن الروحانية المجلد ٢١ ص ١٣٣)
الجزء السابع ٦٥٣ سورة القصص أي عندما ترونني تقولون في أنفسكم أنه مرزا غلام أحمد ولا بأس في شن الحرب عليه، مع أنكم لا تحاربون مرزا غلام أحمد بل تحاربون الله، لأن الله تعالى قد حل بكياني من أخمص قدمي إلى قمة رأسي؛ فحذار أن تهاجمني.كان الملوك في قديم الزمان يطلقون فحلاً ليرعى في البلاد بحرية مطلقة، وكان التعرض له بسوء يُعَدّ هجومًا على الملك.فكان الفحل يتجول ويرعى في البلاد حرا، و لم يكن أحد يتجاسر على التعرض له، ولو قتل الفحل في أرض قوم أغار عليهم الملك بجنوده.وبالمثل إن من عباد الله تعالى من يدخلون في أحبائه فيعتبر الهجوم عليهم هجوما عليه نور الدين بجواب ترك إسلام (أردو) ص ١٦٤).ومثاله قصة صالح اللي في القرآن الكريم، حيث حذر صالح قومه من التعرض لناقته وإلا سيحل بهم عذاب من عند الله تعالى.وكان صالح ال يقصد في الواقع أنه كما صار هو لله تعالى فقد صار الله له أيضًا، وأن الله تعالى كما لا يتجلى على الدنيا بغير صالح كذلك لا يستطيع صالح أداء واجب الدعوة إلى الله بدون ناقته، فمن قتلها فلا يقتلها في الواقع وإنما يريد منع صالح من الدعوة، ومن قتل صالحا فلا يقتله باعتباره شخصا كباقي البشر، بل لأن وجه الله تعالى يتجلى من خلاله على الدنيا؛ إذًا، فالذين هجموا على ناقة صالح اللي لم يهجموا عليها في حقيقة الأمر، وإنما هجموا عليه، ولذلك أنزل الله غضبه عليهم قائلاً: لقد قتلتم صالحا حين قتلتم ناقته، وإذا قتلتم صالحا فكأنما حاولتم قتلي.فالحق أن هؤلاء القوم الروحانيين كأنما يتحدون بوجود الله تعالى، ولذلك استثناهم الله تعالى هنا في قوله: (إلا وَجْهَهُ ، معتبرًا إياهم وارثين للحياة الخالدة.ومن معاني قوله تعالى: كل شَيْءٍ هَالِكُ إِلا وَجْهَهُ أن كل شيء فان إلا الذي الله دائما..أي الذي يحقق غاية خلقه.لقد ثبت من ذلك أن كل يتجلى فيه وجه ما في الكون يدل على وجود البارئ تعالى ويتراءى فيه وجهه.فبعض الأشياء تكشف رحمته، وبعضها تجلّي غضبه، وبعضها تُظهر ربوبيته، وبعضها حفظه، وبعضها قضاءه وقدره، وبعضها إنصافه.
٦٥٤ سورة القصص الجزء السابع ولو قيل: هل يتجلى وجه الله تعالى في الأشياء النجسة؟ فالجواب أن المراد من وجه الله تعالى ظهور صفاته إذ ليس الله تعالى وجه بالمعنى الحرفي.وأي شك في أن صفات الله تعالى تنكشف من خلال كل الأشياء، النجسة منها والطاهرة.لا شك أن الإنسان لا يقدر على أن يُظهر في وقت واحد إلا صفة واحدة أو بعضا من صفاته، ولكن الله تعالى يتجلى بجميع صفاته في وقت واحد من غضب ورحمة وما إلى ذلك.فلا غرابة في تجلي وجه الله تعالى بآثار وصفات مختلفة في وقت واحد.ثم يقول الله تعالى: لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ))..أي أين تذهبون معرضين عن الله تعالى مع أن الملك بيده وأنكم كلكم ماثلون أمامه بعد الموت.وبما أن كل الله شيء هالك سوى تعالى، وما دام المرء عرضة للفناء، ولن يبقى إلا الذي حظي بوجه الله ، وعنايته، وما دام الملك كله بيده تعالى ، فَلمَ يخاف الإنسان من المشركين؟ ولم لا يوطد صلته بالله الذي يهبه حياةً خالدة وراحةً أبدية بعد الموت؟
الجزء السابع سورة العنكبوت سورة العنكبوت وهي مع البسملة سبعون آية وسبعة ركوعات زمن نزولها: إن هذه السورة كلها مكية عند ابن عباس وابن الزبير والحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد.ويرى يحيى بن سلام أنها مكية إلا اثنتي عشرة آية من أوائلها فهي مدنية.ويرى قتادة أن هذه السورة مدنية.أما عليه فيرى أنها نزلت بين مكة والمدينة (فتح البيان، والبحر المحيط).وأما المستشرقون فإن "نولدكه" و "ويري" يعتبرانها مكية بيد أنهما يريان أن الآيات العشر الأوائل وكذلك الآية والعشرين منها مدنية.(تفسير القرآن لويري) الخامسة ول الله تعالى الترابط: قال الله تعالى عند نهاية سورة القصص وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلَّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ..أي يا أتباع محمد أمسكوا بوحدانية الله دائما وانشروها في العالم ولا تخافوا أن البلاد هي للمشركين الذين سيعادونكم، فإن كل شيء فان سوى الله تعالى، ولن يبقى إلا الذي شملته العناية الإلهية، فما الفائدة من خوفكم من المشركين؟ عليكم أن تقووا صلتكم الله تعالى وتبتغوا مرضاته.أما سورة العنكبوت فهي استمرار لنفس الموضوع، حيث بين للمسلمين أنكم محاصرون بين المشركين كاللسان بين الأسنان، ولكن اعلموا أن عظمة إيمان المرء إنما تنكشف حين يبلغ عداء المعادين ذروته.إذا كنتم تظنون أن طريقكم إلى النجاح مفروش بالورود فأنتم على خطأ.لا شك أنكم قد أقررتم بالإيمان بلسانكم، ولكن الله تعالى يريد أن يشهد عملكم على إيمانكم، وأن تسجلوا هذا الإقرار بدمائكم حتى يكون هذا شهادة عملية للأجيال القادمة إلى يوم القيامة.ولا تظنوا أن هذه التضحية قد طلبت منكم وحدكم، بل قد طالبنا بها الذين خلوا من قبلكم أيضًا، لأن من سنة الله تعالى أنه لا يعتبر قوما أهلاً لنعمه
سورة العنكبوت الجزء السابع لمجرد إقرارهم بالإيمان باللسان بل إنه تعالى يلقيهم في بوتقة الشدائد والاختبارات ويمررهم في المصائب المروعة لينكشف على الناس صدقهم أو كذبهم في إيمانهم، وليعرف الناس نوعية الإيمان الذي يحظى بالقبول عند الله تعالى.ملخص محتواها يقول الله تعالى أحسب الناس أن يتركهم الله تعالى لمجرد قولهم بأفواههم أنهم مؤمنون، وأنه لن يختبرهم حتى يكشف حقيقة إيمانهم للناس.(الآية ٣) وليعلم المؤمنون أن الله تعالى قد اختبر الذين كانوا قبلهم ولا بد أن يميز المؤمنين في هذا العصر ويكشف للعالم ما إذا كانوا صادقين في إيمانهم أم كاذبين.(الآية ٤) أيظن الذين يعملون السيئات أننا لن نعاقبهم أو أنهم سينجون من عقابنا بطريق أو بآخر؟ إنه لظن باطل.إنما السبيل للنجاة من عقابنا أن يتوب المرء ويعود إلينا.(الآية ٥) إن موعد لقاء الله آت حتمًا، ولكن على المرء أن يتذكر أنه إذا عمل الخير فلن ينفع إلا نفسه ولا فائدة فيه لله تعالى.فمن عمل صالحا فإنما يعمل لصالحه، ومن عمل سيئة فلن يضر بها إلا نفسه والله غني عن عمل الإنسان.(الآيتان ٦ -٧) بيد أن الله يفرّق بين السيئة والحسنة وقت الجزاء.إنه رحيم وكريم فيجزي على العمل الصالح أفضل الجزاء، كما أنه يستر على أخطاء المخطئين.(الآية ٨) لقد أمرنا الإنسان بالإحسان إلى والديه، ولكن لو أمراه بخلاف وحدانية الله تعالى فعليه ألا يطيعهما لأنه سيحاسب من قبل الله وليس من قبل والديه، فما هو خاص بالله تعالى فليفوضه إلى الله.(الآية ٩) أن ثم أخبر الله تعالى أن المؤمنين سينالون بعد الموت درجات علا، وسيدخلهم الله تعالى في زمرة الصالحين.(الآية ١٠) عاد الحديث هنا إلى موضوع الآية الأولى من هذه السورة حيث أخبر الله تعالى من الناس من إذا أوذي من قبل أهل الدنيا بسبب إيمانه اعتبر أذاهم كعذاب الله، فيرجع عن باب رحمة الله بعد أن يكون قد اقترب منه.على المؤمن أن لا يكون مثله، بل ينبغي أن يظل ثابتًا على الحق بقوة وشجاعة.ثم أخبر الله تعالى أن الجبن قد أفضى بأصحابه إلى النفاق، فإذا أصاب المسلمين
الجزء السابع نصر من ٦٥٧ سورة العنكبوت الله قالوا لهم إنا معكم.إن هؤلاء لا يفكرون أن الله هو الذي يجزي على الإيمان وليس محمد الله وأن الله يعلم ما في الصدور ولكن محمدًا لا يعلمه، فما الجدوى من ادعائهم بالإيمان وقت الراحة والرقى؟ كلا بل لا بد أن يختبر الله تعالى الناس ليميز المؤمنين من المنافقين، وليتحول علمه القديم إلى العلم الواقعي وليجزي الناس بحسب هذا العلم، فلا يبقى لأحد فرصة للاعتراض.(الآيتان ١١-١٢) ثم بين الله تعالى أن الكفر يصيب قلوب أصحابه بالصدأ، فيتكلمون بكلام غير معقول، حتى إنهم يقولون للناس لو اتبعتمونا لحملنا ذنوبكم، مع أن الجميع يعلم أمر مستحيل.الحق أنهم سيحملون حملهم وحملاً زائدا أيضًا؛ إذ خدعوا الناس وارتكبوا إنما زائدا.(الآيتان ١٣ - ١٤) بعد ذلك بدأ الحديث عن نوح الذي كان من أتباعه إبراهيم الذي كان من أتباعه.يقول الله تعالى إن نوحًا ظل يدعو الناس فترة طويلة ولكنهم لم يصدقوه حتى أهلكهم الله تعالى بطوفان، ونجى نوحًا وأصحابه وجعلهم آية للذين أتوا بعدهم.(الآيتان ١٥ – ١٦) منه أنه موسی ثم تحدث الله عن إبراهيم ال وأخبر أن الناس في زمنه لم يأخذوا العبرة من الله واقعة نوح الله، بل وقعوا في أعمال الشرك والوثنية، فقال لهم إبراهيم اعبدوا واتقوه، واعلموا أن العمل بنصحي خير لكم إن كنتم تعلمون إنكم تتركون الله تعالى وتعبدون الأصنام مفترين على الله تعالى بشأنها، ولا تتفكرون في أن آلهتكم لا تمدكم بالرزق الذي تحتاجون إليه لاستمرار حياتكم، إنما يرزقكم الله الذي ينزل الماء من السماء، ويُخرج الغلال من الأرض، فتوجهوا إلى الله الذي يرزقكم واعبدوه وحده، لأنكم سترجعون إليه في نهاية المطاف.وإذا لم تعملوا بأحكامه فتعلمون أن الأمم السابقة أيضًا قد أشركت بالله فكيف كان مآلهم؟ إنما أنا رسول وليس علي إلا البلاغ وليست مهمتي إكراه الناس على الإيمان قسراً.(۱۷ - ۱۹) ثم بين الله تعالى أن الكافرين لا يتفكرون في أنه حتى النظام الذي يقيمه الله تعالى في الدنيا هو أيضا يتغير بعد فترة من الزمن بسبب تغير الناس، فكيف يظنون أن نظامهم الذي يفرضون على الناس قهرا سيدوم؟ فما الفائدة إذن من أن يفرضوا
الجزء السابع чол سورة العنكبوت على الناس عقيدة لا بد أن تتغير في يوم من الأيام.(الآيتان ٢٠-٢١) ثم بين الله الا الله أن عذابه لا ينزل إلا على القوم الذين يستوجبونه بحسب مشيئة الله، وأن رحمته أيضًا لا تنزل إلا على الذين يستحقونها بحسب مشيئته تعالى.(الآية (٢٢) ثم بين الله تعالى أن البشر لا يستطيعون مقاومة مشيئة الله تعالى، فإذا أراد أن يرفع قومًا فلا بد أن ينالوا الرفعة، وإذا أراد أن يضع قومًا فلا بد لهم من السقوط.(الآية ٢٣) ثم بين الله تعالى أن أكبر سبب وراء إنكار الناس لآيات الله ولقائه هو قنوطهم من رحمة الله وهذا القنوط نفسه يشجعهم على ارتكاب معاص كبيرة.فمثلاً لما نصح إبراهيم ال أهل عصره بالتوجه إلى الله تعالى والوصال به عمل قالوا اقتلوه أو حرقوه، ذلك لأنهم كانوا قد أصبحوا متجاسرين على المعاصي جراء قنوطهم من لقاء الله تعالى، ولكن الله تعالى نجى إبراهيم من الناس بمعجزة.(٢٤-٢٥) ثم بين الله تعالى أن العقيدة الوثنية لا تستند إلى دليل، وإنما يعبد هؤلاء الأصنام ليجمعوا أهل عقيدتهم على مركز واحد ويؤسسوا حزبًا موحدا، ولكن مثل هذه الصلات والصداقات تبقى محصورة في نطاق الحياة الدنيا، إذ يلعن بعضهم بعضا في الآخرة، كما لن تنصرهم آلهتهم شيئًا.(الآية ٢٦) ثم بين الله تعالى أن لوطًا كان من أتباع إبراهيم.وكان قوم إبراهيم يعادونه عداء الله شديدا، فأعلن أنه سيهاجر من بلدهم.وحيث إنه ترك وطنه وأقاربه لوجه تعالى، فتقبل الله إخلاصه ووهب له إسحق ويعقوب وجعلهما نبيين، وليس ذلك فحسب بل قرر بعثة محمد رسول الله ﷺ من ذريته؛ وهكذا أعطاه الله في الدنيا أجرا عظيمًا وسيعطيه في الآخرة أيضًا الدرجات العلى (الآيتان ۲۷ - ۲۸) ثم تحدث الله تعالى عن لوط ال الذي كان رسولاً إلى قوم كانوا يأتون أفعالاً شنيعة تتنافى مع الفطرة الإنسانية، وكانوا يقطعون الطريق ولا يتورعون عن ارتكاب الفواحش في الأماكن العامة.فلما نصحهم لوط قالوا ائتنا بالعذاب الذي تخوفنا منه إن كنت من الصادقين فدعا لوط ربه وقال رب انصرني على القوم
الجزء السابع المفسدين.(الآيات ۲۹ - ۳۱) ٦٥٩ سورة العنكبوت منطقته بخبر فاستجاب الله دعاءه وقرّر هلاك قومه وأرسل بعض الصالحين من عذابهم.فجاء هؤلاء إلى إبراهيم أوّلاً فبشروه بولادة إسحاق ويعقوب عنده، ثم أخبروه بأن الله يريد إنزال عذابه على قوم لوط.فحزن إبراهيم بالخبر وقال إن لوطًا مقيم في قريتهم وهو من عباد الله الأخيار.فقالوا سينجو لوط وجميع أقاربه من العذاب إلا زوجته التي حكم الله بعذابها.(الآيتان ۳۲ -۳۳) ثم جاء هؤلاء الصلحاء إلى لوط.وكان قومه قد نهوه بشدة عن الاتصال بالأجانب واستضافتهم وإقامتهم عنده فضاق ذرعا بمجيء هؤلاء الناس خوفا من مضايقة قومه، ولكن هؤلاء الصلحاء هدؤوا من روعه وقالوا لا حاجة للقلق، فإن الله تعالى قد قرر إهلاك قومه، فجاء العذاب وهلك القوم، فصاروا عبرة لمن بعدهم.(الآيتان ٣٤-٣٥) ثم أرسلنا شعيبا إلى قوم مدين، ولكنهم اتبعوا سبيل قوم لوط وكفروا بنبيهم، فأخذهم عذاب مخيف ارتجفت منه القلوب.ثم هلكت عاد وثمود، ودمر قارون وفرعون وهامان لمعارضتهم موسى و لم يهلك أي من هذه الأقوام إلا من جراء معاصيهم، ولم يظلمهم الله شيئا.(الآيات ٣٦-٤١) ثم بين الله تعالى أن المشركين يعتبرون آلهتهم الباطلة ملاذا لهم، ولكن ملاذهم هذا أضعف من بيت العنكبوت وسيمزّق كل ممزق.ليتهم يعلمون هذه الحقيقة.(الآية ٤٢) إن الله يعلم الذين يتآمر معهم المشركون ويستعينون بهم لإلحاق الضرر بالإسلام، ولكنهم لن ينجحوا في مكائدهم لأن الله غالب حكيم.(الآية ٤٣) لقد بينا هذه الأحداث والأمثال ليتعظ بها الناس وما يتذكر إلا الذين يخشون الله.(الآية ٤٤) كان حريًّا بهم أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض فيعلموا أن الله تعالى قد خلقها لغاية عظمى.وإن في خلقها آية عظيمة للمؤمنين..أي أنهم يعلمون أن السماوات والأرض كما هي ضرورية في العالم المادي كذلك لا بد من الوحي مع
الجزء السابع ٦٦٠ سورة العنكبوت العقل في العالم الروحاني.(الآية (٤٥) يا محمد إنما السبيل لإصلاح الناس أن تقرأ عليهم القرآن الكريم، وتعمل على إقامة الصلاة جماعةً في العالم، فإن هذا سيقضي على المساوئ والمنكرات كلها، بل إن من أكبر منافعه أنه سيتيح للناس فرصة ذكر الله الذي هو بحد ذاته أعظم المقاصد.وإذا جادلتم أهل الكتاب فجادلوهم على ضوء الأدلة القرآنية لا جزافا من أنفسكم.أما الأشرار الظالمون منهم فيجوز لكم الرد عليهم بما يسكتهم ويبكتهم.عليكم أن تذكروا أهل الكتاب بأن لا جدوى من الجدال فيما بيننا، فإنكم موحدون ونحن أيضا موحدون تعالوا نتحد ونعمل على نشر وحدانية الله ومحو الوثنية من العالم.(الآيتان ٤٦-٤٧) ثم قال الله تعالى لنبيه لقد نزل عليك القرآن الكريم الآن كما نزلت التوراة على موسى من قبل، وإن المسلمين يؤمنون بصدق ،القرآن، بل إن السعداء من اليهود أيضًا يؤمنون به ولكن الذين يصرون على كفران النعمة يكفرون بما ورد في القرآن من قضايا وأحكام زاعمين أنه يعيد قصص التوراة والإنجيل.والحق أن محمدًا لم يكن يتلو أي صحيفة سماوية قبل نزول القرآن، بل لم يكن قادرا على نسخها، فكيف يقال أنه ينقل أساطير الأولين؟ إنها ليست أساطير بل هي آيات بينات والدليل على ذلك أن الذين قد أوتوا علم القرآن تزخر صدورهم بالمعارف والعلوم.ولكن الظالمين يصرون على الإنكار ويقولون لم لم تنزل على محمد آيات من عليهم بأنكم لا تعنون من الآيات إلا نزول العذاب في الواقع، فاعلموا أن الله تعالى سينزل العذاب حتمًا.ولكن ألا يكفيهم آيةً أنه قد أنزل عليك كتابا كاملا فيه حلّ شامل لجميع العيوب والمفاسد، ورسالة رحمة لشعوب العالم كلها وموعظة كبيرة للمؤمنين؟ (الآيات ٤٨-٥٢) السماء؟ فيرد الله فإذا لم يقتنعوا بهذا الدليل فقل لهم أفوض الأمر إلى الله تعالى الآن، فإنه يعلم أسرار السماوات والأرض.من المحال أن يفشل الصادق وينجح الكاذب.لن يحيط الهلاك إلا بالذين يؤمنون بالأكاذيب ويكفرون بالله ورسله.(الآية ٥٣) إنهم يريدون أن تتحقق أنباء هلاكهم التي تلقيتها فوراً، ولكن الله بطيء في غضبه
٦٦١ سورة العنكبوت الجزء السابع ويريد أن يمهلهم قليلاً.وليعلموا أن العذاب كلما أتاهم في الدنيا فسيأتيهم بغتة.ثم هناك عذاب آخر سيصيب الذين يكفرون بالإسلام جميعًا ويحيطهم من فوقهم ومن تحتهم، فلن ينفع الزعماء جماهيرهم ولا الجماهير زعماءهم، فيقال لهم ذوقوا الآن ما كنتم تعملون الآيات ٥٤ - ٥٦) أيها المؤمنون إذا كان الكافرون يضطهدونكم فاخرجوا إلى بلاد أخرى، وأقيموا عبادتي في الدنيا، ولا تخافوا أنكم إذا خرجتم من وطنكم سيصيبكم الموت، إذ لا مناص لأحد من الموت واعلموا أنكم لو متم في سبيل الله فسترجعون إليه في نهاية المطاف، فيعطيكم أفضل جزاء، ويُسكنكم في مساكن عالية تجري من تحتها الأنهار.(الآيات ٥٧-٥٩) ثم أوضح الله تعالى أنه لا بد من الصبر والتوكل في هذا السبيل، فلا تظنوا أنكم إذا نذرتم حياتكم في سبيل الله تعالى فلن تجدوا ما تأكلون؛ ألا ترون أن الدواب لا تحمل معها ،رزقها ومع ذلك يرزقها الله ويسدّ حاجاتها ليلا ونهارًا؟ فاعلموا أنكم لو صرتم الله تعالى لرزقكم، لأنه يستجيب الدعاء ويعلم أحوال عباده جيدا.(الآيتان (٦٠ - ٦١ وإذا خرجتم في الأرض لنشر وحدانية الله تعالى فاسألوا الوثنيين أثناء الجدال : من الذي خلق السماوات والأرض؟ ومن الذي سخر الشمس والقمر لخدمة الناس بدون أجرة؟ أهذا فعلُ بعض آلهتكم المزعومة؟ فلن يكون جوابهم إلا أن يقولوا إن كل هذا من خلق الله وفعله.فانظروا كيف يؤفكون بعد هذا الاعتراض أيضًا.إن ظاهرة بسط الرزق وضيقه أيضًا تابعة لناموس وضعه الله تعالى، ولا دخل فيها لغيره، فهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويضيقه على من يشاء.وإن في ضيق الرزق وبسطه حكمًا عظيمة جعلها الرب العليم.(الآيتان ٦٢ - ٦٣) ثم اسألوا هؤلاء الوثنيين من الذي أنزل من السماء ماء وأحيا به الأرض بعد موتها؟ هل يقدر على ذلك أحد من آلهتكم؟ فلن يكون جوابهم إلا أن يقولوا إن هذا من فعل الله تعالى وحده فقل: قد ثبت من هنا أن الله هو صاحب الحمد كله.وما دام الحمد كله الله تعالى فمن أين أتيتم بالآلهة الباطلة التي تتحدثون عنها.(الآية
الجزء السابع (٦٤ ٦٦٢ سورة العنكبوت لقد تمت الحجة عليهم من الناحية العلمية، ولكنهم مصرون على عقائدهم الخاطئة، وذلك لأن الإيمان بالله وحده يتطلب منهم ترك الدنيا وهم لا يريدون تركها الحق أن الحياة الدنيا ليست إلا لهوا ،ولعبًا، وإنما الحياة الحقيقية في الآخرة.فترى أنهم إذا كانوا في سفينة يحيط بها الطوفان ينسون آلهتهم كلها، ويدعون الله تعالى بحرقة وبكاء مخلصين له الدين وعندما تصل السفينة إلى بر الأمان يكفرون بنعمة الله.ولكن سيأتي يوم حتما يرون فيه بأم أعينهم جزاء أعمالهم ويدركون أنهم قد ارتكبوا خطأ فادحا بإنكار وحدانية الله.(الآيات ٦٥-٦٧) ألم يروا أننا جعلنا مكة قرية آمنة لا يتعرض لأهلها أحد بسوء، بينما يكثر القتل وسفك الدماء والفساد في المناطق حولها.فلم يرغبون في الباطل رغم رؤية هذه المنة الإلهية العظيمة ويكفرون بنعمة الله التي أعطاهم في شكل محمد ؟ عليهم أن يعلموا أن أكبر الظالمين في الدنيا شخصان: الأول من يفتري على الله، والثاني من يُكذِّب رسولاً يبعثه الله تعالى، ومن المحال أن يفلح أي من الشخصين أبدا.أما الذين يرغبون في قربنا ويسعون لذلك سعيًا حثيثا بالتضحية والإيثار فسنزيدهم في قربنا الذي لا نهاية له حتى يدخلوا في كنفنا.وهكذا سنعامل المؤمنين الآن أيضًا، فيتشرف المحسنون بقرب الله ،ومعيّته، وسيظل الكافرون يحترقون في نيران خيبة الأمل.(الآيات ٦٨-٧٠)
الجزء السابع ٦٦٣ سورة العنكبوت مِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ المَن أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا وَامَنَّا وَهُمْ لَا صلے يُتَنُونَ (3) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَذِبِينَ (٤) التفسير: لقد قلنا من قبل لدى تفسير سورة البقرة أن الم) هي من الحروف المقطعة، حيث إن الألف اختزال لـ "أنا"، واللام لـ "الله" والميم لـ "أعلم"، والمعنى "أنا الله أعلم".وقد بينا من قبل أيضا أن حروف المقطعات تومئ في الواقع إلى مضمون السورة التي تستهل بها، حيث قال الله تعالى بعد الم في هذه السورة: أَحَسبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ.وتبدو هذه الآية متعارضة مع مفهوم الم حيث يقول الله فيها إن الإيمان باللسان وحده لا يكفي ولذا لا بد أن نلقي المؤمنين في صنوف الاختبار لنعلم حقيقة إيمانهم؛ وكأن الله تعالى بحاجة لاختبار الناس حتى يعلم حقيقة إيمانهم بشكل صحيح.ولكن التدبر يكشف لنا أنه ليس ثمة تعارض في الواقع، ذلك لأنه برغم أن الله تعالى أعلم من الجميع، إلا أنه لا يوقن بهذه الحقيقة الكافر ولا المؤمن الضعيف.وسبب أن الله تعالى وراء الوراء وأن علمه أيضًا وراء الوراء، فلا يوقن الناس بكونه تعالى هو الأعلم إلا إذا كانت هناك آثار ظاهرة دالة على ذلك.وهذا ما تؤكده هذه الآية حيث أخبر الله تعالى أننا نعلم كل شيء بلا ريب، ولكن نريد أن يعلم الناس أيضًا من يؤمن ومن لا يؤمن في الواقع؛ لذلك لا نرضى بادعاء المرء بالإيمان بلسانه بل نختبره مرة بعد أخرى حتى يعلم الجميع أن هؤلاء المؤمنين الذين اختارهم تعالى هم مؤمنون حقا.ذلك هو الله ثم يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
الجزء السابع ٦٦٤ سورة العنكبوت وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).أي لم نبدأ اختبار إيمان الناس اليوم، بل ما زلنا نلقيهم منذ قديم الزمان في شتى الابتلاءات، لأننا نريد أن نكشف حقيقة إيمانهم للآخرين.واعلم أن الله تعالى قد قال هنا : فَلَيَعْلَمَنَّ، ومعناه الحرفي أن الله تعالى سيعلم المؤمن من المنافق من خلال اختبار الناس وهنا ينشأ السؤال: إن علم الله أزلى ويعلم كل حدث سواء ما وقع في زمن آدم أو سيقع إلى يوم القيامة، فكيف قيل هنا إن الله تعالى سيعلم من المؤمن ومن المنافق من خلال اختبار الناس؟ فالجواب أن علم الله نوعان: علمه بالحادث قبل وقوعه وعلمه به بعد وقوعه.ولا شك أنه يعلم الحادث قبل وقوعه، ولكن لو عوقب المجرم أو كوفئ المحسن بناء على هذا العلم الإلهي فلن يطمئن أي منهما بهذا العقاب أو الجزاء بل سيظل يشك في ذلك.أما بعد وقوع الشيء فلا يسع أحدًا إنكاره، ولا يجد بدا من الإقرار بصحة عقابه وجزائه.فالمراد من قوله تعالى: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أنه سيبدّل علمه الأزلي في العلم الواقعي..أي سيمرر المؤمنين بظروف تكشف عليهم وعلى زملائهم أنهم صادقون في الإيمان ولن يدع الكافرين ليقولوا أن هؤلاء قد نالوا ذلك الجزاء بدون جدارة.إذًا، فقوله تعالى: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ يعني في الحقيقة ليكشفنَّ..أي يبدل الله علمه الأزلي إلى العلم الواقعي بكشف صدق المؤمنين الصادقين حيث يظلون ثابتين في الاختبار ؛ ذلك لأن الله تعالى يعلم بعلمه الأزلي أن هذا واقع لا محالة، ولكن عباده لا يعلمون ذلك إلا عند وقوعه.فمثلاً إن الله يعلم منذ الأزل أن زيدًا سيموت في شهر كذا ويوم كذا، ولكن الناس لا يعلمون ذلك، كما لا يطمئنون به بناء على علم الله الأزلي الخفي فقط؛ ولكنه تعالى عندما يكشف علمه الأزلي في شكل الواقع ويموت زيد في الموعد المحدد يوقن الناس أنه قد مات فعلاً.وهذا ما أكده الله تعالى هنا بقوله: فَلَيَعْلَمَنَّ الله، فبين أنه يعلم منذ الأزل من المؤمن ومَن المنافق، ولكن الناس لا يعلمون ذلك، ويظلون في شك إلى أن يتحول ما هو في علم الله الأزلي إلى الأمر الواقع.فيلقي الله تعالى المؤمنين في أنواع الاختبار، فالذين يثبتون على إيمانهم يوقن الناس بأنهم مؤمنون صادقون، أما الذين تزل قدمهم أثناء الاختبار فيتحول ما هو في علم الله الأزلي
سورة العنكبوت الجزء السابع بأنهم كاذبون في دعوى الإيمان إلى الأمر الواقع فيوقن الناس بضعف إيمانهم؛ فلا يبقى هناك مجال للاعتراض على معاملة الله مع العباد.لقد بين الله تعالى في هذه الآيات قاعدة كلية وهي أن دعوى الإيمان والاختبار به أمران متلازمان إذ من المستحيل أن يُعَدّ المؤمنون كاملين في إيمانهم بادعائهم بدون أن يُلقوا في بوتقة الاختبار والمحن.لم يحدث هذا قط ولن يحدث أبدا.إن الذين آمنوا بالدين الحق في أي زمن لم تُفتح عليهم أبواب الراحة واليسر فورا، بل حرموا مما في أيديهم في أول الأمر؛ فإذا كانت لهم بيوت طينية لم يحصلوا على القصور الفخمة نتيجة الإيمان، بل حُرموا من بيوتهم الطينية أيضًا؛ وإذا كانوا معززين في قومهم فلم يزدادوا عزا و لم يصبحوا حكامًا وملوكا بسبب قبول الدين الحق، بل تخلوا عن عزتهم أيضًا؛ وإذا كانوا من أهل الثراء فلم يزدادوا ثراء نتيجة الإيمان، بل حرموا من أموالهم؛ وإذا كانوا يتمتعون بالنفوذ والعلاقات، فلم يزدادوا نفوذا نتيجة قبول الدين الحق، بل انقطعت علاقاتهم السابقة أيضا.وباختصار فقدوا نتيجة الإيمان ما كانوا يتمتعون به من راحة ويسر وعز ومال وقوة ونفوذ، وتعرضوا للأذى والتعذيب حتى تركوا أوطانهم لوجه الله تعالى بدلاً من أن ينالوا راحة فور إيمانهم.كان إبراهيم ال يسكن ،العراق، ولكنه اضطر لترك وطنه إلى فلسطين نتيجة المعارضة.ولما بعث نوح الاضطر لترك وطنه أيضا.ولما جاء موسى ال اضطر لمغادرة دياره.وعندما جاء عيسى ال علقوه على الصليب وبعد أن نجا من = لا الموت على الصليب هاجر إلى كشمير بحسب عقيدتنا، وصعد إلى السماء بحسب غيرنا من المسلمين.ثم تعرضت جماعته للاضطهاد الشديد، فهاجروا إلى جزيرة قبرص، ولما اضطهدوا هناك ذهبوا إلى روما، ثم هربوا من هناك إلى مصر، ولما صُب عليهم الظلم في مصر عادوا إلى روما مرة أخرى ثم تعرضوا للمظالم في روما فغادروها إلى صقلية؛ وهكذا ظلت جماعته تغير مركزها من مكان إلى مكان طيلة ثلاثة قرون.كذلك تعرّض بنو إسرائيل عند هجوم "نبوخذ نصر" البابلي لدمار شديد، فخُرّبت جميع أماكنهم المقدسة، وهدم ،معبدهم، ودمرت مدنهم وأحرقت، وأصبحت فلسطين والشام خرابا، وأسر القوم كلهم وأُخذوا عبيدا ولم يبق أحد
الجزء السابع ។។។ سورة العنكبوت ذلك ظل ومع منهم حراً، وتم جلاؤهم من بلادهم كم كان هذا الابتلاء شديدا، هؤلاء مجتهدين مثابرين؛ وقد ذكر القرآن الكريم هذا الحادث أيضا (سورة أنى يحيي البقرة : ٢٦٠) حيث بين أن نبيا منهم مر على قرية وهى خاوية على عروشها فقال الله هذه بعد موتها، فكشف الله تعالى في رؤيا كشف أحداث مئة السنة القادمة وأخبره أنه تعالى سيعيد عمرانها بعد مئة سنة.ثم قال الله تعالى له: انظُرْ إلى حمارك الذي لا يزال حيًا وطعامك الذي لم يفسد، وذلك لكي لا يظن أنه ظل نائما مئة سنة فعلاً ويدرك أن ما رآه هو مجرد مشهد من مشاهد الكشف.ثم بعد مئة سنة تماما وقع ما أخبره الله تعالى به في الرؤيا حيث شن ملك فارس وميديا – و اسمه "قورش Siros" - الهجوم على بابل وحيث كان صعبا عليه الوصول إلى القلاع الموجودة داخل المملكة البابلية بعث إلى اليهود أن يساعدوه من الداخل.فسمح لهم أنبياؤهم بمساعدة الملك الفارسي، وقد ذكر الله تعالى هذا الحادث أيضًا في القرآن الكريم حيث بين أن اليهود أسسوا في ذلك الزمن منظمات سرية بإذن أنبيائهم لم يكن أعضاؤها إلا الذكور (انظر سورة البقرة: ١٠٣).فلما شن الملك الفارسي الهجوم على بابل ثار اليهود من الداخل، فانتصر الملك الفارسي بمساعدتهم.فسمح لليهود بالعودة إلى بلادهم وإعادة بناء معابدهم وأماكنهم المقدسة، بل أعلن مساعدتهم بالمال من الخزينة الحكومية لبناء معابدهم (The Historian History of the world مجلد ٢ ص ١٢٦).وهذا هو نفس الحادث الذي يتحدث عنه الجزء الثاني من الآية القرآنية: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾ (البقرة: ١٠٣).بينما بين الله تعالى في الجزء الأول منها أن اليهود يقومون الآن بأعمال سرية ضد محمد منهم أنهم سينجحون في القضاء على محمد ﷺ بالتآمر مع كسرى إيران كما قضوا على مملكة نينوى البابلية من قبل بالتآمر مع الملك الفارسي لقد شكلوا المنظمات السرية مرتين مرة في عهد سليمان ، ومرة أخرى في زمن النبيين حجي أو زكريا وقد أوضح الله لهم أنهم قد أقاموا المنظمات السرية أول مرة ضد أحد أنبياء الله تعالى، أما في المرة الثانية فأقاموها بمساعدة اثنين من أنبيائهم وهما هاروت وماروت علما أن هاروت وماروت صفتان للنبيين اللذين أمرهما الله ظنا -
٦٦٧ سورة العنكبوت الجزء السابع تعالى في زمن السبي بأن يأخذوا بني إسرائيل إلى أرضهم.ولفظ هاروت مشتق من هرت ومعناه شَقَّ، ولفظ ماروت مشتق من مرت ومعناه مزق وكسر (تاج العروس)، وقد سُمّيا بهذين الاسمين لأن الله تعالى قد عهد إليهما شقّ الحكومة البابلية وتمزيق القوى الطاغوتية - فالله تعالى قد حذر اليهود بهذين المثالين أنهم عندما قاموا لمحاربة ني هزموا وعندما ثاروا بمساعدة بعض أنبيائهم نجحوا في خططهم السرية، فليفكروا الآن ما إذا كان ضدهم أو معهم في هذه المرة؟ فإذا كان ني الله ني الله ضدهم فليعلموا أن دسائسهم تشبه دسائسهم التي قاموا بها ضد سليمان العلة، وإذا الله فلا جرم كان نبي معهم أن أعمالهم تشبه ما فعلوه في زمن هاروت وماروت حين حمل قورش على المملكة البابلية.وبما أنهم يحاربون نبي الله هذه المرة فليعلموا أنهم سيلقون نفس المصير الذي لقوه في عهد سليمان العلة.وهذا ما حدث بالضبط، حيث دمر اليهود بسبب عدائهم للنبي ﷺ تدميرًا.باختصار قد حل ببني إسرائيل في ذلك الوقت دمار شديد حتى قال أنبياؤهم كيف يحيى الله أُمّتهم ثانية كما ورد عن النبي حزقيال.فأخبره الله تعالى أنه سيحييها ثانية بعد مئة سنة.إذًا، إن جماعات الأنبياء تمر بظروف صعبة جدًّا مما يدل على صدق إيمانها وجودة معدنها.فقد مر صحابة الرسول أيضًا بالمحن الشديدة جدا سنوات عديدة.فذات مرة بعث النبي ﷺ عشرة من أصحابه إلى بعض القبائل، ولكن أهلها غدروا وهجموا على الصحابة، فلاذوا بجبل وصعدوا عليه، ولما رأى الكافرون أن هؤلاء سيحاربونهم حتى الموت حلفوا لهم بالله أنهم لن يتعرضوا لهم بأذى إذا نزلوا.ولكن أمير وفد المسلمين قال لأصحابه إني لا أثق بهؤلاء الكذابين المخادعين ولا اعتبار لأيمانهم، فلم يزل يقاتلهم حتى استشهد، أما باقي المسلمين فنزلوا من الجبل منخدعين بأيمانهم ووعودهم وما إن نزلوا حتى أو ثقوهم بالحبال وأخذوا يجرونهم، فحاولوا مقاومتهم ولكن بدون جدوى.فقتلهم الكافرون إلا اثنين منهم حيث باعوهما في مكة إلى بعض القوم الذين قُتل أقاربهم في حرب بأيدي المسلمين.ولما أراد أهل مكة قتل أحد منهما قالوا له: ألا تحب أن يكون محمد مكانك وتكون
٦٦٨ الجزء السابع سورة العنكبوت جالسا مطمئنا بين أهلك وأولادك؟ فقال لهم: "والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي." (البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، والسيرة النبوية لابن هشام: ذكر يوم الرجيع في سنة ثلاث) وإحدى المرات جاء رئيس قبيلة إلى النبي ﷺ وقال إن قومي يريدون اعتناق الإسلام، فابعث معي بعضا من أصحابك لتعليمهم.وكان الرئيس صادقا في قوله وقد آمن فيما بعد، ولكن قومه غدروا بالمسلمين.لقد بعث النبي إليهم سبعين من حفظة القرآن الكريم بينهم عبد لأبي بكر كان رافق النبي ﷺ في الهجرة.فلما أتوا ديار القبيلة أبلغوا ابن أخي رئيسها بمجيئهم.فدعا أمير الوفد المسلم وأخذ يحدثه، ثم أومأ إلى شخص فطعن الصحابي في عنقه بالرمح فسقط في مكانه وهو يهتف كما ورد في التاريخ: "فُزت ورب الكعبة".ثم حملوا على باقي الصحابة حملة رجل واحد وكان طبيعيًا أن يُستشهد الجميع حيث حمل عليهم آلاف الناس.ولكن لم يستسلم أحد من الصحابة السلاح، بل ظل يسقط الواحد تلو الآخر صريعًا، وكلما أصيب أحد منهم بطعنة خنجر أو ضربة سيف رفع الهتاف نفسه: "فُزت ورب الكعبة".ويقول رجل من تلك القبيلة أنه كان لا يعرف عن الإسلام شيئا، وكان في سفر، فلما رجع وجد قومه في قتال مع هؤلاء المسلمين، فانضم إلى صفوف قومه ويضيف هذا قائلا والشيء الغريب الذي لاحظت في المسلمين أن كل واحد منهم كان يموت وهو يهتف: "فُزت ورب الكعبة" بدلاً من الصراخ والعويل! فكنت أقول في نفسي : متى كان الموت فوزًا حتى يهتف هؤلاء: "فُرْتُ ورب الكعبة ؟ فسألت البعض عن ذلك، فقال: إنك لا تعرف المسلمين، إنهم مجانين إذ يرون أن من يقتل في سبيل الله تعالى يفوز فوزاً عظيمًا.وكان في قلب الرجل خير، فقال في نفسه لا بد أن هناك سببًا وراء هذا القول، فبدأ يبحث في الإسلام حتى آمن بالنبي ﷺ (البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع) وباختصار، قتل هؤلاء الحفاظ كلهم الواحد تلو الآخر ورأوا فوزهم كله في الموت.الأمر الذي جعلهم غالبين على العالم في فترة وجيزة جدا بحيث لم يسبق لهم مثيل في الشعوب كلها.
٦٦٩ سورة العنكبوت مر الجزء السابع ثم تلاحظ أن هذه المحن والمصائب لم تنته بسرعة بل استمرت مدة طويلة.فعندما قامت الخلافة استشهد عمر ثم عثمان ثم علي – رضوان الله عليهم أجمعين.بينما استشهدت عائلة النبي ﷺ كلها تقريبا في ميدان كربلاء.فمن الخطأ الظن أن الاختبارات تكون في البداية فقط وتنتهي في زمن الغلبة والرقي.الواقع أن ازدهار جماعات الأنبياء وظاهرة الابتلاء أمران متلازمان لا ينفصلان.فتقع المحن في الفترة الأولى كما تقع عندما تكون الغلبة في ذروتها، وهكذا تستمر سلسلة الاختبار من البداية إلى النهاية تحل المحن عندما يكون النبي فردًا واحدًا لم يؤمن به إلا شخص أو شخصان، كما تأتي المحن عندما تبلغ جماعته ذروة رقيها وازدهارها.لقد النبي بالمحن والمصاعب في أول يوم من دعوته وقد تعرض هو والمؤمنون لأنواع الاختبار ، ثم لما جاء زمن الغلبة والرقي لم تنقطع هذه المحن والبلايا بل استمرت لم النبي في يوم من ايام حياته مطمئنا بأنه قد تجاوز العقبات كلها، وأن جميع المشاكل التي تتعلق برقي المسلمين قد زالت كما لم يخطر هذا ببال أبي بكر ولا ولا عثمان قط، ويجب ألا تخطر هذه الفكرة ببال جماعتنا أبدا.إن الاختبارات منوطة بالجماعات الإلهية، ولا يمكن أن تزدهر أي جماعة روحانية بدونها.لقد بين الله تعالى نوعية هذه التضحيات في آية أخرى فقال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة: ١٥٦).ويعني قوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) : أيها الرسول بشر الذين لا يحيدون عن طريقهم عند الاختبار ويضحون في سبيل دينهم بشجاعة بأن الله تعالى يعدهم النجاح في هدفهم.ينم عمر باختصار من المحال أن يحيا قوم ما لم يقبلوا الموت لأن الحياة لا تنال بدون الموت.فكما أن النبات لا يخرج من البذرة ما لم تُدفن في التراب، ولا يولد المولود ما لم يمكث في ظلمات رحم أمه، كذلك لا يمكن أن يزدهر قوم ما لم يقبلوا الموت.لقد استُشهد بعض أفراد جماعتنا في كابول، واضطر بعضهم لترك أوطانهم، وكل واحد منهم تعرض لنوع من العذاب وأقله تخويف الناس إياهم بفتاوى التكفير، ولكنهم لم يُخفوا الحق.
الجزء السابع ٦٧٠ سورة العنكبوت إذًا، فمن سنة الله المستمرة أن يلقي عباده في نيران الاختبار أولا، ثم يشرفهم بقربه.إن الجبناء والمنافقين هم الذين يخافون عند حلول الخطوب، إذ صرح القرآن الكريم في بداية سورة البقرة أن من علامات المنافقين أنهم إذا ما رأوا مصيبة قاموا، وإذا زالت مشوا، أما المؤمن فيزداد إيمانًا وقوة عند الشدائد (البقرة:٢١).يخبر الله تعالى في القرآن الكريم أن المسلمين عندما قيل لهم عند غزوة الأحزاب إن الناس قد اجتمعوا لحربكم قالوا: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ (الأحزاب: ٢٣)..أي هذا هو الجيش الذي وعد الله ورسوله ،به فكيف يمكن أن يتزعزع إيماننا، فازدادوا إيمانًا على إيمانهم.فعلى المؤمنين أن يدركوا عند حلول الخطوب أن الله تعالى يريد أن يرفع بها مكانتهم.كل نفس ذائقة الموت، ويقول الله تعالى لنا: هناك موت طبيعي، وموت آخر في سبيل الله يهب الخلود لصاحبه، فلا تقولوا لمن يقتل في سبيله أنهم أموات بل إنهم أحياء عند ربهم يُرزَقون..أي أن الله تعالى يرفع درجاتهم باستمرار.لا شك أن العدو يريد أن يحزن المؤمنين ويمحو أثرهم، ولكنه يصاب بخيبة الأمل حين يرى أنهم كلما ضُربوا ازدادوا إيمانًا وشجاعة وقالوا إنما يريد الله بهذا غلبتنا وازدهارنا..ذهب المسيح الموعود اللة إلى سيالكوت مرة، فأصدر المشائخ فتوى ضده بأن من يذهب لزيارته أو يسمع خطابه يفسخ زواجه لأنه كافر دجال، وسماع كلامه وقراءة كتبه ،حرام وقتله ثواب ولأن المسلمين الأحمديين من سيالكوت وما حولها من القرى كانوا قد اجتمعوا فلم يجرؤ المشايخ على إثارة الفتنة ضده أثناء مكوثه العليا هناك، بل قرروا إحداث الفساد بعد مغادرته وكنت عندها في رفقته العليا، فلما ركب حضرته القطار رأيت أن الناس حاملين بأيديهم حجارة على مدى البصر، وعندما تحرك القطار حاولوا رشق المسيح الموعود الله وأنى لهم ذلك والقطار متحرك.فكلما حاولوا رَشْقَنا بالحجارة أصيب أحد من غيرنا، ففشلت مكيدتهم.ولما ذهب المسيح الموعود الل بالقطار تفرق الإخوة الأحمديون الذين جاؤوا من القرى المجاورة، ولم يبق في المحطة إلا قليل من الأحمديين المحليين وبعض الضيوف من الجماعات الأخرى؛ فهجم عليهم المعارضون، وكان من بين هؤلاء
٦٧١ عند الله الجزء السابع سورة العنكبوت الأحمديين المولوي برهان الدين فرشقه المعارضون وضربوه ثم ألقوه في محل وأتوا بالروث ليدخلوه في فمه.ويقول شهود عيان إنهم لما حاولوا فتح فمه لم يصرخ ولم يشتمهم، بل قال بكل اطمئنان وبشاشة: "سبحان الله ! إن هذا اليوم المبارك لا يراه إلا ذو حظ عظيم.إن هذا اليوم المبارك لا يراه أحد إلا عند بعثة نبي من تعالى.والحمد لله الذي أراني هذا اليوم المبارك".فتركوه خجلين نادمين.فالحق أن العدو عندما يجد خصمه يخاف الموت يتشجع أكثر ويقول بعضهم لبعض: هلم نخوفه، كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (إِنَّمَا ذَلَكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ.إذًا، فإذا خاف أحد الموت قال هؤلاء إنه من أولياء الشيطان هلمّ نخوّفه، ولكنه إذا لم يخف هجومهم وأذاهم بل قال لقد من الله علي إذ منحني هذا الشرف العظيم حيث أُضرب في سبيله، فإن الأعداء يهابونه، ويندمون في قلوبهم ويخجلون لقد أوضح الله تعالى للمسيح الموعود ال مرة بعد أخرى أنه لا بد لجماعته من التضحيات كما قدمتها جماعة الأنبياء في الماضي.وقد قال حضرته الله إني رأيت مرة في الرؤيا أني دخلت في بيت نظام الدين والمراد من هذه الرؤيا أن جماعته نظاما للدين في نهاية المطاف، وتكون غالبة على نظم العالم كلها.أما ستصبح وكيف ستتم هذه الغلبة؟ فقد بين حضرته العلة في هذه الرؤيا: سندخل في هذا البيت على طريقة الحسن طورًا وعلى طريقة الحسين طورًا آخر (تذكرة: الطبعة الثالثة ص ٧٩٢).والمعروف أن النجاح الذي حققه الحسن إنما حققه بالصلح، والنجاح الذي حققه الحسين إنما حققه بالشهادة في سبيل الله.إذا، قد أخبر الله المسيح الموعود الأن جماعته ستصل مقام نظام الدين ولكن بشيء من الصلح والمحبة وبشيء من الشهادات والتضحيات وإذا كان بعضنا يظن أن جماعتنا ستزدهر بغير الصلح والمحبة والوئام فهو مخطئ، وإذا كان بعضنا يظن أن جماعتنا ستزدهر بدون التضحيات والشهادات فهو مخطئ أيضًا.لا بد لنا من اتباع طريق الصلح والسلام تارة، وتارة أخرى لا بد لنا من اتباع طريق الحسين..أي لا بد لنا من أن نتصدى للعدو ونموت في سبيل الحق ولا نرضى بقوله.فكلا الطريقين مقدر لنا، ومن المحال
٦٧٢ سورة العنكبوت الجزء السابع أن نتبع طريق المسيحية وحدها أو طريق المهدوية وحدها، بل لا مناص لنا من اتباع طريق وسط بينهما.ستتم لنا غلبة بالصلح والمحبة والوئام، وستتم لنا غلبة أخرى بتقديم التضحيات، وعندها تدخل جماعتنا في بيت نظام الدين ويكون النجاح حليفنا.أن وهذه هي الرسالة التي أعطانا المسيح الموعود الله في كتابه "أنوار الإسلام"، حيث قال ما تعريبه: "بعزة الله تعالى وجلاله أنه ليس شيء في الدنيا ولا الآخرة أحب إلي من تتجلى عظمة دينه ويلمع جلاله ويعلو اسمه إني بفضله تعالى لا أخاف الابتلاء ولو حل بي ملايين المرات.لقد أعطيتُ قوةً لشق براري الابتلاء وفلوات الآلام.لستُ ذلك الذي تراه يولي دبره يوم القتال، بل أنا ذلك الذي ترى رأسه مضرجًا بالدماء.فإذا كان منكم من لا يريد السير معي فلينفصل عني.إني لا أدري كم سأقطع من الغابات المخيفة والبراري الشائكة، فلمَ يُرهق ذوو الأقدام الناعمة أنفسهم معي عبثا؟ إن الذين هم مني فلن يخذلوني أبدًا بسبب المصائب وسباب الناس والمحن والبلايا السماوية.أما الذين ليسوا مني فهم يدعون بصداقتي عبثا، لأنهم سيُفصلون عني عن قريب، وسيكون مالهم أسوأ من حالهم." (أنوار الإسلام (أردو)، الخزائن الروحانية المجلد ٩ ص ٢٣-٢٤) إذا، هناك سبيل واحد للرقي القومي وهو قبول الموت وتقديم كل تضحية بلا تردد في سبيل الله تعالى.والآن أبين الحكمة وراء الابتلاء والاختبار اعلم أن أول هدف للابتلاء أن يتقوى إيمان المرء، ولكن هذا لا يعني أن الله تعالى لا يعلم نوعية إيمان الإنسان، وإنما الإنسان نفسه لا يعلم حقيقة إيمانه.وهناك حكاية تقول: كانت هناك امرأة اسمها "ميسي"، فمرضت ابنة لها مرضاً شديدًا، فكانت "ميستي" تدعو الله تعالى كل يوم: ربِّ، فلتصبني بهذا المرض وأمتني مكان ابنتي.وكانت عند "ميستي" بقرة، وفي إحدى الليالي أدخلت البقرة رأسها في إناء ضيق، فحاولت إخراجه منه ولكن بدون
٦٧٣ سورة العنكبوت الجزء السابع جدوى، فأخذت تتخبط في فناء البيت خبط عشواء، فاستيقظت المرأة ورأت أمامها مخلوقا مخيفا، فظنت أنه ملك الموت الذي جاء ليقبض روحها استجابة لدعائها.فلم تلبث أن قالت : يا مَلَكَ الموت، لستُ أنا "ميستي"، بل أنا عجوز فقيرة أعمل جاهدة طوال النهار ؛ ثم أشارت إلى سرير ابنتها وقالت: ها هي ميسي" مستلقية على سريرها، فاقبض روحها.فترى أن هذه المرأة كانت تظن أنها تحب ابنتها حبًّا جَمَّا، ولكنها لما رأت "مَلَك الموت" علمت أنها لا تحب ابنتها حتى تكون فَدَّى لها." إنها مجرد حكاية ولكن هذا هو الأمر الواقع في كثير من الحالات، حيث لا يعرف الإنسان حقيقة أفكاره، وعندما يقع في الاختبار يدرك مدى صدقه في لشيء أو كراهيته له.والحكمة الثانية في إلقاء المرء في الاختبار أن يعلم الناس مدى إيمانه، إذ ليس هناك سبيل آخر ليعرفوا ما إذا كان قويًا في إيمانه أو ضعيفًا.ولذلك قال الرسول كلما كان المرء عظيمًا عظم اختباره، وأن الأنبياء أكثر الناس اختبارا.كما قال المسيح الموعود اللي عن نفسه في بيت شعر له بالفارسية: كــربــلاســت ســــيـر هــــر آنــم صد حسین است در گریبانم در ثمین (فارسي) ص ٢٤٨) أي أجول في ميدان كربلاء كل حين، وأن في قلبي مئة حسين.و يعترض بعض الناس على هذا البيت بأنه يمثل إساءة إلى الإمام الحسين له.ولكن هؤلاء لا يفكرون أنه اللي قد قال هذا في معرض الحديث عن الشدائد والمحن، فبين أن الإمام الحسين الله قتل مرة واحدة، ولكن العدو يسعى لقتلي في كل حين ويؤذيني دائمًا، وأرى مشهدًا ككربلاء كل آن.وأي شك في أن الموت على الصليب مرة واحدة ليس أشد من عيش المرء دائما في المحن والابتلاءات.يقول المسيحيون لقد مات المسيح على الصليب فآمنوا بأنه ابن الله، ونحن نقول إذا كان
٦٧٤ الجزء السابع سورة العنكبوت هذا صحيحًا فماذا ستقولون عن الذين يعيشون في الشدائد دائما كأنهم معلقون على الصليب كل حين؟ الحق أن هذه هي حالة الأنبياء كلهم، وتعرضهم للأذى باستمرار يكشف للناس قوة إيمانهم يقال: "الاستقامة فوق الكرامة".والواقع أكبر استقامة ما يشهد بها العدو ولا يسعه إنكارها.= أن إذا، فلا مناص من الابتلاء والصبر عليه برضا لتقوية الروحانية وتهذيب الأخلاق وتكميل الإيمان.で أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ) التفسير : يقول الله تعالى هنا متسائلاً: أيظن الذين يعملون أعمالاً سيئة أنهم ينجون من عقابنا بطريق أو بآخر؟ كلا، إذ ليس بوسع أحد أن يخدع الله تعالى ويفر من عقابه.توضح هذه الآية أن المرء ليس بوسعه أن يتخذ قرارا صائبا عن مصيره هو، ناهيك عن مصير الآخرين.فكم من امرئ يظن أنه من أهل الصلاح والإيمان في وسينجو من عذاب الله تعالى، ولكن عندما يأخذه العذاب يدرك أنه كان مخطئًا ظنه.الحق أن الخواص من المؤمنين فقط يعلمون سلفًا عن صدق إيمانهم حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم عنهم: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ ينتظر (الأحزاب: (٢٤).أي أن من الصحابة من قد أثبت صحة دعوى إيمانه، بينما ينتظر بعضهم ليثبت ذلك ورد في الحديث أن الصحابي مالك بن أنس الأنصاري لقد أنس بن بن وقع هنا سهو إذ هو النضر، وليس مالك أنس، بحسب جميع المصادر منها: البخاري: كتاب الجهاد والسير باب قوله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه...الخ، والترمذي أبواب تفسير القرآن سورة الأحزاب والإصابة: القسم الأول من ذكر له صحبة، باب الألف بعدها نون) (المترجم)
فأشيع ٦٧٥ الجزء السابع سورة العنكبوت لم يستطع أن يشارك في غزوة بدر، ولما سمع عن بطولات الصحابة الذين شهدوا بدرًا ثار حماسه فأخذ يمشي هنا وهناك وقال: لو أتاح الله لي الفرصة سأريكم كيف يضحي المؤمن.فشهد غزوة أحد، وعندما لم تثبت أقدام المسلمين في ميدان القتال لشدة هجوم الكافرين وابتعدوا عن النبي ، فانفرد وأصيب بحجر وسقط على الأرض مغشيا عليه وسقط عليه الجرحى الآخرون واختفى تحتهم، أنه قد استشهد، فجرى البعض إلى المدينة التي كانت قريبة من أحد وبلّغ أهلها باستشهاده.وقد سقط هذا الخبر كالصاعقة على المسلمين الذين كانوا بعيدين عن النبي وكان من بينهم : فأخذ يبكي جالسا على صخرة.وكان مالك بن أنس يأكل التمر حين مرَّ بعمر، وكان لا يعرف ما حصل بعد الفتح الأول، فقال لعمر مستغربا لماذا تبكي وقد أعطانا الله الفتح؟ هذا وقت : البكاء أم الفرحة؟ فنظر إليه عمر وقال : يبدو أنك لا تعلم أن الوضع قد انقلب بعد الفتح عندما أعاد العدو الكرة من وراء الجبل وتشتت جيش المسلمين من شدة هجومه واستشهد النبي.وكان في يد مالك بن أنس آخر تمرة، فرماها على الأرض وقال: كيف تحول هذه التمرة بيني وبين حبيبي؟ ثم قال لعمر: إذا كان ما تقوله حقا فلماذا تبكي هنا؟ علينا أن نلحق بحبيبنا.ثم امتشق سيفه وصال على جموع العدو، ولكن إلى متى يقاوم شخص واحد مئات المحاربين، فتقطع جسمه إربا في ثوان.وعندما كتب الله الفتح للمسلمين ثانية أمر النبي ﷺ بالبحث عن بن أنس، فخرج الناس يبحثون عنه ثم عادوا وقالوا: لم نجد له أثرا، فأعاد النبي قوله.وكانت أخته قد وصلت من المدينة إلى ساحة المعركة بسماع خبر استشهاد النبي ، فرأت قطعا من جثة أخيها فعرفته من إصبعه، فدلّت النبي الله على جثته.يقول المفسرون إن قول الله تعالى: فَمَنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ نزل في أنس بن مالك.ورغم أنني لا أهتم بأسباب النزول كثيرًا بيد أنه مما لا شك فيه أن حادثة مالك بن أنس قد وردت في التاريخ والحديث بتكرار وتبلغ كلمات القرآن الكريم من الوضوح والصراحة بحيث لا يسع المرء إلا الاعتراف بصحة سبب نزول هذه الآية.مالك
٦٧٦ سورة العنكبوت الجزء السابع إذًا، فكما أن بعض الكافرين لا يبرحون يظنون حتى النهاية أنهم سينجون من العذاب لأنهم يعملون الصالحات في زعمهم، وحين ينزل العقاب يدركون أنهم كانوا يعملون السيئات، كذلك يوقن بعض المؤمنين أنهم صادقون في إيمانهم فتؤكد الأحداث أيضًا - كما تؤكد الواقعة المذكورة آنفا - أنهم بالفعل كانوا مصيبين في رأيهم.وقد أُشير إلى أمثال هؤلاء في الآية التالية أيضًا.مَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) التفسير: أي كان من يرجو لقاء الله تعالى فليعلم أن لقاءه حق ولا بد أن يتحقق، وأن الله يستجيب الدعاء ويعلم كل شيء.لقد تحدثت الآيات السابقة عن موضوع الاختبار الذي تمر به جماعات الأنبياء، وعليه فالمراد من لقاء الله هنا تأييده ونصرته حيث نبه تعالى المؤمنين ألا ييأسوا برؤية تفاقم فتنة الأعداء ولا يظنوا أبدا أن الله تعالى سيخذلهم وأن العدو سيهلكهم؛ كلا، إنما يريد الله تعالى بهذه الفتن اختبارهم، وإلا فإنه معهم وإن ملائكته تعمل على تأييدهم.فمهما بلغ إيذاء العدو ومضايقته فعليهم أن يظلوا موقنين تماما أن الله سينجز وعده عند رقيهم حتمًا، وسيأتي لنصرتهم مسرعًا.فلو أنهم صبروا على الأذى والابتلاء و لم يُسيئوا بالله الظن بل أيقنوا أنه سينزل من السماء ويكسر أعناق الأعداء، فلا بد أن يعاملهم الله هكذا، ويبدي لهم غيرة لن يجدوا لها مثيلاً في أي مكان.إن أكبر سبب لانحطاط المسلمين في هذا العصر أنهم لم يعودوا مؤمنين بإله حي، وظنوا أن زمن المعجزات والخوارق قد ولى وانتهى فلا يقدر الله الآن - والعياذ به على إراءة الآيات وكانت نتيجة هذا الظن أنهم فقدوا الحماس لوصال الله تعالى واستولى عليهم القنوط ولكن الإسلام يرفض هذه النظرية بشدة ويقول إن الذين يوقنون بلقاء حبيبهم ، أي بنصرته ،وتأييده فإنه ينزل لنصرتهم من
٦٧٧ سورة العنكبوت الجزء السابع السماء ويؤيدهم كما أيد جماعات الأنبياء من قبل.ولكن علينا أن نعلم أن لكل شيء أجلاً.هناك موعد للمصائب والبلايا، ووقت للانتصارات والفتوحات.وإنما المؤمن الكامل من يظل متوكلاً على الله تعالى أيام المصائب والبلايا، وعندما يبلغ يقينه منتهاه يسمع نداء الله تعالى: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّه قَرِيبٌ، فيهلك وقد أشير إلى المعنى في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)..أي أن الله تعالى يسمع دعاء المؤمنين ويعلم أحوالهم جيدًا، فكيف لا يستجيب دعاءهم ولا يعاقب العدو ليمنعه من سلوكه الغاشم؟ الله عدوه.يحكى أن الملك الروسي "بيتر" دخل في مقصورته في الطابق الثاني في إحدى 6 يسمح الأحد المرات ليقوم بعمل مهم في هدوء وتركيز وأمر أحد حراسه ألا لأحد - كائنا من كان - بالدخول عليه.و لم تكن هناك أبواب للغرف في الزمن القديم، بل كانوا يعلقون الستائر مكان الباب ويتضح لنا بمطالعة الكتب العربية أنه لم تكن لغرف المسلمين أيضًا أبواب، ولذلك أمر الإسلام بالاستئذان قبل الدخول على أحد المهم أن الملك أمر حارسه تولستاي" أن يجلس في الخارج ولا يسمح بالدخول عليه لأنه يريد أن يعمل بتركيز.وتصادف أن أحد أبناء الملك جاء ليدخل عليه مقصورته، وكان من القانون الملكي أن أحدا لا يستطيع منع أحد الأمراء من الدخول على الملك، بل هم أحرار في زيارته متى شاؤوا دونما استئذان.وكان القانون لا يبيح أيضًا لأحد من غير الجيش أن يضرب رجلا من الجيش، ولا يبيح لأحد من الضباط الصغار أن يضرب ضابطا هو أكبر منه رتبة، أو لغير اللورد أن يضرب لوردًا.فأراد الأمير أن يدخل غرفة الملك، ولكن الحارس "تولستاي" تقدم وقال له: لقد أمرني الملك بعدم السماح لأحد بالدخول عليه.فقال الأمير: ألا تعلم أني أمير ومسموح لي الدخول على الملك بدون استئذان؟ فقال: نعم، إني أعلم ذلك.فاستشاط الأمير غضبًا وضربه بالسوط، قائلا: كيف تتجاسر على منعي من الدخول ؟ وظن الأمير أن الحارس يكون قد عاد إلى صوابه بعد أن ضُرب بالسوط ثلاث أو أربع مرات، فهم بالدخول مرة أخرى، ولكن الحارس منعه وقال: حضرة الأمير، لقد منع الملك الجميع من الدخول عليه.فضربه الأمير أكثر من ذي قبل
٦٧٨ 11 الجزء السابع سورة العنكبوت وظن أنه قد تلقن الدرس وهم بالدخول مرة ثالثة فمدَّ تولستاي" يديه ومنعه من الدخول وقال: حضرة الأمير لقد قال الملك : يجب أن لا يدخلن عليه أحد.فضربه الأمير للمرة الثالثة.وكان طبيعيًا أن ينتبه الملك إلى ما يجري في الخارج نتيجة ارتفاع أصوات الأمير والحارس عند الشجار، فظل يشاهد شجارهما جالسا في مقصورته.فلما ضرب الأمير الحارس للمرة الثالثة نادى الملك حارسه متظاهراً بالغضب وقال تولستاي تعال هنا فدخل على الملك ودخل معه الأمير الغضبان أيضًا، وأراد أن يشكوه إلى الملك.فقال الملك لتولستاي: ما هذه الضجة التي كنت تثيرها؟ قال: مولاي، جاء الأمير وأراد الدخول عليك، فلم أسمح له لأنك أمرتني بذلك.فلما حاول الدخول عليك بقوة منعتُه.فقال الملك : فماذا حدث بعد ذلك؟ قال: فضربني الأمير.فتوجه الملك إلى ابنه وقال أصحيح ما يقول "تولستاي"؟ قال: نعم.ولكن القانون الروسي لا يسمح بمنع الأمير من الدخول على الملك.فقال الملك: صحیح أن القانون الروسي لا يسمح بذلك، ولكن ألا تعلم أن للملك مسؤوليات كثيرة تجاه بلده، وأنه يحتاج أحيانًا إلى الهدوء والتركيز للقيام بأعماله، لأن الانفراد في هدوء ضروري من أجل التركيز والتدبر.فهل تريد أن يتم العمل بالقانون حرفيًا فقط، وإن لم يستطع الملك أداء واجباته تجاه البلاد.أمامي مهمة عظيمة للغاية، وأود الجلوس منفردًا في هدوء وأفكر في وضع خطة تخرج البلاد من الخطر.ألا يحق لي، والحال هذه، أن أمنع أي شخص من الدخول علي حتى لا يشتت علي أفكاري.لقد عمل "تولستاي" بذكاء واحترام وأطاع أوامري، أما أنت فعصيت أوامري مع أنك ابني، ثم لم تضربه على جرم ارتكبه بل ضربته على طاعته لي.ثم أعطى الملك "تولستاي" السوط وقال: قُمْ واجلد الأمير بالسوط.فما من الأمير إلا أن قال: إن القانون الروسي لا يسمح بضرب رجل من الجيش بيد شخص ليس في الجيش، وأنا من الجيش وهذا ليس من الجيش.فقال الملك لتولستاي: ها إني أعطيك منصبا في الجيش، فاضرب الأمير.وكأن الملك قال لابنه: إذا كان القانون الروسي لا يسمح لأحد من غير الجيش أن يضرب رجلاً من الجيش فإن منح المنصب في الجيش بيدي، وإني أمنح تولستاي منصبا في الجيش.كان
٦٧٩ سورة العنكبوت الجزء السابع فعاد الأمير وقال: إني ضابط في الجيش ولا يحق لأحد أن يضربني إلا إذا كان برتبتي.فقال الملك لتولستاي ها إني أجعلك ضابطا فقال الأمير: ولكن القانون الروسي ينص على أنه لا يجوز لغير اللورد إنزال العقاب بلورد.فقال الملك: إن خلع لقب لورد على أحد أيضًا بيدي ثم توجه إلى تولستاي وقال: أيها اللورد تولستاي آمرك بعقاب الأمير.وهكذا قام الملك بتفنيد كل عذر قدّمه الأمير وجعله يُضرب بيد تولستاي الذي تعرّض للضرب من أجل الملك.كذلك فإن الذي يتعرض للضرب بسبب إيمانه بالله تعالى وتلبية ندائه فلا يدع ضاربه، صغيرًا كان أم كبيرًا، بدون عقاب، إذ لا يقاوم سوط أحد سوط الله.إن الناس يتباهون بكثرتهم وأحزابهم وحُكمهم، ولكن حكومة ربنا أكبر من كل حكومة ودولة.لقد قال الأنبياء عن نبينا الا الله إنه حجر الزاوية، "ومن سقط على هذا الحجر يترضض ، ومَن سقَط هو عليه يسحقه" (متى ٢١ :٤٢-٤٤)..أي سواء حمل هو على أحد أو حمل عليه أحد فإن عدوه يعاقب حتما في كل حال.والحق أن المسلمين أيضًا أحجار الزاوية باعتبارهم أتباعا للنبي ، فمن توكل على الله الله منهم لم يترك الله عدوه بدون عقاب.وَمَن جَهَدَ فَإِنَّمَا تُجَهدُ لِنَسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ التفسير : لقد نبه الله تعالى هنا المؤمنين أن كل ما يقومون به من عمل صالح إنما ينفعهم هم ولا ينفع الله شيئًا، لأنه تعالى غني عن عبادات الناس وتضحياتهم.فلا تظنوا أنكم تمنون على الله ورسوله بهذه التضحيات إنما الواقع أن الله تعالى ليس بحاجة إلى تضحياتكم، بل أنتم بحاجة إلى فضله.وإذا وُفقتم لخير فليس في ذلك أيّ منة على الله أو على جماعة المؤمنين، وإنما أحسنتم إلى أنفسكم.والذين لا يدركون هذه الحقيقة يعملون الحسنات حتى يصلوا إلى باب الجنة، ولكن زهوهم وكبرهم
الجزء السابع ٦٨٠ سورة العنكبوت يسد طريقهم ويُسقطهم في الجحيم.فعلى المرء ألا يصاب بالكبر والعُجب بعد عمل الصالحات أبدا، بل عليه أن يشكر الله تعالى دائما إذ وفقه للإيمان وثبت قدمه عند المصائب والمحن.وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ لَنُكَرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ (3) شرح الكلمات: لنكفرن كفّر الله له الذنب: محاه.(الأقرب) وكفّر : أدّى الفدية، قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ.والتكفير: سَتْرُه وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يُعمَل، ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر والكفران نحو التمريض في كونه إزالة للمرض وتقذية العين في إزالة القذى عنه.(المفردات) لقد تبين مما سبق أن الكفارة تعني المحو؛ كأن تُمحى من القلب رغبة الإثم وعادته، ثانيا : محو عقاب الإثم ونتيجته ومحو شهرة الإثم وفضيحته.كما أن الكفارة تعني أداء الفدية وإزالة الإثم.التفسير: لقد بين الله تعالى هنا نظرية الإسلام عن جزاء الحسنة.حيث أخبر أن المرء إذا تاب توبةً نصوحا غفر الله تعالى له ذنبه بل جعل ذنبه طي النسيان، بمعنى أنه يقلل أثر ذنبه في ذاكرته، أو يمحوه من ذهنه ومن أذهان الآخرين أيضا كليةً؛ حتى لا يشعر بالندم والخجل وتظل عاطفة الخير غالبة عليه.ولذلك يقول الله تعالى :هنا: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَةٌ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذي كَانُوا يَعْمَلُونَ)).والمراد من التكفير هنا محو أثر الإثم من الأذهان كلية إرساء لعزتهم وصيانةً لشرفهم، ذلك لأن الحديث هنا عن الذين يعملون الصالحات والكاملين في الإيمان.إذا، فلا يمكن أن يعني التكفير ترك الإثم فقط إذ إنهم يعملون
الجزء السابع الصالحات سلفا.٦٨١ سورة العنكبوت أما قوله تعالى: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ فبين فيه أنه تعالى عندما يجزي الإنسان فلا يجزيه بناء على أعماله الضعيفة بل على أفضل أعماله، بينما نرى في الدنيا العكس؛ حيث إن الناس إذا أرادوا جزاء أحد على أعماله وضعوا في الاعتبار تقصيراته أيضًا..أي يجزونه بحسب الأعمال الصادرة عنه عموما؛ فيما يسمونه "القاعدة الوسطى".والحق أن كل جزاء في الدنيا يكون مبنيا على هذه القاعدة، حتى إن الحكومات تمنح معاش التقاعد أيضًا بحسب هذه القاعدة، حيث تنظر عند تحديد معاش الموظف إلى معدل دخله في السنوات الثلاث الأخيرة.فمثلاً إذا كان دخله قبل التقاعد بثلاث سنوات ثلاث مئة جنيه، وقبل سنتين من التقاعد أربع مئة جنيه، وفي السنة الأخيرة خمس مئة جنيه، فستعطيه الحكومة مئتي جنيه التي هي نصف أربع مئة جنيه، ولن تعطيه مئتي جنيه وخمسين نصف راتبه الشهري في السنة الأخيرة.ولكن الله تعالى هو مالك هي مستوى يوم التي الدين، وكلما جزى المرء جزاه بناء على مالكيته تعالى فلا يكون في عطائه هضم لحقوق الآخرين، لذلك تختلف القاعدة التي وضعها الله تعالى لإعطاء الجزاء الحسن عن قاعدة أهل الدنيا، وهي أنه تعالى لا يعطي المرء جزاء أعماله الحسنة بحسب أعماله عند الموت بل يجزيه بحسب أفضل عمل قام به في حياته كلها في أي وقت.لنفترض أن للحسنة عشر درجات وأن شخصًا كان في الدرجة السابعة عند موته، ولكنه كان في الدرجة الثامنة أو التاسعة قبل الموت بأربع سنين، ثم هذه الدرجة و لم يستطع خدمة الدين كما استطاع من قبل نتيجة ضعف في جسمه أو في عقله، فإن الله تعالى لن يمنحه الدرجة التي كان عليها عند بل يهب له تلك الدرجة الأسمى التي كان عليها من قبل.سقط عن الموت، باختصار عندما يجزي الله الإنسان على أعماله الحسنة فينظر إلى أسمى درجة بلغها في حياته ويجزيه بحسبها متغاضيًا عن التغيرات والتقصيرات التي حصلت في حياته فيما بعد.وهناك آيات عديدة في القرآن الكريم بهذا الصدد وإحداها الآية قيد التفسير.
٦٨٢ الجزء السابع سورة العنكبوت فمن الواضح أنها لا تعني أبدا أن الله تعالى يجزي الإنسان على أفضل أعماله ولا يجزيه على الأعمال الحسنة التي تكون ،دونه لأن هذا لا ينفع العبد بل يضره، إذ إنه سيزداد جزاء إذا أُضيف جزاء الأعمال الصغيرة إلى جزاء الأعمال الكبيرة الرفيعة ولا ينقصه؛ أما إذا جُوزي على الأعمال الكبيرة بدون الأعمال الصغيرة صار جزاؤه أقل قوة؛ وعلى سبيل المثال إن عدد ١٠ أكبر من ٦ و٧، ولكنه ليس أكبر من ١٠+٦+٧، ولو طرحت من عدد العشرة الستة والسبعة صار أقل قوة.فليس المراد من قول الله تعالى هذا أنه يجزي المرء على أفضل أعماله فقط؛ ولا يجزيه على ما دونها من أعماله الحسنة.فثبت من ذلك أن الله تعالى لا يتحدث هنا عن الجزاء العام بل يتحدث عن الجزاء الخاص، إذ من المعروف أنه تعالى لن يضيع عند الجزاء العام أي عمل حسن مهما كان ضئيلاً لقوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (الزلزال : (۸) ، أما الجزاء الذي يذكره الله تعالى هنا فينتفع فيه الإنسان إذا ما فصل أفضل عمل قام به، أما إذا قُرنت إليه أعماله الحسنة الأخرى قلّ جزاؤه.شأنه شأن أفضل لوحة يرسمها رسام.لا شك أن الرسام يرسم في حياته آلاف اللوحات، ولا شك أنها لا تكون على مستوى واحد من الإبداع، بل تتفاوت درجة، فبعضها تكون أروع وبعضها متوسطة وبعضها أدنى.وليس ضروريًا أن يكون قد رسم أفضل لوحاته التي هي ذروة عمله والتي تسمى بالإنجليزية (master piece) في آخر حياته، بل قد يرسمها في أوائل أيام عمله أو في وسطها أو في آخرها.ولو أُعيد هذا الرسام إلى الحياة مرة أخرى وأعطي مهارة فن الرسم بحسب معدل إبداع لوحاته التي رسمها طوال حياته أو التي رسمها في أواخر حياته، فلا شك أن مهارته تكون أقل درجة، أما إذا أُعطي في حياته الثانية مهارة الرسم بحسب أروع لوحاته لكانت درجة مهارته أعلى يقينًا ذلك لأن الإنسان تأتي عليه ساعات من القبض والبسط، ولا شك أن معدل هذه الساعات كلها أعلى من ساعات القبض، ولكنه أدنى من ساعات البسط.وهذا هو الأمر الذي قد أشار الله تعالى إليه في هذه الآية، فبين أن قوة العمل التي ستوهب للإنسان في الحياة الأخرى لن تكون بحسب معدل ترقياته وإنجازاته في الحياة الأولى، بل ستكون بحسب مستوى الرقي الذي بلغ فيه الذروة
٦٨٣ الجزء السابع سورة العنكبوت والكمال في حياته الأولى؛ فيبلغ الدرجات العلى بسرعة فائقة.وبحسب هذا المعنى يصبح جزاء الإنسان طبقا لأفضل عمل له إنعامًا عظيمًا يرقص له قلبه.فتبارك الله أحسن الخالقين.صلے وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَى مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (3) = يسيء معاملته مع التفسير: والمراد من قوله تعالى: فَلا تُطِعْهُمَا..أي حيث إن الله تعالى هو الذي أمر المؤمن بالإحسان إلى والديه فكيف يمكن أن الله تعالى الذي هو أكثر إحسانًا من والديه، فيطيعهما إذا أمراه بخلاف مشيئة الله تعالى؟ إذا، فمن واجب الإنسان أن يعامل والديه بالحسنى دائما ولا يعصيهما أبدا إلا في هذه الحالة الاستثنائية.ولكن المؤسف أن كثيرًا من الشباب في هذا العصر لا يحترمون والديهم كما ينبغي، ولا يؤدون حقوقهم، بل إذا تقلد بعضهم منصبا مرموقا خجل من لقاء والديه الفقيرين.كان المسيح الموعود اللي يحكي لنا أن هندوسيا علم ابنه بصرف مال كثير رغم فقره الشديد، حتى حصل على شهادة الماجستير، وتقلد منصب حاكم محافظة.وهذا المنصب كان يُعتبر في الماضي مرموقًا جدا، وإن كان لا يُعتبر كذلك الآن.ففرح أبوه وخرج يوما لمقابلته في مكتبه.فلما وصل إلى المكتب وجد ابنه جالسا مع كبار الرجال من المحامين وغيرهم، فدخل في مكتبه بثيابه الرثة البالية فجلس معهم.فتضايق أحدهم من جلوس شخص رث الثياب معه وسأل الابن من هذا الذي جاء وجلس معنا؟ فخجل ابنه وأراد إخفاء الحقيقة فقال : هذا بعض خدمنا فثار أبوه غيظا وهب من مكانه وقال: لا، لستُ من خدمه، وإنما أنا خادم أمّه.فلما علموا أنه أبوه لاموه كثيرا وقالوا: لم لم تخبرنا
الجزء السابع ٦٨٤ سورة العنكبوت هي حتى نبدي لأبيك الاحترام الواجب، ونعطيه مكانا يليق به؟ ونرى مثل هذه المشاهد يوميًا حيث يفر الناس من أقاربهم الفقراء خوفا من تعيير الناس بهم.وهكذا يسيئ هؤلاء إلى آبائهم بدلاً من أن يكونوا فخرا لهم.وباستثناء الذين يبدون لوالديهم الإجلال والاحترام لأن الله تعالى أمرهم بذلك، يوجد بين أهل الدنيا عدد قليل جدا ممن يكرمون والديهم حق الإكرام.وهذا العيب موجود بين المثقفين وغير المثقفين على حد سواء.ثم هناك شباب لا يعتنون بأمهاتهم وإذا سئلوا قالوا: إن أمي عصبية المزاج، وليست على وئام مع زوجتي.وشتان بين الأم والزوجة! فما التضحية التي قدمتها زوجته من أجله؟ إنها تخدمه وهو شاب، ولكن أمه قد أرضعته من ثديها وهو طفل صغير.فأمه التي أرضعته دمها لبنًا وقامت بتربيته وتعليمه بمشقة وعناء فإنه يُعرض عنها زاعمًا أن أمه عصبية وأن زوجته لا تتحملها.فمن واجبكم أن تقضوا على هذا العيب الخطير واخدموا والديكم، وإلا ستحرمون من الجنة التي قد جعلت تحت أقدامهما.وقال الله تعالى في آخر الآية: إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)..أي أن مصيركم إلى الله تعالى في نهاية المطاف، وهو الذي سيأتي بنتائج أعمالكم، فمن واجبكم ألا تطيعوا والديكم إذا أمروكم بالإشراك بالله تعالى؛ أما فيما سواه من معاملات الدنيا فعاملوهما بالحسنى وأطيعوهما طاعة كاملة.ورد في الحديث أن بنتا لأبي بكر - وكانت أخنًا لإحدى أزواج الرسول ﷺ جاءتها أمُّها فقالت يا رسول الله، لقد جاءتني أمي ولكنها كافرة، فهل أحسن إليها؟ فقال النبي : نعم، لا حرج في ذلك، إذ إنه أمر يتعلق بالدنيا لا بالدين.وورد في الحديث أيضًا أن النبي أهدى عمره حلة من حرير، فقال: يا نص الحديث كالآتي: "عن أسماء قالت: قدمت أُمّي وهي مشركة، في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي ، مع أبيها، فاستفتيت النبي ﷺ فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة؟ قال: نعم، أُمَّك".(البخاري: كتاب الأدب، باب صلة المرأة أُمَّها ولها زوج) (المترجم) صلي
الجزء السابع ٦٨٥ سورة العنكبوت رسول الله، لقد أهديتك مرة عباءة حرير فلم تحب ذلك، والآن تهديني عباءة حرير، فهل ألبسها؟ فقال : إني لم أعطكها لتلبسها بل تبيعها أو تهديها لأحد.فبعث بها عمر له إلى أخ له كافر في مكة (البخاري: كتاب الأدب، باب صلة الأخ المشرك) وهذا يبين أن الاختلاف في الدين لا يعني قطع الصلات عن الأقارب كلية، بل من واجب المؤمن أن يحترم والديه وأقاربه ويحسن إليهم دائما.وجدير بالذكر هنا أن الله تعالى قد وصى بالإحسان إلى الآباء في معرض الحديث عن الاختبار والابتلاء، وذلك لأن الشباب يقبلون الحق عادةً عند بعثة الأنبياء كونهم متحررين في أفكارهم، ولكن آباءهم لا يرضون بترك عقائدهم البالية.والاختلاف في العقيدة يُحدث شرحًا واسعا بين الآباء والأولاد، فيعامل الآباء أولادهم بقسوة أحيانًا، فيطردونهم من بيوتهم ويحرمونهم من عقاراتهم؛ ولذلك نبه الله المؤمنين هنا أنه مما لا شك فيه أن قبولكم الحق حسنة كبيرة، ولكن هذا لا أن تمتنعوا عن الإحسان إلى والديكم نتيجة معاملتهم القاسية، وإنما واجبكم أن تحسنوا إليهم دائمًا وتعاملوهم بالحب والرفق في أمور الدنيا، أما إذا حاولوا إبعادكم عن الله ورسوله فقولوا لهم فورًا لن نطيعكم في هذا أبدًا.يعني وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّلِحِينَ (2) التفسير : لقد بين الله تعالى هنا أن الذين يؤمنون بمحمد بصدق القلب ثم يعملون أعمالاً صالحة بحسب إيمانهم، سيدخلهم الله في الصالحين..أي في أولئك الصالحين الصادقين الذين قد وعد لهم الله في الزبور بأنهم يرثون أرض فلسطين (المزامير ۳۷: ٢٩).وهذا يعني أن الوعد الذي قطع لبني إسرائيل كان قد انتقل إلى المسلمين الآن نتيجة إيمانهم وصالح أعمالهم وبالفعل قد ظلت فلسطين بأيدي المسلمين ما داموا
٦٨٦ الجزء السابع سورة العنكبوت صالحين، ولكنهم لما فسدوا فقدوا فلسطين.إلا أن حرمانهم منها مؤقت كما هو واضح من آيات أخرى من القرآن الكريم، وسيأتي بهم الله إلى فلسطين ثانية ويبدل هزيمتهم فتحا إن شاء.6 إن الشعب الأمريكي شعب ذكي جدا، ولكنه قد أخطأ هذه المرة خطأ فادحا حيث قام لمساندة شعب مُدان من قبل التوراة والقرآن الكريم أيضًا.فإذا كان اليهود يريدون البقاء في فلسطين فهناك سبيل واحد لذلك، وهو أن ينضموا إلى الصالحين.إذ ليس بينهم وبين الله تعالى عداء شخصي.إنهم من أولاد إبراهيم العليا، وإذا أصبحوا صالحين بقوا في هذه البلاد ولكن القرآن الكريم قد قام بشرح عن هؤلاء الصالحين، فبين أن الذين يطيعون محمدا رسول الله ﷺ هم الذين ينالون درجة الصالحين والشهداء والصديقين، فلا بد للمرء من طاعة محمد ﷺ بصدق ليُعدّ من الصالحين.فلو آمن اليهود بمحمد ﷺ لأبقاهم الله تعالى في هذه البلاد، وأصبحوا إخوة للمسلمين كما كان إسحاق أخا لإسماعيل عليهما السلام.فليس هناك مانع من أن يتشجعوا وينتفعوا من هذا القانون الرباني.- وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَبِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَلَمِينَ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُدَقِينَ ) التفسير: لقد بين الله تعالى هنا أن من الناس من يرى الكفاية في إعلانه بالإيمان باللسان فقط، وإذا تعرض للعذاب في سبيل الله تعالى جعل إيذاء الناس كعذاب الله تعالى، وإذا جاءك نصر من ربك حاول كتمان الحقيقة وأتى المسلمين قائلاً: إني باللسان فقط لا بالقلب.على المؤمنين أن يتجنبوا هذا معكم، مع أنه كان معهم
الجزء السابع ٦٨٧ سورة العنكبوت السلوك الدال على الجبن ويتمسكوا بالصدق بقوة دائما.إن أكبر عائق في سبيل انتشار الحق في هذا العصر أن الناس لا يستطيعون مقاومة قومهم وتقاليد بلادهم هناك مئات الآلاف من الأوروبيين الذين قد أيقنت قلوبهم بصدق الإسلام، ولكنهم مصفّدون بتقاليد قومهم ويخافون أهل بلادهم وجيرانهم.ولو أنهم تشجعوا لما قبلوا الحق بأنفسهم فحسب، بل قبله آلاف مثلهم ولانتشر الحق في أيام بما لم ينتشر في قرون.ذلك لأن هذا العصر يتميز بسمة بارزة رغم كل مفاسد ما فيه من وعيوب، وهذه السمة البارزة هي أن كنوز العلم قد خرجت فيه إلى النور، فتوجد في كل مجال من العلم كتب كثيرة بحيث أصبحت العلوم في متناول الإنسان.وهذا لم يكن ميسرًا للذين خلوا من قبل.فطوبى لمن يغتنم هذه الفرصة ويساعد على إقامة الدين الحق بتقديم مثاله الحسن.ولا شك أن الله تعالى سيمطر عليه فضله وستدعو له الأجيال في المستقبل.وإننا في انتظار أولئك القوم من أوروبا وأمريكا الذين سيتبوءون هذه المكانة العظيمة.أما قوله تعالى: جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَاب الله، فيوضح أن هناك فرقًا واضحًا بين الابتلاء والعذاب ولكن الناس لا يلاحظون هذا الفرق جراء جهلهم، فيعتبرون المصائب التي يواجهونها في سبيل الله تعالى سببا لهلاكهم، مع أنها سبب لرقيهم وغلبتهم.وفيما يلى الفروق البارزة بين الابتلاء والعذاب الأول: إن العذاب يهلك ويدمر ولكن الابتلاء لا يدمر، وإن كان لا بد من المعاناة في كلتا الحالتين.خذوا مثلاً الرسول ، فكم من موطن حاصره فيه الأعداء وهو وحيد، ولكن الله تعالى أنقذه في كل مرة.أما أبو جهل فأخذ مرة واحدة مع جنوده وهلك.الثاني: إن العذاب يزيد المرء خسرانًا، أما الابتلاء فيزيده خيرا.ومثال الابتلاء ككرة مطاطية كلما رميت بها الأرض بقوة أكثر ارتدت أعلى من ذي قبل، ولكن العذاب إذا ضرب بالإنسان فلا يقوى على النهوض مرة أخرى.الثالث: إن العذاب يملأ قلب الإنسان يأسًا ،وحزنًا أما الابتلاء فيبعثه على
чл الجزء السابع سورة العنكبوت الاطمئنان والسكينة.عندما ينزل العذاب على الشخص المغضوب عليه يدعو الويل والثبور، أو يزداد كبرا وزهوا إذا لم يُصبه الحزن عند نزول العذاب ويقول في كبرياء: من ذا الذي يقدر على أن يُهلكني؟ أما إذا جاء الابتلاء فيقول المرء: لا ضير، لأن ربي قوي وإن كنتُ ضعيفًا وعديم الحيلة ، فيزداد يقينا بالله تعالى ويحسن به الظن أكثر من ذي قبل.الرابع: عندما يحاول الإنسان دفع العذاب عنه يتخبط خبط عشواء، ولكن الذي يأتي عليه الابتلاء يزداد ذكاء وصوابًا.فانظر كيف تتبع الكافرون آثار النبي ووصلوا إلى مدخل غار ثور الذي كان مختفيا فيه حتى قال لهم قصاص الأثر إما أن محمدا قد صعد إلى السماء أو أنه مختف في هذه المغارة.ورغم أنهم كانوا يثقون بقصاصي الأثر كثيرا وكانت حياة النبي ﷺ مهددة بالخطر الشديد، إلا أنه ظل رابط الجأش لم يصبه قلق ولا خوف، بل لقد هدأ من روع أبي بكر قائلا له: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا (التوبة: ٤٠).وفي إحدى المرات كان النبي ﷺ نائما، فجاء كافر واستل سيفه وأراد قتله ولكنه لم يخفه.وعندما سأله الكافر: من ينقذك مني الآن؟ قال له بكل هدوء : الله.فانبهر الكافر بهذه السكينة النادرة وسقط السيف من يده.(البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع) سبيل الخامس: لا يحس صاحب الابتلاء بالبلاء ولا يبالي بالتعذيب، بل يجد فيه لذة موقنا أنه يضحي بالأدنى من أجل الأعلى.فمثلاً إذا ضاع ماله قال: لقد ذهب في الله تعالى، فما الداعي للحزن؟ وإذا مات ابنه قال : كان هبة من الله تعالى فلماذا أحزن إذا استدعاه؟ كان المسيح الموعود اللي يحب ابنه "مبارك أحمد" حبًا شديدا، وقد اعتنى به في مرضه عناية بالغة حتى ظن الخليفة الأول له أن وفاة "مبارك أحمد" ستصيب المسيح الموعود الله بصدمة شديدة.كان الخليفة الأول يجس نبض "مبارك أحمد" في آخر لحظات حياته، فوجد أن نبضه أخذ يتوقف، فطلب إلى المسيح الموعود اللة أن يُحضر المسك، ثم سقط على الأرض خوفا على المسيح الموعود الة من صدمة موت ابنه.ولكن المسيح الموعود اللة لما علم
٦٨٩ الجزء السابع سورة العنكبوت بوفاة ابنه، جلس لتوه يكتب الرسائل لأصحابه صابرًا محتسبا، وقال: لقد توفي مبارك أحمد ولكنا لا نحزن بل نرضى بمشيئة الله صابرين.ثم خرج وبدأ يتكلم مع أصحابه مبتسمًا ويقول: لقد تحقق وحي الله تعالى الذي تلقيته عن ابني مبارك أحمد.ومما قاله العلية في رثائه: بلانے والا ھے پیارا اسی په اے دل تو جاں فداكر أي يا قلب، إن الذي دعاه هو أحبُّ الأحبّة، فكن أنت أيضًا فداءً له عمل.يضحي باختصار، إن الابتلاء لا يصيب الإنسان بصدمة يفقد بها الهمة لعلمه أنه بالأدنى من أجل الأعلى.لا شك أن العذاب الشديد أيضا يُفقد المرء الإحساس بالألم أحيانًا، ولكن سببه اختلال الحواس.لقد مرّ الخليفة الأول له مرة بامرأة وسألها: كيف فلان من أقاربك؟ فضحكت وقالت: لقد مات.فسألها: عن بعض أقاربها الآخرين، فكانت تضحك في كل مرة وتقول: لقد ماتوا.لم تكن هذه المرأة تضحك لإيمانها بأن الجميع راجعون إلى الله، بل كانت مصابة في عقلها، فلم تعد تحس بالغم.السادس: إن العذاب يقلل روحانية الإنسان إذ يُبعده عن الله تعالى.أما الابتلاء فيزيد الإنسان تقربا إلى الله تعالى.هذه هي أهم الفروق بين الابتلاء والعذاب والتي يجب تذكرها.أما قوله تعالى: أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، فبين فيه أن الجبناء يخذلون المؤمنين وقت الشدائد ويأتون إليهم عندما تزول المصيبة ويأتي الفتح قائلين هو إنا معكم ليشركوهم في الجزاء والنعم.أو لا يعلم هؤلاء الجبناء أن الله تعالى الذي يعطي الجزاء وليس المؤمنون؟ فماذا ينفعهم المال أو المنصب لو حصلوا عليه عن طريق الخداع، لأن الله الذي يعطي الإنعام الحقيقي يعلم خداعهم جيدا، فلن ينفعهم احتيالهم، بل سيهزهم الله تعالى بمزيد من الابتلاءات التي تفضح نفاقهم، ولذلك قال تعالى: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ)..أي أن الله
الجزء السابع ٦٩٠ سورة العنكبوت تعالى لن يبرح يبتلي الناس ويختبرهم ليكشف للعالم من المؤمن ومن المنافق، وستنكشف للمنافقين أنفسهم حقيقة ادعائهم بالإيمان.وَقَالَ الَّذِينَ كَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ صلے خَطَيَنكُمْ وَمَا هُم بِحَمِلِينَ مِنْ خَطَيَنهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَنْفَاهُمْ وَأَثْقَالاً مِّعَ أَثْقَاهِمْ ۱۳ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَ تَرُونَ (٤) وهو أن صلے التفسير : هذا ما يقول الكافرون للمؤمنين عند غلبة اليأس.مما يكشف أن الكفر يسلب عقل صاحبه حيث يقول كبار الحكماء من الكافرين ما يُضحك الطفل أيضًا.فمثلاً لو قارنت بين ما بينته الآيات السابقة من طريق طبيعي للنجاة من الإثم يتوب المرء ويسعى للقاء الله تعالى ويجاهد في سبيله، وبين ما يصفه الكافرون من طريق غير طبيعي للنجاة لتبين لك أن ما يقوله القرآن الكريم هو الحق والصدق، وأن ما يقوله المعارضون مجرد هراء.فادعاؤهم بأن المؤمنين لو اتبعوهم الحملوا عنهم خطاياهم مناف للعقل تماماً، إذ لا أحد يقدر على حمل خطايا غيره، فلا يحمل المؤمن خطايا الكافر ، ولا الكافر خطايا المؤمن؛ وإنما يرفع الله عن المرء خطاياه بالعفو عنه.وهذا هو الطريق الطبيعي الحق الذي يُسمى "توبة".باختصار إن الإسلام الذي هو دين الفطرة يفتح للآثم باب التوبة ويؤمله في لقاء الله تعالى، ولكن الأديان الأخرى تعلّم خلاف هذا الطريق الفطري.فمثلاً تقول المسيحية أن الناس لو آمنوا بيسوع المسيح غُفرت خطاياهم بمجرد إيمانهم.إذ تقول المسيحية أن الشيطان أغوى آدم وزوجته حواء وجعلهما ،آلمين، وكل إنسان يولد في الدنيا حاملاً خطيئتهما بالوراثة؛ وبما أن الله تعالى عادل ويقتضي عدله أن يعاقب کل آثم، فيستوجب كل إنسان العقاب نتيجة خطيئة آدم وحواء؛ ولكن رحمة الله
الجزء السابع ٦٩١ سورة العنكبوت تقتضي العفو عن الخطاة، فأوجد الله حل هذه المعضلة بأن أرسل ابنه الوحيد إلى الدنيا ليموت على الصليب أنه بلا خطيئة، ويُدعى كاذبًا مع أنه صادق.فظهر ابن الله في الدنيا في صورة المسيح، فصلبه اليهود بدون ذنب، فحمل ذنوب جميع المؤمنين به ونجاهم.التكوين) ۳ والرومية ٣: ٩، والرومية ٥: ٩-٢١) وتتعارض هذه النظرية مع العقل كل التعارض وكلما تدبر فيها الإنسان أخذته الحيرة وتساءل: ما هذا الطريق العجيب الغريب لغفران الذنوب؟ إذا كان العفو عن الخاطئ منافيًا للعدل فإن عقاب البريء أيضًا مخالف للعدل، فكيف حمل ابن الله تعالى خطايا الآخرين، وكيف عاقب الله البريء؟ ثم إنه لمما يتنافى مع العقل كل المنافاة أن يرث الابن كل ما يفعله أبوه.لو كان هذا صحيحًا لكان أولاد الآباء الجاهلين جهالاً دائمًا، وأولاد العلماء علماء دائما، وأولاد المسلولين مسلولين دائمًا، وأولاد المجذومين مجذومين دائما.الواقع أن الإرث يكون في أشياء ولا يكون في أشياء أخرى.ثم إن الأمور التي يمكن انتقالها إلى الأولاد وراثيا قد جعل الله تعالى هناك ما يمكن أن يجنبهم منها أيضًا، لولا ذلك لصار التعليم والدعوة والتبليغ أمرًا عبثا إن إيمان أولاد الكافرين دليل أن الله تعالى لم يجعل أمور الإيمان خاضعة لقانون الوراثة.لو كان قانون الوراثة يعمل في أمور الدين والإيمان لصارت بعثة المسيح نفسها عبئًا يقول الإسلام إن الله تعالى قد خلق الناس مزودين بالقدرة على إحراز الحسنة، فمنهم من يطور هذه الكفاءات ويفلح، ومنهم من يضيعها ويفشل.لا شك أن قانون الشريعة كله صالح للعمل، إلا أن النجاة ليس أساسها العمل، وإنما أساسها الإيمان الذي يجذب فضل الله تعالى، أما العمل فهو وسيلة لتكميل الإيمان ولا شك أن العمل ضروري جدا، إلا أنه مجرد وسيلة في كل حال ونقصان الوسيلة لا يعني فقدان الشيء.إن الشجرة تنبت من البذرة ولكنها تنمو بالماء، ومثل الإيمان كالبذرة ومثل العمل كالماء الذي ينميه؛ ومن المحال أن تنبت الشجرة بمجرد الماء، ولكن لو كانت البذرة ناقصة والماء قليلاً فأيضا يمكن أن تنبت الشجرة ولو كانت ضعيفة.إن الفلاحين يخطئون دائما في سقي زرعهم، ولكن هذا لا يُهلك الزرع كله إلا إذا كان الخطأ فادحا جدًا.إن
٦٩٢ سورة العنكبوت الجزء السابع عمل الإنسان يُنضّر الإيمان، ونقصان العمل يؤدي إلى النقصان في الإيمان، ولكن لو ظل النقصان في العمل دون حدود الشر والبغي لم يدمر زرع الإيمان.أما إذا بلغ نقصان العمل حد الشر والبغي فإن عدل الله تعالى لا يحول دون التوبة؛ إذ ليس العدل أن يُعاقب المجرم بالضرورة، وإنما العدل ألا يُعاقب البريء.فعفو الله العاصي رحمةً به لا يتنافى مع عدله، بل هو مطابق له تماما.لو كان المراد من العدل عن إعطاء الجزاء على كل عمل بقدره فما معنى الغفران والنجاة إذا؟ لأن العدل يعني المساواة.لو كان قولهم صحيحًا فيجب ألا يُمنح المرء النجاة إلا بقدر أيام عمره وبقدر أعماله فقط؛ ولكن لا أحد يقبل هذا فلا أدري كيف يحددون رحمة الله تعالى بحجة العدل؟ يقول الإسلام إن الله تعالى مالك، والمالك ليس مجبوراً أن ينعم أو يغفر بحدود معينة.لا شك أنه يزن أعمال الناس، ولكنه يزنها كي لا يعطى أحد أقل مما يستحق، وليس لكيلا يمنح أحد أكثر مما يستحق.لا شك أن المسيح الله كان إنسانًا معصوما عن الخطأ وكان رسولاً من عند الله تعالى، ولكن من القول أنه سيحمل ذنوب الآخرين.كلا، بل سيحمل كل إنسان صليبه بنفسه يوم الله الخطأ عنه حمله ويعفو عنه بفضله.القيامة، إلا أن يضع والحق أن المسيح الله أيضًا قد قدّم نفس النظرية في الإنجيل حيث قال: "ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني " (متى ۱۰ (۳۸).إن قوله الله هذا يبطل زعم المسيحيين أن المسيح قد حمل خطايا الآثمين.كلا، بل إن كل إنسان سيحمل صليبه بنفسه.وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَلِمُونَ (3) التفسير: لقد ذكر الله هنا نوحا العليا مع أن الله تعالى لم يتحدث عن قومه في الآيات السابقة، إنما ذكر المسلمين فقط، فقال أيحسبون أنهم لن يُلقوا في أي فتنة
الجزء السابع ٦٩٣ سورة العنكبوت العليا بعد نوح ويُتركون بدون اختبار؟ فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا ذُكر ذكر المسلمين هنا؟ والجواب لقد ذُكر هنا قوم نوح لأن الله تعالى قد بين من قبل أن سنة اختبار الناس مستمرة منذ القديم، وكان نوح الأول أو ثاني نبي مشرع على الأقل بعد آدم، فكان في ذكر أحداث بعض الأنبياء منذ ذلك الزمن تأكيد لسنة الله المستمرة بصدد اختبار المؤمنين.إذا فجاء ذكر نوح العليا هنا كحلقة من سلسلة اختبار المؤمنين.أما قوله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَة إِلا خَمْسِينَ عَامًا فلا يعني أن نوحا بلغ من العمر تسع مئة وخمسين عاما، إنما هذا إشارة إلى عمره الروحاني..أي أن شريعته بقيت في قومه تلك المدة، ثم اندرست.فَأَنجَيْنَهُ وَأَصْحَابَ السَّرِينَةِ وَجَعَلْنَهَا وَآيَةً لِلْعَلَمِينَ حيث التفسير: لقد ذكر الله هنا الابتلاءات التي تعرضت لها جماعة نوح بين أن الناس آذوا نوحا وأتباعه أذى شديدًا حتى اضطر هؤلاء كلهم للهجرة من وطنهم في سفينة أصبحت آية من الله للأجيال التالية.وبالفعل لا تزال هذه السفينة موضع نقاش عند الناس حتى اليوم، فيرى العلماء آثارها في أرمينيا تارة وفي روسيا تارة أخرى، أنه مع من المحتمل تمامًا أن يكون أعداء أكثر من رسول قد تعرضوا لعذاب مماثل لعذاب قوم نوح وأن يكون هؤلاء الأنبياء قد نجوا بالسفينة في زمنهم؛ فمن الممكن أن تكون هناك سفن عديدة لا سفينة واحدة – قد جعلت في شتى العصور آية من عند الله تعالى ذلك لأن كل رسول يحل محل رسول آخر وقد حصلت مع العديد أحداث مماثلة، فمثلاً قد نجا يونس العليا بالسفينة أيضًا، منهم وقد اضطر موسى للهجرة من مصر واضطر محمد ﷺ للهجرة من مكة.فيبدو من ذلك أن عذابًا كعذاب زمن نوح قد أتى على شعوب شتى وبلاد مختلفة، ولكن الناس قد أخطأوا واعتبروا كل هذه الأحداث حدثًا واحدًا.
الجزء السابع ٦٩٤ سورة العنكبوت صلے وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ۱۷ التفسير: لقد ذكر الله هنا إبراهيم الله بعد نوح - عليهما السلام – وذلك لأنه كان من لإبراهيم (الصافات: ٨٤)..أي كان إبراهيم من أتباع نوح.وقد تبين من ذلك أن زمن نوح ال كان ممتدا إلى زمن إبراهيم، وبالتالي فلا يعني قوله تعالى: فَلَبثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَة إِلا خَمْسِينَ عَامًا أن نوحا عاش في قومه هذه المدة بجسده، بل المراد أن شريعته ظلت نبراسًا للناس في تلك الفترة التي تمتد أمة نوح، نوح، لقوله تعالى في موضع آخر وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ إلى زمن إبراهيم وموسى؛ وهكذا كان عمره الروحاني تسع مئة وخمسين عاما.إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَنَا وَتَخْلُقُونَ إِفَكَا إنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللهِ الرّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَأَشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ۱۸ التفسير: لقد بعث إبراهيم ال في عصر قد تفشى فيه الشرك والوثنية، فقام بجهاد كبير للقضاء عليه.لا شك أن الشرك كان موجودًا في زمن نوح أيضًا، ولكن معرفة الناس بصفات الله تعالى كانت عندها في مراحلها الأولى؛ وبالتالي كان الشرك أيضًا في شكله البسيط..أعني أن بعض الناس عبدوا تماثيل الصالحين، وبعضهم اتبعوا طرقًا بسيطة أخرى للشرك.أما في زمن إبراهيم فكان الشرك قد تحول إلى موضوع فلسفي حيث أخذت الفلسفة تغزو العقول من ناحية، ومن
الجزء السابع ٦٩٥ سورة العنكبوت ناحية أخرى اطلع الناس على دقائق توحيد البارئ أيضًا التي كان العمل بها أصعب من العمل بمسائل التوحيد البسيطة.فمثلا لو قلت اليوم للوثنيين: لماذا تعبدون أن الأوثان؟ يقولون: نحن لا نعبدها وإنما نضعها أمامنا من أجل التركيز، وهذا يعني الشرك موجود الآن كما كان في الماضي، ولكنه قد اصطبغ اليوم بصبغة جديدة.كذلك كان الناس في زمن إبراهيم العلي قد صبغوا الشرك صبغة جديدة، ولذلك لم يكتف إبراهيم ال بنصح قومه بقوله: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إفكا، بل أضاف: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عَنْدَ الله الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).فنبههم هنا إلى خمسة أمور أولها: أن ظنهم عن آلهتهم التي يعبدونها أنها تقدر على سدّ حاجة أو دفع ضرر لظن باطل، إذ لا تملك لهم نفعًا ولا ضراً.وثانيها : أن الرزق بكل أنواعه بيد الله تعالى، فعليهم أن يسألوا الله الذي بيده كل خير وبركة وخزائن النعم كلها.وثالثها: وحده ولا يعبدوا أحدًا سواه ورابعا : عليهم أن يشكروا الله عليهم أن يعبدوا الله تعالى على ما من به عليهم من النعم ويقدروها خامسًا: أنهم سيحضرون عند الله بعد البعث من الموت فليعملوا أعمالاً ينالون بها رضا الله تعالى.لقد تبين من ذلك أن إبراهيم ال لم يمنعهم عن عبادة الأوثان فحسب، بل ردّ على الفلسفة التي كانت وراء الوثنية حينذاك.فنبههم أن هذه الأحجار التي هي جماد محض ولا حياة فيها لن تمنحهم شيئا إذا كانوا يريدون شيئًا فليسألوا الله الذي يملك القدرة كلها.ثم لم يكتف إبراهيم العلي بنصيحة قومه بقوله: فَابْتَغُوا عِنْدَ الله الرِّزْق، بل قدم أسوته الحسنة في هذا الصدد فلما أمره الله تعالى أن يأخذ ابنه إسماعيل وأُمّه هاجر ويتركهما في واد غير ذي زرع لم يفكر من أين يأكلان وكيف يبيتان في تلك البرية، بل تركهما هناك، موقنًا بأن الله الذي يرزقهما في البيت سيرزقهما في البرية أيضًا.أما قوله: ﴿فَابْتَغُوا عندَ الله الرِّزْق فقد حث به إبراهيم ال قومه على اغتنام الوسائل المتاحة لهم من قبل الله تعالى لسدّ حاجاتهم.،
الجزء السابع ٦٩٦ سورة العنكبوت الله تعالى وهبه الحق أن الثروة نوعان: نوع يكسبه الإنسان بجهده، ونوع آخر بدون أي جهد منه والثروة التي يكسبها الإنسان في الدنيا تتفاوت من شخص إلى آخر؛ فمثلاً إن الأرض أيضًا ثروة، ولكن ليس كل الناس من أصحاب الضيعات، بل بعضهم يملكون أراضي شاسعة وبعضهم يملكون القليل منها، وبعضهم لا يملكون منها شيئا.ونفس الحال بالنسبة للتجارات والأعمال، فتجد تاجرا يتجول في الشوارع حاملاً بضائعه على رأسه، بينما تجد شخصا آخر يملك مصانع كبيرة.ونفس الحال بالنسبة للنقود، فهناك شخص مثلاً يملك خمس مئة روبية أو سبعا فقط، ويظن أنه من أهل الثراء، بينما تجد شخصاً آخر يملك الملايين ومع ذلك يريد المزيد جاهدًا.وهناك في أمريكا من الأثرياء الذين يبلغ دخلهم السنوي ملايين الدولارات، بينما تجد في البلاد الفقيرة أن شخصًا إذا ملك مئة أو مئتين روبية اعتبره الناس من الأغنياء.فالناس ليسوا سواسية فيما يتعلق بامتلاك الثروة الظاهرة، ذلك لأنها تكتسب بالجهد والكفاح، ولذلك نجد بين الناس تفاوتا كبيرا بصددها، ويخضع هذا التفاوت حينًا للقانون القائل: مَن جَدَّ وجد، وحينًا يرجع إلى استثناء حيث يرث الابن من والديه ثروة كبيرة.بيد أن هناك ثروة من نوع آخر، ولكن المؤسف أن الإنسان لا يقدرها مع أنها ثروة غالية جدا، بل هي الثروة الحقيقية في الواقع، وتوزع من عند الله على الناس على السواء، ألا وهي ثروة الذاكرة والفكر والذكاء والعقل والتدبر، وينالها كل إنسان إلا المجانين والمعتوهين.وهذا الاستثناء شاذ جدا، فكل إنسان يولد في الدنيا يعطى هذا الكنز العظيم من عند الله تعالى، إذ يوهب مع ولادته قوة الذاكرة والذكاء والفكر والتدبر، ولكنه إذا لم يُقدّر هذه القوى حق قدرها ضاعت كليا أو جزئيا.فمثلاً إذا لم يستعمل عيونه ضاع بصره، وإذا لم يمش شلت رجلاه، وإذا لم يعمل بيديه شلت يداه، وكذلك إذا لم يستعمل لم أعضاءه الأخرى ضاعت قواها الجسمانية.أما الذي يقدرها فتزداد قوة إلى قوة، فمثلاً إذا اجتهد الطالب وذاكر دروسه أصبحت ذاكرته قوية؛ وإذا لم يجتهد ولم يذاكر أصبح ضعيف الذاكرة.ومن حاول تفهم الأمور أصبح قوي الاستنباط، أما الذي لا يسعى لذلك يفقد قوة الاستنباط.والذين يفكرون فيما حولهم تزداد قوة
الجزء السابع ٦٩٧ سورة العنكبوت عقلاً، من الفكر عندهم أما الذين ليسوا معتادين على التفكير في الأشياء تضعف قوة الفكر عندهم.والذين يحاولون ضبط عواطفهم في حدودها يزدادون ومن لم يفعل أصبح ضعيف العقل والذين يسعون دائمًا لاستعمال ما أعطاهم الله من نعم أو أسباب في محلها وبحدها المناسب تزداد عندهم ملكة التدبير، أما الذين لا يقومون بهذا التخطيط فيفقدون هذه الموهبة.فكل الناس يُخلقون بهذه القوى سواسية تقريبًا، أما أن لا يُقدّرها أحد ويضيعها فهذا أمر آخر.وتتفاوت هذه الملكات شخص لآخر وفقًا لمعاملة والديه معه؛ فمثلاً إذا لم يقم الوالدان برعاية الطفل في صغره، أو لم تأخذ أمه الحيطة المناسبة أيام الحمل، فقد تضعف هذه القوى فيه، ولكنه أمر استثنائي؛ أما لو نظرنا إلى الناس ككل، بغض النظر عن هذا الاستثناء، نجد ملايين الملايين يتمتعون بهذه الثروة الموهوبة من عند الله تعالى.ولكن ليس الأمر كذلك فيما يتعلق بالثروة الظاهرة، ولو نظرنا للناس جميعًا من هذا المنظور لم نجد عدد الأثرياء في الدنيا كلها أكثر من مليونين ونصف المليون تقريبا.فلو كان عدد أصحاب الثروة الظاهرة مليونين ونصف مليون، ولو كان عدد سكان العالم كلهم مئة وخمسين مليونًا، لكان بين كل عشرة ملايين شخص مئة ألف ثري.لقد بلغ عدد سكان العالم الآن مليارين ونصف مليار، وهذا يعني بين كل ۱۷۰۰ شخص تقريبًا.أما فيما يتعلق بثروة الذكاء والذاكرة والفكر والتدبر فتجد بين كل ۱۷۰۰ شخص ١٦٨٠ شخصا يملك هذه الثروة، وسيكون هناك عشرون شخصًا فقط هم محرومون منها، وإن كان من الممكن أن تكون هذه الثروة قد نقصت عند البعض نتيجة إهماله إياها، شأنه شأن السكين التي تلقى في المطر فيصيبها الصدأ، فإذا حملها الإنسان وصقلها عادت إلى حالتها الأصلية.ومن المستغرب أن الناس أكثر كفرانا بهذه الثروة التي قد وهبها الله للجميع.فإذا سألت بعضهم: كم عندك من المال؟ قال: نعم، عندي كذا من الأرض والديار والبقر والخيل، ولكنه لن يذكر هذه الثروة التي هي أكبر الثروات..أعني لن يذكر الهواء والماء مثلاً اللذين إذا حُرمهما مات.فمثلاً لو ضاعت بقره وخيله لم يمت، ولو ضاعت ثيابه لم يمت وتحمل قسوة الطقس، ولكن لو لم يجد الهواء لمات في دقائق، أنه يوجد ثري واحد
الجزء السابع ٦٩٨ سورة العنكبوت عندي ولو لم يجد الماء لمات في يوم أو بضعة أيام، ومع ذلك لا يذكر – كما قلتُ – الثروة التي هي أكبر الثروات والتي يستحيل بقاؤه بدونها.ثم إنه لن يذكر لك العين والأنف والأذن واللسان عند هذا السؤال، بل يقول في الجواب مثلاً: السكر بهذا المقدار، ولكنه لا يفكر أن السكر لن ينفعه إذا لم يكن عنده اللسان؛ إذ لولا قدرة اللسان على التذوق لاستوى عنده السكّر حلوا كان أو غير حلو.أو يقول مثلاً: عندي زوجة جميلة وأبناء وسَماء، ولكنه لا يتفكر في أنه لو لم تكن لديه عينان لما أدرك جمالهم.فثبت أن الإنسان لا يقدر كنوز الثروة الحقيقية، بل يجري دائما وراء الثروة الأدنى أو التي ينالها بواسطة أشياء أخرى.خذوا مثلاً الثوب، فإنه ذو قيمة لي إذا وجده جسمي ناعم الملمس، ولكن إذا لم يحس جسمي بنعومته فلا قيمة له بالنسبة إلي.ثم إنه ذو قيمة لأنه يعجب أحبابي ويسرهم، ولكن إذا لم يكن عند أحبابي عيون أو إذا فقدتُ أنا الحس فماذا أن عسى ينفعني سواء أكان غالي الثمن أو رخيصا جدًا.ونفس الحال بالنسبة للسان والمعدة، فإنهما يجعلان معًا الطعام ذا قيمة ولكن إذا حرم المرء اللسان مثلاً فلن يجد متعة في شرب الحليب وأكل الزبدة أو الأرز وغيرها من الأطعمة والأشربة.إذا فثيابنا وطعامنا و شرابنا تصبح ذات قيمة لنا بواسطة هذه النعم الأخرى التي وهبنا الله إياها، إذ لو فقدت العين أو الحس المادي لم يعد عندك فرق بين الثوب الرديء والجميل مهما كان غالي الثمن.باختصار إن ما أعطانا الله تعالى من هذه الثروة لغال جدا، ولكن الأسف أن الناس لا ينتفعون منها حق الانتفاع وهذا ما يلفت إليه إبراهيم الله أنظار قومه وينهاهم عن إهدار طاقاتهم، فينصحهم أن يُقدّروا نعم الله تعالى وينتفعوا بها ويسعوا لكسب الرزق بحسب القانون الإلهي؛ وعليه فإن لعبارة عندَ الله في قوله تعالى: فَابْتَغُوا عِنْدَ الله الرِّزْقَ نفس المدلول الذي هو لقوله تعالى: (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ الله هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ (النور: ١٤).وكأن إبراهيم ال يقول لقومه: لم تسجدون للأصنام؟ عليكم أن تنتفعوا بما آتاكم الله تعالى من قوى
٦٩٩ سورة العنكبوت الجزء السابع وملكات من أيد وأرجل وما إلى ذلك، واسعوا لكسب الرزق بحسب هذا القانون الإلهي، إذ لن تنفعكم هذه الأفعال المثيرة للضحك.وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ۚ وَمَا عَلَى و الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَا الْمُبِينُ (3) ۱۹ التفسير: لقد تبين من هذه الآية أنه كان بين إبراهيم ونوح أنبياء كثيرون.وقد أوذي كل واحد منهم في عصره على أيدي الكافرين من قومه، ولكنهم تحملوا ببسالة كل أذى، فكتب الله لهم النجاح في نهاية المطاف.أما قوله تعالى: وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ فقد بين فيه أن الدعوة والتبليغ هي السنة القديمة للرسل لا استخدام السيف، وقد اتبع إبراهيم أيضًا هذه السنة نفسها؛ كما قال الله تعالى لأهل عصره أيضًا ليس على رسولنا إلا تبليغ رسالتنا لا إكراه الناس على قبولها بحد السيف.والحق أن هذا هو ملخص القرآن كله..أي ليس على أهل دين إلا إقناع الناس بالدليل، أما إكراههم بالقوة فلا يجوز لهم أبدا.ولكن المؤسف أن الدنيا لم تع هذا الأمر حتى اليوم، مع أن الواقع أن كل إنسان يعتبر عقيدته حقا بغض النظر عما إذا كانت حقا في الواقع أم لا، شأن المسلم الذي يعتبر دينه حقا.لا شك أن المسيحية ديانة باطلة، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف ينظر معظم المسيحيين إلى المسيحية؟ لا جرم أنهم يعتبرونها دينا حقا.كذلك لا غرو أن الهندوسية دين باطل، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو : كيف ينظر إليها أكثرية الهندوس؟ لا شك أنهم يعتبرونها دينا حقا.ولا شك أن الديانة اليهودية باطلة ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ماذا يعتبرها معظم اليهود؟ والجواب أنهم يعتبرونها دينًا حقا.فإذا جاز قتل مسيحي بناءً على رأي مسلم بأن دينه حق ودين المسيحي باطل، فلماذا لا يُمنح المسيحي حق قتل مسلم بناء على المنطق نفسه؟ ولماذا لا يجوز للهندوسي أن يُدخل الآخرين في ديانته لگتا
سورة العنكبوت الجزء السابع قهراً أو يقتلهم؟ ولماذا لا يُمنح أتباع الديانة الكونفوشيوسية الموجودة في الصين حق إكراه الآخرين على اعتناقها؟ ولماذا لا يحق للمسيحيين في الفلبين التي يوجد فيها اليوم نحو عشرين ألف مسلم أن يقوموا بتنصيرهم جبرا؟ ولماذا لا يحق لأمريكا أن تدخل مواطنيها المسلمين في المسيحية بالقوة؟ ولماذا لا يحق لروسيا أن يجعلوا المسلمين كلهم بالإكراه مسيحيين أو اشتراكيين؟ إذا كان يحق للمسلمين إكراه الآخرين على قبول عقيدتهم فيجب أن يتمتع الآخرون أيضًا بهذا الحق عقلاً ومنطقاً.ولكن هل يمكن أن تنعم الدنيا بالسلام إذا مُنح هذا الحق للجميع؟! هل تستطيع أن تقول لابنك أو لزوجتك بأنه يحق للمسيحيين أن يُنصروا المسلمين قهراً، ويحق للمسلمين أن يُدخلوا المسيحيين في الإسلام قسراً، ويحق للإيرانيين أن يدخلوا الأحناف كلهم في الشيعة بالقوة، ويحق للأحناف أن يُدخلوا الشيعة في أهل السنة قسرًا؟! فثبت أن هذا الأمر مناف للعقل والمنطق بحيث لن يقبله أي إنسان أبدا.كلما رفض أقوام الأنبياء هداية الله في الماضي قالوا لهم: أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (هود: (۲۹).أي إذا كنتم لا تريدون أن تهتدوا عن طيب نفس فلن تكر هكم على الهدى قسراً.ولكن المؤسف أنه يوجد في هذا العصر بين المسلمين من يُنكر هذا المبدأ.والحق أن الدنيا لو فهمت هذه القضية لانتهت عمليات الاضطهاد الديني والسياسي، ولم يفرض الناس عقيدتهم على الآخرين قسراً ولم تفرض الدول نظامها السياسي على الدول الأخرى بالقوة.ج أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ وو عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (3) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ بدأ الْخَلْقَ ثُمَّ الله يُنشِئُ النّشأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلَّ اللَّهُ شَيْءٍ قَدِيرٌ
جماعةً ۷۰۱ الجزء السابع سورة العنكبوت التفسير : لقد برهن الله تعالى هنا على صدق قوله من قبل: (وَمَا عَلَى الرَّسُول إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)، حيث تساءل: ألم ير هؤلاء كيف أقام تعالى على يد كل نبي روحانية في الماضى، وعندما زال أثره أقام جماعة روحانية أخرى على يد نبي آخر، وهذا الأمر على الله تعالى سهل يسير.فيمكنهم أن يسيروا في الأرض ويروا كيف بعث في الدنيا نبي تلو نبي، وقامت جماعة بعد جماعة.كذلك سيقيم الله الآن جماعة على يد محمد ﷺ والله تعالى قادر كل القدرة على ذلك ولن تحول مكائدهم دون مشيئته هذه.ويظن البعض أن قوله تعالى: كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يتعلق بالحياة الآخرة، والحق أن الحديث هنا ليس عن الآخرة بل عن هذه الدنيا.وحيث إن الموتى لا يعودون إلى الحياة في هذه الدنيا فالمراد من بدء الخلق هنا تمكين الأمم في الدنيا، والمراد من إعادة الخلق النهوض بالأمم الغالبة ثانية بعد زوالها.بيد أن قولنا لا يعني إنكار أية حياة أخروية، بل نقصد بذلك أن هذه الآية: (يُبْدى اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ تتحدث عن صعود الأمم وزوالها في الدنيا كما تدل على ذلك كلمات سيرُوا فِي الأَرْضِ وكلمات كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الأَخرَة حيث يدعو الله تعالى إلى التدبر في الكون.كما أن الله تعالى قد تناول في قوله: كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْق موضوع بدء الكون الذي يسمى في المصطلح.ethnology..أي علم بداية خلق الكون..والمعنى أنكم إذا سرتم في الأرض ورأيتم أحوال الناس عرفتم كيف كانت بداية العالم، أي إذا أردتم معرفة تاريخ العالم معرفة صحيحة فلن تستطيعوا ذلك بمعرفة أحوال بلد واحد، بل ستعرفونه برؤية أحوال شتى البلاد؛ إذ قامت في عصور مختلفة حضارات مختلفة، حيث ازدهرت الحضارة في الهند ،مرة وفي إيران مرة أخرى، وفي روما تارة، وفي الجزيرة العربية تارة أخرى، وفي الشام حينًا، وفي مصر حينا آخر.فلا بد السير في شتى بلاد العالم والنظر في آثار مختلف الشعوب، وعندها ستتوصلون إلى النتيجة الصحيحة في معرفة تاريخ العالم.
الجزء السابع ۷۰۲ صلے سورة العنكبوت يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ : ۲۲ التفسير: ليس المراد من هذه الآية أن الله تعالى يرحم أو يعذب بشكل عشوائي، الله تعالى في مواضع أخرى من القرآن الكريم أنه لا يشمل برحمته إلا إذ قد صرح الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤدون الصلاة جماعة ويعطون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، حيث قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَن الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: ٧١)، وقال تعالى أيضا: (عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا للَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (الأعراف: ١٥٧).لقد تبين من هنا أن الله تعالى لا يرحم بشكل عشوائي أو بدون حكمة، بل تشمل رحمته من يستحقها بعمله.وقد بين الله تعالى سنته عن العذاب أيضًا حيث صرح أنه لا يعذب أحدا بطريقة عشوائية، بل يعذب من يستحق العذاب نتيجة كفره بالله ورسوله، حيث قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) (النساء: ١٧٤)، وأيضًا قال لرسوله لسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر ) إلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ : (الغاشية: ٢٣-٢٥)، وقال تعالى: فَأَمَّا الَّذينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّال لما يُريدُ ) وَأَمَّا الَّذينَ سُعدُوا فَفِي الْجَنَّة خالدينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضَ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَحْدُودَ)) (هود: ۱۰۷-۱۰۹)، وقال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ( يَا وَيْلَتَى لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خليلا (الفرقان:۲۸-۲۹).فما دام القرآن الكريم قد أخبر بوضوح عن الذين سيرحمهم الله تعالى، وصرح أيضًا عن الذين سيعذبهم، فباطل الزعم أنه تعالى يرحم أو يعذب بشكل عشوائي.
۷۰۳ الجزء السابع سورة العنكبوت ثم إن عقاب أحد بشكل عشوائي ظلم، وقد أخبر الله تعالى في القرآن الكــريم صراحة أنه لا يظلم أحدًا حيث قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مَثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَـــا وَكَفَى بَنَا حاسبين (الأنبياء: ٤٨)، وقال تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَتَكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( وَمَنْ حَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَتَكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلَمُونَ) (الأعراف: ۹-۱۰)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة) (النساء: ٤١)، وقال تعالى: إِنَّ الله لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلَمُونَ (يونس: ٤٥ ).ثم إن هذا الزعم باطل حيث إن القرآن الكريم قد صرح أن كل إنسان سيُعامل بحسب عمله، حيث قال الله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ( وَأَنَّ سَعْيَهُ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى) (النجم : ٤٠ - ٤٢)، وقال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مثْقَالَ ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة: ۸-۹)، وقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ (الشمس: ١٠-١١)..أي من طهر سَوْفَ يُرَى نفسه نال بغيته، ومن دسها في الرغام خاب وخسر.فلا يبقى بعد هذا التصريح مجال لأن يعذب الله تعالى أحدا أو يرحمه بطريق عشوائي، وإنما يعني قوله تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ أَنه يعامل الناس طبقا لسلوكهم، فيرحم الذين يستحقون رحمته بالتفاني في محبته، ويعذب الذين يدنسون نفوسهم بالمعاصي.أما السؤال: لماذا قال الله تعالى هنا : مَنْ يَشَاءُ ، بدلاً من أن يقول إنه سيرحم من كان صالحا ويعذب من كان سيئًا؟ فالجواب أن مشيئة الله ومقتضى العدل والإنصاف شيء واحد في الحقيقة.وبما أن الحقائق حاكمة على الإنسان فلا تُقدَّر أعماله بالنظر إلى نفسه، بل تُقدَّر وفقًا للحقائق.أما الله تعالى فهو منبع جميع الحقائق، فلا يقال أنه سيعمل طبقا للحقائق، بل يقال إنه يعمل بحسب مشيئته كونها منبع الحقائق كلها.إنه معدن الحسن، وإن كل حقيقة إنما هي انعكاس لمشيئته وصورة لإرادته وتجل لحسنه وجماله.فالقول بأن مشيئته تابعة للحقائق يماثل
الجزء السابع ٧٠٤ سورة العنكبوت القول أن الابن أب لأبيه.وإنها لحكمة بالغة يمكن بها حل جميع الآيات الصعبة كهذه.صل وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزين في الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَلِي وَلَا نَصِيرٍ ) ۲۳ التفسير: لقد تحدى الله هنا الكافرين أنهم لن يحولوا دون انتصار محمد وغلبته مهما اتخذوا من تدابير أرضية أو سماوية..أي مهما عارضوا الإسلام بالتدابير المادية ومهما دعوا الله تعالى لينالوا مددا من السماء، ذلك لأن أسباب الأرض ونصرة السماء كلتيهما تعملان على نصرته وتأييده ، فلن يدمروا بمعارضتهم إياه إلا أنفسهم، ولن يكون لهم ولي ولا نصير من دون الله.لقد تحدى الله تعالى هنا الكافرين أن يتخذوا التدابير الأرضية والسماوية كلتيهما لأنه تعالى قد أمر المؤمنين أيضًا باتخاذ التدابير بنوعيها من أجل إشاعة الإسلام حيث قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِي نَفَقَاً الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً في السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بآية وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ الجاهلينَ) (الأنعام: (٣٦)..أي يا محمد، أو يا قارئ القرآن، إذا كان إعراض المعارضين شاقا عليك وتظن أن عداءهم قد تجاوز الحد حتى بات إصلاحهم محالاً، فيجب أن تنفض هذه الفكرة من ذهنك..أي لا تيأس أبدًا من إصلاح المعارضين نتيجة إنكارهم ومعارضتهم، بل إن استطعت فعليك أن تشق نفقا في الأرض أو تصعد بسلّم في السماء لتأتيهم بآية.واعلم أن من أراد فتح قلعة للعدو، فإما أن ينسف جدرانها أو يدخل فيها صاعدًا على السلالم.وكلا الأمرين ممكن وليس محالاً، ولذلك يذكر الله تعالى هنا المؤمنين بهاتين الطريقتين اللتين لا يزال الناس يتبعونهما منذ القديم في حروبهم المادية ضد العدو، ويخبرهم الله تعالى أنه قد جعل هاتين الطريقتين كلتيهما لفتحهم الروحاني
V.O الجزء السابع سورة العنكبوت أيضًا.فإذا رأوا أن معارضة العدو قد بلغت ذروتها، فعليهم أن يتخذوا لهدايته كل التدابير المادية المتاحة من ناحية ومن ناحية أخرى عليهم أن يسعوا للصعود إلى السماء بالسلم..أي بسلّم الدعاء كما هو مفهوم لكل عاقل متدبر.إذًا، فالله تعالى يوصي المؤمنين هنا أن يسعوا لفتح القلاع الروحانية باتخاذ نفس الطرق التي تُفتح بها القلاع المادية في الدنيا، فإما أن ينسفوا جدرانها أو يقفزوا إلى داخلها بالسلالم، لأن هاتين هما الطريقتان للنجاح في الحرب الروحانية أيضًا..أي عليهم أن يعملوا جاهدين لنصح القوم ووعظهم من ناحية، ومن ناحية أخرى أن يدعوا الله تعالى لهدايتهم.فمن كان فيه شيء من الجدية ستأخذ عمارة عليهم كفره في الانهيار.ثم يقول الله تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلينَ..أي لا تنسَ أن الله تعالى قادر على هدايتهم، فلا داعي لليأس.ذلك أن الإنسان إنما ييأس إذا رأى خللاً وقصورًا في جهوده ، ولكنه لو أيقن أن الله تعالى قادر على أن يهدي الجميع، وليس شخصا واحدا، فلا ييأس أبدًا.إذًا، فالله تعالى ينبهنا أن لا ننسى أن قدرته لا تعرف الحدود، فهو قادر على أن يهدي العالم كله وليس شخصا واحدا فحسب.فكما أن الله تعالى قد أوصى المؤمنين في الآية المذكورة أعلاه ببذل كل ما في وسعهم من تدبير حين تبلغ معارضة العدو ذروتها، وأن تكون تدابيرهم من نوعين: فعليهم بنسف قلوب الأعداء من خلال الدعوة المكثفة من جهة، ومن جهة أخرى عليهم أن يصعدوا إلى السماء بالسلالم..أي أن يُكثروا من الدعاء ويستعينوا بالله تعالى، فقد تحدى الله تعالى الآن الكافرين في الآية قيد التفسير بأن يتبعوا الطريقتين لمعارضة المؤمنين أيضا، وليعلموا أنهم لن ينجحوا أبدا سواء اتخذوا التدابير المادية أو لجأوا إلى الدعاء والبكاء أمام الله تعالى، بل إن الفشل مصيرهم في كل حال، لأنه تعالى قد قرر انتصار محمد الله والذين معه وهزيمة أعدائهم الذين يلجأون إلى الجبر والإكراه، وليس في الدنيا قوة تقدر على تغيير هذا القرار الإلهى.
الجزء السابع ٧٠٦ سورة العنكبوت وَالَّذِينَ كَرُواْ بِنَايَتِ اللَّهِ وَلِقَابِهِ أَوْلَتَبِكَ يَبِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَيكَ هُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أنهم التفسير: أي أن الذين ينكرون آيات الله ولا يرجون لقاءه إنما سببه يصبحون يائسين من رحمة الله وموقنين بعقابه؛ فيسعون للنجاة من الهلاك ويريدون أن يدفعوا هذا الموت إلى النبي وأتباعه حتى لا يسمعوا منهم الحديث عن البعث بعد الموت ولا يصابوا بالذعر فيبدأ هؤلاء في الهجوم على الأنبياء وجماعتهم ليقضوا عليهم، فيقعون تحت بطش الله تعالى.وحيث إنهم يصبّون على الأنبياء وجماعتهم صنوف الأذى والتعذيب، فيعذبهم الله عذابا أليما.فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُواْ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرَقُوهُ To فَأَنجَبَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) التفسير: أي لما نصح إبراهيم الأهل عصره أن يتركوا عبادة الأصنام ويعبدوا وحده، حرّض بعضهم بعضًا ضد إبراهيم، فقالوا تعالوا نقتله أو نحرقه في النار، ولكن الله تعالى نجاه منها.الله لقد بين الله تعالى في مكان آخر من القرآن الكريم كيف نحا إبراهيم من النار فقال: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (الأنبياء: ٧٠)..أي قلنا للنار المادية ستلقى فيك الآن نار ،روحانية، فكُوني باردةً إزاءها.إن نار محبتي مضطرمة في قلب إبراهيم، ولا يقدر شيء في الدنيا على مقاومة نار محبتي، شأن الشمس التي تتغلب على أضواء الشموع وشأن الجمرة الملتهبة التي يجد المرء حرارتها أشد من أي حرارة أخرى؛ فكوني أيتها النار، باردة على إبراهيم، إذ لا مقارنة بينك وبين نار حبي المشتعلة في قلبه.هذا، وقد تلقى المسيح الموعود ال أيضًا إلهاما مماثلاً باللغة الأردية وهو:
الجزء السابع ۷۰۷ سورة العنكبوت آگ سے همیں مت ڈرا، آگ ہماری غلام بلکہ غلاموں کی غلام ھے (ملفوظات (أردو) المجلد ٤ ص ٢) أي لا تُخوّفنا من النار، لأن النار عبد لنا بل عبد لغلماننا.والمراد أن نار عشق الله تعالى مشتعلة في قلوبنا، فلا تساوي النارُ المادية إزاءها شيئا، إذ بوسع اللوحة الحديدية الحامية أن تحرق يد الإنسان ولكنها لا تقدر على إحراق الجمرة المشتعلة؛ كذلك من المحال أن تحرق النار إنسانًا تضطرم في قلبه نار حب الله تعالى.فما حدث مع إبراهيم العليا هو أن الله تعالى أرسل سحابًا، فأمطر وأبرد النار على إبراهيم.فآمن به بعض الناس من قومه برؤية هذه المعجزة ونجوا من عذاب النار.كان الخليفة الأول الله يقول في تفسير هذه الآية في أول أمره إن النار هنا نار المعارضة التي أبردها الله تعالى.وأتذكر أن شخصاً باسم عبد الغفور ارتد عن الإسلام عام ۱۹۰۳ الميلادي واعتنق الهندوسية، واختار لنفسه اسم "دهر مبال"، ثم كتب كتابًا بعنوان "ترك الإسلام".فقام الخليفة الأول له بالرد عليه، وقد نشر كتابه بعنوان "نور الدين".كانت مسودة كتابه تُقرأ على مسامع المسيح الموعود ال يوميًا.ومن الاعتراضات التي أثارها "دهر مبال" في كتابه قوله بأن النار إذا كانت قد بردت على إبراهيم فعلاً، فلم لا تبرد على الآخرين؟ فرد عليه الخليفة الأول له بأن النار هنا ليست مادية، وإنما هي نار المعارضة.فقال له المسيح الموعود ال: ما الداعي لهذا التأويل؟ فقد سماني الله تعالى أيضا في وحيه "إبراهيم"، فإذا كان الناس لا يفهمون كيف أصبحت النار بردًا على إبراهيم العلة فيمكنهم أن يُلقوني في النار ليروا كيف أخرج منها سالما.وبناءً على قول المسيح الموعود العلي هذا قام الخليفة الأول بتعديل الجواب وكتب ما تعريبه: يمكنكم أن تلقوا إمامنا في النار، وسيحفظه الله منها يقينًا بحسب وعده كما حفظ إبراهيم العل.(نور الدين ص ١٨٧)
۷۰۸ سورة العنكبوت الجزء السابع وبناء على ما قاله المسيح الموعود اللة للخليفة الأول فإني كلما قمت بتفسير هذه الآية لم أقل أن النار التي أخمدها الله على إبراهيم الله إنما هي نار المعارضة، بل قلت إن المعارضين قد ألقوا إبراهيم في النار فعلاً، ولكنها بردت عليه.وحيث إن الله تعالى يسخر الأسباب المادية لأفعاله في الدنيا، فمن الممكن أن يكون السحاب قد جاء فأمطر وأخمد النار.المهم أننا نؤمن بأن الأعداء قد أشعلوا النار فعلاً ضد إبراهيم ال، ولكن الله تعالى خلق من الأسباب ما أحبط كيدهم ونجاه من النار.لقد بين المسيح الموعود الله هذا الموضوع في كتبه ويومياته أيضًا.فذات مرة عُرضت عليه رسالة بعثها بعض أفراد جماعته قال فيها: أكانت النار التي صارت بردًا على إبراهيم نارا مادية في الحقيقة أم نار الفتنة والمعارضة؟ فكتب إليه المسيح الموعود العليا في الجواب ما تعريبه: "فيما يتعلق بنار الفتنة والفساد فإنها تُضرم ضد كل نبي، وهي التي تتخذ دائمًا منحى بحيث يُظهر الله تعالى إزاءها قدرته المعجزة تأييدا لنبيه.أما إخماد النار المادية على إبراهيم ال فليس بأمر عسير على الله تعالى، بل إن مثل هذه الأحداث تقع دائما في الدنيا.ولا حاجة بنا إلى كثير من البحث والتدقيق فيما حصل مع إبراهيم العليا إذ قد مضى عليه آلاف السنين، فإننا لا نزال نرى ونجرب بأنفسنا مثل هذه الأحداث في هذا الزمن أيضًا.فذات مرة كنتُ في مدينة سيالكوت، وكان المطر ينزل، فسقطت الصاعقة ودخلت في الغرفة التي كنت جالسا فيها، فامتلأت الغرفة بالدخان وبرائحة كرائحة الكبريت ولكنها لم تصبنا بضرر.وقد سقطت نفس الصاعقة وفي نفس الوقت على معبد هندوسي شهير باسم معبد "تيجاسنغ"، وكان "تيجاسنغ" جالسًا في المعبد وسط عدة جدران ملتوية على شكل حلزوني حيث يطوف بها الهندوس بحسب عادتهم، فدخلت الصاعقة في المعبد ومرت بكل هذه الطرق الملتوية ووصلت إلى تيجاسنغ فأحرقته حتى صار أسود اللون كالفحم.فترى أن نار الصاعقة نفسها قد أحرقته وقتلته ولكنها لم تصبنا بضرر لأن الله تعالى حفظنا.
۷۰۹ الجزء السابع سورة العنكبوت وهناك حادث آخر وقع معي في سيالكوت أيضًا فكنتُ ذات ليلة نائما في الطابق الثاني من بيت وكان ينام في الغرفة نفسها حوالي ستة عشر شخصا.فسمعت صوئًا غريبا ينبعث من العمود الخشبي الذي يحمل السقف، فأيقظتُ أصحابي وقلت يبدو أن العمود على وشك أن ينكسر، فلنخرج من هنا فورا.فقالوا: ربما هناك فأرٌ يُحدث هذا الصوت، فلا داعي للقلق، وعادوا لسباتهم.و سمعت نفس الصوت بعد وقت قصير، فأيقظتهم، ولكنهم لم يكترثوا لقولي.ثم سمعت الصوت للمرة الثالثة، فأيقظتهم قسراً وأخرجتهم من الغرفة.وخرجت منها بعدهم، وما إن وضعت قدمي على الدرج الثاني حتى سقط السقف وانهار معه سقف الطابق الأول أيضًا وكسر الأسرّة كليةً، ولكن نجا الجميع.هذه هي حماية الله المعجزة، حيث لم يسقط العمود إلا بعد خروجنا من الغرفة.كذلك عثرنا مرة على عقرب ميت على سريري داخل لحافي.وفي مرة أخرى عثروا على عقرب حي يمشي داخل لحافي، ولكن الله تعالى نجاني من ضرره في كلتا المرتين.وذات مرة أصابت النار ثوبي دون أن أدري، فأخبرني شخص آخر، النار.فأُطفئت فليس عند الله تعالى طريق واحد لإنقاذ الناس، بل عنده طرق كثيرة.وثمة أسباب كثيرة وراء خاصية الحرارة والإحراق في النار أيضًا بعض هذه الأسباب لا تزال خفية لم يطلع عليها الناس، كما لم يكشف الله تعالى على الدنيا بعد الأسباب التي تزيل صفة الإحراق من النار ؛ فلا غرابة في أن تكون النار قد بردت على إبراهيم فعلاً." (جريدة "الحكم" عدد ١٠ يونيو ۱۹۰۷ ص ۳) وكذلك كتب حضرته العليا في كتابه "البراهين الأحمدية" ما تعريبه: "إنه لمن الخطأ الفادح الذي ارتكبه "برهمو سماج" أنهم يريدون تحديد قدرة الله وربوبيته التي لا نهاية لها في نطاق تجاربهم القليلة الضيقة، ولا يفهمون أن الأمور التي انحصرت في قانون معلوم مقرر لا بد أن تُعتبر محدودةً، أما الحكم والقدرات التي توجد في ذات غير محدودة فلا بد أن تكون غير محدودة.فهل بوسع عاقل أن يقول
۷۱۰ الجزء السابع سورة العنكبوت أن ذات الله التي تملك القدرة المطلقة تعلم خلق الأشياء إلى هذا الحد ولا تعلم أكثر من ذلك؟ هل يمكن قياس قدراته غير المتناهية بمقياس الإنسان؟ أو هل من الممكن أن تصبح حكمه القادرة غير المتناهية عاجزة عن التصرف في العالم في وقت ما؟ لا شك أن يده القوية قابضة على كل ذرة من الكون، وليس ثمة مخلوق هو قائم بسبب قوته الذاتية، بل هو قائم لأن الله تعالى يقيمه ويسانده.وهناك ميادين كثيرة واسعة لإظهار قدراته الربانية ولا نهاية لها لا في داخل الأشياء ولا في خارجها.فكما أنه من الممكن أن يخلق الله لإطفاء نار مشتعلة أسبابًا خارجية، كذلك من الممكن تماما أن يخلق من داخل النار المضطرمة ما يزيل خاصية الإحراق فيها، لأن حكمه تعالى غير متناهية، ولا شيء هو مستحيل أمام قدرته.وما دمنا قد اعترفنا بأن حكمه وقدراته غير متناهية فلزم علينا أن نعترف أيضا بأنه من المحال علينا أن نحيط بجميع حكمه وقدراته علمًا.إذًا، وقدراته علمًا.إذا، فلا نستطيع أن نضع قانونًا لحكمه وقدراته التي لا نهاية لها؛ إذ إننا عاجزون عن قياس الشيء الذي لا نعرف حدوده.إن عالمنا نحن بني آدم صغير وضيّق جدًا، ثم ليس لدينا علم كامل بهذا العالم أيضًا؛ فمن السفاهة وسوء الأدب أن نحاول والحال هذه، قياس حكم الله وقدراته غير المحدودة بقياسنا الناقص المحدود جدا." (براهين أحمدية الجزء الرابع، الخزائن الروحانية المجلد ١ ص ٤٨٢-٤٨٨ الهامش ١١) " - كما بين حضرته العل هذا الموضوع في كتاب آخر فقال ما تعريبه: وثمة أمر جدير بالذكر وهو أن الخوارق التي تظهر على يد الأولياء أحيانًا حيث لا يُغرقهم الماء أو لا تضرهم النار ، إنما السر وراءها أن الحكيم المطلق - الذي لا يستطيع الإنسان الإحاطة بأسراره غير المتناهية – يُري في بعض الأحيان قدرةً خارقة عند توجه أحبته ومقربيه إليه تعالى بالدعاء بحيث إن توجههم يتصرف في هذا العالم.ذلك أن الأسباب الخفية التي من شأنها إزالة خاصية الإحراق من النار مثلاً - سواء أكانت تلك الأسباب من قبيل تأثيرات الأجرام الفلكية، أو من قبيل الخواص الكامنة في النار نفسها، أو من قبيل الخواص الخفية في بدن ذلك الإنسان نفسه، أم كانت مجموعة كل هذه الأمور معًا - تتحرك وتتيسر نتيجة توجه ذلك
۷۱۱ الجزء السابع سورة العنكبوت الإنسان ودعائه، فيظهر الأمر الخارق.بيد أن وقوع هذه الخوارق لا أنه لم يبق لخواص الأشياء وحقائقها ،اعتبار ، أو أن العلوم قد ضاعت، بل إنها في حد ذاتها يعني علم من العلوم الإلهية؛ حيث تبقى الخوارق في محلها، وتبقى خواص الأشياء - كخاصية إحراق النار مثلاً - في محلها أيضًا؛ وبتعبير آخر إنها أسباب روحانية تُبدي أثرها بالتغلب على النار وهي مختصة بوقتها ومحلها.إن عقل الدنيا المادية لا يقدر على استيعاب هذه الحقيقة بأن الإنسان الكامل يكون مهبطا لتجلّي الروح الإلهية، وعندما يكون الإنسان الكامل خاضعا لتجلي الروح الإلهية في ذلك الوقت الخاص، فكل شيء يخافه كخوفه من الله تعالى، فلو ألقيتموه عندها أمام وحش كاسر أو في النار فلن يصاب بضرر، لأن روح الله تعالى تكون عليه في ذلك الوقت، وكل شيء قد عاهد الله على أن يخافه وعجل.إن هذا آخر أسرار المعرفة الإلهية الذي لا يمكن استيعابه بدون صحبة الكاملين.وحيث إنها ظاهرة دقيقة المأخذ ونادرة الوقوع فليس بوسع كل عقل أن يدرك هذه الحكمة.ولكن تذكروا أن كل شيء يلبي نداء الله تعالى، وأن كل شيء تحت تصرف الله تعالى، وأن كل الخيوط لكل شيء بيد الله تعالى.إن حكمته لا تعرف الحدود، وتصل إلى جذر كل ذرة، وإن خواص كل شيء هي بقدر قدرات الله تعالى.ومن لم يؤمن بذلك فهو من الذين قال الله تعالى فيهم: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قدره (الأنعام: ٩٢).وحيث إن الإنسان الكامل يكون أَتَمَّ مَظْهَر للعالم كله، فإن العالم كله ينجذب إليه من حين إلى آخر.إنه عنكبوت العالم الروحاني، وكل العالم هو خيوطه.وهذا هو سرُّ الخوارق." (بركات الدعاء، الخزائن الروحانية المجلد 1 ص ٦ الحاشية ص (۳۱-۲۹ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَنًا مِّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي صلے الْحَيَوةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَمَةِ يَكْرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ
الجزء السابع ۷۱۲ سورة العنكبوت وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَنكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّصِرِينَ ) التفسير: لقد بين الله تعالى هنا أن قوم إبراهيم ألقوه في النار، فنجاه الله منها بطريق معجز.وبما أنه ال كان عاشقا لوحدانية الله تعالى، فأخذ في وعظهم ثانية بعد نجاته من النار فورًا، وقال إنما اتخذتم هذه الأصنام آلهة لتزيدكم حبا في الدنيا..أي لكي تكون سببًا لوحدتكم ويقول بعضكم لبعض: كلنا من عبدة هذه الأصنام وكلنا إخوة.ولكن اعلموا أن هذه الأصنام لن تنفعكم في الآخرة، بل سيكفر العبدة بأصنامهم والأصنام بعبدتها، ويلعن بعضهم بعضا، فيدخل الكافرون في النار، ولن يقدر أحد على نصرتهم.لقد بين الله تعالى هنا أن الشرك ليس أساسه على الدليل والبرهان، وإنما يقع فيه الناس ليرضى عنهم القوم ويثنوا عليهم؛ أما الدين الحق فيتأسس على الدليل والمنطق دائمًا، ويفضّل أتباعه رضا الله على رضا الناس؛ وهذا يعني أن المشرك يؤثر الدنيا على الدين، ولكن المؤمن يؤثر الدين على الدنيا.إن المشرك يخاف الناس ويسعى لاسترضائهم، ولكن المؤمن لا يخاف إلا الله ويسعى أن يحظى برضوانه دائما.أما قوله تعالى: (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، فبين فيه أن صداقة الكفر لا تدوم؛ فإن الذين من أجلهم يعادي المرء الله ورسوله يخذلونه في نهاية المطاف في الدنيا، كما لن تنفعه صداقتهم يوم القيامة أيضًا.صلے فَقَامَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرُ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ۲۷
الجزء السابع ۷۱۳ سورة العنكبوت صلے النُّبُوَّةَ وَالْكِتَبَ وَءَاتَيْنَهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّلِحِينَ (2) التفسير : عندما رأى الناس معجزة خروج إبراهيم ال من النار حيا آمن بعضهم، وكان من بينهم لوط لو كان ابن أخيه حاران.(التكوين ۱۲: ٥) ثم أعلن إبراهيم أمام الناس عن هجرته وقال سأترك الآن وطنى لوجه الله تعالى وإني على يقين أن ربي الذي هو غالب ولا تخلو أفعاله كلها من الحكم سيكتب لي الغلبة، ولن يضيع هجرتي بل سيكللها بنتائج طيبة.به لما ترك إبراهيم الله لوجه الله تعالى وطنه وأقاربه وأعزّته جزاه الله على إخلاصه كما قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ في الدُّنْيَا.امة واعلم أنه لمن الثابت من التاريخ والتوراة أيضًا أن الرسل قد جاؤوا من غير ذرية إبراهيم أيضًا، وعليه فقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ لا يعني أن الله تعالى لم يبعث الرسل من أمم أخرى، إنما المراد أن الأنبياء ظلوا يُبعثون من ذرية إبراهيم و لم تنقطع بعثتهم من نسله؛ إذ صرح الله تعالى في القرآن الكريم: (وَإِنْ مِنْ إِلا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (فاطر: ٢٥)، وقال تعالى: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (الرعد:۸)..أي قد جاء الأنبياء والهداة من كل قوم ولم يخص الله تعالى بعثتهم بزمن معين.فليس المراد أن الله تعالى خص ذرية إبراهيم فقط بالنبوة والكتاب، ولم يبعث نبيا في أمة أخرى، بل المراد أنه تعالى لما رأى إخلاص إبراهيم ال قرر أن يبعث في ذريته ذلك النبي الموعود على لسان موسى، والذي كان عليه أن يأتي بشريعة نارية.وحيث إن النبوة التامة المستقلة قد انتهت بعد النبي ﷺ وليس بعده إلا النبوة الظلية والبروزية، فقد انحصرت النبوة بواسطة النبي في أسرة إبراهيم العليا فقط إلى يوم معاني "الشريعة النارية" أنها تأكل الآثام كما تأكل النار الحطب.(المترجم)
الجزء السابع ٧١٤ سورة العنكبوت القيامة من الناحيتين المادية والروحانية كلتيهما، فليس بوسع أحد الآن أن يصل إلى العتبة الإلهية بدون الاستنارة من الشمس المضيئة أي محمد الذي كان من نسل إبراهيم أما العلية لا.قوله تعالى: وَإِنَّهُ في الآخرة لَمنَ الصَّالحين فيعني أن إبراهيم سيكون في الآخرة صالحًا لنيل الدرجات العلى ومن بين جماعة المنعم عليها.ومن معانيه أيضًا أن كثيرًا من الناس سيعترفون بصلاح إبراهيم الله في الزمن الأخير.وبالفعل ترى أن جميع الأمم القائمة في هذا الزمن الأخير..أعني المسلمين واليهود والنصارى..كلهم يؤمنون بإبراهيم العلة.ومن معانيه أيضا أن الرجل الذي سيُبعث كظل لإبراهيم ال في الأيام الأخيرة، سيكون صالحا لهذه المهمة عند الله تعالى، وأن الذين يطعنون فيه سيكونون على الخطأ.وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِمَا مِنْ أَحَدٍرٍ مِّنَ الْعَلَمِينَ ) أينكُمْ أَبِنَّكُمْ ۲۹ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ صلے الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اثْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّدِقِينَ (3) قَالَ رَبِّ أَنصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُ سِدِينَ ) التفسير: ويبدو من قوله تعالى: (وَتَأْتُونَ في نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ أن الحضارة كانت مزدهرة في زمن لوط العليا، وكان قومه متجاسرين على ارتكاب الفواحش
۷۱۵ الجزء السابع سورة العنكبوت في المجالس غير مستنكرين إياها، شأن أهل أوروبا وأمريكا الذين قد انتشرت فيهم الخلاعة والمجون على نطاق واسع، فلا يرون عيبا في عناق النساء وتقبيلهن في الأماكن العامة وارتكاب الزنا في الحدائق العامة.لم يرتدع قوم لوط اللي عن تصرفاتهم رغم نصحه بل تحدوه وقالوا: ائتنا بالعذاب إن كنت من الصادقين.فلم يجد لوط بدا أن يدعو الله تعالى ويقول رب انصرني على هؤلاء القوم المفسدين.من وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ صلے هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَلِمِينَ قَالَ إِنَّ صلے ۳۲ فِيهَا لُوطًا قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَبِرِينَ (3) التفسير: قال المفسرون إن المراد من رُسُلُنَا هم الملائكة (الرازي)، ولكنهم في رأيي بعض صلحاء تلك المنطقة الذين تلقوا وحيا من الله بقرب عذاب قوم لوط، فحضروا بالخبر إلى إبراهيم أولا ثم إلى لوط - عليهما السلام.والدليل على أن الرسل كانوا بشرًا أنهم لما جاءوا إلى إبراهيم العلم لم يلبث أن دخل إلى بيته وذبح لهم عجلاً (هود: ۷۰).فلو كانوا ملائكة عند إبراهيم الطعام.لما أعد لهم ثم إنهم عندما لم يمدوا أيديهم إلى الطعام وظن إبراهيم الا أنه ربما قصر في ضيافتهم قالوا له: لا تخف إنا أُرسلنا إلى قوم لوط..أي اهدأ بالاً، فإنا نشكرك على الضيافة، ولكنا ذاهبون بخبر العذاب إلى لوط فاعذرنا من تناول الطعام.إن
الجزء السابع ٧١٦ سورة العنكبوت جوابهم هذا أيضًا دليل على أنهم لم يكونوا ملائكة وإلا لقالوا بكل بساطة: إنا ملائكة لا نأكل الطعام، فلا نستطيع أن نأكل عندك أيضًا.ثم إن هؤلاء لما جاؤوا إلى لوط ل لم يقل عند رؤيتهم إنهم ملائكة الله الذين جاءوني، بل قال: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) (الحجر : ٦٣).مما يدل أنه لم يفكر أنهم ملائكة بل اعتبرهم بشرًا.أخبرهم ومما يدل على أنهم كانوا بشرا أن الله تعالى يقول في القرآن الكريم: قُلْ لَوْ كَانَ في الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً (الإسراء: ٩٦).لقد تبين من هنا أن الملائكة إنما تأتي كرسل إلى الأبرار فقط لا إلى الأشرار.ولكن هذا الحادث يؤكد أن أهل قرية "سدوم" كلهم قد رأوا هؤلاء الرسل، ولاموا لوطا العليا على حضورهم عنده فظهور هؤلاء الرسل أمام القوم الذين قد قرر الله عذابهم ظهوراً ماديا يتنافى مع هذه الآية.فثبت أن هؤلاء الرسل لم يكونوا ملائكة بل كانوا بعض الصلحاء من المنطقة المجاورة لسدوم الذين الله تعالى باقتراب عذاب قوم لوط، وأرسلهم إليه لكي لا يجد نفسه وقت العذاب بلا ناصر ولا معين بل يأخذوه إلى مكان محفوظ.ثم إن التوراة - وهي مليئة بكل رطب ويابس - تعتبر هؤلاء الرسل بشراً مرة وملائكة مرة أخرى.فقد ورد فيها في مكان عن إبراهيم العل: "وهو جالس في باب الخيمة وقتَ حَرِّ النهار، فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال" (تكوين ١٨: ١- ٢)؛ وورد في موضع آخر منها: "ثم قام الرجال من هناك وتَطلَّعوا نحوَ سَدُومَ" (تكوين ١٨: ١٦).ولكن ورد في موضع آخر منها: "فجاء الملاكان إلى سَدُومَ مساءً، وكان لُوطٌ جالسًا في باب "سَدُومَ (تكوين (١٩ (١).ومع أن التوراة تقول هنا إن القادمين كانا ملاكين إلا أنها تقول أيضًا إن لوطًا "صنع لهما ضيافةً وخَبَزَ فطيرًا، فأكلا." (تكوين ١٩: ٣.مع أنهما لو كانا ملكين فمن المحال أن يتناولا الطعام.فثبت أن هؤلاء الرسل لم يكونوا ملائكة، بل كانوا بعض الصالحين الذين أُرسلوا إلى لوط القليعة.
الجزء السابع ۷۱۷ سورة العنكبوت أما السؤال لم ذهب الرسل إلى إبراهيم أوّلاً، ولم يذهبوا إلى لوط مباشرة؟ فالجواب أن لوطا الظل كان من أتباع إبراهيم ال ، وهكذا كان نبيا تابعا له كما كان إسحاق وإسماعيل نبيين تابعين له أو كما كان هارون نبيا تابعا لموسى، وإن لم يكن أحد منهم نبيًا أُمتيا أي كانت النبوة عندها توهب مباشرة وليس عن طريق = الاستفاضة من فيوض نبي سابق، فبما أن لوطا الا كان قبل بعثته قد آمن بإبراهيم ال كما هاجر معه إلى الشام، فلذا أخبر إبراهيم أولاً بهلاك قوم لوط، كما زفٌ إليه قبل خبر العذاب خبرا سارا بقوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بالْبُشْرَى ، وهو البشارة بولادة إسحاق عنده المذكورة في القرآن الكريم في سورة هود آية ٧٢ وسورة الحجر آية ٥٤ وسورة الذاريات آية.۲۹.وقد قال العلامة أبو حيان أن المراد من البشرى هنا خبر ولادة ابنه إسحاق وحفيده يعقوب.(البحر المحيط)، وهذا يعني أن الله تعالى قد بشر إبراهيم أولاً بذرية طيبة قبل أن يخبره بهلاك قوم لوط، وذلك تخفيفا لصدمته بخبر العذاب.أما السؤال: لم لم يوح الله تعالى إلى لوط اللي بخبر هلاك قومه، بدلاً من أن يخبر هؤلاء البشر ليذهبوا إليه ويخبروه به؟ فالجواب أن لوطًا كان ابن أخي إبراهيم ال بحسب التوراة، وكان من قرية "أور" الواقعة في العراق، وقد هاجر معه إلى أرض كنعان أي فلسطين ثم ارتحل من عنده ليقيم في قرية سدوم.(تكوين ١٢: ٤- °) - وهو كتاب روايات اليهود وتاريخهم - أن أهل سدوم ومن وورد في التلمود وعمورة كانوا يقطعون السبيل على المسافرين (الموسوعة اليهودية تحت: Sodom)، كما أشير إليه في القرآن الكريم هنا بقوله تعالى: وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ الطبيعي أن الذين يؤذون جيرانهم يعيشون خائفين منهم أن يُلحقوا بهم الضرر.وبالفعل كان أهل سدوم وجيرانهم في حرب، بل تُخبر التوراة أن ملوك هذه القرى المجاورة قد شنوا الهجوم على سدوم وعمورة وسلبوا كل ما عندهم من أموال وغلال، وأخذوهم أسرى بمن فيهم لوط، فعلم إبراهيم العلي بذلك، فخرج وراءهم في جيش قوامه ثلاث مئة وثمانية عشر مقاتلا، وقام بتحرير لوط وغيره من رجال
۷۱۸ سورة العنكبوت الجزء السابع ونساء سدوم وعمورة، كما استرد من العدو أموالهم واستقبل ملك سدوم إبراهيم العلم عند قفوله من هذه المهمة منتصراً، أما ملك صدق" الذي كان ملكًا على "سالم" فأقام مأدبة لإبراهيم الله بهذه المناسبة.وقال ملك سدوم لإبراهيم: خُذ الأموال ورُدَّ لي الرجال، فقال له إبراهيم: لن آخذ من هذه الأموال حتى شراك نعل، ورد له كل شيء (التكوين: ١٤).فلم يكن لوط اللي على معرفة تامة بالمنطقة، وكان فيها أعداء سدوم أيضًا، فلو أخبره مباشرة بقرب حلول العذاب على قومه فخرج من قريته لم يعرف أين يذهب، فدبّر الله له الأمر حيث أوحى إلى بعض صلحاء تلك المنطقة أن يذهبوا إلى لوط ويخبروه بقرب نزول العذاب ويأخذوه إلى مكان محفوظ لأنه ليس ملما بالمنطقة جيدًا.وهناك سؤال آخر: هل ثمة مثال في الماضي حيث لم يعلم النبي بهلاك قومه، بينما علم به الآخرون؟ والجواب أن هذا السؤال ناشئ عن قلة التدبر، إذ الواقع أن لوطا ال كان قد أنذر قومه بالعذاب من قبل، حيث ورد في القرآن الكريم قول الرسل للوط: (قَالُوا بَلْ جِلْنَاكَ بمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) (الحجر: ٦٤)..أي جئناك بخبر العذاب الذي كانوا يشكّون ن فيه.فهؤلاء الرسل أيضًا يؤكدون أن لوطًا الة كان قد أنذر قومه بالعذاب، ولكن لما اقترب العذاب جدًا أوحى الله إلى بعض صلحاء تلك المنطقة وأرسلهم إلى لوط ليذهبوا به إلى مكان آمن ولولا أن دبّر الله هذا الأمر بحكمته لكان لوط العليا في عناء كبير ولقال في نفسه : أين أذهب الآن وقد أوشك نزول العذاب بالمدينة؟ فإني لا أعرف أحدًا في المنطقة، وجيران سدوم يعادون أهلها.هذا، وهناك أمثلة لذلك في الإسلام أيضًا، حيث أخبر الله تعالى رسوله بمسائل هامة من خلال وحيه إلى المسلمين.مثلاً لقد علّم الله تعالى عبد الله بن زيد الله الأذان في الرؤيا، وبناء على رؤيا هذا الصحابي سنَّ النبي ﷺ الأذان للصلاة في الإسلام، ثم صدق الله رؤياه بوحيه في القرآن الكريم أيضًا.ويروي عمر له أن الله تعالى علمه نفس الأذان ،بالوحي، ولكنه ظل صامتًا عشرين يوما لأن صحابيًا كان
۷۱۹ سورة العنكبوت الجزء السابع قد أخبر النبي ﷺ برؤياه بهذا الصدد أبو داود: كتاب الصلاة، باب بدء الأذان، وابن ماجة: أبواب الأذان، باب بدء الأذان).وهناك حديث للرسول يؤكد هذه الظاهرة حيث قال : "المؤمن يرى ويُرى له" (السنة لابن أبي عاصم الجزء الأول ص (٢١٤) أي أن المؤمن يتلقى الخبر مباشرةً حينًا، وحينا آخر بطريق غير مباشر.إذًا، فلا اعتراض على تلقي لوط ا اقتراب العذاب بواسطة بعض الصلحاء.خبر أما قول الرسل: إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ) فلا يعني أنهم كانوا يتمتعون بقدرة خارقة لإهلاكهم، إنما المراد أنهم قد أرسلوا من عند الله إلى لوط بخبر هلاك القرية لأن أهلها ظالمون ولو سلّمنا جدلاً أن الرسل كانوا ملائكة فإن الملائكة أيضًا لا تعذب أحدًا من عند نفسها وإنما تأتي بخبر العذاب من عند الله تعالى.فقوله: إِنَّا مُهْلَكُو أَهْل هَذه الْقَرْيَة إنما يعني مجرد الإخبار باقتراب العذاب لا إنزاله.أما إبراهيم ال فلما سمع خبر نزول العذاب على القرية (قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً، فأجابه هؤلاء الصلحاء نحن أعلم بمن فيها، وسننجيه وأهله من العذاب إلا زوجته التي هي من الغابرين..أي سنأخذ لوطًا إلى مكان آمن، إذ أرسلنا إليه لهذا الغرض نفسه.وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنجُوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَبِرِينَ : إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا
الجزء السابع ۷۲۰ سورة العنكبوت يَسُقُونَ * وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا وَايَةٌ بَيْنَةُ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ من التفسير: أي لما وصلت رسلنا هؤلاء إلى لوط تضايق برؤيتهم لأن قومه كانوا قد نهوه عن استضافة الغرباء، حيث ورد في القرآن الكريم في مكان آخر قول معارضي لوط: قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَن الْعَالَمِينَ) (الحجر: ۷۱)..أي ألم نمنعك ﴿ إحضار المسافرين الغرباء إلى بيتك؟ ذلك أن المدن في ذلك الزمن كانت صغيرة وبعيدة بعضها عن بعض، وكان الناس يخافون إحضار المسافرين الأجانب مخافة أن يتآمروا عليهم فينهبوهم.وحيث إن أهل سدوم كانوا قطاع طرق وكانوا يرون أن الآخرين أيضًا صعاليك مثلهم، فكانوا لا يسمحون للمسافرين الغرباء بالإقامة بينهم، خشية أن يفتحوا المدينة ليلاً فيُفاجئهم العدو بالهجوم.وكان لوط اللي إنسانًا مضيافا، فكان يأتي بالمسافرين إلى بيته مخافة أن يتعرضوا للنهب إذا باتوا في الخارج، وكان قومه ينهونه عن ذلك؛ فلما جاء بالرسل ثار قومه غضبا وأتوه مسرعين، فتأذى لوط بسبب ضيوفه وخاف أن يُخزيه قومه أمامهم، فقال له الرسل : لا تَخَفْ..أي لا داعي للخوف الآن لأن الله تعالى قد قرر هلاكهم.ولكن كان طبيعيًا أن يحزن لوط العلا بهلاك قومه، فطمأنوه وقالوا له: وَلا تَحْزَنْ..أي لا حاجة للقلق على هلاكهم لأن الله تعالى لن يضيع بذرة الخير، بل سينجيك وأهلك جميعًا من العذاب إلا امرأتك وبالتالي ستنمو هذه البذرة وسيخضر زرع الخير والصلاح في الدنيا.وقد نسب الرسل إنقاذ لوط الل من العذاب إلى أنفسهم فقالوا: إِنَّا مُنَجُوكَ وَأَهْلَكَ، وذلك لأنهم كانوا قد أُرسلوا إلى لوط من عند الله تعالى ليأخذوه وأهله إلى مكان آمن من العذاب.ثم نسبوا إهلاك قوم لوط أيضًا إلى أنفسهم، فقالوا: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ، وقولهم هذا يماثل قول الملاك لمريم:
الجزء السابع ۷۲۱ سورة العنكبوت إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكَ لأَهَبَ لَك غُلاماً زَكيّاً ) (مريم : ٢٠)؛ مع أن الجميع يعرف أن (مريم:۲۰)؛ الله تعالى هو الذي يهب الأولاد لا الملائكة.فكما أن قول الملاك لمريم : الأَهَبَ لك غُلاماً زَكيّاً يعني مجرد إخبارها بولادة الابن عندها وليس إعطاء الابن، كذلك فإن قول الرسل لإبراهيم: إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، أو قولهم للوط: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزَاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، أو قولهم في مكان آخر: (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُحْرِمِينَ ذَلِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً من طين ( مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ الْمُسْرِفِينَ) (الذاريات: ٣٣-٣٥) لا يعني أهم ـزلون العذاب وإنما يعني إخبارهم بخبر العذاب بناء على وحي الله تعالى وبأن لوطا ومعظم أهل بيته سينجون من العذاب، بينما يهلك أعداؤه.أما العذاب فلم يُنزله عليهم إلا الله تعالى كما صرح في قوله: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ( مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ (هود: ۸۳- ٨٤)، كما نسب تعالى هذا العذاب إلى نفسه في هذه السورة فقال: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الآية: ٣٦).فهذه الآية صريحة في أن الله تعالى هو الذي أنزل عليهم العذاب، أما الرسل فلم يُنزلوا العذاب وإنما جاؤوا ليخبروا لوطا بقرب نزول العذاب على قومه لو كان الرسل هم الذين أنزلوا العذاب لما قال الله تعالى إنا تركنا من خلال هذا العذاب آية بينة لقوم يعقلون، لأن الرسل لو كانوا أنزلوا العذاب فهم الذين تركوا هذه الآية وليس الله تعالى.فثبت أن قوله تعالى: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزَاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) وما شابه من الآيات لا يعني أن الرسل أنزلوا العذاب، بل المراد أنهم أتوا بخبر العذاب على أهل تلك القرية، أما العذاب فلم يُنزله إلا الله تعالى.وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَنقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُواْ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُ سِدِينَ )
الجزء السابع ۷۲۲ سورة العنكبوت فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَثِمِينَ ) التفسير : أي بعد زمن لوط أرسلنا إلى قوم "مدين" أخاهم شعيبا، فقال يا قوم اعبدوا الله وآمنوا باليوم الآخر ولا تفسدوا في الأرض.التي بعث ويبدو من قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ أن القوم كانوا معتادين على أعمال السلب والنهب وسفك الدماء.كانت عاصمتهم أي "مدين" إليها شعيب اللي تقع على الطريق المؤدي إلى الشام ومصر والجزيرة العربية، وكانت القوافل تمر بالقرب منها، فكانوا ينهبونها.ومما يؤيد هذا أنه كانت على مقربة من "مدين" غابة كبيرة كثيفة وقد سمى القرآن الكريم أهلها أصحاب الأيكة، وكان شعيب اللي مبعوثا إلى هؤلاء أيضًا (معجم البلدان للحموي: تحت كلمة: مدين).ومعروف أن الغابة تهيئ كمينا سهلاً.إذا، فكان هؤلاء القوم يفسدون في الأرض بالقتل والسلب والنهب ونقصان الوزن والكيل، فنصحهم شعيب الله، فلم ينصاعوا لنصحه وكذبوه، فضربهم زلزال عنيف، فأصبحوا في ديارهم جاثمين.لقد بعث شعيب قبل موسى، وهكذا فإن الله تعالى قد قام إلى هنا بتغطية تاريخ الاختبارات التي مر بها الأنبياء وأتباعهم بدءًا من نوح إلى موسى – عليهم السلام.وَعَادًا وَثَمُودَا وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَكِنِهِمْ صلے وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَنُ أَعْمَلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) التفسير : لقد بين الله تعالى هنا أن في قوم عاد وثمود آيات عظيمة، لأن هذين الشعبين زمن ازدهارهم كانوا أساتذة الدنيا، وكانت لهم يد طولى في فن البناء
الجزء السابع ۷۲۳ سورة العنكبوت والعمارة، حيث نجد هودًا ال ينصح قومه عادًا ويقول: أتبنُونَ بِكُلِّ ريع آيةً تَعْبُثُونَ ) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) (الشعراء: ١٢٩-١٣٠)..أي أتقيمون على كل مكان عال تذكارًا وتبنون قصورًا فخمة ظانين أن هذا يكتب لكم الخلود؟ وقد رأيت بأم عيني بالقرب من مدينة عدن أنقاض مبان قديمة، وهي من آثار أمة عاد الأولى بحسب الروايات المحلية.أما ثمود الذين كانوا فرعًا من عاد فقد قال القرآن الكريم عنهم: تَتَّخِذُونَ منْ سُهُولهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجَبَالَ بُيُوتًا)) (الأعراف :٧٥).فلما عارضوا أنبياءهم واستحسنوا سيئاتهم دمرهم الله تدميرًا ، فلا توجد اليوم من قوتهم ومجدهم إلا أطلال ترى في الجزيرة العربية.أما قوله تعالى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فيوضح أنهم كانوا يقومون بأعمال شيطانية، ولكنهم استحسنوها بسبب اعتيادهم عليها دهراً طويلاً، ورأوا جُذامهم الروحاني جمالاً؛ وكأنهم فقدوا البصيرة والإحساس، فلم يعودوا يرون شناعة أعمالهم، ولم يشعروا بمضرتها.أما قوله تعالى: وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ فيتضح منه أنهم كانوا على علم أن عاقبة أعمالهم ستكون وخيمة ولكنهم اغتروا بقوتهم، فكان مآلهم ما ترونه بأعينكم، إذ لم يبق منهم إلا آثار قلاع خربة ومبان متهدمة خالية من سكانها، مما يمثل عبرة لمن اعتبر.0101 كما نبه الله تعالى بقوله: وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)) إلى أن الإنسان لا يُعد معذوراً إذا أغواه الشيطان، لأنه تعالى قد ترك طريق الوصول إلى الحقيقة مفتوحا أمام الإنسان، كما صرح في قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَين (البلد : ٩-١١)..أي قد كشف الله على الإنسان طريق الهدى وطريق الضلال جيدًا، فمن سلك بعد ذلك طريق الضلال فهذا ذنبه، لأنه تعالى قد أعطاه لرؤية الحق عينًا مادية وعينا باطنة؛ وإذا لم يتمكن من رؤية الحق بعينه المادية
٧٢٤ الجزء السابع سورة العنكبوت ولا بعينه الباطنة فبوسعه أن يستعين بلسانه وشفتيه فيسأل العلماء درءا لشبهاته، أما إذا لم يتبع سبيل الهدى رغم تيسر هذه الوسائل كلها فهو مسؤول عن هلاكه.وَقَرُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَمَنَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُوسَىٰ بالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَيقِينَ (5) فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُم مِّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم صلے مِّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مِّنْ خَسَ نَا ج بِهِ الْأَرْضِ وَمِنْهُم مِّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَئِكن كَانُوا أَنْ سَهُمْ يَظْلِمُونَ ٤١ التفسير : الحق أن قارون وفرعون وهامان قد جاءوا بعد عاد بفترة طويلة، ولكن - لما كان ثمود – وهم فرع من عاد مستوطنين في مدين في عصر فرعون موسى، ولذلك قد تحدث الله هنا بعد ذكر عاد وثمود عن فرعون وهامان أيضًا، ومن أجل هذا نجد أن موسى لما فرّ من مصر جاء إلى مدين إذ كان بها العرب.كما ذكر الله هنا قارون أيضًا لكونه من قوم موسى ال.فيخبرنا الله تعالى أن موسى لما جاء بآياتنا فرعون وهامان وقارون تكبروا وتجبّروا في الأرض وكفروا به، فلم ينفعهم كبرهم شيئا لما جاءهم عذابنا و لم ينجوا منه.ولقد أخذنا كل واحد من الشعوب المذكورة آنفًا جراء معاصيهم، فمنهم من أمطرنا عليه الحجارة كما حصل مع قوم لوط الذين قال الله فيهم: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوط (القمر : ٣٥)..أي أرسلنا عليهم عاصفة من الحجارة، فدمرتهم جميعا إلا آل لوط ؛ وكذلك قال الله فيهم وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ
۷۲۵ سورة العنكبوت الجزء السابع سجيل مَنْضُود (هود: ۸۳)..أي وقع زلزال عنيف، فتشققت الأرض وتطايرت الأحجار في الجو ثم سقطت عليهم فدفنوا تحتها.ثم يقول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ..أي قد هلكت بعض هذه الشعوب نتيجة زلزال كقوم ثمود الذين قال الله فيهم: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (القمر (۳۲)..أي أنزلنا عليهم العذاب دفعة واحدة، فأصبحوا كحطام يخلّفه من يقطع أوراق الشجر لتهذيبها؛ وقال تعالى أيضًا فيهم : وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (هود: ٦٨)..أي سقطت عليهم بيوتهم نتيجة زلزال فماتوا تحتها ملتصقين بالأرض.ثم يقول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا به الأَرْضِ..أي جعلنا بعض هذه الشعوب أذلة صاغرين في الأرض، كقارون الذي قال الله فيه: فَخَسَفْنَا بِه وَبدَاره الأَرْضَ (القصص: ۸۲)..أي أنزلنا عليه وعلى قبيلته أنواع البلايا وجعلناهم أذلة صاغرين.ثم يقول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا، ومثاله قوم نوح الذين أُغرقوا في مياه الطوفان، ومثاله الآخر فرعون الذي أغرق في البحر.أما قول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ ليَظْلِمَهُمْ ( فبيّن فيه أنه لم يُهلك أيا من هذه الأمم ظلما، بل يشهد التاريخ على أن كل أمة منها هلكت نتيجة معاصيها، ولم يظلمها الله أبدًا.مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ صلے الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٢) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا
الجزء السابع ٧٢٦ سورة العنكبوت يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صلے ٤٣ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَلِمُونَ (٤) ٤٤ التفسير : بعد ذكر هلاك هذه الأمم الخالية بين الله تعالى سبب هلاكهم، فأخبر أنهم لم يهلكوا إلا لأنهم اتخذوا ملاذا من دون الله تعالى، فمنهم من قال إن هامان ذو عزة ونفوذ إذ يحكم على مئات الآلاف من البشر، فلو كسبت رضاه لكنت من الفائزين.ومنهم من قال إن قارون ذو ثراء، فعلي أن أسعى للحظوة عنده وإلا سأموت جوعًا.ومنهم من قال في نفسه لا شك أن هامان وقارون من علية القوم، ولكن فرعون مصدر القوة كلها، فعلي أن أكون من خدامه المطيعين؛ لأنه لو رضي عني فرعون لم يجرؤ هامان وقارون على إيذائي.وهذا ما حصل في زمن عاد وثمود أيضًا؛ إذ لم يجد قوم عاد مع هود ال مالاً ولا ثراءً ولا قوةً ولا رجالاً، فقالوا في أن ينفعنا الإيمان به وطاعته؟ علينا أن نتقرب إلى ملوك عاد أضعف أنفسهم: ماذا عسى لنرفع مستوى حياتنا، وننجو من المعاناة والبلاء.ثم إن قوم ثمود أيضًا سلكوا نفس المسلك ضد صالح العل، فاتخذوا صناديد قومهم ملاذا لهم.وباختصار إن كلاً من هؤلاء الأمم تركوا الله تعالى واتخذوا ملاذا خياليا، ولكن ما يدريهم أن ملاذهم هذا من بيت العنكبوت وسيتمزق عند الاختبار، فلن يغني عنهم فرعون ولن ينجيهم هامان ولا قارون من عذاب الله.وبالفعل عندما غرق فرعون مع جنوده لم يغن عنهم إلههم الزائف هذا ولم ينقذ جنوده من الغرق وأنى له أن ينقذ أحدا وقد غرق بنفسه مع القوم الذين اتخذوه ملاذا لهم؟ فتبيّن للدنيا أن الذين يتخذون ملاذا من دون الله تعالى إنما يقتربون من الهلاك شأن العنكبوت الذي يظن وهو جالس في بيته أنه في مأمن من نوائب الدهر.لقد نبه القرآن الكريم المسلمين مرارا إلى هذا الأمر البالغ الأهمية فقال: اتَّقُوا الله..أي اتخذوا الله وقايةً لكم ووسيلة لنجاتكم.لا بأس في اتخاذ الأسباب والتدابير، لأن الله تعالى هو الذي خلقها وأمركم باتخاذها، ولكن لا تظنوا أبدا أنها
الجزء السابع هي الله ۷۲۷ سورة العنكبوت كل شيء، إنما النصر من عند الله تعالى، ولولاه لما نفعت الأسباب أيضا.هل كان عند عاد وثمود قلة في الوسائل والأسباب؟ هل كان عند قارون وفرعون وهامان نقص في القوة والمنعة؟ وهل أنقذتهم أسبابهم وقوتهم من عذاب الله؟ فمن الغباء الشديد أن يعتمد المرء على الأسباب ويعتبرها وحدها وسيلة لنجاته.إن المقام اللائق بالمؤمن هو قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة:٥)..أي عليه أن يعبد وحده بصدق القلب ويستعين به هو لأن الاحتياج إلى الله عبادة والاحتياج إلى العباد ذلة؛ أما إذا أغلق المرء في وجهه هذا الباب الوحيد للنجاح حلق الهلاك على رأسه، ورأى خيبة آماله بمنتهى الحسرة.وبذكر مثال بيت العنكبوت قد لفت الله أنظارنا إلى أمر آخر أيضًا، وهو أنه كما لا ينفع العنكبوت مجرد إطلاق "البيت" على بيته، كذلك لن ينجي المرء دينه إذا لبس عباءته دون العمل به، وإنما يؤدي الدين إلى نجاته إذا تولّدت فيه تلك الروح التي يريد الدين خَلْقَها فيه.أما إذا اطمأن المرء بانتمائه إلى الدين في الظاهر دون أن تتولد هذه الروح بل رغب عن الله تعالى إلى ما سواه عمليا فلا شك في غبائه كالعنكبوت الذي يعتبر بيته بيتًا.الحق أن هناك آلاف الأديان في العالم وأتباع كل دين يختلفون مع غيرهم اختلافا شديدا، ولكنهم رغم مئات الاختلافات بينهم متفقون جميعا على أن الغاية الحقيقية للدين هو التقرب إلى الله تعالى.وإذا كان هو الهدف الأساس من الدين، فمن واجب كل إنسان أمين أن يفحص أعماله ويحاسب نفسه كل حين، ليرى مدى ما اقتطفه من الثمار التي ينبغي اقتطافها بالعمل بتعاليم الدين الحق.وقد أشار المسيح الناصري الله إلى هذا الأمر الهام حين قال إن الشجرة تُعرف بثمارها (لوقا (٦: (٤٤.بيد أن قوله الي هذا لا يعني أن الشجرة التي ليس عليها ثمر لا يمكن معرفتها.ذلك أن الفلاح العادي الذي ليس بستانيا أيضًا يعرف الشجرة وإن لم يكن بها ثمر، لأن أوراق كل شجرة تختلف عن الأخرى في أوراقها وأغصانها، فمثلا إن ورقة المانجو مختلفة عن ورقة الرمان وورقة التوت مختلفة عن ورقة اللوز، وورقة البرتقال مختلفة عن ورقة التفاح.صحيح أن أحد سكان البنجاب قد لا يعرف
الجزء السابع ۷۲۸ يعني سورة العنكبوت أشجار أفغانستان وكشمير، ولكنه يعرف عامة الأشجار التي تنبت في منطقته وإن لم يكن عليها ثمر.إذا، فقول المسيح اللي هذا لا أن الشجرة لا يمكن معرفتها ما لم يكن عليها ثمر، وإنما يعني أن قيمة الشجرة وجودتها إنما تُعرف إذا أثمرت.فمثلاً إن بعض شجر المانجو تحمل ثمرا رديئًا لا يؤكل بل يصنع منه المخلل فقط، وبعضها تحمل ثمرا أردأ من أن يصنع المخلل أيضًا، بينما تحمل بعضها ثمرا عالي الجودة غالي الثمن.فمع أن كل هذه الأشجار تسمى أشجار المانجو، ولكن بعضها منه مكانها ينتج ثمراً غالي الثمن، وبعضها ثمراً رديئا جدًّا، فيقطعها البستاني ويزرع شجرة أخرى.كذلك الدين، فهو أيضًا يحمل ثمراً، فإذا اجتنى المرء منه هذه الثمار أمكن القول إنه تابع الدين الحق، أما إذا لم يجنها فلن ينال النجاة بانتمائه إلى الدين باللسان فقط.لقد كان هناك حواريي للمسيح الله قد باعه بسبع أو ثماني روبيات.لقد قلتُ إنه باع المسيح ال، ذلك لأن الشرطة كانت تبحث عنه ال، ولكنه كان لا يقع في يدها، لأنه كلما علم بمجيء الشرطة تنكر واختفى.لقد قام المسيح بالدعوة العلنية بين القوم عدة سنوات، وكان الناس يحضرون خطبه، فلا يصح القول أن الشرطة لم تعرفه كانت تعرفه ولكن المسيح اللي كان يعيش متنكرا متخفيًا بحيث لم يعلم الناس بمكان إقامته وذلك كما فعل الرسول ﷺ أثناء الهجرة حيث خرج من مكة متنكرًا ملتفّا بردائه كي لا يعرفه أحد.وورد في الروايات أن شخصا سأل أبا بكر أثناء الهجرة مشيرًا إلى النبي : من هذا الرجل الذي معك؟ فقال هاد.ولفظ الهادي يمكن أن يفسر بمعنى السيد أو الدليل الذي يدل على الطريق؛ فظنّ السائل أن أبا بكر يعني أنه الدليل الذي يهديه الطريق المادي، فسكت، وهكذا أخفى أبو بكر على الرجل حقيقة الأمر بدون أن يكذب (تاريخ الخميس: المجلد الأول ص ٣٣٥، قصة الغوسجة).كذلك يبدو أن المسيح اللي كان ينتقل مكان إلى مكان متنكرا في ثياب مختلفة كي لا يُعرف، فارتأى رجال الشرطة أن يستعينوا ببعض حورابيه، فأعطوا يهوذا الأسخريوطي ثلاثين درهما كرشوة وضمّوه إلى صفهم.فقال لهم إن الذي سأقبله في المجلس هو المسيح.فجاء إلى من
۷۲۹ سورة العنكبوت الجزء السابع مجلس المسيح ، وقال أيها الأستاذ، ثم قبّل يده فألقت الشرطة القبض عليه 6 العلية.متى ١٤:٢٦-١٦ ومتى ٢٥: ٤٧ -٥٠) فترى أن يهوذا كان مؤمنًا في الظاهر وكان يعتبر نفسه واحدا من حواري المسيح ال، ولكنه سلّمه إلى الشرطة من جراء شقاوته.وكان يأكل الطعام مع المسيح قبل تسليمه للشرطة، فقال البناء على وحي الله تعالى إن الذي يأكل معي في هذه الصحفة هو يسلّمني، فأدرك يهوذا الأسخريوطي أنه يشير إليه، فقال: أيها الأستاذ كيف يمكن ذلك؟ قال الله: هذا قدر الله الذي لا بد أن يقع.وهذا ما حصل بالفعل، حيث باع يهوذا المسيح ال بسبع روبيات ونصف، مع أن لا أرذل الصعاليك أيضًا لا يدلّون على زملائهم رغم إغراء كبير لهم من قبل الحكومات.أما هذا الحواري فسلّم هاديه نظير هذا المبلغ الزهيد.إذا، فلبس المرء عباءة الدين أو فرحه بدينه وحده لا ينفعه شيئًا.فكما أن بيت العنكبوت أيضا بيتًا في الظاهر، ولكنه عار عن مواصفات البيت عند يسمى الجميع، كذلك فإن مجرد انتماء المرء إلى الدين الحق لا يضمن له النجاة، بل لا بد له أن يتبتل إلى الله تعالى عما سواه، ويقيم صلته به وحده حتى ينال النجاة، وإلا فإنه يخفي رأسه في بيت العنكبوت.الحق أن التدبر يكشف لنا أن الدين - الذي يولع به معظم الناس – ليس فيه إلا غاية واحدة فقط، وهي أن يتم الوصال بين الله والعبد.ذلك أنه توجد في الناس حسنات كثيرة، وسيقومون بها ويأمرون الآخرين بها وإن لم يكن هناك دين.خذوا مثلاً حُبّ الوالدين، فإن الملحد يحب والديه كما يحب الفلسفي والديه، وإن الشخص الجشع الذي يريد أن يملأ بيته ولو بسلب أموال الآخرين تلمع عيناه أيضًا برؤية والديه؛ وإن الصعاليك السفاكين أيضًا يحبون والديهم، بل بعضهم لا يكون متعطشاً للدماء وقاطعًا للطرق إلا انتقاما من البعض الذي قد ظلم أبويه أو أخاه أو أخته أو قريبه الآخر.وإن الدين أيضًا يعلّمنا حب الوالدين واحترامهم.ثم إن الدين يأمر الزوجين بالحب والاحترام المتبادلين ولكن الواقع أنهما سيتبادلان الحب والاحترام وإن لم يكن هناك دين.ثم إن الدين ينهى عن الكذب، والحق أن الناس
۷۳۰ الجزء السابع سورة العنكبوت سيعافون الكذب ولو لم يكن هناك دين، فإنك تجد أن القبائل الأفريقية القديمة التي لا دين لها ولا تؤمن بالله ولا برسول أو كتاب تعلن أن الإنسان الشريف يتجنب الكذب.ولا شك أن الدين ينهى عن السرقة، ولكن هذا ليس خاصا بالدين، لأن الذين لا دين لهم أيضًا يستنكرون السرقة.ثم إن الدين ينهى عن القتال والفساد والغيبة والتباغض والحقد ولكن الواقع أن الإنسان الشريف سيتجنب هذه المساوئ وإن لم يكن هناك أي دين فكل هذه الأمور توجد عند أهل الدين وأيضا عند الذين لا دين لهم.والشيء الوحيد الذي يوجد عند أهل الدين ولا يو.جد عند من لا دين لهم هو فكرة ضرورة الوصال بالله تعالى إن الذي لا يؤمن بدين لا يفكر في الوصال بالله تعالى، سيقول ما الداعي للوصال بالله؟ أو سينكر وجود الله تعالى أصلاً، بينما يرى المؤمن بأي دين ضرورة الوصال بالله تعالى.ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: كم من الناس يتحلون بهذه الميزة الفريدة في الدين؟ كم منهم يوجد عنده الإحساس بضرورة التعلق بالله تعالى كما ينبغي؟ ستجد أن ۹۹ بالمئة بل ۹۹۹ بالألف بل ۹۹۹۹۹ بمئة الألف أو أقل من ذلك أيضًا يؤمنون بدين، ولكن لا يوجد عندهم الله تعالى، وليس هذا فحسب بل ليس عندهم الإحساس بضرورة حبه تعالى.إذًا، فكيف يمكن القول إنهم آمنوا بالدين - أيا كان - بصدق ؟ فلو كتبت على قارورة ماء كعب الثعلب" اسم "روح كيورا فلن يتحول ما بداخلها إلى روح" كيورا ، ولو كتبت على قارورة ماء عادي "ماء الورد" فلن ينفعك شيئا، إنما تقوم بالغش والخداع شأن العطارين الغشاشين، فعندما يتفشى الملاريا وغيره من الأمراض عندنا يصف أطباء الأعشاب للمريض ماء عنب الثعلب" أو ماء "كعب الثعلب" مثلاً، فيذهب أهله إلى العطارين، فيقول الأمناء منهم : لا توجد هذه المياه عندنا حاليا، ولكن الغشاشين منهم يقولون عندنا كل ماء فعندنا ماء "كعب الثعلب" و"عنب الثعلب" و"الهندباء" و"الورد" ، ثم يعطون قارورة مليئة بالماء العادي.كذلك لو سميت التراب عطر نباتي هندي يوضع في الطعام.(المترجم)
۷۳۱ سورة العنكبوت الجزء السابع ذهبا فلن ينفعك هذا الذهب ولو سميت التهافت على الدنيا دينا فلن ينفعك هذا الدين، وإنما ينفعك الدين إذا نشأت بينك وبين الله تعالى علاقة وطيدة.ومن لم يتيسر له التعلق بالله تعالى باعتناق دين ومع ذلك ظن أنه قد صار في مأمن فهو غبي كالذي يعتبر بيت العنكبوت بيتًا.ثم يقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ..أي أنه تعالى يعلم جيدا حقيقة ما يثق به هؤلاء القوم من دون الله تعالى.إنهم يتخذون أناسًا ضعفاء فانين ملاذا لهم، بل يسجدون حينًا للأصنام المنحوتة من الحجر التي هي مجرد جماد، ويدعون أصحاب القبور مستعينين بهم حينا آخر، ولكن الله تعالى يعلم جيدا حقيقة الأشياء كلها.إن أكبر وأقوى ملوك العالم أيضًا لا يساوي أمام الله تعالى جناح بعوضة، فلو كان المرء صديقا لأكبر ملك في العالم ومات بسكتة قلبية فلن يستطيع صديقه الملك إحياءه ولو أنفق خزائن الأرض كلها.ولو سقطت الصاعقة على أحد، أو غرق في النهر أو احترق بالنار، أو مات في حادث طائرة أو قطار أو سيارة، فمن ذا الذي ينجيه من الموت؟ لا شك أن الأطباء في الدنيا يملكون مهارة عالية في علاج الأمراض، ولكن إذا جاء نفسًا أجلها من عند الله تعالى تخرج الروح من الجسد وهؤلاء الأطباء الكبار يقفون منبهرين عاجزين.فمن الغباء الشديد أن يثق المرء بملاذ زائف ويمد يده إلى ما سوى الله تعالى معرضا عنه.أما قول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ فبين فيه أن المرء لن ينجح إلا إذا كان على صلة بالذي هو غالب، كما قال بعض شعراء الفارسية: يار غالب شو كه تا غالب شوی" أي كُن صديقا لمن هو غالب تكن غالبًا.ولا شك أن لا غالب إلا الله تعالى، إلا أن الغلبة وحدها قد تؤدي إلى ظلم الآخرين، ولذلك قد أوضح الله تعالى هنا أنه ليس عزيزاً فحسب بل هو حكيم أيضًا..أي أن أفعاله وأحكامه كلها مليئة بالحكم، فلا إمكانية لأن يظلم الله أحدًا أو يهضم حق أحد.فإنما سلامة الإنسان في أن يترك كل ملاذ خيالي هو كبيت العنكبوت، ويقيم صلته مع الله العزيز الحكيم.
الجزء السابع ۷۳۲ سورة العنكبوت وقال الله تعالى في آخر هذه الآية: ﴿وَمَا يَعْقِلُها إلا الْعَالِمُونَ)، فبيّن أنه قد قام بسرد وقائع قارون وفرعون وهامان وغيرهم، ولكن لن ينتفع منها إلا من عنده خشية الله، أما الآخرون فيستمرون في إنكار الأنبياء متبعين خطوات فرعون وهامان وقارون وأمثالهم.يخشون واعلم أنه ليس المراد من العالمون هنا علماء العلوم المادية، بل العلماء الذين الله تعالى، والذين قد صرّح عنهم في آية أخرى فقال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ من عباده إلا الذين عندهم عباده الْعُلَمَاءُ (فاطر: ٢٩)..أي لا يخشى بصفات الله تعالى.الله إدراك خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ٤٥ التفسير : لقد قدّم الله تعالى هنا خلق السموات والأرض كدليل على كونه عزيزاً وحكيمًا؛ فكأنه قال: أيها الناس إذا كنتم لا ترون في دمار الشعوب الجبارة دليلاً على كوني عزيزا حكيمًا ففكّروا في خلق السموات والأرض، فستجدون أني قد خلقتها بحسب قانون محكم لا تبديل له..أي أن الله تعالى قد سنّ في الكون نواميس ثابتة لا يقدر أحد على تبديلها فبوسع الملحد أن ينكر الله بلسانه، ولكنه لا يستطيع أن يغير ما وضعه الله العزيز للسانه ولآذانه من قوانين، فمثلاً لو أراد أن يتكلم بالآذان ويسمع باللسان، أو أن لا تحرق النار جسده، أو أن لا يبرد الماء البارد جسده، أو أن يُحدث تغييرا في أفعال الشمس والنجوم، فلن يستطيع ذلك أبدا.وإذا أكل الفلفل الحار جدا فإن قانون الإله العزيز سيعمل عمله حتما ويعاقبه بإصابته بالدوسنتاريا، وإذا أراد علاجه بعد ذلك فأيضا لا بد أن يخضع لقانون آخر وضعه الله تعالى لإبطال تأثير الفلفل.فثبت أن قانون الله غالب عليه في كل حال.كما أن خلق السماوات والأرض دليل على أن الله حكيم أيضا، لأن جميع العلوم
۷۳۳ الجزء السابع سورة العنكبوت تتأسس على ما يوجد في الأشياء من خواص غير متبدلة للأشياء وعلى النواميس الطبيعية التي لا تبديل لها.فمثلاً لو أحرقت النار مرة ولم تُحرق مرة أخرى، أو لو أزال الماء ظمأ المرء مرة وأضرم النار في بطنه مرة أخرى، لما ازدهر العلم أبدا.إذًا، فكما أن هلاك أعداء الأنبياء دليل على كون الله تعالى غالبًا وحكيمًا، كذلك فإن النواميس غير المتبدلة في السموات والأرض أيضًا دليل على أن الله تعالى غالب على كل شيء.هذا، وقد لفت الله تعالى بذكر خلق السموات والأرض نظر الناس إلى أنهم لو تفكروا في هذا الكون الهائل لأدركوا أن الله تعالى لم يخلقه عبثا.لو كانت غاية هذا النظام الهائل أن يقضي الإنسان في الدنيا أياما في الملذات ثم يفنى للأبد لعدّ هذا النظام كله عبثا فثبت أن خلق السموات والأرض في حد ذاته دليل على أن الإنسان قد خُلق لغاية عظيمة، وأن الموت ليس إلا اسما لانفصال الروح عن الجسم، وإلا فإن الحياة غير محدودة وأن أعمال كل إنسان ستحدد له طريق الرقي أو الانحطاط في المستقبل.كما نبه الله تعالى بذكر خلق السموات والأرض أعداء الأنبياء إلى أن الأرض لا تقدر على كشف قدراتها وطاقاتها بدون السماء، كذلك فإن الذين يظنون أنهم ليست بهم حاجة إلى هدي السماء بل سيحرزون الرقي باستخدام عقولهم فإنهم يُهلكون أنفسهم بأيديهم إن الأرض لا تعمل إلا إذا كانت فوقها السماء؛ كذلك فإن أي عقل إنساني لا يكفي للهداية ما لم ينزل عليه ماء الوحي والإلهام من السماء؛ فلو قطع الناس صلتهم عن ماء الروحانية حرموا من كل نفع كالأرض الميتة.أما قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فبين فيه أن خلق السموات والأرض آية عظيمة بلا ريب، ولكن لا ينتفع منها إلا المؤمنون.ذلك أن التدبر في الكون يكشف للمرء أن مثل كوكب الأرض إزاء النظام الشمسي كحبة برتقال أو
صلة *!! ٧٣٤ الجزء السابع سورة العنكبوت بندق في بستان كبير مثل "شاليمار " أو هي أصغر من ذلك.أما النظام الشمسي مع كواكبه كلها فلا يساوي إزاء نظام النجم القطبي حبة بندق في بستان كبير.ثم إن نظام النجم القطبي لا يساوي إزاء الكون المعلوم حشرة ذبابة إزاء مدينة كبيرة.فلو أعمل الإنسان فكره وأدرك قيمة ذبابة إزاء الكون كله، ثم فكر لماذا أراد الله تعالى أن يخلق الإنسان الذي لا يساوي إلا ذرة غير مرئية إلا بالمجهر إزاء هذا الكون الهائل، بل هو أقل شأنا منها ببلايين البلايين من المرات..لاقتنع بحاجته إلى إنشاء الله تعالى، ولأدرك مدى ضعفه وشدة حمقه إذ يصاب بالزهو والكبرياء! مع والحق أن الذي يقول لغيره مغتراً بقوته : سأكسر أسنانك بلكمة واحدة، إنما مثله إزاء الملائكة كمثل قدم النملة التي تقول – لو كان لها لسان سادمر أمريكا بركلة واحدة بل هو أضعف.فالإنسان لا يساوي شيئًا أمام الكون، حتى إن الطاغية الذي يبث الرعب في الرعية بإعلاناته المرعبة عندما يدخل في جسمه جرثومة لا ترى إلا بالمجهر لمرض السل أو الكوليرا فإنه يتقلب على فراشه في كرب وعذاب ويتوسل إلى الطبيب باكيا بأن يعالجه بسرعة لأنه في ألم شديد.فترى أن هذا الملك الذي لا يأبه بأي إنسان في الدنيا يتوسل أمام هذا الطبيب الذي دخله لا يتعدى مئتين أو أربع مئة ،روبية والذي لو أراد لقاءه في أيام صحته لما سمح بالدخول عليه.له فعلى المرء أن يفكر في غاية خلقه، إذ لا بد أن هناك غاية ما من خلقه.يعلن القرآن الكريم أن الله تعالى لم يخلق شيئًا عبنا وبدون فائدة، وإذا كان الأمر كذلك فعلى الإنسان أن يفكر في غاية خلقه ويرى لماذا خلقه الله تعالى.ومن لا يفكر في ذلك فلا شك أنه يضيع حياته.* "شاليمار" متنزه عظيم في مدينة لاهور بباكستان بناه الملوك المغول، ولكنه قد فقد الآن الكثير جماله من وروعته.(المترجم)
الجزء السابع ۷۳۵ سورة العنكبوت صلے اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَب وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ إِنَّ الصَّلَوَةَ تَنْهَى عَنِ الْحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ٤٦ التفسير: أي أن في خلق السموات آية عظيمة للمؤمنين، ولكن الكافرين لا يعرفون هذه الحقيقة، فاقرأ عليهم القرآن ليفهموا به الحقيقة وليهتموا بإقامة الصلة بالله تعالى.الواقع لأنهم اتخذوا القرآن مهجوراً، فتراهم لا يعملون به ولا يدعون غيرهم إلى العمل به، مع أن حياتهم كلها في القرآن الكريم.إن القرآن الكريم غذاء روحاني أعده الله لنا، وكما أن الغذاء المادي أشكال وألوان، إذ نصنع من الدقيق فطائر حينًا، وأرغفةً رقيقة ناعمة حينًا آخر، وأرغفة سميكةً تَنُّورية حينًا ،ثالثًا، كذلك قد اتخذ الغذاء القرآني أشكالاً عديدة، فتارة يقدم لنا هذا الغذاء في صورة الصلاة، وتارة أخرى في صورة الصوم، ومرة في شكل الحج، وأخرى في شكل الزكاة.وكأن هذا الغذاء الروحاني أصبح مرة فطيرًا وأخرى خليطا من المكسرات، وتارة حلوى.إلا أن د هذا الغذاء وحده لا يغنينا شيئا ما لم نتناوله ونمضغه ونبلعه ونهضمه بمساعدة المعدة والأمعاء.ولذلك قد اخترعت مصطلح "الاجترار الذهني"..أي لن نهضم هذا الغذاء الروحاني ما لم نقم بالاجترار الذهني.إنك ترى الحيوان يأكل طعامه بسرعة لأنه لا يستطيع أن يرعى في الغاب في كل حين، ولكن ليس في معدته نظام لهضم الطعام كما ينبغي، فيجلس بعد الطعام ويقوم بالاجترار حيث يُخرج لقمة من المعدة ،ويمضغها ثم يخرج لقمة أخرى، ولا يزال يعيد هذه العملية باستمرار حتى يهضم طعامه.هذا هو مثال الاجترار الذهني أو الروحاني أيضا.الواقع أن المرء يقرأ القرآن الكريم أو يقوم بتلاوته ولا يستطيع هضمه فوراً، إنما مثاله كالحيوان الذي أن مدار حياة المسلمين كلها على القرآن الكريم، ولم يصبهم الانحطاط إلا وجود قلے
٧٣٦ هذا الجزء السابع سورة العنكبوت يرعى الكلأ بسرعة، أو كالإنسان الذي يضع في فمه لقمة تلو لقمة، ويبتلعها فوراً دون أن يمضغه فيصاب بالتهاب الأمعاء والإسهال أو القيء الذي يخرج الطعام من جسمه.فالذين لا يقومون بالاجترار الذهني لا ينتفعون من هذا الغذاء الروحاني، ومن أجل ذلك قد شبه القرآن الكريم اليهود بحمار يحمل أسفارا (الجمعة:٦).إن الذين لا يقومون "بالاجترار الذهني" فإنهم يقرأون هذا الكتاب ولكن لا ينتفعون منه لعدم تدبّرهم فيه.فلكي ينتفع المرء من القرآن الكريم لا بد له أن يمرر هذا الغذاء الروحاني بالمراحل التي تساعده على هضم مضامينه، وإلا لن يهضم الغذاء.فبالإضافة إلى تلاوة القرآن الكريم لا بد من التدبر فيه ثم العمل به، فإذا فعلتم ذلك أصبحتم أمة تتمتع بالحياة والنشاط وستنبهر الدنيا برؤيتها.انظروا إلى الحديد كيف منه يصنع الأوروبيون أجهزة ومخترعات غالية الثمن، أما في بلادنا فلا يصنعون من الحديد إلا المطارق أو المقصات أو ما إلى ذلك فقط.أما الذهب فكانت النساء في القديم يلبسن أقراطا ثقيلة من الذهب فكانت آذانهن تتدلى وتتشوه وهن يظنن أنهن ثريات جدًا، ولكن البلاد الأوروبية قد صنعت من الذهب شتى الحلي الجميلة وباعتها للبلاد الأخرى وجلبت منها أموالاً طائلة.فثبت أن وجود شيء وحده لا يغني المرء شيئا؛ فلا تفخروا بوجود القرآن بينكم، لأن السؤال الذي يفرض نفسه هو : إذا كان القرآن موجودًا عندكم فماذا انتفعتم منه؟ واعلموا أنكم إذا كنتم تنتفعون من قراءة القرآن فليس في الدنيا قوم أكثر سعادة منكم، أما إذا كنتم لا تنتفعون منه فليس في الدنيا قوم أشقى منكم، لأن جيوبكم مليئة بالذهب ولكنكم لا تنتفعون منه.لقد جاء إلي مرة طالبان من مدرسة "ديو بند" الشهيرة، وكانا قد سمعا من البعض أني لستُ خريج أي مدرسة.فجلسا في مجلس كان يضم بعض الأحباب، فسألني أحدهما الذي كان يبدو أكثر حماسًا: ما هو مستوى تعليمك؟ فأدركتُ أنه قليل الأدب، فقلت له: لم أدرس أي شيء.فقال: أخبرني عن المدرسة التي تخرجت فيها؟ قلتُ: لو كنت خريج مدرسة لأخبرتك.قال : ألم تتخرج في أي مدرسة في الهند أو البنجاب؟ قلت: لقد أوضحتُ لك أن ما تراه تعليماً فإني لم أحصله من أي مكان.
الجزء السابع ۷۳۷ سورة العنكبوت فغمز على رجله صديقُه – الذي كان يبدو أذكى الدراسي منه - ليمنعه من هذا السؤال، ولكنه كان متحمساً فلم يسكت وقال: هذا يعني أنك لست عالما؟ فقلت: لقد أجبتك بحسب سؤالك، حيث سألتني عن المدرسة التي تخرجتُ فيها والمنهج الذي أكملته، فأخبرتك أني لستُ خريج أي مدرسة ولم أكمل أي منهج دراسي، وإنما تعلمتُ من الكتاب الذي أُعطيه محمد ﷺ والذي علمه أتباعه وهو القرآن الكريم؛ فيمكنك أن تحكم الآن ما إذا كان محمد ﷺ عالما أم كان يجهل العلوم كلها.الحق أن النبي ﷺ قد جعل الناس علماء، ولا شك أنني لا أبلغ شأوَ النبي = الكتب، مع أن هذه ، إلا أنني قد درست نفس الكتاب الذي درسه.فسكت هذا الطالب.إذًا، فإن الناس يظنون أن المرء لا يُعَدّ عالما ما لم يدرس "سلم الشمس البازغة" والشروح الكافية" و"الشروح الشافية" و"الهداية" وغيرها من العلوم من منطق وفلسفة وغيرهما لم توجد في عصر النبي ، إنما كان هناك القرآن الكريم فقط.إن هؤلاء يريدون أن نترك الله تعالى ونتجه إلى العباد، فإني عندما أقول لهم قد درست كتابًا مؤلّفه الله الله فلا يطمئنون أبدًا، ولكني لو قلت لهم إني قد درست كتابا قد كتبه "البيضاوي" فيطمئنون تماماً؛ وهذا يعني أن لا قيمة للكتاب الذي مؤلّفه الله الله مؤلّفه الله ، مع أن القرآن الكريم هو وحده منبع العلوم والمعارف كلها.6 عندهم ثم إن الله تعالى لم يحثنا بقوله: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ على تلاوة القرآن والعمل به فقط، بل أمرنا أيضًا أن نعرض هدي القرآن على أتباع الأديان كلها لنضمّهم إلى الإسلام وكأن الله تعالى يوصينا أن لا نركز على الأشياء الأخرى عند دعوة الإسلام، بل نقوم بالدعوة بالقرآن نفسه.لقد أهمل المسلمون هذا الأمر الرباني أيضا كل الإهمال، مع أن الله تعالى يأمرهم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران: ١٠٥).والأُمة جماعة لها نظام وهدف موحد.إذا، فالله تعالى قد أمر المسلمين هنا أمرًا أبديًا أن يوجد بينهم دائمًا قوم ليس هدفهم طوال العمر إلا نشر دعوة الإسلام تحت نظام.والحق أن من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها المسلمون في هي
۷۳۸ سورة العنكبوت الجزء السابع تاريخهم الماضي أنهم اعتبروا الدعوة والتبليغ فريضة فردية.لا شك في وجود دعاة ومبلغين بينهم، بل قد كان فيهم دعاة حتى في الماضي القريب أيضا، ولكن الدعوة المنظمة كجماعة قد انتهت فور وفاة النبي ﷺ تقريبا، لأن الحروب ضد المسيحيين والزرادشتيين شغلت الخلفاء الراشدين بحيث اعتبر الجهاد والدعوة شيئين منفصلين، ثم أدى الجمود الذي أصاب المسلمين بعد الخلفاء الراشدين إلى توقف مد انتشار دعوة الإسلام واعتبر المسلمون العزة الدنيوية والتقدم المادي منتهى غايتهم، وشغلتهم العلوم الأخرى فاتخذوا القرآن مهجورًا، فحُرموا من حماس الدعوة ونتائجها.فأدى ذلك إلى غلبة المسيحيين الذين كانوا منهمكين في التبشير وضعف المسلمين الذين كان قد شغلتهم فكرة الجهاد عن الدعوة والتبليغ.مع أن الله تعالى يقول في مكان آخر من القرآن الكريم: وَجَاهِدْهُمْ به جهَاداً جهَاداً كبيراً (الفرقان:٥٣)..أي أيها المسلم جاهد الكافرين بالقرآن جهادًا كبيرًا.فالحق أن الجهاد الكبير إنما هو جهاد القرآن الكريم وجهاد التبليغ والدعوة الذي قام المسيح الموعود اللة في هذا العصر، حيث أثبت من خلال كتبه الإسلام بعرض محاسن القرآن الكريم على العالم.إذا، لقد أمر الله تعالى هنا كل مسلم أن يأخذ القرآن بيده ويخرج للجهاد في العالم، وأن يتلو القرآن بنفسه ويعمل به كما يقرأه على الآخرين ويدعوهم للعمل به، وينشر من خلال القرآن أنوار الإسلام وبركاته بين القوم الذين لا علم لهم بمحاسن الإسلام ومزاياه وأن يسعى جاهدًا ليقوم حكم القرآن وحكم الإسلام وحكم محمد ﷺ في كل مكان.به فضل وعندي أن نزول القرآن الكريم باللغة العربية كان اختبارًا كبيرًا للمسلمين لأن الله تعالى أراد بذلك أن يرى ما إذا كانوا يشيعونه في كل مكان أم لا.ولكنهم أخذوا يقولون من سوء حظهم أن ترجمة معاني القرآن الكريم كفر، وبتعبير آخر إن نشر القرآن الكريم في كل مكان كفر.ولكن الله تعالى قد علمنا بواسطة المسيح الموعود الي أن ترجمة معاني القرآن الكريم ليس كفرا، بل هو ضروري جدا، كيف يفهم الناس ما أمرهم الله به بدون ترجمة للقرآن؟ توجد اليوم في الدنيا ألف إذ
۷۳۹ سورة العنكبوت الجزء السابع وثلاث مئة لغة، ولا بد من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى هذه اللغات كلها، لأن القرآن قد نزل للناس جميعًا.وليس هناك فرد واحد لا يخاطبه القرآن، إذا، فينبغي ألا يبقى في الدنيا فرد واحد لم نترجم معاني القرآن الكريم إلى لغته، حتى لا يقول أحد الله تعالى ربِّ، قد خلقتنى بين قوم لا يتكلمون العربية، والقرآن بالعربية، فأنى لي أن أتعلمه؟ نصح الله المسلمين بتعلم القرآن وتعليمه وسماع القرآن وتلاوته على بعد أن الآخرين وإرشاد الإنسانية كلها إلى الحق بالقرآن الكريم، قال الله تعالى الآن: وَأَقِمِ الصَّلاةَ..أي أن قراءة القرآن على الآخرين لا تكفي وحدها، بل لا بد أن تكونوا أسوة حسنة للناس وتقوموا بالدعاء لهم، فأقيموا الصلاة في الدنيا وادعوا للمؤمنين وغيرهم في صلاتكم بأن يفتح الله عيونهم.ثم يقول الله تعالى: إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ..أي أنها تنهى عن المساوئ التي تتعلق بذات الإنسان، وعن التي تُسيء إلى المجتمع أيضًا.ذلك أن الصلاة بالجماعة فرض على المسلمين خمس مرات يوميًا، ولو أقاموها لاستغرقت إقامتها كثيرًا من وقتهم الذي يتجنبون فيه الفواحش والسيئات؛ كذلك لو ظلّوا يدعون الله تعالى في الصلاة لأنفسهم ولغيرهم لنزل عليهم فضل الله تعالى، مما يؤدي إلى إصلاح أنفسهم وإصلاح الآخرين والنهوض بهم.كما أن تلاوة آيات القرآن والتسبيح والتحميد الذي يتم في الصلاة بكثرة تؤثر على قلب المصلي بحيث يكره السيئات ويتنفر منها.كما أن في التركيز على الصلاة بقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر إثر وصيته تعالى بتلاوة القرآن على الناس لإشارة إلى أن الطهارة لا تتيسر بدون الدعاء.تستطيعون تغيير أفكار الناس بتلاوة القرآن عليهم، ولكن طهارة قلوب الناس مستحيلة من دون فضل الله تعالى، وهذا الفضل إنما يتأتى بالدعاء.فأقيموا الصلاة وأكثروا من الدعاء لتحقيق الغاية التي أقامكم الله تعالى من أجلها.
الجزء السابع ٧٤٠ سورة العنكبوت أن الديانة المسيحية حق، فإذا لقد قال المسيح ال أيضًا في الإنجيل: "هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم (مرقس ٩: ٢٩).غير أن هذا لا يعني وجد في الإنجيل حكم جيد واحد، فإن جميع أحكام القرآن الكريم جيدة.الحق أن هدف العبادة التعبير عن مشاعر الشكر الله تعالى، لأن الإنسان بفطرته يشكر من أحسن إليه كما ورد في الحديث "جُبلت القلوبُ على حُبِّ مَن أَحسَنَ إليها" (الجامع الصغير للسيوطي: باب حرف الجيم حديث رقم ٣٥٨٠).إذا، فإن أكبر أهداف الصلاة أن يُقرّ الإنسان بلسانه بنعم الله ماثلاً أمامه الله بيد أن هناك هدفا آخر من الصلاة وهو أنها تُطهر الإنسان من الذنوب والمعاصى كما ورد في هذه الآية.ذلك أن الله تعالى ليس بحاجة إلى أن يعبده الناس بل إن الهدف الأساس في كل ما أمر الله تعالى من أحكام هو تطهير قلب الإنسان، لأن الله قدوس ولا يمكن أن يكون على صلة مع إنسان نجس.فجميع العبادات تهدف إلى تطهير النفس البشرية من السيئات، وشحن الإنسان بقوة تساعده على التخلي عن أهواء النفس بكل أنواعها، فتتوثق صلته الله تعالى من جهة، ومن جهة أخرى تصبح خلقه على ما يرام.لقد بين الإسلام أن هدف الدين هو أن يقوّي صلة العبد بربه تعالى ويسوي صلته مع خَلْقه.وإذا عجز أي دين عن تحقيق هذين الهدفين فلا يحق له أن يسمى دينًا إذ لا يحقق الغاية وراء الدين فالهدف الأساس للعبادات كلها تقريب العبد إلى الله تعالى وشحنه بطاقة تجنّبه الذنوب والمعاصي.والعبادات التي تحقق هاتين الغايتين هي التي تُعتبر نافعة، وإلا فهي مضيعة للوقت.وقد بين القرآن الكريم هذا المعنى في قوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ إِذًا، فالصلاة ليست إقرارا بعبودية الله تعالى فحسب، بل إنها تجلو قلب العبد وتساعده على تجنب الآثام، وتجعله نافعًا لبني جنسه.ولما ثبت أن الغرض الأساس من الصلاة هو إنشاء الصلة بالله تعالى وشكره وإصلاح النفس، فالعبادة التي تحقق هذين الهدفين هي العبادة الحقيقية، وبالتالي فإن الدين الذي يعلّم هذا النوع من العبادة هو الدين الحق.مع مع معاملاته
٧٤١ سورة العنكبوت الجزء السابع إن الوسائل التي وضعها الإسلام في العبادة الإسلامية لتحقيق الغرض من العبادة لا توجد في عبادة أي دين آخر، وبإمكان كل إنسان أن يدرك بأدنى تدبر أن هذه هي الوسائل التي تضمن تحقق غاية العبادة وإليك بيانها : الأول: اعلم أن هناك صلة وثيقة بين جسد الإنسان وروحه بحيث يؤثر أحدهما على الآخر.فمثلاً إذا سمع الإنسان خبرا محزنًا تأثر بدنه وبدت فيه أمارات الهم والحزن.كذلك إذا أُصيب جسده بأذى أصبحت نفسه حزينة مكتئبة؛ وهكذا تمامًا تتفاعل روحه وجسده في حالة الفرح أيضًا.فلكي يتوجه قلب العابد إلى الله تعالى لا بد أن يكون جسده أيضًا أثناء العبادة في حالة تواضع وتذلل لتتفاعل به روحه فتلين وتذوب فيتوجه الإنسان إلى الله تعالى بلهفة وشوق.وفي الدنيا أشكال شتى لإظهار منتهى التذلل ،والتواضع، فبعض الشعوب ينحنون وبعضهم يقفون مربوطي الأيدي، وبعضهم يخرون على الركب سجدًا؛ ولما كان الإسلام من عند خالق الفطرة الإنسانية فقد جمع في الصلاة كل هذه الطرق للتذلل مراعاة لشتى عادات الناس وطبائعهم؛ فيجد كل مصلّ في الصلاة حالة للتذلل تتلاءم مع مزاجه ومذاقه.والواقع أن هذه الصور المختلفة الدالة على منتهى التذلل تترك وقعا عميقا على قلب الإنسان، فيمتلئ حماسًا وشوقا الله تعالى؛ فيخضع أمامه تمام الخضوع.وإنه لمشهد رائع وجدير بالرؤية حين يكون المسلم ماثلاً أمام الله رب العالمين، فحينا يربط أيديه قائما، وحينًا يخضع أمامه راكعًا، وحينًا يرسل أيديه واقفا، وحينًا يخرّ أمامه ساجدًا، وحينًا يقعد على ركبتيه جالسًا، فيغمر قلبه ذلك الحب الذي يمكن أن يكون بين الخالق والمخلوق، فيُقرّ بلسان حاله قائلاً: ربّ، ها إني أقر أمامك بعبوديتي لك، من خلال جميع الطرق والأشكال التى تعبر بها مختلف الشعوب عن عبوديتها لك.وإن هذا المشهد لا يؤثر في قلب المصلى فقط، بل يؤثر في قلب المشاهد أيضًا، فيجذبه هو الآخر نحو الله تعالى.الثاني والطريق الثاني الذي وضعه الإسلام لتحقيق هدف الصلاة أنه اعتبر الدعاء لب الصلاة، حيث ورد في الحديث: "الدعاء مخ العبادة" (الترمذي: أبواب الدعوات،
٧٤٢ الجزء السابع سورة العنكبوت باب فضل الدعاء).والحق أن في الدعاء تأثيراً مغناطيسيا يجذب العبد نحو الله تعالى من جهة، ومن جهة أخرى يهيئ له الأسباب التي تسهل عليه تحنُّب المعاصي.ذلك أن الوالدين والحكام ما داموا يقبلون التماسنا ورجاءنا فكيف يتصور أن الله الذي هو أرحم الراحمين سيرفض دعاء عباده؟ ما هي الصلاة؟ إنما هي مجموعة أدعية.إنها ولد في قلب الإنسان حب الله تعالى من ناحية ومن جهة أخرى تحظى بها أدعية الإنسان بالقبول عنده تعالى فتزيده هدى وتساعده في فعل الخيرات.الثالث: والطريق الثالث الذي علمه الإسلام في سبيل تحقيق غاية العبادة هو التدبر في قدرة الله تعالى ذلك لأن الإنسان إذا لم يتيسر له علم كامل بشيء لم تتوثق صلته به فمثلاً إذا لم يدرك الإنسان أهمية العلم لم يجتهد لتحصيله، أو إذا جهل تأثير السم لم يخف من تناوله.الله به إذا، فإن الإنسان في حاجة ماسة إلى معرفة تامة بالله تعالى حتى تتوثق صلته ، ويتجنب السيئات؛ ولذلك قد فرض الإسلام على المصلي قراءة عبارات معينة تكشف عليه جلال الله ومحبته، فيخر له ساجدًا ويمتلئ قلبه بخوف الله وحبّه.ذلك لأنه عندما يُذكر المصلي في وقت واحد بنعم وبنتائج عصيانه والإعراض عنه، تستولي عليه حالة من التبتل إلى الله فيتقرب إليه تلقائيا.وقد أشار النبي ﷺ إلى هذه الحالة فأخبر أن أدنى درجة في الصلاة أن تعبد الله كأنه يراك، وأن أفضل درجة فيها أن تعبد الله كأنك تراه بعينك.).لقد ثبت من هنا أن الصلاة ليست في حد ذاتها غاية، وإنما الغرض منها أن تنهى الإنسان عن الفحشاء والمنكر..أي يمتنع الإنسان عن السيئات في حياته العملية، أما الغرض الروحاني من الصلاة فهو أن يتراءى الله تعالى للمصلي حتى يشعر أنه يرى الله تعالى.نص الحديث هو: "الإحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ." (البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل) (المترجم)
الجزء السابع ٧٤٣ سورة العنكبوت وهناك سؤال يطرح نفسه حول قول النبي : " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وهو حيث إن الله تعالى يرى الإنسان في كل حال، فهل يعني هذا أن الإسلام يقول أن الله تعالى يرى المسلم ولا يرى المسيحي أو الهندوسي أو السيخي؟ أو أنه تعالى يرى زيدًا الذي يصلي ولا يرى بكرا الذي لا يصلي؟ ولو أن الله تعالى يرى العبد وهو يصلي فقط لاعتبر كثير من ضعفاء الناس ترك الصلاة أفضل لهم قائلين: لا نصلي حتى لا يرانا الله تعالى.صح أما لو فُسر قول النبي ﷺ هذا بأن الله تعالى لا يرى الإنسان في الواقع، ولكنه أمرنا أن نظن أن الله يرانا لكان هذا كذبًا إذ نخدع أنفسنا ونتصور في أذهاننا تصورا باطلاً.فثبت أن كلا المعنيين باطل، فلا يمكن أن نفسر قول النبي هذا بأن الله تعالى لا يرانا عادة ولكنه يرانا حين نصلي، كما لا يمكن أن نفسره بأن الله لا يرانا حقيقة ولكن علينا أن نظن أنه يرانا.أن إذا، علينا تفسير قوله الله بما يتفق مع تعاليم القرآن الكريم، وهذا المفهوم هو نعتبر قوله "كأنك" بمعنى " أن توقن"..أي عليك أن تعلم يقينًا بأن الله تعالى يراك.وشتان بين علم اليقين وبين الخيال والوهم.وإذا تصور أحد في صلاته أن الله يراه، بينما أيقن الآخر في صلاته بأن الله يراه، فبرغم أن كل واحد منهما يرى بأن الله يراه، إلا أن رؤية أحدهما مبنية على الوهم والباطل، أما رؤية الآخر فَمَبنية على أسس متينة من اليقين؛ إذ يمكن زعزعة الشخص الأول من تصوره بكل سهولة، ولكن الشخص الثاني الموقن تماماً في صلاته بأن الله يراه فلا تقدر قوة في الدنيا على زعزعته.فثبت من هنا أن النبي لا يعني بقوله هذا أن عليك أن تتصور في صلاتك أنك ترى الله تعالى وإن لم يكن الأمر كذلك، وإنما المراد من قوله ﷺ أن أدنى درجة يجب أن ينالها المؤمن في صلاته هي أن يوقن يقينًا كاملاً أن الله يراه، ذلك لأن الرؤية لا تعني هنا معناها المعروف بل لها معنى خاص، والدليل على ذلك أن الله يرى المؤمن والكافر والمسيحي والهندوسي على سواء، ويرى المصلي وغير المصلي
الجزء السابع يعني ٧٤٤ هي سورة العنكبوت أن "كأنه يراك" يعني أيضًا؛ فإذا أيقن المصلي أن الله يراه فلن يكون له أي خصوصية، لأن الله كما يراه فإنه يرى الكافر والمنافق أيضًا، وإنما يمتاز المصلي بالخصوصية إذا فسرت رؤية الله تعالى هنا بمعنى خاص، وهو رؤية حفاظة ونصرة؛ ومثاله قول الله تعالى لرسوله في القرآن الكريم: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (الطور: ٤٩)..أي أنك أمام أعيننا، فسبح بحمدنا حين تقوم للصلاة.فكون النبي ﷺ أمام أعين ربه لا أن عدوه لم يكن أمام أعينه تعالى إنما المعنى أنك يا محمد قد بلغت درجة من قربنا بحيث سنرعاك رعاية خاصة فلن يستطيع أحد أن يهاجمك فيؤذيك ويهينك.فكما أن الحارس لا يقف مكتوف اليدين إذا أراد أحد الهجوم على من وكلت إليه حراسته، كذلك قد نزلت منا منزلة بحيث لن نسكت إذا حاول أحد الهجوم عليك.وذلك كما نرى في الدنيا أن المرء إذا لم يرد الدفاع عن شخص غض الطرف عنه، ولكنه لو أراد الدفاع عنه قال للناس: إنه يراه.باختصار إن قول النبي هو أن أدنى درجة في الصلاة يصلي المرء موقنا يقينا كاملاً بأن صلاته قد بلغت من الكمال بحيث إذا أراد به أحد سُوءاً فلن يسكت الله عليه؛ وذلك كما قال الله تعالى للمسيح الموعود اللي في وحيه: "إني مُعين من أراد إعانتك، وإني مُهين من أراد إهانتك" (آئينه كمالات إسلام (أردو)، الخزائن الروحانية المجلد ٥ ص (۱۱) وكأن العبد إذا بلغ هذا المقام فلا يترك الله تعالى من أحسن إليه بدون أجر، ولا يترك من أساء إليه بدون عقاب؛ فمن أحسن إليه جزاه الله تعالى أفضل مما أحسن ومن أساء إليه عاقبه بأشد عقاب.وهذه أدنى درجة يجب أن يتبوأها كل مؤمن بحسب قول الرسول.أما الدرجة العليا منها فقد حث عليها النبى الله بقوله : " أن تعبد الله كأنك تراه".وهذا أيضًا لا يعني أن يفترض المصلي أنه يرى الله تعالى، لأنه كذب ووهم، وكيف يوقن بالكذب والوهم؟ هذا أولاً، وثانيًا إذا كان المصلي ضعيف الإيمان لدرجة أنه يكون بحاجة إلى إقناع قلبه بأنه يرى الله تعالى، فما الفائدة من هذه المحاولة؟ فالحق أن قول النبي ﷺ "كأنك تراه" أنه بعد بلوغ الدرجة الأولى في صلاته يصل المؤمن حيث تنكشف عليه حقيقة آيات الله، فيرى رحمة الله وفضله وإحسانه بعينيه يعني
٧٤٥ سورة العنكبوت الجزء السابع أيضًا.إذًا، فإن أعلى درجة في الصلاة هي أن يكون المصلي على يقين كامل أنه يرى الله تعالى.ولكن ليس المراد من رؤيته ربه الله أن يفكر في صلاته أنه ماثل أمام أن تمثال وهو الله - كما يفعل الهندوس - لأن الإسلام لا يُعلم الوهم ولا يريد يخلق في ذهن الإنسان تصورًاً زائفًا، إنما يعلّمه أنه إذا قام في الصلاة فيجب أن يكون على يقين بأن الله تعالى يحسن إلى من يحسن إليه ويعاقب من يسيء إليه.فإذا تيسرت لك هذه الرؤية وأحسست أن الله تعالى يحسن إلى من يحسن إليك ويعاقب من يسيء إليك، أصبح حبك الله تعالى كاملاً وبلغت صلاتك درجة الكمال.إذا، فإن الإسلام لا يعلمنا الأوهام، بل يريد أن يأخذنا إلى درجة المعرفة واليقين.إنه يطالبنا أن نحسن صلواتنا ونجعلها رائعة بحيث يحبنا الله حبا يُشعرنا أنه تعالى يحسن إلى من يحسن إلينا ويعاقب من يسيء إلينا هذا من جهة، ومن جهة أخرى يرزق عيوننا من البصيرة وقلوبنا من النور بحيث نرى أن الله تعالى يُظهر آياته لتأييدنا.ومن بلغ هذا المقام نجا من الشكوك والشبهات كلها، وظهرت له آيات الله البينات وأيقن أن الله لن يضيعه أبدًا، وأن الدنيا يمكن أن تتركه؛ ولكن الله تعالى لن يخذله؛ إذ يرى آياته ويشاهد نعمه بأم عينيه.إن الجاهل لا يفهم هذا الأمر، ولكن الذي یری الله تعالى بعينيه يقف على صخرة عظيمة من اليقين بحيث لا تقدر قوة في الدنيا على زعزعة عزيمته.إنه لمما يبعث على الأسف أن فئة من المسلمين في هذا العصر لا يصلون، ليس لأنهم لا يؤمنون بضرورة الصلاة، بل لأنهم يظنون أن الله رحمن ورحيم وسيتغمدنا بمغفرته إذ ليست مغفرته إلا للخطاة ،والآثمين وإذا لم يوجد هناك آثمون مثلنا فمن ذا الذي يغفر الله له الذنوب؟ وإنني لن أناقش هنا صحة هذا الاعتقاد أو خطأه إلا أن هذا ما يجيب به أصحاب هذه الفئة.بينما توجد بينهم فئة أخرى تعتقد بأن الله تعالى قد أمر بهذه الأحكام في الماضى لإصلاح العرب فقط، إذ كانوا قوما همجيين لا يهتمون بالنظافة والطهارة، فأمرهم بنظافة ثيابهم وطهارة أبدانهم، وكانوا أمة مشتتة لم يوجد عندها نظام النبي
الجزء السابع ٧٤٦ سورة العنكبوت فأمرهم الإسلام بحضور المسجد خمس مرات يوميًا.لقد أُمروا بحضور المسجد لأداء الصلاة في الظاهر، إلا أن الغرض الحقيقي أنهم إذا حضروا المسجد خوفًا من الله تعالى اطلعوا على أخبار قومهم وأحوال بلدهم مما سيولد فيهم صحوة سياسية، فيسعون للتغلب على العالم.أتذكر جيدا أنني قرأت في طفولتي مقالاً بهذا المعنى نُشر في جريدة.كان هناك مسلم كبير وكان يُعتبر داعية، فقام بزيارة اليابان وأمريكا بقصد الدعوة والتبليغ، ولما رجع ألقى محاضرة في جامعة علي غرة ، فنُشرت محاضرته في الجرائد وهي التي قرأتها.فمما قال في محاضرته إن الذين يقولون إن الصلاة حكم ضروري جدا ولا بد من أدائها بالجماعة في المسجد خمس مرات يوميًا لا يتدبرون في حقيقة الأمر، فلا يدرون أن الإسلام دين ،عالمى، وكان لأحكامه في الزمن القديم صبغة وقد اكتسبت أحكامه في هذا العصر صبغة أخرى لا شك أن الأحكام ستبقى على حالها، ولكن أشكالها ستتغير بتغير الظروف.لقد كان العرب أمة جاهلة يعيشون حفاة و لم تتيسر لهم ثياب كافية، فأمروا بالركوع والسجود على الأرض، أما في هذا العصر فقد تغير الوضع، فلو قام المرء بالركوع والسجود على الأرض لفسد بنطلونه؛ ولو كان محمد ﷺ في هذا العصر لعدل هذا الحكم حتمًا ولقال: لا حاجة بكم للركوع والسجود، بل يكفيكم أن تُحنوا رؤوسكم قليلاً جالسين على المقاعد.والحال نفسه بالنسبة للصوم، إذ كان العرب قوما وحشيين يأكلون الطعام أكلاً لَمَّا، فكانوا يصابون بالتخمة، فلذلك أمرهم الإسلام بالصوم، أما هذا العصر فهو عصر الحضارة ولا يفسد فيه الناس معدتهم بكثرة الأكل، فإذا تناول المرء الفطور صباحًا وأكل الكعك والبسكويت مساء ولم يأكل وقت الظهيرة شيئا، فيكفيه هذا صومًا.باختصار يوجد بين المسلمين اليوم قوم يعتبرون هذه العبادات غير صالحة لهذا العصر ولا حاجة لها اليوم عندهم.بينما توجد بين المسلمين فئة ثالثة تقول إنما الصلاة هي صلاة القلب، ولا داعي لهذه الحركات الظاهرة؟ ولكن الحقيقة أن الصلاة هي صلاة الظاهر وصلاة الباطن أيضًا، والجمع بين الأمرين هو الذي يجلب البركة للإنسان.فلو قمنا بذكر الله تعالى
٧٤٧ الجزء السابع سورة العنكبوت في القلب فقط و لم نؤد الصلاة الظاهرة لصار ذكر الله تعالى في القلب مجرد كذب وخداع؛ ذلك لأن المحب لمن يحب مطيع ولا يعصي أمره أبدا.أفليس غريبا أن نبدي الله حبًّا باللسان فقط من دون أن نقدم دليلاً عمليًا على حبنا له؟ حيث نؤمن بأنه قد أمرنا بالسجود له ولكنا نرفض أن نسجد له! بيد أن المرء إذا أدى الصلاة بالظاهر فقط بدون خشوع وحضور قلب فإنه لم يصل، وإنما قام بتمارين جسدية، ومثل هذه التمارين يمكن أن تقوّي جسمه كما تقوي جسم الجندي، ولكنها لن تعمر قلبه بنور الإيمان.قبل فترة ذهبتُ إلى السند فجاء أحد الهندوس لمقابلتي، وكان لم يهاجر إلى الهند عند انفصال باكستان حيث كانت له صلات حميمة مع المسلمين.فقلتُ له: لك صلات قديمة حميمة مع المسلمين، فهل تدبرت في دينهم مرة؟ فقال: كل دين يعلّم الخير، ودينكم جيد وديننا جيد أيضًا.فقلت: ما دامت كل ديانة تتضمن أحكامًا طيبة مماثلة فلماذا لا تنضم إلى المسلمين إذن؟ لا بد أن يكون هناك فرق مما جعلك هندوسيا وجعلنا مسلمين.لو كانت في الديانتين أمور مماثلة لدخلت في الإسلام أو دخلنا في الهندوسية.فلا بد أن يكون هناك فرق مما جعلنا نحافظ على كياننا المنفصل.ثم قلت له: هل قمت بالمقارنة بين العبادات الإسلامية من صلاة وغيرها وبين عبادات ديانتك، لترى أيتهما أفضل؟ فقال: إن الكعبة والدير كلاهما في القلب، فما الحاجة من صلاة ظاهرة؟ فقلتُ له: أمتزوج أنت؟ قال: نعم.ألك أولاد؟ قال: نعم.قلت: أتدلّل زوجتك وتداعب أولادك؟ قال: نعم.قلت: إن الحب في القلب، فلماذا تُظهر لهم الحب؟ إنما تبدي لهم الحب لأنك ترى ضرورة إبداء علامة ظاهرة لهذا الحب.فإذا كنت ترى أن الحب الذي تكنه في قلبك لزوجتك وأولادك لا يكفي وحده، بل لا بد من تقبيلهم ومداعبتهم، فلماذا تقول قلت: عن حب الله تعالى أن الكعبة والدير في القلب ولا حاجة لأي عبادة ظاهرة؟! فالحق أن ظاهر العمل وباطنه كلاهما يجعل الإنسان كاملاً، ولا تأتي النتيجة المرضية بدون اجتماعهما.فمثلاً إذا حاولت أخذ أطيب طعام في إناء وسخ اتسخ الطعام أيضًا، وإذا حاولت أخذ الطعام بدون إناء سقط الطعام وضاع، فثبت أنه لا
٧٤٨ سورة العنكبوت الجزء السابع بد من إناء، ولا بد من أن يكون نظيفا، ثم لا بد أن يكون فيه شيء ما.هذا هو مثال كل العبادات من صلاة وصوم وحج وزكاة فقد أمرنا الله تعالى بتقديم الأضاحي والقرابين، ولكنه تعالى أوضح لنا أيضا وقال: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)) (الحج: (۳۸).فبرغم هذا التصريح لم ينهنا الله تعالى عن تقديم القرابين، بل أمرنا أن نقدمها آخذين بعين الاعتبار أننا نقدمها عملاً بأمر حبيبنا وتحقيقا للأهداف التي سنّ الله القرابين من أجلها، ومن هذه الأهداف مثلاً أن الفقراء الذين يعانون الجوع والفاقة أو الذين لا يجدون اللحم طوال السنة سيجدون لحما للأكل.وهذا يعني أن القرابين تُطهر قلب أصحابها وتخلق فيها مشاعر الحب والعطف على الفقراء والجيران، كما توفقهم للعمل بحكم الله تعالى.إذا، فإن أهم واجب على المسلمين أن يواظبوا على الصلاة بالجماعة، لأن الذي ينسى حبيبه ولا يجدد في قلبه ذكراه لا يحق له الادعاء بحبه إن الحب الصادق لا يخلو من آثار ظاهرة أبدًا، ومن أكبر آثار الحب أن المحب يذكر حبيبه كل حين، ولا يزال يجدد ذكراه في قلبه عندما يذكر المرء حبيبه يتجدد حبه في القلب وتتراءى صورته أمام عينيه، ومن أجل ذلك قيل: "المكتوب نصف الملاقاة"..أي إذا كتب المرء رسالة لبعض أصدقائه وأقاربه فكأنه قد قام بنصف لقائه.فعندما يكتب له السلام عليكم ويبين له أحواله ويسأله عن حاله، فكأنهما يجلسان وجهًا لوجه ويجددان حبهما.فثبت أن الرسالة توثق صلة المرء بحبيبه وقريبه كما يوثقها اللقاء بينهما، فتنوب عن اللقاء إن الصلاة أيضًا وسيلة للقاء الله تعالى، ولذلك قد فرض الإسلام على المرء أن يقف للصلاة على فترات قصيرة لذكر الله تعالى.لقد فرض الإسلام على المسلمين أداء الصلاة في وقتها حتى في حرب طاحنة دامية تنطلق فيها النيران من الطرفين عليهم أن يخضعوا أمام الله تعالى فورًا في ذلك الوقت الحرج إن أمكن ذلك - علما أن الله أمر في حالة الهجوم الخطير من قبل العدو يجمع الصلوات التي لا يجوز جمعها في الظروف العادية، وقد جمع الرسول ﷺ نفسه أربع صلوات في إحدى المرات (البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الخندق) – لا شك أن الشكل الظاهر للصلاة سيتغير في حالة الحرب، ولكن لا يجوز ترك الصلاة.
الهدف ٧٤٩ الجزء السابع سورة العنكبوت ومن العيوب الكثيرة التي أصابت المسلمين في هذا العصر أنهم لا يصلون إذا كانوا على سفر في القطار مثلا، وإذا سئلوا قالوا لا نصلي لأننا لا نثق بطهارة ثيابنا في السفر.وعندي أنه لو كانت ثياب المرء كلها نجسة بالبول مثلاً – ليس حالة السفر فحسب، بل حال إقامته أيضا – ولم يكن عنده ثياب أخرى، وحان وقت الصلاة فعليه أن يصلي في الثياب النجسة أيضا ، أو إذا كان هناك ستر فيمكن أن ينزع ثيابه كلها ويصلي بجسم عار، وليس عليه أن يبالي بنجاسة ثوبه أو بعريه.ذلك لأن من الصلاة إنما هو أن يذكر الإنسان ربه بعد كل فترة قصيرة، ويجدد ذكراه في قلبه.وكما أن العطشان يرتشف في القيظ جرعة أو جرعتين بعد كل فترة إطفاء لظمئه، كذلك قد جعل الله تعالى الصلاة على فترات ليروي روح الإنسان بطراوة الإيمان وحلاوته، لكي لا يلفح حرُّ الكفر ،روحه، فتضمحل قواه الروحانية.إن ذكر الله تعالى يجدّد حبه في قلب المرء، ويقرب منه الملائكة، ويبعد عنه الشيطان.لا شك أن الله تعالى قد أمرنا بطهارة الثياب، ولكن إذا لم يكن عند المرء ثياب أخرى فلا يجوز له ترك الصلاة، وإنما يقال له: عليك أن تصلي حتى بالثياب النجسة.فمثلاً إذا كان عند المرء سروال واحد فأصابته نجاسة، فلا يسمح له الشرع بترك الصلاة وإنما الحكم فيه أن يصلي بالسروال النجس، لأن طهارة القلب مقدمة على طهارة الثياب ولكن الناس عندنا يهتمون بطهارة الثياب ولا يهتمون بطهارة القلب.إن ترك الصلاة بسبب نجاسة الثياب يعني أننا نهتم بطهارة الثياب ولا نهتم بطهارة القلب.وهذا حمق وغباء، إذ يجوز للمرء في هذه الحالة أداء الصلاة في أي ثوب متيسر، ولكن لا يجوز له أن ينجس قلبه بترك الصلاة بحجة نجاسة الثياب.إن الصلاة وسيلة لإصلاح الكيان الروحاني وكما أن الجسم المريض لا ينجو من الموت بحجة أنه مريض فلا يستطيع تناول الطعام، كذلك فإن الجسم الروحاني لا يمكن أن ينجو من الموت بحجة أنه مريض فلا يستطيع أداء الصلاة.إذا لم يستطع المرء تناول الطعام نتيجة مرض كأن يكون في حلقه ورم، أو يكون في فكه وجع، أو أنه يتناول الطعام لكن معدته لا تهضمه نتيجة سرطان أو غدة سامة فيها، فلا تقبل الغذاء بل تمجه بطريق القيء أو تدفعه إلى الأمعاء فيخرج إسهالاً، أو بأمعائه
٧٥٠ سورة العنكبوت الجزء السابع مرض فلا تمسك الغذاء أو لا تهضمه، فلن ينجو من الموت، لأن الجسم البشري يموت بدون الغذاء.كذلك فإن الذي يترك الصلاة فلا بد أن يموت روحانيا وإن تركها لعذر.إن بعض الناس يظنون لعدم بصيرتهم أنه إذا كان العذر مقبولاً فلن تظهر أي نتيجة، ولكنه ظن باطل.كلا ستظهر النتيجة سواء أكان العذر مقبولاً أو غير مقبول.فإنك إذا دهنت رأسك بالزيت سواء اشتريته بمال الحلال أو مال الحرام فلا بد أن يصبح شعرك دهنيا، وليس أنك إذا دهنته بزيت اشتريته بمال الحلال فيصبح دهنيا، وإذا دهنته بزيت اشتريته بمال الحرام فيظل جافا.كما أنه ليس ممكنا للثوب الذي اشتريته بمال الحلال أن يستر بدنك، بينما الثوب الذي اشتريته بمال السرقة لا يستره ،كلا بل سيستر الثوب الجسم سواء اشتريته بمال السرقة أو بكسبك الحلال، وتكون النتيجة واحدة.والحق أن المرء يمكن أن يترك الطعام المادي قائلا: لا بأس لو مت جوعًا فإن جميع الناس يموتون وإني سأنال حياة الآخرة بعد الموت، ولكنه لو مات موتا روحانيًا فماذا يفعل إذ لا تعويض للموت الروحاني.فعليكم أن تواظبوا على الصلاة بالجماعة واجعلوا أولادكم مواظبين عليها؛ إذ أرى أنه ليس هناك شيء هو أدعى لإصلاح أخلاق الأولاد وعاداتهم من الصلاة جماعةً.لقد سنحت لي الفرصة لمقابلة كثير من الناس وفحص أحوالهم، ثم إن الله تعالى قد جعلني مرهف الحس جدًا بحيث لا يحس الذين قد مروا بالتجارب لقرن من الزمان ما أستطيع أن أحسه من حلو الدنيا ومرّها.وها إني أقول بناء على أنه ليس هناك شيء أدعى إلى الصلاح من الصلاة بالجماعة.قد لا أستطيع تفسير قوله تعالى: إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر كما ينبغي، إلا أني أقول إن الذي يواظب على الصلاة بالجماعة مهما بلغ في الذنوب والمعاصي حتى ولو سبق إبليس في الشر، فلا تزال هناك فرصة لإصلاحه.وها إني أقول ثانية إني لا أشك مثقال ذرة في أن من يواظب على الصلاة بالجماعة فستبقى فرصة الإصلاح متاحة له دائما مهما بلغ في السيئات.إني موقن بتأثير الصلاة بصدد جعل الإنسان صالحا لدرجة أني أستطيع أن أحلف بالله تعالى أن المواظب على الصلاة بالجماعة خبرتي
الجزء السابع مهما صار سيء ٧٥١ سورة العنكبوت الأعمال فإن إصلاحه ممكن حتمًا، ولا يمكن أن يضيع.وإني أقول على وجه البصيرة أن فرصة إصلاحه متاحة حتى آخر لحظة شريطة أن يكون مواظبا على الصلاة بحيث يجد فيها لذة وسروراً.لأن أتذكر واقعة حدثت معي في صغري وهي أن المسيح الموعود المرض مرة ولم يستطع حضور المسجد لصلاة الجمعة.ولم أكن قد بلغت سن البلوغ حتى تسري عليّ أحكام البالغين فخرجتُ إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، فرأيت في الطريق شخصا يرجع من المسجد.لم أكن قد بلغت من العمر بحيث أتذكر صورة هذا الرجل إلا أنها لم تغب عني نتيجة تأثير هذا الحادث في قلبي، واسم هذا الشخص محمد بخش، فسألته: لماذا ترجع، هل انتهت الصلاة؟ قال: لا، ولكن المسجد ملآن بالمصلين ولم أجد فيه مكانًا فرجعت.فلما سمعت قوله رجعت أنا أيضًا وصليت في البيت.فلما رآني المسيح الموعود قال: لم لم تذهب إلى المسجد للصلاة؟ وإنه من فضل الله علي أني كنت منذ طفولتي أكن احتراما عظيمًا للمسيح الموعود الله بصفته نبي الله تعالى.فوجدت في نبرته شدة، وفي وجهه آثار الغضب، فكان لسؤاله وقع كبير في قلبي، فأجبته: لقد ذهبت ولكنني رجعت المسجد كان ملانا بالناس ولم يوجد فيه مكان فسكت المسيح الموعود الل.ولكن بعد صلاة الجمعة لما جاء المولوي عبد الكريم له العيادة المسيح الموعود العليا فإن ما سأله حضرته ال هو : هل حضر الناس المسجد بكثرة اليوم؟ فخفت خوفًا شديدًا لأني لم أذهب إلى المسجد بنفسي، وكنت لا أدري ما إذا كان الرجل الذي أخبرني قد أخطأ أو أكون قد أخطأت أنا في فهم قوله؛ ولو لم يكن المسجد ملآن فسيقال وفي كلتا الصورتين أني قد كذبتُ.ولكن المولوي عبد الكريم قال في الجواب للمسيح الموعود ال: نعم يا مولاي بالفعل قد حضر الناس اليوم بكثرة.وأنا لا أعلم حتى اليوم الأمر الواقع، إلا أن الله تعالى قد برأ ساحتي بشهادة من المولوي عبد الكريم.على أية حال، لقد ترك هذا الحادث أثرًا عميقًا في قلبي لا أزال أحس به حتى اليوم، وهو يبين لنا مدى اهتمام المسيح الموعود اللي بالصلاة بالجماعة.
٧٥٢ سورة العنكبوت الجزء السابع إن الذي لا يصلي بالجماعة رغم بلوغه سن الرشد فهو منافق، أما الذين لا يعودون أولادهم على الصلاة بالجماعة فهم القتلة السفاكون لدمائهم.لو أن الوالدين ربّوا أولادهم على الصلاة بالجماعة فلن يأتي عليهم وقت يقال فيه أن إصلاحهم مستحيل ولا علاج لهم.لا شك أن المسلمين اليوم يصلون في المساجد، ثم لا يتورعون أيضًا عن كثير من المعاصي بعد خروجهم من المساجد، فيكذبون ويرتشون ويخدعون ويغشون ويخونون في المعاملات والتجارات؛ ولكن سبب ذلك أنهم لا يؤدون الصلاة بشروطها التي وضعها الإسلام، ولو صلّوا بشروطها لتطهرت قلوبهم وزالت أدران معاصيهم ونجوا من شتى الذنوب والآثام، لأن الذي يحسن أداء الصلاة مراعيا شروطها التي وضعها الله يجد في نفسه تغييرًا سريعًا، ولا تمضى أيام كثيرة حتى يكتسب ملكة خاصة تمكنه من معرفة السيئات فيطّلع بها على دقائق المعاصي والآثام التي لا يطلع عليها الآخرون، وتحدّره الملائكة من كل إثم وتنبهه عند كل شر، وينال القوة لمحاربة الشيطان.ذلك لأن المصلي يقوم بتسبيح الله وتحميده، والله لا يترك أي عمل بدون جزاء، بل يجزي العبد على أعماله أفضل جزاء.عندما ينيب العبد إلى الله تعالى في صلاته بكمال التذلل والخشوع والخضوع متخذا الأشكال التي تتبعها مختلف الشعوب لإظهار عبوديتهم الله تعالى فإنه تعالى يرفعه عاليا.فإذا سبح الله تعالى قال الله تعالى لملائكته : إن عبدي قد سبّحني من كل عيب ونزّهني من كل منقصة، فطهروه من العيوب، وإن عبدي حمدني فانشروا حمده في الدنيا، وإن عبدي تذلل وتواضع لي فاكتبوا له العزة والرفعة.فكلما واظب المرء على الصلاة وأقر بسبوحية الله وحمده وعظمته جعل الله كفة حسناته ثقيلة ورفعه باستمرار.وحيث إن الإثم ليس إلا نتيجة تعلق الإنسان بالأشياء المادية، فكلما ترفع المصلي عن العالم المادي ضعفت علاقته بالأشياء المادية وصار محفوظا منه.جميع ثم يقول الله تعالى: وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ..أي أن ترك الفحشاء والمنكر غاية عظيمة، ولكن ذكر الله تعالى في الصلاة أكبر من ذلك.
٧٥٣ الجزء السابع سورة العنكبوت ثم يقول الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ، فكلما تذكرونه يذكركم ويشرفكم بقربه وإلهامه ويهيئ الأسباب لإصلاحكم وإصلاح قومكم.لقد أمر الرسول بقراءة قوله تعالى "اذكروا الله يذكركم" أثناء الخطبة الثانية للجمعة، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة:١٥٣)..أي اذكروني أشرفكم بقربي وأدفع عنكم كل أذى ومصيبة.والظاهر أن الذي يحظى بقرب الله تعالى سيتخلص من كثير من المعاصي، وسيخصه الله تعالى بحبه ووداده.ومن أجل ذلك قد حثّ الإسلام كثيرًا على ذكر الله والعبادة في جميع الاجتماعات والمجالس.فعندما نذهب إلى الحج نقوم بذكر الله، وعندما نخرج للعيدين نقوم بذكر الله، وعندما يكون هناك زواج وعرس نؤمر بذكر الله، وعندما نخرج في جنازة نؤمر بذكر الله.وكأن النبي قد وصف الجميع اجتماعاتنا كثرة ذكر الله والعبادة حتى تكون مباركة، ومن أجل ذلك قال النبي الله ما من مجلس يذكر فيه الله تعالى إلا ونزلت فيه الملائكة.فمن واجب المؤمن أن يقضى أوقاته بحيث يجري ذكر الله على لسانه ويزداد رغبة في الصلوات.إن ذكر الله تعالى هو بمثابة ضغط زر الإضاءة، فإذا ضغطت عليه أضاءت الغرفة، وإذا لم تضغطه ظل الظلام مخيما عليها.كذلك إذا لم تقم بذكر الله تعالى لن تضيء نفسك.فعوِّدوا أنفسكم على ذكر الله دائما لتزدادوا صلة بالله تعالى، وتتقوى عزيمتكم ، وليكون في نظراتكم تأثير ويُلقى رعبكم في قلب العدو حتى يعترف الأعداء أيضًا أن هؤلاء أمة روحانية فعلاً.وَلَا تُجَدِلُواْ أَهْلَ الْكِتَبِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ صلے وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )
٧٥٤ الجزء السابع سورة العنكبوت التفسير: إن أول من وجه إليهم القرآن الكريم دعوته هم اليهود والنصارى ولذلك ذكر الله هنا أهل الكتاب على وجه الخصوص بعد قوله: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ منَ الْكتاب، فأوضح أنكم عندما تتلون القرآن الكريم على أهل الكتاب فلا بد أن يتطرق الحديث إلى المقارنة بين القرآن والتوراة والإنجيل ويبــدأ النقــاش والجدال بين الطرفين؛ فنوصيكم ألا تقدّموا أثناء نقاشهم إلا أقوى الأدلة وأحسنها عندهم كتابا سماويًا أيضًا؛ لا شك أنه قد أصبح محرفا إلا أنه لا يزال فيه شيء من كلام الله تعالى.فعليكم أن تضعوا القرآن الكريم بالحسبان دائما لدى نقاشهم لأن الأدلة القرآنية تبلغ من القوة بحيث لا يمكن أن تُباريها الأدلة الإنجيلية.فقولـه تعالى: إلا بالتي هي أَحْسَنُ إشارة إلى الأدلة القرآنية بدليل قول الله تعالى في القرآن الكريم : الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهَا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذكر الله (الزمر: ٢٤)..أي أننا لأن نسن هذا القانون ولكن لا نفرضه على الناس بالجبر إظهارًا لقوتنا وسلطاننا، بل هو مجموعة أفضل ما يمكن قوله دينًا ودنيا وعقلاً ونقلاً ورواية ودراية، مما يحتاجه الصغار والكبار والذكور والإناث، ولن يُلغَى هذا القانون إلى يوم القيامة.تسن الحكومات في الدنيا قوانينها بعد دراسة طويلة عميقة، ولكن تلغيها بنفسها بعـــد فترة، ومثاله ما حصل في أمريكا حين حاولت الحكومة جاهدة منع النـــاس مـــــن شرب الخمر بسن قانون، ولكنها اضطرت في الأخير إلى إلغاء هذا القانون ورفع الحظر.بينما يعلن الله تعالى هنا أن القانون الذي نسنّه هو أحسن الحديث..أي أنه مشتمل على ما هو خير وأفضل، وأنه منزه عن كل نقص وعيـب، ويسدّ حاجات الناس كلها، ثم إنه ليس مما يُنسخ أو يُبدَّل بعد قرن أو عشرة قرون، بــل هو قانون دائم أبدي.باختصار إن قوله تعالى: الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يعني الأدلة القرآنية..حيث يأمرنا الله تعالى أن نحاور أهل الكتاب بناء على هذه الأدلة، لا جزافًا بغير هدى.
الجزء السابع ٧٥٥ سورة العنكبوت ثم يقول الله تعالى: إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ..أي أنه يوصينا أساسًا ألا نلجأ إلى القسوة في الحوار بل ينبغى أن ينحصر حديثنا في الأدلة والبراهين، ولكن يوجد في الدنيا بعض الظالمين الذين لا يتورعون عن الإساءة إلى أنبياء الآخرين وصلحائهم، فإذا كان الخصم سيئ الأدب بذيء اللسان فيمكن تبكيته بجواب قاس.ومثاله مــــا فعله المسيح الموعود الله في هذا العصر مع القساوسة المسيحيين، فإنهم لما أثاروا مطاعن شنيعة نجسةً ضد النبي وجرحوا قلوب ملايين المسلمين بسهام بذاءتهم، واعتبروا النبي ﷺ - والعياذ بالله - دجالاً وكذابًا، وتجاوزوا الحدود كلها في بغضهم وحقدهم تجاه الإسلام ومؤسسه وقاموا بتأليف كتب وسخةً وقحةً مثل کتاب "أمهات المؤمنين"، تصدى لهم المسيح الموعود اللي وقام بإفحامهم وتبكيتهم بأجوبة قاسية فلكي يكشف عليهم زيف دعاواهم بين لهم أن يسوع الذي يعتبرونه إلها لا يبدو طاهرا ولا ذا خُلق بحسب أناجيلهم.وكان طبيعيًا أن يرفع المسيحيون عقيرتهم لدى سماع هذا الجواب القاس ولكن المؤسف أن بعض المسلمين أيضًا لم يدركوا الحكمة وراء جوابه ال وأخذوا يقولون أنه - والعياذ بالله - قد أساء إلى المسيح الناصري ال.مع أن حضرته اللي قد قام بتبكيت هؤلاء القسس المعتدين بجوابه القاسي عملا بهذه الآية القرآنية، حيث استثنى الله تعالى هنا المعارضين بذيئي اللسان المعتدين، وقــال للمسلمين ينبغي أن تقدّموا أدلتكم بالرفق والمحبة ولكن إذا لجأ الخصم إلى السباب والبذاءة وأخذ يهاجم الإسلام وشخصياته المقدسة فيجوز لكم إفحامــــه وتبكيتـــه بجواب قاس مناسب.ومن أجل ذلك ترى أن القرآن الكريم أيضًا قد اتبع النبرة القاسية في بعض الأماكن، فمثلاً قد ورد في القرآن صراحة أن المعارضين لمــــا اعترضوا على النبي ﷺ :قائلين: ﴿وَقَالُوا مَال هَذَا الرَّسُول يَأْكُلُ الطَّعَامَ )) (الفرقان: ۸)، قام القرآن بتبكيتهم وقال إن الرسل السابقين أيضًا كانوا يأكلون ويشربون وكان لهم زوجات وأولاد.كما أن الأسلاف أيضًا قد اتبعوا الأسلوب القاسي في القرون الماضية.فهناك واقعة تاريخية شهيرة بأن ملك الروم كتب مرة إلى سلطان المسلمين بأن يبعث إليه أحدًا من علماء المسلمين لأنه يريد البحث في الإسلام.فأرسل
٧٥٦ سورة العنكبوت الجزء السابع السلطان أحد العلماء.وكان النصارى قد دبروا خطة ليفضحوا العالم المسلم.فلما اجتمع الناس في بلاط الملك قام أحد القسس وقال: أيها الشيخ، لقد تعرضـــت عائشة زوجة رسولكم ،للتهمة، وكان المتهمون من قومكم أيضًا، فيبدو أن في تهمتهم وزنًا وقوة.وكان العالم المسلم ذكيًا، وربما هو الإمام ابن تيمية أو أحد أصحابه، فقال: جناب القس، هناك في التاريخ امرأتان متهمتان، إحداهما ذات بعل لقد اتهمها الخبيثون ولكنها لم تضع أي ولد أما المرأة الأخرى كانت بدون زوج فاتهمها أعداؤها ووضعت ابنا! فهلا أخبرتني الآن أيتهما قد اتهمت بتهمة حقيقية؟ فندم القس جدًا وبُهت وقال: حضرة الشيخ، إنك تقسو في الجواب، مع أني لم أقصد الإساءة إلى أحد فيما قلت.وقد وقعت معي أيضا واقعة مماثلة.فذات مرة جاءني أحد الإنجليز وقال: أريــد أن أناقشك عن الإسلام شريطة أن لا تجيبني جوابًا تقصد به إفحامي وتبكيتي فقط.فقلتُ: إذا لم تهاجم الإسلام لن أجيبك بما يبكتك.فبدأ الحوار، ولكنه بعد قليل بدأ يهاجم النبي ﷺ ، فهاجمت يسوع في الرد عليه، فاحمر وجهه وقال: لا أطيق سمـــاع شيء ضد المسيح ال.فقلت : لقد وعدتك أني لن أهاجم المسيح إذا لم تهاجم محمدا ، فوفيت وعدي و لم أتكلم ضد المسيح بشيء، ولكنك أخلفت وعـــــدك و هجمت على محمد ؛ فإذا كنت تغار لكرامة المسيح اللي فهل تظنني عــــديم الغيرة بحيث أسكت على هجومك على الإسلام وكرامة محمد ؟ إذا هجمــــت على محمد ﷺ مرة من أجل المسيح فإني سأهاجم المسيح عشرين مرة تأييدا لمحمــد رسول الله.فخرج من عندي قائلاً: لا أطيق سماع قول يسيء إلى المسيح ال.إذًا، فلا يصح الاعتراض على تبكيت المسيح الموعود الل للنصارى بجــــواب كما أن كلماته القاسية ليست موجهة إلى كل واحد من صلحاء الطوائف وشرفائها المهذبين وإنما خاطب بها أولئك القوم الذين أساؤوا الأدب وطعنوا في الإسلام بوقاحة.وقد صرح حضرته اللي بنفسه ما نصه: "نعوذ بالله من هتك العلماء الصالحين، وقدح الشرفاء المهذبين، سواء أكانوا من المسلمين أو المسيحيين أو الآرية، بل لا نذكر من سفهاء هذه الأقوام إلا الذين قاس.
VOV الجزء السابع سورة العنكبوت اشتهروا في فضول الهذر والإعلان بالسيئة.والذي كان هو نقي العـــرض عفيف اللسان، فلا نذكره إلا بالخير وتكرمه ونُعزّه ونحبّه كالإخوان".(لجة النور، الخزائن الروحانية المجلد ١٦ ص ٤٠٩).ثم يقول اللي ما تعريبه: "ليس كلامنا في هذا الكتاب وفي كتيب "فرياد درد" موجها إلى القسيسين الشرفاء وغيرهم من المسيحيين الذين يتجنبون لمروءتهم الشخصية فضول الكـــلام وبذاءة اللسان ولا يؤذوننا بالكلمات الجارحة، ولا يسيئون إلى نبينا ، وليست كتبهم مليئة بالكلام القاسي المسيء.كلا، بل إننا نُعزّهم ونكرمهم بلا.و كلامنا القاسي ليس موجها إليهم أبدا، وإنما كلامنا موجه إلى الذين قد تعدّوا حد الاعتدال سواء أكانوا ممن هم مسلمون باللسان أو من المسيحيين، والذين يوجهون إلينا مطاعن شخصية سخيفة، أو يستخدمون في حديثهم أو كتبهم كلمات بذيئة مسيئة إلى كرامة نبينا..فليس كلامنا موجهًا إلى الشرفاء الذين لا يتبعون طريق البذاءة واللؤم، لا في هذا الكتاب ولا في غيره من الكتب، لا صراحة ولا تلميحا." (أيام الصلح صفحة الغلاف الداخلية، الخزائن الروحانية المجلد ١٤ ص ٢٢٨).ونظرا إلى الشرح الوارد أعلاه يُعتبر الاستثناء في قوله تعالى: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا منْهُمْ استثناء متصلاً، وهذا هو رأي المفسرين أيضًا؛ ولكن يمكن اعتباره استثناء منقطعًا كما عند العلامة أبي البقاء..أي يكون الكلام من هنا جملة جديدة، والمعنى لا تخاصموا الظالمين منهم وقولوا لهم تؤمنون بكتاب الله ونؤمن أيضًا بكتاب الله، وإلهنا وإلهكم واحد ولا نريد جدالكم، إذ ما الفائدة من الجدال؟ أي أنهم إذا مالوا إلى السباب والبذاءة فلا داعي أن تقسوا عليهم في الجواب، بل الإعراض والصفح عنهم هو الطريق الأمثل.6.ثم يوصينا الله تعالى أنه عند مناظرة أهل الكتاب : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ..أي نؤمن بالوحي الذي أنزل إلينا كما نؤمن مبدئيًا بالوحي الذي أنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مطيعون فما الفائدة من الجدال فيما بيننا؟ تعالوا نعمل معا علـــى
٧٥٨ الجزء السابع سورة العنكبوت نشر رسالة الإله الواحد.وقد أوضح الله تعالى هذا الأمر في موضع آخر من القرآن الكريم فأمرنا أن نقول لهم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا الله وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران: ٦٥).لا شك أنها آية وجيزة، ولكن التدبر يكشف لنا أنها دليل ساطع على أن الإسلام يرضى بالحق دائما.ويعلم الذين قد درسوا الإسلام أن الله تعالى قد عدَّ اليهود في القرآن الكريم ألد أعداء المسلمين في قوله: لَتَجدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا (المائدة: ۸۳).وبالفعل نجد أن اليهود قد عارضوا النبي ﷺ 鹦 بمنتهى الوقاحة وبطرق شتى، رغم معاملته الكريمة معهم.فإن معظم الحروب قــد نشبت بتحريض من اليهود بل هم الذين قد أغروا كسرى إيران على قتل النبي ﷺ دالين على خبث باطنهم، بيد أن الله تعالى قد سود وجوههم وخيب آمالهم.وهم الذين لعبوا دورًا قياديًا في غزوة الأحزاب أيضًا، إذ لم يجتمع العرب كلـهـم ضــــد المسلمين من قبل الواقع أنه لم يكن عند قريش مكة نظام قوي حتى يحشدوا هــذه القوى، وإنما تم ذلك بتدبير من قبل القبائل اليهودية المنفية من المدينة، فجمع هؤلاء أسد قريشًا وغطفان وبني سليم وبني سعد وغيرها من القبائل العربية القوية، وجاءوا بها على أبواب المدينة.لا شك أن الله تعالى قد سوّد وجوه اليهود عندها أيضًا إلا أنهم لم يألوا جهدا في عداء المسلمين.لقد كان أهل مكة هـــم الأعـداء وبني يمنح الحقيقيون للرسول ﷺ ، ولكنهم لم يسعوا قط لقتله خداعًا.بل عندما فقد النبي كل حقوقه المدنية بحسب قانون مكة بخروجه إلى الطائف واضطر للعودة إلى مكة ثانية، خرج أحد رؤساء مكة لمساعدته رغم كونه عدواً شديدًا له، فأعلن أنه محمدا - ﷺ - الأمان.فدخل بالنبي ﷺ مكة مع أبنائه الخمسة قائلا لهم: لا شـــك أن محمدا عدو لنا، ولكن المروءة العربية تفرض علينا أن نُجيره ما دام قد طلب منا الجوار، وإلا لن تبقى لنا عزة ولا كرامة.فموتوا دون محمد لو حاول أحد الهجوم عليه هذا هو العدو العربي الشريف.بينما نجد اليهود الأشقياء - الذين اعتبرهم القرآن الكريم أكبر عدو للمسلمين - قد دعوا نبينا في ديارهم بحجة التصالح
٧٥٩ الجزء السابع سورة العنكبوت معه، وحاولوا قتله بإلقاء حجر الرحى عليه من على السطح، ولكن الله تعالى أخبره بمكيدتهم، فخرج من عندهم بسلام.كذلك دعته امرأة يهودية إلى طعام دست فيه السم، فأنقذه الله تعالى هذه المرة أيضًا.وهكذا أخرج الله أضغان الشعب اليهودي (البداية والنهاية: في ذهابه الله إلى أهل الطائف، والسيرة الحلبية : المجلد الثاني ص ٦٢٨، غزوة الخندق، والسيرة النبوية لابن هشام: غزوة الخندق وأمر إجلاء بني النضير، وبقية أمر خيــــبر).ومن الواضح أنه لا سبيل للتعاون مع هذا العدو اللدود، ورغم هذا الخلاف الشديد يدعو القرآن الكريم اليهود إلى الاتحاد، فيقول هنا لنبيه : قل لليهـود الـذين يعادونك هذا العداء الشديد، وقل للنصارى الذين يرمونك بالكذب والافتراء إنكم تعتبرونني مفتريًا كذَّابًا، ولكنكم تؤمنون بربي، فتعالوا نعمل معا على إرســـــاء وحدانية هذا الإله الواحد في العالم.وإذا لم يتحدوا معك رغم هذه الدعوة للاتحاد فقل سنطيع أمر الله تعالى في كل حال.والآيات قيد التفسير أيضًا ترشد إلى الأمر نفسه؛ حيث بين الله تعالى أنه إذا لم يكن لكم بد من مناظرة أهل الكتاب فجادلوهم بالأدلة القرآنية، وإن كان الأفضل أن تقولوا لهم: ما الجدوى من النقاش عبثا؟ فإننا موحدون وأنتم أيضًا موحـــــدون، ونؤمن بكلام الله كما تؤمنون بكلامه، بل نحن أشد إيمانًا بما نزل عليكم وعلينا من الوحي، فلماذا نضيع الوقت في المناظرات.تعالوا ننشر وحدانية الله تعالى بـيـن الشعوب التي لا تؤمن بالله الأحد.إنه لمن المؤسف أنه قد مضى على نزول هذا التعليم في القرآن الكريم ثلاثة عشر قرنًا إلا أن اليهود والنصارى لم يقبلوا هذه الدعوة قط.عندما سافرت إلى أوروبا للعلاج عام ۱۹٥٥م دعيت لإلقاء محاضرة في إحدى الكليات، وقد حضرها كثير من المثقفين.لقد أصروا علي أن ألقي كلمتي باللغة الإنجليزية فرضيت بـذلك بسبب إلحاحهم وإن كنت لست معتادًا على ذلك.وكان الطلبة من بلاد مختلفة كألمانيا وفرنسا وسويسرا وأستراليا وكان بعضهم من اليهود.وكانت هنـاك ترتيبات لترجمة خطابي إلى شتى اللغات ترجمة فورية، فكان صوتي يصل عبر المذياع إلى غرف الترجمة وكان هناك علماء يقومون بترجمتها الفورية إلى لغات مختلفة،
٧٦٠ الجزء السابع سورة العنكبوت وكان أهل تلك اللغات يسمعونها بالسماعات.وقد وجهوا إلي إثر المحاضرة أسئلة كثيرة.فسألني بعضهم: إن ما بينت من تعاليم الإسلام هو نفسه ما تقدمه اليهودية والمسيحية، فلماذا هذا النزاع إذا؟ ولماذا نرى المسلمين والنصارى واليهود يتبادلون السباب والشتائم فيما بينهم؟ إن هذا النزاع يعني أن الدنيا لا تؤمن بإله ولا بإله عيسى ولا بإله محمد ! لماذا لا ينهون هذا النزاع و لم لا يقولون تعالوا نؤمن بإله واحد ونعبده بصدق متمسكين بديننا؟ موسی فقلت: لقد سرني سؤالك، لأن الله تعالى قد أخبر محمدا رسول الله ﷺ قبل ثلاثة عشر قرنًا بنفس الحل للقضاء على هذه النزاعات، حيث قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكتاب تَعَالَوْا إِلَى كَلمَة سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا (آل عمران: (٦٥).لقد اقترح محمد ال له هذا الحل قبل ثلاثة عشر قرنًا ودعا إليه أهل الكتاب كلهم، ولكن آباءكم رفضوا دعوته.فبدلاً من أن توجهوا إلينا هذا السؤال اسألوا آباءكم وكباركم لماذا رفضوا هذا الاقتراح الرائع الذي عرضه عليهم محمد فمسؤولية عدم الاتحاد لا تقع علينا وإنما تقع على آبائكم، إذ إن هذه الدعوة موجودة في القرآن الكريم منذ ثلاثة عشر قرنًا.فيجب أن توجهوا شكواكم إلى آبائكم لا إلينا.وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَبَ فَالَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ صلے ج يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا تَجَحَدُ بِنَايَتِنَا ΕΛ إِلَّا الْكَا ِرُونَ التفسير: أي أنزلنا عليك هذا الكتاب الآن كما أنزلنا التوراة على موسى من قبل.فكأن شخصك كجبل الطور حيث يكلم الله تعالى في هذا الزمن.فالسعداء الذين أعطيناهم هذا الكتاب..أي أتباع محمد..يوقنون بـصدق كــل هذا الكتاب، ويفدونه بأرواحهم، بل إن بعضًا من أهل الكتاب - علما كلمة من
الجزء السابع ٧٦١ الله سورة العنكبوت أن من في قوله تعالى: وَمِنْ هَؤُلاء مَنْ يُؤْمِنُ به تبعيضية – يعتبرون القـــرآن الكريم مصداقا لنبوءات موسى ويؤمنون به، مثل عبد بن سلام الله الذي كان أحد أحبار اليهود (البخاري : كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم).بينما يوجد في أهل الكتاب من يكفرون بالقرآن تعصباً وعنادا وهم يعلمون أنه حق، وإن هؤلاء هم في الحقيقة أول الجاحدين بنعمة الله تعالى إذ رأوا بأم أعينهم أن هذا الكتاب أحدث في الدنيا ثورة عظيمة، وأعاد الحياة إلى الأرض الميتة، ولكنهم لا يجدون الشجاعة للإيمان به رغم رؤية هذه الآية العظيمة.فثبت أنهم يكفرون بنعمة الله، والحق أن أمثالهم هم الذين يكذبون بآيات الله البينات.وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَبٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤) بَلْ هُوَ وَايَتٌ بَيِّنَتٌ فِي صُدُورِ ج ٤٩ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا تَجْحَدُ بِنَايَتِنَا إِلَّا الظَّلِمُونَ (٤) التفسير واعلم أن النفي هنا ليس لمجرد التلاوة، بل شرح لقوله تعالى عن رسوله يَتْلُواْ صُحُفاً مُطَهَّرَةٌ﴾ (البينة: ٣)..حيث بين الله تعالى أن من أدلة صدق محمد أنه لم يكن قادرًا على قراءة كتاب أو كتابة شيء بيده..أي أي كان أُمِّيًا لم يحصل على العلوم المادية مطلقًا، ولولا ذلك لاشتبه أمره على المنكرين وقالوا: لعله نــــال هذه العلوم من الصحف الأخرى، ولكن لم يبق في هذه الحالة محال لأي شبهة.واعلم أن التلاوة نوعان: أولهما قراءة في كتاب وثانيهما ترديد كلام وراء شخص آخر وإن كان الذي يُردده أعمى أو أميًا.فمثلاً لو قرأ شخص أُمّي مــا حفظ من القرآن عن ظهر قلب فهذا أيضًا ،تلاوة وكذلك لو قرأ أعمى ما حفظه من القرآن عن ظهر قلب فهو أيضًا.تلاوة.فما يتلوه الإمام في الصلاة من القرآن الكريم لا يتلوه بالنظر إلى المصحف بل يقوم به عن ظهر قلب.وعليه فقوله تعالى:
الجزء السابع ٧٦٢ سورة العنكبوت وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِنْ قَبْله من كتاب نفي للتلاوة بنوعيها، تلاوة قراءة وتلاوة عن ظهر قلب.واعلم أن لفظ الكتاب قد ورد في القرآن الكريم دائما بمعنى الكتب المنزلة من الله تعالى وليس بمعنى الكتب المادية، اللهم إلا في مكان واحد فقط حيث ورد بمعنى المكتوب.وعليه فالمراد من قوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَاب ) أنك لم تتلُ أي كتاب من الكتب السماوية قط.وقد أكد الله تعالى هذا الأمر لأن معارضي النبي ﷺ كانوا يتهمونه بأنه يقرأ عليهم ما ورد في التوراة والإنجيل زاعمًا أنه قد أوحي إليه؛ بل لا يزال المسيحيون يرددون هذا الاعتراض حتى اليوم.لقــــد تناول الله تعالى هذا الاعتراض في مكان آخر من القرآن الكريم حيث سجل قول الكافرين: (فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان :٦)..أي أن أناسا يقرأون على محمد ) آيات التوراة صباحًا ومساء فيعيدها علينا..أي أنه يسرق هذه الأمور كتبنا مدعيًا أن هذا وحي أوحي إليه فيرد الله عليهم ويقول أليس غريبا أن ولنا يعيش ويتكلم مع الأميين طوال النهار، من دون أن يذكر شيئا من التوراة والإنجيل، وفي الصباح يذكر لهم الأحداث التي وردت في تلك الكتب بحيـــث يصحح ما ارتكبته من أخطاء في بيانها، وينبه إلى الأمور التي أغفلتها في سردها؟ وهذا يعني أنه لا ينقل عن هذه الأسفار فحسب بل يتدارك أخطاءها، ويزيل غبار التحريف الذي تراكم فيها على وجوه الأنبياء الكرام بأيدي اليهود والنصارى على من رسوا مر الأيام.ثم هناك مسائل من التوراة كان اليهود قد أهملوها في ذلك الوقت.فمثلاً ورد في الحديث أن يهود المدينة جاؤوا النبي لا لاول مرة ،بزان فقال لهم: ما هي عقوبة الزاني في التوراة؟ قالوا: ليس عندنا أي عقوبة للزاني.فأمرهم أن يأتوا بالتوراة.فلما فتحوها خرجت بالمصادفة نفس الصفحة التي ورد فيها أن عقوبة الزاني الرجم.فوضع أحد اليهود يده على هذه العبارة، ففطن لفعله الصحابي عبد الله بن ســــلام فقال له: ارفع يدك.فرفعها فوجدوا هناك حكم الرجم للزاني (مسلم: كتـــاب الحدود، باب رجم (اليهود.فإذا كان معظم اليهود يجهلون مثل هذه المسائل الكبيرة
٧٦٣ سورة العنكبوت الجزء السابع فما بالك بالمسائل الدقيقة؟ وكيف يقال أن النبي لو كان يتلقن منهم هذه العلوم؟ وليس هذا فحسب، بل ورد في الحديث أن عمر الله قرأ التوراة أمام الرسول ﷺ فسخط عليه سخطًا شديدًا (المشكاة: كتاب العلم، باب الاعتصام بالكتاب والسنة).فكيف يتصور والحال هذه أن النبي ﷺ كان يتلقن مسائل التوراة من علماء اليهود؟ باختصار إن الله تعالى قد ردّ هنا على المعارضين بأنهم يتهمون محمدًا بأنه قد علم أُمّي هذه المسائل بقراءة التوراة والإنجيل، مع أن قراءته هذه الأسفار مستحيلة؛ فهو لا يعلم القراءة والكتابة.ولو سلمنا جدلاً أنه كان يقرأها فعلاً فكان ضروريًا أن يذكر للآخرين أيضًا ما ورد فيها من أحداث ومسائل لأن المرء إذا أراد أن يتعلم علمًا فلا يلم بجميع مسائله في يومين أو ثلاثة، بل يتطلب هذا أن يدرس دراســـــة متعمقة لسنة أو سنتين، وأن يناقش ما يتعلّمه مع الآخرين، ولكنكم تعلمون أن رسولنا لم يناقش أحدًا في هذه المسائل قط، فكيف أخذ يتحدث عنها الآن فجأة؟ فثبت أن مصدر معلوماته ذات عليا هي أعلم من جميع علماء الدنيا، وإلا فإن رسولنا لا يستطيع قراءة كتاب بلغته الأم، فكيف يقرأ كتابا بلغة أخرى؟ وباختصار إن قول الله تعالى هنا: من كتاب الأسفار السماوية، حيث نبه الله تعالى هنا أعداء الإسلام أن رسولنا هذا يعيش بينكم، فهل سمعتموه من قبل وهو يتحدث عما ورد في التوراة والإنجيل؟ فكيف تمكن في ليلة واحدة من معرفة ما ورد في هذه الأسفار ؟ وكيف تعلم لغتها وحفظ محتوياتها في ليلة واحدة؟ وإذا كان قد حصل هذا فعلاً، فهو في حد ذاته معجزة.ولكن الواقع أنه كان يجهل كل هذه الأمور من قبل، ولم يناقشها مع أحد من قبل فالسؤال الذي يفرض نفسه : من ذا الذي يمكن أن يُعلّمه التوراة؟ إذ لم يكن في مكة إلا شخص واحد كان ينقل أجزاء من التوراة من العبرية إلى العربية وهو ورقة بن نوفل، ومع ذلــك كـــان لا يعرف كل ما ورد في التوراة أيضًا.ثم إن النبي الا الله لما رأى بعد بعثته بعض المسلمين يقرأون التوراة منعهم من ذلك لا تختلط مسائلها بمسائل القرآن..كأن تكون هناك مسألة في التوراة فيظن الناس أنها في القرآن أو يحدث العكس.كما نهى أصحابه عن كتابة أحاديثـــــه لكي
٧٦٤ سورة العنكبوت الجزء السابع مخافة أن تختلط أحاديثه بوحي القرآن الذي كان ينزل عليه (مسند أحمد: مسند أبي سعيد الخدري: الحديث رقم (۱۱۱۰۱).أما قوله تعالى: وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينكَ ، فهذا النفي عام أيضًا..والمعنى أن محمــــدا لم يكتب أيضًا أيا من الكتب السماوية قط.وكان هذا النفي ضروريًا إذ قد يظـــــن البعض أن محمدًا )) كان يؤلف القرآن الكريم مما ترجمه ورقة بن نوفل من التوراة (البخاري: كتاب بدء الوحي).ذلك أن المرء لا يفهم أحيانًا عبارة ما، ولكنه يستطيع نقلها ونسخها، شأن الناسخين عندنا الذين لا يفهمون معنى العبارة التي ينسخونها؛ ومن واظب على نسخ كلام غريب هكذا تمكن من فهم بعض الكلمات أيضا.فمثلاً أنا لا أفهم اللغة العبرانية، ولكنني أفهم بعض كلماتها المشابهة للغة العربية، كقول المسيح العلة: "إيلي إيلي لما شبقتَني متى ٢٧: (٤٦، إذ توجد بـيـن هـذه الكلمات العبرية والكلمات العربية مشابهة فإنها تعني بالعربية: "إلهي إلهي لماذا سبقتني وتركتني وراءك.إذًا، فيقول الله تعالى هنا لرسوله الكريم إنك لم تكن قادرًا على نسخ هذه الكتب أيضًا حتى تعرف شيئا مما فيها.ثم يقول الله تعالى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتُ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا إلا الظَّالِمُونَ..أي أن هذا القرآن يشتمل على التعاليم التي عندما يسمعها أصحاب العلم السماوي يشعرون في قلوبهم فورًا أنها كلام الله تعالى فعلاً، ولا يكفر بها إلا الظالمون..أي إذا لم يكن هذا الكلام من عنـد الله تعالى فكيـف تفجرت من خلال القرآن عيون العلم والعرفان من صدور القوم الذين يخشون الله تعالى؟ إن هذا لا يتأتى إلا بتأييد رباني ولا يحظى بالتأييد الرباني إلا الكلام الذي ينزل من عنده.وبالجملة إن هذه الآيات تفند الاعتراض الذي يثيره أعداء الإسلام عادة أن محمدًا قد ذكر هذه القضايا في القرآن بناء على ما قرأه في التوراة والإنجيل وسمعه من الناس، حيث بين الله تعالى أن القرآن يحتوي على علوم ومعارف لا أثر لها في الأسفار السابقة، فكيف يصح اعتراض النسخ والنقل ؟ فمن واجبهم أن يُثبتوا أولا أن هذه المعارف والحقائق موجودة في كتبهم.فما دامت كتبهم خالية من المعارف
الجزء السابع ٧٦٥ سورة العنكبوت ك الله القرآنية فكيف يصح قول اليهود والنصارى أن محمدًا ( قد سرقها من كتبهم؟ فقولهم يماثل القول أن الشمس تستمد ضوءها من السراج.وَقَالُواْ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ وَايَتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْأَيَتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ : أَوَلَمْ يَكُ هِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا ۵۱ عَلَيْكَ الْكِتَبَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) التفسير : أي يقول لك الظالمون لمَ لا تنزل على هذا الرسول آيات من ربه؟ فقل لهم يا محمد لا تعنون من الآية إلا آية ،العذاب واعلموا أن مثل هذه الآيات أيضًا عند الله، أما أنا فليس علي إلا الإنذار.ثم ألا يكفيهم آيةً أننا أنزلنا عليــــك كتابا كاملاً فيه رحمة وهداية لهم؟ فهل بقيت هناك حاجة ليتوجهوا إلى جهة أخرى وقد أعطيناهم ما لا نظير له..أي أنزلنا لهم كتابًا كاملاً يتلى عليهم.إن الناس يذهبون إلى النهر ، ولكن قد جاءهم النهر بنفسه ويذهبون إلى الأساتذة ملتمسين منهم أن يعلموهم، ولكن الله تعالى قد أرسل إليهم أستاذًا وأَمَرَه : بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ (المائدة:٦٨)..أي اذهب بنفسك إلى الناس وبلغهم هذه الأمور كلها، واعلم أنك إذا قصرت في تبليغ شيء مما نـــــــزل عليك فسنقول لك إنك لم تبلغ شيئًا من رسالتنا.وهذا يعني أن أستاذنا ومولانــــا يأتينا في بيوتنا لتعليمنا.ثم قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلكَ لَرَحْمَةً...أي أن التدبر سيكشف لكم أن ما أمرنا به رسولنا لمنّة عظيمة عليكم؛ ولذلك ترى أن نبينا قد سُمّي في القـــرآن رَحْمَةً لِلْعَالَمينَ ﴾ (الأنبياء: ۱۰۸).والحق أنه ينطبق على هذه المنة الإلهية مثل الكريم شهير في لغتنا البنجابية ما معناه: "تُعطى الخبز فطيرًا ورغيفين".فالله تعالى قـــد
الجزء السابع ٧٦٦ سورة العنكبوت الأسفار أعطانا كتابًا كاملاً من كل النواحي وهو منقطع النظير بـيـن جميـــع السماوية، وليس هذا فحسب، بل أمر رسولنا له أن يأتينا في بيوتنا ليعلمنا إياه.ثم يقول الله تعالى: وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ...أي أن المنة الثانية أن الذين يؤمنون بهذا الكتاب سيجعل الله لهم العز والشرف في الدنيا.علما أن بعض المفسرين قالوا إن المراد من قوله تعالى ذكرَى) أن القرآن الكريم نصيحة عظيمة، ولا اعتراض على هذا المعنى عندي ، ولكن كلمة ذكرى)) تعني أيضا أن الذين يؤمنون بهذا الكتاب بصدق سيجعل الله لهم ذكرًا حسنًا في الدنيا، فسيذكر الناس خدماتهم ومنجزاتهم.وهذا يعني أن هذا الكتاب ليس ذو شرف وعظمة من حيث كمالاته أو محاسنه الذاتية فحسب، بل إن المؤمنين الصادقين به أيضًا سينالون العزة والكرامة في الدنيا.ولما كان من المحتمل أن يقال كيف يمكن أن يكفي القرآن الكريم الناس إلى يوم القيامة، مع أن لكل عصر جديد حاجاته الجديدة وتطوراته الجديدة، فقام رسولنا بدفع هذه الشبهة بقوله : إن للقرآن سبعة بطون على D والحق أن معظم الناس لم يفهموا معنى هذا القول النبوي كما ينبغي، إذ إن من معانيه أن معارف آيات القرآن الكريم ستتجدد وفقا لمستجدات كل زمان، ومــــــن أجل ذلك نجد أنه لم ينكشف على السابقين من مفاهيم الآيات الكثيرة ما انكشف الذين جاءوا في العصور الأخرى.فمثلاً قد أتى المسيح الموعود ال بمعارف كثيرة جديدة لآيات من القرآن الكريم.فمع أن الآيات القرآنية هي هي، إلا أن الله تعالى قد كشف على حضرته العليا بطونها الجديدة نظرًا إلى مستجدات هــذا العصر.ذلك أن الظروف تتغير من زمن إلى آخر وحيث إن هذا العصر عصر صلح وسلم بالنسبة للدين، فاستخرج المسيح الموعود اللي من القرآن الكريم نفسه الله بن الله 6 حدثني عبيد عبد الله: أن ابن عباس رضي | عنهما حدثه أن رسول الله ﷺ قال: أقرأني جبريلُ على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف.(البخاري: فضائل القرآن، باب أُنزل القرآن على سبعة أحرف) (المترجم)
الجزء السابع ٧٦٧ سورة العنكبوت أحكام الصلح والسلم وعرضها على الناس، فأوضح لهم أن الله تعالى قـــد قـــال لرسوله بكلمات صريحة: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر (الغاشية: ٢٣)..أي لم نبعثك لتكره الناس على دينك؛ بل إن من أعرض وكفر فعقابه بيد الله لا بيدك، لأنه تعالى وحده يعلم ما في الصدور فكان هذا بطنًا آخر للقرآن الكريم كشفه الله الله على المسيح الموعود اللة نظرًا إلى أوضاع هذا العصر، فمنع من رفع السيف لنصرة الإسلام.ً إذا، فإن من معاني قول النبي ﷺ : إن للقرآن الكريم سبعة بطون أنـــه ســتقع في الدنيا سبعة انقلابات عظيمة، وعند كل انقلاب تتغير أذهان الناس، فيكشف الله تعالى عندها من معاني القرآن الكريم ما يشفي صدور الناس ويطمئن أذهانهم.وبالفعل قد برزت في هذا العصر عشرات المسائل على شكل لم تبرز به من قبل، ومنها قضية النسخ في القرآن الكريم.لم تكن لقضية النسخ في القرآن الكريم أهمية عند الناس في الماضي، لأن أسوة الرسول ﷺ كانت أمامهم.فرغم وجود عقيـدة النسخ لم يصعب عليهم معرفة صدق القرآن الكريم، ولكن عندما ابتعد المسلمون عن زمن النبي لو لم يستطيعوا تفسير القرآن الكريم بما يتماشى مع التطورات العلمية والعقلية أخذوا يقولون أن كيت وكيت من الآيات منسوخة، فأقـــــام الله تعالى المسيح الموعود ال ، فأثبت أنه ليس في القرآن الكريم آية لا يمكن العمل بها؛ وفسر الآيات التي كانت تُعتبر منسوخة بمعان تقبلها العقول بسهولة.فكان هذا بطنا آخر لتلك الآيات كشفه الله تعالى على المسيح الموعود الي.إذا، فكون القرآن ذا سبعة بطون قد تكون إشارة إلى سبعة تطورات عقلية وعلمية، فأخبر الرسول ﷺ أن القرآن سيبقى ثابتًا شامخًا عند كل تطور علمي، ولن أحد أن يقول أن القرآن عجز عن سدّ حاجات هذا العصر.لا شـــك يكون بوسع أن الأسفار السماوية الأخرى عجزت عن أداء معنى جديد يتفق مع العقول كلمـــا تغير الزمن وتطور العقل، وذلك لأن تلك الأسفار لم تعد صالحة للعمل، أما القرآن الكريم فيعلن الله تعالى عنه أنه كلما تغيّر الزمن وتطور العقل وقرأ الناس القـــرآن
الجزء السابع واعلم أن ٧٦٨ سورة العنكبوت وجدوا فيه من المفاهيم التي تسدّ حاجات ذلك العصر، ويعترف الناس أن القـــرآن كاف لهذا العصر ككتاب، وأن محمدا يكفي لهذا الزمن كرسول.أن قول الرسول و إن للقرآن سبعة بطون لا يعني بالضرورة أن هذه البطون سبعة حصراً، كلا بل قد تبلغ هذه البطون المئات والآلاف، ذلك أن عـــــدد السبع في اللغة العربية يدل على الكثرة، كما هو الحال بالنسبة لقوله تعالى: سَبْعَ سَمَوَات (البقرة : ٣٠) حيث يعني أنه تعالى قد جعل آلاف الدرجات لرقي الإنسان.فالرسول ﷺ يخبرنا هنا أن الله تعالى قد جعل القرآن الكريم بحيث يكفي أهل كـــــل عصر، ويغطي أفكار كل زمن، فإذا كانت أفكارهم خاطئة دحضها وإذا كانت صحيحة دعمها.إن من أكبر محاسن القرآن الكريم أنه إذا تناول قضية ما جَمَع فيها كل المواضيع المتعلقة بها جمعًا متراكمًا؛ كالأرض التي تنطوي على طبقات عديدة حيث إن تراب كل طبقة يختلف عن الأخرى.فعندما نرى قطعة أرض نعلم ما إذا كان ترابها ناعمًا جيدًا للزراعة ويأتي بريع جيد، أم أنها أرض حجرية لا تصلح للزراعة، كما يمكــن لنا أن نرى ما إذا كانت تصلح للبناء والعمارة وما إذا كانت القواعد ستحفر فيها حفراً عميقا، وما إذا كانت تتحمل ثقل عدة طوابق أم لا.ولكن أحد علماء طبقات الأرض عندما يحفر تلك القطعة من الأرض سيقول بعد حفر عدة أمتار أنه كان بها ماء قبل ألف سنة مثلاً، وقد عاش بها كذا وكذا من الحيوانات.ثم إذا حفرها عدة أمتار أخرى استنتج من نوعية ترابها بأنها قد تعرضت لكذا وكذا مـــن التغيرات نتيجة النار والحرارة أو نتيجة ذوبان المعادن وكلما حفر تلك الأرض أكثر وأكثر أخبرنا بالمراحل التي مرت بها عبر مختلف العصور.فترى أنه يبين لنــا برؤية تربة تلك الأرض أحداث آلاف السنين.والحق أن كل تلك الأحداث والأشياء كانت مختفية تحت الأرض نفسها.ونفس الحال بالنسبة للقرآن الكريم فإن مطالبه الكثيرة أيضا مخفية بين طياته.ولو أن الإنسان أخرج كل ما يختفي في باطن الأرض من أشياء ونشرها على سطحها لتعذر عليه السير على الأرض والعيش فيها.وحيث إن الله تعالى قد جعل
٧٦٩ سورة العنكبوت الجزء السابع هذه الخفايا كلها في باطن الأرض، فإن الإنسان تمكّن من السير والعيش عليها.فعندما نحفر الأرض نجد في باطنها صخورًا كلسية ولو أخرجت هذه الصخور من باطن الأرض ونُشرت على سطحها فهل تظن أنها ستبقى صالحة للعيش عليها؟ كلا، بل لملأتها الصخور بدلاً من الناس.كذلك تماما لو أُخرجت جميع مطالب القرآن المخفية في طيات كلماته وسُجِّلت في كلمات ظاهرة لأصبح القرآن كبير الحجم جدا فلم يستطع أحد قراءته ولم يعُدْ كتابًا بل تحوّل إلى مكتبة ضخمة فيها آلاف الكتب، ولقال جيل من البشر لقد قرأنا منه خمس مئة صفحة، وقال جيل آخر لقد قرأنا منه ألف صفحة ولكن القرآن الموجود بين أيدينا كتاب صغير وهو يحتوي في أحد طياته - كالأرض - موضوعًا وفي ثانيها موضوعا آخر وفي ثالثها موضوعًا ثالثًا، وهكذا تحتوي كلماته القليلة آلاف القضايا والمفاهيم، وفي نفس الوقت يحفظه الحفاظ بسهولة، ويقرأه القراء بسرعة.وقد أشار الله تعالى إلى نفـــــس المعنى بقوله في القرآن الكريم : فِيهَا كُتُبْ قَيِّمَةٌ) (البينة: ٤)..أي لم يَفتُه حُكْم أبدي واحد، بل هو مشتمل على جميع الأحكام التي يمكن أن تنفع الإنسانية إلى يــوم القيامة.وللإشارة إلى هذه الميزة القرآنية نفسها قد سمى الله تعالى هذا الكتاب قرآنا مجيدًا في قوله: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ )) (البروج : ۲۲)، وأعلن للناس: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا في الأَرْضِ مِنْ شَجَرَة أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ منْ بَعْدِه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفَدَتْ كَلِمَاتٌ الله )) (لقمان : ۲۸)..أي لو قطعت كل أشجار الأرض وجُعلت أقلاما وتحولت مياه البحار كلها حبرًا وأُضيفت إليها سبعة أبحر أخرى، وكتبت بهذه الأقــــلام والـحــــبر كلمات الله، وانتهت الأقلام وجفت بحار الحبر، لم تنته معارف القرآن وظل بحـــر علومه زاخراً، ذلك لأن الله تعالى كما هو مجيد فإن القرآن أيضا مجيد.إنه كلام ذو عظيم، ومن المحال أن يأتي على الدنيا زمان يعجز فيه القرآن عن إرشاد أهلها.إنه يقف في كل عصر شامخًا بشأن جديد، ويبهر بلمعانه عيون أعداء الإسلام.إنه ليس كتابا ميتا كالتوراة و"الزندافستا" أو "الفيدا" فيعجز عن تقديم حلول المعضلات في أي عصر ، بل هو كتاب حي يجد فيه أهل كل عصر أسبابا جديدة للحياة.إنه كنز لا ينفد من الحقائق والمعارف.ولم يقع المسلمون اليـوم فيمـا شأن
الجزء السابع سر - ۷۷۰ سورة العنكبوت وقعوا فيه من المفاسد – لسوء حظهم - إلا لأنهم قد غضوا الطرف عن جمــال القرآن، وأخذوا يقولون أن القول بأكثر مما ورد في "البيضاوي" و"الجلالين" وغيرهما من التفاسير ،حرام، ولم يدروا أن الربِّ الذي هو بنفسه مجيد هـو الـذي أنزل هذا الكلام المجيد، وكما أن الثروات الطبيعية لا تنفد أبدا، كذلك فإن خزائن كلام الله لا تنفد أبدًا.إننا نرى أنه لم يأت على الدنيا زمان توقفـــــت فيـــه ظاهرة الاختراع والاكتشاف؛ فمثلاً عندما اخترع القطار وكانت سرعته حـــــوالي خمسة عشر ميلاً في الساعة قال الناس: ماذا عسى أن يُخترع أفضل مـــن ذلـــك؟ ولكن اخترع بعده قطار سرعته ثلاثون ميلاً في الساعة، ثم أربعون ميلاً، حتى بلغت عته الآن خمسة وسبعين ميلاً.ثم اخترعت سيارة ،موتور، فقال الناس إن القطار يجري على السكة الحديدية بقوة البخار الناتج عن غليان الماء بإحراق الفحم، فكيف تجري هذه؟ ولكنها جرت بسرعة فقال الناس ما الذي يمكن أن يُخترع أفضل من ذلك؟ ولكن اخترعت بعدها السيارة، فقضى الناس العجب من اختراعها أيضًا.وكانت السيارة في البداية مرتفعة ورديئة التصميم، وكانت تحدث ضجة كبيرة وهزّةً شديدة، ولم يكن السفر بها مريحًا.فأدخلت عليها تعديلات، فصارت بالتدريج منخفضة وقليلة الاهتزاز، ورُكبت فيها أسطوانات كبيرة فخف صوتها حتى لو مرّت بك اليوم سيارة لم تنتبه لها ولن تسمع لها صوتًا.فقال الناس عنــــد اختراع السيارة : ماذا يمكن أن يُخترع أفضل منها؟ ولكن بعــــد فــــرة اخترعـــــت الطائرة، وكانت في البداية لا تطير أكثر من خمسين أو ستين ميلاً، ثم اخترعـــــت طائرات بلغ طيرانها مئة وخمسون ميلا.وفي الحرب العالمية الماضية كـــان النــاس يتعجبون من الطائرات التي تبلغ سرعتها مئة وخمسين ميلا في الساعة، أمــا اليــوم فتبلغ سرعتها ست مئة ميل، وبعضها تقطع مسافة ستة آلاف ميل دون توقف.وكانت البندقية في البداية تطلق رصاصة واحدة ثم اخترعت بندقية تطلـق ســبع طلقات أو عشراً، ثم اخترع المدفع الرشاش باسم "Tommy Gun"، وكان يطلق مئة إلى مئتي طلقة بدون توقف.ثم اخترع المدفع الرشاش باسم "Bren Gun" ، وكـــان يطلق حوالي أربع مئة طلقة في دقيقة واحدة، وتصيب الهدف على بعد ثلاثة أميال.
۷۷۱ الجزء السابع سورة العنكبوت ثم اخترعت مضادّات الطائرات والدبابات، ثم اخترعت القنابل التي لم تكن تصل إلى الأهداف البعيدة، فاخترعت المدافع التي ترمي القنابل بعيدًا.ثم اخترعت القنبلة الذرية التي هي رغم صغر حجمها أشد فتكا وأشمل دماراً من القنابل الأخرى.وقد اخترعت الآن القنبلة الهيدروجينية و"القنبلة الكوبالتية".في البداية كان بوسع الإنسان حماية نفسه من تأثير القنابل باختفائه في الخنادق، ولكنهم قد اخترعوا الآن القنابل التي لا يزول الله تأثيرها وإشعاعها سنوات طويلة، فإذا خرج المرء من مخبئه أو خندقه هلك.باختصار، ما دام الإنسان يكتشف كل يوم مخترعات جديدة في الدنيا، فكيــف يعجز كلام عن الإتيان بمعارف جديدة؟ لقد جاء المسيح الموعود اللة في هذا العصر وأخبر الناس أن خزائن كلام الله لم تنفد بل كما أنه لا نفاد لخزائن الثروات الطبيعية كذلك لا نهاية لكلام الله تعالى.ومن الحماقة الشديدة الظن أنه ليس بوسع أحد أن يأتي بمعارف جديدة لكلام الله تعالى.الحق أن معاني القرآن الكريم تتجدد دائمًا بحسب حاجة كل عصر، لأن الله المجيد قد أنزل هذا الوحي الذي هو مصداق لقوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِــي شأن (الرحمن: ٣٠).فإذا انكشف على أحد معنى جديدٌ لآية من القرآن وأيدته آياته الأخرى وصدّقته الفطرة الإنسانية و لم تعارضه اللغة العربية فلا شك أنه معنى صحيح.ولو اعتبرنا مثل هذا المعنى غلطا لكنا مثل ذلك الأحمق الجبان الذي جُرح في الحرب، فرغم أنه رأى الدم ينزف إلا أنه ظن أنه لم يصب بجرح، وأخذ يجري ويقول: رب اجعل ما أراه حلمًا.لقد أخبرنا القرآن الكريم سلفا منذ أربعة عـــــشـر قرنًا أن مطالب آيات القرآن الكريم ستتجدد طبقا لحاجات كل عصر.فإذا دعمت لغة العرب هذه المعاني الجديدة وصدقتها الآيات القرآنية الأخرى، أو لم ترفضها على الأقل، فكيف تُعتبر معاني خاطئة؟ علينا أن نرى فيما إذا كانت هذه المعاني الجديدة تتفق مع المعيار الموضوع لمعرفة المعنى الصحيح أم لا.فمثلاً يجب أن لا تخالف هذه المعاني العقل والمنطق، لأن الله تعالى هو خالق العقل ولا يمكن أن يوجد تعارض في شيئين نابعين من مصدر واحد.ثم يجب أن لا تكون هذه المعاني مخالفة للآيات القرآنية الأخرى، إذ من المحال أن يوجد اختلاف في كلام الله تعالى.ثم
۷۷۲ الجزء السابع سورة العنكبوت يجب أن تكون اللغة العربية مؤيدة لهذه المعاني، لأن القرآن الكريم قد أعلن بنفـــــــه أنه نزل بلسان عربي.فإذا صحت هذه المعاني بحسب هذه المعايير فلــن تكـــــون باطلة.أما إذا لم يلاحظ المرء هذه المعايير وفسر القرآن بقياسه ورأيه لهلك النــــاس فمثلاً عندما أثبت المسيح الموعود الا في كتابه "منن الرحمن" أن العربية أم الألسنة (الخزائن الروحانية المجلد ٩ ص ۱۲۹ جعَل بعض البسطاء منا يحاول أن يُثبت أن كل كلمة يتحدث بها الناس موجودة في القرآن الكريم.فمثلاً سُئل بعضهم: أين وردت كلمة "مرج في القرآن الكريم؟ فلم يلبث أن قال: ألم تقرأ قول الله تعالى: اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (الرحمن:٢٣)؟ فالمرجان هو "مرج".وفي أيام الحرب الدائرة في جنوب أفريقيا سُئل أحدهم: هل في القرآن إشارة إلى هذه الحرب؟ فقال: نعم، في قول الله تعالى: قومًا بُورًا (الفرقان:١٩)، إذ المراد من بُوراً سكان جنوب إفريقيا الذين يُسمون "بؤر".إن هذا الأسلوب للتفسير باطل ومدمر، أما المفاهيم التي تتوافق مع اللغة العربية ويدعمها العقل الإنساني ولا تعارضها الآيات القرآنية الأخرى فهي صحيحة تماماً سواء أظهرت هذه المفاهيم القرآنية اليوم أو بعد قرن أو خمسة قرون بل نقول إن آية واحدة لو فسرت بمئة أو مئتين من مثل هذه المعاني فكلها تُعتبر صحيحة لأن الله تعالى قد أعطانا تلك العلوم والمعارف في شكل القرآن الكريم، وجعله دليلاً على مجده وعظمته.إن "البهائيين" وحدهم الذين يدعون في هذا العصر نسخ شريعة القرآن، ولكن ادعاءهم لن يُعَدَّ صحيحًا إلا إذا أخرجوا لنا من القرآن الكريم أحكامـــا لا يمكــن العمل بها الآن أو أخرجوا لنا من تعاليم البهائية" ما لا يوجد في القرآن الكريم وهو أفضل مما في القرآن الكريم.ولكنهم لم يأتونا بمثال واحد حتى اليوم.فالحق أن القرآن الكريم لم يفشل في الماضي ولن يفشل في المستقبل، بل لن يفشل إلى يـــوم القيامة.يمكن أن تُبدَّل السماوات والأرض، ويأخذ قوم مكان قوم، وتحل حكومة "مرچ" هو الفلفل في اللغة الأردية.(المترجم)
۷۷۳ سورة العنكبوت الجزء السابع محل أخرى، وتندرس اللغات وتنمحي، ولكن من المستحيل أن يفشل القـــرآن الكريم.إنه الشرع الأخير الذي أنزله الله تعالى وسيبقى إلى الأبد.ومن قال أن القرآن قد فشل فقد كذب وها نحن نتحدى هؤلاء البهائيين اليوم أيضا أن يُخرجوا لنا من القرآن الكريم أحكامًا غير صالحة للعمل عندهم، أو يقدموا لنا من شرعهم المزعوم تعاليم سامية نافعة لا توجد في القرآن الكريم.نشر أحد البهائيين ذات مرة كتابًا من مدينة "رنغون" ادعى فيه أن البهائية أتت بتعاليم رائعة، فإنها تدعو إلى حسن معاشرة النساء وتعليم البنات وتنهى عن الظلم والسرقة والكذب.فكتبتُ له في الجواب: اذكر لي أي دين في العالم ينهى عن حسن معاشرة النساء وتعليم البنات ويأمر بالظلم والسرقة والكذب.لا يوجد في الدنيا دين واحد كهذا أبدا.الواقع أن البهائيين قد أخذوا بعض أحكام القرآن الكريم وعزوها إلى البهائية، وإلا فإن القرآن الكريم مشتمل على الحقائق كلها أما هؤلاء فإن زعيمهم عبــاس "أفندي" كتب بعد أن عاد من أمريكا أن أول عمل قام به بعد عودته من هناك أنه ذهب إلى قبر "بهاء الله" وصلى هناك وسجد.لقد وقعوا في الشرك والوثنية إلى هذه الدرجة، ومع ذلك يزعمون أن القرآن الكريم قد فشل ونُسخ، وقد حلت محله البهائية والحق أن القرآن الكريم هو ذلك الكتاب الذي قد قضى على الشرك من الدنيا، أما البهائيون فقد بدأوا الشرك والوثنية مرة أخرى أيوجد في الدنيا عاقــــل يصدق أن السجود على تراب القبر ينفع أحدا شيئًا؟ وهل يمكن أن يقف مثل هذا الدين أمام الإسلام الذي قضى على الوثنية في الجزيرة العربية تمامًا، والذي قــــال مؤسسه في مرض الموت مرة بعد أخرى: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" (البخاري، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور).الغباء الشديد أن يتهم البهائيون هذا الدين العظيم بالفشل؟ أليس من
الجزء السابع ٧٧٤ سورة العنكبوت صلے قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ وَامَنُوا بِالْبَنطِل وَكَ رُوا بِاللَّهِ أُوْلَبِكَ هُمُ الْخَسِرُونَ )) التفسير: لقد بين الله تعالى هنا لرسوله أن آية رحمة عظيمة قد ظهرت للكافرين على شكل القرآن الكريم، ولكنهم إذا أصروا على رؤية آية العذاب فقل لهم يكفي الله و شاهدًا بيني وبينكم، وسيُريكم آية العذاب أيضًا، فيهلك الكاذب وينتصر الصادق.والآية المميزة التي تظهر من عند الله تعالى لا تكون باطلة أبدًا، لأنه تعالى يعلم كل ما في السماوات والأرض؛ فلن يهلك بعذابه إلا الذين يؤمنون بالباطــــل ويكفرون بآياته.وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسمى جاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (3) ٥٤ التفسير : أي يطالبك هؤلاء بنزول العذاب فوراً، ولكن الله تعالى بطيء في العذاب، ولولا أنه قد جعل للعذاب أجلاً مسمى لحل بهم العذاب فوراً.فليعلموا أن العذاب سيأتيهم ولكنه سيأتي بغتة من حيث لا يشعرون ومثاله فتح مكة، حيث وصل النبي بجيشه على أبوابها وهم لا يشعرون ورد في التاريخ أن جيش المسلمين لما بلغ قريبًا من مكة ليلاً أشعل كل مسلم النار لإعداد الطعام بأمر من النبي.وكان أبو سفيان يقوم بحراسة مكة مع بعض أصحابه، فلما رأى هذه النيران المشتعلة عن بعد خاف وقال لأصحابه من هؤلاء القوم؟ فقيل له: لعلهم بنو خزاعة الذين جاؤوا للانتقام؟ فقال: لا تبلغ خزاعة عُشر هؤلاء القوم.فذكرت لــــه قبيلة أخرى، فقال: إنها أقل عددًا من هؤلاء.فلم يزل أصحابه يذكرون لـه أسماء
VVO سورة العنكبوت الجزء السابع مختلف القبائل فكان يرفض رأيهم في كل مرة حتى قالوا إنه محمد (ﷺ) مع الله عليه جيشه فقال كلا، فإني تركتهم في المدينة جالسين مطمئنين غير متأهبين للقتال.وبينما هم في ذلك حتى اقترب منهم بعض المسلمين الذين كانوا يحرسون الجيش المسلم، وسمعوا صوت أبي سفيان.وكان من بينهم العباس ه عم الرسول ﷺ والصديق الحميم لأبي سفيان، وكان العباس على بغلة الرسول ﷺ.فلما سمع صوته ناداه قائلاً: أبا سفيان؟ فقال: أين أنت يا عباس؟ قال: إن محمدا رسول الله ﷺ قد جاء بجيش قوامه عشرة آلاف جندي، فاركب ورائي لتذهب إليه وتناشده الله تعالى أن يعفو عنك وقومك وإلا لحلّ بكم الدمار.ثم جذبه وأركبه وراءه علـــى البغلة وأتى به الرسول.تاريخ الخميس غزوة فتح مكة، والسيرة النبوية لابن هشام: قصة إسلام أبي سفيان على يد العباس) إذًا، فقد فتحت مكة بغتةً بحيث لم يشعر الكافرون بما حدث، حــــى نـــــــزل بساحتهم جيش المسلمين.يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَرِينَ (٤) التفسير : أي يطالبك هؤلاء القوم بنزول العذاب بدون تأخير، ولكنهم لا يدرون أن العذاب إذا جاء فسوف يحيط بكل من يكفر بالإسلام.لقد ذكر القرآن هنا مطالبتين بالعذاب من قبل الكفار، مما يدل بوضوح أن المطالبة الأولى تتعلق بالعذاب في الدنيا والمطالبة الثانية تتعلق بالعذاب في الآخرة.فقالوا أوّلاً لماذا لا ينزل بنا العذاب في الدنيا كما حذرتنا؟ ثم قالوا: لماذا لا نهلك لندخل الجحيم نتيجة معارضتنا إياك؟ ومن أجل ذلك تجد ذكر جهنم في هذه الآية، ولا تجد ذكرها في الآية السابقة.
الجزء السابع ٧٧٦ سورة العنكبوت يَوْمَ يَغْشَهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) التفسير: المراد من غشيان العذاب إياهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم أن رؤساء مكة سيتخلون عن أهلها ومثاله ما فعله عمرو بن العاص وخالد بن الوليد، كما الخارج، أن عامة الناس سيتركون رؤساءهم، فيقال لهم ذوقوا الآن جزاء أعمالكم.وقوله تعالى: (مِنْ فَوقهم يشير إلى كل عذاب من السماء أو هجـوم مـــن أو كل عقاب من قبل الحكومة أو سخط من قبل المسؤولين وزعمـــاء الدين، ووقوع أكابر العائلات في شتى المصائب والآلام.وأما قوله تعالى: ﴿وَمـــن تَحْت أَرْجُلهم فيشمل كل عذاب من الأرض سواء كان من قبل الخدم والموظفين أو المرؤوسين، كما يندرج فيه اندلاع الفتن والفساد وفشل التدابير.OV يَعِبَادِيَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّيَ فَاعْبُدُونِ صلے كُلُّ نَس ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ۵۸ التفسير : لقد بين الله تعالى هنا أن العذاب نازل على الكافرين لا محالة، ولكنهم مغرورون حاليًا بقوتهم وحزبهم ظانين أنهم قادرون على قمع المسلمين.فيا أيهـ المسلمون، إذا كان أهل بلدكم لا يريدون أن يدعوكم تعيشون في أمان، فاخرجوا إلى بلاد أخرى، واذهبوا إلى كل مكان وأقيموا عبادة الله الأحد فيه.وإذا رأيتم أهل قرية يعيقون طريق الدعوة فلا تخافوا لأن أرض الله واسعة، فاخرجوا إلى المناطق الأخرى لنشر الدعوة ولا تخشوا معاداة الدنيا إذا قمتم بالدعوة، حتى ولو أصبحت حياتكم وأموالكم في خطر.فإلى متى ستسلمون من الموت؟ فكل نفــــس ستذوق الموت وترجع إلى الله تعالى.فما الجدوى من موتكم جالسين عاطلين في بيوتكم؟ فاخرجوا وانتشروا في أنحاء العالم وانشروا فيه دعوة الإسلام والقـــرآن،
الجزء السابع VVV سورة العنكبوت لأنكم إن متم أثناء هذا الجهاد يكون موتكم مباركًا جدا وتنالون مرتبة الشهادة وترثون جنة الله.الحق أن جميع الشعوب الفاتحة في تاريخ العالم قد تركت أوطانها أولاً، ثم حققت الانتصار.لقد ترك العرب ،وطنهم، وترك الأتراك أرضهم، وهاجر اليهـود مــن ديارهم، وغادر الآريون بلادهم وانتشروا في أراض بعيدة، ولو لم يتركوا أوطــــانهـم لم يحرزوا تلك الانتصارات والفتوحات ولم يرثوا بلادًا جديدة.فلا غرابة لو اضطر المسلمون لهجرة أوطانهم لنشر دين الله تعالى.ولكن لا يغيبن عن البال أن الهجرة نوعان : قومية وفردية.لا شك أن هجرة بعض الأفراد ترفع مستوى القوم، ولكن الحياة القومية لا تُنال إلا إذا استعدّ كل فرد من القوم لترك وطنه إلى ديار أخرى في سبيل الله تعالى.وهذا ما تؤكد عليـــه الآية قيد التفسير، وهي نفس الحقيقة التي أُريتها في الرؤيا مرة.لقد رأيت أني قــــد خرجت من البيت بحثا عن بيت آخر، فرأيت الأستاذ محمد إبراهيم الجموني واقفـــــا في الخارج ويأتيه الناس باحثين عن بيوت لهم.ويخيل إلي أن بعض الناس الذين عندهم بيوت خالية قد سلّموه مفاتيحها ليؤجرها للآخرين.فقلت له: أنا أيضا بحاجة إلى بيت لنفسي.فأراني بيتًا فيه غرف صغيرة بدون سقف.ورأيت قطـع قماش صغيرة معلّقة على جدران الغرف فقلت له: ما هذه القطع؟ قال: إن الغرف بدون سقف فتوضع هذه القطع القماشية فوقها اتقاء الشمس.فأقول في نفسي لا شك أنها غرف صغيرة، ولكن غرف بيتنا أصغر منها.فأتذكر عندها البيوت الطينية التي كنا نقيم فيها في مدينة "ربوة" في أوائل عمرانها ، ولكني أقول إن تلك الغـــرف كانت مضيئة أكثر.ثم أقول في نفسي: لقد كانت أكثر ضوءا لأنها كانت مدهونة بالدهان الأحمر من الخارج وبالدهان الأبيض من الداخل فسوف تصبح هـذه الغرف أيضًا مضيئة عندما نقوم بدهانها.ثم سمعت مناديًا يقول: "إن الأمة التي تكون مستعدة للهجرة وتواقة للاستيطان في الأراضي الأخرى لا تهلك أبدًا."
۷۷۸ الجزء السابع سورة العنكبوت فلما سمعت قوله قلت في نفسي: ليس المراد من كونهم مستعدين للهجرة أنهــــم يفرحون بالهجرة أو أنهم يرغبون فيها.فخطر ببالي في الرؤيا أن الصحابة - رضوان الله عليهم - أيضًا هاجروا ، ولكن قد ورد في الحديث أن بعضهم كانوا يذكرون مكة ويبكون بعد مجيئهم إلى المدينة (البخاري: كتاب المرضى، باب عيادة النساء الرجال).فأقول في الرؤيا جوابًا للمنادي: "إنهم يهاجرون مضطرين، ولكنهم يرضون بقضاء الله بعد الهجرة، مما يدل أنهم كانوا مستعدين لها.فليس المراد من كونهم مستعدين أنهم يرغبون في الهجرة، بــل المعنى أنهم إذا اضطروا للهجرة يرضون بقضاء الله ويسعون جاهدين للاستيطان في الأرض الجديدة".انظر إلى النحل كيف أنها لا تبرح تنتج العسل مع أن الإنسان لا يسمح لهــا بأكله.إنه يطرد النحل من خليتها بالدخان أو الماء الساخن أو بطريقة أخرى، ثم يجمع العسل الذي أنتجته في حوالي ستة أشهر.فلا تلبث النحل بعد هجرتها مـــــن خليتها أن تجد مكانًا آخر وتنهمك في صنع الخلية.ولو رأيتها بعد ساعة لوجدتها تعمل جاهدة لصنع العسل هناك مرة أخرى وتتعرض النحل لهذا الطرد والنهب سنوات متتالية في بعض الأحيان كما يحصل مع نحل المزارع حيث يأخذ النحــــال كل العسل الذي تنتجه في كل مرة دون أن تأكل منه شيئا.فإذا كانت النحل لا تزال تنتج العسل الذي يأخذه الناس لشفاء أمراضهم لقوله تعالى: فيه شفاء للنَّاسِ) (النحل: ٧٠)، ومع ذلك لا تتوقف عن إنتاجه؛ فهل الإنسان ضعيف لدرجة أنه ييأس بسرعة؟ فالذي يفقد الهمة إذا ما فشل في جهده فهو ليس بإنسان، بل هو أدنى من النحل.إن فتح العالم ليس بشيء هين.إنه يتطلب تضحيات جسيمة.وهذا ما فعل الرسول ﷺ أيضًا، فإنه لما رأى أن عيش المسلمين في مكة أصبح مستحيلاً جمـــع أصحابه وأمرهم بالهجرة إلى بلد آخر لا يُضطهدون فيه بسبب دينهم ويذكرون اسم الله تعالى بأمان.فقال الصحابة : يا رسول الله ما هو ذلك البلد؟ فأشار إلى
الجزء السابع ۷۷۹ سورة العنكبوت الحبشة وقال : هناك ملك مسيحي، فاذهبوا إلى بلده حيث لن تتعرضوا للتعذيب بسبب دينكم.(السيرة النبوية لابن هشام: ذكر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة) فمن واجب المؤمنين أن يظلوا مستعدين لترك أوطانهم دائما في سبيل الله تعالى، ثم يعملوا بعد الهجرة جاهدين لعمران الأراضى الجديدة روحانيا ليصبحوا أُمّة، فلا يُدخلوا شخصا أو شخصين بل يدخلوا أُمّة كاملة في الإسلام وفي غلمان محمد.وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَنُبَوِثَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفا ج تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى تهمْ يَتَوَكَّلُونَ ) : 7.۵۹ التفسير: لقد بين الله تعالى هنا أن الذين يؤمنون بمحمد بصدق القلـ ويعملون أعمالاً صالحة لنشر الإسلام - أي أنهم يتركون أوطانهم أو يضحون بأنفسهم في سبيل الله تعالى إذا اقتضى الأمر - نقسم بذاتنا أننا سنرفع درجاتهم في الدنيا والآخرة مثلما حاولوا إعلاء كلمة الإسلام والقرآن، ونبــوئهم أطيــب المساكن ولن تكون هذه العزة التي نكتبها لهم مؤقتة فانية كالعزة الدنيويـة، بــل ستبقى لمدة غير معلومة.ولا جرم أن الذين يضحون في سبيل الله تعالى لا يضيعون أبدا.لقد أخبر الله هنا أن أهل الجنة يعطون غرفًا تجري من تحتها الأنهار، بينما وصف الجنة نفسها بقوله: تجري من تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ (البقرة : ٢٦)..أي أن الأنهار ستجري تحت بساتينها، وفي موضع ثالث وصف المؤمنين: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ)) (الأعراف: ٤٤).والسؤال الذي يفرض نفسه هنا مـــا هذه الأنهار التي تجري تحت البساتين وتحت الغرف وتحت الناس أيضًا؟ والظاهر أنها ليست أنهاراً معروفة، وإنما يراد بها شيء آخر أطلق عليه لفظ "النهر" استعارة.
۷۸۰ الجزء السابع سورة العنكبوت وعندما نتدبر القرآن الكريم لمعرفة خصوصيات الماء نعلم أنه قد ذكر له ميزتين: أولاهما: أنه يطهر الجسم من الوسخ والنجاسة، لقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (الفرقان :٤٩)؛ وثانيتهما: أنه سبب الحياة لقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا منَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (الأنبياء (۳۱).وعليه فالمراد من قوله تعالى: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أن أهل الجنة سيجدون فيها أسباب الطهارة والحياة الخالدة بكثرة، لأن الله تعالى لم يذكر هنا الماء فقط، بل استعمل لفظ الأنهار.والغريب أن القرآن الكريم قد وصف الحياة في الجنة بميزتين بارزتين أيضا، أولاهما: الحياة الخالدة التي ستوهب لأهلها وبساتينها وغرفها أيضًا؛ فقال الله تعالى عن خلود أهل الجنة: خالدين فيهَا أَبَداً (النساء: (۱۲۳)؛ وقال عــــن دوام بساتين الجنة: جَنَّاتُ عَدْن (الرعد: ٢٤) ، وقال أيضا : أكُلُهَا دَائمٌ وَظَلُّهَا (الرعد: ٣٦)؛ وقال عن دوام غرف الجنة: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفْ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ)) (الزمر: ٢١).ذلك لأن لفظ (مَبْنيّة يمكن أن يُفسر بمعنى دائمة، وإلا فكل غرفة تكون مبنية، ومثاله قولهم الشجرة متأصلة بالأرض..أي ثابتة قوية مع أن أصول كــل شــجرة تكون في الأرض.إذًا، فإن القرآن الكريم قد بيّن أن هذه الأشياء الثلاثة تكون ثابتة دائمة، فلن تتهدم مساكن الجنة ولن تخرّب بساتينها ولن يهلك سكانها.ومن ناحية أخرى أخبر أن الأنهار ستجري تحت هذه الأشياء الثلاثة، ومعناه - على ضوء قوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ - أن الله تعالى سيهيئ أسبابا كثيرة تحول دون خراب بساتين الجنة وانهدام مساكنها وهلاك سكانها.والخصوصية الثانية للماء أنه يزيل الوسخ والدرن، وقد وصفت الجنة أيضًا بهذا الوصف حيث قال الله تعالى إن المؤمنين : لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيمًا ) إلا قيلاً سَلامًا سَلَامًا ﴾ (الواقعة : ۲٦ - ۲۷)..أي يصونهم الله تعالى من كل دنس روحاني.كذلك ورد في الحديث أن النبي الله سُئل إذا كان الإنسان سيأكل في الجنة أفلا يبول ويتغوط؟ فقال : سيتحول طعامه وشرابه ريحًا كريح المسك (البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: باب خلق آدم).والبديهي أن بساتين الجنة ما دامت محفوظة من
۷۸۱ الجزء السابع سورة العنكبوت الخراب وخالية من البول والبراز فلا بد أن تبقى نظيفة طاهرة، وكذلك غرفها لأن الساكنين فيها ما داموا طاهرين فلا بد من طهارة الغرف أيضًا.إذًا، فثبت من القرآن الكريم معنى الطهارة والدوام للماء، وهذا هو المعنى لقوله تعالى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أيضًا، وإلا فلا معنى لجريان الأنهار تحت الناس والغرف، إلا أن نقول أن المراد أن هذه الأنهار تكون تحت قبضتهم وتصرفهم؛ ولكن في هذه الحالة ما كان هناك داع لوصف هذه الأشياء الثلاثة بجريان الأنهار تحتها وصفًا منفصلاً؟ ثم قال الله تعالى: (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ..أي أنهم ينالون هذا الجزاء الحسن لأنهم، رغم تعرضهم لأنواع المصائب وعداء الأعداء، ظلوا متمسكين بعقائدهم بقوة متوكلين على ربهم بصدق.وَكَأَتِن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) 7) التفسير ومن الأمور التي تزلزل قدم الإنسان الضعيف وتمنعه عن القفز في نيران التضحيات الخوف من المشاكل المالية.إنه يرى الدنيا، من جهة، ماثلة أمامه بكــــل جمالها وزخارفها، ومن جهة أخرى يناديه الدين للنصرة.إنه ينظر إلى الدنيا فيراها متبرجة بزينتها وبهائها ومالها وثرائها، وعندما يلتفت إلى الدين لا يسمع من قبلـ شيئا من خشخشة الدنانير فيصاب قلبه بالهول ويقول كيف أنذر حياتي في سبيل الله تعالى؟ لو نذرتها في سبيله سنموت جوعًا، فمن أين يأكل أهلي وأولادي، وكيف سنحافظ على مستوى معيشتنا؟ فإذا صرعه هذا الطمع حرم من خدمة دين 6 الله تعالى.ولذلك يقول الله تعالى للناس هنا كيف تسيئون الظن برب السماوات والأرض وقد جعلكم أشرف المخلوقات؟ أأنتم ترزقون دواب الأرض ووحـــوش الـغــــاب
۷۸۲ الجزء السابع سورة العنكبوت وطيور الجو أم الله يرزقها؟ لو فكرتم في نظام الرزق لبلايين البلايين من الحيوانات والدواب والحشرات في الكون لأصابتكم الدهشة والذهول وانفتح عليكم بــاب جديد للعلم والمعرفة.لقد أحرز الإنسان تقدمًا علميًا هائلا، ولكنه لم يعرف حتى الآن كيف يتيسر الرزق لهذه الحيوانات التي لا تعد ولا تحصى؟ هناك نظام ظاهري لرزقها حيث يخلق الله في الزرع غلالاً للإنسان ويخلق معها تبنا للحيوانات؛ وإذا كانت الإبل تعيش على الأشجار والأعشاب الشائكة فإن الأغنام قد تأكل النجاسة؛ ولكن من ذا الذي يرزق بلايين البلايين من الحيوانات التي تعيش في أعماق البحار ومياه الأنهار وظلام المغارات وفي قمم الأشجار وأجواء السماء؟ ومن يمد بالرزق تلك الجراثيم التي توجد في كل قطرة من الدم والتي لا ترى إلا بالمجهر؟ هل هناك مؤسسة أو لجنة أو حكومة تحدد لرزقها ميزانية وتوزع عليها النقود؟ إنما الله الذي يدير هذا النظام الهائل لرزق هذه الحيوانات التي تبلغ بلايين البلايين.فما أشد الإنسان غباء حيث يقول إذا دُعي لتكريس حياته لخدمة تعالى: أريد أن أكرس حياتي ولكنني إذا وقفت حياتي فمن أين أكل؟ فيقول الله له: ما دمتُ أرزق هذا الكم الهائل من المخلوقات في الكون، فهل أدعك تموت جوعا إذا لبيت ندائي؟ فلا تظن بي ظن السوء، فإن ربك سميع عليم.لو دعوته بـصدق القلب لاستجاب لدعائك ولأخرجك من كل مأزق لأنه يعلم أحوالك.فلا تعش في الوساوس، بل تقدم لخدمة دينه غير خائف ولا هياب.دین الله وَلَين سَأَلْتَهُم مِّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ الله فَأَنَّى يُؤفَكُونَ ) صلے ٦٢ التفسير : بعد الحديث عن العقبات التي تعترض طريق إشاعة الإسلام عاد الكلام ثانية إلى المناظرات الدينية التي سبق ذكرها في الآيات السابقة، حيث أخبر الله تعالى المسلمين أنكم حين تخرجون من أوطانكم إلى بلاد أخرى لإشاعة الإسلام والقرآن في الدنيا باذلين أنفسكم وأموالكم بصبر وثبات متوكلين على الله تعالى
۷۸۳ الجزء السابع سورة العنكبوت فستواجهون أولاً الشعوب التي تنكر وحدانية الله تعالى بطريق أو بآخر، فاسألوهم خلال المناظرات من خلق السماوات والأرض، ومن سخّر الشمس والقمر لخدمة الإنسان بدون مقابل؟ فلن يكون جوابهم إلا قولهم إن الله خالق الكون والمتصرف فيه.فقولوا لهم ما دام الله تعالى هو خالق هذا الكون الهائل والمتصرف في كل ما : فيه، فلماذا تتركون الله تعالى وتتوجهون إلى الآلهة الباطلة على غير هدى؟ كما بين في قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أنكم عندما تبلغون رسالة الإسلام والقرآن إلى الأمم التي تنكر وحدانية الله تعالى فسوف تزدريكم مغرورة بقوتها وكثرة وسائلها وتقول لكم: لن تتغلبوا علينا، إنما تحلمون بالمستحيل مثل الملك "كينيوت" (Canute) الذي أراد دفع البحر إلى الوراء.كان كينيوت أحد الملوك الإنجليز، وقد كتب الله له العظمة والغلبة.كان ذات يوم جالسًا على شاطئ البحر، فقال له حاشيته على سبيل التملق: البر والبحر كلاهما تابعان لحكمك.وكان كينيوت ملكًا حكيمًا، فقرّب كرسيه من البحر وجلس عليه؛ وكان الوقت وقت المد حين يصعد ماء البحر ويغطي اليابسة مسافة ميل أحيانًا، فأخذت الأمواج ترتفع حول كرسيه.فتظاهر بالغضب وأمر الأمواج بالتراجع متظاهراً بالغضب، ولكن الماء لم يزل يتصاعد حتى خاف حاشيته على أنفسهم، فقام الملك من كرسيه وخرج إلى البر وقال لهم: انظروا كم أنتم كذابون فكما أن البحر كان لا ينسحب بأمر الملك كينيوت رغم غلبته واقتداره، كذلك سيبدو لكم تحويل الأوروبيين إلى مسلمين كمسلمي آسيا أمراً مستحيلاً، ولكن الله تعالى يأمركم أن تسألوهم من خلق السماوات والأرض؟ ومن سخر الشمس والقمر والنجوم بحيث إنها لا تزال تعمل باستمرار منذ ملايين السنين دون أن يحدث في نظام السماوات والأرض خلل أو عطل؟ فلن يكون جوابهم إلا هو الذي خلقها وسخرها؟ فقولوا لهم إن الله الذي ثبت هذه النجوم والكواكب الهائلة في السماء بدون أي أعمدة ظاهرة ليس بحاجة إلى أسباب مادية إذا قولهم إن الله (http://www.viking.no/e/people/e-knud.htm, http://www.zyra.org.uk/canute.htm) (المترجم)
الجزء السابع ٧٨٤ سورة العنكبوت فاتحا من أراد أن يجعل قوما غالبين في العالم، بل إنه يجعل الغالب مغلوبًا والمفتوح خلال أسباب خفية لا تراها عيون البشر.لا شك أن الإسلام اليوم في حالة مماثلة مثله حيث يبدو سقفه بدون أعمدة وأرضه قاحلة جرداء، ولكن العاقل الذي يتفكر في خلق السماوات والأرض لا يمكن أن يفوته أن القوة كلها بيد الله، وأنه يجعل من يشاء غالبًا بدون أسباب مادية أيضًا.يُعتبر "تاين" بي" اليوم أكبر مؤرخ، بل يرى البعض أنه بدرجة المؤرخ "غبن" أو هو أفضل منه وأنه لم يكن في الدنيا مؤرخ من قبل.وقد كتب "تاين بي" في تاريخه أن الانقلاب الذي يحصل في الدنيا إنما يحصل نتيجة المبادئ الأخلاقية والذين يظنون أن الانقلاب يحصل نتيجة امتلاك القوة فهم على خطأ.ويضيف هذا المؤرخ ويقول: ستتم الآن المواجهة بين المسيحية والإسلام كما تدل عليه الآثار وأرى أن الأحمديين من بين المسلمين هم القادرون على خوض الحرب القادمة بين الديانتين.ونتيجة الصدام بينهما ستقرر ما إذا كانت الحضارة في القرون القادمة ستتأسس على مبادئ الإسلام أم على مبادئ المسيحية.ثم يضرب هذا المؤرخ مثالاً فيقول: إننا أمة مغرمة بسباق الخيل وتقام عندنا هذه السباقات بكثرة ونعلم أن الحصان الذي يكون في الخلف يفوز بقصب السباق في أحيان كثيرة.فلا تغتروا بضعف الأحمديين الآن، فلربما سبق الحصان الذي يكون في الوراء غيره.تجدونهم اليوم ضعفاء، ولكني أرى فيهم قوة كامنة للتقدم والغلبة، مما يدل أنهم سيصطدمون بالمسيحية في يوم من الأيام ولربما يكون الفوز حليفهم.هي فترى أن هذا الشخص الكبير الذي يقال عنه أكبر مؤرخ في العالم لم يجد بدا من الاعتراف بأن في الأحمدية قوة كامنة، وهي التي ستصطدم بالمسيحية، وقد تكـــــون الغالبة.قد استعمل تعبير وقد تكون هي الغالبة لأنه من معارضي الإسلام، فما كان ليقول: "ستكون هي الغالبة حتما".ولكن الله تعالى يخبر أن غلبة الإسلام على المسيحية أمر أكيد، وسيبدل الله السماء والأرض بغيرهما، ويقيم في العــــالم نظاما روحانيًا جديدًا.
الجزء السابع ٧٨٥ سورة العنكبوت で اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التفسير : لقد حدّر الله هنا أعداء الإسلام بألا يفرحوا بمتاع الدنيا وملكها، فإن كل ما أحرزوا من رقي وتقدم هو في قبضة الله القادر على جعل الضعفاء أقويـــاء والفقراء أثرياء والملوك متسولين.لا شك أنهم يجدون الإسلام اليوم دينا ضعيفاً فيز درون أتباعه ويحتقرونهم ولكن الله تعالى سينزع منهم هذه النعم ويهبــها لأتباع محمد ، وهكذا يضيّق عليهم رزقهم ويبسطه على المسلمين ليبدل ضيقهم رخاء.لقد حصل هذا في الماضى وسيحصل اليوم أيضًا.سيحيا الإسلام، وسيتقدم أتباع محمد لاله و ستهزم أوروبا وأمريكا رغم تقدمها ورقيها.أما قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فبين فيه أنه يعلم أن المسلمين مزودون بطاقات الحياة وأن الكفر يلتقط أنفاسه الأخيرة، وما دامت أمارات الرقى بادية في فريق وآثار الانحطاط ظاهرة في آخر، فكيف لا يكون المسلمون غالبين والكافرون مغلوبين؟ وَلَبِن سَأَلْتَهُم مِّن نَزِّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ ج مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا ) يَعْقِلُونَ التفسير : لقد بين الله هنا للمسلمين أن الأمم التي ستتم المواجهة بينها وبينكم ستكون منكرة للوحي والإلهام، فاسألوهم من الذي يُنزل من السماء ماء ويحيي به الأرض؟ فيجيبون الله فقولوا: الحمد لله الذي أحيا الأرض بماء السماء دائما، والذي قد لبى الآن نداء الإنسانية فأرسل محمدًا لخلاصها.أفليس مما يوجب الشكر
٧٨٦ سورة العنكبوت الجزء السابع أن الله تعالى أتى بشمس جديدة لتشرق الأرض بضيائها ، وأرسل سحابًا عظيما من رحمته لإحياء الدنيا ثانية، فأمطر مطرًا غزيراً حتى ارتوى العالم العطشان، وأخذت الأرض تخرج خضرتها؟ لقد كان حريًّا بهم عند رؤية هذه المنة الإلهية العظيمة أن يسارعوا إلى محمد ويصدقوه وينتفعوا من هذا المطر السماوي ويملأوا به بركهم وحياضهم.ولكنهم لم يعملوا بتعقل حيث تهافتوا على جيفة الدنيا وأعرضوا عـــــن هذه الثروة الروحانية مغترين بمتع الدنيا وأموالها، فكان مثلهم كمثل الذي يحتفظ بالأحجار الرديئة ويرمي بالجواهر الغالية.كما قد نبه الله تعالى الكافرين بمثال نزول المطر من السماء أنه إذا نزل المطر أخرجت الأرض نباتها، ولكن هذا النبات لا يكون من نوع واحد، بل منه عشب وكلأ لا يطول أكثر من نصف بوصة أو بوصة، ومنه ما ينمو وينمو حتى يصبح دوحة كبيرة فيستريح مئات الناس بظلها.ومنه ما يهيج ويخضر شهرا أو شهرين ثم يصفر ويذبل ويموت.ومنه ما يكون شجرة صغيرة في أول الأمر ثم يصبح شجرة كبيرة تعيش قرونًا، ومنه ما يكون زهرة تذبل وتحف بعد يوم أو يومين، ومنه أيضًا شجرة العنب التي تعيش ألف سنة أيضًا، ومنها شجرة تين البنغال التي تعيش مئات السنين.فبرغم أن هذه النباتات تستوي في بدايتها تماماً إلا أن نهايتها تكون مختلفة تماما.وبالمثل إذا نزل المطر الروحاني من السماء تُخرج أرض الكفر نباتها كمـــا تخرج أرض الإيمان ،نباتها، ولكن نبات الكفر يبقى مخضراً نضرا أيامـــا معــــدودة ثم يذبل ويجفّ ليصبح حطاما ، أما نبات الإيمان فيصبح شجرة أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا في السَّمَاءِ.فالله تعالى قد نبه الكافرين هنا أن الصحوة غير العادية التي حصلت فيهم وفيمن لف لفيفهم لدى دعوى محمد إنما هي نتيجة لذلك المطر الروحاني الذي أنــــــــزلناه من عندنا، ذلك لأن المطر كما يؤدي إلى نماء الثمار المفيدة كالعنب والمانجو كذلك يؤدي إلى نماء الأعشاب الرديئة كالحنظل ،والعلقم فلا تظنوا أنكم ستنجحون في مسعاكم ضد محمد؛ لأن مثلكم كمثل الكلأ والعشب الذي يخضر ثم يصفر وينتن حتى يتغير لونه تمامًا ويتسبب في تفشي كثير من الأمراض والأوبئة.ففكّروا في هذه
الجزء السابع VAV سورة العنكبوت الظاهرة الطبيعية وسارعوا إلى الإيمان بمحمد ﷺ لتكونوا أشجارا مثمرة تنفــــع الإنسانية، بدلاً من أن تكونوا أشجار رديئة كالزقوم والحنظل والعلقم.で وَمَا هَذِهِ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ で الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )) التفسير: لقد عقد الله تعالى هنا مقارنة بين حياة الدنيا وحياة الآخرة لينبه منكري الإسلام أن التدبر سيكشف لهم أن هذه الدنيا ليست إلا لهوا ولعبــا..أي أنه لو تم تقسيم مشاغل الحياة الدنيا لعُدَّ بعضها لهوًا وبعضها لعبا.والمراد من لهو ما يؤدي إلى الغفلة، والمراد من لعب ما يؤدي إلى الحركة والنشاط.والحقيقة أن الحياة الإنسانية عبارة عن هذين الأمرين.أي أنها حركة وسكون يتناوب بعضه بعضاً، وكلاهما ضروري لإنعاش طاقات الإنسان واستمرار قدراته.وكأن اللعب هو فترة الحركة التي يعمل فيها الإنسان مستغلا ما فيه من قوة وطاقة، واللهو هو الفترة التي يركن فيها الإنسان للاستراحة والسكينة.وكل إنسان بحاجة إلى الحالتين لو كان ممن بلغ قمة الروحانية؛ ذلك لأن الحياة الإنسانية، من ناحية، قائمة بالحركة سواء بالمشي والسير أو الاشتغال بمختلف شؤون الحياة؛ ومن ناحية أخرى ليس للإنسان - أيا كان – غنى عن الراحة والسكينة، لأنه إذا لم يأخــــذ دماغه وأعصابه قسطا من الراحة من خلال النوم والتمتع بالمناظر الخلابــــة والجــــو الجميل لم تستمر حياته أبدًا باختصار إن حياة الإنسان في الدنيا قائمة باللهو واللعب، ولو أُخرج هذان العنصران من حياته انتهت فوراً.بيد أن الله تعالى أوضح أن الهدف من هذا اللهو واللعب أن نسعى من خلالهما لكسب حب الله ورضاه ؛ وبعبارة أخرى علينا أن ندرك أن حياتنا في الدنيا إنما هي كاللهو واللعب مقارنة بهدفها الذي هو الحياة الآخرة، فكما أن اللعب ضروري للطالب كذلك لا بد لكم من مشاغل الحياة الدنيا، لأن الإسلام لا يعلم أتباعه -
۷۸۸ سورة العنكبوت الجزء السابع كالديانة البوذية - أن يتركوا مشاغل الدنيا ويعبدوا الله تعالى ليل نهار منعزلين عن الدنيا (40.Buddhism: p)، بل يرى الإسلام أن اللهو واللعب ضروري للإنسان لأنه لو استولى عليه خوف الآخرة في كل حين لهلك.إلا أن انشغال الإنسان باللهو واللعب في كل وقت أيضًا يدمر غاية خلقه شأن الطالب الذي يقضى كـــل وقته في اللعب واللهو فيفشل في دراسته، ولا يستحسن فعله أحد.إذا، فإن الإسلام لنا الاستمتاع بمتع الدنيا، ولكنه لا يريد أن نستغرق في مشاغل الدنيا ولذاتها و يبيح نهمل الآخرة.باختصار، قد نبه الله تعالى معارضي الإسلام بقوله: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعب أنه قد جعل حياة الدنيا سلّمًا لحياة الآخرة، وأراد أن تكون حياة الدنيا بالنسبة لكم كاللعب للطالب، ولكنكم جعلتموها منتهى إربكم نتيجة غبائكم، فكرّستم جهودكم كلها من أجل متعها وملذاتها، مع أن الدار الآخرة لَهيَ الْحَيَوَانُ..أي أنها هي الحياة.الحقيقية علما أن لفظ الحيوان)) قد ورد هنا بمعنى الحياة على سبيل المبالغة كقولهم زيدٌ عدل..أي أنه شديد التمسك بالعدل بحيث يجوز القول إنه عدل مجسد فالله تعالى يقول لا شك أن لكم حياةً في هذه الدنيا إلا أن الإنسان سينال الحياة الحقيقية في الدار الآخرة، لذا فلو قلنا إن الدار الآخرة هى الحياة الحقيقية فهو الصواب بعينه.يظن البعض أن هذه الآية جاءت ذما وانتقاصا للحياة الدنيا، ولكنه ظن خاطئ، ذلك لأن الله بنفسه قد خلق هذه الحياة الدنيا ووهبها للأنبياء والأولياء والصلحاء كلهم، فكيف تكون عبثًا وبلا جدوى؟ لقد قال الله تعالى في القرآن الكريم مرة بعد أخرى أتظنون أننا خلقناكم عبئًا وأنكم إلينا لا تُرجَعون؟ كما بـيـن أنـــه خـلـق السماوات والأرض لحكم عظيمة، فكيف يكون خلق الإنسان الذي هو جزء من خلق الكون نفسه عبثا بلا فائدة؟ لو كانت هذه الحياة عبثا لمــا عــدد الله علــى الإنسان نعمه مرة بعد أخرى، ولما قال له: (وَأَمَّا بنعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّتْ (الضحى: ١٢)..أي عليك أن تتحدث عن نعم الله وتشكره عليها.فثبــت أن الله تعالى لا يقصد بقوله: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ذَمَّ الحياة الدنيا، بل
۷۸۹ الجزء السابع سورة العنكبوت اعتبرها جزءاً هاماً من الحياة الأخرى ودرجة أولى من السلم الذي إذا لم يضع عليه الإنسان قدمه لم تنشأ في روحه تلك القوى التي سيعيش بها في الحياة الآخرة.كما أن الله تعالى قد لقن المؤمنين درسا رائعًا للتوكل حين اعتبر الحياة الدنيا لعبًا ولهوا، فبين لهم أن هذه الحياة الدنيا ومتعها إنما هي مجرد لعبة وتفرُّج، فلو أصبح المرء ملكًا أو فقيرًا أثناء لعبة لم يؤثر هذا في قلبه شيئًا، فلا يتكبر لأنـه ملـــك ولا يبكي لأنه فقير، كذلك يرى المؤمن أن حياته الحقيقية إنما هي في الدار الآخرة عند الله، أما حياته في الدنيا فإنما هي مجرد لعبة، وبسبب هذه الرؤية لا يستحوذ علــــى المؤمن حب المال ولو اقتنى الملايين، ولا يشكو ربَّه ولو تعرض للجوع والفاقة.أما الكافر فيعتبر الدنيا منتهى غايته، فلو وجد الملايين أصبح دودة للدنيا، ولو حُرمهـــا مات كمدا، ولا يبرح يشكو الله تعالى، وهذا يعني أنه لا يرضى برضا الله في أي حال.عندما ينال مالاً أو عقارًا يعتبره نتيجة جهده وذكائه بدلاً أن يرتفع بصره إلى الله تعالى شكرًا وامتنانًا، ولو حُرم من مال أخذ في شكوى الله تعالى واعتبره والعياذ بالله باختصار إن الكافر لا يطمئن في حال أبدا، أما المؤمن فيتمتع بسكينة القلب في كل حال، ويرضى بقضاء الله دائما.وحيث إن الله تعالى قــــد خاطب الكفار في الآيات السابقة، فنبههم في هذه الآية أنهم لو فهموا أن الله تعالى قد جعل حياة الدنيا تمهيدًا لحياة الآخرة، وأنها مجرّد لهو ولعب، لأعرضوا عن الدنيا ودخلوا في طاعة محمد، مدركين أن الرقي المادي لا يساوي شيئًا أمام الرقـــي الروحاني، ولكنهم قد آثروا الحياة الدنيا على الحياة الآخرة، ورفضوا الثروة السماوية نظير دراهم معدودة زائفة.ظاما من
الجزء السابع ۷۹۰ سورة العنكبوت فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْمَكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا تجنهُمْ إِلَى الْبَرِ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لا لِيَكْ رُوا بِمَا وَآتَيْنَهُمْ صلے وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) التفسير : لقد بين الله تعالى هنا أن الناس ينغمسون في متع الدنيا وملذاتها، ولكن تحدث في ووقائع تدفعهم إلى التوجه إلى الله تعالى ولكن الإنسان السيئ الله تعالى دائما بعد أن ينجيه من هذه المصائب، وتتكرر هذه العمليــة حياتهم الحظ هكذا.أحداث ینسی الواقع أننا لو تعمقنا في الأمر أدركنا أن الإنسان يتمكن أحيانًا من سد حاجاته كلها بنفسه، فينصب اهتمامه على قوته وقدرته فقط، فيصيبه الغــــرور بجهــــوده.ولكنه في بعض الأحيان لا يقدر على سد حاجته بنفسه، بل يحتــاج إلى أقاربــه وأعزّته الذين يساعدونه، فيقول في نفسه إن القرابة شيء نافع.ثم يأتي عليه وقت لا يغني عنه أهله وأقاربه فينظر إلى أصدقائه ومعارفه فيأتون لمساعدته، فيدرك أهمية الأحباب والأصدقاء في الوقت الحرج.ثم يأتي عليه وقت لا يغني عنه أصدقاؤه أيضًا، بل يساعده الحزب أو الجماعة أو النظام الذي ينتمي إليه، فيدرك أهمية النظام والحزب والجماعة، فيزداد تمسكا به ثم يأتي عليه وقت لا يغني عنه أهله ولا أقاربه ولا أحبابه ولا حزبه ولا جماعته فيتوجه إلى الحكومة التي تساعده، فيدرك أهمية الحكومة ومنافعها.ثم يأتي عليه وقت لا تقدر الحكومة أيضا على مساعدته، بـــل تتقدم الإنسانية العامة لمواساته، فينظر إلى الإنسانية جمعاء ويقول في نفسه ما أروع هذه العلاقة التي خلقها الله تعالى بين الناس جميعًا.ولكن يأتي عليه وقت حرج آخر حين لا ينفعه أهل ولا أصدقاء ولا أحباب ولا قبيلة ولا نظـــام ولا حكومة ولا الإنسانية كلها؛ فإذا تخلص من مأزقه ونجح في مرامه أيقن أن في نجاحه يدا إلهيـــة
۷۹۱ سورة العنكبوت الجزء السابع وتأييدا ربانيا أيضًا، فيعزو نجاحه إلى الله تعالى بقدر إيمانه بتدخل يـد الغيــب في نجاحه.ولكن الحقيقة أن كل ما أنجزه بنفسه أو بمساعدة أقاربه وأصدقائه أو حزبه ونظامه أو قومه وحكومته أو الإنسانية العامة، إنما أنجزه الله له.ولكن حيث إن الأسباب الظاهرة لعبت دورها في شتى نجاحاته فلم ينظر عندها إلى الله تعالى، وإنما فكر في تأييد الله تعالى له عندما أيقن بتدخل يد الغيب في نجاحه.باختصار يأتي في حياة الإنسان أوقات حين تبوء تدابيره كلها بالفشل الذريع فلا يجد أمامه إلا الله تعالى، وهذا هو المعنى الذي أكّده تعالى في الآية قيد التفسير، فبين أنه عندما يأتي الوقت الحرج فإن المشرك والملحد أيضا يتوجهان إلى الله تعالى.وضرب لذلك مثالاً وقال حينما يحاصر الطوفان السفينة يستصرخ المشرك أيضًا الله تعالى موقنًا من كل قلبه ومشاعره ألا أحد يقدر على إنقاذه إلا الله تعالى.كان في الكلية الطبية بلاهور طالب ملحد، وكان يناقش زملاءه دائما حـــــول وجود البارئ تعالى.فلما وقع الزلزال الشهير عام ۱۹۰٥م بحسب النبوءة التي أدلى بها المسيح الموعود ال، وأحس هذا الطالب الملحد بأن السقف علـى وشــك السقوط هرب من الغرفة قائلاً : "رام رام"..أي الله الله.فقال له زملاؤه في اليــــوم التالي : لماذا جريت من الغرفة قائلا : رام" رام؟" فقال : لا أدري، يبدو أنني فقـــــدت عقلي عندها.والواقع أنه عاد إلى صوابه عندها.لقد اختفت عن أنظاره الأسباب المادية التي يمكن أن تنقذه فلم يجد أمامه منقذا إلا ذات البارئ تعالى.الحق أن الأسباب المادية البادية تشغل الإنسان عن الله تعالى، ولكن عندما لا يرى أي سبب ظاهر عنــــدها يرتفع بصره إلى الله.في عام ۱۹۱۸م استجمعت ألمانيا كل قواهـا وشـــنت هجومًا مكثفا على الحلفاء.فجاء على القوات الإنجليزية وقت لم يعد هناك سبيل لنجاتها.لقد شقَّ الألمان صفوف الإنجليز على جبهة تبلغ سبعة أميال، فصارت القوات الإنجليزية جزئين، وكان بإمكان الألمان أن يتقدموا بهذه الثغرة ويحاصروا القوى الإنجليزية من ورائها ويدمروها تدميرًا.فأبلغ القائد الإنجليزي رئيس القوات بخطورة الموقف وقال ليس عندي جنود لسد هذه الثغرة.لقد كان الموقف خطيرًا فقط
۷۹۲ سورة العنكبوت الجزء السابع لدرجة أنهم خافوا أن يدمر جنودهم كلهم فلا يبقى هناك أثر لإنجلترا ولا فرنــــــا.فأرسل قائد الجيش الإنجليزي برقية إلى حكومته وأخبرها بتقوّض صفوفهم وبـأن الدمار وشيك.وكان رئيس الوزراء في جلسة مع وزرائه عندما وصلته البرقية، فأدرك هذا الرجل - الذي كان مزهوا بقوته ومنعته، وكان زعيمًا لأقوى وأكبر دولة مادية في أوروبا عابدة المادة الغافلة عن الله تعالى كليًّا – أنه ليس هناك الآن قوة ظاهرة في الدنيا تنجيه من هذا المأزق، فنظر إلى أصحابه وقال: تعالوا نبتهل إلى الله تعالى أن ينصرنا.فركع الجميع على ركبهم ودعوا الله تعالى، فاستجاب الله دعاءهم، ودبّر من الأسباب ما جعل جيش الألمان لا يعرفون أن صفوف عدوهم قد تقوضت.فدعا قائد الجيش الإنجليزي أحد الضباط وقال له: إن الموقف حرج ولا أرى أحدًا سواك يقدر على احتوائه، فاذهب لمواجهة العدو بدون أن توجه إلي أي سؤال.وكان بوسع هذا الضابط أن يقول للقائد الأعلى: تأمرني بالتصدي للعدو ولا تعطيني أي جنود، ولكنه أدرك أنه من المستحيل الآن أن يؤتيه أي جنود، فركب سيارته وذهب إلى المكان الذي يعمل فيه الطهاة والغسالون والحذاؤون والخياطون، وقال لهم: لا شك أن في قلوبكم حسرة دائمة بأن تجدوا فرصة للقتال عن وطنكم.وها قد سنحت لكم هذه الفرصة.إن العدو قد شق صفوفنا، والوطن ينظر إليكم لتتقدموا وتسدّوا هذه الثغرة في الصفوف.فأخذ كل واحد منهم ما وقع في يده، ووصلوا إلى جبهة القتال وسدّوا الثغرة حيث بدا للرائي أنهم جنود.وظل هؤلاء متصدين للعدو هناك أربعًا وعشرين ساعة حتى وصل المدد من المناطق الأخرى.دفاعا هذا المشهد مثال لما يفعله الملحدون الذين يعبدون المادة.فإنهم إذا لم يجدوا وليا ولا نصيراً سوى الله تعالى آمنوا به، ولكنهم ينسون الله تعالى عند زوال المصيبة، ويعزون نجاحهم إلى جهدهم وحنكتهم أو إلى آلهتهم ويقول الله تعالى إلى مــتى سيفعلون هكذا؟ إننا نمهلهم ليتوبوا، فيزدادون انغماسًا في ملذات الدنيا.ولكن سيأتي يوم يُحرمون فيه من هذه الفرص أيضا، فلن ينصرهم أي إله زائــــف، ولـــــن يجدوا من موجات العذاب العارمة مخلصا.
الجزء السابع ۷۹۳ سورة العنكبوت أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا وَامِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ) التفسير: لقد قدّم الله تعالى من قبل شهادة الفطرة الإنسانية على وحدانيته، وبين أن المشركين يكفرون بالله تعالى ولكن عندما تحل بهم مصيبة تزول حُجب الجهل أو التعصب القومي عن عقولهم، فيخرون على عتبة الله تعالى، ويدعونه مخلصين له الدين.إن نداء فطرتهم هذا دليل أن قلوبهم تشعر بعظمة الله وكبريائه، وإلا لماذا تدفعهم فطرتهم عند حلول مصيبة إلى الاعتراف بوحدانية الله علنًا؟ أما الآن فقـــــدم الله تعالى الكعبة المشرفة دليلاً على وحدانيته وقال: ألم ير هؤلاء أن الناس من كل أنحاء الجزيرة العربية يتعرضون للنهب والسلب والقتل ولا ضمان لحياتهم وكرامتهم وشرفهم، بينما لا يجرؤ أحد على أن يشير بالبنان إلى أهل مكة جوارهم لبيت الله الحرام؟ لماذا يتمتع أهل مكة بهذه النعمة العظيمة؟ أهذا راجع إلى كفاءتهم الشخصية، أم أنهم نالوا هذا الشرف نتيجة الأدعية التي قام بها إبراهيم ال عند رفع قواعد البيت الحرام حيث توسل إلى الله تعالى في تواضع وخشوع: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر (البقرة: ١٢٧).وحيث إنهم قد نالوا هذا الأمان وهذا الرزق وهــذه العــزة والصيت بسبب دعاء إبراهيم، فعليهم أن يفكروا فيما إذا كان إبراهيم قــــد عمــــر الله بيت ليوضع فيه ثلاث مئة وستون صنما أم ليُعبد الله فيه وحده؟ هل عمره ليخرّ الناس أمام الأصنام المنحوتة من الحجر أم ليضعوا جباههم على أعتاب رب العالمين تحقيقا لأمر الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل: طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السجود) (البقرة : ١٢٦).وحيث إن هذا البيت لم يُعمَر إلا ليكون مركزا لعبادة الإله الأحد، ولم يتمتع أهل مكة بهذا الشرف العظيم بين العرب كلهم إلا نتيجة دعـــاء إبراهيم ولكونهم سدنة بيت الله، أفليس من المؤسف المخجل أن يضعوا نواصيهم الخاطئة أمام آلهة باطلة ويؤكدوا بأعمالهم على أسوأ أنواع نكران الجميل، مع أنهم
الجزء السابع ٧٩٤ سورة العنكبوت يرون بأم أعينهم هذه الآية الإلهية العظيمة، ومع يوجههم إلى عبادة الله وحده.أن كل في البي الح لقد بينت هذا المعنى نظرًا إلى أهل مكة، ولكن لو نظرنا إلى هذه الآية من منظور آخر لوجدنا أن الله تعالى قد اعتبر البيت الحرام الذي هو مركز التوحيد وسيلة عظيمة لإرساء السلام في العالم، فبين أن الدنيا لن تتمتع بالسلام الحقيقي إلا إذا ارتبطت بمركز وحدانية الله.يوجد اليوم في الدنيا أديان كثيرة جدا، ويوجد في أحكامها اختلاف كبير، ثم يوجد في أفكار أتباع هذه الديانات اختلاف كبير بحيث يبدو اتحادهم واتفـاقهم ضربا من المستحيل.هناك شيء واحد يمكن أن تتحد عليه الأديان كلـها وهـو وحدانية الله تعالى.فكما أن اختلاف الإخوة الأشقاء فيما بينهم ممكن ولكـــن اختلافهم على أبيهم محال، كذلك مهما اختلفت الأديان فيما بينها إلا أنه لا يمكن أن يختلف أي منها في وحدانية الله تعالى، وهذه العقيدة هى الوسيلة الوحيدة القوية التي تؤدي إلى المؤاخاة الحقيقية بين البشر.فما لم يفكر الجميع أن الإنسانية كلـها من خلق ربه، وأن الله الذي خلقني هو الذي خلقهم لن تزول مشاعر الاحتقـــــار والعداء من القلوب.وهذا هو الأمر الذي قد ركز عليه الإسلام قبل كل شيء آخر لإرساء السلام العالمي، فأقام توحيد البارئ تعالى في العالم ورسّخ في القلوب أن رب الإسلام هو رب العالمين.أي أنه رب المسلمين تماماً كما هو رب الهندوس والنصارى واليهود والزرادشتيين وغيرهم.ولو فكر المسلم الصادق أن المسيحي أو اليهودي أيضًا عبد لربي كأي مسلم لما حمل في قلبه بغضا نحو هندوسي أو مسيحي أو يهودي أو زرادشتي، بل اعتبر الجميع إخوانًا له، ومدَّ إليهم يد المحبة كما يمــــدها إلى أخيه المسلم.إذا، لقد علم الإسلام درس التوحيد لإرساء السلام العالمي، ثم ربط المسلمين ببيت الله تعالى ليبقى هذا الدرس راسحًا في أذهانهم دائما.ذلك لأن القرآن الكريم يقول : إِن أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بَكَّةَ) (آل عمران:٩٧)..أي أن أول بــــت لفائدة الإنسانية جمعاء هو ذلك الذي بمكة.ومن البديهي أن الأديان التي لم
۷۹۵ سورة العنكبوت الله الجزء السابع تتجاوز نظرتها وراء الحدود القومية كان محالاً عليها بناء بيت يكون نقطة مركزية لاتحاد الإنسانية كلها، إنما كان بناء مثل هذا البيت ممكنًا فقط بناء على وحـ تعالى ومشيئته، فوضع الله تعالى أساس الكعبة المشرفة لجمع الإنسانية كلها علـــى مركز واحد، وتم تجديد بناء هذا البيت على يد إبراهيم اللي الذي أعلن في الدنيا لأول مرة أن هذا البيت المقدس قد بني ليزوره الناس ويطوفوا به ويعبدوا الله فيـــه ويذكروه، وينذروا حياتهم لخدمة الدين.بيت الله مدرســـة إلى هذه المنة العظيمة قد لفت الله تعالى الأنظار في الآية قيد التفسير، فقال ألا يفكر الناس كيف دبرنا لإرساء السلام العالمي من خلال هذا البيت تدبيرا رائعا، وكيف جمعنا العربي والأعجمي، والشرقي والغربي، والأبيض والأسود، والأحمر والأصفر كلهم على مركز واحد؟ وكيف أعطينا للذين ينتمون لهذا البيت منهجًا داعيا إلى السلام، فمن عمل به لم يُحرم السلام هو ولا من هو على صلة به.وليس هذا فحسب بل لا ينتمي إلى هذا البيت حقا عند الإسلام إلا من سلم الناس كلهم من شرّ يده ولسانه.وهذا يعني أن الله تعالى لم يفتح من خلال للسلام فحسب، بل كل أولئك الذين يتعلمون فيها يصبحون دعاة السلام العالمي؛ إذ لا يظلمون أحدًا، ولا يغضبون على أحد بغير حق، ولا يصرعهم الجشع، لأن هذه هي المساوئ التي تدمر السلام العالمي.ثم إنهم ينعمون باطمئنان القلب نتيجة تعلقهم الصادق بالله تعالى، بينما تحترق باقي الدنيا في نيران الطمع والجشع، فــــلا يجدون السكينة في قلوبهم، ولا يحظى بها من له صلة بهم أيضا.وقد أشير إلى هـذا المعنى في قوله تعالى: وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ...أي أن الذين ينتمون إلى ينعمون بالسلام نتيجة العمل بتعليم الله الأحد، ولكن الشعوب التي تعيش بیت الله حولهم محرومة من السلام لكفرها بأحكام الإسلام؛ حيث تندلع بينهم الحروب، وتقع فيهم صنوف النزاع والفساد وتتعرض أموالهم للسلب والنهب.باختصار لا يتمتع بالسلام إلا الذين آمنوا بالله الأحد وارتبطوا ببيته الحرام بصدق، أما سائر الدنيا فهي عرضة للفوضى وكل قلب فريسة للقلق والاضطراب.فالله تعالى يقدم هذا الفارق الواضح بين الفريقين ويقول : ما دام هذا الانقلاب العظيم قد حصل
الجزء السابع فعلا من خلال بيت الله، ٧٩٦ سورة العنكبوت فهل لا يزالون موقنين بنجاح خططهم الباطلة نـــاكرين للنعمة الإلهية العظيمة التي أنزلها الله من السماء لدفع قلقهم واضطرابهم.إذا كانوا يريدون إرساء السلام في العالم فعلاً فإنما سبيله أن يؤمنوا بالله الأحد وينضموا إلى جماعة الذين ينتمون إلى بيت الله ، إذ إن إرساء السلام الحقيقي في العالم بــدون إصلاح الروحانية محال.تسعى الدنيا لإرساء السلام في العالم من خلال السلاح والقانون أو العقل، ولكن هذه الثلاثة غير كافية لإرساء السلام وإن كان كل واحد ضروريًا في حد ذاته.هذه العناصر الثلاثة غير قادرة على إرساء السلام العالمي إلا إذا كانت معها الروحانية.إن إرساء السلام في العالم بالسلاح محال لأن هذا يؤدي إلى سباق التسلح، حيث تعقد الشعوب الهدنة بعد الهدنة فيما بينها من ناحية، ومن ناحيـة أخرى لا تزال تجمع الأسلحة.فكما أن الشخص الثري لا يمكن أن يسافر بدون أن تكون محفظته مليئة بينما يخرج الفقير للسفر بدون أية نقود، كذلك لا تزال الشعوب المتعطشة إلى الأسلحة منهمكة في جمعها رغم عدم حاجتها إليها، لأنهـا تخاف جيرانها فلا تطمئن إلا إذا جمعت عندها أسلحة كثيرة.ويفشل القانون في إرساء السلام أيضًا لأنه يحكم على الظاهر فقط دون الباطن.ويفشل العقل في إرساء السلام لأنه غير تابع للأخلاق.فإن الذي يفكر بالعقل فقط يعمل ما فيـه مصلحته ومصلحة صاحبه، دون أن يفكر أن من الفوائد الظاهرة مـا يـؤدي إلى الضرر الروحاني أيضًا، وأن صداقة القريب قد تضر بالبعيد.ولكن الروحانية توجه الإنسان إلى الخير دائما، لأنها اسم لصياغة المشاعر والعواطف في قالب الأخلاق، وإذا صيغت المشاعر في الأخلاق صحبها العقل أيضًا؛ فلا يزال المرء متمسكا بالخير دائما، فلا يثنيه عنه طمع ولا إغراء ولا خوف.
الجزء السابع ۷۹۷ سورة العنكبوت وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ في جَهَهُ مَثْوَى لِلكَ رين الله التفسير : لقد زاد الله تعالى هنا لفظ كذبًا لأن من المفترين على ينسب إليه تعالى ما يكون موجودًا في كتابه تعالى وإن لم يُوح به إليه هو، ومنــــ من ينسب إلى الله تعالى ما لا أساس له مطلقًا في أي كتاب سماوي، فهذا الشخص يفتري ويكون أساس افترائه الكذب تماما.لقد نبه الله تعالى في هذه الآية منكري الإسلام أن فيهم عيبين خطيرين جـــــدا، أولهما أنهم يفترون على الله تعالى ما ليس له أساس في أي وحي بل هـو كــذب فمثلاً يقولون: اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (الكهف : ٥) ، وهذا افتراء صريح أساســـــه صريح.الكذب؛ ومن أجل ذلك قال الله تعالى في القرآن الكريم مشيرًا إلى عقيدتهم هــذه: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كذباً (الكهف: ٦)، وقال تعالى أيضًا: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (الأعراف:۲۹)، وقال تعالى أيضًا: ﴿وَجَعَلُوا اللَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَحَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتِ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (الأنعام:١٠١)..أي أنهم وصفوا الله شركاء من الجن مع أنه تعالى هو الذي خلقهم، واقترحوا له بنين وبنات بدون علم مع أن الله تعالى منزه عن جميع هذه العيوب والنقائص وأسمى مما ينسبون إليه.والعيب الثاني فيهم أنهم ينكرون هدى الله الذي يعرض عليهم.فيحذرهم تعالى أنهم إذا كانوا لا يخجلون من الافتراء على الله كذبًا ولا يقبلون الحق أيضا، ومع ذلك يظنون أنهم سينجحون فلا شك أنهم مصابون بالوهم.إنما السبيل إلى إقامة صلة صادقة مع الله تعالى وقبول الهدي النازل منـه.وحيث إن النجاح الله
الجزء السابع ۷۹۸ سورة العنكبوت المسلمين يتحلّون بهاتين الميزتين فسيصدر الله تعالى قراره في حق المسلمين وليس مصير الكفر إلا الفشل.で وَالَّذِينَ جَهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) التفسير: بعد أن نبأ الله تعالى عن فشل الكافرين وهلاك الكفر والشرك، أخبر الآن عن حسن عاقبة الذين صبروا في كل اختبار و لم تزل قدمهم بعد ثبوتها وظلوا يضحون في سبيل الله ورسوله فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا..أي الذين يسعون جاهدين ويخرّون على أعتابنا دائما متفانين في حبنا للتقرب إلينا، سنكتب لهم النجاح تلو النجاح، ونهديهم إلى طرق لا نهاية لها من الرقي والعروج.وهذا يعني أن العدو إذا أغلق عليهم بابًا للرقي فتح الله عليهم مئة باب، وهكذا فإنهم لا يحققون أهدافهم المادية فحسب، بل يزدادون قربا من الله تعالى باستمرار، وكل خطوة يتخذونها تزيدهم حظا من بركات الله وأنواره.لقد أعطى الله تعالى هنا الإنسانية رسالة أمل تبعث الحياة في القلوب الميتة، وتحملهم من الفرش إلى العرش.الواقع أن فشل الإنسان راجع في كثير من الأحيان إلى قنوطه، حيث يظن أن لا فرصة له الآن للرقى ولكن الله تعالى يعلن أن هذا خطأ، فإن الذين يجتهدون من أجل حبنا ووصالنا ندلهم دائمًا على طرق توصلهم إلينا؛ شريطة أن يجتهدوا بحسب الطرق التي وضعناها لذلك وليس بحسب المعايير التي اخترعوها من أنفسهم؛ وقد أُشير إلى هذا المعنى في قوله تعالى: فينا كما أن هذه الآية لا تحمل في طياتها بشرى عظيمة للمسلمين فحسب، بل فيها رسالة حياة عظيمة لغيرهم أيضًا بمن فيهم الملحدون أيضًا؛ فهي توضح للملحدين أن رب الإسلام هو رب العالمين، وقد فتح أبواب محبته للناس جميعًا، فلا داعي ليأسهم.فإذا كانوا يبحثون عن الحق بصدق القلب، وإذا كانوا يريدون أن يعرفوا خالق هذا الكون - إن كان له خالق - ويتخلصوا من الوساوس والشبهات 6
۷۹۹ الجزء السابع سورة العنكبوت فسبيله أن يدعوا بصدق القلب قائلين: أيها الإله إن كنت موجودًا وإن كنت ذا قدرة مطلقة كما يقول المؤمنون بك فارحمنا واهدنا إليك واعمر قلوبنا بالإيمان واليقين بك لكي لا نُحرم من حبك.فلو قام الملحد بهذا الدعاء أربعين يوما على الأقل بلا انقطاع، فلا بد أن يهديه الله رب العالمين إلى سبيله، أيا كان بلده ومهما كان قلبه محجوبا تحت الظلمات، وسيرى بدون انتظار كثير أن الله تعالى سيتجلى عليه بحيث تتبدد ظلمة الشكوك والشبهات عن قلبه كلية وتخر روحه ساجدة على أعتاب الله تعالى.ثم إن هذه الآية تحمل بشرى لأتباع الأديان الأخرى أيضًا، لأنهم إذا كانوا يبحثون عن الدين الحق فعلاً برؤية اختلاف الأديان فيما بينها، فعليهم بالدعاء والابتهال أمام الله تعالى فسيهديهم يقينًا ويكشف عليهم سبيل الحق بطريق أو بآخر.أتلقى الرسائل من غير الأحمديين في كل سنة بمعدل ثمانية أو عشرة رسائل سنويًا يقولون فيها: كنا من أشد معارضي الأحمدية، ولكن الله تعالى قد أخبرنا بالرؤية أن الأحمدية على الحق، فها نحن نتوب وننضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية.إذًا، فالذي يرجع إلى الله تعالى بصدق فلا بد أن يهديه إلى الحق بطريق أو آخر، شريطة أن يكون جادا ولا يكون هدفه إلا الفوز برضا الله تعالى.وكما قلت من قبل إن هذه الآية بشارة عظيمة للمؤمنين أيضًا أنهم لو اجتهدوا للتقرب إلى الله تعالى باستمرار وبصدق القلب فلا بد أن يهديهم إلى طرق لا تعد ولا تحصى من ،قربه وسيعطيهم بغيتهم ويشرفهم بإلهامه وكلامه.وهناك رؤيا لي تشير إلى الأمر نفسه.لقد رأيت في المنام قبل فترة أن كثيرًا من الناس جالسون في مكان فأخاطبهم قائلا: سأبين لكم تصور الإله كما تقدمه شتى الديانات.فألقيت خطابا بينت فيه لهم تصور الديانة البوذية عن الله تعالى.ولما تدبرت في هذه الرؤيا في الصباح علمت أنني استخدمت ألفاظ "تصور "الله" على سبيل الاختصار وإلا كان قصدي "تصور وصال الله تعالى".وما قلت في خطابي أمامهم هو كالآتي:
سورة العنكبوت الجزء السابع "انظروا إلى السمكة فإنها تعيش في الماء ولكن أشعة الشمس التي تنعكس من الماء أو ذرات رمال النهر تؤثر في جسمها تأثيرًا حتى تؤدي إلى نشوء الحراشف فيه - وبالفعل ليست هذه الحراشف إلا نتيجة تأثير أشعة الشمس التي تنعكس عليها من الماء والرمال، فيصبح جسمها لامعًا، فلو كان الرمل ذهبيًا كانت الحراشف أيضًا ذهبية، وقد رأيت بنفسي أسماكًا ذات حراشف ذهبية؛ بل تكون بعضها ذات سبعة أو ثمانية ألوان، وبعضها تكون زرقاء تماماً كأنها فيروزة – ثم أقول في المنام لهؤلاء الجالسين: إذا كان الجسم الكثيف يقبل تأثير الأشياء الأخرى نتيجة اتصاله بها، فكيف لا تقبل الروح تأثيرها وهي شيء لطيف للغاية؟ ثم أبين لهم فضل الإسلام على الأديان الأخرى وأقول: خذوا مثلاً الديانة البوذية، فإنها تخبر أن وصال الله ممكن، ولكنها لا تدل على الطريق لذلك، أما الطريق الذي يذكره البوذيون فطويل جدا ولا يمكن العمل به يقولون أن بوذا ظل جالسا تحت شجرة خيزران ستين سنة للتقرب إلى الله تعالى واستغرق في عبادة الله وذكره لدرجة أن خيزرانة جديدة حتى بلغت قمة رأسه دون أن يشعر بذلك.ولا شك أنها خرافة لا يقبلها العقل.ولكن الإسلام لم يخبر أن وصال الله ممكن فحسب، بل دل أيضا على طريقة إذا سلكها الإنسان وصل إلى الله تعالى.إن الديانة البوذية لا تركز على قبولية الدعاء مثلاً، بل تركز على النروانا" فقط 40.Buddhism: p)..أي أن ينفض الإنسان من قلبه كل رغبة وأمنية..مع أن حب قرب الله تعالى أيضا رغبة، فإذا طرد المرء من قلبه كل رغبة فكيف تبقى فيه رغبة حب الله تعالى؟ فثبت أن الديانة البوذية تقول كلامًا متعارضًا.أما الإسلام فيعلن أن الإنسان ليس بحاجة إلى مجاهدات طويلة للوصال بالله تعالى، بل إذا كان يحب ربه فليدعُ ربه في ابتهال وخشوع بأن يرزقه قربه ويفتح عليه أبواب بركته، فسوف يشرفه الله تعالى بقربه يقينا لأنه قد أعلن في القرآن الكريم: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة : ۱۸۷).فشتان بين هذه الطريقة البسيطة بأن يدعو الإنسان ربه وسيحظى بقربه فورا وبين ما ينسب إلى بوذا بأنه جلس تحت خيزرانة ستين عامًا حتى نبتت من تحته خيزرانة أخرى ووصلت إلى قمة رأسه.نبتت من تحته
1.1 الجزء السابع سورة العنكبوت باختصار قد جعل الله تعالى طريق وصاله سهلاً جدًا في الإسلام، ولو كان في قلب المرء شيء من حب الله لتشرف بوصاله يقينًا.كذلك رأيت مرة في الرؤيا أني في مدينة "لكناء"، وجاء بعض رؤسائها للقائي وجلسوا في غرفة مفروشة بالسجاد.فسألني أحدهم: ما السبيل لبقاء الروح حيا؟ فقلت له في الجواب: هناك شيئان ينبضان بالحياة: الجسم والروح.عندما يكون الطفل صغيرًا لا يقدر على المشي ولا العمل بنفسه، فما هو الطريق الذي جعله الله لاستمرار حياته؟ إنما هو قوة البكاء التي خلقها الله فيه.ذلك أن أُمّه لا تبقى معه دائما، بل تظل مشغولة؛ حينًا في الطهي، وحينًا في غسل الأواني والثياب، وحينًا في صديقاتها، وحينا تداعب زوجها ؛ فإذا جاع الولد أو مرض أو أحس الحديث مع بخطر أخذ في البكاء والصراخ عاليا فتأتي إليه أمه مسرعة.هذا هو الطريق الذي جعله الله تعالى لاستمرار حياة الجسم.وقد جعل الله تعالى طريقًا مماثلاً لاستمرار حياة الروح أيضًا.فعندما تصاب روح الإنسان بالضعف والكسل يخرّ ساجدًا أمام الله تعالى ويدعوه باكيا كطفل صغير، فيأتي الله إليه مسرعًا ويسدّ حاجته.وبينما أقول ذلك أتحمس في خطابي فيرتفع صوتي وأرفع إصبعي ثم أضعه على السجاد وأقول: هكذا يضع طفل الروح الإنسانية رأسه على السجاد باكيا، وتسقط دموعه عليه، فيأتيه الله لدفع أذاه هرولة كما تهرول الأم إلى ولدها.وباختصار إن البكاء والدمع هما اللذان يُنقذان جسم الإنسان، وهما اللذان ينقذان روحه أيضًا.وقد بين الله تعالى بقوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا أنه يجري إلى عبده ليجيب على حبه بحب كما تجري الأم الرءوم إلى ولدها عند سماع بكائه، وإذا حصل فتور في علاقة المحبة هذه فإنما يحصل من قبل العبد، أما الله تعالى فيريد أن يشمل عباده بحب أشد من حب الأم الرءوم.إنه تعالى يريد أن يعامل عبده بالحب واللطف، ويحمله في حضن محبته ويسليه، ولكن المشكلة أن العبد الضعيف الذي هو عرضة للمصائب ويرزح تحت الآلام والذي هو بحاجة إلى وعونه دائما لينجيه من الآلام ويلهمه السكينة، أقول إن هذا العبد نصر الله
الجزء السابع سورة العنكبوت الضعيف نفسه يُبدي استغناء عن الله تعالى، أما الله المستغنى فيضطرب على عرشه من أجل عبده لكي يأتي إليه ليشرفه بقربه.كما أن هذه الآية إشارة إلى قبولية الدعاء أيضًا، حيث بين الله تعالى أن الذين يجتهدون لتحقيق مقاصدهم وفق مشيئتنا داعين إيانا مستعينين بنا، لا بد أن نفتح عليهم طرقًا لتحقيق أهدافهم، وسنمكنهم مما يبدو مستحيلاً.حكي أن أحد الصلحاء أتاه بلاغ بأن قضية قد رُفعت ضده من قبل بعض الناس، وأن عليه المثول أمام الملك.فأخذته الحيرة لأنه كان يقضي كل وقته في ذكر الله تعالى، ولكن البلاغ كان من قبل الملك فخرج على حصانه للمثول أمام الملك.وبعد أن قطع مسافة عدة أميال جاءت عاصفة وأظلمت الأرض وغيمت السماء، ونزل المطر غزيراً.وكان عندها يمرّ في غابة لا يوجد فيها آثار العمران على مدى البصر إلا بضعة أكواخ ، فذهب إلى كوخ ونادى للاستئذان.فسمع من داخل الكوخ صوتًا يقول: تفضل.فربط الحصان ودخل في الكوخ، فوجد فيه شخصا معوقا مستلقيًا على السرير.فرحب به صاحب الكوخ بحفاوة ودعاه للجلوس بجنبه وسأله عن اسمه وقصده.فأخبره الرجل الصالح أنه فلان ابن فلان وأنه ذاهب للمثول أمام الملك بعد أن تلقى منه بلاغا، وأنه في حيرة من هذا البلاغ لأنه يعيش بعيدا عن نزاعات الناس دائمًا.فلما سمع قصته قال: لا تخف، إذ لم يأتك البلاغ إلا لأن الله أراد أن تزورنا إنني رجل معوق لا أقدر على الحراك وأظل مستلقيا على السرير ليل نهار، وقد سمعت من أصدقائي عن صلاحك وحسن سيرتك، وكنت أدعو الله تعالى دائمًا قائلا: رب إن ذوي الحظ يزورون هذا الرجل الصالح، ولكني إنسان مسكين عاجز فكيف أصل إليه؟ فارزقني رؤيته كيفما شئت.وأرى أن الله تعالى أتى بك إلي من خلال هذا البلاغ فلم يلبثا حتى سمعا من الخارج صوت إنسان يقول: المطر غزير، أمسموح لي دخول الكوخ؟ ثم دخل شخص وكان ساعي بريد ملكي، فسألاه عن قصده فقال : لقد أمرني الملك بالذهاب إلى فلان من الصالحين لأبلغه أن الملك قد استدعاه إلى محكمته خطأ؛ الحق أن البلاغ كان موجها إلى شخص آخر ولكنه صدر باسمه لأن اسمهما واحد، فلا حاجة له
الجزء السابع سورة العنكبوت بالمثول أمام المحكمة.فتبسم صاحب الكوخ وقال للرجل الصالح: ألم أقل لك إن الله تعالى قد أتى بك هنا من أجلي فقط، أما البلاغ فهو مجرد وسيلة لمجيئك هنا.فهذا ما يؤكده الله تعالى في قوله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.ثم إن هذا القول الرباني إشارة إلى أنه لا يكفي المرء قبول الإسلام وقوله باللسان إني مؤمن، بل إن سبل العلم والعرفان والقرب الإلهي لا تفتح إلا على الذين في قلوبهم لوعة عارمة ورغبة صادقة، ويجتهدون للتقرب إليه بوله وتفان؛ من أجل الله تعالى هنا أنه يساعد الذين يسعون للتقرب إليه جاهدين، ولم ذلك قد صرح يقل أبدًا أن الذين يفرون منه فيأتي بهم إليه ،قسرًا، والذين يعرضون عنه فيؤيدهم بنصره، والذين يفضلون الجلوس نكرههم على القيام والذين يريدون أن يسقطوا نرفعهم قسراً، والذين يريدون أن يكفروا ندخلهم في المؤمنين جبرا.كلا، بل الله تعالى في القرآن الكريم أن الذين يؤثرون الكفر نجعلهم كافرين، والذين يوضح للصوم يحبون الإيمان نجعلهم مؤمنين وباختصار إن حياة الإنسان إنما تتلخص في أن يعقد العزم على التمسك بالخير بقوة كما يمسك الكلب المدرب صيده بأسنانه بقوة، حيث يمكن أن تنكسر أسنانه ولكن من المحال أن ينفلت منه صيده.عندما يسلك الإنسان طريق الحق بهذه النية والعزيمة ويتمسك بالخير بقوة فيمضي في الخيرات قدما، لأن كل حسنة ستدفعه إلى حسنات أخرى فمن أخرج الصدقة بصدق القلب فلا بد أن يوفق للصلاة أيضًا، ومن أدّى الزكاة بصدق فلا بد أن يوفق أيضا، ومن صام بإخلاص فلا بد أن يوفق للصلاة والزكاة والحج أيضًا؛ ذلك لأن كل حسنة توجّه الإنسان إلى حسنة أخرى، إذ كيف يمكن أن يواسي المرء الفقراء عطفا عليهم ويطعمهم لوجه الله خالصا وليس لمنفعة مادية، فيضع عنده بعض الفقراء ماله أمانة فيخون فيها؟ كلا إنه محال تماما.إن الذي يعطف على الآخرين لهذه الدرجة ويكون مستعدًا لتقديم أي تضحية لهم على الدوام كيف يمكن أن يخون أماناتهم؟ لو أن الناس كلهم قالوا إنه أكل مال الآخرين فنقول إنهم كاذبون، لأن الذي يحب أن يضحي بماله من أجل الآخرين لا يمكن أن يأكل مالهم أبدا.كذلك كيف نصدق أن إنسانا يصوم ويجوع لوجه الله تعالى ولكنه لا يريد
الجزء السابع ٨٠٤ سورة العنكبوت أن يصلي من أجله ؟ قد يترك الصلاة يوما أو يومين أو ثلاثة أيام، ولكن ستلومه نفسه في النهاية بأنه إنسان أحمق حيث يجوع لوجه الله تعالى ولا يريد أن يعبده، فسوف يصلي في النهاية، وإذا بدأ الصلاة فلن يتركها أبدًا ولو أكرهه أحد على تركها.لو أُلقي في السجن فسيصلي في السجن أيضًا، ولو ربط بسريره فسيصلي مستلقيًا، لأن الحسنة توفّق صاحبها للقيام بحسنة أخرى.إذا، فإن سر الرقي أن المرء إذا وجد الخير استمسك به بقوة.عليه أن يصمم في قلبه أولاً أنه سيختار الخير أينما كان ولن يتخلى عنه أبدًا، وبعد هذا القرار حيثما وجد الخير أخذه بقوة مصمما على أنه لن يتركه مهما حدث.وإذا بلغ الإنسان هذا المقام استعد لأن يتعلم من أي شيء في الدنيا، فيتعلم من الطفل الصغير والشيخ الكبير ومن المجنون أيضًا.سئل الإمام أبو حنيفة – رحمه الله – ذات مرة: إنك إنسان عظيم ويتعلم منك الناس كلهم، فهل تلقنت من أحد درسًا لم تَنْسَه؟ فقال: مرارا، وإن أكبر درس تلقنته في حياتي كان على يد طفل صغير.قيل: كيف؟ قال: كنت ذات يوم أمشي في المطر، فمرّ بي طفل مسرعًا عمره قرابة ثماني سنوات، فقلت له: أيها الطفل، امش بحذر كي لا تنزلق في الوحل.فنظر إلي وقال: أيها الإمام، لا تهتم بزلة قدمي وإنما عليك أن تهتم بنفسك لأنه لو زلّت قدمي فلن أسقط إلا أنا فقط، أما إذا زلّت قدمك لزلّت قدم العالم كله لأن الإمام إذا أخطأ أخطأ الذين يتبعونه أيضًا.ثم ذهب الطفل لسبيله، ولكني استمتعت بوعظه طويلاً.والحق أنني لم أسمع من أحد قط نصيحة أبلغ من هذه تذكرة الأولياء: الإمام أبو حنيفة ص ١٤٧) فالواقع أن من أراد أن يتعلم فيتعلمُ من الطفل أيضًا، بل لو أراد أن يتعلم فعلاً واعتاد على التفكر والتدبر لأصبحت له أحجار الأرض وأشجار الجبال وأعشاب الغاب تفسيرًا للقرآن وشرحًا للحديث.وأما من لم يرد أن يفهم فلن ينفع مثل هذا الشقي القرآنُ ولا الحديث ولا محمد رسول الله ﷺ ثم إن قول الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وصفة رائعة لاطمئنان القلب الذي تتلهف له اليوم الدنيا كلها، حيث تجد كل إنسان يقول: ما السبيل إلى السكينة والطمأنينة؟ الحق أن اطمئنان القلب لا يتيسر إلا بطريقين اثنين:
الجزء السابع 1.0 سورة العنكبوت فإما أن يتحقق للمرء كل ما يتمناه، أو أن ينمحي من قلبه كل رغبة وأمنية تافهة، فتبقى فيه الأماني الجيدة التي يمكن تحقيقها أيضًا، ومن بلغ هذا المقام نعم باطمئنان القلب.لقد أخبر الله تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم أنه لم يخلق الإنسان إلا أن يحاول الاتصاف بصفاته تعالى (البقرة:۱۳۹)، وقد قال الله تعالى هنا أن الذين يجاهدون من أجل هذه الغاية بصدق النية نضمن لهم تحقيقها؛ وهذا يعني أن القرآن الكريم كفيل باطمئنان قلب الإنسان.فقد أمر الله تعالى في الآية الأولى أن يتذكر الإنسان دائما أنه قد خُلق في الدنيا لغاية عليا وهي أن يحاول التحلي بصفات الله تعالى..وبتعبير آخر أن يسعى ليكون مرآة ينعكس فيها وجه الله تعالى؛ أما في الآية الثانية التي هي قيد التفسير فوعد الله تعالى فيها أن من يسعى بصدق لتحقيق غاية خلقه لنجعلته الفائزين.ذلك أن المرء لو أدرك أنه ليس بفان كليةً بل إن جسمه من فقط فان أما روحه فهي باقية غير فانية، فتمتَّعَ بالأشياء المادية الفانية بحد معقول فقط لبقاء جسمه، وركز اهتمامه على التحلي بالأخلاق التي هي غير فانية لبقاء روحه؛ حقق غاية خلقه بعون الله تعالى ونال اطمئنان القلب لأن رغبته وغايته قد تحققت.أما إذا ظل المرء يقفز كالقرد هنا وهناك باحثا عن الملذات الفانية لإشباع أهواء جسمه الفاني متناسيًا روحه التي لا فناء لها، لتولدت فيه رغبات وأهواء كثيرة لن يقدر على تحقيقها كما لن يتيسر له عون الله تعالى في سبيل تحقيقها، فيزداد في حياته وحرمانًا من سكينة القلب.لا جرم أن بعض الناس ينالون نصيبا لا به من التركيز الذهني (Concentration of mind)؛ حيث يضعون أمامهم هدفًا سياسيًا أو تعليميًا أو اجتماعيا، ويحرزون شيئًا من النجاح أيضا نتيجة جهودهم المضنية، وينالون اطمئنان القلب في الظاهر أيضًا، ولكن اطمئنانهم يماثل اطمئنان طفل تعطيه لعبة لتلهيه بها، وليس سبب اطمئنانهم أنهم قد حققوا الغايات العليا بل لأنهم قد نسوها.إنهم يصابون بإدمان الأفيون الفكري.يتعاطى عقلهم الأفيون الفكري، فلا يحسّون بالألم رغم وجوده هذا، ويثير البعض اعتراضاً حول قوله تعالى : سُبُلَنا )) ويقول : لقد قال الله تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم: وَأَنْ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا فشلاً بأس
الجزء السابع 1.7 السُبُلَ فَتَفَرَّقَ بكُمْ عَنْ سَبيله (الأنعام: ١٥٤)، وهذا يعني أن سبيل سورة العنكبوت الله واحدة وأما الشيطان فله سبله الكثيرة، فكيف قال الله تعالى هنا سُبُلَنا..أي أن له سبلا كثيرة؟ أن فليكن معلومًا أنه ليس ثمة اختلاف حقيقي بين الآيتين، وإنما المراد من قوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ أنه لا حاجة بالناس أن يتوجهوا إلى الأديان الأخرى الآن من أجل الوصول إلى الله تعالى إنما الإسلام هو الدين الوحيد الذي يوصل الإنسان إلى ربه الآن.أما قوله تعالى: لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا فيعني سبل الرقي الروحاني ومنازله لا تعد ولا تحصى، فبعد كل سبيل هناك سبيل أخرى، عندما يسلك المؤمنون سبيلاً توصلهم إلى الله تعالى يكشف تعالى لهم سبيلا أخرى من قربه، وعندما يسلكونها أيضًا يهيئ الله لهم فرصا أخرى للرقي الروحاني، وهكذا يمضون قدما في مجال الخير والعرفان.يقوم البعض باستدلال خاطئ من هذه الآية مفاده أن الإيمان بالرسول ﷺ والعمل بأحكامه ليس ضروريا - والعياذ بالله - بل بوسع الهندوسي أو السيخي أو الزرادشتي وغيره أن ينال النجاة متبعا دينه.وهذا خطأ، لأن الله تعالى قد صرح في القرآن الكريم: قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (آل عمران : ٣٢)..أي يا محمد قل للناس إن كنتم تريدون أن تحظوا بحب الله تعالى ورضاه فاتبعوني، فيحبّكم الله تعالى أيضا.فليس صحيحًا أبدًا أن الإنسان يمكن أن يحظى بقرب الله تعالى الآن بدون اتباع النبي الله، وإنما تعني هذه الآية أن الإنسان إذا بحث عن الحق بصدق القلب دلّه الله تعالى على طريق الهدى، فيكشف عليه صدق الإسلام من خلال الرؤى والكشوف، أو يشرح صدره لحب الإسلام ومحمد ، فيؤمن ويعمل بأحكامه وبالتالي يحظى بحب الله تعالى، أما بدون طاعة الرسول ﷺ وبدون العمل بأحكام الإسلام فالنجاة مستحيلة.به وقال الله تعالى في الأخير: وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، فأشار بذلك مرة أخرى إلى الاختبارات والصعاب التي لا تزال هذه السورة تتحدث عنها منذ البداية، فأوضح تعالى أنكم لن تطبخوا الطعام بأنفاس ، ولن تحفروا الجبل بغُصن، ولن تعبروا
A+V الجزء السابع سورة العنكبوت النهر بقشة، فإذا كنتم تريدون حب الله تعالى حقا فلا بد لكم من أن تظلوا ثابتين في كل اختبار وتقفزوا في نيران التضحيات مرة بعد أخرى، وعندها سيكتب الله لكم الفوز في كل موطن، وسيُظهر لكم غيرةً تفوق غيرة الأُم لولدها.فلا بد لكم أن تؤمنوا بالله بصدق ولا تترددوا في تقديم أي تضحية في سبيل دينه.والمحسن في العربية من يطيع الأمر بجميع شروطه.إذا ، فقد نبهنا الله بقوله: ﴿وَإِنْ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ أن الذين يطيعون أوامرنا حق الطاعة..أي يقومون بالجهاد كما ينبغي، ويسعون لنيل رضوان الله حق السعي، سنكون معهم ونكتب لهم النجاح في كل موطن.الله وهذا يعني أن الذين يسعون لنيل رضا الله تعالى ولكن لا تأتي مساعيهم بالنتيجة المرجوة، فعليهم أن يعرفوا أن هناك خللاً ما في أعمالهم يحول دون فوزهم بقرب ونصرته.فعليهم أن يهتموا بإصلاح أنفسهم لأنهم لا يقومون بأعمال المحسنين، بدلاً من أن يتهموا الله تعالى بعدم العناية بهم، إذ إن الله تعالى صادق الوعد لا يكذب ولا يخلف وعده أبدًا، لكنهم هم الذين يكذبون حيث يدعون حب الله تعالى بدون أن يُحدثوا في أنفسهم تغيرًا طيبًا بحسب دعواهم.ورد في الحديث أن شخصا جاء النبي ﷺ وقال: يا رسول الله، إن أخي مصاب بالإسهال.وبما أن الله تعالى قال في وصف العسل في القرآن الكريم: فيه شفاء للنَّاس (النحل : ۷۰)، فأمره النبي أن يطعم أخاه العسل، مع ٧٠)، ﷺ أن العسل مسهل وليس مُمسكًا بحسب التجارب الطبية.فذهب الرجل وأطعم أخاه العسل، فازداد مرضه.فرجع السائل إلى النبي ﷺ وقال : يا رسول الله، إن مرض أخي قد ازداد؟ فقال النبي : ارجع وأطعمه العسل.فرجع وأطعمه المزيد من العسل، فازداد مرضه.فرجع إلى النبي ﷺ وأخبره ، فقال النبي : إن بطن أخيك يكذب والله لا يكذب.اذهب وأطعمه العسل، فذهب وأطعمه العسل.فازداد إسهاله وخرجت من بطنه سُدّةٌ وتوقف إسهاله.(البخاري: كتاب الطب، الدواء بالعسل) فإذا لم تأت جهودنا بالنتيجة المنشودة فعلينا أن نتهم أنفسنا ونقول لم نعمل نحن بحسب الشروط التي وضعها الله تعالى لقربه، وإلا فإن الله صادق في وعده.لو
سورة العنكبوت الجزء السابع عملنا بحسب الشروط التي وضعها الله تعالى ولم نبرح ثابتين على الإيمان بقوة رغم عواصف الابتلاء والاختبار ضاربين أروع أمثلة الإخلاص والفداء ببذل النفس والنفيس لنــزل الله تعالى من السماء لنصرتنا، وحملنا في حضنه كطفل مدلل.
ملحقات وَضَعَ الأصل الأردو: الأستاذ سيد عبد الحي شاه ناظر التصنيف بالجماعة
(1) فهرس المواضيع
الجزء السابع الله الله ذات الله النقطة المركزية للدين هي تصور الإله في الأقوام القديمة لا يمكن معرفة الله بمجرد العقل البراهين على وجود الله تعالى 017 ۳۸۸ ۲۰۰ تحقق سلام العالم محال دون الاعتراف بذات عليا ٦٧ تخصيص الله أماكن مختلفة لتجليه لقاؤه ووصاله وعجل يتميز الدين الحق بإيصال الإنسان بالله ملحقات ۷۰۷ ٣٨٦ ۸۰۱ ،۲۲۳ ، ۱۲ نار محبة الله الطريق لوصال الله وسيلة التقرب إلى الله ونيل هداه لقاء الله يعني تأييده ونصرته المراد من سبيل الله الطريق المؤدي إلى قرب الله ۳۸۸ ٦٧٦ 1.7 استخدم الله لنفسه أسلوب الملوك للخطاب الإله الذي يقدمه الإسلام تميز القرآن في بيان ذات الله وصفاته دليل على كون الله حيًّا لا يموت سنة الله في إظهار الغيب على الرسل وحدانية الله حقيقة وحدانية الله تعالى ۵۳۵ ٦٢٣ ۵۳۷ ٦٤ ۱۹۵ ۳۷ أهمية وحدانية الله إثبات وحدانية الله شهادة الفطرة الإنسانية على وحدانية الله مكانة التوحيد الحقيقي خمس نكات لدعم التوحيد وجود الكعبة دليل على وحدانية البارئ استقرار السلام بدون التوحيد الكامل محال إمكانية اتحاد الأديان على وحدانية الله بيت الله الحرام مركز التوحيد ٧٩٤ ٦١٧ ۷۹۱ ٦١٧ ٦٩٥ ۷۹۳ ۷۱ ٧٩٤ ٧٩٤ ضرورة تأسيس الحوار مع أتباع الأديان الأخرى على التوحيد نشر التوحيد كان الغاية من بعثة إبراهيم كان إبراهيم موحدا بطبعه تآخي المسلمون بسبب وحدانية الله تعالى دحض نظرية وحدة الوجود ۷۸۳ ۲۱۷ ١٨٦ ۷۲ ٦٥٢ مدارج قرب الله غير متناهية علامات المقربين ۱۲ ۲۲۰ ۳۹۰ معاملة الله مع من يسعى لإقامة الصلة معه ضرورة إحراز العبد نوعا من المماثلة مع وصال الله محال دون طاعة الرسول ﷺ ۷۹۸ الله للقائه ١٣ من الذين تُفتح عليهم أبواب قرب الله ٣٨٦، ٨٠٦ ۸۰۳ حث الإسلام على جعل الأعمال تابعة لمرضاة الله ٢١٠ على المرء أن يقدر نعم الله تعالى ويذكرها دائماً ٦٣٣ أهمية ذكر الله نزول الملائكة على مجالس يُذكر فيها الله ثقة إبراهيم بكون الله رزاقا معارف بينها المفسر له بصدد وصال الله ٧٥٢ ٧٥٣ ٦٩٥ ۸۰۱ أمور متفرقة إسلام بعض الصحابة بسبب عجز الأصنام دفاع الله.عن النبي وأتباعه استحالة تحديد قدرات الله ۱۹۲ ١٩٦ ۷۰۹ جميع التغيرات في الكون بيد خلق الليل والنهار وحكمته الله ٦٢١ نظام الماء المدهش ٤٨٩ نظام الرزق المدهش في الكون الثروة الموهوبة للإنسان من الله معنى اضطراب الله للرجل الضال ۷۸۲ ٦٩٧ ٣٨٥
ملحقات تأثير لعنة الله علامات أهل الله الصادقين الآخرة (راجع أيضا الحياة) أهمية الإيمان بالآخرة وفوائده إنما الموت باب للخروج من الدنيا إلى الآخرة وإنما الحياة الحقيقية في الآخرة جعل الله حياة الدنيا سلّما لحياة الآخرة إنكار الآخرة أساس الكفر وسوء العمل دليل على وجود الآخرة تظل فكرة الآخرة مستولية على أفكار المؤمنين شجاعة المؤمن نتيجة لإيمانه بالآخرة معنى رائع لقوله تعالى ﴿وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) ۵۸۷ ٤٣ 2.1 ۲۰۹ ٦٦٢ ۷۸۸ ٤٠٥ ۵۰۹ ۳۷۰ ٤٠٣ الجزء السابع إتمام الحجة (راجع الحجة) الإثم (راجع الذنب) الاجتماع (راجع التمدن والحضارة) الأحمدية لا نسخ في القرآن عند الأحمدية لا تؤمن بالجن بالمفهوم التقليدي ۹۷ ٥٨ سبب تأكيد مؤسسها على وفاة المسيح في زعم طبيب شهير ۱۳۳ خيبة آمال زائفة للمسلمين بمجيء مؤسس الأحمدية ٩٥ رسالة المسيح الموعود العلية إلى أفراد جماعته تحلي جماعتنا بالتقوى والإخلاص ٦٧٢ ٤٨٩ معنى كون الحمد لله في الآخرة ثواب الآخرة يتطلب تضحية عظيمة تلاعن المشركين فيما بينهم في الآخرة الآريا (فرقة هندوسية) نظريتها عن ا النجاة دحض عقيدتها بأزلية الروح والمادة دحض عقيدتها بتقمص الأرواح الآية (راجع المعجزة) الابتلاء الاختبار الهدف اختبار المؤمنين من الفرق بين العذاب والابتلاء إظهار الإيمان يستلزم الاختبار 21.٦١٨ ٦٣٧ ٦٥٨ ۵۳۲ ۵۳۳ ٦١٦ ۵۳۳ ٦٧٢،٦٦٤ ٦٨٧ تعرض جماعات الأنبياء للابتلاء إبان ازدهارها ٦٦٩ ابتلاء نوح وقومه ابتلاء المسيح الموعود اللي وزوجته كونوا مستعدين للابتلاءات دوما (المفس) ٦٩٣ ٦٨٨ ٦٧٢ جواب المفسر لأحمدي زعم أننا لم نحرز المكانة الروحانية العالية أغلبية أفراد الجماعة مزارعون توجيه رباني للكثيرين إلى الأحمدية بالرؤى اتهام المعارضين مؤسس الجماعة بأن الإنجليز أقاموه فتاوى المشايخ ضد الجماعة اعتراض شيخ على معجزات مؤسس الجماعة ردود فعل الناس عند حلول الأوبئة والكوارث بحسب نبوءة مؤسس الجماعة الخوف يمنع البعض من الانضمام إلى الأحمدية ٤٢ ۲۳۰ ۷۹۹ ۲۷۵ ۵۱۷ ۹۰ ٤٧٥ ١٨٦ 779 كل من ينضم إليها يواجه المعارضة حماس أعدائها للقضاء عليها دليل على صدقها ٤٨٨ قصة المفسر مع عدو لدود لجماعتنا قصة المفسر مع متصوف أفتى بكفر جماعتنا تأييد رباني مدهش للأحمديين في المناظرات معجزة مؤسس الجماعة ظهرت في قضية مسجد للأحمدية ٤٠ ۰۱۷ ۱۰۷ ٣٦
الجزء السابع اصطدام الأحمدية بالمسيحية سيكون حاسما (تائين بي) ΚΛΕ حوار شيق بين الخليفة الأول وأخته غير الأحمدية ٢٤٩ رؤيا للمسيح الموعود الله.الجماعة سبيل ازدهار جماعتنا عن ٦٢١ 779 لا بد لنا من تقديم التضحيات كجماعات الأنبياء ٦٧١ السبيل الوحيد لتقدم الجماعة أن يتناسى المرء نفسه لوجه الله ٦٧٢ تزدهر جماعتنا طورا بالسير على درب الحسن وتـارةً على درب الحسين (وحي للمسيح الموعود) استشهاد بعض أفراد الجماعة في كابول صمود عبد اللطيف الشهيد له وشجاعته لا تظنوا أبدا أن المحن قد انتهت وضع المعارضين الروث في فم برهان الدين ٦٧١ ٦٦٩ ۱۷۰ ٦٦٩ الأحمدية الأخلاق السبيل لمعرفة الأخلاق الحسنة الأخلاق الحسنة مبنية على صفات الله خُلق الإنسان للتخلق بأخلاق الله تعالى ضرورة التخلق بأخلاق الله للتقرب إليه ملحقات ٥٨٨ ۲۰ ١٥ ۱۳ العقل وحده يفشل في إرساء السلام لأنه غير تــابع للأخلاق أمر هام جدا لإصلاح الأخلاق تحيا الأمم بالأخلاق والروحانية الثورات في العالم تترتب على المبادئ الأخلاقية (تائين بي) ٧٩٦ ۲۷۸ ٧٨٤ ۲۷۹ ظهور الكمال الخلقي من لوط العل تعويد الأولاد على صلاة الجماعة أدعـــى لإصلاح الجهلمي إشارة إلى هجرة الجماعة في المستقبل ضرورة إسكان الأحمديين في المناطق غير المأهولة في العالم ٦٧٠ VVV ۲۳۳ إخواننا مقصرون في مجال الدعوة بين الأقارب (المفسر) أهمية تربية أفراد الجماعة قصة أحمدي مخلص حول تربية الأولاد ٣٣٦ ٣٤٢ ۳۹۱ تعودوا الصلاة بالجماعة وعودوا عليها أولادكم ٧٥٠ تمسكوا بالخلافة غير مترددين في تقديم التضحيات من أجلها (المفسر) انتخبوا الخليفة بناء على الكفاءة والجدارة (المفسر) ٥٠٦ اخدموا خلق الله بغض النظر عن أي اعتبار علينا الاتصاف بالصفات الإبراهيمية (المفسر) تصرف بعض ضعفاء الأحمديين رد فعل الخليفة الأول تجاه شخص ارتدد عن ٦٠٨ ۲۳۳ ٦٣٣ أخلاقهم ٧٥٠ المسيح الموعود مثيل للمسيح الناصري لتخلقه بمثل أخلاقه ضرورة نموذج وأسوة في الأخلاق والروحانية لابد من الابتلاء والصبر عليه لتهذيب الأخلاق ٦٧٤ ۱۱۲ ٦٢٣ تواضع الأنبياء الارتداد 112 دحض عقيدة قتل المرتد ٦٩٩ تأليف المرتد "دهر مبال" كتابا بذيئا ضد الرسول ۷۰۷ فتاوى المشايخ بارتداد المسيح الموعود ال ۹۷ الأرض الأرض متحركة حركة دائرية ٣٧٦ كيف اكتشف المسلمون أن الأرض كروية الشكل ٢٦٢ استنتاج كولومبوس من كون الأرض كروية الشكل ٢٦٢ تسخير الله الأرض لخدمة الإنسان ۲۱
الجزء السابع ٤٠٣، ٦٧٥ ٦٦٧ 7.٥٣٤ ٦٦٩ ۱۷۰ ۱۷۱ ٦٧٤ ۳۱۷ ٥٣٦ ۶۹۰ ،۷۲ ۰۹۰ ٦٤٩ ٦٤ ٦٠١ ٧٤٤ ۲۳۷ ٢٣٦ ٥٠٣ ٧٨٤ ٧٨٤ ۵۲۷ الاستشهاد رغبة الصحابة في الشهادة الحفاظ استشهاد سبعين من استشهاد الصحابة في معركة اليرموك معاملة الله مع صحابي استشهد استشهاد بعض الأحمديين في كابول ٤ ٤٨٠، ٧٢٥ ۷۳۳ ٧٦٨ ملحقات الأرض الخالية أكثر ريعًا من الأرض المحروثة انشقاق الأرض أثناء الزلزلة يسبب مطرا من الحجارة الأرض لا تعمل إلا بدون السماء تنطوي الأرض على طبقات عديدة الأرض ثروة لو أخرج كل ما في باطن الأرض ونشر عليها لصعب للإنسان المشي عليها يحيي السماء الله الأرض بماء من ادخر الله تعالى الماء في طبقات الأرض إذا أحب الله عبدا أمر الملائكة.بوضع قبوله في الأرض مطالب القرآن متراكمة في طيات كلماته كطبقات الأرض خلق السماء والأرض الجديدتين ٧٦٨ - ٧٦٩ تلقى البذرة في الأرض وهي ضئيلة الشأن، ثم تصبح دوحة كبيرة أورث الله أصحاب أرض العمالقة موسی نبوءة إعطاء الله مسلمين أرض مصر وعد الله لقوم موسى بإعطائهم أرض كنعان ٧٨٥ ۱۹۹ ۱۳ ٧٦٨ ٧٨٤ ۱۲۲ ٤١٨ ٥١٨ 12.تراءت لعمر له أرض العراق في الكشف نبأ عذاب دابة الأرض في الزمن الأخير ٥٢١، ٥٢٦ دابة الأرض هي الطاعون جميع الشعوب الفاتحة تركت أراضيها وأوطانها ۷۷۷ ضرورة اتخاذ الوسائل الأرضية والسماوية لنشر الإسلام الإرهاص المجددون في الهند جاءوا إرهاصا للمسيح الموعود العليا ٥٢٥ ٧٠٤ ۲۳۸ صمود عبد اللطيف الشهيد.دعاء عبد اللطيف لقومه عند استشهاده الاستغفار (راجع المغفرة) الاستقامة (راجع أيضا الابتلاء) "الاستقامة فوق الكرامة" من ينزل عليه كلام الله يوهب الاستقامة الإسلام مفهومان للإسلام الإسلام دين الفطرة الإسلام إكمال الدين لا ضرورة لشريعة أخرى بعد الإسلام تميز الإسلام في بيان صفات الله الإسلام وسلام العالم جميع عبادات الإسلام تستهدف التقوى حب الإسلام للحق استمرار فيوض الله في الإسلام المحافظون على قوة الإحياء للإسلام ماضي الإسلام وحاله ومستقبله انتصارات إسلامية بعد وفاة النبي في بضع سنين وضع الإسلام الراهن مستقبل الإسلام نبوءة غلبة الإسلام في الزمن الأخير
تأمين الحاجات الضرورية للرعية ملحقات ۳۹۹ ٣٩٦ ۳۹۷ ۳۹۹ ۲۹۸ ۷۳۷ ٧٠٤ ۷۸۲ ٧٦٧ ٦٨٧ ٢٥٩ ٧٤ ۱۹۲ ٥٣٦ ۱۷۵ ٣٨٦ ۱۲۱ ٢٥٨ ۲۸۰ ٢٦٢ ٢٦٢ ٦٨٦ ٥٠٥ 1.0 حلول يقدمها الإسلام لمشاكل الفقر المؤاخاة كان أساسًا لنظام الاقتصاد الإسلامي لا ضرورة للتأمين في النظام الإسلامي انتشاره بدأ بالمسيح الموعود اللي عهد النشأة الثانية للإسلام ΚΛΕ ۵۳۷ ۷۷۲ ۵۳۷ ،۱۱ ۷۲ الجزء السابع غلبة المسيحية خطر دائم على الإسلام انتصار الإسلام على المسيحية بجهود الجماعة بعثة المسيح الموعود العلية لإحياء الإسلام دحض ادعاء البهائيين بفشل الإسلام الآن تعاليمه النظرية الإسلامية عن الله واحدانية الله سبب تآخي المسلمين الحسنة هي الاتصاف بصفات الله عند الإسلام يأمر الإسلام بجعل الأعمال تابعة لمرضاة الله أهمية وحدانية الله لاستقرار سلام العالم ۲۰ أسلوب الوصول إلى الله في الإسلام الإنسان يولد على الفطرة عند الإسلام حقيقة النجاة حسب الإسلام النجاة بالإيمان لا بالأعمال عند الإسلام ٣٨٦ ٦١ ۵۳۳ ٦٩١ القرآن يأمر بإنشاء جماعة منظمة للدعوة ضرورة اتخاذ الوسائل الأرضية والسماوية لنشر لا نجاة دون طاعة النبي لا الهلال والعمل بتعاليم الإسلام ٨٠٦ لا حاجة لرفع السيف لنشر الإسلام تعريف الحسنة والسيئة عند الإسلام ۱٥ الإسلام تأمين الرزق لمن ينذر حياته لخدمة الإسلام أكبر عائق في طريق إسلام أوروبا وأمريكا الفرق بين الإسلام والأديان الأخرى مقارنة بين الإسلام والمسيحية بصدد السلام إسلام بعض الصحابة بسبب عجز الأوثان المسلمون المعنى العام والخاص للمسلم علامة المسلم الكامل وجود أناس مقربين بين المسلمين في كل زمن وجود ملايين المسلمين في كل القارات سبب تضحية المسلمين بأرواحهم سبب تفوقهم في كل العلوم في القرون الأولى الحد الذي وضعه الإسلام للتمتع بمتع الدنيا لمن السلام الذي يحققه الإسلام؟ يأمر الإسلام تطبيق القانون على الغني والفقير الرد على عقيدة قتل المرتد أهمية خدمة الخلق في الإسلام تأكيد فريضة الصلاة الإسلامية الإسلام يعلم العدل حتى للعدو ۲۱۰ ٧٩٤ ۷۸۸ ٦٩ 001 ٦٩٩ 2.1 γελ ۲۷۸ حكمة إعطاء الإسلام أهل الكتاب حقوقًا أكثر مـــــن تطور علوم الجغرافيا والطبيعة في المسلمين سائر غير المسلمين أمر الإسلام بالبر بالوالدين الحكمة في قراءة "البسملة" قبل الطعام إعلان عظيم قام به الإسلام نظام الاقتصاد في الإسلام الإسلام يضمن كافة حاجات المجتمع ٣٥١ ۲۰۲ ۳۸ ٣٩٦ علم كولومبوس من المسلمين أن الأرض كروية الشكل خروج فلسطين من أيدي المسلمين مؤقت أسباب زوالهم وتخلفهم تسرب الفساد إليهم بعد وفاة النبي ﷺ
ملحقات انتشار أمراض روحانية بينهم بعـــد بسنوات أكبر سبب لتخلفهم في هذا العصر سبب تخلفهم تركهم القرآن لقد تركوا الصلاة انتشار فكرة خاطئة للتوكل بينهم الخاطئة أفكارهم وخلافاتهم الداخلية حسبوا نشر الإسلام واجبا فرديا تشابههم باليهود مقارنة بينهما والمسيحيين بصدد الخلافة نصائح لهم ٥٠٥ ٢٦٠، ٦٧٦ عليهم العمل بمقتضى اسم المسلم يمكنهم الازدهار فترة أطول من غيرهم بالعمل بالفاتحة فليجعلوا الله جُنَّةً حثهم على الصلاة بالجماعة أُمروا بنشر القرآن حاجتهم إلى مقاومة المسيحية بقوة الافتراء (راجع أيضا الكذب والنبوة والوحي) نوعان من المفترين على الله ۷۳۵ ٧٤٥ ۹۵ ۷۳۸ ٤٩٩ 0.1 ٥٣٦ ۳۰۰ ٧٢٦ ٧٤٨ ۷۳۷ ។ الجزء السابع تعليم الله تعالى للمفسر ه نظام الاقتصاد الإكراه في الدين (راجع الدين) ۳۹۹ الإلحاد (راجع أيضًا الله تعالى) الملحد لا يقدر على تغيير قوانين الله وإن أنكر وجوده تعالى من لا يؤمن بدين سوف ينكر بوجود الله الملحد والمشرك يتجه إلى الله في وقت حرج قصة طالب ملحد عند وقوع زلزال لو دعا الله ملحد بصدق أربعين يوما لهداه ضرورة تقديم الأدلة على وجود د الله لمن ينكر نبوءة عن انتشار الإلحاد في الزمن الأخير الإلهام (راجع الوحي) الأم عاطفة الأمومة هي من خلق الله معاناة الأم لطفلها الأم تخدم ولدها دون أن ترجو أي مقابل ۷۳۲ ۷۳۰ ۷۹۲ ۷۹۲ ۷۹۹ ۲۰ ۵۲۷ ۲۰۰ ٢٠٠-٢٠٦ 2+1 ٦٨٤ شتان بين درجة الأم والزوجة نكاح العرب بالأمهات في الجاهلية الله بتوبة عبده كفرحة أُم تجد ولدها المفقود٣٨٥ يفرح ا نحن مطالبون بمحبة تجاه النبي ﷺ كمحبـــة بـيـن الأم المفتري على الله أظلم إنسان ۷۹۷ ۷۹۷ المفتري لا يقدر على إنزال الآيات الإلهية لتأييده ٣٨٩ وولدها النبي بمنزلة الأم للبشرية الاقتصاد (راجع أيضًا المال والرزق) ركائز الفقر والغنى لا علاقة بين الفقر وارتفاع عدد السكان طريقة القضاء على الفقر من العالم ۳۹۳ ۳۹۲ ٣٩٦ النبي الله يأمر حاكم البحرين لسد حاجات الرعية٣٩٨ تأسيس النبي ﷺ نظام التموين نظام التموين وإحصاء السكان زمن عمر لا ضرورة للتأمين في نظام الاقتصاد للإسلام ۳۹۷ ۳۹۸ ۳۹۹ ٢٨٥ ٣٠٦ تفسير رؤية المفسر مريم في الرؤيا في شكل الأم ١٠٠ الإمام حكمة جعل الله المصلين غير تابعين للإمام فيما لا يجهر قصة إمام وصل في صلاته إلى بخارى كيفيات تطرأ على المصلي وراء الإمام ٣٦٦ ٦٠٢ ٦٠٣
الجزء السابع (راجع أيضا الخيانة) الأمانة أمانة الصحابة الإنسان وحده حمل أمانة الشريعة الإمبراطورية الرومانية ۳۹۷ ٤٣١ وضعها السياسي وحدودها وقت وفاة النبي ﷺ ٥٠٢ احتقارها للعرب الإمبراطورية الفارسية وضعها وقت وفاة النبي ﷺ واتساعها احتقارها للعرب الأمة المحمدية (راجع أيضًا الإسلام) مماثلة قوية بينها وبين أمة موسى العليا وصية ربانية هامة للأمة المحمدية ۳۰۹ ٥٠٢ ۳۰۹ ٥٩٤ ٦٥٠ V ملحقات الإنجيل (راجع أيضا القرآن والكتاب المقدس) ۳۳۱ تأكيد الإنجيل أن الله وحده يعلم الغيب الإنجيل ينفي كون المسيح قد حمل خطايا الآثمين ٦٩٢ شهادة الإنجيل عن ولادة يسوع ومآله ٥١٥ - ٥١٦ نبوءة فيه عن محمد الإنجيل لا يبين صفات الله بما يكفي الإنجيل لا يتضمن وعدا ربانيًا بحفظه تعليم إنجيلي غير صالح للعمل ١٢٤ ٦٢ ۳۲۰ ٣٨٤ لا يعفو المسيحيون كما يأمرهم الإنجيل تفسير مثال ورد في الإنجيل لا تُقرأ الأناجيل بقدر ما يُقرأ القرآن لا يبدو يسوع الإنجيلي ذا خلق حسن مقارنة بين النبي ﷺ والمسيح الإنجيلي ٦٠٦ ۱۷۱ ۳۷۸ Voo وعد رباني باستمرار الوحي في الأمة دائما٢٣٧، ٣٨٧ اتهام المعارضين النبي له بالسرقة من التوراة والإنجيل 141 ٣٨٦ نزول الإلهام على الأولياء وجود فئة في كل عصر نالوا قرب الله من الأمة رأى العالم من خلالهم الإله الحي ٢٣٦ رجال معظم الأولياء هم من نسل علي ۳۳ الإنسان خلقه والغاية منه ٨٥ ٧٦٢ ۱۲ ٢٦ ١٩٦، ٧٣٤ 1.0 ،۳۱۰ ٥٧ ٤٣١ ۱۹ ۱۲ ٦٩٦ ٥٧ 79.خلقه المادي والروحي النظام الداخلي للإنسان آية عظيمة على الإنسان أن يفكر في غاية خلقه الهدف خلقه من خُلق للعبادة فقط الإنسان وحده مكلف بالشرع وهب القدرة ليكون مظهرا لصفات الله إطلاق الإله مجازا على من يتصف بصفاته تعالى أسلوب تطوير المواهب فطرته يولد الإنسان بفطرة صحيحة الإسلام يدحض فكرة خلق الإنسان مذنبا ۲۲۵ ۳۲۳ ۳۲۳ ۷۱۳ ٦٤٩ بعثة رجل فارسي الأصل في الأمة نبوءة ظهور مجدد على رأس كل قرن وظهور المهدي أخيرا تحقق دعاء إبراهيم من خلال الأمة المحمدية تأكيد الرسول على الإيمان بالمسيح الموعود علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل (الحديث) إمكانية ظهور أنبياء غير مشرعين في الأمة لو كان في الأمة نبي فسيكون تابعا للنبي ﷺ كثيرًا ما يخاطب القرآن الرسول ﷺ ويعني أمته الأمن (راجع السلام)
الأولاد (راجع أيضا الأم) الله : يهب الأولاد لا الملائكة الجزء السابع ۷۲۱ ٣٨٥ ۳۹۳ ملحقات الإنسان مفطور على التعلق بالله مساعدة الإلهام الإنسان البدائي على التعلم فطرة الإنسان تنطمس بتأثير المحيط من فطرة الإنسان التجدد والتجديد حقيقته الإنسان بحاجة إلى كتاب مبين لإدراك حقيقته ۱۸ ង ។ VV المرأة مفطورة على حب أولادها اضطراب أم كانت تبحث عن ولدها في غزوة بدر وجود مشابهة كبيرة بين الوالدين والأولاد الإنس من فطرتهم الطاعة والجن من فطرتهم التمرد ٥٧ كفر زوجات بعض الأنبياء وأولادهم الجن أيضا أناس أمور متفرقة عنه ٤٣٠ ٥٢٨ ۲۰۰ ٢٠٦، ٣٨٥ ٢٨٦ ٣٤٨ نحن مطالبون بمحبة تجاه النبي ﷺ كمحبــة بـــين الأم وولدها أهمية تربية الأولاد ثلاثة أمور أساسية للتربية ٢٨٥ ٣٤٢ ٣٤٦ ٣٤٦ ٧٥٠ ٧٥٠ 7.٣٦٤ ٢٥٩ ٣٦٣ ٦٩١ ٦٩١ ۸۹ ٦٧٤ ٦٧٣ ٣٦ ٤٧٢ الحكمة في حالة القبض والبسط الروحانيين علامات الإنسان الميت روحيا الإنسان غير معذور إذا أضله الشيطان إتاحة الفرصة للإنسان للبحث عن قرب الله يمرض الإنسان بسوء استعمال نعم الله هل القلب مركز الروح أم الدماغ؟ استئثار الله سنة الله بعلم الغيب منة ربانية على الإنسان في عدم إعادة إنسان ميت رسالة الأمل والرجاء لبني آدم ذعر الناس من القنبلة الذرية وعلاجه الإنفاق في سبيل الله (راجع المال) أهل الكتاب أهل الكتاب الصادقون يؤمنون بالقرآن والتوراة ٤٧٢ ۷۲۳ مهمة التربية تتطلب جهدًا كبيرًا أفضل وسيلة لإصلاح الأولاد تعويدهم صلاةَ جماعةً ۲۰۲ ۱۱۳ ۲۹ ٥٣٤ ۷۹۸ ۲۱۱ الذين لا يعودون أولادهم الصلاة بالجماعة هم قَتَلَةٌ لهم الإيثار إيثار نادر لعكرمة له في معر ركة اليرموك الإيمان مثال الإيمان الصادق (راجع أيضًا اليهودية والمسيحية) الإيمان المبني على البصيرة ضرورة الأعمال الصالحة مع الإيمان كليهما علامات أهل الكتاب الصادقين طريق مجادلة أهل الكتاب ٥٤٥، ٦٠٥-٦٠٦ ٧٥٤ ٧٥٥ طريق مجادلة الظالمين من أهل الكتاب دعوة القرآن لأهل الكتاب إلى مشاركة المسلمين في كلمة سواء بينهم أهل الله (راجع الله تعالى) ٧٥٨ علاقة الإيمان بالعمل النجاة تتوقف على الإيمان لا على العمل الإيمان يتطلب الكفاح والتضحية اقتران الإيمان بالاختبار والمحن ضرورة الصبر والرضا لاكتمال الإيمان يمر المؤمن بالابتلاء ليزداد إيمانًا يزداد المؤمن إيمانا برؤية تحقق النبوءات النهي عن | المنكر علامات الإيمان من
الجزء السابع الإيمان يجعل صاحبه شجاعًا الإيمان بالآخرة يبعث على التضحية التفكر في الكون وحده لا يهب الإيمان الكامل الإيمان يزيد وينقص خصائص المؤمن ومزاياه علامات المؤمن اليقين بالآخرة من علامات المؤمنين لا بد من ابتلاء المؤمن ۱۷۲ ٤٠١ ٧٦ ۲۲۱ ۶۱۳ ،۳۹۰ ،٣٦٥ 2+1 ٦٥٧، ٦٦٣ ملحقات تحف البحار ولا يجف بحر معارف القرآن ٧٦٩ البراهين الأحمدية (كتاب) تقریظه البعث بعد الموت (راجع الحياة) البهائية رد البهائية خطأ البهائية في فهم مدلول دحض ادعاء البهائية بنسخ القرآن من يتوكل على الله في المصائب هو المؤمن الكامل ٦٧٦ المقام الحقيقي للمؤمن معيار حب المؤمن للنبي ﷺ مثال المؤمن الحقيقي دليل على صدق المؤمن السبيل لفلاح المؤمن على المؤمن ألا يتوقف بأي درجة ضرورة الثبات على الحق بشجاعة على المؤمن ألا يكون جشعًا المستوى المطلوب من المؤمن في التضحية ۷۲۷ ٢٨٤ ٢٦٥ ٤٨٧،٧ ٧٠٥ ۲۲۱ ٤٣ ۸۸ ۸۷ سجود عباس أفندي على قبر بهاء الله لقاء سيدة بهائية مع المفسر له بقاديان نشر أحد البهائيين كتابا من "رنغون" البوذية البوذبة لا تبين طريق الوصال إلى الله لا تركز على استجابة الدعاء "النرفانا" في البوذية قصة خرافية عن بوذا البيئة البابية (راجع أيضًا البهائية) سبب مخالفة الشعب لأهلها البحر ٤٨٨ ،٣٤٢، ٣٧٤ ،۱۹۸ تأثير البيئة في النبات والحيوان فطرة الإنسان تُشوَّه بتأثير البيئة أحيانًا بيت الله الكعبة ۱۳۳ ۷۷۲ ۳۱۷ ۷۷۲ ۷۷۳ 151 ۷۷۳ A..A..A..A..٤٦٢،٤٥٨ ۱۸ غرق فرعون في البحر الأحمر ١٣٦، ٤٢٠، ٥٨٦، ٧٢٥ بيت الله هو أوّل بيت بُنِي لفائدة ضرب موسى البحر فانفلاقه تفصيل معجزة انفلاق البحر قصص عن انفلاق البحر 012 ۱۸۱ ۱۸۱ تم تجديده على يد إبراهيم | العليمة دعاء إبراهيم عند بناء الكعبة وضع بني الإنسان ٧٩٤ ۷۹۵ ٢٣٥ الله أساسه لجمع البشرية على مركز واحد ٧٩٥ قول الصحابة للنبي الا الله : لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر الكعبة دليل على وحدانية الله الخضناه الملك "كينيوت" الذي أراد دفع البحر البحر بمعنى الشعوب التي عندها الوحي ولكنه صار أجاجًا 171 ۷۸۳ ٤٩٦ فتح الله من خلالها مدرسة للسلام قصة هداية شخص مستهتر ذهب لحج البيت هجوم أبرهة على مكة لهدم بيت الله ۷۹۳ ٦٨، ٧٩٥ ۲۷۰ ۵۰۲ ،۱۲۸
ملحقات كان تأويل ذبح إسماعيل تركه عند بيت تمتع قريش بالأمن لجوارهم بيت الله محاولة الكفار قتل النبي ﷺ خنقا في الكعبة إيذاء الكفار للنبي وهو يصلي في الكعبة الله كان النبي الغاية الحقيقية وراء بناء الكعبة قول صحابي قبل الشهادة: "فزت ورب الكعبة" ٥١٤ ۷۹۳ ٦٨ ۸۲ ۱۲۸ ۱۰ الجزء السابع المؤمنون لا يكتفون بالتسبيح بعد الصلاة بل يسبحون دائما ٣٦٧ وقت القتال ليس وقت الجلوس للتسبيح والتهليل ٣٦٦ التصوف "عبد الله" أفضل أسماء النبي ﷺ عند الصوفية ۲۲۰ البيعة وضع النبي بيعة عثمان ٢٥٨، ٦٦٨ ،۳۷ جماعة الصوفية حول النبي ﷺ حديث صحيح رواه الصوفية مزاعم بعض المتصوفين ٣٤٧ ٣٠٦ ٤٢ إحدى يديه على الأخرى لتنوب عـــن قول لبعض الصوفية أعجب المسيح الموعود ال ٦٢٨ بيعة هند يوم فتح مكة التأمين (راجع المال) التأويل (راجع الرؤيا) التبليغ والتبشير (راجع الدعوة) التجارة (راجع أيضا المال والاقتصاد والأمانة) أمانة الصحابة في التجارة الطريق لمنع الخيانة في التجارة الربح غير الشرعي خيانة قوم شعيب في التجارة التجارة الخارجية لمصر في عهد الفراعنة خسارة الكشميريين في التجارة نتيجة الخيانة التسبيح ۳۲ ٦٤٦ ۲۹۵ ٢٩٤ ۲۹۵ ۲۸۹ ۳۱۰ ۲۹۳ التسبيح والتحميد يؤثر في قلب المصلي فيتنفــر مــن السيئات يقول الله للملائكة إن عبدي سبّحني من ۷۳۹ فطهروه من العيوب أحيانًا يتمع قلب المصلي بالتسبيح طويلاً ٧٥٢ ٦٠٣ زعم بعض المتصوفة أنهم في غنى عن الصوم والصلاة قصة الخليفة الأول مع شيخ للمتصوفين قصة متصوف زائف كانت أخت الخليفة الأول ۲۲۲ ۱۸۷ ٢٤٩ ۲۲۲ ۵۱۷ ٣٦٣ ٣٤٩ ٦٧٥ تابعة له قصة المفسر مع متصوف زائف قصة متصوف مع المفسر أفتى ضد جماعتنا حوار صوفي مع "الملا" دوبيارزه" في بلاط "أكبر" التفسير (راجع أيضا القرآن) تلقي المفسر علم التفسير من الله تعالى المفسر له لا يعتقد كثيرًا بأسباب النزول حقيقة هاروت وماروت سبب ورود القصص الخرافية في التفاسير القصة الخرافية عن ناقة صالح العليا قصص عن انفلاق البحر قصص عن سليمان وملكة سبأ خرافات عن جنّ سليمان قصة سليمان مع النمل قصص عن سليمان والهدهد ٤٤٥ ٢٧٦ ۱۸۱ ٤٦٩ ٤٢٧ ٤٣٥ ٤٤٠ دحض زعم نزول وحي الشيطان على النبي ٣٢٨ خطأ المفسرين في وصف شعيب حما لموسى ٥٧٢
الجزء السابع التقوى حقيقة التقوى الفرق بين الصلاح والتقوى أهم هدف بعثة الأنبياء زرع التقوى التقوى غاية أركان الإسلام الأساسية ضرورة التحلي بالتقوى التقوى تتعلق بالقلب لا بالدماغ قربان أحد ابني آدم رفض لخلوه من التقوى إنما ينمو ويزدهر التقوى في أرض طاهرة التكبر (راجع الكبير) التمدن (راجع الحضارة) 1.2 ۱۰۳ ۱۰۳ 7.1 ٧٢٦ ۱۰۳ ١٧٦ ٢٤٥ التناسخ / تقمص الأرواح (راجـع الــروح ۱۱ ملحقات التوحيد/ وحدانية الله (راجع الله تعالى) التوراة (الكتاب المقدس) نزلت على مو خلال مدة طويلة المراد من وجود الرحمة والهدى في التوراة ٥٤٤، ٥٨٩ موسی ۵۹۸ اعتراض المخالفين على نزول التوراة جملة واحدة ٥٤٤ مقارنة التوراة بالقرآن في التوراة أنباء عن بعثة النبي محمد مصداق لنبوءة سفر التثنية.٤٩، ٦١ ۰۹۰ ۰۹۳ ،۱۰۲ ترجمة ورقة ابن نوفل تتفا من التوراة إلى العربية ٧٦٣ دست أفكار إنسانية في التوراة ٥٤٩ عتاب الرسول ﷺ على عمر نه لقراءته التوراة ٧٦٣ والهندوسية) التنويم المغناطيسي ١٤٨ التوكل المعنى الصحيح للتوكل: اعقل ثم توكَّلْ ٥١٩، ٥٢٠ جزاء المتوكل مقارنة بين الرسول وموسى في التوكل ۷۸۱ ۱۷۹ ۱۷۸ لا يدع ا الله أعداء المتوكلين دون عقاب ٦٧٩ إخفاق هندوسي خبير بالتنويم في التأثير على المسيح أسوة موسى الرائعة في التوكل الموعود العليا ١٤٥ الأفاكون الآثمون يلجأون إلى التنويم المغناطيسي ٣٥٥ التوكل الخاطئ الشائع بين المسلمين التهجد (راجع الصلاة) التواضع (راجع الأخلاق) الثواب (راجع الجزاء) الجبل التوبة الإسلام يفتح للمذنب باب التوبة بالتوبة تُغفر الذنوب التوبة الطريق الوحيد لتفادي عقوبة الذنوب التوبة تخلّص من عقوبة الذنوب ٦٩٠ ٦٤٠ إذا تاب المرء توبةً نصوحا غفر الله له ذنوبه يفرح الله بتوبة عبده كفرحة أم تحد ولدها المفقود٣٨٥ عدل الله تعالى لا يحول دون التوبة ٦٨٠ ٦٩٢ نزول العذاب بالكافرين منوط بعدم توبتهم ۹۷ - ۹۸ الجبال تتحرك منافع الجبال نسف الجبال بمعنى دمار الدول القوية الجريمة (راجع الجزاء والعقاب) الجزاء والعقاب ٥١٦ ۵۳۲ ٤٨٩ ۵۳۲ الجزاء والعقاب أساسه الغيب لو كان الثواب أو العقاب ظاهرا بينا لأمن كل واحد ۸۹ ،۳۱
ملحقات ۱۲ الجزء السابع القيام بالحسنة أو السيئة وثيق الصلة بالإيمـــان بــالجزاء الجمعة ٤٠٦ ١١، ٦٣٩ (راجع أيضا الصلاة) مكاشفة عمر الله أثناء خطبة الجمعة وقوله: يا سارية والعقاب سنة الله في جزاء الحسنة والسيئة الجبل الجزاء أو العقاب منوطان بإخضاع الأعمال لمشيئة الله أو عدمه ۲۱۰ ٤٠٥ 18.تعنيف المسيح الموعود اللي المفسر على عدم حضوره المسجد لصلاة الجمعة في صغره ٧٥١ إنكار الكافرين بالجزاء والعقاب وتداعياته ضرورة العفو أو العقاب حسب مقتضى الحال عقاب الناس بشكل عشوائي ظلم ٣٨٣ - ٣٨٤ ۷۰۳ مقارنة بين القرآن والكتاب المقدس في العفو والعقاب ٥٧، ٤ - ٤٣٢، ٤٧٠ الجن حقيقة الجنّ الجن من جنس الإنسان الجن هم أناس ذوو طبائع نارية ٤٣٠ ۵۷ فكرة مسيحية عن عقاب البشرية بخطأ آدم 79.الإنس من فطرتهم الطاعة والجن من فطرتهم الهياج والتمرد ٥٧ ليس العدل أن يُعاقب المجرم بالضرورة، وإنما العدل ألا الجن أناس تختفي فطرتهم الصحيحة وراء الحجب ٥٨ يُعاقب البريء عقوبة الزاني في التوراة مبادئ الدينونة ٦٩٢ ٧٦٢ ۷۰۳ ،۷۰۲ ،٦٥٦ ، ٦٨٠ التوبة تخلّص من عقوبة الذنوب ٦٥٦، ٦٨٠ القرآن يذكر إيمان الجن بالتوراة وموسى وسليمان ومحمد ٤٢٧ أُطلق اسم الجنّ أحيانا على من أصبحت فطرته محجوبة الظلمات حرية الجن والإنس كل جزاء في الدنيا يكون مبنيا على "القاعدة الوسطى" ٦٨١ ٥٨ ٣٥٨ زعم المفسرين أنه كان لسليمان جنود من الجن ٤٣٦ كان جن سليمان أجانب من قوم ثمود الله يجزي بحسب أفضل عمل قام به الإنسان في حياته ٧٥٢،٦٨١ الذين يضحون لإحياء الإسلام سينالون جزاء محيرا ٥٣٤ جزاء الشهيد عند الله تعالى ٥٣٤ من صال على المقربين عند الله تعالى لا ينجـو مـن العقاب الجزاء الإلهي إنما ينال بتقديم التضحيات فتوى المشايخ أن قتل المسيح الموعود ثواب الجماعة (راجع أيضا الحضارة) ΕΛ ۸۹ ٦٧٠ الجماعة الإسلامية الأحمدية (راجع الأحمدية) ٤٧١ من يأتيه الجن في زعمه يكون مصابًا بنوع من الجنـــــون قول طريف للمسيح الموعود العلية عن الجن الجنة حقيقة أنهار الجنة خلود الجنة ونعمائها انشغال أهل الجنة في شغل میزتان بارزتان للحياة في الجنة ٤٢٩ ٤٣٢ ۷۷۹ ۷۸۰ ،۲۲۳ ۵۱۹ ،۲۵۰ VA.المؤمنون يقفزون في نيران التضحيات فتصبح لهم جنة نبوءة إزلاف الجنة في الزمن الأخير ٢٤٨ ٢٤٨
الجزء السابع المراد من تقريب الجنة إلى المتقين قصة قول عثمان مظعون بعدم زوال بن نعیم ٢٤٦ الجنة ٤٧٣ ۱۳ ملحقات يأتي على جهنم زمان ليس فيها أحد ونسيم الصبا تحرّك أبوابها فرحة أهل الجنة لدى وفاة النبي يا بسبب لقائهم به ۲۰۹ زعم النصارى أن المسيح دخل جهنم ثلاثة أيام الجنون ٦١٩ ۰۳ الذين لا يصلون جماعة يجعلون أنفسهم حطب جهنم ٣٩٢ قول علماء النفس عن المجنون كبت المشاعر يؤدي إلى حالة من الجنون لن يدخل المجنون النار ۱۳۱ ٤٦٢ ٢٥٦ الجحيم (راجع جهنم) الحج الذين يأتيهم الجن في زعمهم مصابون بنوع من الجنون سبب اتهام الأنبياء بالجنون اتهام فرعون موسى بالجنون نعت الكافرون النبي ﷺ بالمجنون ٤٢٩ ١٧٦ ،۱۳۱ ۱۳۱،۱۳۵ ۳۵۹ ،۱۳۲ ،۹٤ ،۸۷ ،٤٧ ۱۳۵ ۷۹ ۷۸ تسمية المعارضين المسيح الموعود اللي مجنونا بعض الشعراء تلاميذ ليلى ومجنونها شتان بين حب مجنون ليلى وحب النبي للبشرية ٧٩ قصة امرأة مجنونة كانت تضحك دائما قصة امرأة مجنونة مع الخليفة الأول الجهاد (راجع أيضًا الحرب) نبوءات عن الجهاد والنبي ﷺ في مكة الجهاد الصغير والجهاد الكبير ٦٨٩ ۱۳۱ ٣٦٨ قصة هداية شخص مستهتر ذهب للحج قصة عمر بعد الحج مع أبناء الرؤساء والعبيد قصة المؤلف أثناء سفره للحج الحجة البرهان إتمام الحجة الغاية من بعثة النبي.هي ۲۷۰ ٢٥٢ ۳۳۷ ۵۹۷ ٢٣٥ ٢٥٦ ۲۳۵ القرآن يعتبر عدم المعرفة بشيء عذرا مقبولا لن يدخل النار من لم تقم عليه الحجة الذين لم تقم عليهم الحجة من هم تستهل كل سورة قرآنية بالبسملة إقامة للحجة علـــى اليهود والنصارى ٥٢٦ نبأ عذاب دابة الأرض في الزمن الأخير بعد إقامة الحجة الحديث سبب فهي النبي عن كتابة أحاديثه رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر (الحديث) أحاديث وردت في هذا المجلد حكم الجهاد الكبير بالقرآن نظرية المسيح الموعود العليا عن الجهاد ١٥٤، ٥٥٣ ۱۳۵ إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما ٧٦٣ جهنم الحجيم من أسمائها الْحُطَمَةُ أربعة لن يدخلوا جهنم (الحديث) عقيدتها عن خلود جهنم رحيمية الله تدحض فكرة دوام جهنم ٢٤٦ ٤٣٦ ٢٥٦ ٦١٩ ٦١٨ اعقلها وتوكل أفلا أكون عبدا شكورا ۱۷۹ ٥٢٥ ٢٢٤ ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ٣٣ ألا إن في الجسد مضغة...اللهم فقهه في الدين اللهم هل بلغت ٢٤٤ ٢٥٨ ۰۹۰
ملحقات اللهم الرفيق الأعلى أنا مدينة العلم وعلي بابها بعثت إلى الأسود والأبيض تلك أيام الهرج جبلت القلوب على حُب مَن أحسن إليها الحرب خدعة الدعاء مخ العبادة ٧٤١ رُبَّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ولو كان نبيا الصبي صبي علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل بُعثتُ إلى الناس عامة لا فضل لعربي على أعجمي اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون لا تتمنوا لقاء العدو ٣١٥ ٤٣٤ ۳۱۰ ٢١٤ ٧٤٠ ۲۷۱ ٣٠٤ ۳۲۳ ٤٢٩ ۳۱۱ ٨٦ ١٩٦ ١٤ الحرب (راجع أيضا الجهاد) الحرب الحقيقية عند الإسلام الجزء السابع ٥٥٣ ضرورة الحرب لإقامة السلام ضرورة إغاثة المشرك المستغيث أهمية الخفاء في الحرب حرب اليرموك شجاعة عكرمة وتضحيته قصة ركة "ووتر لو" من معر الحرب العالمية الأولى توجه الاتحاديين إلى الله في الساعة الحرجة في العالمية حرية الضمير (راجع الإكراه في الدين) الحسنة (راجع أيضا الجزاء) البر هو الاتصاف بصفات الله لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد تعريف جديد للحسنة والسيئة ۷۳ ۳۱۹ ۳۰ ٦٢ 7.٤٣٣ ۷۷۰ ۷۹۲ ۱۹ ١٥ لولاك لما خلقتُ الأفلاك من قتل قتيلا فله سلبه المؤمن يرى أو يُرى له من اجتهد فأخطأ فله أجر ٣١٥، ٤٨٤ ،۸۱ ٢٧، ١٠٦، ٣٠٦،٣٠٥ ٢٦٥ ۷۱۹ ٢٥٦ ٤٧٢ ١٤٠ ٦٢١ ٦١٩ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده...نُصرت نُصرت نُصرت وَلَكِنْ، يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً يأتي على جهنم زمان ليس فيها أحد إذا أحب الله عبدا أمر الملائكة بوضع قبوله في الأرض لن يبقى في الدنيا قبل القيامة إلا شرار الناس وصف النبي ﷺ العسل الصحابي ثلاثة انغلقت عليهم المغارة أتقتلون رجلاً يقول ربي ا الله ۱۳ ۳۰۰ ۸۰۷ ٤٠ ۸۹ الحسنة تقود إلى حسنات أخرى الطريق لتسهيل الحسنة جزاء الحسنة يكون بحسب النية الحضارة الحث على معرفة الحضارات المختلفة آثار الحضارة الآرية والرومية والفارسية على العالم تأثير الحضارة البابلية في حضارة العالم 1.2 ٢٤٦ ۲۹۰ ۷۰۱ ٢٦٦ ٢٦٦ كانت حالة قوم لوط تشبه حالة مدن أوروبا وأمريكا ٧١٥ الحضارة المستقبلية ستتأسس على الإسلام (تائن بي) ٧٨٤ الحكومة لا تقدر على إرساء السلام إلا الحكومة العادلة خطتان لرقي البلاد الديمقراطية والدكتاتورية ٥٥١ ۲۲۸ ۱۸۲
الجزء السابع خطط الحكومات الجائرة وعد الله بتعزيز القوم الذين يُضعفهم الظالمون مظالم الحكومة تؤدي إلى الثورات أضرار الاحتلال صلاحيات محدودة للملك في عهد سليمان الحورايون تعرُّض الحواريين للأذى قول للمسيح للحواريين استغرق كفاح الحواريين ثلاثة قرون 001 ٥٥٢ ٤٥٧ ٤٩٢ ٩٤ ٣٤٣ ٤٦٢ قول المسيح الحواريه توما: يا "توما"، هذه أمك ٣١٤ حواري يسلّم المسيح ال مقابل ثمن بخس ۷۲۸ ١٥ أحد الفروق بين الحيوان والإنسان حب المرء للحيوانات التي يريبها أمر طبيعي ملحقات ۱۷۳ ۱۹۳ اجترار الحيوان والاجترار الذهني للإنسان ٧٣٥، ٧٣٦ نظام الرزق في الحيوانات الفرق بين رؤية الإنسان ورؤية الحيوان ۷۸۲ ٢٥٤ بعض الحيوانات تكتسب ألوان أشجار تعيش فيها ٤٥٧ خدمة الخلق الحث على خدمة الخلق خشية الله القرآن يولّد في القلب خشية الله للقرآن ترتيب خاص يستهدف إنشاء خشية الله ٤٠٠ قول المسيح ليهوذا إنه سيسلّمه للشرطة الحياة (راجع أيضًا الآخرة) ۷۲۹ لن تسطيع أن تُسمع قوما خلت قلوبهم من خشية الله ۰۲۱ جعل الله القلب مركز الحياة لا الدماغ ١٠٣، ٢٢١ إنما يخشى الله من عباده الذين عندهم إدراك بصفات الله حي بمعنى أنه يحيا على الدوام ويـ للآخرين الإسلام لم يشجب الحياة الدنيوية الحياة الله ۱۰ ۷۸۸ قلوب الكافرين تخلو من الله خشية ۷۳۲ ١٦٣ قصة قوم كانت فيهم خشية الله فخافوا سهام الليل ٣٩ حياة الإنسان كلها تعتمد على السعي والاجتهاد ٢٩ العدو اللدود الذي عنده خشية الله الله يعتذر في النهاية البكاء هو السبيل لاستمرار حياة الجسم وحياة الروح ۳۳۸ لا تنال الحياة بدون الموت ۸۰۱ ٦٦٩ لا تنال الحياة القومية إلا إذا استعد كل فرد لترك وطنه ضمان توفير الرزق لمن ينذر حياته للإسلام لكل نبي حياتان حياة ٧٧٧،٦٦٩ جسم وحياة فيوض مدار حياة المسلمين على القرآن الكريم میزتان بارزتان للحياة في الجنة مقارنة بين حياة الدنيا وحياة الآخرة ۷۸۲ ٢٣٦ ۷۳۵ VA.۷۸۷ الحيوان تأثير البيئة في النبات والحيوان ٤٦٢،٤٥٨ الخطبة (راجع الجمعة) الخلافة يقيم الله الخلافة لتمديد نور النبوة بوسع يتمتع الشعب أن بنعمة الخلافة إلى الأبد معارضة الخلفاء في التاريخ المسلمون دفنوا بأيديهم خلافتهم 1.0 1.0 ١٦٤ ٥٠٥ المسيحيون لا زالوا محافظين على خلافتهم الميتة ٥٠٥ الخلافة في الأحمدية بعد وفاة المسيح الموعود اللي ٥٠٦ المراد من القدرة الثانية في كتيب "الوصية" ٥٠٠
ملحقات الخلق (راجع الكون أيضا) خلق الكون برهان على أن لحياة المرء غايةً ۷۳۳ خلق العالم المادي دليل على وجود العالم الروحاني ٤٨٥ على المرء التفكر في غاية خلقه الحكمة في خلق الليل والنهار الخلق الروحاني والمادي للإنسان المراد من الخلق الأول والخلق الآخر الخلق (راجع الأخلاق) ۱۹۹ ٦٢١ ۱۲ V.1 ١٦ الجزء السابع تأكيد المسيح الناصري اللي على الدعاء والصيام ٧٤٠ الدعاء هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الله لا تتيسر الطهارة بدون الدعاء ضرورة الدعاء لمعرفة الدين الحق استجابة الدعاء مشروط بالدوام عليه مدلول الدعاء يتغير بحسب مكانة الداعي باب الدعاء مفتوح لجميع الملل والنحل أهمية دعاء سورة الفاتحة A..۷۳۹ ۷۹۹ 121 ۲۱۹ ٤٩٦ ۳۰۰ نصيحة المفسر لأحد السيخ بقراءة الفاتحة لمعرفة الحــــق الخمر شارب الخمر يُعتبر في أوروبا شريفا ٢٤٤، ٣٥٠ ٣٥١ أهل الكتاب أيضا كانوا يشربون الخمر فشل أمريكا في فرض الحظر على تعاطي الخمر قصة توبة شريب للخمر ٢٤٧، ٧٥٤ ۲۷۰ الخوف (راجع أيضًا خشية الله والابتلاء) الخوف يمنع البعض من الانضمام إلى الأحمدية ١٨٦ ۲۱۱ هلع الناس من دمار القنبلة الذرية وعلاجه يصاب المرء بالقلق والخوف عند اقترافه الإثم أول مرة ٤٠٨ الخوف من الضيق المالي يمنع المرء من التضحيات ٧٨٢ الدجال اتهام القساوسة النبي بأنه دجال وكذاب اتهام الناس المسيح الموعود الله بأنه كافر ودجال الدعاء الدعاء مخ العبادة الدعاء أقوى أعمال الإنسان تأثيرا التأكيد على الدعاء ٧٥٥ ۶۷۰ ،۱۰۹ ٧٤١ ٣٨ ۳۷ ضرورة دعاء السلام في حق الأنبياء استجابة الدعاء تأثير الدعاء بشارة استجابة الدعوات حديث بصدد استجابة الدعاء ٤٩٥ ٤٨٢ ۸۰۲ ۷۱۰ ۸۰۲ ٤٠ ٤٩١ دعاء المضطر مجاب البوذية لم تركز على الدعاء ۸۰۰ باب الدعاء سيبقى مفتوحًا رغم الدمار العام في الزمن الأخير أدعية الأنبياء والصلحاء ٣٧٦ العليا دعاء نوح أدعية موسى أدعية إبراهيم دعاء إبراهيم عند رفع قواعد البيت دعاء إبراهيم لأهل مكة ثمار دعاء إبراهيم العلي بركة دعاء إبراهيم تحقق دعاء إبراهيم بشكل أمة محمد ﷺ حقيقة دعاء لإبراهيم | العلية لا درس عظيم في دعاء لإبراهيم ٢٦٤ ٤٥ ، ٥٤٣، ٥٦٦، ٥٧٠،٥٦٩ ٢١٥، ٢١٦ ۲۳۵ 1.1 ۷۹۳ ۲۳۹ ٢٢٥ ۲۱۸ ۲۲۱
الجزء السابع دعاء إبراهيم المغفرة عمه دعاء لوط العليا على قومه أدعية المصطفى لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك دعاؤه على الكفار في معركة أحد دعاء علمه الله واستجابته الخارقة كان إذا سُرِّ بأحد دعا له بالتفقه في الدين دعاؤه لصحابي بسعة الرزق عكرمة يطلب الدعاء من النبي ﷺ أمور متفرقة عن الدعاء دعاء لزيادة العلم دعاء النجاة من القوم الظالمين دعاء لتقدم القوم وتفادي انحطاطه دعاء أبي جهل في ميدان بدر أهمية الدعاء لنشر الإسلام حكاية حول حقيقة استجابة الدعاء قصة استجابة دعاء رجل صالح ٢٣٤ ٤٩١ ٨٦ ٦٤٣ ٢٥٧، ٢٥٨ ٦٣٢ ۰۹ قصة قوم خافوا سهام الليل أي الدعاء لجوء الأوروبيين إلى الدعاء في الوقت الحرج تأثير دعاء قام به المفسر له ٣٥٤ ۲۹۸ ٤٨١ ٤٤ ۸۰۲ ۳۹ ۷۹۲ ۱۷ ملحقات ضرورة اتخاذ التدابير السماوية والأرضية لنشر الإسلام ضرورة الهجرة لنشر الدين ٧٠٤ VVV ٧٠٥ الأمر بأداء حق التبليغ الأمر بتبشير الأقارب التبليغ خدمة للخلق التقاعس عن الدعوة شرك ۳۳۸ ،۳۳۵ ،۳۳ ،۳۳۲ ٦٠٧ ضرورة الدعوة بدلاً من حمل السيف الدعوة سنة الأنبياء ٦٩٩ الرحلات التبشيرية لصالح العليا دعوة النبي ﷺ أخوين يونانيين تفاني الصحابة في الدعوة ٦٥٣ ۳۱۲ دعوة المسيح الموعود الله الملكة فكتوريا ٣٣٦ ١٤٣ أسلوب الدعوة ضرورة اتباع الأسلوب الإبراهيمي في الدعوة أهمية الدعاء لنشر الإسلام ۲۳۳ V.o لا تيأسوا من عدم قبول الناس ۳۳۸ ضرورة الصبر على الكلام القاسي خلال الدعوة ٣٣٧ طريقة فتح الحوار الديني أسلوب الحوار مع أهل الكتاب ۷۸۳ ٧٥٣ ٧٥٦ ٧٨٥ جواز القسوة في الرد على البعض دعاء صاحبزاده عبد اللطيف والله لقومه عند استشهاده سيواجه الإسلام شعوبا منكرة للوحي رجما الدعوة التبليغ ۱۷۱ جعلُ أوروبا مسلمةً على شاكلة مسلمي آسيا سيبدو صعبًا ۷۸۳ ۸ ۷۲۷ ٣٨٥ ۳۹۰ ۷۲۸ الدين ذات البارئ تعالى هي النقطة المركزية للدين الغرض الحقيقي للدين الدين لا ينفع الإنسان ما لم يحظ بقرب الله عبادة الله أهم أركان الدين معرفة الدين الحق ۷۳۸ ۷۳۷ ۷۸۱ ،۷۷۹ أهميته الأمر بالجهاد الكبير بالقرآن أمر رباني بإنشاء جماعة منظمة للدعوة أجر الذين ينشرون الدين
ملحقات ضرورة الدعاء لمعرفة الدين الحق مجرد الانضمام إلى الدين الحق لا يضمن النجاة التدبر والتفكر يُكسبان الدين قوةً ۷۹۹ ۷۲۹ ٢٥٩ تنتشر الحقائق الربانية عادة في أناس يعتبرهم الآخرون جهالا لا يمكن اتحاد الأديان إلا على وحدانية الله ميول الناس إلى الدين في أوروبا ٤٥٨ ۷۹۵ ٢٤٨ غلبة الجماعات الإلهية تنطوي على بعض المخاطر ٢١٥ الإسلام دين الفطرة 79.۱۸ الجزء السابع دحض نظرية المسيحية للخطيئة الموروثة ٦٩٠ الرؤيا الكشف النار في الرؤيا تعني حب الله تأويل الاحتراق بالنار اليد في الرؤيا تأويل الثعبان في الرؤيا المؤمن يرى ويُرى له التعبير الصحيح لرؤيا إبراهيم علم عبد الله ابن زيد وعمر الأذان في الرؤيا ٤١٤ ٤١٤ ١٤٨ ١٤٦ ۷۱۹ ۵۱۳ ۷۱۸ ۱۳۷ ۳۳ إطلاق القرآن اسم "المسلمين" على أتبـاع صــادقين سقوط القمر في حجر صفية في الرؤيا للأديان الأخرى طريقة الحوار الديني لا الإكراه في الدين العقل لا يدعم الإكراه الذي لا يقتنع بالدليل لا يستقيم بالإكراه الحكمة في عدم الإكراه في الإيمان دحض فكرة الإكراه في الدين الإكراه ليس من مهام رجال الدين لم يؤذن للرسول ﷺ أن يُكره دحض عقيدة قتل المرتد السلام مع فكرة تغيير دين الناس جبرا محال خطط الحكام الجبابرة مسألة الإكراه والقدر ذكر الله (راجع الصلاة والعبادة) الذنب (راجع النجاة أيضًا) الذنب عمل ينافي صفات الله الذنب نتيجة لحب المرء المادية يجرؤ المرء على الذنب لعدم يقينه بالآخرة طريقة اجتناب الذنوب ٥٣٦ ۷۸۳ ٥٤٩ ۸۹ V..٦٩٩ ٧٦٧،٥٤٩ ٦٩٩ V..100 ۹۰ ۱۹ ٧٥٢ ٤٠٥ ٦٩٠ المسيحية تقترح أسلوبا غير طبعي لتجنب الذنوب ٦٩٠ النبي يغضب على هارون الرشيد في الرؤيا عالم الكشف يبطل عقيدة تناسخ الأرواح أحيانا يشارك الآخرون في الكشف رؤيا المسيح الموعود العلية عن جماعته ۱۳۹ ،۱۳۸ 181 ٦٧١ ۷۹۹ اهتداء معارضين كثيرين إلى الأحمدية بالرؤيا كثرة المكاشفات على المسيح الموعود اللي خلال صيام ستة أشهر 10.بيان المسيح الموعود ال لأسرار عالم الكشف ١٣٨ كشوف الأنبياء والصالحين رؤية موسى العليا للنار كانت كشفا ظهور عصا كثعبان و بياض يده كان كشفا موسی ٤١١ ١٣٦، ١٤٣، ١٤٦، ٤١٦ كشف حزقيال أن قومه يتحررون بعد قرن شق صدر النبي ﷺ في طفولته كان كشفا كشفه أثناء السفر إلى الطائف معجزة شق القمر كان كشفا واسع النطاق رؤية أبي جهل في الكشف جملين هائجين مشاركة الصحابة في بعض كشوف النبي رؤية الصحابة جبريل في الكشف ٦٦٧ ۱۳۹ ٨٦ ۱۳۸ 122 ۱۳۹ ۱۳۹
الجزء السابع رؤية الصحابة والكفار الملائكة في بدر كشف عمر الله شاركه فيه سارية وجيشه انكشاف حالة إمام الصلاة على أحد الصلحاء رؤى وكشوف للمسيح الموعود الطبية زيارته النبي ﷺ في الرؤيا رؤياه عن الجماعة وتأويلها ۱۳۹ ١٤٠ ٦٠٢ 10.٦٧١ ١٥٠ ۱۹ طهارة الأفكار تتحقق بطهارة الدماغ الدنيا (راجع الكون أيضًا) عمر الدنيا ضرورة كسب الدنيا إلى جانب الدين المراد من كون الدنيا لهوا ولعبا القرآن الكريم لم يشجب الحياة الدنيا موضوع بدء الكون رؤيا أخرى له العليا اشتراك صحابي في كشف القطرات الحمراء للمسيح الديمقراطية (راجع الحكومة) الموعود رؤية المسيح الموعود اللي أنوارًا تتسرب إلى صدر 鹦 ١٤٢ النبي 10.ذكر الله (راجع الله تعالى) الرجم بدعاء المسيح الموعود يمكن زيارة المسيح كشفا ١٤٣ قصة إخفاء اليهود عقوبة الرجم في التوراة رأى صحابي عمودًا نورانيا يخرج من رأس المـسـيـح الموعود أسدا رؤية هندوسي يحمي المسيح الموعود 189 122 رؤى للمفسر الله رؤياه عن غاية حياة الإنسان خطابه في الرؤيا حول وجود البارئ تعالى 12 ۷۹۹ انكشاف أسباب زوال المسلمين على المفسر في الرؤيا رؤيا رآها في طفولته رده له في الرؤيا على أسئلة مسلم ألماني رؤيا رآها في أثناء السفر للحج رؤيا له تشير إلى الهجرة في المستقبل شمه غازا معينا في الرؤيا الدليل والبرهان (راجع الحجة) الدماغ منبع روح الإنسان القلب أو الدماغ؟ ليس المراد من القلب الدماغ 1.0 ۱۰۰ ۹ ۳۳۷ VVV ۰۳۱ ۱۰۳ ٢٤٥ ملحقات الرحمة الرحمة في بمعنى بعثة الأنبياء إن أسوأ الناس أيضا يستحق رحمة الله عفو الله عن العاصي ر- رحمة به لا يتنافى مع.عدله 1.2 ۳۰۰ ٦٢٨ ۷۸۷ ۷۸۸ ۷۰۱ ٧٦٣ ٤٩٧ ٥٣٤ ٦٩٢ سبب إنكار الناس لآيات الله ولقائه قنوطهم من رحمته ٦٥٨ استمرار رحمة الله على العبد محال بدون أن ينال حياةً أبدية ٦١٨ إذا أصابكم الرقي بالزهو فلن يكون رقيكم رحمة ٦٣٢ حكومة القرآن الكريم رسالة رحمة ٦٤٨ جاء النبي ﷺ بأحكام هي ذخيرة رحمة لكل إنسان ٦٩ الرحمانية هي التي تلعب الدور الأول في جميع شؤون العباد رحيمية الله تدحض فكرة دوام جهنم ٦١٧ ٦١٨ الرزق(راجع المال أيضا) تعريف شامل للرزق نظام الرزق المدهش في الكون ٦٠٦ ۷۸۲
ملحقات نظام الرزق المادي دليل على الرزق الروحاني الثروة الموهوبة للإنسان من الله ضمان توفير الرزق لمن ينذر حياته للإسلام دعاؤه الصحابي بسعة الرزق الرسالة الرسول (راجع النبوة) الرق / العبودية وصية الرسول ﷺ بحسن معاملة الأرقاء الرقص ٥٠٧ ٦٩٧ ۷۸۲ ٦٣٢ ٣١٤ ٦٠٨ لا يخلو فيلم هذا اليوم من الاختلاط والرقص انكباب الناس على الرقص والغناء لفقدانهم طمأنينــــة الجزء السابع لا بد من نموذج في مجال الأخلاق والروحانية علامات الإنسان الميت روحيا ٦٢٣ ٤٧٢ الزندأفستا ساكت عن الأمور الروحانية الأساسية ٦٤ الحكمة في حالة القبض والبسط الروحانيين ۵۲۸ انتشار أمراض روحانية بين المسلمين بعد وفاة النبي ﷺ بسنوات روح القدس ٥٠٥ نزول روح القدس لا يخص المسيح وحده الفرق بين روح القدس وروح الأمين الزرادشتية ٣١٥ ٣١٦ الزندأفستا ساكت عن الأمور الروحانية الأساسية ٦٤ القلب ٢٤٤ قصة نظام الدين أولياء مع الملك المغولي المنغمس في الزكاة الرقص والغناء ΕΛ ضرورة الزكاة وأهميتها نظام الزكاة والعُشر يقضي على الفقر الروح هل القلب منبع روح الإنسان أم الدماغ؟ 1.2 دحض عقيدة كون الروح والمادة أزليتين ٦١٦، ٦٥١ نظام الزكاة يستهدف تأمين المرافق العامة قصة صحابي رفض دفع الزكاة نصاب الزكاة للمقربين إلى الله ۳۹۲ ٣٩٦ ۳۹۹ ٦٣٢ ٦٢٩ دحض عقيدتها بتقمص الأرواح ابن سبأ بتقمص الأرواح اعتقاد عبد الله ۵۳۳ ٦٤١ الزندأفستا (كتاب الرزادشتية) عالم الكشف يقضي على فكرة تقمص الأرواح ١٣٩ الزندأفستا ساكت عن الأمور الروحانية الأساسية ٦٤ لا نؤمن بتناسخ الأرواح أبدًا خلق الإنسان المادي والروحي تحيا الأمم بالأخلاق والروحانية إن الروحانية كلها في انكشاف الغيب والعلوم الروحانية تنزل من السماء ١١٢، ١١٦ ۱۲ نظام الرزق المادي دليل على الرزق الروحاني القرابة الروحانية أهم من قرابة الدم ٦ ۳۷ ٤٢٤ ٥٠٧،٥٥ ۳۳۸ البكاء هو السبيل لاستمرار حياة الجسم وحياة الروح ٨٠١ العالم المادي دليل على وجود العالم الروحاني ٤٨٥ الزنى على الذين يرمون المحصنات الإتيان بأربعة شهداء ٦٩٨ الزواج (راجع أيضا المرأة والنبات) اتهام البعض المسيح بكونه من نطفة يوسف النجار من دون زواج ٥٢، ٥١٥ فتوى المشايخ بفسخ زواج من يسمع.خطاب المسيح الموعود حكاية إنجليزي أراد الزواج من أرملة مقدار المهر عند الزواج في رأي المفسر ٦٧٠،٥١٧ ٦٣٠ ۰۷۱
الجزء السابع زواج والدي النبي ﷺ قد تم بإنفاق بسيط كل شيء زوجان الساعة (راجع القيامة) السجود حقيقة سجود الملائكة لآدم لا يجوز السجود لغير الله سجود عباس آفندي على قبر بهاء الله ۹۹ ۱۲ ۱۳ ۷۷۳ زعم بعض المتصوفة أنهم يمكنون أتباعهم من السجود ۲۱ سورة طه إنها مكية يقينا سورة العنكبوت زمن نزولها خلاصة مضامينها علاقتها بسورة القصص ملحقات ۲ ٦٥٥ 700 سورة الفاتحة أهميتها ۳۰۰ على العرش السلام الإسلام وسلام العالم جاء محمد برسالة السلام للعالم ٤٢ ٦٥ V.اندهاش المستشرقين من معارف البسملة زعمهم أن البسملة يهودية الأصل ٤٤٩ ٤٤٨ الفاتحة تتضمن مبادئ تقدم الشعوب وانحطاطها ٢٩٧ سورة القصص سلام العالم منوط بعقيدة وحدانية الله ٦٧، ٧١، ٧٩٤ إنها مكية باتفاق العلماء المسلمين والمسيحيين الكعبة وسيلة عظيمة لتحقيق السلام ٦٨ ٦٤٢ 041 طرق تحقيق السلام العالمي ۷۱ الجهود غير الإسلامية لتحقيق السلام العالمي ناقصة تحقيق السلام قد يتطلب حربًا السلام مع فكرة تغيير دين الناس جبرا محال ٧٩٦ ۷۳ ۷۰۰ تعاليم المسيحية عاجزة عن تحقيق السلام أهل مكة محظوظون بسلام لإقامتهم بالحرم ٧٤ ۷۹۳ السورة سورة الشعراء ملخص فحواها علاقتها بسورة النمل سورة مريم إنها مكية يقينا سورة النمل خلاصة محتواها علاقتها بسورة الشعراء علاقتها بسورة القصص السيئة (راجع الذنب) 1 ۳۷۰ ٣٦٩ خلاصة محتواها السيخية السيخ تأكيدها أن الله عالم الأسرار ومحسن عظـيـم وسميــــع نصيحة المفسر لأحد السيخ بقراءة الفاتحة لمعرفة الحــــق الدعاء وصاحب الجبروت ΕΛ ٤٩٥ سبب تغير مقطعها السينما والفيلم ضرورة تجنب السينما والمسرح ٦٠٨
ملحقات ۲۲ الشرك المعنى الشائع للمشرك المشرك في مصطلح القرآن أنواع مختلفة للشرك اتخذ الشرك في زمن إبراهيم صبغة فلسفية الرد على الشرك ٣٥١ ٣٥١ الجزء السابع لا بد من العمل بالشريعة وطاعة النبي ﷺ أيضًا القرآن بشريعة نارية وصف موسى ٢٥١ ٦٤٧ لا شرع بعده إلى يوم القيامة إمكانية ظهور أنبياء غير مشرعين في الأمة ۳۲۳ تفنيد إبراهيم فلسفة الشرك إتمام الحجة على المشركين ٦٩٤ ٥٤٦ ٦٩٥ ٦٦١ الشعر خصائص الشعراء ٣٦٠ التناقض في قول الشعراء وفعلهم ٣٦١ أتباع الشعراء٧ الشرك وعبادة الأوثان ليس أساسها.لى الدليل صفات الشعراء المؤمنين ٣٦٢ والبرهان ٧١٢،٦٥٨ الشعور اعتراف "هند" بهزيمة الشرك وقت البيعة الفرق بين العلم والشعور ٢٥٤ يلجأ المشركون والملحدون إلى الله وحده في الوقت الشكر الحرج ۷۹۱ ملاجئ الآلهة الباطلة أوهن من بيت العنكبوت ٦٥٩ ضرورة شكر الله على مننه ۲۵ ،۲۳ مفاسد الأقوام المشركة شركاء الله بمعنى ' أئمة الكفر ۷۹۷ 712 ٦٤٩ الطريق لإيجاد الدوافع إلى الشكر لله شكر الرسول ﷺ على الشهادة منن الله تعالى ۲۰۱ ۲۷ لم يشرك الرسول ﷺ قط قبل بعثته أيضًا وصيته لأمته وقت الوفاة بتجنب الشرك ۷۷۳ ،۳۱۵ ،۸۱ لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد على الذين يرمون المحصنات الإتيان بأربعة شهداء ٦٩٨ الشهادة (راجع الاستشهاد) (الحديث) ۸۱ ضرورة طاعة الوالدين في كل أمر عدا الشرك شرك البهائيين ٦٨٣ ۷۷۳ الشريعة الإنسان وحده مكلف بالشرع نوح العلي أول نبي مشرع الأنبياء غير المشرعين وحي ٤٣١ ٦٩٣ ۳۲۰ الفرق بين الوحي التشريعي وغير التشريعي ٥١٧، ٣١٨ الملهم لا ينسى الوحي التشريعي القرآن شرع غير قابل للنسخ ۳۱۹ ٧٦٧، ٧٧٣ الشيطان علامات الذين يتنزل عليهم الشيطان ٣٥٤ من معاني الشيطان الغضب المراد من إسلام الشيطان الإنسان غير معذور إذا أضله الشيطان 1.2 ۷۲۳ دحض فكرة نزول الوحي الشيطاني على الرسول ﷺ ۳۲۸ الشيعة الخمسة المباركة عند الشيعة ٣٦٤
الجزء السابع الصبر (راجع أيضا الظلم) معنى الصبر حقيقة الصبر وجزاؤه لا بد من الصبر والقناعة لاكتمال الإيمان ٦٣٧ ٦٧٤ ٦٨٩ ۲۳ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إيثار الأنصار عند المؤاخاة تفانيهم في الدعوة إلى الإسلام فراسة الصحابة الأوائل أمانتهم في التجارة ملحقات ۳۹۸ ۳۹۸ ٣٣٦ ٢٥٨ ۲۹۵ صبر المسيح الموعود اللي عند وفاة نجله الصحابة رضي الله عنهم مدح القرآن الكريم الصحابة ٣٤٧ نبوءة موسى عن فتح النبي مكة مع عشرة آلاف قدوسي أكد الصحابة إيمانهم بعملهم سبب فضل الصحابة علميا مكانة الصحابة الذين آمنوا في أوائل الإسلام انقلاب عظيم في حياتهم بواسطة النبي ٦٤٧ ٦٧٤ ٢٥٨ ٢٥٣ ٤٧٤ بعض وقائعهم اضطهاد الكفار للصحابة شه VVA أمر النبي إياهم بالهجرة إلى الحبشة الرسول الله منع الصحابة من التوقف في الحجر ٥٨٧ بكاؤهم في المدينة حنينا لمكة حث النبي الصحابة على التفكر والتفهم عرض كسرى الرشوة عليهم مقارنة صحابة النبي بأصحاب الصحبة ۷۷۸ ٢٥٩ 17.صفاتهم تضحياتهم وفداؤهم ٦٦٧ تعليق وليام ميور على تضحية الصحابة بأرواحهم ١٦٢ قولهم: "فزت ورب الكعبة" ٢٥٨ ،۳۷ رغبتهم في الشهادة وحبهم للنبي ﷺ مشاهد الأنصار للنبي ﷺ في غزوة بدر حب استشهاد سبعين من الحفاظ تضحية الصحابة في بدر وأُحد استشهاد الصحابة في معر ركة اليرموك معاملة الله مع صحابي استشهد حماسهم للتضحية كان أبو بكر أشجع الصحابة علمه كان سبب بسالته غيرتهم الإيمانية ونيلهم الخلود إيمانهم القوي في غزوة الأحزاب ٤٠٣ ٦٧٥،٦٦٨ 171 ٦٦٧ ٤٠٢ 7.٥٣٤ ٦٦٨ ٤٣٤ ٢٥٨ ٤٧٤ ٦٧٠ نموذج منقطع النظير لطهارة الصحابة ٣٦٠ لا يتمتع الإنسان بالمعرفة دون صحبة الكُمَّل الصلاة (راجع أيضًا العبادة) الصلاة الحقيقية مكانتها السامية هي العبادة الشاملة هي مجموعة الأذكار ۷۷۱ ٦٠٣ ٧٤٤ ٧٤١ ٣٦٦ ٧٤٣ رؤية الله في الصلاة والمراد منها فرضيتها وأهميتها الصلاة فرض في كل حال ٧٤٨ أهمية الصلاة الظاهرة ٧٤٦ إقامة الصلاة تعني الصلاة بالجماعة أهمية الصلاة بالجماعة أُمر المسلمون بالصلاة بالجماعة ۳۹۰ ۷۵۰ ،۳۹۱ ،۳۷۰ ٧٤٨، ٧٨٩ أمر النبي ﷺ بتعويد المسلمين على صلاة الجماعة ٦٦٠ قصة صحابي طلب الإذن للصلاة في بيته ۳۹۲
ملحقات عتاب النبي على تاركي الفجر والعشاء اهتمام المسيح الموعود بالصلاة بالجماعة الصلاة أدعى للحسنات الصلاة بالجماعة أدعى إلى تربية الأولاد ۳۹۲ ٧٥١ vo.vo.الذين لا يعودون أولادهم على الصلاة جماعةً قتلة لهم ٧٥٢ من يواظب على صلاة الجماعة إصلاحه ممكن دائمـــا غايتها غاية الصلاة الهدف الصلاة ٧٥١ ٧٤٠، ٧٤٩ ٣٦٦ ٧٤٩ ٢٤ الجزء السابع الصيام من صام بإخلاص وفق لحسنات أخرى من صام يوم العيد فهو شيطان ۲۲ 1.2 ٣٦٥ صوم المسيح الموعود اللة بأمر الله الله ستة أشهر متتالية الطاعون ١٤٩ ۰۱۷ ،۳۲۰ ،۳۹ آية الدم التي ظهرت على يد موسى كان نوعــا مـــن الطاعون ٤٢٠ دابة الأرض التي أخبر عنها القرآن هي الطاعون ٥٢٢ تفشي الطاعون طبقا لنبوءة المسيح الموعود قصة الحمى التي ظنها المفسر طاعونًا ٤٧٥ 101 ة جهرا وسرا من الصلاة وسيلة إصلاح الجسم الروحاني ليست الصلاة مجرد الاعتراف بالعبودية بل إنها تجلــو القلب معنى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر أمور متفرقة عنها أداء الصلاة في ظروف مشبوهة مقال أحد دعاة الإسلام ضد فرضية الصلاة ٧٤٠ ۷۳۹ ٧٤٩ ٧٤٦ قصة امتناع سليمان العلم عن صلاة الاستسقاء بسماع دعاء نملة الصلاة على النبي ﷺ حقيقة الصلاة على النبي الصلاح تعريف الصالح لا بد للمرء من اتباع النبي ﷺ ليكون صالحاً مدارج مختلفة للصلاح ٤٣٥ ٢٢٥ ٦٨٥ ٦٨٦ ۲۱۹ الطب سبب الأمراض سوء استعمال نعم الله الطب في بغداد في العهد العباسي ا يأتي على المرء حين لا ينفعه فيه الطبيب تصريح المسيح الموعود العليا عن علم الطب وصف النبي العسل لمصاب في البطن العسل يسبب الإسهال الزبيب يزيد الزكام الفلفل الحاد يسبب الدوسنطاريا يُستخدم القار في نصف الأدوية الكيماوية العلاج بالسم علاج الزهري بالفوسفور والزرنيخ والزئبق منافع الأفيون وجوز القيء والزرنيخ عطّارون غشاشون الظلم الاضطهاد صلح الحديبية جسارة كفار مكة شرف عثمان له في بيعة الرضوان ٤٧٨ ۲۰۲ ۲۹۲ ٢٤٩ ۲۰۵ ۸۰۷ ۸۰۷ ٥١٨ ۷۳۲ ٦٣١ ٢٠٤ ٦٣١ ٢٠٤ ۷۳۰ ،۲۹۲ أظلم الناس المفتري على الله ومكذب النبي الصادق ٥٨٤ ٧٩٧،٦٦٢ احتجاج شرفاء مكة ضد الظلم بالنبي ۸۳
الجزء السابع المؤمنون ينتقمون بقدر ظلم الظالم ولا يعتدون لا يهلك الله قوما بدون إنذار لأن هذا ظلم تعرض جماعات الأنبياء للاضطهاد طريق الحوار مع الظالمين من أهل الكتاب العبادة (راجع أيضا الصلاة) العبادة أهم أركان الدين الغاية من خلق الإنسان هي الهدف من العبادة وسائل تحقيق أهداف العبادة العبادة لا بد للأنبياء أيضا.من العبادة أهمية ذكر الله ضرورة الاعتناء بظاهر العبادة ومغزاها الدعاء مخ العبادة ٣٦٣ ٦٦١ Voo ۳۹۸ ٥٧ ٧٤٠ ٧٤١ ۲۲۲ ٣٦٧ ٧٤٦ ٧٤١ ۲۵ ملحقات لا ينزل الله عذابه إلا بعد إرسال رسوله في موضع مركزي ضرورة بعثة رسول قبل العذاب العالمي ٦١١ ٦١١ تأخير العذاب سبب عذاب الله ينزل فجأةً معنى نزول العذاب من فوق ومن تحت نزول العذاب على جيش الكفار في بدر إنذار المسيح الموعود العلي العذاب من العربية اللغة هي غنية بالمفردات للتعبير عن المشاعر عدد السبع في العربية يدل على الكثرة ٧٧٤ ٧٧٦ ٤٧٧ ۵۲۳ ۳۲۱ ٧٦٨ ٢٦٥ أحيانا يطلق اسم على مسمى نظرا لحالته المستقبلية أحيانا يكون المبتدأ في صيغة الجمع ويأتي خبره في صيغة نظريات بعض المسلمين عن العبادات الإسلامية ٧٤٥ المفرد العبودية (راجع الرق) العدل الإنصاف لفظ "الكل" لا يشمل جميع أفراد الجنس بالضرورة اسم الفاعل يدل على الدوام قاعدة صرفية ليس العدل أن يُعاقب المجرم بالضرورة، وإنما العدل ألا الاستثناء المتصل والمنقطع يُعاقب البريء لا تناقض بين العدل والرحم كان الملك الفارسي ٦٩٢ ٦٩٢ "أنو شيروان" شهيرا بعدله ۲۰۸ حث القرآن على العدل حتى مع العدو ضرورة العدل لإرساء السلام العالمي العذاب (راجع أيضًا الجزاء والطاعون) الهدف العذاب من الفرق بين العذاب والابتلاء مبادئ نزول عذاب الله ينزل العذاب نتيجة ظلم الناس أو رفضهم لني.لا ينزل العذاب على قوم إلا بعد ظهور نبي ۲۷۸ 001 71.٦٨٧ ۷۰۲ 71.قلب النسبة "ال" يدل على الكمال تنوين الاسم يقصد به أحيانا التعظيم التنكير يفيد التعظيم أيضًا الكلمات العبرية ريب ١٩٤ ٤٢٦ ۱۱۹ ٤١٧ ١٩٤ ٦٤٩ ۳۸۹ ۳۷۰ ٤٤٣ ٢٤٣ إطلاق الأب على العم حروف "ع، ر، ب" تدلّ أصلاً على الإعراب عما في الضمير الفرق بين القُرْبة والقُرْب والقُرْبي ۳۲۲ ٢٨٦ ۱۸۳ ميزة الكلمات على وزن فَعِيل إضافة كلمة إلى "صدق" تفيد الدوام والحسن ظاهرا ٢٢٤، ٦٤٣ وباطنا ٣٢٧، ٦١٠
الجزء السابع مجرد العقل لم يُكتب له الخلود قط وإنما العشق حقــــق VA ۷۳۷ ۷۳۲ ٢٥٤ ۳۳ ،۳۰ ۱۳۱ ۱۳۱ ۷۱۰ ٦٦٤ ۷۸۲ ۷۷۰ ٢٦ ۳۳۷ ملحقات ذهاب المفسر لدراسة العربية في مصر العرش المراد من عرش الله دعوة المظلوم تهز العرش هزا ٤٢٢ ٤٩٣ الخلود العلم العلم الحقيقي زعم بعض المتصوفة أنهم يمكنون أتباعهم من السجود تعريف العالم الحقيقي على العرش ٤٢ الفرق بين الشعور والعلم اعتقاد البعض أن الشيطان يسمع ما يجري على العرش تطور العلوم يتوقف على الغيب قصة إحضار عرش ملكة سبأ العسل فيه شفاء للناس وصف النبي العسل لمبطون ٣٥٧ ، ۳۳۰ ٤٦٧،٣٧٣ VVA ۸۰۸ مثل هجرة الجماعات الإلهية كمثل هجرة النحل ٧٧٨ بدأ علم النفس بالقرآن والرسول ﷺ قول علماء النفس عن المجنون أنواع الجنون سر المعرفة قسمان للعلم الإلهي باب جديد للمعرفة مخترعات هذا الزمن العشق العشق والعقل العفو والصفح (راجع العذاب أيضًا) ۷۹ ميل التوراة والإنجيل إلى الإفراط والتفريط في العفو ٦٠٦ العمل سيعامل كل إنسان وفق عمله الفرق بين الحسنة والعمل الصالح لا بد من العمل بالشريعة وطاعة النبي أيضا ضرورة العمل الصالح مع الإيمان عفو النبي يوم فتح مكة ٥٩، 175، 306، 454 أهمية النية إلى جانب العمل العقاب (راجع الجزاء والعذاب) العقل تعريف العقل العقل وحده لا يكفي بدون ماء الوحي لا بد من الأنبياء لتوجيه العقل ٢٥٤ ۷۳۳ ۳۸۸ لا يمكن إدراك الله بمقاييس العقل كما لا يمكن فهـــم ۷۰۳ ٢٥١ ٦٩٢،٣٦٣ ٤٠٦ ٤٠٦ ٦٨١ العمل الصالح يجعل الأعمال القادمة سهلةً مبدأ جزاء الأعمال الحسنة الدوام على السيئات يزينها لصاحبها ضرورة كراهية الأعمال السيئة لا صاحبها ٤٠٦، ٤٠٨ ۲۷۸ الاستعاذة من العمل السيء أهم من الاستعاذة مـــن العذاب الظاهري ۲۷۸ العنكبوت ٧٢٧،٧٢٦ حقيقة مثل بيت العنكبوت ۳۸۸ ٦٩٤ 79.الدين بدون العقل سيطرة الفلسفة في زمن إبراهيم العليا الكفر يحجب العقل
ثبت في بدر أن أبا بكر له أشجع الصحابة ملحقات ٤٣٤ ٦٤٧ ٤٣٤ ۲۱۱ ۳۹ ٢٤٤ ۲۹ ۵۰۸ ،۳۷ ۳۳۱ ۳۰ ۳۳ ،۳۰ ٥٧ ٣٨٥ ۷۹۱ VV تحقق نبوءة أشعياء يوم بدر غزوة خيبر الرسول ﷺ يعطي عليا اللواء (راجع أيضا اللغو) ۲۷ ٥٧٢، ٥٧٨ 171 18.الجزء السابع العهد (راجع أيضًا صلح الحديبية) معاهدة بين موسى العليا وحميه معاهدة الأنصار مع النبي نقض قريش لمعاهدة الحديبية الغذاء (راجع أيضا الرزق) الغذاء نظام هضم الغذاء ٢٦، ٧٥٠ الغناء قصة توبة قوم منغمسين في الغناء انغماس الأوروبيين في الغناء والكساء والسكن والتعليم والعلاج مضمونة في الدولة الإسلامية السيئة تصبح بمنزلة الغذاء للمسيء القرآن الكريم غذاء روحاني أعده الله لنا غزوات النبي غزوة أحد الضغط الشديد على المسلمين فيها ٤٠٠ ٤٠٨ ۷۳۵ ٦٧٥ الغيب استئثار الله بعلم الغيب منّةٌ على البشر يظهر الله الغيب عن طريق الأنبياء تأكيد الإنجيل أن الله وحده يعلم الغيب الجزاء والعقاب أساسه الغيب تطور العلوم يتوقف على الغيب الفطرة (راجع أيضًا الإنسان) كل إنسان يولد بفطرة صحيحة الإنسان مفطور على التعلق بالله شهادة الفطرة الإنسانية على وحدانية الله حي بالفطرة السليمة علاقة الو من معاني "كتاب مكنون" الفطرة النقية والضمير ۳۱۸ ،۷۵ ٧٦ ٩٦ ٢٥٧ ٥٥١ فطرة النبي النقية الفقر (راجع المال) الفقه أساس الاختلافات الفقهية كان النبي ﷺ إذا سُرِّ بأحد دعا له بالتفقه في الدين الفناء (راجع أيضا الموت) كل مركب فان لا محالة المراد من قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه" ٦٥٢ ٨٦ ٤٠٢ ٦٧٥ ٨٦ ٦٧٠ إصابة النبي فيها بجروج بالغة تضحيات جسيمة للصحابة وقوة إيمانهم فيها رغبة عارمة لصحابي في الشهادة دعاء النبي للكافرين حين جرحوه غزوة الأحزاب ازدياد الصحابة إيمانًا فيها استغراب السير وليام ميور من فداء الصحابة فيها ١٦٢ ٧٥٨ ٤٠١، ٦٧٥ 17.۱۳۹ ١٥٩، ٤٨١ ٤٧٧ ١٢٥ ٣٥ اليهود قادوا الكفار فيها غزوة بدر خَلْفيتها رؤية الصحابة الملائكة في الكشف معجزة مطر الحصى على الكفار قتل خمسة من التسعة من زعماء الكفار قتل أبي جهل أسر أبي العاص
من فضائل القرآن ترتيبه الرائع القرآن رحمة وذكر للمؤمنين القرآن كتاب جامع كامل مفصل هو كنز العلوم التي لا نهاية لها يذكر صفات الله مفصلا الجزء السابع جميع حاجات الإنسان الطبعية والروحية يسدد نزل لهداية كافة البشر 7..٧٦٥ ٦٣ ٧٦٩ ٦٢ يكفي لمتطلبات كل زمن هو كتاب محفوظ أي أنه يُكتب ويُحفظ الأدلة الخارجية لإثبات صدقه غني عن هو هو كتاب مكنون ۳۰۷ ٧٦٧ ۳۸۱ ٦٢ ۳۱۸ من فضائله نبوءات عن نزوله في الصحف السابقة ٣٢١ ۲۸ ٦٣ ٤٢ ٦٤٧ ۳۲۲ ملحقات كيف يمكن تجنب الفناء الفيدا الفيدا ساكت عن الأمور الروحانية الأساسية مقارنته بالقرآن الكريم الفيلم السينمائي (راجع السينما) القرآن الكريم (راجع أيضا التفسير) نبوءات سابقة عن نزوله وصف موسى القرآن بشريعة نارية نبوءة إشعياء عن القرآن الكريم نبوءة التثنية عن ورود البسملة في مستهل كل ســــورة قرآنية سبب ورود البسملة في مستهل كل سورة كثير من سور القرآن نزلت مرتين دحض اعتراض على عدم نزول القرآن دفعة ) واحدة ۱۰۲ ٤٥٠ ۵۹۲ ۵۹۸ كان الصحابة يربطون شهادتهم على زمن نزوله بحادث تاريخي ترتيبه في القرآن الكريم ترتيب رائع سوره وآياته تتسم بترتيب حسن ترتيب القرآن عاطفي فلسفة ترتيب الكتب السماوية لماذا لم يرتب القرآن مثل كتب الفقه ۵۳۹ ٥٤٨ ٦٠٣ 7..٦٠١ ميزته ، أُودع الفطرة السليمة يهيئ أساسا للوحدة العالمية القرآن يعتبر جميع الأنبياء أبرياء سبب دحضه العقائد المسيحية الفاسدة يستخدم ! الأسماء العجمية معربةً حفاظته من التحريف وعد الله بحفظه زمن النزول وبعده VV ٤٩، ٣٠٤ ٢٤٣ ٣١٦ اعتراف المستشرقين بكونه مصونًا من التحريف ٣٨٢ لا نسخ في القرآن القرآن شرع غير قابل للنسخ ٧٦٧، ٧٧٣ دحض المسيح الموعود العقيدة النسخ ٩٧، ٧٦٧ ۷۷۳ ۳۸۰ ٤٧١ ٥٥٣، ٥٥٤ ۳۸۹ ٦٤٩ إبطال زعم البهائيين بنسخ القرآن خصائصه المراد من كونه "قرآنًا" إنه كتاب الدين والحضارة معا الجهاد الكبير مرتبط بالقرآن القرآن وحده يهب الهداية الكاملة القرآن يتضمن الهداية للناس إلى القيامة ١٥٦، ٧٦٩ ۳۲۱ ۳۱۹ ٧٥٤ فضائله فضائل القرآن القرآن أكبر معجزات النبي نزول القرآن بلسان عربي مبين إعجاز القرآن كلام الله بكل تأكيد نزل القرآن بكلمات محددة هو القانون الرباني الأبدي
الجزء السابع من أكبر كمالات القرآن الكريم يحفظه الكثيرون عن ظهر قلب يبين مطالب كثيرة بتغيير بسيط في الصيغة بدأ علم النفس على يد القرآن والنبي ﷺ اعتراف كاتب ٤٨٥ ۳۸۱ ٦١٣ ۲۹ ملحقات في زمن انقطاع سلسلة النبوة يتوارى الكتاب المكنون أكثر تعاليمه يأمر القرآن بتوظيف العقل والتفقه ٧٦ ٢٥٨ بكونه جامعا لعلوم التاريخ يعد القرآن عدم معرفة المرء بالأمر عذرا مقبولا ٢٣٥ الدليل على كونه كتابا مبينا وصف بكونه "مبينًا" دون سائر الصحف الدليل على كونه آيات بينات فيض القرآن الكريم وعد بالعزة للمؤمنين الصادقين بالقرآن انقلاب روحي حصل بواسطته ٢٦٨ ٦٤، ٣٨١ ٤٩ ٦٦٠ ١٥٤ ٧٦٦ ١٥٨ لا شرع بعد القرآن أما الأنبياء غير المشرعين فبعثتــــهم ممکن كان النبي تفسيرًا عمليًا للقرآن لا بد من طاعة النبي ﷺ مع اتباع القرآن إبطال فكرة نزول الوحي الشيطاني في القرآن صدقه ۳۲۳ Чл ٢٥١ ۳۲۸ طريقة اجتناب الذنوب كما بينه القرآن حكمه بالإحسان إلى الوالدين معاني الأمر في القرآن الكريم أحيانًا يخاطب النبي ويريد به أتباعه ذكر الجن فيه وحقيقتهم رد القرآن على الآريا والطبعيين نبوءاته تحقق نبوءة في بدر نبوءة نزول عذاب مفاجئ على أهل مكة 79.۰۹۰ ٦٤٩ ٤٢٧ ٦١٦ ١٢٥ ٣٢٦ ٦٢ أنبأ بكون جثة فرعون محفوظة تميزه عن الصحف الأخرى دحض اعتراض سرقة القرآن من الكتاب المقدس ٧٦٢ صدق القرآن الكريم البرهان على كونه كلام الله ٦٤٢،٣٢٤ ١٦٨، ٣١٥ ٣٠٨ إنه دليل على كون الله رب العالمين من أدلة صدقه ذكره كون جثة فرعون محفوظة بطونه للقرآن الكريم سبعة بطون ٦٢ المراد من البطون السبعة انكشاف بطون للقرآن على المسيح الموعود ٧٦٧ ٧٦٧ ٧٦٧ مطالب القرآن متراكمة في كلماته كطبقات الأرض معايير لمعرفة صحة معاني آياته المراد من الكتاب المكنون الفطرة الصحيحة ٧٦٨ ۷۷۱ Vo فضيلته على سائر الصحف كونه صالحا للعمل إلى الأبد فضله على الكتاب المقدس تصحيحه لبيانات الكتاب المقدس ،٦٣،٦١،٥٦،٤٩ ٣٠٨، ٧٦ ۳۸۲ ٥٥٩، ٥٧٨ 011 القرآن حَكَم لتسوية الخلاف بين اليهود والنصارى ٥١٥ القرآن الكريم يقص أحداثا من حياة موسى بدقة ٥٤٩ تفاصيل في القرآن عن هامان مقارنته مع الصحف الأخرى ٥٥٤ المقارنة بينه وبين عصا موسى بوصفهما إعجازا ١٥٦
ملحقات الجزء السابع حسبنا أولاً أن الفرقان هو عصا ثم إذا أمعنــــا موسی المقطعات تشير إلى مضمون السورة التي تستهل بهــــا ٦٦٣ الموعود) 101 سبب تغير المقطعات في سورة الشعراء النظر وجدنا كل كلمته تحمل صفات المسيح (المسيح مقارنته مع الكتاب المقدس في بيان صفات الله معاني بعض المقطعات مقارنته مع الكتاب المقدس في حادث ذبح إبراهيم ابنه ألم ۵۱۳ مقارنته مع الكتاب المقدس في سرد الحقائق التاريخية اختلافه ٢٤۱ ،۱۱۹ ،۵۰ مع الكتاب المقدس في بيان عدد بني إسرائيل وقت خروجهم من مصر ٥١٢ طس طسم أمور متفرقة ٦٦٣ ٦٦٣ ۳۷۷ ٥٤١، ٥٤٨ ، اندهاش المستشرقين من معارف البسملة زعمهم أن البسملة يهودية الأصل حياة مثال بيت العنكبوت في القرآن القرآنيون أهل القرآن اختلافه الكتاب المقدس في سرد الأحداث مع من ٤١٣،٥٨٠،٥٧٣ موسی ٤٤٩ ٤٤٨ ۷۲۷ بيان القرآن عن موسى أصح عقلا مقارنة القرآن الكريم بالكتاب المقدس والفيدا تبرئته ساحة الأنبياء من التهم تبرئته للوط العلمية تبرئته لموسى العليا تبرئته لهارون العليا من تهمة الشرك تبرئته السليمان العليا تبرئته للمسيح | العلية الا من ميتة لعينة قراءته ونشره فضيلة قراءة القرآن الكريم بكثرة ٥٧٥ ٤٢ ۲۷۹ ٥٧٥، ٥٨٦، ٤١٨ ٢٤٢،٥٢ 01 ۵۳ ۳۷۸ الأسلوب الصحيح لقراءة القرآن الكريم ٦٠٤، ٧٣٥ من ينتفع من هذي القرآن الكريم؟ خدمة القرآن تمكن الإنسان من قرب الله الحكم بنشر القرآن الكريم نقل معاني القرآن إلى لغات أخرى ليس كفرا تخلف المسلمون لاتخاذهم القرآن مهجورا المقطعات القرآنية ۳۹۰ ۲۲۳ ۷۳۷ ۷۳۸ ۷۳۵ دحض إحدى عقائد "أهل القرآن" القربان قربان أحد ابني آدم رُفض لخلوه.أهمية قربان إسماعيل العلا التقوى من القصص والوقائع الواردة في هذا المجلد قصة إلقاء أم موسى إياه في ماء النهر قصة امرأتين متهمتين في التاريخ امرأة يهودية تسمم طعام النبي ﷺ قصة في الحديث عن خدمة الوالدين قصة خرافية عن بوذا قصة انخداع ملكة سبأ بالماء الجاري تحت الزجاج القصة الخرافية عن ناقة صا.صالح العلية الا قصص عن انفلاق البحر قصص عن سليمان وملكة سبأ قصة سليمان مع النمل قصص عن سليمان والهدهد ٢٥١ ١٧٦ ٥١٤ ٧٥٦ རྔད A..٣٧٤ ، ٤٦٩ ٢٧٦ ۱۸۱ ٤٦٩ ٤٣٥ ٤٤٠ المقطعات المماثلة تتضمن مفاهيم مماثلة ٥٤٨
الجزء السابع ۳۱ ملحقات قصة شخص رفض دفع الزكاة للنبي ﷺ قصة من معركة "ووتر لو" قصة إمام وصل في صلاته إلى بخارى قصة الملك الإنجليزي كينيوت قصة قوم ٦٣٢ ٤٣٣ ٦٠٢ ۷۸۳ ٨٠٤ ٢٤٤ ٢٦٩ وسيلة اطمئنان القلب لا يوهب القلب السليم إلا لمن يقيم ا الصلة الله ٤: مع لن يُكتب الخلود إلا للتقوى إنما العزة في تقوى الله ٢٧٤ كانت فيهم خشية الله فخافوا سهام الليل ٣٩ عدم التزام المرء بالعدل يُسقطه من مقام التقوى ۲۷۸ قصة هداية شخص مستهتر قصة الخليفة الأول مع شيخ للمتصوفين ۲۷۰ ۱۸۷ ٣٦٠ يتبع الشعراء من لا تقوى فيه ولا روحانية الكثيرون اليوم قد حذوا حذو اليهود، وتخلـوا عـــن قصة متصوف زائف كانت أخت الخليفة الأول تابعة له التقوى (المسيح الموعود) ٤٩٩ حكاية حول حقيقة استجابة الدعاء قصة استجابة دعاء رجل صالح قصة المفسر مع.عدو لدود لجماعتنا قصة أحمدي مخلص حول تربية الأولاد قصة المفسر متصوف أصدر فتوى الكف جماعتنا مع قصة الحمى التي ظنها المفسر طاعونًا ٢٤٩ ٤٤ ۸۰۲ ٤٠ ۳۹۱ القرآن يقدّم التقوى على كل شيء القمر سبب خسوف القمر خسوف القمرين في رمضان حقيقة معجزة انشقاق القمر ضد ۵۱۷ ٦٠٢ ٢٦٢ ٥٢٢ ۱۳۸ تفسير المسيح الموعود الة المعجزة انشقاق القمر ١٣٨ معجزة انشقاق القمر كانت كشفا واسع النطاق ١٣٦ سقوط القمر في حجر صفية رضي الله عنها في الرؤيـــا قصة امرأة مجنونة مع الخليفة الأول القلب التقوى مصدرها القلب لا الدماغ خلوص الأعمال يتعلق بالقلب لا بالدماغ هل القلب منبع روح الإنسان أو الدماغ؟ المراد من ! القلب لا الدماغ القلب هو أخيلة القلب ليست وحيًا ۱۳۲ ۱۰۳ ٢٤٥ ۱۰۳ ٢٤٥ ۳۱۷ القناعة ضرورة القناعة والشكر قصة امرأة قانعة القنبلة الذرية هلع الناس من دمار القنبلة الذرية وعلاجه ۱۳۷ ۲۳ ۲۳ ۲۱۱ ۰۳۱ الأمل في ابتكار جهاز مضاد للقنبلة الذرية القلب النجس لا يكون مهبطًا للتجليات الإلهية ٢٤٥ ٧٤٠ ٢٤٤ الصلاة تجلو قلب الإنسان إذا صلح القلب صلح الجسد كله أحيانا تطرأ على القلوب.حالات روحانية في الصلاة ٦٠٣ جبلت القلوب على حُبِّ مَن أحسن إليها(الحديث) ٧٤٠ القنوط (راجع اليأس) القوم الأقوام (الحضارة أيضًا) إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أرسل الله مصلحا إلى كل قوم لا يعذب الله قوما عادلين تعليم النبي لا يخص قوما دون قوم 0.1 7..71.۳۱۰
٤٦٣ ٤٥٨ ٤٩٣، ٤٩٤ ملحقات نفسية الأقوام المتخلفة الأقوام المتخلفة في الظاهر أكثر قبولا للحق يهلك الجبابرة بآهات المظلومين تقدمها تقدم الشعوب وتخلفها ۷۰۱ ،۰۲۹ ،۵۰۰ ۲۹۸ الفاتحة تذكر مبادئ تقدم الشعوب وتخلفها عروجها وانحطاطها سر وحيد للرقي القومي أسلوب التفوق على الأمم الأخرى أمثلة تنفخ الحياة في الأمم ٦٧٢ ٢٥٩ ۱۷۱ الحياة القومية منوطة باستعداد كل فرد هجرة وطنه في سبيل الله أكبر.سبب في تخلف الأمم وهلاكها أسباب هلاك الأقوام الخالية لا بد من الدعاء المستمر تجنبًا للانحطاط إذا قال المرء هلك القوم فهو أهلكهم (الحديث) لا يستعيد قوم حياةً ما لم يستعدوا للموت الأمم التي ترفع الهتافات فقط لا تنجز شيئا سنة الله في الأمم الجاهلة والمظلومة معًا القيامة (راجع أيضًا الآخرة) أحد الأدلة على القيامة لا يقدر أحد على تحديد وقت القيامة لن يبقى في الدنيا قبل القيامة إلا شرار الناس لا شرع بعد القرآن إلى يوم القيامة الساعة بمعنى غلبة الأنبياء الكبر الإسلام يشجب الكبر جدا ۷۷۹ ۲۲۱ ٧٢٥ ۳۰۱ ٦٧٢ ٢٦٣ ٤٦٣ ۵۰۹ ۳۰۰ ۳۰۰ ۱۳۷ ٦٣١ أعداء الأنبياء يتكبرون في البداية ويضطرون للاعتذار في النهاية 0 ۳۲ الجزء السابع الكبر يلقي صاحبه في الجحيم بعد وصوله إلى باب الجنة المغضوب عليه يزداد كبرا عند نزول العذاب مثل الشخص المصاب بالكبرياء كبرياء أبي جهل ٦٨٠ ٦٨٨ ٧٣٤ ۱۲۵ استكبار المشايخ ضد المسيح الموعود فرحين بعلمهم الكتاب المقدس (راجع أيضًا القرآن والتوراة) سبب احترامنا للكتاب المقدس هو كتاب مشكوك فيه عند المحققين اعتبر "مارتين لوثر" سفر أستير خرافة الكتاب المقدس يصف العرب بالوحشي ١٣٤ ٢٤٢ 000 000 ۳۲۲ ۱۸۱ ٤٥٣ ٢٤٣ ٦٤٦، ٦٤٧ ٤٥٠،٥۹۲ ،۱۰۲ ٤٥١ تفصيل معجزة انفلاق البحر فيه فيه تعاليم قاسية ضد الشعوب المهزومة التلمود للكتاب المقدس تصحيح نبوءاته أنباء عن هجرة النبي وغزوة بدر وفتح مكة نبوءة عن بعثة النبي نبوءة عن نزول "البسملة" نبوءة إشعياء عن بعثة الرسول الله ونزول القرآن ۳۲۲ نبوءة إشعياء عن هجرة الرسول تعرضه للتحريف الكتاب المقدس محرف اعتراف القساوسة بتحريف فيه ٦٤٦ ٢٤٢، ٥٧٦ ۳۸۳ تفنيد مؤلفي الموسوعة البريطانية بيان الكتاب المقـــدس عن هارون مقارنته بالقرآن الكريم والاختلاف بينهما القرآن الكريم يصحح الكتاب المقدس ٢٤١،٥۱ ،۹ ۵۱۲
ملحقات ٥١، ٤٢٥ اتهم سليمان العلة بالشرك ۱۱۹ الجزء السابع خلافه القرآن في بيان قصة معينة مع مقارنة الكتاب المقدس بالقرآن الكريم بخصوص ذبـح الكتاب المكنون (راجع القرآن) إبراهيم ابنه ۵۱۳ وصفه للرسل الذين جاءوا إلى لوط أناسا تارة وملائكة أخرى بيانه المخالف للواقع عن امرأة لوط ٧١٦ ۲۸۰ القرآن يعارض الكتاب المقدس في بيانه حول ، موسى ارتكاب الكتاب المقدس خطأ تاريخيا بصدد هامان ۵۷۳ ٥٥٩ خطؤه في بيان عدد بني إسرائيل عند خروجهم مـــن مصر اختلافه ٥١٢،٥٠ 01.القرآن في سرد المعلومات عن الطُّور مع لا يعتبر هارون أخا لموسى لا يعترف بنبوة سليمان عيوبه ونقائصه ۵۸۲ ٤٢٥ يعرض الكتاب المقدس رب الإسرائيليين لا رب العالمين الكذب (راجع الافتراء أيضا) أظلم الناس المفتري على الله والمكذب بالنبي الصادق ٥٨٤، ٧٩٧،٦٦٢ لم يخف محمد ﷺ من تكذيب القوم له إنما من تكذيبهم آيات الله 0.1 لا يتورع الناس عن الكذب من أجل أصدقائهم ٢٥٠ قصة كذب العطارين ۲۹۲ ۳۲۱ الكذاب يدعي ولا يأتي بدليل على صدقه كيف يفتري على الله من لم يكذب على الناس قـــط ٣٢٥ عجز بعض رؤساء مكة من تسمية النبي كذابا ٣٥٥ الشياطين من البشر الذين يلقون السمع أكثرهم كاذبون تعليم الشيطان يكون مليئًا بالكذب الكتاب المقدس يتهم بعض الأبرار بالكذب ٣٥٧ ۳۷۰ ٤١٩ ٤٧٢ إذا رأيتم أحدا يكذب فامنعوه تهمة كذب وافتراء ضد موسى العلية الا ٥٨٤ 6 الافتراء جريمة لا تغتفر وتكذيب الصادق ظلم ٥٨٤ الدين ينهى عن الكذب لا يكون للشيطان صلة إلا بالأفاك الأثيم ۷۳۰ ٣٥٤ يمكن للكذاب إدعاء قرب الله ولكنه يعجز عن إنزال الآيات الإلهية ۳۸۹ الكشف (راجع الرؤيا) ٦٨٠ الكعبة المشرفة (راجع بيت الله) الكفارة (راجع أيضا المسيحية) ثلاثة معاني الكفّارة ٣٠٨ ٦١ ٢٤٢ ۵۷۳ ٦٢ ١٥٣ ٤١٩ ۲۷۹ 011 لم يتحدث عن الأمور الروحانية الأساسية ليس أهلا للثقة به في سرد التاريخ لم يذكر وحي الله إلى أم موسى لم يذكر حفظ جثة فرعون خطؤه في بيان قصة اتهام الكتاب المقدس الأنبياء تهم موجهة فيه إلى لوط العلم اتهامه موسی العليا بأن الله غضب عليه اعتبر معجزة اليد البيضاء مرض البرص اتهم موسى العلي بقتل المصري عمدا اتهم هارون العلة بالشرك ١٥٢، ٥٨١، ٤١٨ ٥٧٤ ٥٢
ملحقات الكفر أكبر سبب للكفر بآيات الله ولقائه هياج الكفر عند بعثة الرسل عیبان بارزان لمنكري الإسلام الكفر يحجب عقل الإنسان عقلية الكفار سماح النبي للكفار بالإقامة في مكة الإحسان إلى أم كافرة وأخ كافر كلام الله (راجع الوحي) الكون (راجع أيضا الدنيا والأرض) الكون كله متحرك لم يخلق الله الكون عبئًا سبب خسوف القمر خلق السماء والأرض الجديدتين ٤٨٨ ۷۹۷ ٦٩٠ ١٦٣ ٦٨٤ ۲۲۱ ۷۳۳ ٢٦٢ ٧٨٤ حث القرآن على التفكر في خلق الكون ٧٣٢،٤٨٤ الأرض لا تعمل بدون مساعدة السماء في خلق الكون وسعته آية للمؤمنين "لولاك لما خلقت الأفلاك (حديث قدسي) الكونفوشيوسية اللغو السينما والمسرح من اللغو اندفاع الماء المسلمين إلى هذا اللغو مؤسف ۷۳۳ ۷۳۳ ٣٠٥ V...00 71.71.خصائص الماء نظام مدهش للماء في العالم نعمة الماء العظيمة شكر النبي عند نزول ماء المطر مشابهة الماء بالوحي ۷۸۰ ٤٨٩ ۱۹۹ ،۲۸ ۲۸ Vo ٣٤ الجزء السابع مشابهة الأنبياء بالمطر قصة إلقاء أم إياه في ماء النهر موسی ٤٨٥، ٤٨٧ قصة انخداع بلقيس بالماء الجاري تحت الزجاج ٣٧٤ ، ٤٦٩ زعم البعض أن الهدهد كان يدل سليمان على مكــان الماء المراد من جعل الحاجز بين الماء العذب والمالح ماء السماء (الوحي) ينضر العقول مثل الإيمان كالبذرة ومثل العمل كالماء الذي ينميه ٤٤٤ ٤٨٦ ٤٩٩ ٦٩١ السر في عدم إغراق الماء للأولياء أحيانًا المال الثراء (راجع أيضا الرزق) ۷۱۰ ٦٠٧،٦٠٦ نوعان للثروة مكتسبة وموهوبة ٦٩٦ الإنسان لا يقدر أكبر الثروات مثل الهواء والماء ٦٩٧ كيف يوفق المرء للإنفاق في سبيل الله المثيل (راجع أيضًا محمد المصطفى ) مثيل لموسى العلة ومثيل لعيسى العليا المسيح الموعود العلية مثيل المسيح العليا المجتمع (راجع الحضارة والحياة) المجدد نبوءة بعث مجدد على رأس كل قرن تعريف المجدد ليس ضروريًا إعلان المجدد بتلقي الوحي ٦٣٣ ٤ ۱۱۲ ۲۳۸ ۲۳۸ إمكانية وجود أكثر من مجدد في بلدان مختلفة في زمــــــن واحد أهمية مجددين بعثوا في الهند المرأة ۲۳۷ ۲۳۸ وصية النبي الله عند وفاته بحسن معاشرة النساء ٣١٤ المرأة مفطورة على حب أولادها ۲۰۰
الجزء السابع حادث أم بحثت عن ولدها باضطراب في بدر مسح امرأة قدم المسيح بشعر رأسها ٢٠٦، ٣٨٥ ΛΕ ٣٥ المسيحية انتفعت كثيرا من نظام البابوية ملحقات 1.0 اختلاف المسيحية مع اليهود حول ولادة المسيح ودعواه وحادثة الصلب ٥٧٥ قول المسيح الا لامرأة : "ليس حسنًا أن يؤخذ خبــــز سبب إبطال القرآن للمعتقدات المسيحية الفاسدة ٦٥١ البنين ويُطرح للكلاب" قصة امرأتين متهمتين في التاريخ امرأة ! يهودية تسمم الطعام للنبي قصة امرأة مجنونة كانت تضحك دائما قصة امرأة مجنونة مع الخليفة الأول المرض (راجع الطب) ٨٥ ٧٥٦ ٧٥٦ ٦٨٩ ۱۳۲ ۰۳ ٥٢ ٥٣ بولص يعتبر المسيح الله لعينا تهم ألصقها المسيحيون بالمسيح وشاية حواري بالمسيح نظير دراهم معدودة لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (الحديث) غلبة المسيحية خطر دائم على الإسلام كتب نجسة للقسس ضد الإسلام والنبي ﷺ ۷۲۸ ۸۱ ٥٧٦ ٧٥٥ المساواة إقامة النبي المساواة بين المسلمين المسجد ۳۹۸-۳۹۷ أمر الإسلام بأداء الصلوات الخمس في المسجد ٧٤٨ حكم في حضور المسجد للصلاة ΥΣΛ تعاليم المسيحية تعاليم الإنجيل غير صالحة للعمل اعتبرت الفطرة الإنسانية آثمة نظريتها عن الخطيئة الموروثة وطريق تفاديها طرحها غير الفطري للعفو عن الذنوب قصة صحابي طلب الإذن للصلاة في بيته بدلاً مــن صعوبة أهلها في مقاومة الذنب المسجد ۳۹۲ عقيدتها عن خلود جهنم تعنيف المسيح الموعود اللي المفسر على عدم حضوره تعاليم المسيحية قاصرة عن إقامة السلام المسجد لصلاة الجمعة في صغره ٧٥١ سس معجزة مؤس الجماعة ظهـ ضية مسجد أحمدي ٣٦ مستقبلها انتصار الإسلام على المسيحية أمر مؤكد ۳۸۳ ٦٩١ ٥٧ ٦١٩ ٧٤ ΚΛΕ لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (الحديث) ۸۱ الأحمدية قادرة على اصطدام حاسم مع المسيحية (تائن بي) ΚΛΕ سبب رد المسيح الموعود على القساوسة بقسوة ٧٥٥ المسلم (راجع الإسلام) المعاهدة (راجع العهد) المسمرية (راجع التنويم المغناطيسي ) المسيحية المعجزة حقيقة المعجزات والخوارق تغيير أوائل المسيحيين مركزهم طيلة ثلاثة قرون بسبب عنصر الإخفاء في الآيات الإلهية والخوارق الاضطهاد تدليل الأنبياء على وجوده الله بالمعجزات ۷۰۹ ۹۰ ۲۳۹
ملحقات معجزة.ة نجاة إبراهيم العلية لا من النار ٧٠٨، ٦٥٨ معجزات عصا موسى ويده البيضاء وانفلاق البحر ٥٨٠، ٤١٨ يعتبر الكتاب المقدس معجزة اليد البيضاء مرض الجذام ٤١٨ ٣٦ منع الله النبي ﷺ من الاستغفار لأمه الجزء السابع المقطعات القرآنية (راجع القرآن الكريم) الملائكة كل ملاك يكون مقدسًا وأمينا أمانة الشرع لم تحملها الملائكة الملائكة لا تعلم الغيب ٣٤٦ ٣١٦ ٤٤٢ ۳۳۱ القرآن الكريم أكبر معجزة النبي وهب النبي ﷺ القرآن مقابل عصا لموسى العلية الا تسع آيات لتأييد موسى حقيقة اليد البيضاء لموسى العليا ظهور آيات عديدة أثناء هجرة النبي معجزة انشقاق القمر كانت كشفا معجزة مطر الحصى على الكفار ببدر ٤١٩ ١٤٨ ٦٤٤ ۱۳۸ ١٥٩، ٤٨١ مقارنة معجزة موسى بمعجزات الرسول استمرار نزول الآيات الإلهية في الأمة المحمدية ظهور معجزات على يد أولياء الأمة ۱۵۹ ۳۳ سبب انتشار الخرافات بين المسملين نسيانهم سنة الله في المعجزات إفحام المسيح الموعود للقسس لما طالبوه بشفاء المرضى معجزتان للمسيح الموعود في سيالكوت المعرفة (راجع العلم) المغفرة حقيقة المغفرة المغفرة لا تتنافى عدل الله مع إذا تاب المرء توبة نصوحا غفر الله له ذنوبه حقيقة استغفار الأنبياء دعاء لمغفرة الوالدين النهي عن الاستغفار للمشركين استغفار إبراهيم لعمه سبب استغفار إبراهيم لعمه المشرك ۹۰ 111 V.A ۲۱۳ ٦٩٢ ٦٨٠ ۲۱٥ ۲۳۵ ٢٣٤ ٢٣٤ ۲۳۵ الله يهب الأولاد لا الملائكة أناس يفوقون الملائكة تمثلهم كبشر نزول الروح الأمين على الرسول ﷺ ظهور ملاك الرب لموسى بلهيب نارٍ ملاك الرب يمنع إبراهيم من ذبح ابنه نزول الملائكة على مجالس ذكر الله ۷۲۱ ۲۰۹ ۳۲۰ ٤١٠، ٥٨٠ ٤١٣ ۵۱۳ ٧٥٣ إذا أحب الله عبدا أمر الملائكة بوضع قبوله في الأرض يقول الله للملائكة إن عبدي سبّحني م فطهروه من العيوب ۱۳ ٧٥٢ ۱۳۹ رؤية الصحابة والكفار الملائكة في بدر الرسل في آية "ولما جاء جاءت رسلنا إبراهيم" هم أناس لا ملائكة ۷۱۷ وصف التوراة للرسل الذين جاءوا إلى لوط أناسا تارة وملائكة أخرى ٧١٦ إخبار ملاك المفسر عن إلهام تلقاه المسيح الموعود ١٤٢ القرآن يبشر الصالحين بترول الملائكة عليهم في الدنيا والآخرة ۳۸۷ إذا عمل المرء حسنة وضعت الملائكة على قلبه نقطــة بيضاء ذكر الله تعالى يقرب منه الملائكة ٤٠٧ ٧٤٩ من أدى الصلاة بشروطها حذرته الملائكة من كل إثم ٧٥٢
الجزء السابع ۳۷ رؤية المسيح الموعود ملائكة يغرسون أشجارا ســــوداء النبات زوجان كريهة الشكل في البنجاب المؤمن (راجع الإيمان) المنافق (راجع النفاق) ٥۲۳ دور النحل في إثمار الأشجار شجرة الكرم قد يطول عمرها إلى ألف عام النبوءات نبوءات الأنبياء عن بعثة النبي ملحقات ۹۹ ११ ٧٨٦ المهدي (راجع أيضا مرزا غلام أحمد في فه الأسماء) ٤٩٧ کله انتظار المهدي في العالم الإسلامي قدر نواب صدیق حسن خان أن المهدي سيظهر في السنوات الخمس أو الست الأولى من القرن الرابع عشر الهجري المهر مقدار المهر عند المفسر الموت (راجع أيضًا الحياة والفناء) ليس الموت إلا باب للخروج من الدنيا إلى الآخرة لا تنال الحياة بدون الموت النار (راجع جهنم أيضًا) ٤٩٨ ۰۷۱ ۲۰۹ ٦٦٩ نبوءة بعثة النبي ﷺ تلقاها موسى على الطور العلية لا نزول "البسملة" نبوءة موسى عن العلي عن فتح مكة نبوءة موسى ۲۱۰ ٥٩٢، ٤٥٠ ٤٥١ ٦٤٧ نبوءة إشعياء العليلة عن بعثة النبي ﷺ ونزول القرآن نبوءة إشعياء عن هجرة الرسول نبوءات قرآنية نبوءة عن دين عالمي في رب العالمين في قصة لوط نبوءة عن النبي ﷺ في حادثة ثمود نبوءة عن النبي ﷺ نبوءة هجرة النبي من مكة وعودته إليها ۳۲۲ ។ ។ ۱۹۷ ٤٨٠ ٤٧٧ السر في عدم إحراق النار للأولياء أحيانًا ۷۱۰ حقيقة النار التي بردت على إبراهيم العلي معجزة نجاة إبراهيم العلية لا من النار ۷۰۷ ٧٠٨، ٦٥٨ نبوءة نزول عذاب مفاجئ على أهل مكة نبوءة غلبة أتباع النبي ﷺ نبوءة الغزوات والنبي ﷺ في مكة لا تخوفنا من النار فإنها عبد لنا بل لغلماننــا (وحـــــي للمسيح الموعود) النار في الرؤيا تعني حب تأويل الاحتراق بالنار في الرؤيا ۷۰۷ 212 212 المؤمنون يقفزون في نيران محيات لوجـ الله الله فتصبح لهم جنة الناسخ والمنسوخ (راجع القرآن) ٢٤٨ النبات ۷۳۰ ،۲۹۲ ٥٤٧، ٦٤٣ ٣٢٦ ٥٤٠،٥٣٩ ٣٦٨ تحقق نبوءة قرآنية في بدر ۱۲۵ نبوءات عن المسيح والمهدي والزمن تبوعة خروج دابة الأرض ٥٢٢ خسوف القمرين في رمضان ٥٢٢ نبوءة إزلاف الجنة ٢٤٨ نبوءة ظهور منظمات شتى وانتشار الإلحاد ۵۲۷
الجزء السابع ۳۸ ملحقات نبوءة عن اختراع القنبلة الذرية ۰۳۱ نبوءة في أفريقيا الغربية عن انتشار الإسلام عند مجيء لا يدع الله المفتري يفوز داعية أبيض نبوعات المسيح الموعود القلبية ۲۱۹ يتربى الأنبياء في كنف الأعداء يظهر الله الغيب عن طريق الأنبياء ۱۲۸ ٥٨٤ ۵۰۸ ،۳۷ النبي ﷺ عن باقي الأنبياء بإيمان قومه كلهم ٣٠٣ ۲۲۱ ۲۲۰ ٣٥٠ ٣٥٢ ٤٨٢ ٢٦٥ ٤٨٧٠٤٨٥ ۲۱۸ ٢١٥ ۱۱۲ 114 ١٦٦ ١٥٢ ٢٣٦ ۲۲۱ نبوءة هجمات قوية على العالم نبوءة تفشي الطاعون في الهند نبوءة حدوث زلزال عام نبوءة عن القسيس آتهم النبوة في كل أمة جاء الأنبياء والرسل ٦١١ ٥٢٥ ۷۹۱ ۱۹۰۵ 120 ٧١٣،٦٠٠ إنكار رسول واحد يُعَدُّ إنكارًا لجميع الرسل ٢٦٥ سبب مجيء رسل العذاب على قوم لوط إلى إبراهيم أولاً الرسل في آية "ولما جاء جاءت رسلنا إبراهيم" هم لا ملائكة غاية بعثة الأنبياء ۷۱۷ أناس ۷۱۷ مكانة الأنبياء درجات الأنبياء مختلفة يُبعث الأنبياء أسوةً النبي يكون من عائلة عريقة دائمًا حكمه قولنا "عليهم السلام" دعاء للأنبياء الأنبياء كل نبي ينوب عن جميع مشابهة الأنبياء بالمطر وجود الأنبياء دليل على صفة الله "الرزاق" الأنبياء حائزون على النجاة قبل دعواهم يعتبر القرآن جميع الأنبياء اء معصومين أبرياء يوهب صاحب الوحي الاستقامة والطهارة حقيقة استغفار الأنبياء خصائص الأنبياء ليس لبعث الأنبياء سن معين ليس ضروريًا أن يبعث نبي في مدينة كبيرة كل نبي يخاف تواضعًا عند أول وحيه الفرق بين طبع النبي وغيره ظاهرة انبعاث الأشعة من الأنبياء والأولياء حياتان للنبي: جسمانية وفيضانية لا بد للأنبياء من العبادة سبب بعثة النبي إلى قوم قبل نزول العذاب عليهم ۵۹۷ ۱۰۳ ۳۸۸ ،٤٥٧ ٤٦٤ ضرورة بعثة الأنبياء الغرض من بعثة النبوة نشر التقوى هو أهم هدف لبعثة الأنبياء العقل بحاجة لتوجيه نبي عند ظهور نبي يُصغر الكبار ويكبر الصغار صدق الأنبياء الأنبياء والرسل يغلبون دائما أحد معايير صدق الأنبياء نجاحهم غلبة الرسل على العالم بالبراهين من ١٨٤ ٥٨٤ ٤١٦ ٦١١ ، ۳۲۷ لا يُقتل النبيان الأول والأخير في أي سلسلة نبوة أدلة صدق الأنبياء حياتهم الطاهرة قبل الدعوى بعثة أشباه الأنبياء وأمثالهم في العالم ٣٢٥ اقتران البركات والآلام ببعثة الأنبياء ۱۱۷ ٦٤١ ٤٨٦
ملحقات الكفر يتنشط عند بعثة نبي صادق بينما لا يخاف الناسُ المتنبئين إنكار نبي واحد إنكار لجميع الأنبياء إنكار أعداء الأنبياء وغرورهم كفر زوجات بعض الأنبياء وأولادهم ٤٨٩ ٢٦٥ ۱۸۳ ،۱۷ ٣٤٨ ٢٢٥ ۱۳۱ كل نبي أنهم بكونه عميلا سبب اتهام الأنبياء بالجنون أعداء الأنبياء لا يفوزون وإن أحرزوا نجاحا مؤقتا ٦٣٨ ٦٩٠ A..۵۳۳ ٦٩٠ ٦٩٠ ۷۲۷ 1.7 النبي (راجع النبوة) النجاة نظرية الإسلام حول النجاة نظرية البوذية عن النجاة دحض النظرية الهندوسية.عن النجاة دحض النظرية المسيحية عن النجاة حقيقة النجاة عند المسيح العليا متى يصير الدين سبب النجاة ۳۹ ٤٩٧ ١٧٦ ٢٥١ ۱۷۱ ٢٨٤ ٦٩٣ ۳۲۰ ٦٩٤ ٦٩٩ ۷۱۷ ۷۱۷ ٤١٩ ۷۱۷ الجزء السابع جماعات الأنبياء كل قوم انتظروا بعثة نبي قبل بعثته جماعات الأنبياء تكون قليلة العدد في البدء لا بد من طاعة النبي إلى جانب العمل بشريعته تعرض جماعات الأنبياء للمحن معيار الحب للأنبياء أنواعها النبوة التشريعية وغير التشريعية ال أول نبي مشرع الأنبياء غير المشرعين كان إبراهيم من أتباع نوح قد خلا بين نوح وإبراهيم أنبياء كثيرون كان لوط تابعا لإبراهيم أنبياء تابعون بعض أتباع موسى نالوا النبوة الفرق بين نبي أمتى أي كونه أحد من الأمة كانت النبوة قبل محمد توهب مباشرة دون اتباع ۷۱۷ لا نجاة دون اتباع النبي ﷺ إلى الله بقطع العلاقات عن غيره على المرء أن يتوب ني سابق ليس بعد محمد نبوة مستقلة بل نبوة ظلية لم يُبعث قبل الإسلام نبي إلى غير قومه ني مختص القوم إمكانية مجيء أنبياء غير مشرعين في الأمة ۷۱۳ ٤۲۹ ،۳۱٥ ۳۱۱ ،۱۲۱ ۳۲۳ اعتناق الدين الحق وحده لا يضمن النجاة النصيحة (راجع أيضًا الدعوة) ضرورة الوعظ والنصح الناس يبحثون اليوم عن رجل كامل بل نبي (المودودي) ضرورة وعظ المسلمين ۷۲۹ ۷۲۹ ۲۷۱ ۲۷۰ ۸۷ ٦٧٠ ٦٨٩ ٢٤٨ النفاق الجبن سبب النفاق المنافق يرى التضحية انتحارا المنافقون ينشقون وقت المصيبة الابتلاءات تفضح المنافقين المنافقون يرون التضحيات جحيما ٤٩٨ ١٦٤ ٦٧٤ ٩٤ معارضة الأنبياء معارضة الأنبياء والخلفاء والأولياء يواجه الأنبياء الأذى المستمر سبب معارضة الأنبياء سبب ، إنكار الأنبياء
ملحقات الوالدان (راجع أيضا الأُمّ) حدود طاعة الوالدين المشركين ٦١٨ ٦٨٣ كيف يعاشر المرء والديه عند الاختلاف في الدين ٦٨٤ يأمر الإسلام بالإحسان إلى أمّ كافرة قصة في الحديث عن خدمة الوالدين وجود تشابة كبير بين الوالدين والأولاد ٦٨٤ ٤١ ٢٨٦ الله أشد حبًّا وغيرة للعباد من الأم الرءوم ۸۰۱، ۸۰۷ إلقاء أم موسى إياه في النهر الوحي لا فرق بين الوحي والإلهام نزول الوحي وأقسامه مراتب الو.تعليم الإنسان البدائي بالوحي علم الإنسان اللغة في البدء إلهاما ٥٦٠-٥٧٤ ،541 ۳۱۷ ۳۱۷ ۳۲۰ ۳۹۳ ۳۹۳ ٤٠ العلاقة بين الإلهام والفطرة الصحيحية الوحي والكتاب المبين فلسفة ترتيب الصحف السماوية أول وحي نزل على موسى أن علم عیسی العليلة الجزء السابع العليا الو يهوذا سيسلّمه وعد رباني بإكرام المسلمين بالوحي دائما ٧٦ ٧٦ 7.1 ٥٤٣ ۷۲۹ ۳۸۷ لا تتمنوا نزول الوحي عليكم (المسيح الموعود) ٣٥٦ مصير الذين يتمنون الرؤى والإلهام تمني الأفاك والأثيم انكشاف الغيب عليه خطأ البهائيين في فهم تعريف الوحي ٣٥٦ ٣٥٦ ۳۱۸ ٧٨٤ نبأ مواجهة بين الإسلام والشعوب المنكرة للوحي رأي لبعض علماء عن إلهام سيدنا أحمد عليه السلام عن العدد إلهامات للمسيح الموعود العليا ۰۳۱ لا بد من ماء السماء مع العقل للهداية ٧٣٣ وحي الأنبياء غير المشرعين كيفية نزول الوحي على النبي ﷺ القرآن محفوظ بكلماته كما نزل على النبي ﷺ ۳۲۰ ۳۱۹ 21.دحض فكرة نزول الوحي الشيطاني على الرسول ﷺ نزول الوحي على أم موسى العلي وحي لإبراهيم العليا ۳۲۸ ٥٤١ ۱۸۹ استمرار الوحي في الأمة المحمدية ۲۳۷ الفرق بين الوحي التشريعي وغير التشريعي٣١٨، ٥١٧ الملهم لا ينسى الوحي التشريعي الفرق بين الوحي والخواطر صفات من يتلقى كلام الله نزول الإلهام على أولياء الله صوت الإلهام قد يسمعه الآخرون نزول الإلهام وفق حالة قلب المرء ۳۱۹ ۳۱۸ ۳۱۷ 181 181 ۲۳۱ إني مع الأفواج آتيك بغتة ١٤٢ إني مُعينٌ من أراد إعانتك وإني مهين من أراد إهانتك لولاك لما خلقت الأفلاك يا مسيحَ الخَلق عدوانا لا تخوفنا من النار، فإنها عبد لنا بل لغلماننا آلاف العباد تحت أجنحتك ٧٤٤ ٣٠٦ ٥۲۳ ۷۰۷ ٤٢٤ وحي المسيح الموعود ال حول تفشي الطاعون ٥٢٥ إلهام للمسيح الموعود الليلة عن مجيء نذير إلى الدنيا ٦١١ إخبار الله للمفسر بأن المسيح الموعود تلقى الليلة وحيًا كذا ١٤٢ فترة انقطاع الوحي حكمة انقطاع الوحي عن العرب فترة طويلة نبي في العرب في هذه الفترة ۲۳۸ ،۲۳۹ ۲۳۹
الجزء السابع ٤١ ملحقات نبوءة إشعياء بنزول شريعة لقوم يعيشون تلك الفترة لا هداية في القرآن لمن يدّعي الإيمان بلسانه فقط ۳۹۰ لم تقدّم الأديان الأخرى أي هدى بصدد السلام العالمي كيفية إتمام الحجة على الناس في هذه الفترة ۳۲۲ ۲۳۵ سيُبعث نبي يوم القيامة إلى الذين خلوا أثناء هذه الفترة لا تيأسوا من هداية أقاربكم (المفسر) ٢٤٠ ٢٤٠ رؤية النار في الرؤيا تعني الهدى Vε ۳۳۸ ٤١٢ فترة انقطاع الوحي عن الأمة المحمدية الوطن الهندوسية تعاليم الهندوسية ضيقة الآفاق على المؤمنين أن يكونوا مستعدين لترك أوطانهم ٧٧٩ زعمها باستحالة تطهر الإنسان وقف الحياة (راجع الحياة) الهجرة الهجرة الشخصية والهجرة القومية VVV دحض نظريتها عن النجاة دحض عقيدتها عن أزلية الروح والمادة ۵۳۳ يُجبر الأنبياء على الهجرة أمر المؤمنون بالهجرة في ظروف معيَّنة 771 ۲۱۲ حرب مستمرة بين الإلهين "براهما" و"شو" تهم وجهها الهندوس إلى كرشنا ورام تشندر خطأ فادح لـ"براهمو سماج" الهندوسية ٥٣، ٤٨٣،٥٤ ۷۰۹ على المؤمنين أن يكونوا مستعدين لترك أوطانهم ٧٧٩ حرمان طبقة "الشودر" في الهندوسية أمر النبي ﷺ صحابته بالهجرة إلى الحبشة نبوءة إشعياء عن هجرة النبي ﷺ نبوءات القرآن عن هجرة النبي الهجرة كانت أساس غلبة الإسلام مقارنة هجرة موسى العليا بهجرة النبي VVA ។ ។ ٤٦٣ ٤٧٨ ۱۷۹ الهداية العقل الإنساني وحده لا يكفي للهداية تاب إليه صدقا الله يهدي من : الله يهدي يشاء في لمح البصر من ۷۳۳ ۷۹۹ ٦١ يستحيل إنشاء الصلة بالله بدون طاعة يبعثه لهداية الناس الهداية تتوقف على فضل الله من الفرق بين التدابير الإنسانية لهداية الناس وهدي الله ٢٥١ يُعث النبي لهداية العالم كله ٤٩٠ 117 الوثنية (راجع الشرك) وحدانية الله (راجع الله تعالى) يأجوج مأجوج خروجهما في آخر الزمن اليأس نتائج اليأس من رحمة الله اليهودية سورة "مريم" مليئة بذكر المسيحية واليهودية تعاليم يهودية ظالمة تجاه الشعب المفتوح الزكاة عند اليهود اليهود لا يعتبرون سليمان العليا نبيا يهود كثيرون باسم "هُدَد" في زمن سليمان معاداة العرب واليهود ٣٩٦ ٤٠٥ ٦٥٨ 1 ٤٥٣ ۳۹۷ ،٣٩٦ ٤٢٥ ٤٤٣ ٤٤٥
ملحقات ٤٢ الجزء السابع عالم يهودي يعد سليمان اللي بإحضار عرش الملكة ٤٦٧ أمريكا ترتكب خطأ فادحا بدعم اليهود في قضية وضعُ هامان الفارسي خطة لإبادة اليهود أسباب انحطاط اليهود فلسطين ٦٨٦ ٥٤٤ عداؤهم القديم للعرب ٤٤٥ لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد هم ألد أعداء الإسلام ٧٥٨ اعتبروا ولادة المسيح غير شرعية احتقارهم للمسيح العليا ٣١٥، ٤٨٤ ،۸۱ ٥٢ ٥٣، ٥١٥ ٥١٥ ،۱۲۲ ،٥٣٥٢ محاولتهم إخفاء أحكام التوراة بحضور النبي ﷺ مؤامراتهم ضد النبي والإسلام ٧٦٢ ٤٤٦ ٧٥٨ تآمرهم مع كسرى ضد النبي حكم القرآن فيما اختلفوا فيه مع المسيحية تدمير نبوخذ نصر بيت المقدس ۱۷۱ أمر كسرى باعتقاله بتحريض اليهود محاولاتهم لقتل النبي تفاصيل حياة إبراهيم في كتب الربيين الفلسطينيين ١٩٠ كانت قيادة الكفار بيد اليهود في غزوة الخندق عملاً بتعاليمهما مؤامرة قتل اليهود في إيران في القرن الخامس قبل الميلاد فشل اليهودية في إرساء السلام ٦٦٦ ٧٥٩ ٧٥٨ ٧٤ رؤيا صفية – رضي الله عنها – وردّ فعل أبيها اليهودي منظمات يهودية سرية بأمر من الأنبياء ٦٦٦ كشف لحزقيال عن إحياء اليهود مؤامرة اليهود لقتل سليمان ٦٦٦ ٦٦٦ كان علماء اليهود قبل بعثة النبي يترقبون تحقق نبوءات الكتاب المقدس ٦٤٨ ۱۳۷ اليهود أكثر مالاً من المسلمين، فلمــاذا تـــركهم الله وخذلهم؟ ۲۹۵
(د) فهرس الأعلام شعوب وشخصيات
الجزء السابع آتم القس عبد الله 11.١٤٥ هزيمته في المناظرة مع المسيح الموعود العلية ١١٠ - ١١١ رؤيته مشاهد مرعبة في المنام آدم الان ۶۹۳ ،۱۹٥ ،۱۸۳ ،۱۰۶ ، ۱۳ حوت نبوتُه تعليما جعل الإنسان إنسانا حقيقيا ٣٩٤ كان كأستاذ الملائكة علم الناس الزراعة هو حكمة سرد قصة آدم والشيطان حقيقة سجود الملائكة لآدم معارضته تقبل قربان أحد ابنيه كان في زمنه أيضا الغني والفقر آدیسون آزر هو والد إبراهيم العلم عند جوزيفوس آسيه زوجة فرعون ۲۰۹ ۳۹۳ ٢٧٤ ۱۲ ٩٤ ١٧٦ ۳۹۲ ٢٦٣ ٢٤١ - ٢٤٣ ٢٤٢ ٥٦١ ملحقات 110 ٢٤١ طفولته وشبابه نظريات مختلفة حول اسم أبيه اختلاف القرآن الكريم مع الكتاب المقدس حوله ٢٤١ كان من أتباع شريعة نوح ال ٢٥٦، ٦٥٧، ٦٩٤ هاجر من العراق إلى فلسطين أفضال الله عليه بعد الهجرة أهدى له الملك المصري هاجر ۷۱۳ ٣٥٢ ٢٣٥ ولادة ابنيه إسماعيل وإسحاق في الشيخوخة مقارنة بين القرآن الكريم والكتاب المقدس بخصوص ذبح الابن أيهما كان ذبيح الله؟ تَرَكَ هاجر و إسماعيل في واد غير ذي زرع تلقيه البشارة بولادة إسحاق ويعقوب كان بطبعه ميالاً إلى التوحيد كان يعشق التوحيد يقينه بكون الله رزاقا يقينه المحكم بالله تعالى حلمه ومواساته ظهور التجلي الإلهي في مكة بواسطته كان هدف بعثته نشر التوحيد اتخذ خطة طويلة المدى لنشر الدين معارضته حواره مع المشركين حواره مع نمرود حقيقة كون النار بردا وسلاما عليه تعاليمه آل غالب فرع من قريش ٣٣٤ آل قصي فرع من قريش ٣٣٤ آل كلاب فرع من قريش ٣٣٤ آل لؤي ٣٣٤ آل مرة فرع من قريش ٣٣٤ آمون آمن، آمان أو آمون، أحد آلهة المصريين تأكيده على صفتي الله المحيي والمميت إبراهيم ال ٥، ٢١٦، ٢٢٧، ٢٣٣، ٢٥٠، ،٦۲۰ ،۶۰۹ ،۰۰۰ ،۳۰۳ ،۳۲۶ ،۳۱۱ ،۲۸۱ ٦٢٤، ٦٤٦ تفنيده لفلسفة الشرك بعض إلهاماته نصحه لقومه معنى تخصيص النبوة والكتاب بذريته ۵۱۸ ٥١٣، ٥١٤ ٦٩٥ ۷۱۷ 110 ۷۱۲ ۱۹۷-۱۹۶ ٢٣٤ ٥٣٥ ۲۱۷ ۲۲۸ ٩٤ ٦٢٢ ۱۹۰ ٧٠٦، ٦٥٨ ٦٥٧ ۲۱۳ ٦٩٥ ۱۸۹ ۱۹۷ ۷۱۳
ملحقات وهب أجرا عظيمًا حكمة ورود اسمه في الصلاة على النبي جعل الله مكة حرمًا منذ زمنه أمر بتطهير بيت الله كانت عظمته راسخة في قلوب أهل مكة كان العرب قد نسوا تعاليمه حقيقة دعائه نتائج دعائه دعاؤه يتضمن درسًا عظيمًا دعاؤه عند رفع قواعد البيت استجيب دعاؤه في شكل أُمَّة محمدية دعاؤه لأهل مكة استغفاره لعمه حقيقة استغفاره كان لوط من أتباعه الرسل الذين أتوه كانوا أناسًا لا ملائكة بعثة موعود يكون ظلاً له في الزمن الأخير إبراهيم بن محمد ﷺ إبراهيم لنكولن عفوه عن أهل الولايات الجنوبية أبرهة هجومه على بيت الله وهلاكه مساعدة بني ثقيف لأبرهة ابن أبي ليلى كان قاضيا بارعًا زمن عمر قراره المنقطع النظير عين حاكم الكوفة في سن ۱۹ ابن تيمية رحمه الله ٤٦ الجزء السابع ܬܘ1 ابن حجر رحمه رحمه الله ٢٢٥ تأويله لرواية نزول وحي شيطاني على النبي ﷺ ٣٢٨ ابن حيان، صاحب البحر المحيط ۷۹۳ ۱۹۱ ۰۹۱ ۲۲۱ - ۲۱۸ ۷۹۳ ،۲۳۹ ۲۲۱ ۲۳۵ ٢٢٥ 1.1 ٢٣٤ ٢٣٤ ۷۱۷ ۷۱٥ ٦٤٥ ، ٦٤٧، ٦٦٨ ۷۱۳ لم يهتم مفسر غيره ببيان الترتيب في القرآن ابن الزبير به ఆల ٤٦٠ 7..٣٦٩، ٦٥٥ ابن عباس ٦٥٥،٣٦٩ دعا النبي له أن يفقهه الله في الدين ٢٥٨ أبو إسماعيل (مصنف فتوح الشام) ٤٧١ أبو الأعلى المودودي اعترافه بأن العصر الحاضر بحاجة إلى رجل كامل بل إلى ٤٩٨ البقاء العلامة VOV أبو بكر الصديق 35، 164، 504، 534، ٣٥ آمن بالنبي ﷺ فور سماعه دعواه ٤٥٤ ٦٠٩ ۱۲۸ ٢٦٠ ٢٦٠ ٢٦١ ٧٥٦ أنقذ النبي ﷺ من كفار مكة غيرته للنبي كان أشجع الصحابة أهل النبي كان من برفقته أثناء الهجرة تشرف ٢٥٣، ٣٣٥ ۸۲ ٤٧٨ ٤٣٤ ٤٨٠ ٦٤٤ ۷۲ جوابه لسائل عن النبي أثناء الهجرة أنه هاد شجاعته في غار ثور نتيجة القوة القدسية للنبي ﷺ ٦٨٨،٦٤٤ قول النبي له "اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما" خطابه في سقيفة بني ساعدة إثر وفاة النبي ﷺ ۱۷۹ ١١٦ انتخب أول خليفة للنبي تمرد العرب ضد الإسلام في عهده ١٦٤
الجزء السابع لم يقبل مال الزكاة من شخص لم يقبل منه النبي ٦٣٢ ٤٧ ملحقات وفاته بشعب أبي طالب ۸۳ أبو العاص له سماح النبي ل لابنته بالإحسان إلى أمها الكافرة ٦٨٤ أسر في بدر وافتدته زوجته زينب بعقد لها شهادة أحد عبيده أبو جهل سماه المسلمون أبا جهل كان ألد أعداء النبي ﷺ كان بمنزلة فرعون في زمنه لطم النبي مرة ٦٦٨ ۱۷۶ ،۸۲ ،۵۸ ،۳۵ رأى في الكشف جملا هائجا بجانب النبي ﷺ دعاؤه في ميدان بدر قتله طفلان إنصاريان ببدر هلاكه المثير للعبرة سيظل ملعونا إلى يوم القيامة أبو الحسن أبو حنيفة الإمام رحمه الله تلقيه درسًا من طفل أبو حيان (مصنف "البحر المحيط") أبو سفيان سؤال هرقل إياه عن النبي ﷺ القافلة قدومه مع من قبل الشام فوجئ بجيش المسلمين يوم الفتح أبو طالب كان يكرس جميع أوقاته في خدمة القوم تربيته للنبي ٤٦٣ ٤٧٧ ۸۲ ١٤٣ ٤٨١ ١٢٥ ٦٨٧،٥٨٨ ۵۸۸ ٣٦٣ 1.2 1.9 ۷۱۷ ٣٥٢ 17.٧٧٤ ۱۸۹ ۳۳۳ ٢٣٤ مطالبة وفد الكفار إياه بمنع النبي من الدعوة أبو عبيدة قاد الجيش الإسلامي في يرموك أبو قحافة استغرابه من انتخاب ابنه أبي بكر خليفة أبو لهب عدو لدود للنبي تفريقه شمل بني عبد المطلب ٣٥ ٥٠٤ ٤٧٧ ۳۲ قوله للنبي ﷺ "تبا لك سائر الأيام، ألهذا جمعتنا؟" ٣٣٥ تهديده للنبي أبو هريرة أبيرام بن الياب أحد الإسرائيليين المعارضين لموسى العليا أبي بن كعب أبيقراط أجاجي أحمد البريلوي الشهيد رحمه الله كان مجددا في الهند فقط استشهد في ٦ أيار ١٨٣١م أحمد السرهندي رحمه الله سجنه الملك جهانغير في غواليار أخسويرس ملك فارسي ٨٦ ٢٢٤، ٢٧٣ ٦٢٥ ٤٠٢ ٤٤٣ ٥٥٥ ۲۳۸ ٢٤٠ ٥٥٥ ٤٧٢ ،۳۳۳ ،۱۹۰ ۱۸۹ عزمه لحماية النبي رغم حبه لقومه أرسطو ۷۸ ،۲
الجزء السابع ۱۳۳ ٦٢٥ ٤٢ الله دين الحكيم البهيروي الياب ابناه عارضا موسی إمام الدين أمة النصير بيغم قصتها الممتعة أم كلثوم بنت محمد ٣٥ أمية ابن خلف ٤٧٧ الإنجليز ٥، ٥٩٤۱۲ ، ۳٣٤٥ ، ٦٥ ،۳۱۰ أمانتهم التجارية قصة الملك الإنجليزي كينيوت احتلالهم الهند ومظالمهم ظلمهم بأهلها في مفسدة عام ١٨٥٧م ٦٨٢،٦٤١ ۲۹۲ ۷۸۳ ٤٥٣،٣٦٣ ٤٥٣ تذليلهم أعزّة الهند ٦٣٦ عينوا الهنود مسؤولين توطيدا لحكمهم دعاء رئيس الوزاء الإنجليزي في حرب ١٩١٨م ٧٩٦ شارب الخمر يُعتبر عندهم شريفًا ٣٥٠ ردُّ المفسر بقسوة على إنجليزي هجم على النبي ﷺ ٧٥٦ ظن أوروبي أن المفسر ذهب إلى إنجلترا للتآمر علــى الإنجليز أنس بن النضر استشهد بأحد وعرفته أخته ببنانه ٧٥ ٦٧٥ ٦٧٥ ۲۳۸ شهادته كانت سببًا في نزول آية في القرآن أورنغ زيب عالمغير المغولي كان من المجددين ΕΛ ملحقات أسامة ابن زید أمره النبي على الجيش وعمره ١٨ عاما أستير اسم سيدة يهودية إسحاق العلمية بشارة ولادته ولد في شيخوخة إبرا اهيم 000 ،٥، ٦٥٨، ٧١٣۱۳ ،۲۳ ۷۱۷ ۲۳۵ أسد الله خان غالب (انظر غالب) إسماعيل العلمية ولد في شيخوخة إبراهيم تركه إبراهيم له في واد غير ذي زرع غاية إسكانه في واد غير ذي زرع وصفه الكتاب المقدس بالوحشي أُمر بتطهير بيت الله الكعبة حقيقة القربان الإسماعيلي تيماء وقيدار هما ابناه ٦٣٩ ٢٣٤، ٥١٣ ۲۳۵ ٦٩٥ ۲۳۰ ۳۲۱ ۷۹۳ 0126V7 ។ ។ ١٦٤ ۲۳۱ ۷۲۲ ٦، ٢٨١ ٥٠٢ VA ٤٣٣،٣٦٣ ٤٢ ٥٥٧ الأسود العنسي المتنبئ أشوك (ملك هندي) أصحاب الأيكة هم قوم شعيب الله وسكان مدين كفرهم بشعيب أصحاب الفيل أفلاطون أكبر، جلال الدين المغولي أكمل (انظر ظهور الدين القاضي) الإسكندر مارت
ملحقات 1..٣٩-٤٠ 101 ۳۳۹ ٢٤٦ ۰۳۱ Vo ٤٩٥ ٧٥٩ ۰۳۱ ۰۳۱ 174 - 173 ۱۱۳ ٧٣٦ ۲۲۲ ۰۱۷ ད ད ད ٧٥٦ 101 ٧٤٧ رؤيا رآها في طفولته وقائع من حياته تتجلى فيها قدرة الله اطلاعه على ما في قلوب زواره حواراته العلمية والتبشيرية حواره التبشيري في طفولته مع مالي إنجليزي خبير مقابلته حواره مع عالم نووي روسي حديثه مع مهندس باخرة رده على سؤال السيخي بلديو سنغ سفره إلى أوروبا للعلاج ٤٩ ٦٤٦ ٦٢٤ ٤٨٨ ۲۱۱ ۲۱۱ الجزء السابع الأوس كانوا من ذرية ددان بن إبراهيم أيوب العلية الباب علي محمد مؤسس الحركة البابية بخت نصر (راجع نبوخذنصر) بختيار الكعكي قطب الدين رحمه الله راهما إله هندوسي برا قصة حرب بينه وبين الإله "شو" برهان الدين الجهلمي تعرضه للاعتداء في سيالكوت برتن ٦٧١ ۲۸۲ إلقاؤه محاضرة حول الإسلام في لندن محاضرته في لندن حول الدمار الذري دحضه دليل الشيخ الأمر تسري حواره مع شيخ بشير الدين محمود أحمد الله صاحب هذا حواره مع طالبين من معهد ديوبند التفسير تلقيه العلوم من الله رؤياه عن غاية خلق الإنسان رده على تساؤل أحد المتصوفين حواره مع شيخ حول ضرورة اتخاذ الأسباب حواره مع القس زويمر قصه إفحامه قسًا إنجليزيا برد قاسٍ نقاشه مع سيدة بهائية حديثه مع هندوسي وهب من الله علما خاصا لتفسير القرآن علمه الله أُسُس نظام الاقتصاد في الإسلام كشفت عليه العلوم الطبيعية بالرؤيا ۱۰ ٣٤٩ ۳۹۹ ۰۳۱ إخبار الله إياه أن المسيح الموعود تلقى الليلة وحيًا كذا وجهة نظره الخاصة مذهبه في أداء الصلاة في الظروف المشتبهة ٧٤٩ رأيه في قدر المهر لا يركز كثيرًا على أسباب النزول ٦٧٥ رحلاته كان مع المسيح الموعود اللة في سفره إلى سيالكوت رحلته إلى الحجاز للحج وصوله إلى غار ثور ٦٧٠ ۳۳۷ ٦٤٤ ١٤٢ 10.۷۹۹ 1.0 تمثل نور الله له إلقاؤه الخطاب في الرؤيا حول وجود الله تعالى رؤياه عن أسباب تخلف المسلمين رَدُّه في الرؤيا على أسئلة مسلم ألماني ۱۰ المسيح الموعود يأمره في الرؤيا بالذهاب للحج بسرعة رؤياه عن الهجرة في المستقبل ۳۳۷ VVV
الجزء السابع ٥٠٤، ٧٥٨ ٣٧٥ ٥٥٣ ٥٥۱ ،۱۳۰ ٦٣٦ ٩٤ ٢٤٢،٥٠ ۵۹۲ 17.۵۱۹ 1.7 ۳۰۹ ۳۲۲ ۱۰۲ 1.7 ۰۱۱ ۰۹۳ ។ › ។ ۱۰۲ ٧٥٨ ٧٥٨ ٧٥٨ ٤٣٨ ۳۲ ملحقات ذهابه إلى مصر لتعلُّم العربية زيارته لمباني قوم عاد في عدن شاهد جثة فرعون في متحف القاهرة رحلته إلى كشمير ۳۳۷ ۷۲۳ ٦٢ ۲۹۳ ٥٠ بنو أمية بنو إسرائيل لم يؤمن كلهم موسى العلي خطة فرعون للقضاء عليهم لقاؤه مع أحد أفراد العائلة الملكية المغولية في دلهي ٣٤ تذليل فرعون إياهم عن طريق قارون شقت رؤوس بعضهم بالمناشير بسبب إيمانهم عددهم عند الخروج من مصر إقامتهم في مدين بعد الخروج العلية لا عصيانهم موسى رفضوا القتال لفتح كنعان شعب جبان أغمضوا العيون عن الآيات تدمير نبوخذنصر إياهم كانوا أكثر تقدما من العرب بني تعصبهم ضد إسماعيل أي العرب نبوءة بعثة مثيل لموسى من بين إخوتهم وصفهم المسيح بأولاد الأفاعي القرآن الكريم يفصل فيما.هم يختلفون بنو إسماعيل إقامتهم في بلاد العرب بعثة نبي مثل موسى من بينهم وفق نبأ التوراة بنو سعد مشاركتهم في غزوة الالخندق بنو سليم مشاركتهم في غزوة الخندق بنو الشيصان اسم قبيلة للنمل عند المفسرين بنو عبد المطلب دعوة النبي ﷺ إياهم إلى الإسلام ۲۳۲ أمور متفرقة حماسه لرفع اسم الله تألمه لحادث حدث النبي في طفولته ٣٠٤ توبيخ المسيح الموعود الله إياه على ترك الجمعة ٧٥١ بعض أحداث طفولته اعتناق زوجة عمه الأحمدية في عهده حماس زوجة عمه لخدمة الخلق قراءته العميقة لتاريخ العرب ٤٨۷ ،۲۰۳ ،۲۲ قتل الإنجليز جد أمه في مفسدة ١٨٥٧م ۱۲۷ ٦٠٧ ١٦٨ ٤٥٣ ۱۹۱ ۲۳۱ ۳۱۲ ۳۱۲ ۳۱۳ ٤٩٥ ٤٢٣ - ٤٢٦ ٤٦٤ ٤٦٩ ۲۷۹ ٧٥٨ ٧٥٨ بغل إله الكسديين والكلدانيين بكر ماجيت بلال أذن بعد وفاة النبي بطلب من وفاته في حب النبي بلدیو سنغ بلقيس هديتها لسليمان العلمة قصص المفسرين عن ملكة سبأ بن عمی ابن لوط العليا بنو أسد مشاركتهم في غزوة الالخندق
ملحقات تارح عم إبراهيم ال ١٨٥، ١٨٦، ١٨٩، ٢٤١ تغلق غياث الدين الملك ٤٧ ٣١٤ ۷۰۸ ។ ។ ١٩٨، ٤٤٠ ٤٣٤ ٥٠٣ قصته مع الخواجا نظام الدين أولياء توما حواري المسيح الذي سلم إليه أمه مريم تيجا سنغ لتيجا سنغ في سيالكوت معبد هندوسي تيما أحد أبناء إسماعيل تیمور كان يجعل العلماء في مؤخر الجيش لجبنهم انتصاراته وعاقبته تولستوي قصته المثيرة مع زار روسيا بيتر ٦٧٧ - ٦٧٩ كلير تسدل (Clair Tisdall) القس، مؤلف كتاب ينابيع الإسلام ٤٤٨ ثقيف تربى النبي بينهم ساعدوا أبرهة في هجومه على الكعبة ۱۲۸ ۱۲۸ ثمود ، ،٤، ٤٧٠، ٤٧٧۷۲ ،٢٧٤ ، ٤٧١ ، ۲۷۳ ، ٦٥٩، ٧٢٤،٧٢٢، ٧٢٦ ٤۷۱ ،۲۷۳ ،٢٦٧ ٢٧٤، ٤٧١ ٤٧٢ ۷۲۲ ٦، ٣٧٤ ٤٧٠ ٤٧٧ خلفوا قوم عاد كانوا يسكنون ما بين الشام وعدن هجرتهم إلى الحجاز وتهامة والحجر كانوا متمكنين من فن العمارة هلاكهم نتيجة كفرهم بصالح العلي بب ذكرهم بعد ذكر سليمان العليا في قصة ثمود نبوءة عن النبي ﷺ 6 ٣٣٤ ٦٤٦ ٦٢٥ ٣٣٤ ٣٣٤ الجزء السابع بنو غالب بنو قطوره (أولاد الزوجة الثالثة لإبراهيم) ٣٢، ٥٠٤ ٥٠٤ ٣٣٤ ٧٧٤ ۳۱۸ ۷۷۳ A..٥٢ ٥٢، ٥١٥ ۰۳ ٦٧٧ ٦٧٧ ۱۰۷ ۱۰۹ ٧٨٤ إقامتهم في بلاد العرب بنو لاوي بنو لؤي بنو مرة بنو مطلب بنو هاشم مقاطعه أهل مكة لبني هاشم بنو خزاعة بهاء الله (مؤسس البهائية) عليه في الكلمات أنكر نزول الوحي.سجود عباس أفندي على قبره بوذا غوتم بتاح (أحد آلهة المصريين) بنثيرا (جندي رومي) اتهام اليهود مريم الزنى معه بولص عقيدته بأن المسيح صار ملعونا من أجل الناس بیتر زار روسیا قصته المثيرة مع تولستوي بيرا (أحد خدام المسيح الموعود الل) بكت الشيخ البطالوي رغم بساطته تائن بي المؤرخ يرى مستقبل الأحمدية مشرقا
الجزء السابع ٦٦٧ ١٢٥، ٣٦٢ ٤٣٤ حزقيال العلمي كشفه عن النهضة الثانية لبني إسرائيل ٢٣٦، ٥٣٩، ٦٥٥ ٣٥، ٢٥٠ ٦٧١ ٤٩٧ ۳۵ ٦٧٣ ٦٧١ ۱۳۹ ٨٥ ٤٧١ ۵۸ حسان ابن ثابت قصيدته المشهورة في رثاء النبي ﷺ كان ضعيف القلب الحسن البصري الحسن بن علي على الأحمدية أن تسلك مسلكه (المفسر ) حسن نظامي خواجه قال علماء العالم الإسلامي ينتظرون المهدي الحسين بن علي بيت شعر المسيح الموعود الله عنه على الأحمدية أن تسلك مسلكه (المفسر ) حليمة السعدية قصة شق صدر النبي أثناء إقامته عندها حمزة غيرته للنبي ﷺ في أيام كفره مثلت به "هند" في غزوة أحد حمير حواء حيرت مرزا الدهلوي حاول تخويف المسيح الموعود الله في زي المفتش ٣٠ ٢١، ٤٠ ٣٣٥، ٧٧٦ ٣٤٤ - ٣٤٥ ۰۲ ٤٣٢ ٦٥٥ ٤٢٩، ٦٥٥ ملحقات ثناء الله الأمر تسري الشيخ نقاشه المفسر مع جابر بن زید جابر ابن عبد الله جان محمد الكشميري كان يؤم الصلاة في المسجد الأقصى بقاديان جبريل الكلمة ΣΑΥ ٤۱۰ ،۱۳۹ ۱۳۹ ٢٦٨ ۲۳۰ ٤٣٣،٣٦٣ ٤٣٣ ٢٣٦ ١٦٤ ١٦٤ ٢٤٢ ٢٤٢ تمثل للنبي ﷺ ورآه الصحابة أيضا جرجي زيدان جرهم سكنت مع السيدة هاجر في وادي مكة جلال الدين أكبر الإمبراطور المغولي تعيينه الحراس من سادات "باهره" جنغيز خان جنيد البغدادي جهانغير الإمبراطور المغولي سجن أحمد السرهندي في قلعة غواليار جوزيفس المؤرخ اليهودي ذكر أن اسم والد إبراهيم هو آذر جیمس هنري بريستد ٥٥٧،٥٥٦ حاران أخو إبراهيم ووالد لوط حجي أحد أنبياء بني إسرائيل زمن أسرهم ببابل ۷۱۳ خالد سنان بن خالد بن الوليد خان ملك المولوي نحوي هندي شهير دخل في الأحمدية
ملحقات ٤٠٤ ۱۱۱ ۱۳۰ ٥٥٧ ٥٥٧ رستم قصته مع سارق رشيد الدين خليفة الدكتور بكت القس زويمر رَعْ أحد آلهة المصريين رعمسيس الثاني (راجع أيضًا فرعون) جعل بني إسرائيل عبيدا أول الأمر تربی موسی العليا في بيته عين رئيس الكهنة في مصر سمى جزءا من الجيش باسم آمان رعوئيل ٥٥٧ حمو موسى العلية بحسب الكتاب المقدس ٥٧٢-٥٧٣ ۳۵ ٤٦٢ ۲۰۷ ٤٤٨ ۹۵ ٢٤٢ ۱۹۹ ٥٥، ٦٢٤ ٦٦٦ رقية بنت محمد ۰۳ ٣٤-٣٥ ٣٥ ٣٣٥ ٦٤٨ ٣٤ ٣٥ ۸۳ ។ ឬ ។ ۳۹ ٤٠٣ ٦٢٥ الجزء السابع خديجة رضي الله عنها آمنت في أول يوم قول الرسول ﷺ لها "خشيت على نفسي" ذهابها به إلى ورقة بن نوفل تعرضها للأذى.بسبب إسلامها أولاد النبي منها وفاتها في شعب أبي طالب الخزرج كانوا من نسل ددان بن إبراهيم عليه الخضر الخنساء رضي الله عنها تضحيتها وشجاعتها داثان ابن الياب أحد أعداء موسى من بني إسرائيل داود العل ۳۷۲ ، ۳۷۷، ۳۸۱، ٤٨٢، 483، 537 رنجیت سنغ مكانته المرموقة في اليهود ٤٢١ قصة عقابه لأحد الطباخين تأبين الشعب له عند وفاته رودويل مستشرق قام بتفسير القرآن روك فيلر ។ ។ ٦٤٦ ۷۰۷ ددان بن لقيان أحد أحفاد ابراهيم.العليا دهرم بال المرتد رد الخليفة الأول الله الله على كتابه "ترك الإسلام" ۷۰۷ ذو القرنين (انظر في قورش) رام تشندر اتهام الهندوس إياه بتهم شتی رحمت الله شيخ المحامي ٦٦٦ ٤، ٣١١، ٦٢٤ ٤٨٣ زارا العلية اسم والد إبراهيم التلمود الزبير زرادشت العلمية زكريا المقلي ني إسرائيلي زمن أسر بني إسرائيل في بابل 189 رؤيا له أدت إلى دخوله في الأحمدية
الجزء السابع ٥٥ كان يدعي بأن الله يكلمه ۳۷۷ ،۳۷۴ ،۳۷۳ ،۳۷۲ سليمان العليا ،٤، ٤٢٤، ٤٢٥، ٤٢٦۲۳ ،۴۲۲ ،٤۲۱ ،۳۸۱ ،٤، ٤٣٠ ، ٤٣٣، ٤٣٤، ٤٤٠۲۹ ،٤۲۸ ،۲۷ ٤٤١، ٤٤٤ ، ٤٨٣، ٤٧١ ، ٤٦٧، ٥٣٧، ٦٦٦ ٤٦٧ ٤٢٤ ٤٢٥ ٦٦٦ ٣٧٢، ٤٤٦ ٣٦٥ ٤٦٧ ٤٦٨ ٤٢٧ ٤٧١ ٤٣٤ ٣٧٢، ٤٢١ ٤٢١ ۳۷۲ ٤٣٥ ،۳۷۲ ٤٣٥ ۲۳۹ ۱۲۲ ۳۱۱ كان عبدا شكورا الكتاب المقدس لا يعترف بنبوته الكتاب المقدس يتهمه بالشرك منظمة سرية يهودية مضادة له تمرد بني إسرائيل في عهد ابنه تقرير الهدهد ملكة سبأ عن رده هدايا الملكة عرش بلقيس وعرش سليمان بشرها بالتوحيد جن سليمان المراد من جنه أتباعه من قوم ثمود كان جيشه ثلاث كتائب علم منطق الطير حقيقة منطق الطير قوله إني علمت منطق الطير أي لغة أنبياء الله مرور سليمان بوادي النمل حقيقة نمل سليمان يعتبره البعض نبيًا سمعان أخ للمسيح الكلية سهيل الرومي سودة رضي الله عنها ٤٨٠-٤٨١ ٤٨٠ ٤٨٣ هجرتها إلى المدينة سيتا (زوجة رام تشندر) اتهام الهندوس رام تشندر بمعاملة سيئة معها ٤٠٥ ٢٥٣، ٣٣٥ ۸۳ ٤٨١ ۳۵ ٢٤٣ ٣٠٥ ١٤٠ ٥١٢ ٥٥٧ ١٦٤ ۱۸۰ ٤٠٢ 100 7..ملحقات الزمخشري صاحب الكشاف زويمر القس قصته مع الدكتور خليفة رشيد الدين حواره مع حضرة المفسر زید كان من أوائل المؤمنين رافق النبي في سفره إلى الطائف أتى بفاطمة من مكة إلى المدينة زينب بنت محمد قدمت عقدها فديةً لتحرير أبي العاص سارة هل كانت شقيقة إبراهيم العليا؟ ساره بیغم (حرم حضرة المفسر ) قصة لابنتها سارية.قصة قول عمر ه يا سارية الجبل السامري كان مجردًا عن الروحانية أحد ستيخ أ أحد آلهة المصريين سجاح المتنبئة سراقة.سعد بن مالك بن الربيع نصیحته لأهله قبيل وفاته في شفرة (القابلة العبرانية) سقراط
ملحقات ۲۷۳ ٤٧٦ ٢٧٤ ٢٧٦ ۲۷۷ ٦١٨ ٤٩٨ ۱۳۷ ٤٤٤ ٤٤٤ ٤٤٦ ۱۹۹ ٤٢ ٧٥٦ ٤٨١ نصيحته لثمود مؤامرة تسعة من علية القوم ضده اتهم بأخذ الرشوة من الأجانب كفر قومه به خرافات المفسرين حول ناقته وحقيقتها نجاحه العليا صدق سالم قصته مع إبراهيم العلية صدیق حسن خان نواب قال في "اقتراب الساعة" بقرب ظهور المهدي صفية رضي الله عنها رؤياها عن وقوع القمر في حجر الضب رئيس عربي مدح النبي بقصيدة خرافات المفسرين حوله طلحة ظهور الدين أكمل عائشة الصديقة رضي الله عنها هاجرت إلى المدينة برفقة أخيها عبد الله ٥٥ ۳۸ الجزء السابع سيل (Sale) المستشرق اعتراضه على القرآن الكريم بصدد هامان شداد عيب العلمة ،۶، ۱۳۳، ۲۸۲، ۲۸۹، ۲۹۶، ٦٥٩،٥٧٢ ،۳۸۱ ،۳۰۲ كان من العرب ومن سكان مدين بعثته إلى أهل مدين معلومات عن أرض قومه كان عصره متقاربا لعصر لوط خيانة قومه في التجارة نصحه قومه بالأمانة في التجارة اتهم باستعانة الأجانب أنهم بالجنون تفاصيل هلاك قومه زعم البعض أنه حمو موسى ۲۸۲ ٢٨٢، ٦٥٩ ۲۸۲ ٥٧٢ ۲۸۹ ،۱۳۳ ۲۹۶ ،۲۸۹ ،۱۳۳ ۳۰۲ ۱۳۳ ۳۰۲ شهاب الدين السهروردي رحمه الله "شو" (أحد آلهة الهندوس) ۵۷۲ ٢٣٦ ۲۱۲-۲۱۱ قصة الحرب بين "شو" و"راما" شيبة أحد رؤساء مكة المعارضين للنبي ﷺ ٧٩، ١٠٦، قولها للنبي الله لا تشق على نفسك بكثرة العبادة ٢٢٤، ٥٢٠ ٢٥٣، ٤٧٧ شيت العلمية علم الناس عمل النسج شيرويه كسرى إيران قتل أباه وألغى أمره باعتقال النبي ﷺ ٣٩٤ وصفها حالة النبي ﷺ قبل الوفاة عاد العلية لا هم قوم هود ۳۱۳ ،۲۷۲ 67 ،٢٦٥ ،٢٦٨ ٦٥٩، ٧٢٤،٧٢٢، ٧٢٦ ٤٧ كان زمنهم بعد قوم نوح مباشرة صالح ال ٦، ٢٧٣، ٢٧٦، ٢٧٤، ٢٧٧، ٣٥٣، ٤، ٤٧٦ ، ٤٨٢، ٥٣٧، ٧٢٦۷۱ ،۳۸۱ إنكار الأوروبيين وجود شعب باسم عاد أسسوا الحضارة البابلية ٢٦٨ ٢٦٨ ٢٦٩
دعا الله لهداية قومه حتى لحظة الرجم عبد الكريم المولوي.آتهم القس (راجع آتم) عبد الله عبد الله بن زید به علم الأذان في الرؤيا الجزء السابع ۱۷۰ ۷٥۱ ،۳۰ ۷۱۸ ۷۱۸ ١٦٤، ٦٤١ ཎྜ། ٧٦١ ٧٦٢ عبد الله بن سبأ حاك مؤامرة ضد الإسلام زمن عثمان هو المسؤول عن قتل عثمان الله عبد الله بن سلام الله حبر يهودي ، أسلم في المدينة فضحه يهوديًا أخفى عقوبة الزنى في التوراة عبد الله السنوري رأى قطرات الحبر الأحمر في الكشف مع المسيح الموعود ١٤٢ العلية لا عبد الله بن مسعود 5 ٢٦٦-٢٦٧ ٢٦٦، ٧٢٢ ۲۷۲ ،۲۶۹ ،۶ ٤٧٧ ۷۷۳ ۰۷۷ ۰۷۷ ١٤٠ ۲۹۰ VVO ۳۹ ۲۱۹ ملحقات آثار قوم عاد تمكنهم من فن البناء هلكوا نتيجة إنكارهم هود العلي العاص بن وائل عباس أفندي سجوده على قبر "بهاء الله" عبد الحكيم البتيالوي المرتد أخرج الخليفة الأول له تفسيره من مكتبه عبد الرحمن بن عوف سؤاله عمره عن قوله "يا سارية الجبل" ترك مالاً كثيراً العباس بن عبد المطلب جاء النبي بأبي سفيان يوم الفتح ليبايعه عبد الرحيم بهائي عبد الرحيم نير عبد العزيز مغل ميانه روى قصة هندوسي حاول المسمرية على المسيح عود العلية الموعود عبد الغفور المرتد (انظر دهرم بال) عبد القادر الجيلاني رحمه الله كراماته الشهيرة في عامة الناس عبد الكريم الشيخ السرحدي مصيره المثير للعبرة 122 ۷۰۷ ٢٣٦ ۹۰ ۳۱-۳۰ عبد اللطيف الصاحبزاده الشهيد ه ۱۷۰-۱۷۱ بيانه لمقتل أبي جهل ببدر عبد الله بن المولوي خان ملك عبد المطلب نذره بذبح ابنه لدى بحثه عن بئر زمزم عتبة أحد زعماء قريش عثمان بن عفان به ۳۱، ٥٠٥، ٦٤١،٥٣٤ ٣٤٤ ٣٤٧ ٧٩، ١٠٦، ٢٥٣، ٤٧٧ ،٢٣٦، ٣٨٢ ،١٦٤ ۳۲-۳۱ ١٦٤، ٦٤١ مثل المسلمين في صلح الحديبية الله فتنة عبد بن سبا في عهده ۱۷۰ استقامته وشجاعته
ملحقات ۳۳ أغلبية أولياء الأمة والصوفية من نسله نام على سرير النبي ليلة هجرته ٦٤٤ قول النبي ﷺ له ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من.۳۳ قول النبي ﷺ في حقه أنا مدينة العلم وعلي بابها ٤٣٤ ٤٣٤ ٤٣٤ ١٦٤ ٦٤١ ٤١٨ تسليم النبي الراية له في غزوة خيبر اعترافه بشجاعة أبي بكر تمرد الخوارج عليه معارك عبد الله بن سبا معه العمالقة ٥٧ ٤٧٣، ٥٠٤ ٤٧٦-٤٧٧ ۳۲۱ ٤٦٠ ۳۲۱ ٤٧٧ ٣٠٩، ٤٧٨ ٤٤٥ الجزء السابع عثمان ابن مظعون غيرته الإيمانية العرب سبب تسميتهم تأثير انقطاع النبوة عنهم وحكمة ذلك الكتاب المقدس يصفهم بالوحشي بلغت صفة الإحسان عند العرب ذروتها شعور التفوق القومي عندهم عداء اليهود للعرب احتقار الفُرس لهم اعترفوا بحكم الروم والفرس سياسيا مع رؤيتهم أنهم شعب كان يحكم كنعان قبل بني إسرائيل عمر بن الخطاب ،۳۱، ٥۸، ١١٦، ١٤٠، ١٦٤، ۷۱۸ ،٢٣٦ ، ٣١٢، ٥٠٤، ٥٣٤ ، ٦٨٥،٦٧٥،٦٦٩ ٤٣٣ ۳۱ ٥٨ خروجه بإرادة قتل النبي واقعة إسلامه ۳۰۹ ۱۳۲ ،۹۳ أفضل منهما العُزَّى إحدى آلهة العرب عزيز الدين فقير حواره مع المهاراجا رنجيت سنغ حين عاقب الطباخ تغيرت حياته بعد إسلامه ٤٦٢ حالته لدى سماع خبر وفاة النبي ﷺ إحسانه إلى أخيه الكافر أذن بلال بطلب منه في دمشق عُلِّم الأذان في الرؤيا كشفه "يا سارية الجبل" اعترافه بفضل أبي بكر.٦٧٥ ٦٨٥ ۳۱۲ ۷۱۸ 12.١١٦ تفضيله العبيد المسلمين على أولاد رؤساء مكة ٢٥٢ حرب القادسية نظام إحصاء السكان والتموين في عهده ٤٠٣ ۳۹۸ ٢٦٠ ٢٦٠ ٧٦٣ 172 ٣٣٥، ٧٧٦ ٤٧٧ عطاء عُقبة بن أبي معيط أحد أعداء النبي عكرمة ه (بن أبي جهل) فرّ من مكة عند فتحها تغيرت حياته بعد إسلامه شجاعته وإيثاره في معركة اليرموك 7.7.7.علي بن أبي طالب ٣٢، ٣٣، ١٦٤، ٢٣٦، بدل حاكم الكوفة مرارا ٥، ٦٥٥،٦٤٤۳۹ ،۵۳٢٥٣، ٤٣٤، ٥٠٤، ٤ فراسة قاضيه ابن أبي ليلى عتاب النبي عليه لقراءته التوراة مؤامرات بعض الناس قبيل وفاته عمرو بن العاص الله ۳۲ ۳۳۵ ،۲۰۳ ٤٦٣ أسلم وهو طفل آمن بالرسول في أول يوم الدعوة كان من سلالته اثنا عشر إماما
الجزء السابع 712 ٣١٥-٣١٦ ۳۱۱ 10-12 سؤال الله إياه عن وثنية قومه يوم القيامة روح القدس ليس خاصا به وحده ذكر غير بني إسرائيل بكلمات قاسية مقارنة بينه وبين محمد أقواله وتعاليمه سأطلب من ) الأبد الأب أن يهبكم نصيرا آخر يلازمكم إلى ٥٠٠ الشجرة تُعرف بأثمارها ۷۲۷ ٧٦٤ ٤٩٥ ٦٩٢ ٧٤٠ ٣٤٣ ۳۱۰ ۹۳ ٥٢ ٣٤٠ ٤٦٣ ۵۸ ۳۳۸ ٢٣٦ ۵۳۹ ١١٦ ملحقات قلقه عند الوفاة عمر بن عبد العزيز عمر بن محمد الله عمرو بن كلثوم شاعر جاهلي قصة غيرته وقتله لعمر بن هند عمرو بن هند قصته مع عمرو بن كلثوم عياض القاضي 117 رفض الأحاديث القائلة بنزول وحي الشيطان على النبي ۳۲۸ لیسى بن مريم ،٤ ، ٥٣، ٨٤، ١٠٦، ١٢٢، ،۵۳۷ ،۵۰۰ ، ۳٤۰ ، ۳۱٤ ،۳۱۱ ،۲۱١٢٨، ٦ ٥٥، ٧٦٤ ، ۷۲۷ ،۶۹۰ ،٥٩٥، ٦٧٣ ايلي ايلي لما سبقتاني أحد أقواله حقيقة النجاة عنده حته على الدعاء والصيام نصيحته للحواريين لم يترفع عن نظرية القومية المحدودة مؤيدوه ومعارضوه اعتداء اليهود عليه واحتقارهم إياه القرآن يفنّد التهم التي أُلصقت به سيتواجد الكافرون به إلى يوم القيامة مقارنة بين قومه وقوم موسى أحد حواربيه وشى به أعداءه مقابل مبلغ زهيد ۷۲۸ تهم يوجهها إليه المسيحيون ۵۳ خلافات اليهود والنصارى في كونه المسيح ٥٢١، ٥٢٢ وفاته ٦١٤ ٢٤١ ۳۳۱ ۳۳۱ ٤ مسألة وفاة المسيح العليا ۳۳۹ 010 ۱۲۲ ۱۲۸ ΛΕ ٣١٤ ٥٣ ۵۹۵ وقائع حياته ولادته أسماء إخوانه الأربعة تربى في ظل السلطنة الرومانية غسلُ امرأة قدميه بدموعها لقد نجا من الموت على الصليب مشاعره وهو معلق على الصليب القرآن يعلن نجاته من الميتة اللعينة اضطر للهجرة إلى كشمير نتيجة إيذاء الناس بعثته ومكانته بعث بعد موسى بثلاثة عشر قرنا بعث في سن الثلاثين بحسب المسلمين والنصارى ٥٦٤ بعثته الثانية اعترافه بوفاته عقيدة حياته تدعم المسيحية أخبر عن علامات بعثته الثانية عيسى ومثيله ۳۱۰ ٦٢٣ كان رسولا إلى بني إسرائيل فقط اعترافه بكونه شهيدًا على قومه
ملحقات أرسله الله تعالى في حكومة الإنجليز رغم بعثته للقضاء ۱۲۸ ١٤٣ ٤٨٩ ٤٠٠ على المسيحية دعا الليلة الملكة فكتوريا إلى الإسلام تأسيس نظام الخلافة بواسطته ثانية تشكلت جماعة مخلصة بظهوره قيام نظام الاقتصاد في الإسلام على يديه تبدأ النشأة الثانية للإسلام بالمسيح الموعود الكلية ۲۹۹ ٥٢٢، ٥٢٦ ۷۰۸ V.A ٣٦ دلائل صدقه تفشي الطاعون تأييدا له حماية مسكنه في سيالكوت من خروجه من البيت قبيل انهياره الصاعقة ۰۹ ۳۱۸ ΚΛΕ الجزء السابع غالب أسد الله، (انظر في أسد الله غالب) غاندي كان يعد أفكاره إلهاما غبن (Gibbon) المؤرخ غطفان مشاركتهم في غزوة الخندق ٧٥٨ غلام أحمد القادياني المسيح الموعود والإمام المهدي العلية ،۱۳۲ ،۱۰۸ ، ۱۰۷ ،۹۷ ،٢٥، ٣٦ ٤٢ ،٥۲۲ ،۱۸۹ ،۴۰۰ ،۲۹۹ ، ۲١٤٣، ١٤٩، ٤٠ ٧٦٦، ٧٩١ ،۷۰۸ ،۶۸۹ ، ٦٥٠،٥٧٧ وقائع حياته بدايته ونهايته رغبته عن ا الدنيا في شبابه ١٢٦ ١٢٦ بدأ كتابة المقالات دفاعًا عن الإسلام في ١٨٧٢م ٢٤٠ بدأ نزول الوحي عليه في ١٨٦٤م صبره عند وفاة ابنه مبارك أحمد طريقة تناوله الطعام وبخ المفسر له في صغره على تركه صلاة الجمعة حثه المفسر في الرؤيا على الخروج للحج فوراً نبوءة بعثته نبأ الرسول ببعثة مجدد على رأس كل قرن ٢٤٠ ٦٨٩ ٢٥ ٧٥١ ۳۳۷ ۰۹۰ ظهور آية بصدد قضية مسجدنا في كبور تهله أعلن أنه ببركة دعائه يمكن للمرء زيارة المسيح الناصري رؤية شخص تصاعد أعمدة نورانية من رأسه ممارسة المسمرية ضده محاولة هندوسي إلهاماته ورؤاه وكشوفه ١٤٣ ١٤٩ ١٤٤ ٧٤٤ ٤٢٤ "إني معين من أراد إعانتك وإني مهين من أراد إهانتك" ألوف الرجال تحت جناحك" لا تخوفوني من النار فإن النار غلام لنا بل هي غلام غلماننا "يا مسيحَ الخلق عدوانا" V.A ٥۲۳ حث النبي ﷺ على بيعة المسيح الموعود لقبه بالمسيح سبب ٤٩٩ ٢٤٠ كان المجددون السابقون إرهاصا لحضرته جميع الديانات كانت تنتظر المبعوث من الله ٤٩٧-٤٩٨ غاية بعثته غاية بعثته إحياء الإسلام واستعادة الإيمان ٥٣٧، ٥٩٥ غرض مجيئه القضاء ع ء على المسيحية ۱۲۸ صام ستة أشهر متتالية وحظي بألطف المكاشفات ١٤٩ ١٤٢ کشف قطرات الحبر الأحمر رؤيته في الكشف أنوارا تتسرب إلى صدر النبي ١٥٠ رؤياه عن الجماعة وتعبيرها ٦٧١ رأي بعض العلماء الأحمديين حول إلهامه المتعلق بالأعداد ۰۳۱
٦٠ ملحقات أخبره الله تعالى أنه لا بد لجماعته من التضحيات كان كجماعات الأنبياء السابقين ٦٧٢ أحد لك نبوءاته تنبأ بتفشي الطاعون في البلاد نبوءته عن القس عبد آتهم حدوث زلزال ١٩٠٥م تحقيقا لنبوءته معارفه القرآنية وغيرها ٥٢٣-٥٢٤ 120 ۷۹۱ قال إن القرآن الكريم هو السلاح الوحيد لفتح العالم ١٥٥ أثبت عدم وجود أية آية منسوخة في القرآن ٩٧، ٧٦٧ دعا إلى ضرورة ترجمة معاني القرآن انكشاف بطون ومعارف قرآنية جديدة عليه نكتة لطيفة بينها حول دعاء الفاتحة تفسيره لقوله تعالى وتقلبك في الساجدين بيانه أسرار عالم الكشف بيانه حقيقة نار إبراهيم العلا تفسيره لمعجزة انشقاق القمر بيانه اللطيف عن الجن توضيحه لنظرية الجهاد أثبت أن العربية أُمُّ الألسنة أقواله المختلفة لقد أُرسلت من الله عند الحاجة لقد توظفت عند كنت سأتوظف عنده من ۷۳۸ ٧٦٦ ۳۰۰-۲۹۹ ٣٤٨ ۱۳۸ ۷۰۸ ۱۳۸ ٤٣٢ ۱۳۵ ۷۷۲ ٤٩٩ ١٢٦ رسالة مهمة وجهها إلى أفراد الجماعة الحد الأدنى للانضمام إلى "نظام الوصية" عنده إفحامه القس عبد الله آتهم في الحوار اعتبر القائلين بحياة المسيح الناصري قبل حضرته الجزء السابع يردد كثيرا القول إما أن تكون لأحد أو يكون أحد أقواله عن علم الطب ٣٨٥ ۲۰۵ ٦٧٢ ۰۷۱ ۱۱۰ صالحين ٢٤١ الملك المغولي أورنغ زيب مجددا ۲۳۸ بعض أبياته اعتبر لفاظات الموائد كان أُكلي وصرتُ اليوم مطعام الأهالي إذا كانت رؤوس العشاق تقطع في ديارك فأكون أول ۱۲۷ ١٧٤ ٦٣٠ ٦٧٣ ٦٥٢ من يعلن عشقه (ترجمة) إنني فداء لتراب أزقة آل محمد (ترجمة) (ترجمة) ثمة مائة حسين في جيبي يكمن ذاك الحبيب في نفسي من قمة رأسي إلى أخمص قدمي، فحذار أن تهاجمني (ترجمة) كنا نظن أن "الفرقان" هو إن عصا موسى...(ترجمة) ١٥٨ الله الذي دعاه إليه (أي توفى ابني) هو الأحب، فكُنْ فداء له يا قلبي (ترجمة) بيانه للأحداث والوقائع بيانه قصة سجن الإمام موسى الرضا ٦٨٩ ۳۳ أنا ذلك الغراس الذي غرسه المالك الحقيقي بيده ٥٨٤ بیانه قصة صوفي حول المسائل الخاصة لأهل الله ٦٢٨ فليختبر المخالفون بإلقائي في النار هل أخرج منها ٦٧٣ ٤٠٥ ٤٦٢ ٩٤ ΕΛΛ ذكره قصة عاق لوالديه ذكره قصة رستم البطل سرده قصتين لمهاراجه رنجيت سنج معارضته أسباب مخالفته معارضته المنظمة دليل على صدقه ۷۰۷ ٥٠٠ ٣٥٦ - ٣٥٧ سليما أم لا نبوءته عن الخلافة بعده لا تتمنوا نزول كلام الله عليكم أبدا إعجابه بالقول ينبغي أن تبقى اليد مشغولة بالعمل، ٦٢٨ والقلب بذكر الله الله
الجزء السابع معارضة الناس له في سيالكوت مخالفة عبد الحكيم البتيالوي لحضرته محاولة مرزا حيرت الدهلوي لتخويفه تشاؤم المعارضين به اتهام المخالفين إياه بالجنون اتهام المخالفين بأن الإنجليز أقاموه ٦٧٠،٥١٧ استخدامه كلمات قاسية ضد المعارضين ۰۷۷ ٤٧٥ ۱۳۳ ۲۷۵ حكمة جوابه القاسي ضد المسيحيين غلام أحمد المولوي VOV Voo شيخ شهير كان يلقي الدرس في الجامع الملكي بلاهور ٣٤٤ غلام مرتضی مرزا (والد المسيح الموعود ال) ملحقات استعماله مسؤولين إسرائيليين رغم عدائه لهم ٦٣٦ سبب تفاصیل اضطهاده أراد القضاء على بني إسرائيل نهائيا ٥٥١ احتقاره لموسى العليا حواره مع موسى موقف فرعون ضد موسى ۱۲۲ ۱۳۱ مكابرته رغم رؤية المعجزات غضبه على السحرة أمره هامان ببناء قصر عال اغتراره بكثرة أعوانه ۵۸۳ ١٦٣ ١٦٩ ٥٨٥ ۱۷۷ ثعبانا النظر إلى فرعون ١٤٦ تأويل تحول عصا موسی هلاکه بسبب کفره غرق في البحر الأحمر ٥، ٥٨٦ ١٣٦، ١٨١، ٥٨٦، ٧٢٦ ۵۸۷ انزعاجه من زهد المسيح الموعود العلة عن الدنيا ١٢٦ سيبقى ملعونا إلى يوم القيامة صرح بأن ابنه غلام أحمد لا يكذب غياث الدين تغلق مصير معارضته للصوفي نظام الدين أولياء فاطمة الزهراء رضي الله عنها هاجرت إلى المدينة برفقة زيد به الفراء النحوي فرعون ١٢٦ ٤٧ ۳۵ ،۲۷ ٤٨١ ١٩٤ ،۱۰۳ ،۱۰۱ ،۹٤، ٥، ٣٨، ٦، ٤ ،۳۷۱ ،۱۷۷ ،١٦٣، ١٦٩ ،۱۳۱ ،۱۳۰ ٥٨٦، ٥٨٨، ٥٨٥، ٦٣٦ ،001 ،419 ٥٥۷ ،۱۳۰ ٥٥٧ ،۱۳۰ منفتاح رعمسيس الثاني لماذا بلغ موسى دعوته لفرعون مع أنه لم يكن من أمته نبوءة قرآنية عن.حفظ جثته جثته ما زالت محفوظة في متحف القاهرة التفكير المؤسف لقوم فرعون نزول أنواع العذاب على آل فرعون فريد الدين غنج شکر رحمه الله الفضل ابن عباس له تضحيته في معركة اليرموك فضل الدين البهيروي قصته مع الحكيم الله دين فكتوريا الملكة دعاها المسيح الموعود اللة إلى الإسلام اضطهاد فرعون لبني إسرائيل عمل بسياسة "فرق تسد" ۱۰۳-۱۰۲ ٥٥١ 100 ١٤٣قوعة قابلة عبرية في زمن فرعون قارون ٦٢ ١٦٤ ٤١٩ به ۱۳۳ ٧٢٤، ٧٣٢،٧٢٦
الجزء السابع ٣١١،٥٤، ٦٢٤ ٤٨٣ ٤١٥ ٤٨٣،٥٣ ٦٠٠،٥٥ ٢٦٢ ۱۹۰ ۷۸۳ کرشنا العلمي كان نبيا في الهند حبه الله اتهمه الهندوس بتهم شتى كونفوشيوس العليا ٦٢ ٦٢٥ ٦٢٥ ٦٢٧ ٦٢٩ ٥٤٧ ٦٣٧ كان الله نبي ܘܘ1 كولومبوس علم بكروية الأرض من المسلمين كونوس والد نمرود كينيوت (Canute) (ملك إنجليزي) ۳۲۸ ،۱۳۲ ،۹۸ ٦٢٥ ٤٧٣ ។ ។ قصته مع حاشيته اللات أحد آلهة العرب لاوي قبيلة إسرائيلية لبيد للشاعر عربي مخضر مهـ قصة انتقاد عثمان ابن مظعون شعره لقيان ابن إبراهيم العلية الا من زوجته قطورة لوثر مارتين مؤسس المسيحية البروتستانتية اعتبر سفر "أستير" من نسج الخيال لوط ال ٦، ٢١٩، ٢٥٣، ٢٧٧، ٢٧٩، ٣٧٤، ٢٨٢، ٦٤٦ ٦٤٦ ٣٣٤ ٧٥٨ ٦٢٥ ٦٦٧ ٦٦٧ ٦٤٦ ،۷۱۹ ،۷۱۷ ،۷۱۳ ،٥، ٦٥٨۳۷ ،۴۸۳ ،٤٨٢ ۳۹۹ ،۷۲۰ كان لوط ابن حاران وأنها لإبراهيم آمن بإبراهيم إثر رؤية المعجزات كان نبيا تابعا لإبراهيم معنى قوله تعالى كذبت قوم لوط المرسلين) تحليه بالأخلاق الفاضلة ٧١٣،٤٨٠ ٧١٣،٦٥٨ ۷۱۷ ۲۷۷ ۲۷۹ ۱۹۱ ۳۹۹ ٤٦ ٦٦٦ ملحقات اسمه في الكتاب المقدس "قورح" كان من بني إسرائيل ومعارضا لموسى رأي المفسر العلم عن ثراء قارون نصيحة قومه له غطرسته وعاقبته هلك بعذاب الله قتادة قطورة الزوجة الثالثة لإبراهيم قریش قريش من سلالة قيدار بن إسماعيل النبي يدعو قريشا إلى الإسلام أول مرة مشاركتهم في معركة الأحزاب قطب الدین بختيار الكعكي رحمه الله تعرضه للمعارضة قورح (راجع قارون) قورش ملك فارسي وهو ذو القرنين حرر بني إسرائيل بالهجوم على بابل قیدار هو الابن الثاني لإسماعيل العلا قيصر الرومي الكسديون هم قبيلة إبراهيم العليا کسری أمر باعتقال النبي ﷺ بإثارة اليهود تأمر اليهود مع كسرى ضد النبي
ملحقات ٢٣٤ ٣٠٣-٣٠٤ ٣٤٦ كفله عمه أبو طالب يتمه وطفولته الحساسة هل كان جميع آبائه مؤمنين؟ قوله لخديجة عند أول وح "لقد خشيت على قوله له لورقة بن نوفل "أَوَ مُخرِج رده التاريخي على عمه أبي طالب إيواء زعيم مكي له عند عودته من إشادة وليام موير بسفره إلى الطائف هجرته من مكة إلى المدينة أوامر كسرى باعتقاله لم يكن يعرف القراءة والكتابة کابد الآلام ساعة وفاته أثارت وفاته ضجة في المدينة مكانته "لولاك لما خلقت الأفلاك" فطرته المباركة الطائف ٣٥٦ ٦٤٧ ١٨٦ ٧٥٨ ٨٥ ٣٣، ٦٤٤ ٤٦ ٧٦١ ۳۱۳ ۲۰۸ ٣٠٥، ٣٠٦ ،۲۷ ۷۱ 10.٦٨ ٧٨٥ ٦٩ ٦٢٣ ٦٤٩ ٥٤٨ ،۳۷۷ чл ٧٤٢ ٦٣ ٣٧٤ ٣٧٤ ٧١٦ ۷۱۷ ٤٨٠ - ٤٨١ ۲۷۹ ۲۸۱ ۷۹ ،۷۸ 000 ٤٩٧ ۳۵ ۳۵ الجزء السابع تفشي الفاحشة في قومه معارضة قومه وهلاكهم هل الرسل الذين أتوه كانوا ملائكة؟ لماذا لم يُخبر مباشرة عن هلاك قومه دعا على قومه فاستجيب له نزول العذاب على قومه اتهمه الكتاب المقدس بالسوء قصته تتضمن زجرا لكفار مكة لیلی مارتين لوثر (انظر لوثر) مارس إندس (مفكر أوروبي) صرَّح بأن العالم ينتظر نبيا في الوقت الحاضر مارية القبطية أم المؤمنين رضي الله عنها ولدت الابن الذكر الوحيد للرسول ﷺ ماهان قائد الجيش المسيحي في معركة اليرموك مبارك أحمد مرزا صبر المسيح الموعود الا عند وفاته المبرد إمام لغوي ٦٨٩ ۵۰۹ محمد خاتم النبيين ، ، ،۲۷ ، 33، 45، ٦٩، ٧٦، ،١٨٤، ١٨٦، ١٩٦ ، ۱۲۸ ، ۱۲۳ ،۱۱٥، ٦، ٦ ،۳۵۳ ،۳۱۳ ،۳۰۳ ،۲۳۴ ،۲۲۴ ،۲۲۲ ،۲۰۸ ،٧٢٨،٦٤۷ ،۱۳۷۰ ،۶۰۰ ،۳۸۷ ،٣٧٥،٣٥٦ ٧٨٥،٧٦١ ،۷۰۰ حياته ولد فقيرا تربى بين بني ثقيف ١٢٣، ٤٥١ ۱۲۸ رؤيا المسيح الموعود الله أن الأنوار تسري في صدره يده يد الله تعالى ذاته نور من الله هو رحمة للعالمين هو منجي العالم كله هو رسول الأمن والسلام هو شاهد عليكم هو أول المسلمين ظهر مجد الله وجلاله بواسطته كان صورة متجسدة للقرآن المراد من كونه أمام أنظار الله مقارنته بالأنبياء الآخرين
الجزء السابع خصوصيته المتميزة عن سائر الأنبياء ٣٤٩ ۱۹۹ ۳۰۳ ۳۹۱ ۲۷ 112 ۳۳۲ ٤٣١ تميز عن سائر الأنبياء في تميز الله تعالى عن سائر الأنبياء حيث آمن به قومه أجمع أهمية الصلاة بالجماعة عند النبي أخلاقه السامية حمده وشكره الله تعالى تواضعه عزمه زهده ٣٣٤ ٦٨٨ 61.0 ٨٦ ۸۱ ۸۱ ۳۱۲ ۵۹۵ ۰۹۳ 110 117 ۱۷۸ ۱۵۹ 17.٨٤، ٣١٣ ملحقات بعض مماثلاته بموس العلية فضله على موسى كان أكثر معرفة بالله.من موسى مقارنته بموسى في رحابة الصدر مقارنته بموسى في إظهار الإيمان مقارنة اليد البيضاء لموسى بيده المباركة أعطي القرآن معجزة مقابل عصا موسى مقارنة أصحابه بأصحاب موسى مقارنته بالمسيح الناصري عشقه لربه درجة عشقه للربه الله أكبر ألقابه عند الصوفية هو "عبد الله" VV ۲۲۰ اعتراف قريش بصدقه طمأنينته النادرة رغم الأخطار المحيطة به قوله ل له عند الوفاة "اللهم الرفيق الأعلى "٢٢٢، ٣١٥ قوله أفلا أكون عبدا شكورا ٢٢٤ همه لهداية الناس دعاؤه لهداية الكفار في معر حبُّه لَخَلق الله ركة أحد كانت قدماه تتورمان من طول قيام الليل ٢٢٤، ٥٢٠ ظهور حبه لخلق الله حتى في لحظاته الأخيرة كانت صلاته ونسكه وحياته وموته الله رب العالمين ٦٤٩ حبه للأجانب عفوه لدى فتح مكة تعامل مع الأعداء كتعامل يوسف مع إخوته ٣٠٦،١٧٥ ۰۹ ٣٤ ٢٥٨ عفوه عن عكرمة بن أبي جهل حبه لزوجته خديجة رضي الله عنها إذا سُر بأحد دعا له بالتفقه في الدين رسالته كان رسولا إلى الناس أجمعين كان شخصه بمثابة طور لموسى حيث تجلّى اللهُ ۳۰۷ ،۱۲۰ ٧٦٠ ۷۸۷ حث القرآن الكفار على الإيمان به بسرعة سبب بعثته الله بصفته خاتم النبيين في الجزيرة العربية عصمه الله من الأعداء إنما هو منذر ولم يؤذن له بالإكراه ۲۳۹ ٦٨٧ ٥٤٩ اتباعه وسيلة وحيدة للوصول إلى الله ٣٨٦،٨٠٦ ٥٥٣ ٤٢٩ ۲۸۸ ۳۱۰ ۳۰۷ ٦٢٣ ۱۲۰ ۳۱۱ ،۸ ٤٢٨ ۳۰۳ ٦٤٩ ٢٨٤ حصيلة حياته قوله "أعطيتُ خمسا لم يُعطَها أحد قبلي" كلمه الله مباشرة كمال الكلام المنزل عليه بعث إلى العالم بأسره كانت أبوته عامة جُعل أسوةً إلى يوم القيامة انتشار دينه إلى أكناف العالم إيمان مختلف الشعوب والبلاد به في أول عهده الجن المؤمنون به ربوبية ربانية له بشكل غير عادي لم يُشرك حتى قبل النبوة هو أرفع الأنبياء مكانةً
الجزء السابع دلائل صدقه 701، ٦٤١، ۱۲۸ ،۷ ،۳ نبوءات سابقة عن بعثته مصداق لنبوءة سفر التثنية هو ٣٥٣ ۰۹۳ ۷۱۳ ،٥٩٢-٥٩٤ نبوءة بعثته على لسان موسى نبوءة موسى بفتحه الله مكة برفقه عشرة آلاف قديس تلقى موسى على الطور بشارة بعثته ٦٤٧ ۰۹۳ ملحقات سبب لهيه عن كتابة الأحاديث في حياته ٧٦٣-٧٦٤ سبب منعه من قراءة التوراة فيوضه وبركـ كاته انقلاب حصل في العرب بواسطته استمرارية فيوضه أناس تستمر بهم فيوضه لا نبوة تامة مستقلة بعده بل نبوة تابعة له وصف بحجر الزاوية في نبوءات الأنبياء ١٢٤،٦٧٩ أتباعه الصادقون يحظون بالبصيرة الكاملة نبوءة إشعياء ببعثته ٧٦٣ 271-27.٢٤٠ ٢٣٦ ۷۱۳ ۲۸۸ ٦٣٢ ۳۲۰ 18.١٤٠ ٤٨١ ٤٣٣ ٥٥٢ اغتناء شخص بدعائه وحيه ورؤاه وكشوفه كيفية نزول الوحي عليه كشف رآه في بيت ميمونة رضي الله عنها بعض كشوفه التي شاركه فيها الآخرون معجزاته القرآن الكريم أكبر معجزاته رميه الحصى يوم بدر ارتعاب عُمر منه نبوءاته نبا قرآني عن فتح مكة نبأ قرآني.غلبته وأتباعه عن حب أصحابه وأتباعهم له ۳۲۱ ٤٨٠ ۵۹۲ ٥٤٧ ۳۲ ۰۹۰ ٣٣٤ ۳۱۲ ٥٥٣ ٤٥٧ ٨٦٠٦٧٥ في قصة لوط نبوءة عنه أحداث موسى تتضمن الإشارة إلى هجرته نبوءة هجرته إلى المدينة وعودته إلى مكة دعوته وتبليغه دعا عبد المطلب في أوائل بعثته بني قوله ﷺ " اللهم هل بلغت" أمر بدعوة العشيرة إلى الإسلام دعوته بعض العجم إلى الإسلام بالإشارات جهاده في سبيل الله لم تكن فتوحاته مرتبطة بالحروب صفته المميزة كفاتح إصابته بالجروح في أحد مسيره لقمع فتنة القبائل المسيحية إحرازه واثنين خلفائه فتوحات عظيمة من تعاليمه تعاليمه الداعية إلى المساواة العالمية لقد تأسس علم النفس بالقرآن وعلى يده أو صی ٥٠٣ ٥٠٤ ۳۱۱ في مرض الموت باجتناب الشرك ٤٨٤ ، ٧٧٣ قبيل الوفاة بالإحسان إلى العبيد والنساء ٣١٥ نصح الصحابة بالإحسان إلى أهل مصر أحبه الصحابة حبا لا مثيل له رثاء حسان إياه حب الشعوب الأخرى له مدح رئيس عربي له ٤٠٢ - ٤٠٣، ٦٦٧ ۱۲۵ ۳۱۲ ٤٤٤ ۲۸۳ ٢٢٥ على المؤمن أن يحبه أكثر من جميع أقاربه حقيقة الصلاة الإبراهيمية أهمية حب آل محمد ٦٣٠
الجزء السابع ۲۸۲ مدین أولاد مديان وقوم شعيب العلمية ٧٢، ٧٥٦۰ ،۵۱۰ ،۱۲۲ 010 ٣١٤ ٥١٥ ۱۰۰ ١٦٤ ٢٤ ٢٤ ١٦٤ ١٦٤، ٢٣٦ مُرْدَخاي (زعيم يهودي) مریم القرآن الكريم يصفها عفيفة رأت ابنه معلقا على الصليب دحض القرآن التهم التي ألصق بها اليهود تأويل "مريم" إذا رآها أحد في الرؤيا مسيلمة الكذاب مظهر جان جانان مرزا رحمه الله طريقته الرائعة لأكل الحلوى معاوية ابن أبي سفيان صلح معاوية مع علي رضي الله عنهما معين الدين الجشتي المغول الوضع التعيس للأمراء المغول مقاتل الملا دو بيازه أبو الحسن ابن أبي المحاسن مناظرته مع أحد العلماء ۳۳ ۵۳۹ ٣٦٣ ٣٦٣ مناة أحد آلهة العرب ۹۳، ۹۸، ۱۳۲، ٤٨٢، ٥٣٧ ۲۷۹ ٥٠٣ ٥٠٣ ،۱۱۷ ،۱۰٤٥، ٥ موآب ابن لوط موسوليني دكتاتور إيطالي عاقبته العليه السلام موسی ،٤، ٤١٨، ٤٨٣۱۱ ،۳۵۳ ،۱۳۶ ،۱۲۹ ،۱۲۸ ملحقات معارضته هياج الكفر إثر بعثته أعداؤه التسعة قصة إيذاء أبي جهل إياه محاصرة الكفار النبي في شعب أبي طالب معاملة أهل الطائف معه تآمر اليهود مع كسرى ضده اهمته قريش بتفريق شمل القوم دحض تهمة بكونه شاعرا لقد اتهم بالجنون لم ينزل عليه وحي من ا أمور متفرقة عنه الشيطان الفرق الأساسي بينه وبين أعدائه لم يسمح ! الله له بالاستغفار لوالدته انقلاب روحاني حصل في أعدائه الشرسين محمد إبراهيم الجموني محمد إقبال الدكتور الشاعر قوله "هذا العصر ينتظر إبراهيم" محمد بخش قصة المفسر معه محمد حسين البطالوي الناس عن كان ينهى ٤٨٨ ٤٧٧ ۸۱ ۸۳ ΛΕ ٦٦٦ ٤٧٢ ٣٥٩ ۱۳۳ ۳۲۸ ٢٥٦ ٣٤٦ 01 VVV ٤٩٨ ٤٩٨ " الذهاب إلى قاديان محمد ظفر الله خان تشودري محمد علي الباب (مؤسس الحركة البابية) تصرفات أتباعه أثارت المعارضة ضده ٧٥١ ٤٣٢ 1.9 ٢٤٦ ٤٨٨ ٢٣٦ ،٥٤، ٥٦٦، ٥٧٨۹ ،۵۳۵ ،۵۱۲ ،۵۱۹ ،٤٨٤ ،٧٢٤ ،۷۲۲ ،٥، ٦٠٠، ٦٥٧، ٦٥٩، ٦٩٤۸٠ ۲۸۲ محيي الدين ابن عربي رحمه الله مديان ابن إبراهيم من زوجته قطورة
ملحقات ٥٤٢ ۱۱۹ ۱۷۸ 112 ۱۰۷ ٥٨٥ ١٣٦ ٤۲۰ ،۳۷۲ رزق القدرة على اتخاذ القرار الصائب كان نبيا مختص القوم أخلاقه نموذج رائع لتوكله على الله تواضعه لم تكن في لسانه لكنة آياته ومعجزاته قدم التأييد الإلهي له برهانا على صدقه إراءته الآيات والخوارق الآيات التسع التي ظهرت في تأييده أوتي معجزة العصا واليد البيضاء 01162176127 581 ،417 ، 14 ۱۸۱ ٤٥٠ ، ٧١٣ ٤٥٠ ٦٤٧ 01.٥٥٣ ٤١٨ ٤١٨ ۵۱۹ ٤٦٣ ٤١٨، ٥٨١ حقيقة معجزة عصاه حقيقة اليد البيضاء حقيقة انفلاق البحر نبوءاته عن بعثة الرسول أنبأ موسى عن بعثة مثيله نبوءته عن نزول القرآن الكريم نبوءته عن فتح مكة أمته باصطحاب بني إسرائيل وتربيتهم لم يؤمن به قومه كلهم الانقلاب الحاصل في بني إسرائيل بتربيته تقدم أمته ماديًا وروحانيا قمة ازدهار قومه وعد قومه بمنح كنعان مقارنة بين قومه وقوم المسيح الكتاب المقدس وموسى معجزة اليد البيضاء كان مرضا بحسب التوراة ٦٧ ۵۷۳ ٥٧٤ ۱۲۸ ۵۷۳ ٥٧٤ الجزء السابع أحداث من حياته هدف القرآن من سرد وقائع حياته قبل بعثته قصة ولادته سبب تسميته بحسب الكتاب المقدس توكل أم موسى على ربها إلقاؤها إياه في اليم التقطته من اليم بنت فرعون لا زوجته قتل موسى ﷺ مصريًا خطاً ٥٤٢، ٥٦٦ ،۱۲۹ ،۱۱۷ ٥٧٥ ٦٦٥، ٧٢٤ ۰۷۱ ۵۷۲ ٥٧٢ ۰۹۰ ۵۸۰ ،۳۷۱ 411 ٥٤٣ 118 1.1 ۱۳۱ 117 ١٦٩ 1.0 ٥٣٥ القرآن الكريم يبرئه من القتل عمدا دعاؤه للخلاص من القوم الظالمين هجرته من مصر إلى مدين عمله للفتاتين تطوعًا دعاؤه تحت الشجرة ما كان شعيب العلية صهرا لموسى العليا بعثته بعث بعد هلاك قوم شعيب المكان الذي تجلى الله فيه لموسى أول مرة رؤيته النار وهو متوجه من مدين إلى مصر تجلي الله له في النار ونزول الوحي النار كان مشهدًا للتجلّي الإلهي وهبت له الرسالة جانب الغربي من الطور طلبه.من الله أن يجعل هارون وزيره أمره الله بالذهاب إلى فرعون حواره مع فرعون أعطى قوة حجج فرعون مواجهته للسحرة واعترافهم بالهزيمة خوفه من كفر القوم مكانته ظهر الله تعالى له بسيناء
الجزء السابع نظام الدين أولياء خواجه رحمه الله قصته مع غياث الدين تغلق ٤٧ ۸۰ ١٦٤ ٦٧١ ۱۹۰ ،۳۸ ۱۹۰ ۳۷۲ قصته ومريديه مع شاب وسيم تعرض للمعارضة نظام الدین مرزا ذكره في رؤيا المسيح الموعود الظن نمرود ملك معاصر لإبراهيم | العليا حواره مع إبراهيم النملة (قبيلة) مرور سلیمان بوادي قوم النمل نور الدين له الخليفة الأول للمسيح الموعود ال ،۱۸۷ ،۱۳۳ ،۱۳۱ ،۱۱۰ ،۴۲ ،۲۳ ،۷۰۷ ،٥ ، ٦٠٧۱۷ ، ٤٦۷ ، ۲۹۹ ، ۲٢٤٤ ، ٤٩ انكشاف المعارف عليه بصدد وحدانية الله تفسيره الرائع لقوله تعالى "ولا الضالين" ۲۹۹ تفسيره لقوله تعالى "قبل أن يرتد إليك طرفك" ٤٦٧ روايته لما جرى في مناظرة بين المسيح الموعود العليا والقس أتهم ۱۱۰ أول نار إبراهيم بنار المعارضة ثم غيّر رأيه ۷۰۷ رده على كتاب المرتد "دهر مبال" ۷۰۷ أخرج من مكتبه تفسيرا كتبه مرتد عن الأحمدية ٥٧٧ فتاوى التكفير ضده ۱۸۷ روى طريقة ولي لتلاوة القرآن ٦٠٧ ٤٢ ۱۳۱ ۲۷ ١٨، ٤٠٧ ۲۳ أحد أحداث حياته بعد البيعة حادث مجنونة معه مساعدته ونصحه لأحد من السادات حديثه مع سارق قصة بينها عن امرأة قانعة ٦٨ ٥٨١ ٦٢٥ ۱۲۲ ۱۲۲ ۵۹۸ ۳۳ ٨٥ ١٦٢ ٤٩٨ ٤٩٨ 12.۱۹۱ ۱۹۱ ۱۹۸ ٤٣٣ ٥٠٣ ٦٩ ۲۳ ٤٧٧ ٣٥٥ ملحقات غضب الله عليه بحسب التوراة معارضته آثار قارون ودانان وأبيرام فتنةً ضده احتقار فرعون إياه تعيير فرعون إياه اتهمه المعارضون بالسحر موسى الرضا الإمام رحمه الله سجنه الملك هارون الرشيد موير وليام السير إعجابه بما لاقى النبي في سفره إلى الطائف إعجابه بتضحيات صحابة النبي ميكنـــزي، البروفيسور قال إننا بحاجة إلى مسيح من أجل رقينا ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها شاركت النبي في أحد الكشوف مينوداك (Menodack) اسم إله قوم إبراهيم العلا نابليون بونا بارت كانت لديه فرقة خاصة للحراسة سبب انتصاراته ناصر أحمد مرزا رحمه رحمه الله نبوخذنصر البابلي هدمه لبيت المقدس واعتداؤه على بني إسرائيل نصرة جهان بيغم رضي النضر بن الحارث الله عنها شهادته على كون النبي ﷺ صدوقا
الجزء السابع قصة بينها بصدد اتباع عادات الآباء قصة أخته التابعة لمتصوف زائف قصته ذكرها عن نحوي هندي شهير قصته مع رجل بسيط حثه على الصلاة نوح العلمي ۱۹۳ ٢٤٩ ٢٤٤ ۱۰۷ ،۳۵۳ ،۲۷۸ ،۲۶۳ ، ۲۱۹ ،۹٥، ٤ ،٥، ٦٢٤ ، ٦٥٧، ٦٩٤، ٧٢٦۷۲ ،۱۳۷ ،۵۳۵ تجلى الله عليه بالجودي هو أول نبي مشرع كان إبراهيم تابعا لشريعته ٥٣٥ ٦٥٧ ٢٦٩، ٦٥٧، ٦٩٤ ٦٩٣ ٢٦٣ ٩٤ حقيقة عمره الممتد إلى ألف عام إلا خمسين نصح قومه بالتدبر والتفكير معارضته اضطر للهجرة نتيجة إيذاء قومه نجاته وهلاك معارضيه نور الدين كادها (اللاهوري) نوشيروان العادل نولديكه المستشرق الألماني اعترافه أن القرآن محفوظ من التحريف ٥، ٢٦٤، ٧٢٦ ٤٣٨ ۲۰۷ ٦٥٥،٦٤٢ ۳۸۲ نيبن نيف رئيس الكهنة في مصر زمن رعمسيس الثاني ورقة بن نوفل أخبر النبي أن قومه سيخرجونه من وطنه كان يترجم التوراة من العبرية إلى العربية ولنغتون اللورد قائد القوات الإنجليزية في حرب ووترلُو وليام موير (انظر موير وليام) ٥٥٧ ٦٤٨ ٧٦٤ ٤٣٣ وليد ابن المغيرة أحد أعداء النبي ولهيلم قيصر ألماني كانت لديه فرقة خاصة للحراسة ويري، ريفرند القس طعنه في القرآن والرسول ﷺ ملحقات ٤٧٧ ٤٣٣ ١، ٤٥٦، ٦٥٥،٦٤٢ حاول تشويه سمعة الإسلام بتفسيره للقرآن موقفه الخاطئ عن.هامان هاتور أحد آلهة المصريين هاجَرُ ٤٦٨ ٣٥٨ 001 لم تكن أمةً بل من.عائلة الملك المصري ترك إبراهيم إياها في واد غير ذي زرع ٣٥٢ ٦٩٥ نصح النبي ﷺ المسلمين بالإحسان إلى أهل مصر بسببها هاران أخ لإبراهيم القلب هاروت وماروت حقيقتهما هارون العلمية ۲۸۱ ٦٦٧ ٥، ٥٤٤، ٥٨٢، ٦٢٦۱۲ طلب موسى لجعل هارون وزيرا له جعل نبيا استجابة لدعاء موسى كان نائبا لموسى اتهم بكونه ساحرا ٥٧٩،٥٤٣ ۵۸۲ ٣٣، ١١٤ ٥٤٤، ٥٩٨ ۰۱۱ الكتاب المقدس يتهمه بالشرك والقرآن يبرئه هارون الرشيد الملك العباسي زجر النبي إياه في الرؤيا ۳۳
الجزء السابع كذبه عاد ٢٦٥ يثرون هو صهر موسى العليا بحسب التوراة ٥٧٢ ٦٥٥ ،۲۱۹ إشعياء العليلا نبوءته عن بعثة النبي ٣٢١، ٦٤٦ يعقوب العلمية ٦٥٨ ،۲۱۹ ۷۱۷ ٢٣٤ ۱۲۲ ۱۲۲ ۷۲۹ ٤٧٩ ۱۲۲ 010 ٦٩٣ شم ريح يوسف تلقي إبراهيم البشارة بولادته نصح يعقوب أولاده بعبادة الله يعقوب ابن مريم أخ للمسيح العلمية يهوذا بن مريم أحد إخوة المسيح | العلية لا يهوذا الأسخريوطي الحواربي وشى بالمسيح العلة مقابل ثلاثين درهما يوسف العليا عفو النبي ﷺ عن أهل مكة كعفو يوسف إخوته يوسف بن مريم أحد إخوة المسيح العلي يوسف النجار زوج مريم يونس العلمية V.ملحقات هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنهما هامان اعتراض المستشرقين بأنه لم يكن معاصرا لموسى ٥٥٤ ٥٨٥ 001 000 بحث تاريخي عن شخصيته أمره فرعون بتشييد الصرح كان حائزا على السلطة في الجيش المصري هامان ٤٨٢، ٧٢٤، ٧٢٦ ۱۹۸ ٥٠٣ ١٧٦ ۳۷۲ ٤٤٠ ٣٥٢ ۲۰۷ وزير الملك الفارسي أَحَشْوِيرُوش هبل أحد آلهة العرب هتلر مصيره الهتلرية الهدهد هو اسم قائد في جيش سليمان العليا بحث في هذا الاسم هر قل استفساره أبا سفيان عن النبي هولاکو خان هند رضي الله عنها بايعت يوم فتح مكة هود العلمية ٢٦٥ ، ٣٥٣، ٥٧٢، ٧٢٦ ،
(۳) فهرس الأعلام أماكن
الجزء السابع آسيا خيانة الآسيويين في التجارة أرمينيا أبرقة الأردن (النهر) إسبانيا إسرائيل ۷۸۳ ،۳۱۰ ،۱۲۱ ،۳۷ ۲۹۲ ٦٩٣ ٤٣٧ ٥٢ ٤٧٤ مستقبل إسرائيل بحسب القرآن إسلام آباد (کشمیر) أفريقيا ۲۹۳ ٤٧٤ ،۳۱۰ ،۲۳۳ ،۲۱۹ ،۱۲۱ تنبأ الصالحون في أفريقيا الغربية بأنها ستتطور عند مجيء مبشر أبيض أفغانستان ۲۱۹ ۷۲۸ ،۵۰۲ ، ۳۱۰ ، ۲۳۸ ، ۱۲۱ ألمانيا ألمانيا في عهد نابليون ۷۵۹ ،۵۰۳ ،۲۳۳ ،۱۰۰ هجومها على بريطانيا في ١٩١٨م أمانة الألمان في التجارة ٥٠٣ ۷۹۱ ٢٩٤ أمرتسر (الهند) ۵۱۸ ، ۱۰۰ مناظرة تمت هنالك بين المسيح الموعود الله والقس عبد الله آتهم أمريكا 1..،٥٠٣،٤٥٤، ۲۳۳ ،۱۰۰ ،۱۲۱ ،۱۲۰ ۷۸۰ ،۷۷۳ ،۷۰۰ ،٦٩٦ ٢٦٢ اكتشاف كولومبوس لأمريكا عفو إبراهيم لنكولن عن ولايات الجنوب هي قوة عظيمة أهلها أمناء في التجارة ٢٩٤ ۷۳ ملحقات الحظر على شرب الخمر فيها ثم إلغاؤه حمايتها لليهود ٧٥٤ ٦٨٦ دعمت إسرائيل على الاستيطان ارتكبت خطأ فادحا بدعم اليهود في فلسطين نحن في انتظار من يعتنق منهم الإسلام 0.٦٨٦ ٦٨٧ ٧٨٥ ستنهزم أمام الإسلام رغم تقدمها الهائل أمريكا الجنوبية الأناظول إنجلترا ٥٠٢ ۵۰۳ ،۳۱۰ ، ۲۳۳ ، ۲۱۸ ، ۱۰۰ انتصارها على نابليون ٥٠٣ حديث أحد رجال السفينة مع المفسر عند عودته من إنجلترا إندونيسيا Vo ۱۲۱ تسعون بالمائة سكانها من مسلمون ۱۲۱ أور (العراق) وطن إبراهيم ولوط عليهما السلام ۲۸۱،١٨٥، ۷۱۷ أورشليم (انظر في بيت المقدس) أوروبا ،۳۱۰ ،۲۹۳ ،۲۶۸ ،۱۲۱ ،۳۷ سر تقدمها تقدمها الصناعي طريقتهم لشراء الغلال وبيعها ٧٨٥،٥٠٣،٥٠٢ ٢٦١ ٧٨٥ ٦٢٣ في تاريخ أوروبا مثال واحد للعفو عن الشعب المهزوم زعمها أن حضارتها خالدة كثرة شرب الخمر عند أهلها أكبر عائق في اعتناقهم الإسلام شعور الأوروبيين بالدونية ٢٦٧ ٢٤٧ ٧٨٥،٦٨٧ ٢٤٤
الجزء السابع ٤٢٠،١٣٦ ۳۹۸ ۱۷۹ ٤٧٧ ۱۲۱-۱۲۰ ٢٧٤، ٤٧٩ ٤۹۷ ،۲۹۲ ۱۷ ۲۰۰ ۲۰۰ ٧٤ ملحقات ستنهزم أمام الإسلام رغم تقدمها الهائل ميول الأحرار في أوروبا إلى الدين رحلة المفسر له إلى أوروبا رجوع أوروبا إلى الله في الوقت الحرج ٧٨٥ ٢٤٨ ۷۵۹ ،۵۳۱ ۷۹۲ ذكر القاضي المسلم ابن أبي ليلى في قصص أوروبية سفر المفسر له إلى أوروبا للعلاج إلقاؤه محاضرة عن الإسلام في لندن ٢٦٠ ۷۵۹ ،۵۳۱ ۷۵۹ ،۵۳۱ جعل أوروبا مسلمة على شاكلة مسلمي آسيا صعب نحن في انتظار من يعتنق منهم الإسلام ۷۸۳ ٦٨٧ غرق فيه فرعون البحرين أوامر النبي ﷺ لملك البحرين نهاية مجد قريش في بدر البرازيل بصرى (الشام) بغداد بلجيكا بلوجستان قلة مياه الشرب فيها البنجاب ،۷۲۷ ،۵۲۳ ،۲۹۸ ،۲۹۳ ،۱۳۳ ٧٢٨، ٧٣٦ ،٤٦٥ ،۲۳۸ ،۱۲۱ ،۵۵ ،۵۱ ،۱ ۷۵۸ ،۷۰۱ ،٦٠٠،٥٠٢، ٦٦٦ إيران محاولة كسرى تقديم الرشوة للمسلمين عند هجومهم إيطاليا فظائعها على الحبشة بعد احتلالها بابل قوم عاد هم مؤسسو حضارة بابل التقدم المذهل للشعب البابلي ٢٣٣، ٥٠٣،٤٧٤ ٤٥٣ نبوءة المسيح الموعود العليا بتفشي الطاعون فيها ٥۲۳ ٢٦٨ البنغال فتح قورش الفارسي لبابل وتحريره بني إسرائيل ٢٦٨ ٢٦٨ ٦٦٦ هجوم غياث الدين تغلق عليها ٤٧ ٤٧ بهيرة ۱۷۸ ،۱۳۳ باهرة بور سعيد ۳۳۷ اشتملت كتيبة خصوصية للإمبراطور المغولي أكبر على رؤيا رآها المفسر له في بور سعيد ۳۳۷ أشراف باهرة ٤٣٣ بورما ۱۲۱ بتالا (الهند) ۵۱۸ بوليفيا ۱۲۱-۱۲۰ ۱۷۱ ۱۷۱ ٤٩٧ محاولة الشيخ البطالوي منع الناس من الذهاب إلى بيت المقدس تدمير نبوخذنصر لها بيروت ۱۰۹ قادیان البحر الأحمر
ملحقات ٤٧١ ٢٧٤، ٤٧١ ۵۸۷ الحجاز الحجر عاصمة قوم ثمود نهى النبي الصحابة عن استعمال مائها حوریب (جبل) 01.تجلى الله به على موسى أول مرة بحسب التوراة ۰۹۰ حیدر آباد دکن (الهند) ۳۳۹ دلهوزي (الهند) ۲۳۲ دلهي ٤٧، ٣٣٩ قصة قول شهير للصوفي نظام الدين أولياء "ما زالت دلهي بعيدة" ٤٧ ذكر مرزا مظهر جان جانان من دلهي الوضع المزري لأولاد الأباطرة المغول في دلهي ٢٤ ٣٤ دمشق ٤٣٧، ٤٩٧ رفع بلال الا الله الأذان هناك أول مرة بعد وفاة الرسول ۳۱۳ جزيرة العرب ،٢٦۸ ،۲۳۸ ،۲۳۳ ،۱۱۰ ۷۵۸ ،۷۲۲ ،٥٠۲ ، ٤٧٤ ،۳۱۰ الوضع الجغرافي النبي إشعياء بشأن أهلها ثورة روحانية عند أهلها بسبب القرآن ٦٤٦ ٤٧٤ ٧٥٨ Vo ٤٩٥ ٢٧٤ ٥٠٢ ۱۲۰ ٤٧١ ۱۷۸ ۱۷۸ ٦٤٤ ٤٣٧ ٥٣٥ ۵۳۵ ٤٣٣ الجزء السابع تاتانغر (الهند) تبوك تركيا تشيلي تهامة ثور (جبل) ثور (غار) مساحته ووضعه جبرين (الشام) جبل الزيتون تجلى الله على المسيح على جبل الزيتون جتور (الهند) الجحفة عند البعض نزلت بها آية "إن الذي فرض عليك ۵۳۹ ۲۹۸ ۲۹۸ ٥٣٥ القرآن" جهلم (نهر) منبعه ليس كبيرًا الجودي تجلى الله به على نوح العلي الحبشة ،۰۹، ۱۲۱، ۱۲۸، 343، ٥٠٢،٤٥٣، الخلق السامي للعدو العربي الشريف أمر النبي ﷺ صحابته بالهجرة إليها أراد عثمان ابن مظعون الله الهجرة إليها حكومتها المسيحية قدمت اللجوء للصحابة محاولة عكرمة للهروب إليها عند الفتح ۷۷۹ ۷۷۹ ٤٧٣ ۱۲۸ المفسر الله يحث الأحمديين على إسكان المناطق العربية غير المأهولة دیوبند حديث طالبين من ديوبند مع المفسر له ربوة (باكستان) ۲۳۳ ٧٣٦ VVV
ملحقات رنغون (بورما) نشر أحد البهائيين الكتاب من رنغون روسيا ٧٧٤ ۷۰۰ ،۶۹۳ ،۵۰۳ ،۵۰۲ ،٣٧، ٤٧٤ ٦٧٤ قصة الملك الروسي بيتر مع تولستوي هزيمة نابليون أمام روسيا زعم أهلها أن حضارتهم خالدة ٥٠٣ ٢٦٧ روما لجوء أوائل المسيحيين هنا زمزم بحث عبد المطلب عن بئر زمزم سالم ٣٤٣ ٥٠٣، ٦٦٥ ٣٤٧ بلد الملك صدق سالم سبأ ملكة سبأ وسليمان العليا بعث سلیمان رسالة إلى ملكة سبا سدوم موطن لوط ۷۱۸ ۳۷۳ ۳۷۳ ۷۲۰ ،۷۱۸ ،۷۱۷، ، ۷۱٢٨١، ٦ ۷۲۰ ،۷۱۸ ،۷۱۷، ،۷۱۶ ،۲۸۱ سرغودها (باکستان) ۲۳۱ السند رحلة المفسر له إلى السند قلة مياه الشرب هناك سيالكوت ۵۰۲ ،۲۰۱ ٦٣٢ ۲۰۱ ٧٦ إلقاؤه العليا محاضرة هناك الجزء السابع ۵۱۷ سيناء ظهر الرب من سيناء ٣٧، ٥٩٨، ٦٢٨ ٦٤٧ تجلى الله على موسى العليا بسيناء تلقى موسى أول وحي بغرب سيناء الشام ٥٣٥ ۰۹۰ ه، ۳۷، ۰۰، ۱۱۵، ۱۲۱، ٢٥٣، ٢٦١ ٤ ، ٥٠٢،٤٣٨۱۸ ،۳۹۹ ، ٢٩٦ ، ٣٤٣ ٦٠٠،٥٠٣، ٧٢٢،٦٦٥ ۷۱۷ هجرة إبراهيم مع لوط إلى الشام سؤال هرقل أبا سفيان في الشام شعب أبي طالب 17.محاصرة أهل مكة النبي الله وأهله فيه ٣٤، ٨٣، ٣٣٤ بقيت خديجة رضي الله عنها مع النبي فيه ثلاث سنوات شعیر أشرق لهم الرب.قال موسى ٣٤ ٦٤٧ شمله (الهند) ٤٠٠ شعار (بابل) الصفا ٥٨٦ ٣٣٤ دعوة النبي عشيرته إلى الصفا في أول البعثة ٣٣٤ صقلية ٤٧٤ فر إليها أوائل المسيحيين من مصر الصين ۷۰۰ ،۶۰۰ ، ٤٧٤ ، ۳۱۰ ،۱۲۱ ،۵۵ ،۳۷ الطائف حماية إلهية لمسكن المسيح الموعود الله فيها من سقوط الصاعقة ۷۰۸ خروج حضرته العليا من بيت قبل انهياره بناء على خروجه إلى الطائف راجيا في إيمانهم وحي الله معارضة سكانها رحلة حضرته العليا ۷۰۹ ٦٧٠ اعتداء أهلها على النبي ΛΕ ΛΕ
ملحقات ٦٤٧ ٣٤٣، ٦٦٦ فاران نبوءة موسى عن نبي يظهر من فاران ۷۹۲ ،۷۵۹ ،۱۰۰ فارس فرنسا فلسطین ۳۷، ۱۲۱، 165، 81، 437، 445، ۷۱۷ ،۲۸۱ هجرة إبراهيم ولوط إليها خرابها على يد نبوخذ نصر VV الجزء السابع إشادة وليام ميور بعظمة النبي ﷺ بسبب سفره إلى الطائف جبريل يسأل النبي ﷺ لعقاب أهلها ٨٥ ٨٦ ٤٩٧ ۰۱۱ ٥٤٣ ٥٤٤ ٥٩٣، ٥٩٦ الطهران طور سيناء رأی به مو به موسی نارا تلقى موسى الرسالة جانب الغربي من الطور ٤٧١،٢٦٨ هنالك تنبأ ببعثة النبي موسی عدن وجود بنايات قوم عاد في ضواحيها زيارة المفسر له لآثار عاد الأولى هناك ٢٦٨ ٢٦٨ العراق ١١٥، ١٤١، 311، 403، 501، 665 موطن إبراهيم العلي ۷۱۷ مساكن عربية على الطريق من فلسطين إلى اليمن ٤٤٥ الزبور يتضمن وعدا بإعادة فلسطين إلى الصالحين ٦٨٥ يصرح القرآن أن خروج فلسطين من يد المسلمين قول عمر ه يا سارية الجبل عند رؤيته الجيش المسلم مؤقت ٦٨٦ عدد سكانها حاليا ٥٠ فيروز بور الفيلبين 127 ۷۰۰ ،۱۲۰ قادیان ،١٤٤، ١٧٣، ٣٤٤ ، ۱۱۰ ،۱۰۷ ،۹۰ مجيء القس زويمر إليها ومقابلته مع ا المفسر ليه ٤٨٧، ٥١٨ ۱۱۰ القاهرة ٤٩٧ جثة فرعون في متحف القاهرة ۵۸۸ قبرص لجوء أوائل المسيحيين هنا كابول ٣٩٤ ٦٦٩ ٣٦، ١٢٦، ٢٣٦ 12.٤٣٧ ٥٦٨ ،۲۸۲ ٤٧٣ ٧٤٦ ۷۱۷ ۷۱۷ ٤٣٧ في العراق كشفا عسقلان العقبة (الخليج) عكاظ عليغره عمورة مدينة مجاورة لمدينة سدوم طيبة (عاصمة مصر قديما) غزة غواليار إلقاء الملك جهانغير أحمد السرهندي في سجن غواليار شهداء أحمديون في كابول كبور تهله
الجزء السابع ٢٦٠ ٢٦١ ۱۲۰ ٤٢ ۲۳۳ ۱۰۷ ٤٢ ١٤٦، ١٤٤، ٥١٨ ۲۰۷ ۷۹۱ ٤٢٥ ١٤٥ ۳۰ ۳۲ ۷۸ ملحقات تعيين المسيح الموعود الله في مديرية التعليم فيها ١٢٦ ظهور آية على صدقه العليا هناك كربلاء ٣٦ "أجول في ميدان كربلاء كل حين" (المسيح الموعود) كرنك (مصر) کشمیر ٦٧٣ ٥٥٨ ٣٩٤، ٥١٦، ٧٢٨ ،۲۹۳ الكوفة عمر ولاتها مرارا تعيين ابن أبي ليلى واليا عليها كولمبيا غجرات غوبي "الصحراء" غورد اسبور غوليكي لاهور تأبين رنجیت سنغ قصة طالب ملحد من كلية الطب بلاهور لبنان لدهيانة لكناؤ ذهاب المفسر له إليها موت مثير للعبرة لأحد أعداء الأحمدية فيها لندن ٤٩٧ سفر المفسر الله إليها للعلاج ۰۳۱ مدین ۲۸۲ ،۷۲۲ ،٥، ٥٦٩،٥٧٦۷۷ ، ۵۸ وضعها الجغرافي مدينة قوم شعيب بعثة شعيب إلى مدين مجيء موسم من مصر إليها رأى موسى نارا في طريقه من مدين إلى مصر ۲۸۲ ٧٢٢،٦٥٩ ،۲۸۲ ٥٤٢،٥٦٨ ٦١١ ٦٦٥،٥١٦ ۲۹۳ هجرة المسيح العلة إليها خسارة أهلها في تجارة المصوغات الفضية ٧٩٣،٥٠٢،٦٨ ۷۹۳ ۷۹۳ ٦٠٩،٥٠٢ ٧٩٥-٧٩٦ ۷۹۵ ۷۹۵ ۱۷۳ ۱۲۱ ٤١٨، ٦٢٧ ۷۱۷ ۱۰۹ ٤١٨ ۲۳۲ ۱۲۰ الكعبة وجود الكعبة دليل على وحدانية الله دعاء إبراهيم عند رفع قواعد البيت حفظ الكعبة من غارة أبرهة انقلاب عظيم بواسطة هي بیت بيت الله النقطة المركزية لاتحاد العالم الله ضمان للأمن العالمي كلكوتا كندا كنعان هجرة إبراهيم ولوط إلى هناك وعد بنو إسرائيل بإعطاء كنعان فتح بني إسرائيل لها کهجیار رفع الأذان في جزيرة فيها أول مرة كوبا
الجزء السابع ۷۹ ملحقات إقامة موسى مع قومه في مدين بعد الخروج من مصر وجود مدينة عامرة في وادٍ غير ذي زرع معجزة المدينة المنورة ۰۹۱ ،۱۰۳ ،۸۷ ،۸۵ ، ۳۳ ،۱ ،٤٥۹ ،۳۹۱ ، ۳۱۲ ، ۲۷١٢٤، ١٤٠ ، ١٤١، ٤ ۷۵۸ ،۵۳۹ ،٥٩٢،٤٨٠ أولاد تيماء بن إسماعيل سكنوا المدينة هجرة النبي إليها أمر النبي عليا عليها أثناء غيابه مؤامرات اليهود في المنفى ضد أهل المدينة نياحة في المدينة عند وفاة النبي ﷺ خطاب أبي بكر له إثر وفاة النبي ﷺ المسجد الأقصى المسجد الأقصى (بقاديان) مصر ٦٤٧ ٨٥ ۳۳ ٧٥٨ ۲۰۹ 117 ۱۷۱ ΣΑΥ ،٥٠۲ ،۳۱۰ ، ۲۹٦ ، ۲۳۸ ، ۱۲۰ ،۳۷ دعاء إبراهيم العليا لأهل مكة دعاؤه لمكة أن تكون آمنةً منة الله على أهلها مكة آمنة لكونها داخل حدود الحرم جعلها الله حرما منذ زمن إبراهيم مظالم أهلها على النبي مؤامرة أهلها في دار الندوة تعجب أهلها من فكرة إله واحد بكاء الصحابة حنينا إليها نبوءة موسى عن فتح مكة بيد النبي أنباء عن هجرة النبي ﷺ منها وعودته إليها تم فتح مكة بغتةً ٦٠٩ 1.1 ۷۹۳ ٦٦٢ ٧٩٣،٦٦٢ ٦٠٩،٥٤٥ ٤٧٧ ۹۳ VVA ٦٤٧ -٦٤٠ ཎྜ༽ ٧٧٥،٣٢٦ عامل النبي أهلها كمعاملة يوسف مع إخوته ١٧٥، ٣٠٦ ۲۸۱ ٤٨٠ ٤٧٨ ٤٧٩ سمح للكافرين بالعيش فيها قصة قوم لوط تتضمن زجرا لكفار مكة حلول عذاب مماثل لعذاب قوم لوط بأهلها حلول عذابين على أهلها خجل أهلها عند فتح مكة تفضيل عمر الله المسلمين العبيد على أولاد رؤسائها ٢٥٢ ۱۲۰ ۰۹۱ المكسك موآب تخيم بنو إسرائيل فيها بعد الخروج من مصر مومباي (الهند) خيانة أهلها في التجارة ٥٢٥،٥٢٣ ۲۹۲ ٦٦٥، ٧٢٢،٦٩٣ ،۶۰۰ ،۵۹۱ ،۵۸۰ ،٥٦٨ كانت بلادًا متحضرة في عصر الفراعنة ذکر هامان في تاريخ مصر هجرة بني إسرائيل من مصر عدد بني إسرائيل عند خروجهم منها جثة فرعون في متحف القاهرة لجأ أوائل المسيحيين من روما إلى مصر نصح الرسول ﷺ بالإحسان إلى أهلها سفر المفسر له لتعلم العربية في مصر ۳۱۰ ٥٥٧ ۱۰۲ ٥٠ ٦٢ ۳۳۷ مكة المكرمة ٨٢، ٨٣، 84، 93، 454، 409 ٥، ٦٤٧،٦٢٧۹۲ ،۵۰۲ ،٤٧٤ ، ٤٨٨ ، ٤٩٧ وضع أساس مكة في زمن إبراهيم إسكان مكة على يد إسماعيل ظهور الله من مكة على يد إبراهيم ٤٧٤ 012 ٥٣٥
من عاداتهم الراسخة أكلهم "بان" وادي النمل وضعه الجغرافي مرور سليمان العلة به واشنطون ووترلو الجزء السابع ۹۲ ٤٣٧ ٤٣٥ ٤٩٧ ۸۰ ۲۳۱ ។ ។ ។ ۱۱۳ ۲۱۹ ،۲۱۸ ۲۱۹ ملحقات مونت غومري ميديا الناصرة النرويج نیبال نینوی أطاح ملك الفرس قورش بحكومة نينوى هزاره (مدينة باكستانية) ٨٥،٨٤ ٣٩٤ الهند ٣٤، ۰۰، ۹۲، ۱۱۰، 134، 168، 11، ،٥٠ ، ٦٠٠۲ ، ۳۱۰ ،۲۶۲ ،۲۳۸ ،۲۳۳ ، ۲۱۹ هزيمة نابليون فيها اليابان اليرموك اليمن ٤٣٣ ۳۱۰،۱۲۰ ،۳۷ 7.٢٦٨، ٤٤٥، ٥٠٢، ٦٤٦ قرى عربية على الطريق من فلسطين إلى اليمن رحلة سليمان العلة إلى اليمن خروج حاكم اليمن لهدم الكعبة ٤٤٥ ٤٣٨ ٥٠٢ أمر كسرى حاكم اليمن باعتقال النبي ﷺ ٤٦ اليونان إيمان اثنين من أهلها بالنبي ﷺ ٨٥، ٥٠٢، ٦٠٠ ٦٣٦ ١٣٦ ٣٩٦ ٥، ٥٢٥-٥٢٦۲۲ ،٤٧٥ رؤية بعض ملوك الهند معجزة انشقاق القمر حرمان "شودر" من المرافق الاجتماعية تفشي الطاعون في الهند ٤٥٣ ٦٣٦ المسؤولين الهنود ليهينوا أهلها ۲۳۸ احتلال الإنجليز لها ومظالمهم تعيينهم أهمية ظهور المجددين في الهند
(٤) المراجع والمصادر
الجزء السابع ۸۳ القرآن الكريم مراجع عربية كتب التفسير ملحقات * الإمام فخر الدين الرازي، التفسير الكبير دار الكتب العلمية طهران أثير الدين محمد بن يوسف المعروف بأبي حيان الأندلسي، تفسير البح المحيط، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان * * العلامة أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جامع البيان، دار الحديث القاهرة * العلامة أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي، روح المعاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان * عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي بيروت، لبنان ١٩٨٥م * الإمام جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير المأثور، دار المعرفــــة للطباعة والنشر بيروت لبنان * أبو الفضل بن حيسن بن الفضل الطبرسي الطوسي، مجمع البيان في تفسير القرآن
ملحقات ٨٤ الجزء السابع * محمود بن عمر الزمخشري ، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل دار الكتاب العربي بيروت لبنان * علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي، تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان ١٩٩٥م.أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، التفسير البغوي، المسمى معــالم التنزيل، إدارة تأليف أشرفية ملتان * * أبو الطيب صديق بن حسن القنوجي، تفسير فتح البيان، المكتبة العصرية، صيدا بيروت الحديث * * الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، صحيح مسلم الإمام الحافظ محمد بن عيسى الترمذي، جامع الترمذي * الإمام أبو داود سيلمان بن الأشعث، سنن أبي داود الإمام الحافظ محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه * * * * الإمام أحمد أحمد حنبل، مسند بن بن حنبل العلامة علاء الدين علي المتقي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، مؤسسة الرسالة، دار الكتب العلمية بيروت لبنان * الإمام جلال الدين أبو بكر السيوطي، الجامع الصغير في أحاديث البشير والنذير، دار الكتب العلمية بيروت لبنان
الجزء السابع ٨٥ ملحقات * محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي، سنن الدارمي دار الكتب العلمية بيروت، لبنان * الإمام أبو زكريا يحي الدمشقي النووي، رياض الصالحين، الناشر: عثمان ظفر غوجرانوالا، ونعماني كتب خانه لاهور 6 * العلامة نور الدين علي بن محمد، المعروف بـ ملا علي القاري، الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة، المعروف بـ "الموضوعات الكبرى"، المكتبة الأثرية * الإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني، الفوائد المجموعة في الأحاديـــث الموضوعة، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان * الشيخ ولي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب، مشكاة المصابيح علامة بدر الدين أبو محمد بن أحمد العيني، عمدة القاري * * السيرة والتاريخ و غيرهما العلامة علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي السيرة الحلبية، دار الكتب العلمية بيروت * ابن هشام، السيرة النبوية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ١٣٥٥ هـ * الإمام جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء، أصح المطابع، كارخانــــه تجارت كتب آرام باغ كراتشي.
ملحقات ٨٦ الجزء السابع * الإمام شهاب الدين الحموي الرومي، معجم البلدان، دار الكتاب العربي بيروت لبنان * شهاب الدين أحمد بن علي المعروف ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، دار الكتب العلمية بيروت لبنان * أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد القرطبي، الاستيعاب في معرفــــة الأصحاب، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان * محمد بن سعد، الطبقات الكبری، دار صادر ودار بيروت للطباعة دار إحياء التراث العربي بيروت، لبنان * العلامة أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن الأثير، أُسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع * العلامة محمد بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير، الكامل في * التاريخ، دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر بيروت ١٩٦٥م الشيخ محمد خضري بك، تاريخ الأمم الإسلامية، الطبعة الثالثة، مطبعة مصطفى محمد شارع محمد علي بمصر * أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع * الإمام أبو الحسن البلاذري، فتوح البلدان المطبعة المصرية بالأزهر عــــام ١٣٥٠ هـ، ومطبعة الموسوعات بمصر عام ١٣١٩ هـ * أبو الفداء الحافظ إسماعيل بن كثير، البداية والنهاية، مكتبة المعارف بيروت، ومكتبة النصر بالرياض
الجزء السابع ۸۷ ملحقات * * الكتاب المقدس، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، طبعة العيد المئوي ۱۸۸۳ – ۱۹۸۳ الشيخ ميرزا عبد الحسين ،آواره الكواكب الدرية في تاريخ ظهور البابيـــة والبهائية، ترجمة عربية عن الفارسية: أحمد فائق ،رشد نشره حفيد العلامـــة الشيخ سليم العطار الدمشقي عزت العطار.* الشيخ حسين بن محمد بن الحسن الديار بكري تاريخ الخميس، مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع بيروت * رد المحتار على الدر المختار، في شرح تنوير الأبصار مكتبــة كاجديـــة كراتشي، الطبعة الثانية ١٤٠٤هـ * أطلس القرآن أماكن أقوام أعلام الدكتور شوقي أبو خليل، دار الفكر بيروت ۲۰۰۳ * محمد نذير عرشي، مفتاح العلوم شرح مثنوي مولانا روم، شیخ غلام علي وأولاده تاجران وناشران كتب لاهور * أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد ابن قدامة، المغني لابن قدامة، دار المنار، ورثة السيد محمد رشيد رضا * الشيخ عبد الرزاق القاشاني، اصطلاحات ،الصوفية، دار الكتب العلميــة بيروت لبنان * أحمد حسين الزيات، تاريخ الأدب العربي، مكتبة نهضة مصر بالفجالـــة شارع كامل صدقي
ملحقات * محمد بن عبد الله ١٩٦٣م * ۸۸ الجزء السابع بن مسلم بن قتيبة الشعر والشعراء دار الثقاقة بيروت حسان بن ثابت الأنصاري ديوان حسان دار صادر للطباعة والنشر بيروت ١٩٦٦م * السيد محمود شكري الألوسي، بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب، دار الكتب العلمية بيروت لبنان * الشيخ عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تعبير المنام، المطبعة العثمانيــة المصرية ومكتبة الجمهورية المصرية * قاضي أبو الفضل عياض بن موسى الشفاء بتعريف حقوق المصطفى، عبد التواب أكادمي بيرون بوهر کیت ملتان، باکستان * * أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية زاد المعاد في هدي خير العباد، شركة مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر * * عبد الفتاح صبري بك، القراءة الرشيدة، مطبعة المعارف ومكتبتها بمصر أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي، مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب دار الكتب العلمية بيروت لبنان أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، دار صادر بيروت * محمد الخضري، المحاضرات تاريخ الأمم الإسلامية، مطبعة مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية بشارع محمد علي بمصر جرجی زیدان كتاب العرب قبل الإسلام مطبعة الهلال بالفجالة بمصر ۱۹۰۸م
الجزء السابع ۸۹ ملحقات * * محمد بن عمر بن واقد، كتاب المغازي للواقدي، مطعبة جامعة أكسفورد العلامة القاضي، أبو البقاء، كليات أبي البقاء دار الإشاعة العربية كوئتــــة باكستان.* العلامة سعيد الدين التفتازاني مختصر المعاني، مطبعة مجتبائي دلهي بالهند ۱۳۵۹ هـ * العلامة عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المغربي، تاریخ ابن خلدون، دار الإحياء التراث العربي بيروت لبنان اللغة والأدب * * * * * * الإمام راغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن العلامة ابن منظور محمد بن مكرم الأنصاري، لسان العرب محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس سعيد الخوري الشرتوني اللبناني، أقرب الموارد المنجد في اللغة والأعلام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي القاموس المحيط، المؤس العربية للطباعة والنشر بيروت لبنان * الدكتور إميل بديع يعقوب، موسوعة أمثال العرب، دار الجيل بيروت
ملحقات كتب عربية للمسيح الموعود والإمام المهدي ال * * * نور الحق الحصة الثانية حمامة البشرى لجة النور * منن الرحمن الجزء السابع
الجزء السابع 91 مراجع إنجليزية ملحقات ❖ BARKER, L.M., 1967-1968.Pears encyclopaedia, 76th ed.London: World Books.❖BLISHEN, E., Junior Pears encyclopaedia.Sixth ed.London: Reprint Society.❖BRILL, E.J., 1987.First encyclopaedia of Islam, vol.8.Leiden: E.J.Brill.Chambers twentieth century dictionary, new ed.W & R Chambers.CONZE, E., Buddhism, its essence and development.Oxford: Bruno Cassirer.❖ DARD, A.R., Life of Ahmad, founder of the Ahmadiyya movement.Lahore: Tabshir.DAVENPORT, J., Mohammad and teachings of Quran.Lahore.❖ Encyclopaedia biblica, vol.3.London: Adam and Charles Black.✰ESSLEMONT, J.E., Baha'u'llah and the new era.New Delhi: The publishing committee of the national assembly of the Baha'is of India and Burma.FARB, P., 1968.Man's rise to civilization as shown by the Indians of North America from primeval times to the coming of the industrial state.E.P Dutton & Co., Inc.❖ GASCOIGNE, B., The encyclopedia of Britain.Macmillan Publishing Company.
الجزء السابع 97 ملحقات ✰ MILLER, M.S., AND MILLER, J.L., 1954.Black's bible dictionary.London: Adam and Charles Black.MORET, A., 1927.The Nile and Egyptian civilization.London: Kegan Paul, Trench, Trubner & Co., Ltd.MUIR, W., 1877.The life of Mahomet.New ed.London: Smith, Elder, & Co.Nelson's encyclopaedia, vol.3.London: Thomas Nelson & Sons.PHILLIPS, S., 3000 proverbs.New Delhi: Goodwill Publishing House.❖ POLANO, H., The Talmud.Selections from the contents of that ancient book, its commentaries, teachings, poetry, and legends.London: Frederick Warne & Co.❖ SALE, G., The Koran.Translated into English from the original Arabic.London and New York: Frederick Warne & Co.Ltd.WHERRY, E.M., AND TRENCH, P.K., 1896.A comprehensive commentary on the Quran (comprising Sale's translation and preliminary discourse by EM.Wherry).London: Trubner & Co.Ltd.The encyclopaedia Britannica.A dictionary of sciences, literature and general information, vol.15, 11th ed.Cambridge: University Press, 1911.The encyclopaedia of Islam.A dictionary of the geography, ethnography and biography of the Muhammadan peoples, vol.3.Leiden: E.J.Brill, London: Luzac & Co., 1936.The holy bible, containing the old and new testaments.King James Version, 1611.Philippine Bible Society.The interpreter's bible, vol.7.New York: Abingdon Cokesbury Press.
ملحقات 97 الجزء السابع The Jewish encyclopedia.New York and London: Funk & Wagnalls, 1916.TISDALL, W.ST.C., Sources of Islam (Urdu).❖ TOYNBEE, A.J., 1948.Civilization on trial.New York: Oxford University Press.✰ WILLIAMS, H.S., The historians' history of the world, vol.1.London: The Encyclopaedia Britannica Co., Ltd.WILSON, T.W., Through the Bible.London and Glasgow: Collins.
ملحقات ٩٤ الجزء السابع مراجع أردية وفارسية کتب حضرت مرزا غلام احمد قادیانی علیہ السلام ، (طبعه روحانی خزائن ) پبلشر نظارت اشاعت ربوہ، ضیاء الاسلام پریس ربوہ پاکستان براہین احمدیہ ( ہر چہا ر حصص ) برا امین احمدیہ حصہ پنجم الحق مباحثہ لدھیانہ ازالہ اوہام جنگ مقدس آئینہ کمالات اسلام سرمه چشم آریہ چشمه معرفت تحفہ قیصریہ انجام آتھم کتاب البريه تذكرة الشهادتين معیار المذاہب
الجزء السابع سراج منیر بركات الدعاء حقیقة الوحی تریاق القلوب الوصیت ايام الصلح نزول مسیح انوار الاسلام 2 ۹۵ ملحقات تذکرہ ( مجموعہ الہامات، کشوف ورؤیا حضرت مرزا غلام احمد قادیانی) الشركة الاسلامیة لمینڈر بود پاکستان ملفوظات جلد اول، دوم، سوم، چهارم ، بینیم مجموعہ اشتہارات در نمین فارسی ، نظارت اشاعت و تصنیف ربوه دیگر کتب و اخبارات سلسله نورالدین بجواب ترک اسلام ،حضرت حکیم مولوی نور الدین بھیروی صاحب ، محمد فخر الدین ملتانی ، مطبع وزیر ہند سٹیم پریس امرتسر باہتمام بھائی بہادر سنگھ، احمد یہ کتاب گھر ( قادیان ) 1923
ملحقات الجزء السابع سیرت مسیح موعود علیہ السلام ، یعقوب علی عرفانی صاحب ، خواجہ پر لیس بٹالہ ، احمد وجودی مالک و مطبع و پر نٹر کے اہتمام سے چھپوا کر تراب منزل قادیان سے شائع کی.12 مئی 1924 حیات احمد عہد جدید، به سلسله قدیم ، یعقوب علی عرفانی صاحب ایڈیشن سوم.اسلامی پریس حیدرآباد دکن 1952ء سیرت المہدی ، حضرت صاحبزادہ مرزا بشیر احمد صاحب ایم اے.باہتمام فخر الدین ملتانی احمد یہ کتاب گھر قادیان 1923 اصحاب احمد ، ملک صلاح الدین ایم اے جلد 4 شائع کردہ ملک ( صلاح الدین ایم اے قادیان پنجاب بھارت ( جدید کمپیوٹرائزڈ ایڈیشن ) بہائی تحریک پر تبصرہ ،مولانا ابوالعطا جالندھری تفخیذ الاذھان ، ماہنامہ، ایڈیٹر صاحبزادہ مرزا بشیر الدین محمود احمد صاحب ، ماہ ستمبر 1913 ، قادیان ضلع گورداسپور بدر قادیان ، ایڈیٹر مفتی محمد صادق 10 جنوری 1907ء ، جمعرات 27 اپریل 1907 قادیان الحکم قادیان ، ایڈیٹر شیخ یعقوب علی تراب احمدی 28 فروری 1903 قادیان، 10 جون 1907ء، 24 نومبر 1907ء روزنامه الفضل قادیان ،1914، 15 مارچ 1930ء
الجزء السابع دیگر کتب ۹۷ ملحقات سید احمد شہید ، غلام رسول مہر ، کتاب منزل ، کشمیری بازار.لاہور.تاریخ ارض القرآن ، جلد اول ، دوم ، مولانا سید سلیمان ندوی ، معارف پر لیس دار المصنفین اعظم گڑھ 1924 رازی.دیوان خواجہ شمس الدین محمد حافظ شیرازی ، ناشر انتشارات فخر تذکرة الاولیاء، از حضرت شیخ فرید الدین عطار، مطبع پروگریسو بک 40 بی اردو بازار.تذکرة الاولياء تالیف فرید الدین عطار کتب خانہ شان اسلام، راحت مارکیٹ اردو بازار لاہور - تذکرۃ الاولیاء.رئیس احمد جعفری.شیخ غلام علی اینڈ سنز.کشمیری بازار لاہور.تذکرۃ الاولیاء ہند ، مرزا محمد اختر دہلوی ، میور پریس دہلی محلہ پیپل مہا دیو با ہتمام منشی بلاقی داس مالک مطبع.تاریخ ملل قدیمة ، مصنفه سینوس (فرانسیسی ) مترجم اردو سید محمود اعظم نہیں، مسلم یونیورسٹی انسٹیٹیوٹ علی گڑھ - انوار اصفیا ، مرتبہ ادارہ تصنیف و تالیف ناشرین شیخ غلام علی اینڈ
ملحقات ۹۸ الجزء السابع سنز ، پرنٹرز ، پبلشرز ، کشمیری بازار لاہور سر دلبراں ، حضرت سید محمد ذوقی.مطبع محفل ذوقیہ ڈون ہاؤس لتی روڈ.کراچی کینٹ.بہاء اللہ وعصر جدید ، جے ای ایسلمنٹ ، ترجمہ عباس علی بٹ ،محفل ملی بهائیان هند و بر هما اقتراب الساعة نور الحسن خان ، طبع في مطبعہ مفید عام الكارية في آگرہ، بادارة المنفی محمد احمد خان 1301ھ تا تاریوں کی یلغار ، ہیرلڈلیم ترجمہ احمد (1206 ء ) مطبع شیخ غلام علی اینڈ سنز.کتاب منزل لاہور تاریخ فرشته ، ملا محمد قاسم ، مطبع منشی نولکشور لکھنو انڈیا سقراط، منصور الحمید ، مطبع طیب اقبال پرنٹرز دارالتذکیرحمید سنٹر ۹ رائل پارک لا ہور.تواریخ اقوام کشمیر ، محمد الدین فوق ، نگارشات 24 مزنگ روڈ لاہور 2003 امیر تیمور.مصنفہ ہیرلڈ ہیمب.مترجم محمد عنایت اللہ دہلوی.نفیس اکیڈیمی بلاسمس اسٹریٹ.کراچی شرح دیوان غالب - شارح محمد الیاس ناصر دہلوی.مطبع شاہد پر فٹنگ سروسز صدر کراچی
الجزء السابع ۹۹ ملحقات کلیات اقبال.اقبال اکیڈمی پاکستان.مطبع استقلال پر لیس لاہور اقبال نامه مجموعه مکاتیب اقبال مرتبہ شیخ عطاء اللہ ایم اے.ناشر شیخ محمد اشرف تاجر کتب کشمیری بازار لا ہور کتاب مقدس ، بائبل سوسائٹی ، انار کلی ، لاہور قاموس الكتاب لغات بائبل ، مولف ایف سی.خیر اللہ مسیحی اشاعت خانہ 36 فیروز پور روڈ لا ہور.بنا بیچ الاسلام ، پادری ولیم سینٹ کلیپیر ٹسڈل صاحب ایم.اے، فارسی کتاب سے اردو ترجمہ.مسٹر اکبر مسیح.پنجاب ریجیس بک سوسائٹی.انار کلی لاہور.1902 نجات کی تعلیم ، پادری طالب الدین بی اے، پنجاب رییس بک سوسائٹی.انار کلی لاہور.1905 انوار حقیقت یعنی ستیارتھ پرکاش، رشی دیانند - ترجمه از چمپوتی ایم.اے مطبع سوامی ویدانند تیرتھ ادھا تا چپونی ساہتیہ و بھاگ آریہ پتی ندھی سبھا پنجاب گور دت بھون لا ہور.مهارشی دید و یاس شریمد بھاگوت مہا پران، گیتا پریس گورکھپور