Language: AR
محاضرة ألقاها حضرة ميرزا غلام أحمد القادياني المسيح الموعود والمهدي المعهود عليه السلام في 4-11-1905 بحضور آلاف الناس
محاضرة لدهیانه صورة الغلاف لهذا الكتاب لیکچر لدھیانہ حضرت مرزا غلام احمد قادیانی مسیح موعود و مہدی معہود علیہ السلام نے ۴ ر نومبر ۱۹۰۵ء کو ہزاروں آدمیوں کی موجودگی میں دیا ۹۹
محاضرة لدھیانہ ترجمة صفحة الغلاف لهذا الكتاب محاضرة لدهيانه التي ألقاها حضرة الميرزا غلام أحمد القادياني المسيح الموعود والمهدي المعهود العلية في ١٩٠٥/١١/٤م بحضور آلاف الناس 1.1
محاضرة لدھیانہ التي ۱۰۳ ألقاها بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم محاضرة لدهيانه المسيح الموعود اللة في ١٩٠٥/١١/٤م بحضور آلاف الناس أولا وقبل كل شيء أشكر الله تعالى الذي وفقني لأن أحضر هذه المدينة أخرى لتبليغ الدعوة، فقد جئتُ إليها بعد ١٤ عاما.كنت قد رحلت من هذه المدينة ولم يكن معي إلا بضعة أشخاص فقط، وكان تكفيري وتكذيبي وتسميتي من قبل الناس بـ "الدجال" حامي الوطيس، وكنت في أعين الناس كشخص مطرود ومخذول، وكانوا يظنون أن هذه الجماعة ستتشتّت مطرودةً في أيام قليلة وستُمحى آثارها من وجه الأرض تماما.ولقد بذلت جهود مضنية لهذا الغرض ونُسجت المكايد، وكان من المؤامرات الخطيرة التي حيكت ضدي؛ إصدار الفتاوى لتكفيري وتكفير جماعي، وأشيعت في الهند كلها.أقول متأسفا إن بعض المشايخ من هذه المدينة كانوا السباقين في الإفتاء بتكفيري.ولكنني أرى وترون أنتم أيضا أنه لا أثر لهؤلاء المكفّرين، أما أنا فقد أبقاني الله حيًّا إلى الآن ونمي جماعتي.وأظن أن فتوى تكفيري التي أصدرت مرة ثانية قد أشيعت في كافة المدن الكبيرة في الهند، وجُمع عليها لقد نُشرت هذه المحاضرة للمسيح الموعود ال لأول مرة في أعداد جريدة "الحكم" من ١٩٠٦/٩/١٠م إلى ١٩٠٦/١١/٣٠م.(الناشر)
١٠٤ محاضرة لدهیانه تواقيع وأختام ۲۰۰ من المولويين والمشايخ تقريبا.وقيل فيها إن هذا الشخص ملحد ودجال ومفتر وكافر، بل أكفَرُ.باختصار، فقد قال كل من هب ودب عني ما شاء واستطاع، وزعموا أن هذا السلاح سيقضي على هذه الجماعة الآن.والحق أنه لو كانت الجماعة من صنع الإنسان وكيده وافترائه لكانت الفتوى سلاحا ماضيا بالفعل للقضاء عليها.ولكن لما كان الله تعالى قد أسسها بيده؛ فأنى لها أن تفنى بمعارضة المعارضين وعداوة الأعداء؟! كلما زادت المعارضة ترسخت عظمة الجماعة وعزتها في القلوب أكثر فأكثر.واليوم أشكر الله تعالى على أن كان هناك زمن أتيتُ فيه إلى هذه المدينة، ورجعت منها وما كان معى إلا بضعة أشخاص فقط، وكانت جماعتي قليلة العدد جدا، أما الآن فترون أن معي جماعة كبيرة وقد بلغ عددها ثلاث مائة ألف مبايع، ولا تزال تتقدم يوما تلو يوم، ولسوف يصل عددها إلى عشرات الملايين.فانظروا إلى هذا الانقلاب العظيم هل يمكن أن يكون ذلك فعل إنسان؟ لقد أراد الناس أن يمحوا كل أثر لهذه الجماعة، ولو كان ذلك بوسعهم لمحوها منذ فترة طويلة، ولكنها من صنع الله تعالى الذي إذا أراد شيئا فلا الدنيا أن يسع تحول دون إرادته، كذلك لو أرادت الدنيا شيئا و لم يُرده الله الله لما تم مطلقا.فكروا في أمري، فقد عاداني المشايخ والمرشدون وأصحاب الزوايا جميعا، واستقطبوا أصحاب الأديان الأخرى أيضا لمعارضتي، وكادوا لي كل كيد، وأفتوا بتكفيري ليسيء المسلمون بي الظنَّ.ولما لم ينجحوا في ذلك شرعوا في رفع القضايا، والتي منها محاولتهم ليورّطوني بقضية زائفة لمحاولة القتل، وسعوا لأعاقب.فقد وجهت إلى تهمة محاولة قتل أحد القساوسة، وسعى كل سعي الشيخ محمد حسين كل السعي فيها ضدي، وحضر المحكمة بنفسه للإدلاء بالشهادة، وكان يبغى أن أدان فيها وأعاقب.وكان واضحا من مسعاه أنه عاجز عن تقديم الأدلة والبراهين القاعدة هي أنه كلما عجز العدو عن تقديم الأدلة و لم يتمكن من الإدانة بالبراهين؛ لجأ إلى الإيذاء والقتل والنفي من البلاد،
محاضرة لدھیانہ ونسج أنواع المكايد والمؤامرات.كما هي الحال عندما عجز كفار مكة أمام النبي وأفحموا تماما لجأوا في نهاية المطاف إلى هذا النوع من الحيل والمؤامرات، وأرادوا أن يقتلوه أو يسجنوه أو ينفوه من الأرض.لقد أذوا أصحابه ولكنهم خابوا وخسروا في جميع مكايدهم ومؤامراتهم في نهاية المطاف.وما يجري معى الآن هو السنّة والمعاملة نفسها.ولكن لا أهمية للدنيا وأعمالها إلا أن يشاء خالقها رب العالمين، فهو الذي يميز بين الصادق والكاذب، وينصر الصادق ويجعله غالبا في النهاية.أكان من أحد ففي هذا العصر قد أرى الله تعالى نموذجا لقدرته مرة أخرى، وأنا آية حية على تأييداته.فترون الآن جميعا أني ذلك الشخص الذي ردّه القوم كلهم، ولكني مع ذلك قائم كالمقبولين فكروا حين جئت إلى هنا قبل ١٤ عاما، يريد أن يكون معى ولو شخص واحد؟ بل كل واحد من العلماء والنساك وكبار الناس وعظمائهم كانوا يودون أن أُهلك ويُقضى على جماعتي نهائيا.وما كانوا ليحتملوا بحال من الأحوال أن أحرز تقدما.ولكن الله الذي ينصر عباده دائما ويجعل الصادقين غالبين دائما، ورزقني القبول مقابل معارضي على عكس مبتغاهم ومكايدهم تماما، وأرشد إلي خلقا كثيرا فأتوني ولا يزالون يأتونني بشقٌ حُجُب المعارضات والمشاكل والعراقيل نصرني كلها.بأن ويجدر بالتدبر هنا؛ هل يمكن إحراز هذا النجاح بمكايد الإنسان ومؤامراته؛ يصمم أصحاب النفوذ في الدنيا على قتل شخص ويكيدوا له كل كيد ويشعلوا له سعيرا، ثم يخرج من كل تلك الآفات بأمن وسلام تام؟ كلا، بل هي أفعال الله التي يجليها دائما.ثم هناك دليل قوي آخر على الأمر نفسه، وهو أنه تعالى قد خاطبني قبل ٢٥ عاما- حين لم يكن أحد يعرف حتى اسمي، وما كان أحد يأتيني في قاديان أو يراسلني- وقال في أيام خمولي وعدم حيلتي: "يأتون من كل فج عميق.
محاضرة لدهیانه يأتيك من كل فج عميق.لا تصعر لخلق الله، ولا تسأم من الناس.ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين هذه نبوءة عظيمة أنبأتُ بها في تلك الأيام ونُشرت، وقرأها الناس من كل دين وملة.وفي تلك الفترة والحالة- حين كنت منزويا في زاوية الخمول ولم يعرفني أحد قال الله تعالى لي بأن الناس سيأتونك بكثرة من بلاد نائية، وستأتيك كافة الأسباب والمستلزمات الضيافتهم أيضا.ولأن شخصا واحدا لا يستطيع أن يسد جميع حاجات الآلاف الناس بل مئات آلاف الضيوف، ولا يسعه أن يتحمل نفقات هائلة إلى هذه الدرجة؛ فقال تعالى بنفسه: "يأتيك من كل فج عميق، أي ستأتي معهم الأسباب أيضا لسد حاجاتهم.ومن طبيعة الإنسان أنه يسأم نتيجة كثرة الناس، وقد يصدر منه سوء الخلق تجاههم؛ فمنعني ذلك، وقال بأنه يجب ألا يصدر منك سوء الخلق، وقال أيضا: لا تسأم الله من من كثرة الناس.فكروا الآن في نفوسكم هل في قدرة الإنسان أن يخبر عن حادث يتعلق بنفسه قبل ٢٥ أو ٣٠ سنة من وقوعه ثم يحدث كما أخبر تماما؟ لا يمكن التعويل على حياة الإنسان للحظة واحدة، ولا يمكن القول إذا ما كان سيتنفس المرء نفَسا آخر أم لا، فكيف يمكن أن يخطر بباله أو يكون في قدرته الإخبار بما ورد ذكره قبل قليل؟ أقول صدقا وحقا إن هذا كان في زمن كنت فيه وحيدا وأنفر من لقاء من الناس.ولكن لما كان من المقدر أن يأتي زمان حين يُقبل إلي مئات الآلاف الناس، لذا كانت هناك حاجة إلى النصيحة: "لا تصعر لخلق الله، ولا تسأم من الناس." وقال أيضا في الأيام نفسها: "أنت مني بمنزلة توحيدي، فحان أن تعان وتُعرف بين الناس".وبالإضافة إلى ذلك هناك إلهامات كثيرة أخرى بالفارسية والعربية والإنجليزية تؤكد على الموضوع نفسه.
۱۰۷ محاضرة لدهیانه يجب على الذين يخشون الله أن يتدبروا أنني قد أدليت بنبوءة قبل فترة طويلة جدا، ونُشرت في كتاب أيضا."البراهين الأحمدية" كتاب قرأه الأصدقاء والأعداء كلهم، وقد أُرسلت نسخة منه إلى الحكومة أيضا، وقرأه النصارى والهندوس.ولعله موجود عند كثير من الناس في هذه المدينة أيضا، فلينظروا ما إذا كان ذلك مذكورا فيه أم لا ؟ وعلى المشايخ الذين يسمونني لمحض عداوتي دجالا وكذابا ويقولون بعدم تحقق أية نبوءة - أن يستحيوا، ويخبروني: إذا لم تكن هذه نبوءة فما النبوءة إذا!؟ إنه كتاب قرظه الشيخ أبو سعيد محمد حسين البطالوي ولما كان زميلي في الدراسة فكان يزور قاديان كثيرا وكان يعرف الأمر جيدا.كذلك أناس من قاديان وبطالة وأمرتسر والمناطق المجاورة يعرفون جيدا أني كنت في ذلك الزمن وحيدا لا يعرفني أحد، وكان يبدو مستحيلا عقلا- نظرا إلى تلك الحالة والظروف أنه سيأتي على شخص خامل هي - مثلي؛ زمان سيرافقه فيه مئات الآلاف من الناس.أقول صدقا وحقا إنني لم أكن عندها شيئا مذكورا، كنت وحيدا عديم الحيلة، فعلمني الله تعالى في ذلك الزمن دعاءً: ربّ" لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين".لقد علمني هذا الدعاء إشارة إلى أنه يحب الذين يدعون؛ لأن الدعاء عبادة.وقال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.وقال النبي : الدعاء مخ العبادة.والإشارة الثانية في ذلك هي أن الله تعالى يريد أن يُعلم من خلال هذا الدعاء أنك وحيد ،الآن ولكن سيأتي زمان لن تكون فيه وحيدا.فأعلن بكل تحدّ أن هذه النبوءة واضحة وضوح النهار وواقع الأمر أني كنت عندها وحيدا.هل من أحد يستطيع أن يهب ويقول إنه كانت معك جماعة؟ ولكن انظروا الآن كيف جعل الله تعالى معي جماعة كبيرة بحسب وعوده ونبوءته" التي أنبأني بها قبل مدة من الزمن.من يستطيع أن يكذب هذه النبوءة العظيمة في غافر: ٦١ ٢ الحكم، عدد: ١٩٠٦/٩/١٠م، صفحة ٨ و ٩.
۱۰ محاضرة لدهیانه هذه الحالة؟! خاصةً وأنه قد وردت هذه النبوءة في الكتاب نفسه بأن الناس سيعادون إلى حد خطير جدا وسيسعون كل سعي لعرقلة هذه الجماعة، ولكن الله سيفشل الجميع ويخيب آمالهم.كذلك وردت في البراهين الأحمدية نبوءة أخرى مفادها: وما كان الله ليتركك حتى يميز الخبيث من الطيب.لا أخاطب بتقديم هذه الأحداث أناسا ليست في قلوبهم خشية الله، والذين يزعمون أنهم ليسوا بميتين، فيحرفون كلام الله؛ وإنما أخاطب الذين يتقون الله ويوقنون أنهم ميتون، ويقتربون من باب الموت رويدا رويدا؛ لأن الذي يخاف الله لا يمكن أن يكون سيئ الأدب مثلهم.عليهم أن يفكروا فيما إذا كان الإنباء قبل ٢٥ عاما نتيجة قدرة الإنسان و تخمينه، وخاصة في حالة شخص لا يعرفه أحد.ثم ترافقه النبوءة أن الناس سيعارضونه ولكنهم سيفشلون وتخيب آمالهم.إن إنباء المرء بخيبة معارضيه ونجاحه أمر خارق للعادة.وإذا انتابكم ريب في قبول هذا الأمر فأتوا بنظيره.أطالبكم بكل قوة وتحد أن تأتوا بنظير - من زمن آدم العلة إلى يومنا إنني هذا لمفتر أنبأ بمثل هذه النبوءات قبل ٢٥ عاما في زمن حموله وتحققت بوضوح وضح النهار؟ ولو قدّم أحد نظيرا فاعلموا يقينا أن هذه الجماعة وهذا الأمر كله سيبطل تلقائيا.ولكن هل لأحد أن يبطل أمر الله؟! التكذيب بغير وجه حق، والإنكار والاستهزاء دون سبب معقول إنما هو فعل الزنيم، ولا يمكن لولد الحلال أن يتجاسر على ذلك.أستطيع أن أجعل صدقي مقتصرا على هذا المبدأ وحده إن كان فيكم ذو قلب سليم.اعلموا يقينا أنه لا يمكن ردّ هذه النبوءة ما لم يُقدّم نظيرها.أكرر وأقول إن هذه النبوءة مذكورة في البراهين الأحمدية الذي قرَّظه الشيخ أبو سعيد، ولعله موجود عند الشيخ محمد حسن ومنشي محمد عمر وغيرهما في هذه المدينة.وقد وصلت نُسخ منه إلى مكة والمدينة وبخارى، كما أُرسلت نسخة إلى الحكومة، وقرأه الهندوس والمسلمون والنصارى والبراهمو.وهو ليس بكتاب مستور، بل ذائع الصيت، ولا يجهله شخص مثقف لديه مذاق ديني.
محاضرة لدهیانه ۱۰۹ ثم في الكتاب نفسه نبوءة مفادها أنه سيكون معك عالم، وسأذيع اسمك في الدنيا وأخيب آمال معارضيك.قولوا الآن بالله عليكم، هل يمكن أن يكون ذلك عمل مفتر؟ وإذا حكمتم بإمكانية أن يكون هذا عمل مفتر فأتوا بنظيره.ولو أتيتم بنظير لأقررت بأني كاذب ولكن لن يقدر أحد على الإتيان بنظيره.وإن لم تفعلوا، ولن تفعلوا؛ فأكرر وأقول: اتقوا الله، وكفوا عن التكذيب.تذكروا أن رفض آيات الله بغير برهان ليس من العقل والفطنة في شيء، وما كانت عاقبته حسنة قط.أنا لا أبالي بتكذيب أحد أو تكفيره، ولا أخاف صولاتٍ تُشَنِّ عليَّ؛ لأن الله تعالى بنفسه قد أخبرني من قبل أنه سيكون هناك تكذيب وتكفير وسيعاديني الناس عداوة مريرة، ولكن لن يقدروا على أن يمسوني بسوء.أَلَمْ يُرفض الصادقون والمبعوثون من الله قبلى؟! هل ادخر فرعون ومن معه جهدا في التهجم على موسى ال؟! وهل قصر الفريسيون في الصول على عيسى ال؟! وهل من هجوم لم يشنّه مشركو مكة على النبي ؟! ولكن ماذا كانت عاقبة تلك الهجمات؟ هل أتى المعارضون مرة بنظير تلك الآيات؟ كلا، بل عجزوا دائما عن الإتيان بنظير، ولكن ظلوا يطيلون الألسن ويقولون: كذاب.كذلك عندما عجزوا أمامي و لم تقم لهم قائمة قالوا: دجال وكذاب.ولكن هل سيطفئون نور الله بأفواههم؟! كلا لن يطفئوه! وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ إن الذين من عادتهم ظن السوء يقولون عن الآيات والخوارق إنها قد تكون شعوذة.أما النبوءة فلا مجال لهم للطعن فيها، لذا فإن النبوءات عُدّت آية عظيمة ومعجزة كبيرة من بين علامات النبوة.هذا ما يثبت من التوراة والقرآن الكريم أيضا.ما من معجزة تساوي النبوءات، لذلك يجب أن يُستدل على صدق الصف: ۹
محاضرة الدهيانه الله المبعوثين من من خلال نبوءاتهم لأن الله تعالى قد جعلها علامة فقال: فلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ.وليكن معلوما أيضا أن بعض النبوءات تضم في طياتها أسرارا دقيقة؛ فلا يدركها - لدقة أسرارها - الذين لا يملكون نظرة دقيقة فلا يفهمون إلا أمورا سطحية.فمثل هذه النبوءات تكون عرضة للتكذيب عادة؛ حيث يقول المستعجلون والمتسرعون إنها لم تتحقق، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُـ قَدْ كُذِبُوا.والناس يثيرون شبهات على مثل هذه النبوءات، ولكن الحق أنها تتحقق بحسب سنن الله تعالى.ومن واجب المؤمن التقي، سواء أفهمها أم لم يفهمها؛ أن ينظر إلى النبوءات التي لا تحتوي على دقائق الأمور، أي النبوءات الواضحة، ليرى أنها قد تحققت بعدد هائل الإنكار ببساطة ودون مبرر ينافي التقوى.يجب أن يُنظر بأمانة وتقوى الله إلى النبوءات التي تحققت.ولكن من يستطيع أن يُلجم المستهترين؟! لست أنا الوحيد الذي واجه مثل هذه الأمور، بل واجهها موسى وعيسى عليهما السلام والنبي الله أيضا.وإذا واجهتها أنا فلا غرابة في ذلك، بل كان ضروريا أن يكون كذلك؛ لأن هذه هي سنة الله.الحق والحق أقول إن شهادة واحدة تكفي المؤمن، ويرتجف لها قلبه.أما في حالتي فليست هناك آية واحدة بل مئات منها، بل أقول بكل تحد ويقين إنها من الكثرة بحيث لا أستطيع إحصاءها.ليست أقل وزنا شهادة تقول إنه سيفتح القلوب ويجعل المكذبين مؤيدين.فلو فكر أحد بتقوى الله وأمانة وبعد نظر ؛ لما وسعه إلا القبول عفويًّا الله.أنها من واضح أيضا أن حجة الله هي الغالبة ما لم يدحضها المعارض أو لم يأت بنظيرها.الجن: ۲۷ - ۲۸ ٢ يوسف: ١١١
محاضرة لدھیانہ 111 ملخص الكلام أني أشكر الله الذي أرسلني، وأخرجني من كل طوفان المعارضة والابتلاءات سالما غانما رغم الشر والطوفان الذي ثار ضدي- قد بدأ من هذه المدينة ووصل إلى مدينة دلهي، وأعادني إلى هذه المدينة بعد أن بايعني أكثر من ثلاث مائة ألف رجالا ونساء ولا يكاد يمضي شهر إلا وينضم إليها من ألفين إلى أربعة آلاف شخص، وأحيانا يصل هذا العدد إلى خمسة آلاف.وأخذ الله بيدي حين أصبح قومي أعداء لي.والمعلوم أن من يعاديه قومه الله يصبح بلا حيلة وبلا نصير ومعين؛ لأن القوم يكونون للمرء بمنزلة اليدين والقدمين والجوارح، ويكونون له أنصارا.أما الآخرون فيعادونه على أية حال بحجة أنه يهاجم دينهم.وإذا صار القوم كلهم معارضين؛ لا تكون نجاته ونجاحه أمرا عاديا، بل يمثل آية عظيمة.أقول بكل أسف وقلب يعتصره الألم : إن قومي لم يتسرعوا فقط في معارضتي، بل فعلوا ذلك بدون هوادة ولا رحمة أيضا.كانت المسألة الخلافية الوحيدة هي وفاة المسيح الناصري ال التي أثبتها ولا أزال أثبتها من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وإجماع الصحابة والأدلة العقلية والنقلية والكتب السابقة.والنصوص والأحاديث والقياس وأدلة الشريعة كلها معي بحسب المذهب الحنفي، ولكنهم قبل أن يسألوني ويفهموا مني جيدا ويسمعوا أدلتي، بالغوا في معارضتي في هذه المسألة، حتى كفّروني وقالوا إلى جانب ذلك ما شاءوا، ونسبوا إلي ما كان يحلو لهم.كان من مقتضى الأمانة والورع والتقوى أولا، فلو تجاوزت ما قاله الله ورسوله؛ لكان من حقهم أن أن يستفسروا مني ينعتوني بما شاءوا؛ مثل الدجال والكذاب وما إلى ذلك.ولكني ظللت أوضح منذ البداية بأني أعُدُّ الانحراف قيد أنملة عن اتباع القرآن الكريم واتباع النبي ﷺ إلحادا.هذا هو اعتقادي، والذي ينحرف عنه قيد شعرة فهو من أهل جهنم.لم أكتف ببيان اعتقادي هذا في خطاباتي فقط بل شرحتها جيدا في ٦٠ كتابا تقريبا، وهذا ما أفكر به ليل نهار.
۱۱۲ محاضرة الدهيانه إذا كان المعارضون يتقون الله، ألم يكن من واجبهم أن يسألوني أن قولك كذا وكذا يخالف الإسلام؛ فما السبب في ذلك؟ أو ما جوابك عليه؟ ولكنهم لم يعيروا لهذا الأمر أدنى اهتمام، بل سمعوا أشياء من هنا وهناك وشرعوا في التكفير.إنني أستغرب من تصرفهم هذا لأن مسألة حياة المسيح ووفاته ليست شرطا للدخول في الإسلام أصلا.يدخل الهندوس والمسيحيون في الإسلام هنا أيضا، فهل تأخذون منهم هذا الإقرار أيضا، علاوة على: "آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره من الله تعالى، والبعث بعد الموت؟! ما دامت هذه المسألة ليست جزءا من الإسلام، فلماذا هذه الشدة الكبيرة علي لإعلاني بوفاة المسيح، وقولكم عن جماعتي أنهم كفار ودجالون وينبغي ألا يُدفنوا في مقابر المسلمين، ويجب أن تُنهب أموالهم وإن اقتناء نسائهم في البيوت بغير النكاح جائز، وأن قتلهم عمل ثواب، وما إلى ذلك؟! كان هناك زمن كان المشايخ أنفسهم يصرخون فيه بأعلى صوتهم بأنه لو وجد في أحدٍ ٩٩ وجهًا لكفره ووجها واحدًا لإسلامه؛ فلا يجوز تكفيره، بل يجب اعتباره مسلما.ولكن ما الذي حدث الآن؟ هل أنا أسوأ من ذلك أيضا؟ ألا أنطق أنا وجماعتي: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"؟! ألا أصلّي أنا، أو لا تصلّي جماعتي؟ ألا نصوم رمضان؟! ألسنا ملتزمين بالمعتقدات التي لقننا إياها النبي بصورة الإسلام؟! أقول صدقا وحقا، وحلفا بالله: إنني وجماعتي مسلمون، ونؤمن بالنبي ﷺ والقرآن الكريم كما يجب على مسلم صادق.أرى الخروج عن الإسلام قيد أنملة مدعاة للهلاك.إن مذهبي هو أن كافة الفيوض والبركات التي يمكن لأحد أن ينالها، أو بقدر ما يمكن للإنسان أن ينال قرب الله ؛ إنما يناله نتيجة الطاعة الصادقة والحب الكامل للنبي الأكرم ل لها الله فقط وليس إلا.لا سبيل إلى الحسنة الآن سواه والصحيح أني لا أؤمن قط بصعود المسيح الناصري العليا إلى السماء حيا بجسمه المادي وبأنه حى إلى الآن، لأن في قبول هذا الأمر إساءة كبيرة وإهانة شديدة للنبي ، ولولا أستطيع أن أقبل هذه الإساءة ولا للحظة واحدة.
محاضرة لدهیانه ۱۱۳ أجله يعرف الجميع أن النبي توفّي عن عمر يناهز ٦٣ عاما وروضته المقدسة موجودة في المدينة الطيبة ويزورها مئات آلاف الحجاج كل عام.فإذا كان اليقين بموت المسيح ال أو نسبة الموت إليه إساءة، فأتساءل: لماذا تقبل هذه الإساءة وقلة الأدب بحق النبي الأكرم ؟ تقولون بكل سرور إنه توفي، ويسرد المنشدون أيضا قصص وفاته بألحان جميلة في مجالس عيد المولد النبوي الشريف، وتقبلون وفاة النبي ﷺ برحابة الصدر مقابل الكفار أيضا.فلا أدري أي مشكلة تواجهكم عند قبول وفاة عيسى الا حتى تستشيطون غضبا؟! لو سالت دموعكم على سماعكم وفاة النبي الا الله أيضا لما تأسفنا، ولكن من المؤسف أنكم تقبلون وفاة خاتم النبيين وسيد الكونين بكل سرور، وتعدُّون حيًّا مَن لا يعد نفسه جديرا حتى بفك شراك نعل النبي ، وتستشيطون غضبا من لو تفوّه أحد بحقه بكلمة الوفاة.لو كان النبي ﷺ حيا إلى الآن لما كان في ذلك غضاضة؛ لأنه جاء بهداية عظيمة لا يوجد نظيرها في العالم، وأبدى أسوة طيبة عمليا لا يسع أحدا الإتيان بنظيرها من زمن آدم إلى الآن.أقول لكم صدقا وحقا إن المسلمين والدنيا ليسوا بحاجة إلى المسيح الناصري قط بقدر حاجتهم إلى النبي.إنه الشخص المبارك الذي حين توفي أصبح الصحابة كالمجانين حزنا عليه، حتى سل عمر الله سيفه من غمده وقال ما مفاده: من قال بوفاته لقطعت عنقه.ففي هذه الحالة السائدة من الحماس الشديد وهب الله تعالى أبا بكر له نورا وفراسة خاصة فجمع الصحابة كلهم وخطب فيهم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.الآن عليكم أن تفكروا وتقولوا بعد تفكير رصين لماذا قرأ أبو بكر الصديق له هذه الآية عند وفاة النبي ؟ وما الذي كان يهدف إليه من وراء ذلك، حين كان الصحابة الله جُلُّهم موجودين؟ أستطيع أن أقول بكل ثقة ويقين لا تملكون إنكاره، إن الصحابة قد أصيبوا بصدمة كبيرة بوفاة النبي ﷺ وكانوا ١ آل عمران: ١٤٥
114 ففي محاضرة لدهیانه يحسبونها في غير وقتها وسابقة لأوانها، وما كانوا ليحتملوا سماع خبر وفاته.هذه الحالة حين كان الصحابي الجليل، سيدنا عمر ، في انفعال شديد، ما كان ممكنا أن يزول عنه الغضب إلا بهذه الآية؛ إذ كان شأنها أن تقنعه من وتطمئنه.ولو كان الصحابة على علم أو يقين بأن عيسى ال لا يزال حيا يُرزق؛ لماتوا وهم أحياء.لقد كانوا عشاقا للنبي ﷺ وما كانوا ليقبلوا حياة أي نبي سوى رسول الله ، فأنى كان لهم أن يروه له ميتا بأم عينهم ويوقنوا بأن اللي ما زال حيا يُرزق؟! أي حين خطب أبو بكر له زالت عنهم فورة الحماس، فكانوا يقرأون هذه الآية في أزقة المدينة ويشعرون كأنها نزلت في ذلك اليوم عندها نظم حسان بن ثابت القصيدة في رثاء النبي ﷺ قال فيها: ثابته عیسی كنت السواد لناظري فعمي عليك الناظر من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر فلما كانت الآية قد بينت بوضوح تام أن جميع الأنبياء السابقين قد ماتوا، قال حسان الله أيضا بأنه لا يبالي الآن بموت أي شخص.فاعلموا يقينا أن بقاء أي شخص حيا مع كون النبي ميتا كان شاقا جدا على الصحابة كانوا ليحتملوه.فكان ذلك أول إجماع عقد في العالم بعد وفاة النبي ﷺ وحكم فيه بوفاة عيسى اللي بكل وضوح.وما إنني أؤكد على ذلك مرارا لأنها حجة قوية تثبت بها وفاة المسيح الناصري العل.إن وفاة النبي ﷺ لم تكن أمرا هينا وبسيطا حتى لا يُصدم به الصحابة.أنه لو مات عمدة القرية مثلا أو أحد الجيران في الحارة أو شخص فالمعلوم كريم السجايا في أحد البيوت؛ لأصيب أهل البيت أو الحارة أو أهل القرية بصدمة، فما بالك بالنبي الذي جاء للعالم كله، وكان رحمة للعالمين كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.وقال في آية الأنبياء: ۱۰۸
محاضرة لدهیانه 110 أخرى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا.ثم هل يُعقل أن يموت النبي الذي أبدى نموذج الصدق والإخلاص، وأرى كمالات لا نظير لها، ولا يؤثر ذلك في أصحابه المخلصين الذين لم يقصروا في التضحية بأرواحهم من أجله، وهجروا أوطانهم وتركوا أهلهم وأقاربهم، وعدُّوا جميع أنواع المشاكل والمصائب في سبيله مدعاة لسعادتهم؟! يمكننا أن تفهم بأدنى تدبر أنه يستحيل علينا استيعاب مدى الحزن والصدمة التي أصيبوا بها لمجرد ورود هذه الفكرة أو تصورها، غير أن الآية التي تلاها أبو بكر الله كانت وحدها مدعاة لاطمئنانهم وسكونهم، فجزاه الله خيرا على أنه تدارك الصحابة في ذلك الوقت الحرج.أقول متأسفا إن بعض الجهلاء يقولون متسرعين: لا شك أن أبا بكر ذكر هذه الآية، ولكن عيسى خارج عن نطاقها.لا أدري بم أردّ على هؤلاء الجاهلين، إذ يتفوهون بمثل هذا الكلام السخيف مع تسمية أنفسهم مشايخ، ولا يقدمون أية كلمة تستثني عيسى ال من الآية.إن الله تعالى لم يترك أمرا يحتاج العلية الا إلى النقاش بل فسر بنفسه كلمةَ قَدْ خَلَتْ) بقوله: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ.لو كان هناك شق آخر لبينه يا الله حتما وقال مثلا أو رفع بجسده العنصري إلى ذلك.الله تعالى ذلك ليُذَكِّرَهُ المشايخ الآن؟ نعوذ بالله من السماء.هل نسي لا شك أنه لو وجدت الآية المذكورة آنفا وحدها لكانت كافية، ولكنني أقول إنهم كانوا يحبون حياة النبي حتى أنهم يبكون أيضا بذكر وفاته إلى اليوم، أما الصحابة هل فكانت تلك المناسبة مدعاة للرقة والألم لهم أكثر.إنني أعتقد أنه لا يؤمن أحد إلا الذي يتبع النبي الله الله، وهو الذي يمكن أن ينال مقاما، كما يقول الله : قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْيِيكُمُ اللَّهُ.إن مقتضى الحب هو أن يكون للإنسان أُنس خاص بعمل حبيبه.والموت سُنَّة الأعراف: ١٥٩ آل عمران: ١٤٥ آل عمران: ۳۲ 28
١١٦ محاضرة لدهیانه النبي.فما دام قد مات هو الله، فمن له أن يبقى حيا أو يتمنى ذلك لنفسه أو يُجيز الحياة لغيره؟! فمن مقتضى الحب أن يفنى المرء في اتباعه ويتحكم في عواطفه وأهواء نفسه ويفكر إلى أمة من ينتمى؟ والذي يعتقد بأن عيسى اللي ما زال حيا إلى الآن؛ أنى له أن يدعي حبّ النبي واتباعه؟ لأنه يستسيغ أن يُفضّل عليه عيسى، ويجب أن يُعتبر النبي الله ميتا، وعيسى الحيا.الحق والحق أقول إنه لو بقي النبي ﷺ حيا لما بقي شخص كافرا، ولكن ما الذي أنجزته حياة عيسى غير وجود أربع مائة مليون مسيحي؟ فكروا جيدا؛ ألم تختبروا عقيدة حياة عيسى؟ ألم تظهر النتيجة خطيرة جدا؟ سموا لي فئة من فئات المسلمين لم يتنصر منها أناس أستطيع أن أقول بكل يقين، وهو صحيح بأنه قد تنصر المسلمون من كل فئة.وقد يربو عددهم على مائة ألف شخص.هناك سلاح وحيد في يد المسيحيين لتنصير المسلمين وهو مسألة حياة المسيح ال نفسها.إنهم يقولون: أثبتوا هذه المزية في غيره، ولماذا أُعطي هو هذه الخصوصية إن لم يكن إلها؟ فهو حي وقيوم، والعياذ بالله.إن مسألة حياته شجعتهم كثيرا، فشنوا على المسلمين هجوما أخبرتكم بعواقبه آنفا.وماذا عسى تماما أن تكون النتيجة يا تُرى إن أثبتم للقساوسة مقابل ذلك أن المسيح مات؟ لقد سألتُ كبار القساوسة، فقالوا لو ثبتت وفاة المسيح لما بقي ديننا حيا.والأمر الآخر الجدير بالتدبر هو أنكم قد جربتم الاعتقاد بحياة المسيح، فجربوا الآن لهنيهة الاعتقاد بوفاته ثم انظروا كيف تقع ضربة قاضية على الديانة المسيحية.حيثما هب أحد من أتباعي للنقاش مع المسيحيين حول هذا الموضوع، رفضوا ذلك فورا؛ لعلمهم أن في هذا السبيل هلاكهم.فبموت المسيح لا تثبت كفارته ولا ألوهيته ولا بنوته فجربوا هذه العقيدة لبعض الوقت وستنكشف الحقيقة تلقائيا.الحكم، عدد : ١٩٠٦/٩/١٧م، صفحة ٢، ٣.
۱۱۷ محاضرة لدهیانه اسمعوا أنه قد جاء الوعد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أن الإسلام سينتشر وينتصر على الأديان الأخرى، وسيُكسر الصليب.فالأمر الجدير بالتدبر هنا هو أن الدنيا مكان لا بد فيه من الأخذ بالأسباب.فمثلا، عندما يمرض أحد فلا شك أن الله هو الذي يشفيه، ولكن مما لا شك فيه أيضا أنه هو الذي وضع تأثيرا في الأدوية فيفيد المريض كلما أعطي دواء.كذلك يشعر الإنسان بالعطش، ولا شك أن الله هو الذي يُخمده ولكنه هو من خلق الماء لهذا الغرض.كذلك يشعر الإنسان بالجوع، والله تعالى يزيله بلا أدنى شك، ولكنه هو الذي خلق الأغذية وعلى هذا المنوال ستكتب الغلبة والانتصار للإسلام و سيكسر الصليب حتما كما قدر الله ولكنه خلق أسبابا ووضع قانونا لهذا الغرض.لذا من المسلم به والمتفق عليه بحسب القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة أن الإسلام سينتصر على يد المسيح الموعود بعد أن تنال المسيحية الغلبة في الزمن الأخير، فيجعله غالبا على الأديان والملل كافة، ويقتل الدجال ويكسر الصليب، وكل هذا سيحدث في الزمن الأخير.إن "نواب صديق حسن خان" وغيره من الصلحاء الذين ألفوا كتبا عن الزمن الأخير قد سلَّموا بهذا الأمر.فلا بد أن يكون هناك سبب أو طريقة لتحقق هذه النبوءة، إذ من سنة الله تعالى أنه يستخدم الأسباب أيضا؛ فيشفي بالأدوية، ويزيل العطش والجوع بالماء والطعام، كذلك أراد أن يجعل الإسلام غالبا بحسب وعده بعد أن أحرزت المسيحية الغلبة وانضم إليها المسلمون من كل فئة.ولا بد أن يكون لهذا الغرض أسلوب ووسيلة، وهذه الوسيلة موت المسيح، وبهذا السلاح سوف يُهلك الدين الصليبي، وتقصم ظهور أتباعه.أقول صدقا وحقا إنه ما من سبيل إلى إزالة أخطاء المسيحيين أفضل من إثبات وفاة المسيح الله.ففكروا في هذا الأمر وأنتم قاعدون في بيوتكم، وتأملوا فيه في عزلة وأنتم على جنوبكم؛ لأن المعارضة تُحدث انفعالاً، ولكن صاحب الفطرة السليمة يفكر بعد ذلك.حين ألقيت كلمتي في مدينة دلهي؛ هي سلاح
۱۱۸ محاضرة الدهيانه اعترف أصحاب الفطرة السليمة وأعلنوا في الحال بأعلى صوتهم بأن عبادة عيسى هي عماد حياتهم دون أدنى شك، وما لم يُكسر هذا العماد لن يُفتح الباب للإسلام بل بسببه تنال المسيحية قوة على قوة.فليعرف المتمسكون بحياة عيسى العليا أنه يمكن إنزال عقوبة الموت على المجرم مع ذلك بشهادة شخصين، بينما في هذه المسألة هناك شواهد عديدة، ولكنهم مصرون على الإنكار.يقول الله تعالى في القرآن الكريم: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ، ثم ورد في القرآن الكريم إقرار المسيح نفسه وهو: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ".يتبين من القرآن نفسه أن معنى "التوفي" هو الموت؛ لأن الكلمة نفسها استخدمت بحق النبي أيضا حيث ورد فيه: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ".وقال النبي : "فلما توفيتني" تعني الموت.وكذلك وردت الكلمة نفسها بحق يوسف اللة والناس الآخرين أيضا.فكيف يمكن أن يُستنتج منها معنى آخر في هذه الحالة؟! وهذه شهادة قوية على موت عيسى العليا.عيسى مع إضافة إلى ذلك رأى النبي عيسى الليلة المعراج مع الميتين، ولا يسع أحدا أن ينكر حديث المعراج فاقرأوا الحديث وانظروا؛ هل ورد فيه ذكر الميتين أم بصورة أخرى؟ فكما رأى إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام، كذلك رأى عيسى أيضا دون أن تكون له خصوصية أو ميزة غير عادية ولا يسع أحدا الإنكار أن موسى وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام قد ماتوا جميعا، وقد أوصلهم قابض الأرواح إلى عالم الآخرة، 28 فكيف إذن انضم إلى صفهم شخص حي بجسده العنصري؟! هذه الشهادات ۲ ليست قليلة، بل تكفي مسلما صادقا.١ آل عمران: ٥٦ المائدة: ۱۱۸ يونس: ٤٧
۱۱۹ محاضرة لدهیانه وفي أحاديث أخرى حدد النبي ﷺ عمر عيسى بـ ١٢٠ أو ١٢٥ عاما.فالإفتاء المتسرع بصعود المسيح إلى السماء حيا- بعد إلقاء نظرة إجمالية على كل هذه الأمور - يخالف التقوى، وخاصة في حال غياب نظيره.وهذا ما يقتضيه العقل أيضا.ولكن مع الأسف الشديد ما بالوا بشيء، وسموني دجالا مستهترين غير خائفين من الله.هل كان ذلك أمرا هينا لينا، أفلا يتدبرون؟! وا أسفاه!! وحين لا يجدون في يدهم حيلة أو عذرا يقولون: قد أجمع على ذلك في الجماعة من العصور الوسطى.ولكني أسألهم متى كان ذلك؟ فالإجماع الحقيقي كان إجماع الصحابة.وإن كان هناك إجماع بعد ذلك فأجمعوا هذه الفرق المختلفة الآن أيضا.أقول صدقا وحقا إن هذا الكلام باطل تماما؛ إذ ما أُجمِعَ على حياة عيسى العليا قط.إنهم ما قرأوا كتب الآثار ؛ وإلا لعرفوا أن الصوفية يقولون بموته العليا، ويعتقدون بمجيئه الثاني بصورة بروزية.فكما حمدت الله تعالى، كذلك أصلّى على النبي ، فقد أقام الله هذه أجله هو ، وبفضله وبركته أنال هذه النصرة.أقول بكل وضوح وصراحة، وهذه هي عقيدتي ومذهبي؛ أنه لا يمكن لأحد أن ينال فيضا روحانيا أو فضيلة إلا باتباعه والتأسي بأسوته.وهناك أمر آخر جدير بالذكر، ولو لم أذكره لكان ذلك نكران الجميل؛ وهو أن الله تعالى خلقنا في عهد سلطنة وحكومة تهيئ الأمن من كل نوع، وقد أعطتنا الحرية الكاملة لتبليغ ديننا ونشره، وقد تيسرت لنا كل الوسائل في عهدها المبارك.أية حرية أكبر من أننا ندحض الديانة المسيحية بكل شدة وقوة دون أن يعرقل سبيلنا أحد..وقد سبقه زمن والذين شهدوه ما زالوا على قيد الحياة - ما كان لأحد فيه من المسلمين أن يرفع حتى الأذان في مسجده، وكان أكل الحلال أيضا ممنوعا ناهيك عن الأمور الأخرى، و لم يكن هناك أي تمحيص أو تحقيق للأمور بشكل نظامي.ولكنه من فضل الله تعالى ومنته أننا نعيش في ظل حكومة بريئة من تلك المثالب كلها؛ أي السلطنة الإنجليزية التي تحب الأمن والوئام ولا اعتراض لها على الاختلاف في الأديان، ودستورها يسمح الآن
۱۲۰ إني محاضرة لدهیانه لأهل الأديان كلها أن يؤدوا شعائرهم بحرية.ولما كان الله تعالى قد أراد أن تبلغ دعوتُنا إلى كل مكان؛ فخلقني في عهد هذه الحكومة.فكما كان النبي ﷺ يفتخر بسلطنة ملك ،أنوشروان، كذلك أفتخر أنا بهذه السلطنة.المبدأ العام هو أن المبعوث من الله تعالى يأتي بالصدق والعدل وهما يأخذان مسارهما قبل بعثته.متأكد من أن هذه الحكومة أفضل وأولى من حيث المرتبة من الإمبراطورية الرومانية في عهد المسيح الناصري ال.وإن كان هناك تشابه بين قانونيهما، ولكن الحق أن قوانين هذه الحكومة ليست خاضعة لأحد.وبالمقارنة بين قوانين الحكومتين نجد حتما شيئًا من الوحشية عند الإمبراطورية الرومانية، حيث من جبنها سجنت عبدا صالحا تقيا أي المسيح الناصري خشية اليهود.وقد رُفعت على أيضا قضية مماثلة.القضية التي رفعت ضد المسيح كانت من قبل اليهود، أما القضية التي رُفعت علي في هذه السلطنة فكان رافعها قسيسا معتبرًا ودكتورًا أيضا ؛ أي الدكتور مارتن كلارك الذي رفع علي قضية زائفة بمحاولة القتل وهيأ الشهادات أيضا.حتى إن الشيخ أبا سعيد "محمد حسين البطالوي"- وهو عدو لدود لجماعتي- حضر المحكمة للإدلاء بالشهادة، وشهد ضدي بكل ما في وسعه، وبذل قصارى جهده لإثبات القضية ضدي.كانت القضية مطروحة أمام الكابتن دوغلاس-نائب المفوَّض في محافظة غورداسبور - الذي ربما يشتغل حاليا في مدينة "شملة".لقد عُرضت عليه القضية بشكل قوي ومرتب، وأدلي ضدي بالشهادات بكل قوة وشدة.ولم يكن لأي من الملمين بالأمور القانونية والرأي السديد؛ أن يتخيل تبرئتي في هذه الحالة.كان واقع الحال والظروف مواتية لأحول إلى قاضي المحافظة ويُحكم عليّ بالموت أو النفي من البلاد، ولكن الله تعالى كما أخبرني برفع القضية ضدي، كذلك أخبرني قبل الأوان ببراءتي.وكان عدد كبير من أفراد جماعتي مطلعين على هذه النبوءة.6 الحكم، عدد: ١٩٠٦/٩/٢٤م، صفحة ٤، ٥
۱۲۱ محاضرة لدهیانه على أية حال، حين وصلت القضية مرحلة استيقن فيها الأعداء والمعارضون أن قاضي التحقيق سيحولني إلى قاضي المحافظة حتما، عندها قال لضابط الشرطة: إن حدسي يخبرني أن القضية زائفة، وتأبى فراستي أن يكون المتهم قد حاول ذلك فعلا وأرسل شخصا لقتل الدكتور كلارك؛ فعليكم أن تحققوا فيها من جديد.في ذلك الوقت لم يكن جميع معارضي عاكفين على نسج أنواع المكايد والمؤامرات ضدي فحسب، بل انصرف الذين كانوا يدعون باستجابة أدعيتهم إلى الأدعية، ودعوا متضرعين أشد التضرع لأُعاقب، ولكن من يستطيع مقاومة الله؟! أعرف جيدا أن بعض التوصيات أيضا قد وصلت إلى الكابتن دوغلاس، ولكنه كان قاضيا عادلاً فقال: لا يمكن أن تصدر مني هذه الدناءة والخسة.فمجمل القول، لما حُوّلت القضية مرة أخرى ليُحقق فيها إلى الكابتن "ليمار شند"، استدعى "عبد الحميد" وطلب منه أن يقول الحق والصدق تماما.أعاد عبد الحميد القصة نفسها التي سردها أمام نائب المفوَّض.وقد قيل له سلفا بأنك لو قلت شيئا ينافي إفادتك السابقة لعوقبت، فظل يعيد الكلام نفسه.فقال له الكابتن ليمار" "شند" بأنك قد قلت هذا الكلام من قبل، ولكن القاضي ليس مطمئنا به؛ لأنك لا تصدق القول.فلما قال له كابتن "ليمار شند" ذلك؛ سقط على قدميه باكيا وقال: أرجو أن تُنقذني.فطمأنه الكابتن وقال: هات ما عندك.عندها أماط "عبد الحميد" اللثام عن وجه الحقيقة.وأقر بكلمات واضحة أنه أكره - تحت طائلة التهديد على الإدلاء بما أفاد به من قبل، وقال: الحق هو أن الميرزا المحترم لم يرسلني قط للقتل.فسُرّ الكابتن بسماع هذه الإفادة كثيرا وأرسل برقيةً إلى نائب المفوَّض قال فيها بأني توصلت إلى حقيقة القضية.فعُرضت القضية على محكمة غورداسبور مجددا؛ حيث استحلف الكابتن "ليمار شند" وأدلى بإفادته المقرونة بالحلف.كنت أرى أن نائب المفوض كان سعيدا جدا لإماطة اللثام عن وجه الحقيقة، ومن ناحية أخرى كان غاضبا جدا على المسيحيين الذين أدوا ضدي بشهادات كاذبة وقال لي: تستطيع أن ترفع قضية
۱۲۲ محاضرة لدهیانه ضدهم.ولكن لما كنتُ أنفر من القضايا أصلا قلت لا أريد ذلك، فإن قضيتي مرفوعة في السماء.عندها كتب السيد "دوغلاس" الحكم على الفور.كان الناس في ذلك اليوم مجتمعين بكثرة، فقال لي عند إعلانه الحكم: "مبارك لك، أنت بريء".قولوا الآن بالله عليكم ما أعظم مزية هذه الحكومة! إذ لم تبال بزعيم ديني لها و لم تهتم بأي شيء آخر التزاما بالعدل والإنصاف.كنت أرى آنذاك أن عالما كان يعاديني، وهذا ما يحدث حين تعزم الدنيا على الإيذاء فيسعى كل من هب ودب للإيذاء والتعذيب، ولكن الله تعالى ينقذ عباده الصادقين.وقد رفعت ضدي قضية أخرى في محكمة مستر دوئي، كذلك رفعت قضية تتعلق بضريبة الدخل؛ ولكن الله تعالى برأ ساحتي في كل قضية.وأخيرا رفع "كرم دين" قضية أخرى، وبذلت فيها أيضا جهود مضنية في معارضتي، وظُنَّ أن الجماعة ستُمحى الآن.والحق أنه لو لم تكن الجماعة من الله تعالى، ولو لم یکن الله مؤيدها ؛ لما كان هناك أدنى مجال للشك أو الريب في زوالها بالفعل.لقد تلقى كرم دين دعما من أدنى البلاد إلى أقصاها، ونُصر بكل طريقة ممكنة إلى درجة إدلاء البعض بشهادات زور ضدي مع تسمية أنفسهم بالمشايخ، وكانت تنافي الحقيقة تماما، حتى قيل إن الإنسان يظل متقيا وإن كان زانيا أو فاسقا أو فاجرا.لقد طالت مدة هذه القضية كثيرا، وظهرت في هذه الأثناء آيات عديدة.وفي نهاية المطاف غرَّمني المفوَّض العام - الذي كان هندوسيا- في هذه القضية بخمس مائة روبية.ولكن الله تعالى كان قد أخبرني سلفا بما "لقد برأته المحكمة العليا".وحين قُدّم الاستئناف في محكمة القاضي الإقليمي؛ أدرك الحقيقة بسرعة نتيجة فراسة وهبها الله له فحكم أنّ ما كنتُ قد كتبته بحق "كرم دين" كان صحيحا تماما وكان من حقي أن أكتب ذلك.ولقد سبق أن نُشر حكمه.ففى تعريبه:
محاضرة لدهیانه ۱۲۳ نهاية المطاف براً ساحتي وألغى الغرامة أيضا، وانتقد المحكمة الابتدائية على إطالتها القضية.كان هو باختصار، كلما وجد معارضي فرصةً ليسحقوني ويهلكوني لم يدخروا جهدا في استغلالها، ولكن الله تعالى أنقذني من كل نار أضرمت كما أنقذ أنبياءه الصادقين دائما.فبالنظر إلى هذه الأحداث أقول مؤكدا: إن هذه الحكومة أفضل من عدة وجوه من الحكومة الرومانية التي أُوذي المسيح الناصري ال في عهدها.فالحاكم "بيلاطوس" الذي عُرضت عليه القضية ضد المسيح؛ وزوجته مريدين له في الحقيقة، ولذلك غسل يديه من دم المسيح، ولكنه مع كونه حاكما ومريدا للمسيح لم يُظهر الشجاعة التي أظهرها الكابتن دوغلاس.كان المسيح ال بريئًا حينها، وكنت أنا بريئا في محكمة دوغلاس.أقول صدقا وحقا وبناء على تجربتي الشخصية؛ إن الله تعالى وهب هذا القوم شجاعة لحماية الحق.فأنصَحُ المسلمين جميعا أن من واجبهم أن يطيعوها بصدق القلب.تذكروا جيدا أن من لا يشكر المحسن إليه من الناس لا يشكر الله.لا يوجد في الأزمنة الخالية نظيرًا لليسر والوسائل المهيأة لنا في هذا العصر.خذوا مثلا القطار ونظام البرقيات والبريد والشرطة وغيرها من الأمور، ثم انظروا كم هي مفيدة! هل كانت هذه الوسائل والسهولة متوفرة قبل ستين أو سبعين عاما مثلا؟ ثم كونوا عادلين؛ لمَ لا نشكر ونحن ننعم بآلاف المنن؟ إن كثيرا من المسلمين يهاجمونني قائلين بأن في جماعتك عيبا وهو أنك تلغي الجهاد ولكن الأسف كل الأسف أن قليلي الفهم هؤلاء يجهلون حقيقته.إنهم يسيئون إلى الإسلام وإلى النبي الذي لم يرفع السيف قط لنشر الدين.ولما بلغت مظالم المعارضين له ولجماعته ذروتها، وقتلوا من أصحابه المخلصين رجالا ونساءً، ولاحقوه إلى المدينة أيضا، عندها أمر بالدفاع.لم يرفع النبي السيف، بل رفعه أعداؤه.وقد أدماه الكفار الظالمون في بعض الأحيان من رأسه الا الله إلى أخمص قدميه ، ولكنه مع ذلك لم يتصدَّ لهم.
١٢٤ محاضرة الدهيانه اعلموا جيدا أنه لو كان رفع السيف فريضة واجبة في الإسلام؛ لرفعه النبي في مكة.ولكن الأمر ليس كذلك، بل الحق أن السيف رفع حين لاحقه العدو المعتدي إلى المدينة في ذلك الوقت كان العدو حاملا سيفا، أما اليوم فلا.إن معارضي يقومون بوشايات كاذبة ونشر الفتاوى ضدي.ولا يُستخدم ضد الإسلام اليوم إلا القلمُ ، فماذا عساه يكون من يرد على القلم بالسيف؛ غبيًّا أم ظالمًا أم ماذا؟ ولا تنسوا أيضا أن النبي رفع السيف على ظلم الكفار واضطهادهم الذي تجاوز الحدود كلها، وذلك للدفاع فقط؛ وهو أمر يجيزه قانون كل دولة متحضرة.وقد أجيز في قانون تعزيرات الهند أيضا أن يدافع المرء عن نفسه.فلو داهم لص بيتًا وهاجم أهله وأراد قتلهم؛ فإن قتله دفاعا عن النفس ليس جريمة.١ فلما بلغت الأمور حد قتل أصحاب النبي ﷺ المخلصين، وقتلت المستضعفات من النساء دون هوادة وحياء؛ أفلم يكن من الحق أن يعاقب السفاكون؟ فإذا كان في مشيئة الله تعالى في ذلك الوقت ألا يبقى للإسلام أي أثر، فكان من الممكن ألا يُرفع السيفُ قط، ولكنه الا اللهم أراد أن ينتشر الإسلام ويكون وسيلة لنجاة الدنيا؛ لذلك رفع السيف عندئذ دفاعًا فقط.أقول بكل تحد وقوة بأن رفع الإسلام السيف في ذلك الوقت ليس محل اعتراض حسب تعليم أي دين أو من حيث مقتضى الأخلاق.إن الذين يعلمون إدارة الخد الآخر بعد تلقي اللطمة على الخد الأول؛ لا يمكنهم أيضا أن يصبروا، كذلك الذين يرون قتل الحشرات ذنبا ؛ هم أيضا لا يقدرون على الصبر، فلماذا الاعتراض على الإسلام إذن؟! أقول أيضا بكل وضوح إن الجهلاء من المسلمين الذين يقولون بأن الإسلام صل الله انتشر بقوة السيف؛ إنما يفترون على نبي معصوم ، ويسيئون إلى الإسلام.الحكم، عدد: ١٩٠٦/٩/٣٠م، صفحة ٣.
۱۲٥ محاضرة لدهیانه اعلموا جيدا أن الإسلام قد انتشر دائما بتعليمه المقدس وهديه وثمرات أنواره و بركاته ومعجزاته وقد نشرته آيات النبي العظيمة والتأثيرات الطيبة لأخلاقه الكريمة وإن تلك الآيات والتأثيرات لم تنقطع بل هي موجودة في كل زمن بصورة متجددة.لذلك أقول بأن نبينا لال حى؛ لأن تعاليمه وإرشاداته تؤتي أكلها كل حين.فسيتقدم الإسلام في المستقبل أيضا بالأسلوب نفسه وليس بغيره.فلما لم يُرفع السيف لنشر الإسلام قط فيما مضى، فإن مجرد التفكير بذلك الآن يُعَدُّ ذنبا؛ لأن الجميع يعيشون في الوقت الحالي بالأمن والسلام وتوجد أسباب ووسائل كافية لنشر دينهم.أقول بأسف شديد إن المسيحيين وغيرهم من المعترضين لم يتدبروا الحقيقة قط عند شنّهم الهجمات على الإسلام.كان عليهم أن يدركوا أن أعداء الإسلام كلهم كانوا في ذلك الزمن عاكفين على استئصال شأفة الإسلام والمسلمين، وكانوا ينسجون المكايد ضده مجتمعين ويؤذون المسلمين.فماذا كان على المسلمين أن يفعلوا مقابل تلك المعاناة والمصائب إن لم يحموا أنفسهم؟! لقد وردت في القرآن الكريم آية: أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا.وهذا يدل على أن المسلمين أمروا بذلك، وأذن لهم بالمواجهة دفاعا عن أنفسهم حين تجاوز الظلم بهم الحدود كلها وكان ذلك إذنا في ذلك الزمن، و لم يكن أمرا دائما.فقد جعلت للمسيح الموعود علامة أنه: "يضع الحرب".فمن علامات صدقه أنه لن يشُنّ الحروب.والسبب في ذلك أن المعارضين أيضا تركوا الحروب الدينية في زمنه بل قد اتخذت هذه المواجهة صبغة أخرى؛ وهي يعترضون على الإسلام بالقلم.خذوا المسيحيين مثلا، فكل جريدة من جرائدهم تصدر بأعداد تقارب الخمسين ألف نسخة، ويسعون بكل الوسائل ليتبرأ الناس من الإسلام أفنلجاً في هذه المواجهة إلى القلم أم نطلق السهام؟! من أكثر حمقا وغباوة وعداوة للإسلام من الذي يفكر بهذه الطريقة في الزمن الحج: ٤٠ أهم
١٢٦ محاضرة الدهيانه الحالي؟! فما يكون ذلك غير الإساءة للإسلام؟! فما دام معارضونا لا يرفعون السيف مع عدم كونهم على حق؛ فما أغربه من تصرف لو لجأنا إلى السيف ونحن على الحق ارفعوا السيف في هذا العصر على أحد وقولوا له: أسلم وإلا قتلناك؛ ثم انظروا ماذا ستكون النتيجة! لا بد أن يُلقي بكم في السجن على يد الشرطة، لتذوقوا طعم استخدام السيف! إنها أفكار سخيفة كلها، ويجب إزالتها من الأذهان.لقد آن الأوان أن يُظهر وجه الإسلام المنير الأغر.جاء زمن لتدحض فيه الاعتراضات كلها، وتُزال من وجه الإسلام الوضاء وصمة ألصقت به.ولكني أقول بأسف شديد؛ إن المسلمين نظروا بنظرة الازدراء إلى فرصة هيأها الله لهم، وإلى طريق فتحه الله لإدخال أهل الدين المسيحي في الإسلام، وكفروا به.قدمتُ في كتاباتي بكل وضوح طريقا من شأنه أن يجعل الإسلام منتصرا وغالبا على الأديان الأخرى.فقد وصلت رسائلي إلى أميركا وأوروبا وفهمها أهلها بفراسة وهبها الله تعالى لهؤلاء الأقوام، وعندما أقدمها أمام مسلم فيُزيدُ ويُرغي كأنه مجنون أو يريد أن يقتلني، مع أن القرآن الكريم يُعَلِّم: (ادْفَعْ بِالَّتِي أَحْسَنُ.لقد كان الهدف من هذا التعليم أن يتحول العدو إلى صديق مي حميم يسمع الكلام بهدوء وسكينة.وبعد نتيجة اللطف المعاملة، وأن وحسن أقول حالفاً بالله جل شأنه بأنني من عنده وهو يعلم جيدا أني لست مفتريا ولا كذابا.وإن كنتم تكذبونني وتسمونني مفتريا مع حلفي بالله رؤيتكم لآيات الله التي أظهرها لصدقي؛ فأناشدكم بالله تعالى أن تأتوا بنظير ويؤيده دائما لمفتر ينصره مع كذبه وافترائه عليه كل يوم.المفروض أن يهلك الله المفتري، ولكن الأمر في حالتي مختلف تماما.وها إني أقول قسما بالله تعالى إني صادق وجئت من عنده الله، ومع ذلك يقال أني كذاب ومفتر، ثم إن الله تعالى ينصرني في كل قضية وعند كل بلاء يثيره قومي ضدي، وينقذني منه؛ = الله فصلت: ٣٥
۱۲۷ محاضرة لدهیانه وقد نصرني نصراً بحيث ألقى محبتي في قلوب مئات الآلاف من الناس.وها إني أجعل صدقي مقصورا على هذا الأمر وحده، فإن عثرتم على مفتر كذاب = افترى على الله تعالى ثم نصره الله تعالى كما ،نصرني، وأطال حياته إلى فترة طويلة مثلي، وحقق جُل مراداته؛ فأتوا به.واعلموا يقينا أن المرسلين من الله تعالى يُعرفون بالآيات والتأييدات التي يُظهرها الله لهم وينصرهم بها.إنني صادق فيما أقول، وإن الله تعالى الذي ينظر إلى القلوب عليم وخبير بما في قلبي.ألا يمكنكم أن تقولوا على الأقل كما قال رجل من آل فرعون: إِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ؟! ألا توقنون بأن الله تعالى أشدّ عداوة للكاذبين؟! لو هاجمتموني مجتمعين فإن غضب الله أكبر وأشدّ من ذلك، فمن ذا الذي يستطيع أن ينقذ أحدًا من غضب الله تعالى؟! هناك نقطة جديرة بالذكر في الآية التي أوردتها؛ وهي أن الله تعالى سيحقق بعضا من أنباء الوعيد وليس كلها فما الحكمة في ذلك؟ الحكمة أن أنباء الوعيد تكون مشروطة، وتزول أيضا بالتوبة والاستغفار والرجوع إلى الحق.النبوءات نوعان، أولاهما: نبوءات الوعد كقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ".ويؤمن أهل السنة بأن الله تعالى لا يُخلف وعده في تحقيق هذا النوع من النبوءات لأنه كريم، ولكن فيما يتعلق بأنباء الوعيد فيمكن أن يعفو عن الناس بعد الإنذار لأنه رحيم.إنه لجاهل وبعيد جدا عن الإسلام من يقول بأن أنباء الوعيد كلها تتحقق حتما، لأنه يهجر القرآن الكريم لأن القرآن يقول: يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ).من المؤسف حقا أن كثيرا من الناس يسمون أنفسهم مشايخ، ولكنهم لا يدركون ما يقوله القرآن والحديث، وليسوا مطلعين على سنة الأنبياء، بل ۱ غافر: ۲۹ ٢ النور: ٥٦
۱۲۸ محاضرة الدهيانه يُز بدون ويُرغون فقط بغضا ويخدعون اعلموا أن الكريم إذا وعد وفى.فمن مقتضى كونه رحيما؛ أن يعفو مع كون العبد جديرا بالعقوبة.والعفو من فطرة الإنسان أيضا.ذات مرة أدلى أحد الناس في قضية رفعت أمام قاض إنجليزي بشهادة ،زور وكنت حاضرا حينها، وكانت الجريمة ثابتة عليه، ثم جاءت رسالة مفادها أن القاضي قد نُقل إلى مكان بعيد فحزن.كان المجرم طاعنا في السن، فقال القاضي للكاتب: لو ألقي هذا في السجن لمات فيه.ثم قال الكاتب أيضا: الرجل مُعِيلٌ يا سيدي.فقال القاضي الإنجليزي: لقد أُعِدّ ملف القضية الآن، ولم يبق في اليد حيلة ثم قال للكاتب: حسنا، مزق الملف.فكروا الآن، إذا كان هذا الإنجليزي يستطيع أن يرحم؛ أفلا يمكن لله أن يرحم؟! رائجة ثم فكروا أيضا ما الهدف من الصدقات والتبرعات أصلا؟ لماذا هي في كل قوم؟ الإنسان بطبعه يميل إلى الصدقة عند المصيبة والبلاء، فيتصدق الناس بدفع النقود أو بذبح الخراف أو إعطاء الفقراء ألبسة أو ما شابهها.فإذا كان البلاء لا يُرَدّ بالصدقات؛ فلماذا يتصدق الناس في حالة الاضطرار أصلا؟! الأمر ليس كذلك، بل البلاء يُرَدّ حتما، وهذا ما يثبت بإجماع مائة وأربعة وعشرين ألف نبي.وأعرف يقينا أن هذا ليس ما يدين به المسلمون فقط، بل هذا هو اعتقاد المسيحيين والهندوس أيضا ، وأرى أنه ما من أحد في الدنيا ينكر ذلك.فما دام الأمر كذلك فمن الواضح تماما أن مشيئة الله يمكن أن تزول.الفرق الوحيد بين النبوءة وإرادة الله هو أن النبوءة يُطلع عليها النبي، أما إرادة الله فلا يُخبر بها أحد بل تبقى خافية.ولو كشفت إرادة الله نفسها بواسطة نبي؛ لسُميت نبوءة.فإذا كان زوال النبوءة مستحيلا؛ لكان زوال إرادة الله بالصدقات أيضا مستحيلا.ولكن هذه الفكرة باطلة تماما.ولأن زوال نبوءات الوعيد ممكن؛ لذا قال تعالى: إِنْ يَّكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ.غافر: ۲۹
۱۲۹ محاضرة لدهیانه هنا يشهد الله تعالى بنفسه أن بعضا من نبوءات النبي أيضا زالت، فأجيبوني على ذلك إن كنتم تعترضون على هذا النحو على نبوءاتي.وإن كذبتموني في هذا الأمر فلا تكذبونني وإنما تكذبون الله.أقول بكل ثقة ويقين بأن أهل السنة كلهم، بل الدنيا كلها؛ متفقة على أن وعيد العذاب يزول نتيجة التضرع والابتهال.هل نسيتم مثال يونس الع؟ لماذا زال العذاب عن قومه؟ اقرأوا في الدر المنثور وغيره من الكتب وسفر يونان في الكتاب المقدس؛ كان الوعد بالعذاب قاطعا، ولكن لما رأى قومه أمارات العذاب تابوا ورجعوا إلى الله، فعفا الله عنهم وزال العذاب.أما يونس العليا فكان ينتظر العذاب في يوم محدد، وكان يسأل الناس عن أخبار القوم.وسأل أحد الفلاحين؟ ما أخبار نينوى؟ فقال: كل شيء على ما يرام، فحزن يونس كثيرا وقال: لن أرجع إلى قومي كذابا فالاعتراض على نبوءة من نبوءاتي المشروطة بشرط مسبق، مع وجود هذا النظير وشهادة القرآن القوية؛ ينافي التقوى.لا يليق بالمتقي أن يتفوه بكلام دون تفكير، ويُقدم على التكفير.إن قصة يونس الة مؤلمة جدا وعبرة لمن يعتبر، وهي مسجلة في الكتب فاقرأوها بتدبر؛ ترون فيها أنه ألقي في اليم ودخل بطن الحوت، ثم قُبلت توبته.لماذا أنزل الله به هذا العقاب والعتاب؟ لأنه لم يحسب الله قادرا على رفع الوعيد.فلماذا تستعجلون أنتم بشأني وتكذبون الأنبياء جميعا بغية تكذيبي؟! اعلموا أن من أسماء الله "الغفور" فكيف لا يغفر للتائبين؟! إذًا، فقد تطرقت إلى القوم أخطاء من هذا القبيل؛ منها خطؤهم في الجهاد.أنا أستغرب حين أقول بتحريم الجهاد؛ يستشيطون غضبا، مع أنهم يعتقدون بأنفسهم أن الأحاديث عن المهدي السفاك مجروحة.لقد ألف الشيخ محمد حسين البطالوي كتبا في هذا الموضوع، وهذا ما اعتقد به ميان نذير حسين الدهلوي أيضا، ولا يعتقد بصحة تلك الأحاديث قط؛ فلماذا تكذبونني؟ الحق أن من مهام المسيح الموعود والمهدي؛ أن يضع الحروب ويُعلي كلمة الإسلام بالقلم والدعاء والتركيز.ولكن المؤسف أن الناس لا يفهمون ذلك،
۱۳۰ محاضرة لدهیانه لأنهم ليسوا راغبين في الدين كرغبتهم في الدنيا.فأنى لهم أن يتوقعوا بأن تكشف عليهم معارف القرآن مع انغماسهم ووقوعهم في شوائب الدنيا؟! إذ ورد في القرآن الكريم بكل وضوح لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ) ( أن تجديد ألا فاصغوا إلى الغاية المرجوة من بعثتي.الهدف والغاية من بعثتي هي الإسلام وتأييده فقط.لا تظنوا أني جئت لأعلم شريعة جديدة أو أعطي أحكاما جديدة أو أتيتُ بكتاب جديد كلا! ومن قال ذلك كان ضالا و ملحدا إلى أبعد الحدود.لقد ختمت الشريعة والنبوة على النبي ، فلن تأتي الآن شريعة.القرآن الكريم خاتم الكتب ولا مجال للنقص أو الزيادة فيه قيد أنملة.غير أنه صحيح بركات النبي ،وفيوضه وتعليم القرآن الكريم ه، وثمرات هديه لم تنقطع، بل ما زالت موجودة وتتجدد في كل زمان، وقد بعثني الله تعالى لإثبات الفيوض والبركات نفسها.إن حالة الإسلام الحالية ليست خافية على أحد، وقد أجمع أن المسلمين مصابون بجميع أنواع الضعف والزوال والانحطاط من كل ناحية لهم ألسنة ولكن لا تحالفها قلوبهم، والإسلام صار يتيما؛ ففى هذه الحالة أرسلني الله تعالى لأسعف الإسلام وأتكفّله، وقد أرسلني بحسب وعده كقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.فإن لم تتم حمايته ونصرته وحفظه في هذا الوقت؛ فمتى؟! لقد آلت الحالة في هذا القرن الرابع عشر إلى ما كانت عليه في "بدر" التي قال الله تعالى عنها: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ.ففي هذه الآية أيضا تكمن نبوءة أنه حين يعود الإسلام ضعيفا وغريبا في القرن الرابع عشر ؛ عندها ينصره الله تعالى بحسب وعده بحفظ دينه، فلماذا تعجبون من نصرته الله الإسلام؟! لا أتاسف على تسميتهم إياي دجالا وكذابا وتوجيههم إلي تهما، إذ كان من الضروري أن الواقعة: ٨٠ الحجر: ۱۰ آل عمران: ١٢٤
محاضرة لدهیانه ۱۳۱ أتلقى معاملة تلقاها المرسلون من قبلي لكي أنال نصيبا من تلك السنة القديمة.والحق أني ما نلت نصيبا يُذكر من تلك المصائب والشدائد، أما المصائب والمعاناة التي اعترضت سبيل سيدنا ومولانا النبي الله فلا نظير لها في جماعة أي من الأنبياء السابقين.لقد تحمل من أجل الإسلام إيذاء ومصائب يعجز القلم عن كتابتها واللسان عن بيانها.ويتبين لنا منها كم كان الرسول ﷺ نبيا جليل الشأن وعظيما.لو لم يحالفه تأييد الله ونصرته؛ لاستحال عليه تحمّل جبال المصائب والمعاناة.ولو كان مكانه بي آخر ؛ لما استطاع احتمالها.ولكن الإسلام الذي نشره النبي - بعد تحمل كل تلك المصائب والمعاناة- قد آلت حالته اليوم إلى ما لا أستطيع بيانه.الإسلام يعني أن يفنى المرء في حب الله تعالى وطاعته، وأن يضع المسلم رقبته في طاعة الله كشاةٍ أمام الجزار.وكان المراد من ذلك أن يؤمن المرء بالله تعالى أحدا لا شريك له.ولكن حين بعث النبي ﷺ كان هذا التوحيد مفقودا، وكانت الهند أيضا مليئة بالأوثان كما أقرَّ البانديت "دیانند سرسوتي".ففى هذه الحال كان لا بد من بعثته.والحال نفسها سائدة في زمننا الحالي الذي انتشرت فيه عبادة الإنسان والإلحاد أيضا إلى جانب عبادة الأوثان، ولم تبق الروح الحقيقية والهدف الحقيقي من الإسلام.إن مغزى الإسلام هو أن يفنى الإنسان في حب الله وألا يؤمن بمعبود سواه.والهدف من ذلك أن يتوجه الإنسان إلى الله تعالى دون التوجّه إلى الدنيا، ولهذا الغرض قسم الإسلام تعليمه إلى قسمين.الأول: حقوق الله، والثاني: حقوق العباد.المراد من حقوق الله أن يؤمن الإنسان أن طاعته هي واجبة عليه.والمراد من حقوق العباد أن يواسي خلق الله.وليس صحيحا أن يؤذي الإنسان أحدا لمجرد الاختلاف في الدين.المواساة والمعاملة الحسنة شيء، والاختلاف في الدين شيء آخر.إن فئة من المسلمين الذين يخطئون في فهم معنى الجهاد قد أجازوا أن تؤخذ أموال الكفار بطرق غير شرعية، وقد أفتوا بجواز نهب أموالي وأموال جماعتي، حتى بجواز اختطاف زوجاتهم، مع أن مثل هذه التعليمات السيئة لا تمت بصلة إلى الإسلام
۱۳۲ محاضرة الدهيانه الذي هو دين نزيه وطاهر يمكن أن نضرب مثل الإسلام بمثل أب يطالب بحقوق أبوته، ويودّ أيضا أن يواسي أولاده بعضهم بعضا، ولا يحب أن يتحاربوا.كذلك يريد الإسلام ألا يُشرك بالله شيء، ويريد أيضا أن تكون هناك مودة ووحدة بين البشر.الهدف من كثرة الأجر والثواب في الصلاة بالجماعة هو أنها تؤدي إلى الوحدة.وقد تم التركيز على تحقيق هذه الوحدة بصورة عملية لدرجة أنْ أُمر المصلون أن تكون أقدامهم محاذية والصف مستقيما، وأن يقفوا متلاصقين وكأنهم شخص واحد لكي تسري أنوار بعضهم إلى بعض وتتلاشى من بينهم أوجه التمييز التي تودي إلى الأنانية والعُجب والطمع.تذكروا جيدا أن في الإنسان قوة يجذب بها أنوار الآخرين.فلتحقيق هذه الوحدة أُمر المسلمون أن يجتمعوا للصلوات في مسجد الحي كل يوم، ثم في مسجد المدينة مرة كل أسبوع، ويجتمعوا في مصلى العيد مرة كل سنة، ويجتمعوا من جميع أنحاء المعمورة مرة واحدة في السنة في بيت الله.والهدف من وراء كل هذه الأوامر هو تحقيق الوحدة.لقد قسم الله تعالى الحقوق على نوعين اثنين: حقوق الله وحقوق العباد.وتكرر هذا الذكر كثيرا في القرآن الكريم، فقال في آية: ﴿فَاذْكُرُوا الله كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا.لقد ذُكر هنا سران اثنان.أولا: لقد شبه الله و ذكره بذكر الآباء.والسرّ في ذلك أن حب الوالدين هو الحب الذاتي والفطري.ألا ترون أن الطفل ينادي أمه بصورة تلقائية وعفوية حتى عندما تضربه وتقسو عليه.إذا، فالله تعالى يعلّم الإنسان في هذه الآية أن ينشئ معه الله علاقة حب فطري ثم تتولد الطاعة لأمر الله تلقائيا نتيجة هذا الحب.وهذا هو مقام المعرفة الحقيقية الذي يجب على الإنسان أن يبلغه، بمعنى أنه يجب أن الحكم، عدد: ١٩٠٦/١٠/١٧م، ص ٤-٥.٢ البقرة: ٢٠١
محاضرة لدهیانه ۱۳۳ يتولّد فيه حب فطري وخالص لله أما السر الثاني فقد بينه وعمل في آية أخرى بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى.ففي الآية ذكر الله تعالى ثلاث مراتب يجب على الإنسان الحصول عليها المرتبة الأولى هي العدل.ففي هذه والمراد من العدل أن يُحسن الإنسان إلى غيره مقابل الأجر.والمعلوم أن هذا النوع من الحسنات ليس أعلى درجة، بل الحق أن الدرجة الدنيا هي أن تعدلوا.ولو تقدمتم أكثر لوصلتم إلى درجة الإحسان، أي أحسنوا إلى الناس دون مقابل.ولكن الإحسان إلى المسيء، أو إدارة الخد الآخر إلى من لطم الخد الأول ليس صحيحا، أو قولوا بتعبير آخر إن العمل بهذا التعليم بوجه عام ليس ممكنا.يقول "شيخ سعدي" ما تعريبيه: إن مثل الإحسان إلى الأشرار كمَثَل الإساءة إلى الأبرار.الخطأ فلا يسع دينا أن يجاري تعليم الإسلام الأسمى فيما يتعلق بحدود الانتقام؛ إذ يقول الله تعالى: جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) ۲.أي أن عقوبة السيئة يجب أن تكون مثلها.ويمكن العفو أيضا ولكن بشرط أن يكون ذلك للإصلاح.فقد علم الإسلام العفو عن ولكن دون أن يؤدي إلى انتشار الشر.فالمرتبة الثانية بعد العدل هي الإحسان أي المعاملة الحسنة دون مقابل.ولكن هذا السلوك أيضا يتضمن نوعا من الأنانية وهى أن الإنسان يمن أحيانا بإحسانه أو معاملته الحسنة على من أحسن إليه.لذا فقد أعطى الله تعليما أعلى منه وهو درجة "إيتاء ذي القربى".فالمعاملة التي تقوم بها الأم تجاه ولدها، لا ترجو مقابلها أجرا أو إنعاما أو إكراما ، بل تكون معاملتها الحسنة معه ناتجة عن حبها الفطري ،له حتى لو أمرها الملك ألا ترضعه وطمأنها بأنه لو مات الولد نتيجة غفلتها فلن تُعاقب بل ستنال إنعاما وإكراما؛ لما خضعت لأمره، بل لسبته النحل: ۹۱ الشورى: ٤١
محاضرة الدهيانه على أنه عدو لأولادها.والسبب في ذلك أنها تتعامل مع ولدها بحب فطري لا يشوبه طمع أو جشع.هذا هو التعليم السامي الذي يقدمه الإسلام.الآية المذكورة آنفا تشمل حقوق الله وحقوق العباد معا.فمن منطلق حقوق الله تعني الآية أن أطيعوا الله مراعين مقتضى العدل، واعبدوه ل فهو الذي خلقكم ويربيكم.والذي يتقدم على هذا المقام في طاعة الله، عليه أن يطيعه ملتزما بالإحسان؛ لأنه ل "المحسن" وإحساناته لا تُعَدُّ ولا تُحصى.ولما كان الإنسان يتذكر إحسانات المحسن بالنظر إلى شمائله وخصائله، فقد قال النبي ﷺ "الْإِحْسَانُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ".ففي هذا المقام أيضا يبقى الإنسان محجوبا نوعا ما.والمرتبة الثالثة هي درجة "إيتاء ذي القربى" حيث يتولد فيه الحب الذاتي الخالص لله تعالى.وقد سبق ذلك أن وضحت معنى من منطلق حقوق العباد، وقلت إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي أعطى هذا التعليم دون غيره، وهو تعليم كامل لا يسع أحدا الإتيان بنظيره، أي: جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا...ففى هذه الآية اشترط الله للعفو أن يؤدي إلى الإصلاح.أما اليهودية فقد اشترطت الأذن بالأذن والسن بالسن...إلخ"، فتفاقمت فيهم قوة الانتقام حتى ترسخت فيهم هذه العادة لدرجة أنه إن لم يتمكن الأب من الانتقام، كان من واجب ابنه بل حفيده أيضا أن ينتقم.فتعاظمت فيهم عادة البغض وقست قلوبهم وفقدوا عواطف الرحمة تماما.وعلمت المسيحية مقابل ذلك أنه إذا لطم أحد خدك فأدر له خدّك الآخر، وإذا سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْن، وهلم جرا.والعيب في هذا التعليم ظاهر بداهة؛ إذ إن العمل به مستحيل.وقد أثبتت الدول المسيحية عمليا أن هذا التعليم ناقص.هل يجترئ أن يُدير خده الآخر لشرير لطمه واقتلع سنه فيقول له أن يقلع سنه مسيحي تيح البخاري، كتاب الإيمان.(المترجم) المائدة: ٤٦.وانظر أيضا: التثنية : ١٩: ٢١.
۱۳۵ محاضرة لدهیانه الأخرى أيضا؟! ولو فعل؛ لتشجع هذا الخبيث أكثر، ولأدّى ذلك إلى اختلال أمن المجتمع.فكيف يمكننا إذا أن نقبل أن هذا التعليم جميل ويطابق مشيئة الله تعالى.فلو عُمل به لما استتب الأمن في أي بلد، ولو غصب عدو بلدا للزم أن يُسلَّم له بلد آخر أيضا.ولو اعتقل على يد العدو ضابط واحد لوجب أن يحوّل إليه عشرة آخرون فهذه هي عيوب تلك التعاليم وهي ليست صالحة.غير أنه يمكن القول إن تلك الأحكام كانت خاصة كقانون بزمن معين.فلما مضت تلك الفترة لم يعد ذلك التعليم صالحا لأناس آخرين نظرا إلى مقتضى الحال.لقد عاش اليهود في الأسر إلى أربع مائة عام، فبسبب حياة العبودية تعاظمت قسوة قلوبهم وصاروا ذوي ضغائن.والقاعدة العامة أن الذي يعيش في ظل حاكم، تصير أخلاقه مثله؛ ففي عهد السيخ تحوّل كثير من الناس إلى تهاب، أما في عهد الإنجليز الذي انتشر فيه التحضّر ،والثقافة فقد بدأ كل شخص يتجه إلى هذه الجهة.هي فمجمل الكلام أن بني إسرائيل عاشوا تحت فرعون؛ فتفاقمت فيهم عادة الظلم.لذا كان لتعليم العدل أولوية في زمن التوراة؛ لأنهم كانوا يجهلونه، وكانوا معتادين على الجبر والقهر وكانوا متمسكين وموقنين بمبدأ أنه لا بد من كسر السن بالسن في كل الأحوال، وهو واجب عليهم، لذا فقد علمهم الله تعالى أنه يجب ألا يقتصر الأمر على العدل فقط، بل لا بد من الإحسان أيضا، لذا أعطاهم تعليما بواسطة المسيح الا أنه إذا لطمكم أحد على خدّ فأديروا له الخد الآخر.فلما صُبّ الاهتمام والتركيز كله على هذه النقطة فقط؛ أوصل الله تعالى التعليم إلى ذروته بواسطة النبي ﷺ فقال : وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةَ مِثْلَهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله.إذًا، فقد علّم العفو هنا ولكن بشرط أن يكون مدعاة للإصلاح؛ لأن العفو في غير محله يضر.لا بد من التدبر هنا أنه يجب العفو إذا كان هناك أمل في الإصلاح فقط.فمثلا إذا كان هناك خادمان أحدهما شريف الأصل ومطيع، وناصح أمين، وصدر منه خطأ صدفة؛ فيكون العفو عنه هو الأنسب ،والأولى، ولا خير في معاقبته.أما الخادم الثاني الذي هو
١٣٦ محاضرة الدهيانه سيئ الخلق وشرير ويتسبب في أنواع الخسارة كل يوم، ولا يكاد يمتنع عن شره لو تُرك أمره على عواهنه؛ لتجاسر أكثر من ذي قبل، فلا بد من معاقبته.مجمل القول؛ يجب أن تتصرفوا بحسب مقتضى الحال.هذا هو التعليم الذي جاء به الإسلام، وهو التعليم الكامل، ولن يأتي بعده تعليم جديد أو شريعة جديدة.النبي الا الله خاتم النبيين والقرآن الكريم خاتم الكتب.فلا شهادة جديدة بعد الآن، ولا صلاة جديدة.ولا نجاة بترك ما قاله النبي ﷺ وما فعله، أو ما جاء في القرآن الكريم؛ ومن تركه فمأواه جهنم.هذا ديننا، وهذا هو مذهبنا.وإلى جانب ذلك يجب أن يكون معلوما أيضا أن باب مكالمات الله ومخطاباته مفتوح على هذه الأمة.وهذا الباب يمثل شهادة متجددة ودائمة على صدق القرآن الكريم وصدق النبي ، لذا علم الله الله في سورة الفاتحة دعاء: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ).ففي تعليم الدعاء للحصول على صراط الذين أنعم الله عليهم إشارة إلى الحصول على كمالات الأنبياء عليهم السلام والمعلوم أن الكمال الذي أعطيه الأنبياء كان كمال معرفة الله، وقد نالوا هذه النعمة بواسطة المكالمات والمخاطبات الإلهية، فاطلبوا أنتم أيضا الكمال نفسه.فلا تظنوا أن القرآن الكريم يأمر بالدعاء فقط لتحصيل هذه النعمة ولكن لا ثمار ،له أو أنه ليس لأحد من الأمة أن ينال هذا الشرف، وهذا الباب مغلق إلى يوم القيامة.قولوا بالله عليكم هل تثبت هذه الفكرة أية مزية للإسلام والنبي ، أم تُسبب إهانة لهما؟! أقول صدقا وحقا إن الذي يعتنق هذا الاعتقاد يسيء إلى الإسلام، و لم يفهم مغزى الشريعة قط.الإسلام لا يهدف إلى أن يقرّ الإنسان بوحدانية الله باللسان فقط، بل عليه أن يدرك حقيقتها، وألا يكون إيمانه بالجنة والنار نظريا فقط، بل يجب أن يطلع فعلا على كيفية الجنة في هذه الحياة، ويتخلص من الذنوب التي يرتكبها الهمجيون.لقد كان هذا ولا يزال الهدف الأعظم للإسلام، وهو الهدف المقدَّس والمطهر الذي لا يسع قوما أن يأتوا بنظيره من دينهم ولا يستطيعون أن يقدموا نموذجا له.يمكن أن يدعى
محاضرة لدهیانه ۱۳۷ المرء بلسانه ما يحلو له، ولكن هل من أحد يقدر على إراءة هذا النموذج عمليا؟! لقد طلبت من الآريين والمسيحيين أن يقدموا دليلا على وجود إله يؤمنون به، ولكنهم لا يستطيعون أن يقدموا شيئا أكثر من التباهي والادعاءات الفارغة.الإله الحق الذي يقدمه القرآن الكريم يجهله هؤلاء الناس.السبيل الوحيد لمعرفته هو سبيل مكالماته التي يتميز بها الإسلام عن الأديان الأخرى، ولكن من المؤسف أن هؤلاء المسلمين رفضوها لمعاداتي فقط.تذكروا أن الإنسان لا يوفّق للتخلص من الذنوب إلا إذا كان يؤمن بالله تعالى إيمانا كاملا.فالهدف الأعظم لحياة الإنسان هو أن يتخلص من براثن أنه يؤمن الذنوب.ترون كيف أن الثعبان يبدو جميل المنظر ، حتى يمكن أن يرغب الطفل في لمسه بيده بل أن يمسك به أيضا، ولكن العاقل الذي يعرف أنه سيلدغه ويهلكه؛ لن يتجاسر على الدنو منه أبدا، بل لن يدخل مكانا يعلم أن فيه ثعبانا.كذلك لن يجرؤ على تناول السم من يعرف أنه يُهلكه.كذلك تماما لا يمكن للإنسان أن يتخلص من الذنوب ما لم يوقن أنها سم زعاف وهذا اليقين لا يتولد دون المعرفة.فلماذا إذا يتجرأ الإنسان على الذنوب إلى هذه الدرجة، مع بالله تعالى ويعد الذنب إنما بالطبع لا سبب لذلك؛ إلا أنه محروم من المعرفة والبصيرة التي تخلق فطرة تحرق الذنوب.وإن لم تتولد هذه الحالة؛ فلا بد من الاعتراف أن الإسلام خال وعاجز عن تحقيق هدفه الحقيقي، والعياذ بالله.ولكنني أقول إن الأمر ليس كذلك مطلقا، بل الحق أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يحقق هذا الهدف بصورة كاملة.وهناك سبيل وحيد لتحقيقه؛ المكالمات والمخاطبات الإلهية، لأنها وحدها تخلق اليقين الكامل بوجوده وهو.ومنها يتبين أن الله لا يتبرأ من الذنوب في الحقيقة، ويعاقب مرتكبها.الذنب سمّ يتولد من الصغائر بداية ثم يتحول إلى الكبائر، حتى يوصل إلى الكفر في نهاية المطاف.
۱۳۸ محاضرة الدهيانه أقول كجملة اعتراضية؛ إن كل الأقوام قلقون بحد ذاتهم، ويفكرون في أن يتطهروا من الذنوب.فالآريون مثلا متمسكون بألا سبيل إلى التزكية إلا بعد العقوبة، ويعتقدون أن الإنسان يمر بمئات آلاف الولادات نتيجة ذنب واحد، وما لم يمر بهذه السلسلة فلا يمكنه أن يتزكّى ولكن هناك مشاكل كثيرة تعترض هذا السبيل؛ أكبرها أنه مادام الخلق كله مذنبا، فمتى سيكون الخلاص من هذه الدوامة؟ والأغرب من ذلك أنهم يسلّمون بأن الحائزين على النجاة أيضا سيُخرجون من منجاهم بعد فترة من الزمن.فما الفائدة هذه النجاة من أصلا؟ وإذا سُئلوا : لماذا يُخرجون منه بعد النجاة؟ قال بعضهم بأنه يبقى لهم ذنب واحد ذريعة لإخراجهم من مكان النجاة.تدبروا الآن في الموضوع وأخبرونا؛ هل يمكن أن يكون ذلك فعل الله القادر؟! ثم لما كانت كل نفس خالقة لنفسها، دون أن يخلقها الله تعالى، والعياذ بالله فما حاجتها إلى أن تبقى تحت تصرفه عل؟! أما المسيحيون؛ فقد اخترعوا وسيلة للتزكية من الذنوب بأن اتخذوا عيسى إلها وابن إله، ثم تمسكوا بفكرة أنه حمل جميع خطاياهم وأصبح ملعونا بموته على الصليب، نعوذ بالله من ذلك.فكّروا الآن ما علاقة النجاة بهذه الوسيلة؟ بل قد ارتكبوا ذنبا أكبر للخلاص من الذنوب إذ إنهم ألهوا إنسانا.هل من ذنب أكبر ذلك؟! لقد ألهوه ثم جعلوه ملعونا أيضا في الوقت نفسه.أي إساءة أكبر الله تعالى؟! إذ ألهوا إنسانا يأكل ويشرب وله حوائج، مع أنه قد ورد في التوراة أنه ما من إله ثانٍ في السماء ولا في الأرض.وكان هذا التعليم مكتوبا على الأبواب، ولكنهم تخلوا عنه واختلقوا إلها جديدا لا يُعثر عليه في من من ذلك بحق التوراة.لقد سألت علماء اليهود : هل عندكم تصور إله يولد من بطن مريم ثم يعاني على يد اليهود؟ فأجابوني كلهم أن هذا افتراء محض ولا يوجد في التوراة تصور إله كهذا، وأن إلهنا هو الإله نفسه الذي يقدمه القرآن الكريم.أي كما بين القرآن الكريم وحدانية الله تعالى؛ كذلك نؤمن بالله تعالى واحدا لا شريك له
محاضرة لدهیانه أُخبر ۱۳۹ حسب تعليم التوراة، وليس لنا أن نحسب أي إنسان إلها.من الواضح أنه لو اليهود بإله كان سيولد من بطن امرأة؛ لما عادوا المسيح ال بهذه الشدة حتى علقوه على الصليب، واتهموه بقول الكفر.فمن هنا يتبين بوضوح تام أنهم ما كانوا جاهزين لقبول هذا الأمر مطلقا.قصارى القول، العلاج الذي اخترعه المسيحيون للتخلّص من الذنوب يؤدي في حد ذاته إلى الذنوب ولا علاقة له بالخلاص من الذنب أصلا.فقد اخترعوا ذنبا آخر لعلاج الذنب، وهذا لا يجوز بحال من الأحوال.إنهم أصدقاء حمقى لأنفسهم، ومثلهم كمثل قرد سفك دم سيده، إذ قد اختلقوا لنجاتهم والتخلص من الذنوب ذنبا لا يُغتفر ؛ أي ارتكبوا الشرك وألهوا إنسانا ضعيفا.کم هو مقام شكر للمسلمين أن إلههم ليس بالذي يمكن أن يُعتَرَض أو يُشنّ عليه هجوم فهم يؤمنون بقدراته ويوقنون بصفاته.أما الذين ألهوا إنسانا أو الذين أنكروا قدرات الله؛ يستوي لديهم وجود وعدمه.فمثلا إن الآريين يعتنقون مذهبا أن كل ذرة هي إله نفسها، ولم يخلق الله شيئا.فما دام الله ليس بخالق الذرات؛ فما الحاجة إلى الله لبقائها؟! ومادامت القوى كلها موجودة من تلقاء نفسها، وفيها القدرة على الاتصال والانفصال أيضا؛ فقولوا بالعدل والإنصاف هل هي بحاجة إلى الله أصلا؟! ولا أرى إلا فارقا بسيطا جدا بين الملحدين والآريين الذين يعتنقون هذه العقيدة.فالإسلام هو الدين الوحيد الكامل والحي.لقد آن الأوان لأن تظهر عظمة الإسلام وشوكته من جديد، وقد جئت لهذا الهدف بالذات.الله يجب على المسلمين أن يقدِّروا الأنوار والبركات النازلة من السماء حاليا، ويشكروا الله أنه أخذ بيدهم في الوقت المناسب، ونصرهم حسن في هذا الوقت العصيب.وإن لم يقدّروا نعمة الله هذه فلن يعبأ بهم، وسيتم أمره على في كل الأحوال، ولكن سيكون الأسف عليهم.' الحكم، عدد: ١٩٠٦/١٠/٢٤م، ص ٤-٥.وعده
١٤٠ محاضرة الدهيانه أقول بكل قوة ويقين وبصيرة بأن الله تعالى قد أراد أن يقضي على الأديان الأخرى كلها ويهب الإسلام الغلبة ،والقوة ولا يد ولا قوة تقدر على مقاومة إرادة الله هذه، فهو فَعَالٌ لِّمَا يُريدُ تذكروا أيها المسلمون، أن الله تعالى قد أبلغكم ذلك بواسطتي، وبدوري قد أبلغتكم ،دعوتي، والأمرُ الآن في يدكم سواء أقبلتموه أم أبيتم.الحق أن عيسى ال قد مات.وأقول حالفًا بالله بأني أنا الموعود الذي كان مجيئه مقدرا.ومن المؤكد تماما أيضا؛ وصحيح تماما أيضا أن حياة الإسلام تكمن في وفاة عيسى.لو تدبرتم في هذه الموضوع؛ لعرفتم أنها المسألة الوحيدة التي من شأنها أن تقضي على الديانة المسيحية.إنها عماد قوي للديانة المسيحية وعليه أقيم بناؤها، فدعوه ينهار.لو خشي معارضي الله تعالى واتقوه، لكان الحكم في هذه القضية سهلا للغاية.ولكن سَمُّوا لي شخصا واحدا فقط ترك الهمجية وجاءني طالبا الاقتناع لقد آلت حالتهم إلى أنهم يُرغون ويُز بدون بمجرد سماعهم اسمي، ويشرعون في السباب والشتائم.فهل لأحد أن يهتدي بهذه الطريقة؟! إنني أقدم نصوص القرآن الكريم الصريحة، والأحاديث، وإجماع الصحابة له ولكنهم لا يسمعون، بل يضجون ويصرخون قائلين: الكافر الكافر، الدجال الدجال أقول لهم بكل صراحة أن يثبتوا من القرآن الكريم أن عيسى صعد إلى السماء حيا، أو يقدّموا شيئا يخالف رؤية النبي الله، أو أن يأتوا بما يعارض الأول الذي عقد عند وفاة النبي ﷺ في عهد أبي بكر ، ولكن لا الإجماع أجد جوابا.ثم هناك بعض آخرون يثيرون ضجة ويقولون: إن لم يكن الموعود الآتي هو المسيح عيسى بن مريم الإسرائيلي نفسه؛ فلماذا سُمِّي المسيح المقبل بهذا الاسم؟ أقول: ما أجهله من اعتراض! العجيب في الموضوع أن يكون للمعترضين حق في أن يسمُّوا أولادهم باسم موسى وعيسى وأحمد وداود وإبراهيم وإسماعيل، البروج: ١٧
محاضرة لدهیانه 121 أما إذا سمى الله أحدا باسم عيسى فعليه يعترضون كان يجدر بهم النظر في الموضوع؛ هل ترافق المبعوث آيات أم لا ؟ وإذا وجدوا الآيات فما كان يليق بهم أن يتجاسروا على الإنكار ولكنهم لم يبالوا بالآيات ولا بالتأييدات بل قالوا فور سماعهم ادعائى : أنت كافر ! القاعدة العامة الله هي أن الوسيلة المثلى لمعرفة الأنبياء عليهم السلام والمبعوثين هي معجزاتهم وآياتهم.فكما أن شخصا ما عندما يُعين حاكما من قبل من الحكومة يُعطَى علامةً، كذلك لمعرفة المبعوثين من الله أيضا علامات وآيات.أقول بكل تحد إن الله لم يُظهر في تأييدي آية أو آيتين أو مئتي آية، بل أظهر مئات الآلاف من الآيات.وهي ليست مما لا يعرفه أحد، بل يشهد عليها مئات الآلاف من الناس وأستطيع القول بأنه سيكون في هذا الاجتماع مئات من الشاهدين عليها.لقد ظهرت لي الآيات أيضا.من السماء ومن أيضا الأرض ولقد تحققت أيضا الآيات كانت خاصة بادعائي، وقد أخبر بها النبي ﷺ والأنبياء الآخرون أيضا من قبل منها مثلا آية الكسوف والخسوف التي شاهدتموها جميعا.لقد أنبئ في حديث صحيح أن الكسوف والخسوف سيحدثان في شهر رمضان في زمن المهدي والمسيح.أخبروني الآن: هل تحققت هذه الآية أم لا؟ هل من أحد يستطيع القول بأنه لم يشهد هذه الآية؟ كذلك أنبئ بتفشي الطاعون في ذلك الزمن، وبأنه سيكون من الشدة بحيث يموت به سبعة نفر من عشرة فهل ظهرت آية الطاعون أم لا؟ وقد ورد أيضا أنه ستُخترع مركبة جديدة وستتعطل بسببها القلاص.ألم تتحقق هذه الآية باختراع القطار ؟ حتّامَ أحصي الآيات؟! إن قائمتها طويلة جدا.تدبروا الآن، فقد اعتُبرتُ أنا المدعي دجالا وكاذبا؛ ولكن يا لها مفارقة! إذ تحققت جميع الآيات من أجلي أنا الكاذب!! وإذا كان مبعوث آخر قادما؛ فماذا بقي في نصيبه؟! اعدلوا واتقوا الله، هل يؤيد الله تعالى كاذبا أيضا بهذه الطريقة؟! من
١٤٢ محاضرة الدهيانه اللافت في الموضوع أن كل من بارزني قد خاب وخسر، وخرجت سالما غانما منتصرا من كل مصيبة أوقعني فيها المعارضون فليقل لي أحد حالفا بالله هل هذه هي المعاملة التي يتلقاها الكاذبون؟! أقول بأسف شديد ما الذي جرى لهؤلاء المشايخ الذين يخالفونني في الرأي؟ لماذا لا يتدبرون القرآن والأحاديث؟! ألا يعلمون أن السلف الصالح قد أخبروا جميعا ببعثة المسيح الموعود في القرن الرابع عشر ؟! وقد توقف أهل الكشوف كافة أيضا عند هذا الحد.فقد ورد في كتاب "حجج الكرامة" بكل وضوح؛ أن بعثته لن تتأخر عن القرن الرابع عشر.إن هؤلاء القوم كانوا يقولون على المنابر بأن الوحوش أيضا استعاذت بالله من القرن الثالث عشر، أما القرن الرابع عشر فسيكون مباركا ولكن ما الذي حدث حتى أتى الكاذب بدلا من الصادق في القرن الذي كان مقدرا فيه مجيء إمام موعود؟ ثم ظهرت ألوف بل مئات ألوف الآيات أيضا في تأييده ونصره الله في كل موطن وعند كل مواجهة، فكروا جيدا في هذه الأمور وأجيبوني.التفوه بشيء جزافا أمر سهل، ولكن القول بمراعاة تقوى الله صعب.الجدير بالانتباه أيضا أن الله تعالى لا يُمهل المفتري والكذاب إلى مدة طويلة تزيد على مدة أُعطيها النبي الله لقد بلغت من العمر ٦٧ عاما وقد زادت مدة بعثتي على ٢٣ عاما.فلو كنت مفتريا كذَّابا؛ لما سمح الله بأن تطول هذه القضية إلى هذا الحد.يقول البعض: ما الفائدة من مجيئك؟ فاعلموا يقينا أن هناك هدفين من بعثتي.الأول: لقد غلبت الأديان الأخرى في هذا العصر على الإسلام وكأنها تلتهمه وضعف الإسلام وصار كطفل يتيم؛ فأرسلني الله تعالى في هذا العصر لأنقذه من صولات الأديان الباطلة، ولأقدم الأدلة القوية والحجج الدامغة على صدقه.وهذه الأدلة إضافة إلى الحجج العلمية - إنما هي الأنوار والبركات السماوية التي ظلت تظهر في تأييد الإسلام باستمرار.فلو قرأتم تقارير القساوسة في هذه الأيام لعرفتم مدى استعدادهم لمعارضة الإسلام، ولعلمتم أيضا الأعداد التي
محاضرة لدهیانه ١٤٣ تُنشر بها كل جريدة من جرائدهم.ففي هذه الحالة كان من الضروري أن تُرفع كلمة الإسلام عاليًا.وقد أرسلني الله تعالى لهذا الغرض.وأقول يقينا بأن غلبة الإسلام سوف تتحقق في كل الأحوال؛ وقد بدت أماراتها.صحيح الله تماما أن هذه الغلبة ليست بحاجة إلى سيف أو بندقية، و لم يرسلني بالأسلحة والذي يفكر بهذه الطريقة في هذا العصر فإنه صديق أحمق للإسلام.إن هدف الأديان هو فتح القلوب دائما، وهذا الهدف لا ينال بالسيف.لقد قلت مرارا بأن السيف الذي رفعه النبي ﷺ كان للدفاع فقط، وذلك حين تجاوز الأعداء والمنكرون كل الحدود في الظلم، واحمرت الأرض من دماء المسلمين عديمي الحيلة.إذا، فإن الهدف الأول من بعثتي هو أن يغلب الإسلام الأديان الأخرى.والأمر الثاني هو أن هناك أناسا يقولون بأننا نصلي ونفعل كذا وكذا.ولكن الحق أن هذا كله على الألسن فقط، لذا من الضروري جدا أن يتولّد في الناس هذه الكيفية التي هي مغزى الإسلام وحقيقته.ما أعرفه هو أنه لا يمكن لأحد أن يكون مؤمنا ومسلما ما لم ينصبغ بصبغة أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين.إنهم ما كانوا يحبون الدنيا، بل نذروا حياتهم في سبيل الله.أما في هذه الأيام فجُل الاهتمام منصب على الدنيا، وقد انغمس الناس فيها حتى لم يعد الله ما عندهم مكان.فإذ كانت هناك تجارة فمن أجل الدنيا، كذلك العمارة من أجل الدنيا، بل الصلاة والصوم أيضا صارا للدنيا فقط.يفعلون كل ما في وسعهم لنيل قرب أهل الدنيا ولا يعيرون للدين أدنى اهتمام كل شخص يستطيع أن يفهم؛ هل كان المراد من الإقرار بالإسلام وقبوله كما فُهم وظُنّ، أم هناك هدف أسمى من ذلك؟! ما أعرفه هو أن المؤمن يُطهر وينصبغ بصبغة الملائكة، وكلما تقرب إلى الله؛ سمع كلامه واطمأن له فليفكر كل واحد منكم في نفسه فيما إذا كان حائزا على هذا المقام أم لا؟
182 مع محاضرة لدهیانه أقول صدقا وحقا إنكم قنعتم بالقشور فقط، أنها ليست بشيء.إن الله تعالى يريد اللب ،إذن، فمهمتي هي أن أتصدى لهجمات تُوجه إلى الإسلام من الخارج، وأُنشئ في المسلمين حقيقة الإسلام وروحه.لقد نال وثن الدنيا- بدلا من الله - عظَمةٌ في قلوب المسلمين وعلّقت به الأماني والآمال، وصارت عداوتهم وصلحهم بل كل شيء للدنيا، فأنوي أن أكسر هذا الوثن تكسيرا لتقوم في قلوبهم عظمة الله وجبروته؛ فتؤتي شجرة الإيمان أكلها مجددا.هذه الشجرة موجودة في هذه الأيام بصورتها الظاهرية، ولكنها ليست موجودة في حقيقتها.لقد قال تعالى عن الشجرة الحقيقية: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةٌ طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ أكُلَهَا كُلَّ حِين بإِذْنِ رَبِّهَا.ترون أن الله تعالى قد ضرب هنا مثلاً للدين الكامل بشجرةٍ طيبة.والمراد من: (أَصْلُهَا ثابت هو أن تكون أصولها الإيمانية ثابتة ومتحققة وتبلغ درجة اليقين الكامل، وتؤتي ثمارها كل حين، ولا تيبس في حين من الأحيان.ولكن قولوا بالله عليكم: هل هذه الحالة ملحوظة في هذه الأيام؟ هناك أناس كثيرون يقولون ما الحاجة إلى كل ذلك؟ أقول ما أغبى المريض الذي يقول ما الحاجة إلى الطبيب! فلو استغنى المريض عن الطبيب و لم يشعر بحاجة إليه ؛ ماذا عسى أن تكون نتيجة ذلك إلا هلاكه؟! لا شك أن المسلمين في هذا الوقت يدخلون في: أَسْلَمْنَا ولكنهم لا يدخلون في (آمَنَّا ، وهذا يتأتى عندما يرافق النور.الأمور التي أُرسلتُ من أجلها، فلا تعجلوا في تكذيبي، باختصار، هذه هي بل اتقوا الله وتوبوا إليه؛ لأن عقل التائب يكون حادا ووقادًا.إن آية الطاعون جد خطيرة، وفي ذلك أنزل الله علي الكلام التالي: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم." هذا كلام الله تعالى.واللعنة على من افترى على الله.يقول الله تعالى إن تغيرا سيحدث في مشيئته حين يحدث التغير في القلوب.إبراهيم: ٢٥ - ٢٦
محاضرة لدهیانه فاتقوا الله 120 واخشوا غضبه.لا يمكن لأحد أن يتحمل مسؤولية غيره.نرى أنه لو رفعت قضية بسيطة على أحد لا يعود كثير من الناس أوفياء له؛ فكيف تثقون بهم في الآخرة التي يقول الله عنها: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ لَكَ به كان من واجب معارضينا أن يحسنوا الظن ويعملوا بـ: لا تَقْفُ مَا لَيْسَ علم ، ولكنهم تسرعوا.اعلموا أن الأمم السابقة قد هلكت للسبب نفسه.العاقل إذا علم أنه كان مخطئا؛ تخلّى عن خطئه وإن كان من المعارضين.ولكن هذا لا يتأتى إلا بالتقوى فقط.من شيم الرجال أن يعترفوا بخطئهم، ومن يفعل ذلك فهو بطل؛ وهذا ما يحبه الله تعالى.إضافة إلى ذلك كله أريد أن أقول شيئا عن القياس؛ فمع أن نصوص القرآن الكريم والأحاديث معي، ويؤيدني إجماع الصحابة أيضا، وتدعمني الآيات والتأييدات الإلهية، وتبرهن حاجةُ الوقت على صدقى؛ إلا أنه يمكن أن تتم الحجة بالقياس أيضا.لذا يجب أن نرى ما يقتضيه القياسُ.لا يقبل الإنسان شيئا جد له نظير.فمثلا لو قال لك أحد إن الهواء قذف ولدك إلى السماء، أو قال إن الولد تحوَّل إلى كلب وفرَّ ؛ فهل ستقبل كلامه دون سبب معقول ودون تحقيق؟! كلا، لذلك قال تعالى في القرآن الكريم : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.الآن تأملوا في مسألة وفاة المسيح وصعوده إلى السماء.من المؤكد تماما، بغض النظر عن وجود الأدلة على وفاته أن الكفار طلبوا من النبي معجزة الصعود إلى السماء.فكان ينبغي له الذي كان الأكمل والأفضل من جميع النواحى أن يصعد إليها، ولكن ماذا أجاب به بوحى من الله تعالى: (قُلْ سُبْحَانَ هَلْ كُنتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا).هذا أن الله لا يو.- ربي يعني عبس: ٣٥ الإسراء: ۳۷ النحل: ٤٤ الإسراء: ٩٤
127 محاضرة الدهيانه بريء من إخلاف وعده فما دام قد حرّم على البشر الصعود إلى السماء بجسده العنصري، فلو صعدتُ إليها أنا لكنتُ كاذبا إذا كان اعتقادكم بصعود المسيح إلى السماء صحيحًا؛ فبم تردُّون لو اعترض أحد من القساوسة على النبي مقدما هذه الآية؟ فما الفائدة من الإيمان بما لا أصل له في القرآن الكريم؟! لو فعلتم لشوّهتم سمعة الإسلام والنبي.بالإضافة إلى ذلك لا يوجد لهذا الأمر نظير في الكتب السابقة، والاستشهاد بتلك الكتب ليس حراما.يقول الله تعالى عن النبي : شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.وقال أيضا: كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ".وقال أيضا: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ..فما دام الله تعالى يقدم هذه الآيات لإثبات نبوة رسول الله فكيف صار اجتهادنا منها ممنوعا؟! ومن الكتب السابقة سفر النبي ملاخي ضمن أسفار الكتاب المقدس، وقد وعد فيه بعودة النبي إيليا قبل المسيح عليهما السلام.وحين جاء المسيح ابن مريم؛ سُئل عن مجيء إيليا بحسب نبوءة النبي ملاخي، ولكن المسيح اللي أصدر حكمه أن الموعود بمجيئه قد جاء بصورة النبي يوحنا.لقد سبق أن صدر الحكم في الحكم في محكمة العلمية لا عیسی عن المراد من مجيء الموعود؛ إذ لم يُعتبر يوحنا مثيل إيليا، بل اعتبر إيليا نفسه، وهذا القياس أيضًا يؤيدني.إنني أقدم نظائر، أما منكري فلا يقدمون أي نظير.إن بعض الناس حين يعجزون عن تقديم الدليل أو النظير في هذا المقام يقولون إن تلك الكتب قد أصابها التحريف والتبديل.ولكنهم مع الأسف الشديد لا يدرون أن النبي ﷺ والصحابة له كانوا يستشهدون بها، وأن معظم السلف الصالح عدوا هذا التحريف معنويا.هذا ما قاله البخاري أيضا.الأحقاف: ۱۱ الرعد: ٤٤ البقرة: ١٤٧
محاضرة لدهیانه ١٤٧ إضافة إلى ذلك هناك عداوة شديدة بين اليهود والنصارى، كتبهم أيضا مختلفة، ولا يزالون يؤمنون حتى الآن بأن إيليا سيعود ثانية، وإلا لآمنوا بالمسيح ال.بحوزتي كتاب عالم يهودي يقول فيه بكل قوة، ويصرح أنه إذا طُرح عليه هذا السؤال ؛ سيقدّم سفر النبي ملاخي وسيقول بأن فيه وعدا بعودة النبي إيليا.فكروا الآن؛ لما صار مئات الآلاف من اليهود من أهل جهنم على الرغم من هذه الأعذار، وصاروا قردة وخنازير؛ فهل يصح بشأني عذرهم بأن المذكور في هذا المقام هو المسيح ابن مريم؟! كان اليهود معذورين إذ لم يكن فيهم أي نظير، أما الآن فلا يوجد في أيديكم عذر.إنّ موت المسيح ثابت من القرآن الكريم، وهذا ما تصدقه رؤية النبي.كذلك ورد "منكم" في القرآن الكريم والحديث.ثم لم يُرسلني الله صفر اليدين، بل ظهرت لتصديقي مئات الآلاف من الآيات فلو أقام أحد عندي الآن أيضا أربعين يوما لرآها.الآية المتعلقة بلیكهرام آية عظيمة الشأن.يقول الأغبياء عني بأني كنت وراء قتله.لو كان هذا الاعتراض صحيحا لرفع الأمان نهائيا عن آيات مثلها، وقد يقال غدا إن النبي ﷺ كان وراء قتل "خسرو برويز ، والعياذ بالله إن إثارة الاعتراضات من هذا القبيل ليست من شيم العارفين بالحق.من مائة وفي النهاية أكرر وأقول : إن آياتي ليست بقليلة، بل شهد عليها أكثر ألف شخص، وهم على قيد الحياة.فلا تستعجلوا في إنكاري، وإلا ماذا سيكون جوابكم بعد الممات؟! اعلموا يقينا أن الله تعالى موجود ويرى، وهو يصدق الصادق ويكذب الكاذب.\ 11 جريدة الحكم، عدد: ١٩٠٦/١١/٣٠م، ص٤-٦