Language: AR
محاضرة حضرة مجدد العصر وإمام الزمان المسيح الموعود ميرزا غلام أحمد، زعيم قاديان حول: الإسلام والأديان الأخرى في هذا البلد
محاضرة لاهور صورة غلاف الطبعة الأولى لهذا الكتاب ٹائیٹل بار اول فيه شفاء للناس محمد است امام و چراغ ہر دو جہاں محمد است فروزنده زمین و زماں خدا نگوشش از ترس حق گریندا خدا نما است وجودش براسے عالمیاں اسلام اور اس ملک کے دوسے مد آب چادر حضرت محمد والوقت امام الزمان مسی موعود جناب نیز اعلام المصاحب رمیں قادیان کا لیکچر جوم ستمبرستان کو بمقام لاہور ایک عظیم الشان جلسہ میں پڑھا گیا اوریکو انین بن قانیہ لاہور کیلئے برقانیہ لاہورکی میاں معراج الدین عمرنیل کنٹریکٹر سکرٹری منین اور ولیم شیخ نومحمد ی عالم ملک کیسے صحت ہو تے امی میں امام علی ان کیلئے پیداکر شائع کیا
محاضرة لاهور ترجمة صفحة غلاف الطبعة الأولى لهذا الكتاب فيه شفاء للناس (ترجمة بيتين فارسيين): محمد ﷺ إمام وسراج للعالمين، محمد ﷺ ينور المكان والزمان لا أسميه إلها خشية الله، ولكن والله وجوده يُري الناس وجه الله عيانا محاضرة حضرة مجدد العصر وإمام الزمان، المسيح الموعود ميرزا غلام أحمد زعیم قاديان حول الإسلام والأديان الأخرى في هذا البلد قُرئت في ١٩٠٤/٩/٣م في اجتماع حاشد في لاهور ونشرها لفائدة خلق الله باسم "أنجمن فرقانية لاهور" السيد ميان معراج الدين عمر المتعاهد العام والسكرتير "للأنجمن"، والسيد حكيم شیخ نور محمد منشی عالم صاحب مطب "همدم صحت" لاهور في مطبعة ستيم "رفاه" عام" لاهور
محاضرة لاهور لقد علمت اليوم بقراءة جريدة "بيسه أخبار" العدد ٢٧ آب ١٩٠٤م أن شخصا يُدعى حكيم مرزا محمود الإيراني يقيم في لاهور ويؤيد شخصا يدعي أنه المسيح، ويريد أن يبارزني ولكني متأسف أسفا شديدا أني لا أستطيع أن أقبل طلبه هذا لضيق الوقت الشديد عندي؛ فهناك اجتماع غدا، يوم السبت، وسأكون مشغولا فيه.وفي الصباح الباكر يوم الأحد علي أن أسافر إلى غورداسبور للمثول أمام المحكمة لقضية مرفوعة هناك.أنا مقيم في لاهور منذ ١٢ يوما تقريبا و لم يطلب مني أحد شيئا كهذا، ولا أعرف ما المقصود والهدف من تقديم هذا الطلب في وقت غير مناسب حين صرت على وشك السفر ولا أجد دقيقة فراغ واحدة لشغل آخر.ولكني أقترح طريقا سديدا آخر الحكيم مرزا محمود من أجل تصفية الأمور، وهو أن ينشر مدير جريدة "بيسه أخبار" في جريدته بنصه وفصه مقالي الذي سيُقرأ في الاجتماع غدا في ٣ أيلول.وأرجو من السيد حكيم المذكور أن ينشر أيضا بالمقابل مقالاً له في الجريدة نفسها وبقراءة المقالين سيحكم الناس بأنفسهم من كان مقاله مبنيا على الصدق والحق والحجج القوية، ومن كان مقاله من سقط المتاع.في رأيي أن هذا الطريق للحكم أحوط وأسلم من النتائج السيئة التي تسفر عنها معظم المناظرات في هذه الأيام.وما دام الكلام هنا ليس موجها إلى "حكيم" المذكور ولا يتناول ذكره؛ فلا بد أن يكون هذا المقال أسمى من الخصومات التي تنجم أحيانا عن المناظرات.والسلام.منه.الراقم ميرزا غلام أحمد القادياني
V بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم أولا وقبل كل شيء أشكر الله الذي وهب لنا ملاذا في كنف حكومة مسالمة لا تمنعنا من نشر ديننا، وتزيح بعدلها وإنصافها كل شوكة من سبيلنا، فبعد شكر الله تعالى نشكر هذه الحكومة.أما بعد، فيا أيها المستمعون الكرام، أريد أن أقول الآن شيئا عن الأديان الموجودة في هذه البلاد مراعيًا قدر استطاعتي الأدب واللباقة والتحضر أثناء الحديث.غير أننى أعرف أنه يشق على طبائع بعض الناس سماع الحقائق التي تعارض دينهم ومعتقداتهم فليس بوسعي أن أزيل عواطف الكراهية الفطرية لديهم.على أية حال، أعتذر من الجميع حتى عند بيان الحق.أيها الحضور الكرام، لقد علمتُ بعد تدبر طويل وبعد الوحي الإلهي الذي نزل علي بالتواتر أنه مع وجود فرق كثيرة في هذه البلاد وخلافات دينية كارتجاس السيل، إلا أن الأمر الذي يسبب الخلافات أكثر من غيره في الحقيقة إنما هو تلاشي القوة الروحانية وتقوى الله من قلوب معظم الناس.فقد تلاشى تقريبا من قلوب كثيرة النورُ السماوي الذي يستطيع الإنسان أن يميز به بين الحق والباطل.الدنيا لا تزال تتصبغ بصبغة الإلحاد رويدا رويدا، فهم يرددون كلمة الإله والرب باللسان وتتفاقم في القلوب أفكار الإلحاد شيئا فشيئا.والشاهد على ذلك أن الحالة العملية ليست على ما يرام؛ فيقال باللسان ما لا يُنفّذ عمليا.أما إذا كان أحد صالحا باطنيا فلا أهاجمه أبدا، أما الحالة التي لقد قرئت هذه المحاضرة أمام حشد كبير في لاهور في ١٩٠٤/٩/٣م ضم جمعا غفيرا من كل دين وملة ومن كل فئة من الناس.وبحسب تقارير جريدة "أخبار عام" و"بنجه فولاد" كان عدد الحضور يربو على عشرة آلاف أو اثني عشر ألفا، يضاف إليهم المستمعون الذين كانوا واقفين خارج مكان الاجتماع نقلا عن حاشية الطبعة الثانية).(الناشر)
تتراءى للعيان بوجه عام فهي فقدان الهدف الذي بسببه جعل الإنسان ملزما الله بالدين معظم الناس ليسوا منتبهين إلى طهارة القلب الحقيقية، وحب الخالص ومواساة خلقه الصادقة والحلم والرحم والعدل والتواضع والأخلاق الطيبة الأخرى مثل التقوى والطهارة والصدق الذي هو روح كل دين من المؤسف حقا أن الحروب والخصومات الدينية في الدنيا تزداد يوما بعد يوم، والروحانية تتضاءل.الهدف الحقيقى من الدين هو معرفة الإله الحق الذي خلق هذا العالم كله، والوصولُ في حبه إلى درجة تحرق حب غيره تماما، ثم مواساة خلقه ، وارتداء لباس التزكية الحقيقية.ولكني أرى أن هذا الهدف قد ضُرب به عُرض الحائط في العصر الراهن، وأن معظم الناس متمسكون بفرع من فروع الإلحاد، وقد اضمحلت معرفة الله تعالى كثيرا.لذلك تزداد على الأرض الجرأة على اقتراف الذنوب يوما بعد يوم؛ فمن البديهي تماما أن الإنسان لا يُكِن في قلبه التقدير والحب والخوف لما يجهل، بل تنشأ كافة أسباب الخوف والحب والتقدير بعد المعرفة.فيتبين من ذلك بوضوح تام أن سبب كثرة الذنوب في الدنيا في العصر الراهن عائد إلى قلة المعرفة.ومن العلامات العظيمة للدين الحق أن تكثر فيه أسباب معرفة الله تعالى حتى يمتنع الإنسان عن الذنوب، وينال الله تعالى وعشقه الكامل بعد الاطلاع على حسنه كل وجماله، ولكي يعتبر حالة انقطاع العلاقة به والله أسوأ من جهنم.الحق أن التخلص من الذنوب والفناء في حب الله تعالى هو الغاية العظمى للإنسان، وهذه هي الراحة الحقيقية التي يمكننا أن نعبر عنها بحياة الجنة.الأماني التي تنافي مرضاة الله كلها نار جهنم، وبذل العيش في اتباعها ليس إلا حياة جهنمية.نصيبا من حب ولكن السؤال هنا هو: كيف يمكن التخلص من هذه الحياة الجهنمية؟ من هذه العلم الذي وهبني إياه الله تعالى للرد على هذا السؤال هو أن النجاة الجحيم مقتصرة على معرفة الله الحقيقية والكاملة، لأن الأهواء النفسية التي تجذب الإنسان إنما هي بمنزلة سيل عارم وكامل يرتجسُ بشدة متناهية لتدمير الإيمان.وإن القضاء على كامل؛ لا يمكن إلا بواسطة كامل لذلك هناك حاجة
٩ إلى المعرفة الكاملة للحصول على النجاة، كما يقول المثل: الحديد بالحديد يُفلَح.لا حاجة إلى بيان أدلة كثيرة على أن التقدير والحب والخوف أمور تتأتى بالمعرفة فقط.فمثلا لو أعطي الطفلُ حجرا كريما يقدر ثمنه بالبلايين فلن يقدره أكثر من تقديره ألعوبةً.كذلك لو دُس السم في العسل لشخص على حين غرة منه؛ لتناوله بكل شوق دون أن يدرك أن في ذلك هلاكه لأنه ليست لديه معرفة بذلك العسل ولكنكم لن تدخلوا يدكم في جحر الأفعى عمدا لعلمكم أن في ذلك خطر الموت، كذلك لا يمكن أن تتناولوا سُما زعافا وأنتم مدركوه، لأنكم تعرفون أنكم بتناوله ستموتون؛ فلماذا إذن لا تعيرون اهتماما للموت الذي يدرككم نتيجة عصيانكم أوامر الله تعالى؟ واضح أن سبب ذلك يعود إلى خُلُوكم من معرفة كمعرفتكم الأفعى والسم.من المؤكد تماما أنه لا يمكن لمنطق أن ينقض وهو أن المعرفة التامة تمنع الإنسان من اقتراف كافة الأعمال التي تشكل خطرا على حياته وماله.والإنسان ليس بحاجة إلى أية كفارة ليمتنع عنها.أليس صحيحا أن الأشرار الذين دأبوا على الإجرام يمتنعون عن ألوف الأنواع من أهواء النفس التي يوقنون بأنها ستجعلهم يؤخذون بالجرم المشهود ويعاقبون عقابا شديدا إن اقترفوها؟ ترون أنه لا أحد يجرؤ في وضح النهار على نهب محل فيه آلاف الروبيات بصورة مكشوفة عندما يحرس الطريق إليها عشرات رجال الشرطة المدججين بالأسلحة.فهل يمتنع الناس عن السرقة أو السلب بفعل إيمانهم القوي بكفارة أو نتيجة رعب عقيدة الصلب في قلوبهم؟ كلا، بل لأنهم يعرفون رجال الشرطة بزيهم الأسود، ولمعان سيوفهم يُرعب قلوبهم، وهم يعرفون معرفة تامة بأنهم لو أطالوا أيديهم لقبض عليهم ولأُدخلوا السجن فورا.علما أن الدواب أيضا تعمل وفق هذا المبدأ نفسه فضلا عن الناس؛ فالأسد الضاري لا يمكن أن يلقي بنفسه في نار مضطرمة وإن وُجد بجانبها الآخر صيدٌ له.كما لن يهاجم ذئب شاةً يحرسها صاحبها ببندقية معبأة أو سيف مسلول.
فيا أيها الأحبة إنها لفلسفة صادقة جدا ومحرَّبة أن الإنسان يحتاج إلى المعرفة التامة وليس إلى كفارة من أجل التخلص من الذنوب.الحق والحق أقول، إنه لو كان قوم نوح الله قد حازوا على معرفة تامة تخلق خوفا كاملا؛ لما غرقوا أبدا.ولو أعطي قوم لوط ال تلك المعرفة لما أُمطروا بالحجارة.ولو أُعطي أهل هذا البلد معرفة الله التي ترتجف منها القلوب؛ لما حل بهم الدمار الذي حل نتيجة الطاعون والمعرفة الناقصة لا تُجدي نفعا ولا تسفر عن نتيجة كاملة مفادها الخوف أو الحب.لا جدوى من الإيمان الذي ليس كاملا.ولا طائل من وراء الحب الذي ليس كاملا، ولا فائدة من الخوف الذي ليس كاملا، كذلك لا فائدة من المعرفة التي ليست كاملة.وكل طعام وشراب ليس كاملا فهو عديم الجدوى.هل يمكن أن تشبعوا بحبة واحدة وأنتم جياع؟ أو هل يمكن أن يخمد عطشكم بقطرة ماء واحدة؟ فيا ذوي الهمم المهيضة، ويا أيها الكسالى في طلب الحق؛ أنى لكم أن تتوقعوا فضل الله العظيم مع معرفة بسيطة، ومع حب وخوف قليل؟ التطهير من الذنوب إنما هو فعل الله.وإن ملء القلوب بحبه هو فعل ذلك القادر القوي.وخشيته في قلب يعود إلى إرادته هو الله وإن قانون الطبيعة عظمته وإن ترسيخ الجاري منذ القدم هو أن كل هذه الأشياء تتأتى بعد المعرفة الكاملة.إن أصل الخوف والحب والتقدير هو المعرفة التامة.فمن أعطى المعرفة التامة فقد أُعطي الخشية والحب الكاملين أيضًا.وكلّ من أعطي الخشية الكاملة والحب التام فقد نُجِّي من الذنب الناشئ عن التجاسر.نحن لا نعتمد لهذا الخلاص على أي دم، ولا نحتاج إلى أي صليب ولا إلى أية كفّارة، بل نحن بحاجة إلى تضحية واحدة، ألا وهي التضحية بنفوسنا التي تشعر فطرتنا بالحاجة إليها.وهذه التضحية تُدعى بتعبير آخر "الإسلام".والإسلام يعني تسليم العنق للذبح.أي وضع الروح على عتبة الله طوعًا وانصياعا.هذا الاسم الجميل هو روح جميع الشرائع السماوية وجذر التعاليم ونواتها.إن تسليم العنق للذبح طوعا وبقناعة حقيقية يتطلب حبًّا كاملا، والحبُّ الكامل يتطلب معرفة كاملة.
وهكذا فإنّ كلمة الإسلام تُشير إلى أنّ التضحية الحقيقية تحتاج إلى معرفة كاملة وحب كامل وليس إلى شيء آخر.لقد أشار الله تعالى إلى هذا الأمر في القرآن الكريم فقال: لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُم ، لذا فاخشوني واتقوني.حسنه اعلموا أن الهدف الحقيقي من وراء كافة أحكام الإسلام هو أن يصل الإنسان إلى الحقيقة الكامنة في لفظ "الإسلام".فمن هذا المنطلق قد وردت في القرآن الكريم تعاليم تهدف إلى تحبيب الله إلى النفوس، فحينا تُري وجماله ، وحينا آخر تذكر بإحساناته؛ لأن حب أحد يترسخ في القلب إما نتيجة حسنه أو بواسطة إحسانه.فقد ورد أن الله تعالى واحد لا شريك له من حيث صفاته الحسنة ولا عيب فيه، هو جامع لجميع الصفات الكاملة ومظهر الجميع القدرات المقدسة.هو مبدأ المخلوقات كلها، ومنبع جميع الفيوض، ومالك يوم الدين، ومرجع جميع الأمور.هو قريب مع كونه بعيدا، وهو بعيد مع كونه قريبا هو فوق كل شيء ولكن لا يمكن القول بأن هناك من تحته.هو أخفى من كل شيء ومع ذلك لا يمكن القول بأن هناك شيء أكثر ظهورا منه.هو حي بذاته وكل شيء بسببه هو.إنه قائم بذاته وكل شيء آخر قائم به.إنه حامل كلِّ شيء ولا شيء يحمله.ما من شيء خُلق من تلقاء نفسه وبدونه ، أو يمكن أن يحيا بغيره.هو محيط بكل شيء ولكن لا يمكن وصف تلك الإحاطة.هو نور السماء والأرض وما فيهما، وكل نور 28 28 لا يلمع بقوة هو من نوره وظل لنوره هو الله هو رب العالمين، فما من روح تتربى بربوبيته، ولا هي قائمة بحد ذاتها.ما من قوة في روح من الأرواح لم تُستَمد منه أو جاءت إلى حيّز الوجود من نفسها.إن رحمته الله نوعان: (۱) تلك التي لم يسبقها عمل عامل بل هي موجودة منذ الأزل ومثالها الأرض والسماء والشمس والقمر والنجوم والماء والنار الحج: ۳۸
۱۲ والهواء وكافة ذرات هذا العالم التي خُلقت وسُخّرت لراحتنا.كذلك فكل ما كنا بحاجة إليه قد هيّئ لنا قبل ولادتنا أي حين لم يكن لنا أي وجود ولم نكسب أي عمل هل لأحد أن يقول بأن الشمس خُلقت نتيجة أعماله؟ أو خُلقت الأرض بسبب أعماله الصالحة؟ فهذه رحمة ظهرت قبل خلق الإنسان وأعماله، وليست نتيجة عمل أحد.(۲) والنوع الثاني من الرحمة يترتب على الأعمال ولا حاجة إلى شرحها.قد ورد في القرآن الكريم أن الله تعالى نزيه من كل عيب وبريء من كل نقيصة، ويريد أن يطيع الإنسانُ أوامره ويتطهر من العيوب.فيقول: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى.أي من كان في هذه الدنيا أعمى ومحروما من رؤية الله تعالى الذي ليس كمثله شيء فسيكون أعمى بعد الموت أيضا ولن تفارقه الظلمة؛ لأن الإنسان يُعطى لرؤية الله حواس في هذه الدنيا، والذي لن يذهب من هذه الدنيا بتلك الحواس لن يرى الله في الآخرة أيضا.ولقد بين الله تعالى في هذه الآية بكل وضوح أي نوع من التقدم والرقي يريده من الإنسان وآية مدارج يمكن للإنسان نيلها نتيجة تعليمه.ثم يذكر الله وعمل في القرآن الكريم تعليما يمكن للإنسان أن يحظى بسببه وبالعمل به برؤية الله في هذه الدنيا، فيقول: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا.أي مَن سرّه أن يحظى في هذه الدنيا برؤية الحق والخالق الحقيقي عليه أن يكسب أعمالا صالحة لا يشوبها فساد، أي يجب ألا تكون تلك الأعمال رياء للناس، ولا تخلق الكبر في قلب صاحبها؛ فيقول إني كذا وإني ،كذا وألا تكون تلك الأعمال ناقصة غير كاملة، وألا تفوح منها رائحة تنافي الحب الخالص، بل يجب أن تكون مفعمة بالصدق والوفاء.وبالإضافة إلى ذلك يجب أن يجتنب صاحبها الشرك بكل أنواعه، فلا تعبد الله الإله الإسراء: ۷۳ الكهف: ١١١
الشمس ولا القمر ولا نجوم السماء ولا الهواء أو النار أو الماء أو أي شيء آخر في الأرض، وألا يُعلّق آمالا على الأسباب الدنيوية ولا يعتمد عليها كأنها شركاء الله، وألا يعول على قواه ومساعيه الشخصية؛ لأن ذلك أيضا نوع من أنواع الشرك.بل يجب عليه أن يحسب بعد القيام بكل الأعمال كأنه لم يفعل شيئا.فلا تزهو على علمكم ولا تستكبروا بعمل من أعمالكم، بل ينبغي أن تعدّوا أنفسكم جاهلين وكسالي في الحقيقة.ولتكن الروح خاضعة على عتبات الله دائما، وينبغي جذب فيوضه بالأدعية، وأن تكونوا كالعطشان الظامئ الفاقد اليدين والقدمين الذي تتفجر أمامه عين ماء زلال معين، فيصل إليها بصعوبة بالغة، حيث ينهض حينا ويسقط أحيانا حتى يضع شفتيه على الينبوع، ولا ينفصل عنه ما لم يرتو.سمع الله ثم يقول الله ربنا في القرآن الكريم عن صفاته الحسنة: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * الله الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).أي أن إلهكم وحيد وفريد في ذاته وصفاته، ليس كمثله ذات أزلية وأبدية.لا تماثل صفاتُ أي شيء صفاته.إن علم الإنسان بحاجة إلى معلم ومع ذلك يبقى علمه محدودًا، أما هو فغني عن أي معلم، ومع ذلك فإن علمه غير محدود.إن حاسة سمع الإنسان بحاجة إلى الهواء ومع ذلك تكون محدودة لأن جميع صفاته بلا مثيل ونظير.أما فهو بقوته الذاتية، ولا تحده حدود إن رؤية الإنسان بحاجة إلى الشمس أو إلى ضوء من مصدر آخر ومع ذلك تبقى محدودة، أما رؤية الله تعالى فمصدرها نوره الذاتي وهي غير محدودة.كذلك إن قدرة الإنسان على الخلق بحاجة إلى مادة ووقت ومع ذلك تكون محدودة، ولكن قدرة الله على الخلق ليست بحاجة إلى مادة أو وقت وهي غير محدودة، وكما لا مثيل له ، كذلك لا مثيل لصفاته الله فإذا وجد نقص في إحدى صفاته لكانت جميع ناقصة، فلا تستقيم وحدانيته ما لم يكن وحيدا فريدا لا نظير أو مثيل له في صفاته، كما لا نظير ولا مثيل له في ذاته.وتعني الآية التالية أنه الله ليس ولدا لأحد وليس له ولد؛ لأنه غني في حد ذاته فليس بحاجة إلى أب ولا إلى ولد.صفاته
١٤ أي هذا هو التوحيد الذي علّمه القرآن الكريم وهو مدار الإيمان.أما عن الأعمال؛ فهناك آية جامعة وشاملة في القرآن الكريم وهي: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْل وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يأمركم الله أن تقوموا بالعدل والإنصاف.وإذا أردتم أن تكونوا أكمل من ذلك فأحسنوا، أي أحسنوا إلى الذين لم يحسنوا إليكم قط.وإذا أردتم أن تنالوا الكمال أكثر من ذلك فأحسنوا إلى بني البشر بمواساة ذاتية ودافع طبيعي كما وش تحسن الأم إلى ولدها بدافع طبيعي دون أن تتوقعوا شكرا من أحد أو تمنوا على أحد.ثم قال: إن الله تعالى ينهاكم أن تعتدوا أو تمنوا أو تكفروا بنعمة الذي واساكم مواساة صادقة.وفي شرح الآية نفسها قال تعالى في مكان آخر : وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لا تُريدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا.أي أن الصادقين الكمل الذين حين " يُطعمون الفقراء والأيتام والأسرى؛ إنما يفعلون ذلك حبا لوجه الله فقط وليس لأي طمع، ويقولون لهم بأننا نخدمكم لوجه الله فقط، ولا نريد منكم أيّ جزاء، ولا نريد منكم أن تشكرونا.ثم قال عن الجزاء والعقاب: جَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله.أي أن عقوبة السيئة يجب أن تكون بمثلها، أي السن بالسن والعين بالعين والشتيمة بالشتيمة.ولكن لو عفا أحد وكانت نتيجة عفوه هي الإصلاح لا الفساد، بمعنى أنه إذا مال المعفو عنه إلى الإصلاح وتوقف عن السلوك السيئ؛ لكان العفو بهذا الشرط أفضل من الانتقام، ولنال العاني أجرا وثوابا وليس أن يُدار الخد الثاني في كل الأحوال بعد تلقي اللطمة على الخد الأول؛ لأن ذلك بعيد عن الحكمة.وفي بعض الأحيان يكون الإحسان إلى الأشرار ضارا، ومَثَله كمثل الإساءة إلى الصالحين.النحل: ۹۱ الإنسان: ۹-۱۰ الشورى: ٤١
01 وقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ..أي إذا أحسن إليك أحد فأحسن إليه أكثر مما أحسن إليك، ولو من فعلت؛ لتحولت العداوة بينكما إن وُجدت - إلى صداقة، وكأنه صديق وقريب أيضا.وقال تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ).إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ فَاجْتَنَبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ النُّورِ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا.وَاعْتَصِمُوا بِحَبْل اللَّهِ جَمِيعًا.أي يجب ألا يشكو بعضكم بعضا...وألا تسخر فئة من فئة أخرى ظانين أنفسهم من فئة عليا وغيرهم من فئة سفلى، والفوارق القومية لا تعني شيئا عند الله...ولا تنادوا الآخرين بأسماء يستاءون منها ويحسبونها إساءة إليهم؛ وإلا ستعدّون عند الله الفاسقين...واستخدموا العقل والحكمة عند الكلام، واجتنبوا لغو الحديث.ويجب أن تكون كل أعضائكم وقواكم تابعة لله تعالى، وأطيعوه جميعا.وقال في آيات أخرى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ أَي؛ أيها الغافلون عن الله، إن طمعكم في الدنيا قد أغفلكم حتى وصلتم إلى القبور، ومع ذلك لا تكادون تستفيقون من غفلتكم.وهذا خطأ منكم، ولكنكم سوف تعرفون ذلك عما قريب.وأكرر وأقول بأنكم ستعرفون ذلك قريبا.ولو علمتموه يقينًا لرأيتم بعد التدبر المبني على العلم جهنمكم، ولعرفتم أن حياتكم حياة جهنمية.ولو تقدمتم في المعرفة أكثر ؛ لرأيتم بعين اليقين الكامل أن حياتكم حياة جهنمية.والوقت قريب حين تُلقون في جهنم، وتُسألون عن كل هي الحجرات : ۱۳ الحجرات: ١٢ ٤ الحجرات: ١٤ فصلت: ٣٥ الحجرات:١٢ الحج: ٣١ الأحزاب: ۷۱ آل عمران: ١٠٤
١٦ تصرف شائن وغير معتدل أي ستصلون إلى حق اليقين بعد أن يبطش بكم العذاب.في هذه الآيات إشارة إلى أن اليقين ثلاثة أنواع: أولا: الذي يأتي بالعلم والقياس فقط، كأن يرى أحد دخانا من بعيد ويظن مستخدما العقل والقياس - أنه لا بد من وجود النار هناك.من ثانيا: والنوع الثاني من اليقين أن يرى المرء النار بأم عينه.الله ثالثا: والنوع الثالث من اليقين أن يُدخل يده في النار ويجرب قوة حرقها بنفسه.فهذه هي الأنواع الثلاثة ،لليقين أي علم اليقين، عين اليقين، حق اليقين.لقد بين الله تعالى في هذه الآيات أن راحة الإنسان كلها تكمن في قربه وحبه له عل.وإذا قطع علاقته بالله ومال إلى الدنيا فتلك حياة جهنمية.وكل واحد يطلع على هذه الحياة الجهنمية في نهاية المطاف، ولو حين يكون موشكا على الموت تاركا المال والمتاع وعلاقات الدنيا كلها.ويقول الله في آية أخرى في القرآن الكريم: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ.أي أن الذي يقدّر الله حق التقدير ويهجر الذنوب خائفا المساءلة عند الله؛ سينعم عليه بجنتين.أولا: سيوهب حياة الجنة في هذه الدنيا ويحدث فيه تغيير حسن، وسيكون الله تعالى وليا وكفيلا له.ثانيا: توهب له جنة أبدية بعد الممات، ذلك لأنه خاف الله وآثره على الدنيا وأهواء النفس.ويقول الله في آية أخرى في القرآن الكريم: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا * إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بهَا عِبَادُ اللهُ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجيرًا".وقال تعالى أيضا: وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا.أي الرحمن: ٤٧ الإنسان: ٥- ٧ الإنسان: ۱۸- ۱۹
البعد ۱۷ قد أعتدنا سلاسل وأغلالا وسعيرا للكافرين الذين لا تكن قلوبهم حبا لنا - وهم مخلّدون إلى الإرض- وفي أقدامهم سلاسل حب الدنيا، وفي أعناقهم أغلال عن الله؛ فلا يستطيعون أن يرفعوا رؤوسهم وينظروا إلى الأعلى، بل يظلون مخلدين إلى الأرض.وفي قلوبهم حرقة دائمة لأطماع دنيوية.أما الصالحون فيشربون في هذه الدنيا شراب الكافور الذي فتّر حب الدنيا في قلوبهم، وهدأ عطش أطماعها.فإنهم يوهبون عين شراب الكافور، فيفجرونها بصورة الأنهار والقنوات ليشاركوا فيها كل قاص ودانٍ من العطاشى.وحين تتفجر تلك العين بصورة قنوات وتزداد قوة الإيمان وينمو حب الله تعالى عندها يُسقون شرابا يسمَّى زنجبيلا.أي أنهم يشربون شراب الكافور أولا والذي مهمته أن يفتر حب الدنيا في قلوبهم.ولكنهم بعد ذلك يحتاجون إلى شراب ساخن أيضا حتى تشتعل فيهم حرقة حب الله تعالى؛ لأن ترك السيئة وحدها ليس عملا جبارا.وهذا ما يسمى بشراب الزنجبيل.وإن هذه العين تسمى سلسبيل، ومعنى ذلك أن اسأل عن سبيل الله وقد قال تعالى في آية أخرى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا.أي أن الذي زكّى نفسه تحرَّر من أسر النفس، وملك حياة الجنة.وفشل وخاب من دس نفسه في التراب و لم يتوجه إلى السماء.وما دامت هذه المراتب لا تُنال بسعي الإنسان وحده، لذا وجه الله تعالى في القرآن الكريم مرارا إلى الدعاء والمجاهدة، كما قال : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.وقال أيضا: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.أي إذا سأل عبادي عني ليتأكدوا كيف يثبت وجودي، وكيف نتأكد من أن الله موجود، فالجواب على ۲ الشمس: ١٠ - ١١ غافر: ٦١ البقرة: ١٨٧
۱۸ ذلك أنني جد قريب وأجيب من يدعوني.وحين يدعوني أسمع له وأكلّمه، لذا عليهم أن يجعلوا أنفسهم جديرين بمكالمتي، وأن يؤمنوا بي إيمانا كاملا، لكي يهتدوا إلى سبيلي.ويقول تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.ويقول: (وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ" أي إذا كنتم تريدون لقاء الله فعليكم أن تدعوا وتجاهدوا، وأن تكونوا بصحبة الصادقين أيضا، لأن صحبة الصادقين أيضا شرط لذلك.فهذه الأحكام توصل الإنسان إلى حقيقة الإسلام، لأنه كما قلت قبل قليل إن حقيقة الإسلام هي تسليم العنق إلى الله تعالى لتذبح مثل الشاة، وتركُ الإنسان جميع إراداته، وفناؤه في رضا الله تعالى وإراداته، وقبول نوع من الموت لنفسه بعد الفناء في الله، والانصباغُ بصبغة حب الله بصورة كاملة، ثم القيام بطاعته الله نتيجة حبه الذاتي وليس لأي سبب آخر، والحصول على عينين لا تريان إلا بالله وأذنين لا تسمعان إلا بالله وقلب خاضع الله وحده، ولسان لا ينطق إلا بإنطاقه.هذا هو المقام الذي تنتهي عليه كل أنواع السلوك؛ حيث تكون القوى الإنسانية قد أنجزت كافة المهام الموكولة إليها.ويطرأ على نفسانية الإنسان موت كامل عندها تهب رحمة الله ذلك الإنسان حياة جديدة بكلامه الحي وأنواره الساطعة، فيتشرف بكلام الله العذب.والنور الأدق الذي لا يمكن للعقول أن تكتشفه، ولا تدرك العيون كنهه يقترب إلى قلب الإنسان تلقائيا كما يقول تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ).فهكذا يشرف الله ل الإنسان الفاني بقربه، فيأتي وقت يزول فيه عماه وتستنير عيناه؛ فيرى ربه بهاتين العينين الجديدتين ويسمع صوته، ويجد نفسه ملفوفا برداء نوره.عل.عندئذ تكتمل الغاية من الدين، ويخلع الإنسان عن جسمه لباسا وسخا للحياة العنكبوت: ۷۰ التوبة: ١١٩ ق: ۱۷
۱۹ السفلية برؤيته الله الله ويلبس لباس النور.فلا ينتظر رؤية الله تعالى والجنة كوعد وانتظار الآخرة فقط، بل يحظى برؤيته ومكالمته ونعماء الجنة في هذه الدنيا نفسها.كما يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ.أي أن الذين يقولون بأن ربنا جامع لجميع الصفات الكاملة ولا شريك له في ذاته ولا في صفاته، ثم يثبتون ويصمدون على ذلك ولا يتزعزع إيمانهم وإخلاصهم مهما هزّتهم الزلازل ونزلت عليهم البلايا أو واجههم الموت؛ تتنزل عليهم الملائكة ويكلمهم الله قائلا: لا تخافوا البلايا والأعداء الشرسين ولا تحزنوا على مصائب سبقت، فأني معكم وسأهب لكم في هذه الدنيا الجنةَ التي وعدتم بها، فافرحوا بها.فليتضح أن هذه الأمور ليست بدون شهادة عليها وهي ليست بوعود لم تتحقق، بل قد نال هذه الجنة الروحانية ألوف من أصحاب القلوب النيرة من المسلمين.الحق أن الإسلام دين قد جعل الله تعالى أتباعه المخلصين ورثةً للصادقين السابقين كلهم، وأعطى هذه الأمة المرحومة كافة نعمهم المتفرقة، وقد استجاب دعاء علمه بنفسه في القرآن الكريم وهو: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)).أي اهدنا يا رب إلى صراط الذين نالوا منك جميع أنواع البركات ونالوا شرف مكالمتك ومخاطبتك، وحظوا منك باستجابة أدعيتهم، وحالفتهم نصرتك وعونك وهدايتك دائما، وجنبنا سبل الذين حل بهم غضبك، والذين تركوا سبيلك واختاروا سبلا غيرها هذا هو الدعاء الذي نقرأه في الصلوات الخمس كل يوم، ويتبين بجلاء أن الحياة الدنيا في حالة العمى هي بمنزلة جهنم، والموت أيضا بمنزلة جهنم.والحق أن المطيع الحقيقي لله تعالى والناجي الحقيقي؛ هو ذلك الذي يعرف الله تعالى ويؤمن به إيمانا كاملا، وهو الذي ۱ فصلت: ۳۱
يستطيع أن يهجر الذنوب ويفنى في حب الله.فالقلب الذي ليست فيه الرغبة وطلب الحظوة بمكالمة الله ومخاطبته بصورة يقينية إنما هو قلب ميت.والدين الذي ليست فيه قوة الإيصال إلى هذا الكمال وجعل أتباعه الصادقين محظوظين بمكالمة الله؛ ليس من الله وليست فيه روح الصدق كذلك إن النبي الذي لم يهدِ أتباعه إلى أن يطلبوا مكالمة الله ومخاطبته ويتطلعوا إلى المعرفة الكاملة؛ فليس من الله أيضا، بل يفتري عليها اله الا الله لأن هدف الإنسان العظيم الذي بسببه يمكنه التخلص من الذنوب، هو الحصول على يقين كامل بوجود الله، ونوال الأجر والجزاء منه وعل.ولكن أنى للإنسان أن يحظى باليقين الكامل بوجود الله، غیب الغيب، ما لم يسمع منه نداء "أنا الموجود"، وأنى له أن يحظى باليقين الكامل بوجوده وما لم يشاهد آياته البينات؟! الاطلاع على وجود الله من حيث الأدلة العقلية ينحصر في أن يحكم العقل السليم - بالنظر إلى الأرض والسماء وما فيهما من ترتيب بليغ ومُحكم فائق الكمال بوجوب أن يكون لهذه المخلوقات المنطوية على حكمة بالغة خالق.ولكن لا يمكنه الجزم أن ذلك الخالق موجود في الحقيقة والمعلوم أن "يجب أن يكون" مجرد خيال، أما "موجود في الحقيقة" فهو إثبات لواقع الأمر، والفرق بينهما واضح بين.بمعنى أن في الحالة الأولى قد أخبر عن ضرورة الخالق، أما في الحالة الثانية فقد أُشهد على كونه موجودا في الحقيقة.باختصار، يجب على كل باحث عن الحق ألا ينسى المبدأ الأصلي- في العصر الراهن الذي طغى فيه سيل العراك بين مختلف الأديان أن الدين الحق هو ذلك الذي يُري وجه الله تعالى باليقين الكامل، ويوصل إلى درجة مكالمة الله ومخاطبته، ويقدر على تشريف الإنسان بمكالمة الله.ويقدر على تخليص القلوب من ظلمة الذنوب بقوته الروحانية ومزيته التي تنشط الروح.أما ما سواه من الأديان فكله خادع.والآن نلقى نظرة على بعض الأديان الموجودة في هذا البلد ونرى فيما إذا كانت قادرة على إيصال الإنسان إلى اليقين الكامل في معرفة الله تعالى، وهل في
كتبها وعد بأنها تستطيع تشريف الإنسان بمكالمة الله اليقينية؟ وإذا كان هذا الوعد موجودا فهل يوجد في العصر الراهن مصداق لهذا الوعد أم لا؟ إن أول ما يجدر ذكره من الأديان هو الدين المسيحي.فليكن واضحا أنني لا أرى حاجة إلى الإسهاب في الكتابة عن هذا الدين لأن المسيحيين متفقون على أن الوحي والإلهام قد انقطع بعد زمن المسيح الناصري العلا، وقد مضى زمن هذه النعمة، ولا أمل فيها في المستقبل، ولا سبيل لنيلها إلى يوم القيامة، وإن باب الفيض مسدود.ربما لهذا السبب اختلقوا طريقا للنجاة وأوجدوا وصفة جديدة تفردت عن مبادئ العالم كله وتنافي العقل والإنصاف والرحمة أيما منافاة؛ وهي قولهم إن المسيح الي قبل الموت على الصليب حاملا ذنوب العالم كله لينجو الآخرون نتيجة موته فأمات الله ابنه البريء من الذنوب لينجي المذنبين.ولكننا لا نفهم كيف يمكن أن تتخلّص وتتطهر قلوب الآخرين من عادة سيئة لارتكاب الذنوب نتيجة ميتة ظلم؟! وكيف يمكن أن ينال الآخرون صلَّ الغفران لذنوبهم السابقة نتيجة قتل شخص بريء؟! بل الحق أن هذا الطريق يقتل العدل والرحمة معا؛ لأن معاقبة البريء من الذنوب عوضا عن المذنبين ينافي ،العدل، وكذلك إن قتل الابن بقسوة القلب هكذا دون وجه حق ينافي الرحمة.ولا جدوى من وراء هذه الفعلة على الإطلاق.ولقد قلت قبل قليل إن السبب الحقيقي وراء سيل الذنوب هو قلة المعرفة.فما دامت العلة موجودة؛ فأنى يمكن إنكار المعلول، لأن وجود العلة يقتضي المعلول دائما الحق أنها من عجب العجاب الفلسفة التي تقول بأن العلة الباعثة على الذنوب، ألا وهي قلة معرفة الله ؛ ما زالت موجودة وقائمة، وتلاشى المعلول وهو ارتكاب الذنوب إن التجربة تقدم ألوفا من الشهود على أنه لا يمكن أن يتولد الحب ولا الخوف ولا التقدير تجاه أي شيء دون المعرفة الكاملة.والمعلوم تماما أن الإنسان يكسب عملا أو يتركه، إما بدافع الخوف أو الحب.والمعلوم أيضا أن الخوف والحب ينتجان عن المعرفة.فما لم تكن هناك معرفة لا يمكن أن يتولّد خوف ولا حبّ.
أيها الإخوة والأحبة إن عاطفة تأييد الحق تدفعنا إلى البيان هنا أنه ليس في أيدي السادة المسيحيين شيء واضح بالنسبة إلى معرفة الله تعالى.الوحي عندهم منقطع سلفا، ثم انقطعت المعجزات أيضا بعد المسيح اللة والحواريين، وأما طريق العقل فقد أفلت أيضا من اليد نتيجة تأليههم بشرًا.وإذا ذكرت المعجزات السابقة التي هي بصورة القصص والحكايات الآن؛ فلكل منكر لها أن يقول: الله أعلم بمدى حقيقتها وبمدى المبالغة فيها، لأن المبالغة كانت عادة من كتاب الأناجيل.فمثلا قد وردت في أحد الأناجيل فقرة تفيد أن المسيح أنجز أمورا لو كتبت لما وسعتها الدنيا.ولكن انظروا أن الدنيا وسعت هذه الأعمال دون كتابتها، ولكنها لن تسعها عند كتابتها؟ ما هذه الفلسفة وما هذا المنطق، هل يفهمها أحد؟! الله؛ فلا استنتاج يصح وإضافة إلى ذلك فإن معجزات المسيح الله ليست أكثر عددا من معجزات النبي موسى الا بحال من الأحوال.ولو قورنت معجزات النبي إيليا بمعجزات المسيح عليهما السلام لكانت كفة معجزات إيليا راجحة.فإذا كان بالإمكان أن يصبح أحد إلها نتيجة المعجزات؛ لاستحق هؤلاء الصلحاء كلهم الألوهية.أما القول بأن المسيح أطلق على نفسه أنه ابن الله، أو أُطلق عليه في كتاب آخر أيضا أنه ابن ذلك.تأليهه من لقد سمي الكثيرون بأبناء الله في الكتاب المقدس، وقد سُمي البعض إلها أيضا، فلا مبرر لتخصيص المسيح في ذلك.حتى ولو لم يُلقب أحد سوى المسيح بلقب الإله أو ابن الإله في تلك الكتب لكان حمله على معناه الحرفي مع ذلك جهلا محضا، لأن الاستعارات كهذه موجودة في كلام الله تعالى بكثرة.ولكن لما كان هناك كثيرون آخرون يشاركون المسيح الا في تسميته بابن الله بحسب الكتاب المقدس، فلماذا يُحرم الشركاء الآخرون من هذه الأفضلية؟ باختصار، الاعتماد على هذه الخطة من أجل النجاة لا يصح بأي حال، ولا علاقة للامتناع من الذنوب بهذه الخطة أصلا.بل الحق أن الانتحار من أجل نجاة الآخرين ذنب بحد ذاته وأستطيع القول حالفا بالله إن المسيح العلة لم
۲۳ يرض بالصلب طواعية، بل فعل معه اليهود الأشرار ما شاءوا.وقد دعا المسيح في الحديقة طول الليل للتخلص من الموت على الصليب وسالت دموعه فسمع الله دعاءه لتقواه وأنقذه من الموت على الصليب كما ورد في الإنجيل نفسه.فما أشنعها من تهمة القول بأن المسيح انتحر طوعا وبالإضافة إلى ذلك، لا يقبل العقل أن يضرب زيد رأسه بحجر ويزول به صداع بكر.نعم، نحن نقبل أن المسيح اللي كان نبيا وكان من العباد الكمّل الذين طهرهم الله تعالى بيده، ولكن لا يمكن أن نؤلهه أو غيره من الأنبياء بناء على كلمات وردت في الكتب بحقه أو بحق غيره من الأنبياء.لدي خبرة في هذا المجال، وقد وردت في الله تعالى المقدس بحقي كلمات إعزاز وإكرام لم أر مثلها في أي إنجيل بحق المسيح؛ فهل لي أن أقول إني إله أو ابن الله حقيقة؟! أما تعليم الإنجيل فأرى أن التعليم الكامل هو ذلك الذي يطوّر القوى الإنسانية كلها دون أن يصب جُلّ اهتمامه على جانب واحد فقط.رحي أقول صدقا وحقا إنني وجدت هذا التعليم الكامل في القرآن الكريم وحده، وهو الذي يراعي الحق والحكمة في كل شيء.فمثلا قيل في الإنجيل: لو لطمك أحد على خدك فأدر له الخد الآخر، ولكن القرآن الكريم يعلمنا أن هذا الأمر لا يصلح في كل الأحوال والظروف، بل يجب الانتباه إلى مقتضى الحال فيما إذا كان يتطلب الصبر أو الانتقام أو العفو أو العقاب من الواضح أن هذا التعليم القرآني هو التعليم الكامل، وبدون العمل به تتحطم سلسلة البشرية ويفسد نظام الدنيا كليا.كذلك قيل في الإنجيل ألا تنظر إلى المرأة المحرمة بنظرة شهوة، أما القرآن الكريم فيقول ألا تنظر إلى النساء المحرمات أصلا، لا شهوة ولا غيرها؛ لأن ذلك مدعاة لعثارك.فينبغي أن تكون عينك غضيضة ضبابية مقتضى الأمر، ويجب أن تتجنب إلقاء النظرة المباشرة.هذا هو الطريق الأنسب للمحافظة على طهارة القلب.لعل الفِرق المناهضة لنا في العصر الراهن سوف تعارضنا في هذا الأمر لأنهم حديثو العهد بالحرية والتحرر.ولكن التجربة تؤكد بجلاء على أن هذا هو الحكم الصحيح.
٢٤ أيها الأحبة، إن نتيجة الحرية المطلقة وتبادل النظرات لا تكون سليمة أبدا.فمثلا، إن لم يكن الرجل نزيها من أهواء النفس، ولم تكن الفتاة أيضا بريئة منها؛ فإن إعطاءهما فرصة الاختلاط الحر وتبادل النظرات إنما هو بمنزلة إلقائهما في الهوة عمدا.كذلك يقول الإنجيل بعدم جواز الطلاق إلا نتيجة ارتكاب الزنا.ولكن القرآن الكريم يجيزه، ويقول بأنه إذا صار الزوجان أعدى عدوين لبعضهما بعضا وكانت حياة أحدهما في خطر على يد الآخر، أو أن المرأة لم ترتكب الزنا ولكنها ارتكبت ،بوادره أو أصيبت بمرض يؤدي إلى هلاك الرجل في حالة إقامة العلاقات معها، أو أطل سبب آخر برأسه يوجب الطلاق حسب رأي الزوج؛ فلا اعتراض عليه إن طلق زوجته في هذه الظروف.والآن أعود إلى صلب الموضوع وأقول: اعلموا أنه ليس في يد السادة المسيحيين وسيلة حقيقية للنجاة أو لتجنب الذنوب، لأن النجاة لا تعني شيئا إلا أن تطرأ على الإنسان حالة لا يتشجع فيها على الذنوب، ويتقدم في حب الله تعالى بحيث لا يتغلب عليه أي نوع من الحب النفساني.والمعلوم أن هذه الحالة لا تتولد دون المعرفة الكاملة عندما نقرأ القرآن الكريم نجد فيه وسائل واضحة بسببها يمكننا الحصول على معرفة الله التامة، نجتنب الذنوب بعد غلبة الخوف، لأننا نرى أن الإنسان باتباعه القرآن الكريم يحظى بمكالمة الله تعالى ومخاطبته، وتظهر الآيات السماوية، ويتلقى الإنسان علم الغيب من الله تعالى وتنشأ معه علاقة قوية فيهيج قلبه لوصاله ، ويؤثره على كل شيء، فتستجاب أدعيته 6 ويُطلع على استجابتها.ويجري من المعرفة بحر يمنع من ارتكابه الذنوب.وحين نقرأ الإنجيل نجد فيه لاجتناب الذنب طريقا وحيدا غير معقول، وليس له أدنى علاقة بإزالة الذنب.اللافت في الموضوع أنه قد ظهرت من المسيح العلمية أنواع عدة من الضعف الإنساني، ولكن لم تظهر منه قوة تدل على الألوهية وتميزه عن غيره، إلا أنه اعتبر إلها في نظر المسيحيين.
٢٥ والآن نلقي نظرة عابرة على دين الآريين لنرى ماذا يقدمه للنجاة من الذنوب.فليتضح أن "فيدا" الآريين المقدس قد أنكر مكالمة الله ومخاطبته والآيات السماوية في المستقبل نهائيا.لذا فإن محاولة البحث في الفيدا عن الاطمئنان الكامل ليسمع الإنسان نداء "أنا الموجود" وليسمع الله الأدعية ويجيبه عليها ويُري وجهه بواسطة الآيات؛ محاولة عبثية لا طائل من ورائها.بل هذه الأمور كلها من المحالات في رأيهم.ولكن من الواضح تماما أن الخوف من شيء أو حبه مستحيل بغير رؤيته أو معرفته معرفة كاملة.والمعرفة لا تكتمل بالنظر في المخلوقات فقط.لهذا السبب يوجد ألوف من الملاحدة وأتباع مذهب "ناستك مت" بين الذين يتبعون العقل فقط، بل الذين يبلغون ذروة الفلسفة هم الذين يجب تسميتهم بالملاحدة بوجه كامل.ولقد بينت أنفا أن أكثر ما يفيد العقل السليم بتدبر المخلوقات- بشرط ألا تشوبه شائبة الإلحاد هو إدراك أنه يجب أن يكون لهذه الأشياء خالق، وليس من أن ذلك الخالق موجود في الحقيقة.كذلك يمكن للعقل أن يتوهم أيضا أنه الممكن أن يكون هذا الكون كله وجد تلقائيا منذ الأزل، وأن يكون بعض الأشياء خالق بعضها الآخر بصورة طبيعية.فالعقل لا يوصل إلى اليقين الكامل الذي اسمه المعرفة التامة التي تنوب مناب رؤية الله تعالى، والتي بسببها يتولد الخوف الكامل والحب الكامل.وبنار الخوف والحب يحترق كل نوع من الإثم والذنب ويرد الموتُ على الأهواء النفسانية، ويحدث التغير النوراني، فتزول كافة أنواع الضعف الداخلي وكدرة الذنوب.ولكن لما كان معظم الناس لا يعيرون اهتماما لائقا للطهارة الكاملة التي تخلص من وصمة الذنب تماما؛ فلا يشعرون بضرورتها ولا يشرعون في البحث عنها، بل يمتلئون على عكس ذلك- عنادا، ويقومون بالمعارضة ويستعدون للشجار.أما موقف الآريين فمؤسف للغاية؛ فهم يائسون تماما من الوسيلة الحقيقية للمعرفة التامة و لم تبق في أيديهم الوسائل العقلية أيضا فما دامت كل ذرة من العالم أزلية - حسب رأيهم - وجاءت إلى الوجود من تلقاء نفسها و لم تُخلق بيد
٢٦ أحد، كذلك هي هذا غير صحيح، الأرواح أيضا أزلية مع كل قواها وليس لها خالق، فأي دليل بقي في أيديهم على وجود الله؟! ولو قالوا إن الجمع بين ذرات العالم ونفخ الأرواح فيها، هو فعل الإله وحده وهذا يكفى دليلا على وجوده؛ لكان رأيهم لأنه ما دامت الأرواح والذرات كلها تملك القدرة بحد ذاتها، ومحافظة على نفسها منذ الأزل، وهي خالقة نفسها؛ أولا تستطيع الاتصال أو الانفصال عن بعضها من تلقاء نفسها؟ لن يقبل أحد المبدأ القائل بأن الذرات لا تحتاج إلى غيرها من حيث وجودها وحياتها وقواها، ومع أن الأرواح لا تحتاج إلى غيرها من حيث وجودها وقواها ولكنها تحتاج إلى غيرها فيما يتعلق بالانفصال والاتصال ببعضها.إن هذا الاعتقاد يهيئ صيدا سهلا للملاحدة، ونتيجة هذا الاعتقاد يمكن لآري أن ينضم إلى الملحدين بكل سهولة، وبإمكان ملحد شاطر أن يستقطبه بكل سهولة.إنني أتأسف جدا وأشفق أيضا على الآريين لأنهم أخطأوا في كلا الجانبين للشريعة، أي اعتنقوا عن الإله عقيدة بأنه ليس مبدأ المخلوقات كلها، وليس منبع الفيوض كلها بل الذرات وكافة قواها والأرواح وجميع قواها؛ وُجدت من تلقاء نفسها، وأن فطرتها محرومة من فيوضه.هنا يجب أن يفكروا: ما الحاجة إلى الإله أصلا والحالة هذه؟! ولماذا يستحق العبادة؟! ولماذا يُدعى القادر ذو القوة كلها؟ وكيف وبأي طريقة عُرف؟! هل من مجيب؟! ليت مواساتي تؤثر في قلب أحد، ليت أحدا يجلس في عزلة ويفكر في هذه الأمور.يا إلهي القادر القدير، ارحم هؤلاء القوم الذين هم جيراننا القدامى، واصرف قلوب كثير منهم إلى الحق، فلك القدرة كلها آمين هذا الأمر يتعلق بالإله وفيه اعتداء على حق ذلك الخالق الذي ليس له مثيل.ومن الأمور الأخرى التي يقدمها الآريون بالنسبة إلى الخلق: التناسخ، أي عودة الأرواح إلى الدنيا مرارا بتغيير هويتها اللافت والغريب في هذه العقيدة أولا وقبل كل شيء؛ هو أنهم يدعون أنهم عاقلون، ثم يقولون إن الإله قاسي القلب لدرجة معاقبة المذنبين إلى ملايين السنين، بل بلايين السنين على ذنب
۲۷ واحد، وذلك مع علمه أنه ليس خالقهم ولا حق له عليهم إلا أنه يعذبهم بإعادتهم إلى الدنيا مرارا بصور مختلفة بحسب مبدأ التناسخ.فلماذا لا يكتفي بالعقاب لبضع سنوات فقط مثل الحكومات الدنيوية؟ معلوم أن هناك شرطا للعقوبة الطويلة الأمد وهو أن يكون له على مستحقي العقاب حق أيضا طويل الأمد.ولكن لما كانت الذرات والأرواح قد وُجدت من تلقاء نفسها ولا منة عليها للإله إلا أن يُدخلهم في دوامة التناسخ بالتكرار حسب مبدأ التناسخ؛ فبأي حق يعاقبهم عقوبة طويلة؟! أما في الإسلام فيقول الله تعالى : إني خالق كل ذرة وكل روح، كل قواها نتيجة فضلي أنا، وخُلقت بيدي، وتعيش بسيي أنا، ومع ذلك يقول في القرآن الكريم : إلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَالُ لِمَا يُرِيدُ.أي سيبقى أهل جهنم فيها إلى الأبد، ولكن هذه الأبدية ليست كأبدية الله تعالى، بل المراد منها هي المدة الطويلة فحسب، ثم تأخذ رحمة الله تعالى بيدهم لأنه قادر، ويفعل ما يشاء.وفي شرح هذه الآية يقول سيدنا ومولانا النبي الأكرم في حديث: يأتي على جهنم زمان ليس فيها أحد ونسيم الصبا تحرك أبوابها.ولكن للأسف الشديد إن هذه الأقوام تعتبر الله تعالى عصبيا معتادًا على البغض بحيث لا يهدأ غضبه في وقت من الأوقات؛ فلا يغفر الذنب حتى بعد إدخال المذنبين في التناسخ بلايين المرات التي لا تُعدّ ولا تُحصى.هي هذا الاعتراض لا يقع على الآريين فقط، بل المسيحيون أيضا يعتقدون بأبدية جهنم التي لا تنتهي عقابا على ذنب واحد فقط.وإلى جانب ذلك يعتقدون أيضا أن الله تعالى خالق كل شيء.فما دام الله تعالى بنفسه خالق أرواح البشرية كلها وقواها كافة، وبنفسه أودع الضعف في بعض الطبائع؛ فترتكب الذنوب، ولا تمشي إلا كما تجري ساعة إلى مدة معينة حددها لها صانع الساعة الحقيقي، أي الله الله فلا شك أن تلك الطبائع في هذه الحالة جديرة هود: ۱۰۸
۲۸ بالشفقة والرحمة لأن أخطاءها وتقصيراتها ليست من عندها، بل فيها دَخْلُ كبير لذلك الخالق أيضا؛ الذي خلقها ضعيفة.فأي عدل أن الإله حدّد لعقوبة ابنه ثلاثة أيام فقط، أما عقوبة الناس الآخرين فجعلها أبدية لن تنتهي إلى أبد الآبدين، وقدّر أن يحترقوا في تنور جهنم إلى الأبد.هل هذا يليق بالإله الرحيم والكريم؟! بل كان من المفروض أن يعاقب ابنه بعقوبة أشد؛ لأنه كان قادرا على احتمالها أكثر من غيره لكونه يملك صفات إلهية، فكان ابن الإله على أية حال، ولما كان الأمر كذلك فأنّى لقدرات الناس الآخرين- وهم مخلوقون وعاجزون- أن تكون مساوية لقدرته؟! باختصار، فإن المسيحيين والآريين في قارب واحد من حيث هذا الاعتراض، ومعهم بعض المسلمين من قليلي الفهم أيضا ولكن الخطأ الذي وقع فيه المسلمون لا يعود سببه إلى خطأ في كلام الله، فقد بين الله تعالى بكل وضوح أن الخطأ خطؤهم، ومثله كخطئهم في اعتقادهم بكون المسيح ال موجودا في السماء الثانية حيا إلى الآن، مع أنه قد ورد في كلام الله القرآن الكريم بكل اللي قد مات منذ مدة طويلة وانضم إلى أرواح خلت.صراحة أن عیسی ولكن هؤلاء الناس لا يزالون ينتظرون عودته مخالفين بذلك كتاب الله تعالى.على أية حال، أعود إلى صلب الموضوع وأقول: الجانب الثاني لبطلان التناسخ هو أنه يخالف الطهارة الحقيقية؛ لأننا نرى الناس يموتون كل يوم، وهناك من تموت أمه أو أخته أو حفيدته فما الذي يضمن ألا يخطئ القائلون بهذه العقيدة فينكحوا من كان نكاحُها حراما بحسب تعليم الفيدا؟ أما لو جاءت مع كل مولود قائمة مفصلة مكتوب فيها أنه كان في حياته السابقة ابن فلان؛ لكان ممكننا أن يجتنبوا الزواج غير الشرعي، ولكن إلههم لم يفعل ذلك وكأنه يريد أن ينشر الطريق غير الشرعي بنفسه.وإضافة إلى ذلك لا نفهم ما الفائدة من إدخال الناس في دوامة الولادات المتكررة، فلما كان مدار النجاة كله هو معرفة الله؛ فمن المفروض ألا يُضيع كل مولود عند ولادته الثانية - رصيد معرفته التي كسبها في حياته السابقة.ولكن
۲۹ كما هو معلوم، كلُّ مولود يولد صفر اليدين، ويواجه الدنيا فقيرا معدما كشخص متهور ومبذر أتلف وأضاع كل ما ادّخره في حياته السابقة، ولا يذكر شيئا من تعليم الفيدا ولو قرأه ألف مرة.ففي هذه الحالة لا يوجد للنجاة سبيل بسبب دخول الإنسان في دوامة الولادات المتكررة، لأن رصيد العلم والمعرفة الذي كان قد جمعه بشق النفس في حياته السابقة؛ يضيع باستمرار تلقائيا.فلن يبقى رصيد أعماله محفوظا؛ ولن ينال النجاة أبدا.إضافة إلى ذلك فإن النجاة بحسب مبدأ الآريين كانت لمدة محددة فقط، ثم أن ثروة النجاة أي المعرفة لا يمكن أن تُدَّخر.أليس هذا من الطامة الكبرى هي شقاوة الأرواح؟ والأمر الثاني الذي يدخل في معتقدات الآريين وينافي طهارة البشر هو الـ "نيوك".أنا لا أنسب هذه المسألة إلى الفيدا المقدس، ويقشعر قلبي بمجرد مسألة فكرة عزو مثل هذه الأمور إليه.وفيما يتعلق بعلمي وضميري فإنني على يقين - أن الفطرة الإنسانية لن تقبل بحال من الأحوال أن يسمح شخص لزوجته ذات الكرامة والتي هي من عائلة محترمة- أن تضاجع شخصا آخر لمجرد الحصول على الأولاد، مع أن العلاقة الزوجية قائمة بينهما، وهي زوجته.كذلك ليس لي أن أتصور أن ترضى الزوجة أيضا بهذا التصرف وزوجها يُرزق.الغيرة في هذا المجال ملحوظة عند بعض الدواب أيضا دع عنك الإنسان فلا تقبل هذا الأمر لأنثاها.لا أريد أن أدخل هنا في نقاش طويل، بل أقول للآريين بكل أدب واحترام إنهم لو تخلوا عن اعتقادهم هذا لكان أفضل لهم كثيرا.إن حالة هذا البلد متردية جدا أصلا من حيث مستوى الطهارة الحقيقية، ولو راجت هذه الأمور بين الرجال والنساء فلا يُدرى ماذا يكون مصير هذا البلد.وبالإضافة إلى ذلك أسمح لنفسي بالقول أيضا؛ مهما كان الآريون يبغضون المسلمين في العصر الراهن، ومهما نفروا من معتقدات الإسلام، ولكنني أناشدهم بألا يتخلوا عن عادة الحجاب نهائيا؛ لأن ذلك سيؤدي إلى مفاسد عسى أن
كثيرة تتراءى للعيان فيما بعد.يمكن لكل فطين أن يدرك أن عددا كبيرا من الناس يطيعون نفوسهم الأمارة بالسوء، وهم أسرى نفوسهم لدرجة أنهم لا يعيرون لعقوبة من الله أدنى اهتمام عند ثورتها ولا يرتدعون عن سوء النظر عند رؤيتهم السيدات الشابات والجميلات.وكذلك هناك سيدات كثيرات يرمقن الرجال بسوء النية.فلو أُعطي الفريقان حرية كاملةً مع سوء نياتهما؛ لكانت النتيجة مثلما نراها بادية في بعض مناطق أوروبا.ولكن حين يصبح الناس طاهري القلوب حقيقة وتتلاشى نفوسهم الأمارة وتزهق روحهم الشيطانية وتتولد في عيونهم خشية الله وتترسخ في قلوبهم عظمة الله ويخلقون في نفوسهم تغييرا طيبا ويلبسون لباس تقوى الله ؛ عندها يمكن أن يفعلوا ما يشاءون، لأنهم عندئذ يكونون مختثين في يد الله وكأنهم ليسوا رجالا، وتكون عيونهم قد عميت عن رؤية السيدات المحرمات بخائنة الأعين أو أن تتطرق إلى قلوبهم هذه الفكرة الفاسدة.فيا أيها الأحبة، أدعو الله تعالى أن يلهمكم الصواب.ولكن هذا الوقت ليس بالوقت المناسب لتفعلوا ذلك، ولو فعلتم لزرعتم بذرة سامة في القوم.العصر الراهن عصر خطير وأحوج ما يكون إلى الحجاب، ولو لم يكن في أي زمن خلا، لأنه الزمن الأخير والأخطر، والسيئات والفسق والفجور والإدمان على الخمور في قمتها في العصر الراهن، وتغزو الأذهان أفكار الإلحاد.لقد زالت من القلوب عظمة أوامر الله يتحدثون باللسان كثيرا، والمحاضرات أيضا مليئة بالمنطق والفلسفة، ولكن القلوب خالية من الروحانية هل يجوز في هذا الوقت أن تُترك الشياه المسكينة في فلوات فيها الذئاب؟ أيها الأحبة، إن الطاعون محدق بكم، وقد بقي منه الكثير كما أخبرني الله تعالى.الأيام جد خطيرة، ولا يُدرى مَن سيعيش إلى شهر أيار من السنة المقبلة ومن سيلحق بالأموات، ومن الذي سيحل ببيته البلاء ومَن سُيُجنَّبه.فانهضوا وتوبوا، وأرضُوا مالك ناصيتكم بالأعمال الصالحة واعلموا أن العقوبة على الأخطاء العقدية تترتب بعد الممات، وأن الحكم في كون أحد هندوسيا أو
معه الله فإنه كريم مسيحيا أو مسلما سيصدر يوم القيامة، ولكن الذي يتجاوز الحدود في الظلم والاعتداء والفسق والفجور يُعاقب في هذه الدنيا، ولا يستطيع أن يهرب من عقاب الله بأي حال.فأرضُوا ربكم سريعا، وتصالحوا قبل أن يأتي يوم مروع، أي يوم شدة الطاعون الذي أنبأ به الأنبياء.تصالحوا مع جدا ويستطيع أن يغفر الذنوب - وإن كانت ممتدة إلى سبعين عاما- نتيجة توبة لحظة واحدة تذيب القلب.لا تقولوا إن التوبة لا تُقبل.اعلموا يقينا أنكم لن تنجوا بأعمالكم قط، بل المنجي هو فضل الله تعالى وليست الأعمال.فيا إلهي الكريم الرحيم ارحمنا جميعا فإننا عبادك المرتمون على عتباتك، آمين.
{} الجزء الثاني من الخطاب أيها المستمعون الكرام، الآن سأقول شيئا حول ادّعائي الذي نشرته في هذه البلاد.من الثابت عقلا ونقلا أنه كلما سيطرت ظلمة الذنوب على الدنيا، وانتشرت ت السيئات والفواحش في الأرض بكل أنواعها واضمحلت الروحانية، وتنجست الأرض بالآثام وفَتَرَ حبُّ الله تعالى وهبت الريح السامة، اقتضت رحمة الله تعالى أن تُحيي الأرض من جديد.فكما ترون أن الفصول تتناوب دائما، إذ يأتي فصل الخريف فيحل البلاء بأوراق الأشجار وأزهارها وثمارها، ويسوء منظر الأشجار كما ينحل كثيرا المصاب بمرض السل ولا تبقى فيه قطرة دم، وتعلو وجهه آثارُ الموت الوشيك، أو كوصول جذام المجذوم منتهاه فتبدأ أعضاؤه بالتآكل والتساقط.ثم تأتي على الأشجار فترة أخرى تسمى فصل الربيع.ففي هذا الفصل تأخذ الأشجار لونا آخر وتحمل ثمارا وأزهارا وأوراقا جميلة خضراء.والحال نفسه ينطبق على الناس إذ تتناوب عليهم فترات النور والظلام؛ ففي قرنٍ يفقدون جمال الكمال الإنساني كما يحدث للأشجار في فصل الخريف، وفي وقت آخر تهب عليهم ريح من السماء فيبدأ فصل الربيع في النشوء في قلوبهم.إذا ، فهذان الفصلان يلازمان الناس منذ خلق الدنيا.فالزمن الراهن الذي نحن فيه هو زمن بداية فصل الربيع.لقد كانت فترة فصل الخريف في قمتها في البنجاب حين كان السيخ يحكمون البلاد لأن العلم كان مفقودا؛ ساد الجهلُ البلاد، وفقدت الكتب الدينية لدرجة لعلها لم تعد متيسرة إلا لأُسرة الأسر الكبيرة.ثم جاء زمن الحكومة الإنجليزية، وهذا زمن يسود فيه الأمن والوئام.والحق أنه لو شبهنا أيام حكم السيخ بليالي الحكم الإنجليزي- من حيث الأمن والراحة لكان ذلك أيضا ظلمًا ومجانفة للحقيقة.هذا الزمن جامع للبركات الروحانية والمادية.أما البركات المستقبلية فملحوظة من بداية ربيعها.أن هذا الزمن يُري وجوها كثيرة مثل دابة ،غريبة، فبعضها مروعة لكونها من صحیح
منافية لمعرفة الله الحقيقية والحقِّ، وبعضها مباركة جدا ومؤيدة للحق.ولكن مما لا شك فيه أن الحكومة الإنجليزية قد طوّرت كثيرا العلوم المتنوعة في هذه البلاد.وقد اكتشفت طرق سهلة ومواتية لطباعة الكتب ونشرها بحيث لا يوجد لها نظير في غابر الأزمان.ولقد ظهرت للعيان في البلاد ألوف المطابع التي كانت خافية عن الأعين من قبل.وقد تغير الزمان من حيث الجو العلمي السائد في أيام قليلة وكأن قوما جديدا تماما قد جاء إلى الوجود.لقد حدث كل ذلك، ولكن الحالة العملية ظلت تتقهقر يوما إثر ،يوم، وبدأت شجرة الإلحاد تنمو في الخفاء.لا شك في أنّ للحكومة الإنجليزية أيادي بيضاء؛ فقد أحسنت إلى رعيتها وعدلت وأقامت الأمن في كل مكان، بحيث يكون من العبث البحث عن نظيره في الحكومات الأخرى.ولكن الحرية التي أُعطيتها الرعية لتوسيع دائرة الأمن؛ ما راقت لكثير من الناس، وبدلا من أن يشكروا عليها الله تعالى والحكومة تفاقمت الغفلة وحب الدنيا وأطماعها واللامبالاة في قلوب معظم الناس حتى ظنوا أن الدنيا هى المقر الدائم لهم، ولا منة ولا سلطة عليهم لأحد والمعلوم أن معظم الذنوب تتولد حين يظن الناس أنفسهم في مأمن، كما جرت العادة.فبحسب هذا القانون الطبيعى ظلت الذنوب تكثر باستمرار.وبسبب قسوة القلوب والغفلة صارت حالة هذا البلد خطيرة جدا.فالجهلاء والأشرار من الناس الذين هم كالوحوش- متورطون في جرائم مخجلة وخطيرة مثل النهب والزنا والقتل بغير حق.أما الآخرون فيرتكبون آثاما مختلفة كل بحسب أهوائه وثورة نفسه.فترى الحانات عامرة أكثر من المحلات الأخرى.وكذلك إن المهن الماجنة والخلاعة في تقدم مستمر.أما المعابد فقد اتخذت لأداء التقاليد والعادات فقط.فباختصار، هناك ثورة خطيرة للذنوب على الأرض، وقد ثارت الأهواء النفسانية لدى معظم الناس بسبب الأمن وأسباب الراحة الكاملة كما يتمزق السد أمام بحر هائج فيدمّر القرى كلها حوله في ليلة واحدة.ولا شك أن ظلاما حالكا يسود العالم كله، وقد آن الأوان؛ إما أن يخلق الله نورا في الدنيا أو
٣٤ يهلكها.ولكن قد بقيت ألف سنة قبل أن تهلك الدنيا.وإن أسباب الراحة وزينة الدنيا التي تكتشف في الأرض باستمرار ؛ تدل أيضا على أن الله تعالى كما أصلح إصلاحا ماديا، كذلك يريد تقدم البشر وإصلاحهم الروحاني أيضا لأن حالة الناس الروحانية متردية أكثر من حالتهم المادية، وقد وصلت حدا خطيرا، حيث يمكن أن تكون البشرية محل غضب الله الحماس لكل ذنب في تفاقم مستمر، وضعفت القوى الروحانية إلى حد كبير وخمدت أنوار الإيمان.يشعر العقل السليم بداهة بضرورة ظهور النور من السماء في هذا الوقت الذي غلب فيه الظلام؛ لأنه كما أن زوال الظلام المادي من الأرض منوط منذ القدم بنزول النور من السماء، كذلك الحال من حيث الروحانية أيضا؛ فينــزل هذا النور من السماء فقط وينوّر القلوب فهذا هو قانون الطبيعة الملحوظ منذ أن خلق الله البشر؛ فالله تعالى ينزل عند الضرورة لخلق الوحدة بين البشر- نور معرفتِه التامة على أحدٍ ويشرفه بمكالمته ومخاطبته ويسقيه كأس حبه الكامل، ويهبه البصيرة الكاملة للسلوك على سبيل مرضاته، وينفث في قلبه حماسا ليجذب الآخرين أيضا إلى النور والبصيرة والحب الذي أُعطيه.فبواسطته يتخلص الآخرون من الذنوب ويتقدمون في التقوى والطهارة بإنشاء علاقة به وانضمامهم إليه ونيلهم نصيبا من معرفته وبحسب هذه السنة القديمة أخبر الله تعالى بواسطة أنبيائه الأطهار أنه حين توشك الألفية السادسة منذ خلق آدم ال أن تنصرم؛ يعم الأرضَ ظلامٌ حالك ويموج سيل الذنوب بقوة وشدة، ويفتر حب الله في القلوب كثيرا بل يتلاشى نهائيا، عندئذ ينفخ السماء، وبدون أسباب دنيوية كما نفخ في آدم روح الحق والحب والمعرفة في شخص؛ فيسمى مسيحا أيضا، لأن الله تعالى سيمسح بيده روحه بعطر حبه الخاص، فيُقام ذلك المسيح المنتظر - الذي سُمِّي بكلمات أخرى بالمسيح الموعود في كتب الله - مقابل الشيطان؛ فتكون تلك هى المعركة الأخيرة بين جيش الشيطان والمسيح.وسيأتي الشيطان يومئذ للحرب الروحانية مستعدا بكل قواه، وبذريته كافة، وبمكايده كلها.الله تعالى من
٣٥ ولن تكون قد سبقت بين الشر والخير حرب كالتي ستندلع يومذاك؛ لأن مكايد الشيطان والعلوم الشيطانية ستبلغ يومئذ منتهاها، وتتاح كافة الطرق التي يمكن أن يُضل الشيطانُ بها الإنسان.عندها ينال مسيح الله تعالى فتحا بعد حرب روحانية ضروس وستهلك القوى الشيطانية.وسيستمر جلال الله تعالى وعظمته وقدسيته ووحدانيته في الانتشار في الأرض إلى مدة من الزمن.وتلك ألفية كاملة، وتسمّى اليوم السابع، وبعدها ستنتهي الدنيا.وأنا ذلك المدة هي المسيح، فمن شاء فليؤمن.قد تستغرب هنا بعض الفرق التي تنكر الشيطان فيقولون: ما هو هذا الشيطان؟ الله فليعلموا أن هناك جذبين يلازمان دائما قلب الإنسان بالتناوب؛ جذب الخير وجذب الشر.أما جذب الخير فتعزوه الشريعة الإسلامية إلى الملائكة، وأما جذب الشر فتنسبه إلى الشيطان والمراد من ذلك أن جذبين موجودان في فطرة الإنسان؛ فيميل إلى الخير تارة وإلى الشر تارة أخرى.أظن أن في هذا الاجتماع أيضا الكثير ممن ينظر إلى بياني بأني أنا المسيح الموعود وأني مشرَّفٌ بمكالمة الله ومخاطبته - بالإنكار ويرموني بنظرات التحقير والازدراء.ولكنني أراهم معذورين، لأن هذا ما ظل يحدث منذ الأزل؛ فأنبياء ومرسلوه يضطرون إلى سماع الكلام المسيء في البداية، فما من نبي في بداية عهده إلا أُهين.انظروا إلى سوانح حياة ذلك النبي والرسول، صاحب الكتاب والشريعة، الذي نعتز جميعا بكوننا من أمته، الذي ختمت الشرائع كلها على شريعة جاء بها؛ تروا كيف تحمّل الإيذاء على يد المنكرين في مكة مدة ١٣ عاما وهو في حالة العزلة والمسكنة وعدم الحيلة، وكيف ظل عرضة للتحقير والاستهزاء والسخرية حتى أخرج من مكة بظلم وعدوان كبيرين.من كان يعرف عندئذ أنه سيُجعل في نهاية المطاف إماما ومقتدى لملايين الناس؟ فمن سنة الله أن عباده الأصفياء يُعَدّون أذلاء ومهانين في بداية الأمر.وقليل ما هم الذين يتمكنون من معرفة المرسلين من الله في البداية فمن المقدر أن يتأذوا على
أيدي الجهلاء ويقال في حقهم كلام مسيء، ويواجهوا السخرية والاستهزاء ويُشتموا إلى أن يأتي وقت يفتح الله تعالى فيه القلوب لقبولهم.هذا ما أدعيه أنا، أما المهمة التي بعثني الله من أجلها؛ فهي أن أزيل الكدر الحاصل في العلاقة بين الله ،وخلقه، وأرسى بينهما صلة المحبة والإخلاص ثانيةً؛ وأن ألغي الحروب الدينية بإظهار الحق مُرسِيًا دعائم الصلح، وأكشف الحقائق الدينية التي اختفت عن أعين الناس، وأقدم نموذجا للروحانية التي صارت مدفونة تحت ظلمات النفوس، وأكشف - بالحال لا بالقال فقط تلك القوى الربانية التي تسري في الإنسان ثم تتجلى فيه نتيجة إقباله على الله تعالى أو نتيجة التركيز والدعاء وفوق كل ذلك، أن أغرس في القوم من جديد؛ غراسًا خالدًا للتوحيد الذي قد اختفى الآن الخالص النقي اللامع الخالي من أية شائبة من شوائب الشرك.ولكن لن يحدث كل ذلك بقوتي أنا، بل بقدرة الله؛ فهو رب السماء والأرض.التي - الله فمن ناحية أرى أن الله تعالى قد ربّاني بيده وشرفني بوحيه وأودع قلبي حماسا لأن أقوم بمثل هذه الإصلاحات، ومن ناحية ثانية أعد قلوبا لتكون مستعدة لقبول كلامي وأرى أن هناك انقلابا عظيما يحدث في الدنيا منذ أن بعثني تعالى بأمر منه.فالناس في أوروبا وأميركا الذين كانوا مولعين بألوهية عيسى – قد بدأ الآن الباحثون منهم يتخلون من تلقاء أنفسهم عن هذا الاعتقاد.والأمة كانت معجبة بالأوثان والأصنام منذ زمن أجدادهم؛ قد فهم معظمهم أن الأوثان ليست شيئا يُعتدّ.به مع أن هؤلاء الناس لا يزالون محرومين من الروحانية ومتشبثين ببعض الكلمات تقليدا فقط ولكن مما لا شك فيه أنهم خلعوا من أعناقهم حبال آلاف التقاليد السخيفة والبدعات والشرك، وقد وقفوا على عتبات التوحيد.إنني آمل أن تدفع رحمة الله الخاصة بعد زمن قريب كثيرين منهم إلى دار الأمان للتوحيد الصادق والكامل الذي يوهب معه الحب الكامل والخوف الكامل والمعرفة الكاملة.إن أملي هذا ليس تخيليا قط، بل تلقيت هذه البشارة
بوحي ۳۷ الله المقدس.لقد عملت حكمة الله هذا العمل في هذا البلد لتجعل الأمم المتفرقة أمة واحدة سريعا، ولتُشرق شمس يوم الصلح والوئام.كل أمة تشم شذا أن الأمم المتفرقة ستصبح جميع ریح أمة واحدة يوما من الأيام؛ فالسادة المسيحيون يروجون أفكارا أن العالم كله سيعتنق قريبا دينهم، وأنهم سيؤمنون بألوهية عيسى اللي.وقد تولّد في اليهود أيضا الذين يسمون بني إسرائيل؛ حماس جديد في هذه الأيام بأن مسيحهم الخاص الذي سيجعلهم ورثة الأرض كلها على وشك الظهور في هذه الأيام.كذلك الأنباء الموجودة في الإسلام التي تتناول وعدًا بمجيء مسيح- ينتهي موعدها على القرن الرابع عشر من الهجرة.ويرى عامة المسلمين أيضا أنه قد قرب وقت انتشار الإسلام في الأرض كلها.ولقد سمعت من بعض بانديتات مذهب "سناتن دهرم" أنهم يحسبون العصر الراهن عصر ظهور نبي بينهم ويقولون إنه نبي الزمن الأخير، وبواسطته سينتشر الدين في الدنيا كلها.مع أن الآريين لا يؤمنون بأية نبوءة، ولكنهم نتيجة تأثير الريح التي تهب حاليا يسعون جاهدين أن ينتشر دينهم وحده في آسيا وأوربا وأميركا واليابان وغيرها من البلاد والأغرب من ذلك أن هناك حماسا جديدا في البوذيين أيضا.والمضحك في الموضوع أن أصحاب الفئات الاجتماعية السفلى في هذا البلد أيضا يفكرون بكيفية تمكنهم من الخلاص من تسلط أقوام أخرى عليهم، ليحرزوا على الأقل قوة للمحافظة على مذهبهم.قصارى القول، هناك ريح تهب في العصر الراهن؛ فكل فرقة متحمسة بكل شدة وقوة لِتَقَدُّم قومها ومذهبها، ويودون ألا يبقى للأمم الأخرى أي أثر أبدا، ويريدون أن يسيطروا على كل شيء بأنفسهم وينتشروا في كل حدب وصوب.ويهاجم أهل الأديان المختلفة بعضهم كتلاطم أمواج البحر ببعضها عند الطوفان.باختصار، يتبين من هذه النشاطات بجلاء أن هذا هو الزمن الذي أراد الله تعالى فيه أن يجعل من الفرق المختلفة أمة واحدة ويلغي الحروب الدينية ويجمع الجميع على دين واحد.وعن هذا الزمن الذي هو زمن تلاطم الأمواج، يقول
الله تعالى في القرآن الكريم : ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا.فإذا قرأنا هذه الآية مع آيات سبقتها؛ تبين المعنى، وهو أن في زمن تلاطم الأمواج الذي تهيج فيه ضجة كبيرة لأديان العالم ويقع دينٌ على دين وقوع موج على موج، ويسعى الناس لقتل بعضهم بعضا، سيؤسس ربِّ السماء والأرض جماعة جديدة بيده دون أسباب دنيوية، ويجمع فيها كل هؤلاء الذين لديهم استعداد وانسجام، فيدركون حقيقة الدين، وتُنفخُ فيهم روح الحياة والصدق الحقيقي، ويُسقون كأس معرفة الله ومن الضروري ألا تنقطع هذه السلسلة ما لم تتحقق النبوءة التي أعلنها القرآن الكريم في الدنيا قبل ١٣٠٠ عام.ولم يكتف الله تعالى ببيان آية واحدة فقط عن الزمن الأخير الذي تُجمع فيه الأمم كلها على دين واحد، بل قد وردت في القرآن الكريم آيات أخرى كثيرة أيضا، منها أن البحار في ذلك الزمن تُفجَّر أنهارا وقنوات وستكتشف في الأرض مناجم (أي معادن) مخفية عديدة، وتظهر علوم أرضية كثيرة، وستكتشف أسباب تؤدي إلى نشر الكتب على نطاق واسع، (هذه إشارة إلى أدوات الطباعة).وستكتشف في تلك الأيام مطية تُعطّل العِشار، وبسببها تسهل طرق اللقاءات والعلاقات المتبادلة بين الناس، ويتمكنون من إيصال الأخبار إلى بعضهم بسهولة.وأن الكسوف والخسوف سيحدثان في ذلك الزمن في شهر واحد.وأن طاعونا جارفا سيتفشى بعد ذلك؛ فلن تسلم منه مدينة أو قرية، ويكثر الموت في الدنيا حتى تغدو خرابا، تدمر بعض القرى كليا ولن يبقى لها أثر أبدا، بينما يحل ببعضها الآخر عذاب إلى حد ما، وستنقذ في النهاية.ستكون تلك الأيام أيام غضب الله الشديد؛ لأن الناس لم يقبلوا آيات الله وعجل التي ظهرت تأييدا لمرسله في ذلك العصر، ورفضوا نبي الله الذي جاء لإصلاح الخلق، وكذبوه.لقد تحققت في هذا العصر الذي نحن فيه تلك العلامات كلها، واتضح وتبين السبيل للعاقل الفطين بأن الله تعالى بعثني في وقت ظهرت فيه جميع العلامات الكهف: ١٠٠
== المذكورة في القرآن الكريم والمشيرة إلى بعثتي كافة هذه العلامات التي تشير إلى زمن المسيح الموعود مذكورة في الأحاديث أيضا، أما ما قدمته هنا، فهو من القرآن الكريم فقط.ثم هناك علامة أخرى ذكرها القرآن الكريم عن زمن المسيح الموعود فقال: إِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.فلما كان عدد الأيام سبعةً فقد حدد في هذه الآية عمر الدنيا بسبعة آلاف سنة، وذلك بدءا من زمن آدم الذي نحن أولاده.يتبين من كلام الله على أن الدنيا كانت موجودة قبل ذلك أيضا، ولكن لا نستطيع القول من كان هؤلاء الناس ومن أي نوع كانوا.يبدو أن دائرة الدنيا تنتهي على سبعة آلاف سنة، لذا فقد حُدِّدت سبعة أيام في الدنيا دلالةً على هذا الأمر، فكل يوم يمثل ألف عام.لا ندري كم دورةً مضت على الدنيا وكم من الأوادم ظهروا في أزمنتهم.ولما كان الله تعالى هو الخالق منذ القدم، فنقبل ونؤمن بأن الدنيا قديمة من حيث نوعيتها، ولكنها ليست قديمة من حيث هويتها.من المؤسف حقا أن يعتقد المسيحيون بأنه لم يمض على خلق الله الدنيا وخلقه السماوات والأرض إلا ستة آلاف سنة، وبأن الله ل كان دون أي عمل قبل ذلك؛ أي كان عاطلا منذ الأزل.ولكن لا يسع عاقلا أن يقبل هذا الاعتقاد.أما اعتقادنا الذي علمنا إياه القرآن الكريم فهو أن الله تعالى خالق منذ الأزل، وقادر على أن يهلك السماء والأرض ملايين المرات ويخلقها مرة أخرى كما كانت إذا أراد الا الله ولقد أخبرنا أيضا أن سلسلة البشر الحالية بدأت بمجيء آدم إلى الدنيا؛ الذي جاء بعد أمم سابقة وكان والدنا جميعا.وإن الدورة الكاملة لعمر السلسلة الحالية هي سبعة آلاف سنة.وإن السبعة الآلاف سنة هذه عند الله كسبعة أيام عند الناس.اعلموا أن سنة الله حددت أن تكون دورة كل أمة سبعة آلاف سنة.وللإشارة إلى هذه الدورة حددت سبعة أيام للناس.الحج: ٤٨
باختصار، إن سبعة آلاف سنة محددة كدورة عمر بني آدم.وقد مضى من الدورة الحالية نحو خمسة آلاف سنة إلى عهد نبينا الأكرم.أو قل إن شئت بتعبير آخر؛ إنه قد مضى نحو خمسة أيام من أيام الله، وقد أشير إليها في القرآن الكريم بحساب الجمل لحروف سورة العصر؛ فحين نزلت في زمن النبي ﷺ كان قد مضى على زمن آدم بقدر مجموع أحرف هذه السورة المباركة وفق حساب الجمل.ووفقاً لهذا الحساب قد مضت إلى الآن ستة آلاف سنة من عمر البشر وبقيت ألف سنة.لقد ورد في القرآن الكريم، بل في معظم الكتب السابقة أيضا أن المرسل الأخير الذي سيأتي حاملا صفات آدم ويُسمَّى باسم المسيح؛ سيُخلق في نهاية الألفية السادسة حتما كما خُلق آدم في نهاية اليوم السادس.إن في هذه الآيات كفاية للمتدبرين.وتقسيم هذه الألفيات السبع بحسب القرآن الكريم وكتب الله الأخرى؛ هو أن الألفية الأولى تكون لانتشار الخير والهداية، والألفية الثانية لسيطرة الشيطان، ثم الألفية الثالثة لانتشار الخير والهداية، والألفية الرابعة لغلبة الشيطان، ثم الألفية الخامسة لانتشار الخير والهداية.هذه هي الألفية التي بعث فيها سيدنا ومولانا خاتم الأنبياء محمد المصطفى لإصلاح الدنيا، وصُفّد الشيطانُ) ثم الألفية السادسة هى زمن إطلاق سراح الشيطان وتسلطه الذي بدأ بعد القرون الثلاثة وانتهى على رأس القرن الرابع عشر.ثم الألفية ألفية الله ومسيحه؛ وهي زمن كل خير وبر ركة وإيمان وصلاح وتقوى وتوحيد وعبادة الله وزمن كل نوع من الحسنة والهداية.ونحن الآن على رأس الألفية السابعة ولا يوجد موطئ قدم لمسيح آخر بعد ذلك؛ لأن عدة العصور سبعة فقط، وقد قسمت بين خير وشر.ولقد بين الأنبياء جميعا السابعة هي = هذا التقسيم بعضهم إجمالا وبعضهم تفصيلا.وهذا التفصيل مذكور في القرآن الكريم، وتترشح منه بوضوح تام نبوءة من القرآن الكريم بحق المسيح الموعود.واللافت في الموضوع أن جميع الأنبياء قد أنبؤوا في كتبهم، بأسلوب أو بآخر، بزمن المسيح، وذكروا فتنة الدجال أيضا، ولا تكاد تكون في الدنيا نبوءة بهذه القوة والتواتر الذي أنبأ به الأنبياء جميعا بحق المسيح الأخير، ومع ذلك
٤١ يوجد في العصر الراهن أناس يرفضون صحتها؛ فيقول بعضهم: أثبتوها من القرآن الكريم ولكن من المؤسف أنهم لو تدبروا القرآن وفكروا فيه لاضطروا إلى الاعتراف بأن هذه النبوءة مذكورة في القرآن الكريم بوضوح تام بحيث لا يحتاج العاقل الفطين إلى توضيحها أكثر من ذلك.لقد أشير في سورة التحريم إلى أن بعض أفراد هذه الأمة سيُسمَّون ابن مريم لأنهم شُبِّهوا بمريم أولا ثم ذكر نفخ الروح كما نُفِحَت في مريم، وبذلك أُشير إلى أنهم سيأخذون وجودا مريميا أولا ثم يترقون من هذا المقام ويتحولون إلى ابن مريم.وقد سماني الله تعالى في وحيه في البراهين الأحمدية "مريم" أولا فقال: يا مريم اسكن أنت وزوجك الجنة"، أي ادخُل الجنة يا مريم أنتَ وأصدقاؤك.ثم قال: يا مريم نفخت فيك من روح الصدق" أي) كأن مريم حملت بالصدق، على سبيل الاستعارة).ثم قال: "يا فيهم ول عيسى إني متوفيك ورافعك إلي".ففى هذا المقام نُقلتُ من مقام مريمى وسُمِّيتُ عيسى، وبذلك اعتبرتُ ابن مريم ليتحقق الوعد الوارد في سورة التحريم.كذلك قيل في سورة النور إن الخلفاء كلهم سيأتون من هذه الأمة، ويُستنبط من القرآن الكريم أنه سيأتي على الأمة زمنان خطيران جدا؛ الزمن الأول أتى في عهد خلافة أبي بكر الله بعد وفاة النبي الاول والزمن الثاني هو زمن الفتنة الدجالية الذي كان سيأتي في زمن المسيح، وقد أشير للاستعاذة من هذا الزمن في الآية: (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)).وعن الزمن نفسه جاءت النبوءة في سورة النور بقوله تعالى: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا.ومعنى هذه الآية مع الآية التي سبقتها هو أن الله تعالى يقول بأنه سيقع بهذا الدين في الزمن الأخير زلزال، وسيُخشى فيه أن يتلاشى هذا الدين من الدنيا كلها؛ عندها سوف يمكن الله الدين على الأرض كلها من جديد، وسيبدل الخوف أمنا كما يقول في آية أخرى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى النور: ٥٦
٤٢ الدين كله.أي ليجعل الإسلام غالبا منتصرا على الأديان كلها.وهذه أيضا إشارة إلى زمن المسيح الموعود.كذلك هناك آية: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ إشارة أيضًا إلى زمن المسيح الموعود.وهناك تشابه، بحسب القرآن الكريم، بين زمن المسيح الموعود وزمن أبي بكر له.وفي هذا الدليل القرآني كفاية لاطمئنان العقلاء الذين يتدبرون وإن لم يكن ذلك كافيا في نظر جاهل، فلا بد له من الاعتراف بأنه لا يوجد في التوراة نبوءة بحق عيسى العلي ولا بحق نبينا الأكرم لالالالالالولو لأن تلك الكلمات أيضا مجملة، مما أدى إلى عثار اليهود فلم يؤمنوا.فمثلا لو أُنبئ عن النبي ﷺ بكلمات صريحة أنه سيولد في مكة ويكون اسمه المبارك "محمد" واسم أبيه عبد الله، واسم جده عبد المطلب، وسيكون من بني إسماعيل، وسيهاجر إلى المدينة، وسيولد بعد موسى بمدة كذا وكذا؛ لما استطاع أحد من اليهود إنكاره لوجود هذه العلامات.أما بالنسبة إلى النبوءة بحق المسيح الناصري اللي فقد واجه اليهود مشاكل أكبر من ذلك، وبسببها عَدُّوا أنفسهم معذورين بحق؛ لأن هناك نبوءة عن المسيح الا أنه لن يُبعث ما لم يعد إيليا إلى الدنيا، ولكن إيليا ما عاد إلى الآن، بينما كان هناك شرط في كتاب الله أنه لا بد أن يأتي إيليا إلى الدنيا ثانية قبل أن يأتي المسيح الصادق من الله.فرد المسيح على ذلك أن المراد من ذلك هو مثيل إيليا وليس إيليا الحقيقي.ولكن اليهود يقولون بأن ذلك تحريف في كلام الله وبأنهم أخبروا بعودة إيليا الحقيقي.فيتبين من ذلك أن النبوءات عن الأنبياء تكون دقيقة دائما ليتميز الشقى من السعيد.وإضافة إلى ذلك، من الواضح أن الادّعاء الذي يكون مبنيا على الصدق فلا يصحبه دليل واحد فقط، بل يلمع من جميع جوانبه مثل الجوهرة الحقيقية تماما التي يلمع كل جانب من جوانبها.الصف: ١٠ ٢ الحجر: ١٠
٤٣ الله وعل فأقول بكل قوة بأن ادّعائي كوني المسيح الموعود أيضا هو أيضا من النوع نفسه، أي يلمع من كل جانب.فانظروا أولا أني ادعيتُ كوني من وكوني مشرفا بمكالمة الله ومخاطبته منذ ما يقارب ٢٧ عاما، أي قبل تأليف "البراهين الأحمدية بفترة طويلة، ثم نُشر هذا الإعلان في زمن "البراهين الأحمدية" وفي الكتاب نفسه الذي مضى على نشره ما يقارب ٢٤ عاما.لكل عاقل فطين أن يدرك أن حبل الكذب لا يكون طويلا إلى هذا الحد.ومهما كان أحد كذابا لن يتمكن من ارتكاب الوقاحة بطبيعة الحال إلى مدة تكفي ليولد فيها ولد ويصبح ذا عيال.مع أن كذلك لن يقبل عاقل أن شخصا يفتري على الله تعالى منذ ما يقارب ٢٧ عاما، ويختلق كل صباح إلهامات ونبوءات من عنده ثم ينسبها إلى الله، ويدعي كل يوم أن الله قد أوحى إليه، وأن كلاما كذا وكذا نزل عليه من الله الله تعالى يعلم أنه كاذب فيما يقول؛ إذ لم يُوحَ إليه شيء و لم يكلمه قط، بل يحسبه الله شخصا ملعونا ولكن مع ذلك ينصره ويرزق جماعته تقدما وازدهارا، وينقذه من جميع البلايا والمكايد التي ينسجها له الأعداء.ثم هناك دليل آخر يتبين منه صدقي كوضح النهار ويبرهن على كوني من الله؛ فعندما لم يعرفني أحد أي في زمن البراهين الأحمدية حين كنتُ أؤلفه منزويا في زاوية الخمول، و لم يكن أحد مطلعا على حالتي إلا الله عالم الغيب، خاطبني الله في ذلك الزمن وأظهر علي بعض النبوءات التي نُشرت في البراهين الأحمدية في زمن الخمول والعزلة والإفلاس، ونُشرت في البلاد كلها وهي: "يا أحمدي أنت مرادي ومعي.سرّك سري.أنت مني بمنزلة توحيدي وتفريدي، فحان أن تُعان وتُعرف بين الناس..(أي الوقت قريب حين يُعدّ الناسُ لنصرتك).أنت مني بمنزلة لا يعلمها الخلق.ينصرك الله في مواطن.أنت وجيه في حضرتي اخترتك لنفسي، وإني جاعلك للناس إماما...(أي سأجعل كثيرا من الناس تابعين لك، وتُجعَل إماما لهم).ينصرك رجال نوحي إليهم من السماء ليدعموك بأموالهم يأتيك (الدعم المالي) من كل فج عميق.
٤٤ من الله أن يأتون من كل فج عميق.ولا تصعر لخلق الله ولا تسأم من الناس.وقل رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين أصحاب الصُّفة، وما أدراك ما أصحاب الصفة.ترى أعينهم تفيض من الدمع ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان.إني جاعلك في الأرض خليفة.يقولون أنى لك هذا؟ قل عجيب..(أي يقولون تحقيرا وازدراء: من أين لك هذه المرتبة؟ فقل لهم بأن الله ذو قدرات عجيبة).لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ويقولون إن هذا إلا اختلاق.قل الله، (الذي أسس هذه الجماعة ثم ذرهم في خوضهم يلعبون.هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله يريدون أن يطفئوا نور الله والله متم نوره..(أي سيوصله إلى جميع القلوب المستعدة).ولو كره الكافرون.يعصمك الله ولو لم يعصمك الناس.إنك بأعيننا.سميتُك المتوكل.وما كان الله ليتركك حتى يميز الخبيث الطيب.شاتان ،تُذبحان وكل من عليها فان.وعسى تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم أنتم لا تعلمون." ليكن معلوما أن أربع نبوءات عظيمة الشأن ذكرت في هذه الإلهامات.(۱) لقد بشرني الله في زمن كنت فيه وحيدا و لم يكن معي أحد، وقد مضى على ذلك الزمن قرابة ٢٣ عاما أنك لن تبقى وحيدا بل الوقت آت بل قريب حين يكون الناس معك أفواجا، وسيأتونك من أماكن نائية، وسيأتون بكثرة حتى تكاد تسأم منهم أو تُصعّر لهم، ولكن عليك ألا تفعل ذلك.(۲) النبوءة الثانية هي أنه ستصلك من هؤلاء الناس نصرة مالية كبيرة.والدنيا كلها تشهد على هذه النبوءات أنها حين سُجِّلت في البراهين الأحمدية؛ كنت وحيدا في زاوية الخمول في قاديان وهي قرية قفراء.و لم تمض على ذلك عشر سنوات حتى بدأ إقبال الناس كما جاء في إلهام الله، وبدأ الناس يتوافدون هو للنصرة بأموالهم، وقد بايعني إلى يومنا هذا أكثر من مئتي ألف شخص.والنبوءة الثالثة في الإلهامات المذكورة هي أن الناس سيسعون ليمحوا هذه الجماعة ويطفئوا هذا النور ولكنهم سيفشلون في سعيهم هذا.أما إذا اختار 6
أحد طريق الإلحاد صراحة؛ فمن يستطيع أن يمنعه؟ وإلا فهذه النبوءات الثلاث تسطع كالشمس.من الواضح أنه إذا أمكن التنبؤ في هذا الزمن بالتخمين والتخريص أو بالعقل فقط، لشخص يعيش في زاوية الخمول وهو وحيد وعديم الحيلة لا حول له ولا قوة، ولا علامات تشير إلى أنه سيجعل إماما لمئات الآلاف من الناس، ولا مؤشر على تقديم الناس له آلاف الروبيات؛ أنه سينال إقبال الناس ونصرة الله إلى هذا الحد، فليقدم المنكرون نظيرا بذكر اسمه.وخاصة إذا وضعت النبوءتان المذكورتان مع النبوءة الثالثة التي تفيد أن الناس سيبذلون قصارى جهودهم لكيلا تتحقق هذه النبوءات، ولكن الله تعالى سيحققها، ولن يكون بد من الاعتراف بالنظر إلى هذه النبوءات الثلاثة نظرة شاملة بأنها ليست من صنع آنها الله.الإنسان، لأنه ليس للإنسان أن يدعي أنه سيعيش أيضا إلى تلك المدة.والنبوءة الرابعة في تلك الإلهامات هي أن شخصين من المنتمين إلى هذه الجماعة سيُستَشهَدان في تلك الأيام.فقد استُشهد الشيخ عبد الرحمن بأمر من الحاكم عبد الرحمن والي كابول، واستشهد المولوي صاحب زاده عبد اللطيف خان في كابول بأمر من الحاكم حبيب إضافة إلى ذلك هناك مئات النبوءات التي تحققت في وقتها.ففي إحدى المرات أخبرتُ المولوي الحكيم نور الدين قبل الأوان أنه سيُرزق ولدًا مع عدة بثور على جسمه؛ وكذلك كان فقد ولد ذلك الولد وعلى جسمه بثور.قد يكون المولوي نور الدين موجودا في هذا الاجتماع ويستطيع كل شخص أن يسأله مستحلفا إياه فيما إذا كان ذلك صحيحا أم لا.ثم حدث مرة أن مرض عبد الرحيم ابن سردار محمد علي خان زعيم مالير" كوتله" وبدت بوادر اليأس للعيان، فأخبرني الله بإلهام أنه يمكن أن يُشفى بشفاعتك.فأكثرت له من الدعاء كناصح مشفق، وشفي الولد وكأن مينا قد أحبي.كذلك مرض ابنه الثاني- واسمه عبد الله خان وأوشك على الموت نتيجة إصابته بمرض خطير.فأُخبرتُ بشفائه أيضا، وشفي بدعائي.
٤٦ بالإضافة إلى ذلك هناك آيات كثيرة لو سجلت كلها لاستحال أن ينتهي هذا المقال حتى في عشرة أيام والشاهد على تلك الآيات ليس شخصا أو شخصين بل يشهد عليها مئات الآلاف من الأشخاص.لقد سجلت منها ١٥٠ آية في كتابي "نزول المسيح" الذي سيُنشر قريبا.ولتلك الآيات عدة أنواع، فمنها ما ظهر في السماء، وبعضها ظهر على الأرض، ومنها ما يتعلق بالأصدقاء ومنها بالأعداء وقد تحققت بعضها يتعلق بشخصي أنا وبعضها بأولادي.وقد تحققت بعض من تلك الآيات بواسطة عدو الأعداء دون أن يكون لي أي من دخل فيها، كما باهلني المولوي غلام دستغير القصوري من جانب واحد في كتابه "فتح رحماني" ودعا أن يُهلك الله الكاذب منا، فلم يمض على دعائه إلا بضعة أيام حتى هلك، وبموته شهد على صدقي.وهناك ألوف من الناس الذين الله عليهم صدقي بالرؤى.فباختصار، هذه الآيات كلها بينة وجلية بحيث لو أُلقيت عليها نظرة إجمالية، أظهر لما وسع الإنسان إلا القبول.يقول بعض المعارضين المعاصرين إنه لو قدم الدليل من القرآن الكريم لقبلناه فأجيبهم: هناك أدلة كثيرة في القرآن الكريم على كوني مسيحا موعودا وقد أوردتُ بعضها قبل قليل.ولكن تقديم هذا الشرط أيضا تعثت صريح وعناد سافر، إذ ليس ضروريا للإيمان بصدق أحد أن يكون الخبر عنه مذكورا في كتاب سماوي بكلمات واضحة.فإذا كان هذا الشرط ضروريا لما ثبتت نبوة أي نبي.الحق أنه يجب الانتباه إلى حاجة العصر أولا لتصديق ادعاء أحد.ثم ينبغي النظر فيما إذا كان قد جاء في وقت حدده الأنبياء أم لا.ثم لا بد من التأمل أيضا هل أيده الله تعالى أم لا؟ ثم يجب النظر فيما إذا رُدَّ كما يجب أم لا على اعتراضات أثارها الأعداء ؟ وإذا تحققت الأمور فلا بد من الاعتراف أن هذا الشخص صادق، وإلا فلا.والمعلوم أن العصر ينادي بلسان حاله أن هناك ضرورة حتما بغية رفع الفرقة بين الفِرق الإسلامية ولحماية الإسلام من الهجمات الخارجية، وإقامة الروحانية مجددا التي اندثرت من الدنيا لمصلح سماوي يهب اليقين مرة أخرى جميع هذه
٤٧ ويسقي جذور الإيمان، وبذلك يخلص من السيئات والذنوب ويوجه إلى الحسنة والصدق.فإن بعثتي في وقت الضرورة أمرٌ واضح جلىّ، ولا أخال أحدا يسعه إنكارها إلا من كان متعنتا شديد التعنت.والشرط الثاني، أي البحث فيما إذا جاء المدعي بحسب موعد حدده الأنبياء أم لا؟ فقد تحقق هذا الشرط أيضا بمجيئي؛ لأن الأنبياء قد أنبؤوا ببعثة المسيح الموعود حين تكون الألفية السادسة موشكة على الانتهاء.فقد انتهت الألفية السادسة - بحسب التقويم القمري اعتبارا من بعثة آدم العل- منذ مدة لا بأس بها، أما بحسب التقويم الشمسي فقد أوشكت الألفية السادسة على الانتهاء.وإضافة إلى ذلك فقد قال نبينا الأكرم له الا الله أنه سيأتي على رأس كل قرن مجدد يجدد الدين، وقد مضى من القرن الرابع عشر واحد وعشرون عاما، ونحن الآن بأنه لم يسع أحد منهم الله في العام الثاني والعشرين.أليس في ذلك دلالة على أن ذلك المجدد قد أتى؟! والشرط الثالث هو: هل أيد الله تعالى المدعي أم لا؟ وهنا أقول بأن تحقق هذا الشرط بحقي أيضا واضح وجلي؛ لأن بعض الأعداء من كل قوم في هذه البلاد أرادوا أن يهلكوني، وأخرجوا كل ما في جعبتهم وسعوا كل سعي، ولكنهم فشلوا وخابوا في مساعيهم.لم يكن في نصيب أي قوم فخر ليستطيعوا القول لتدمير هذا الشخص.ولكن الله تعالى أكرمني على عكس مساعيهم، وجعل آلاف الناس أتباعي فإن لم يكن ذلك تأييدا من فماذا يكون إذا ؟! مَن لا يعرف بأن كل قوم بذلوا قصارى جهدهم ليهلكوني، ولكني لم أهلك على الرغم من جهودهم المضنية، بل ظللت أزدهر يوما إثر يوم حتى زاد عدد جماعتي على مئتي ألف مبايع.فلو لم تكن يد الله الخفية معي، ولو كان مشروعي كله مجرد كيد الإنسان؛ لصرتُ حتما عرضة سهم من تلك السهام المختلفة ولدمرت منذ فترة طويلة، ولما وُجد حتى لقبري أي أثر؛ لأن الذي يفتري على الله الكذب تظهر لهلاكه عدة سبل؛ لأن الله يكون عدوا له.ولكن الله تعالى أنقذني من جميع مكايدهم كما أخبر قبل ٢٤ عاما.
ΕΛ ثم ما أجلاه من تأييد! إذ أخبرني الله تعالى في "البراهين الأحمدية" بكلمات واضحة في زمن خمولي وعزلتي قائلاً: سأنصرك وأجعل معك أناسا كثيرين، وأخيب آمال الذين يتصدون لذلك.ففكروا بقلب نزيه وسليم، ما أبرزه من تأييد! وما أوضحها من آية! هل يملك أحد تحت أديم السماء قدرة- إنسانا كان أم شيطانا لينبئ بنبوءة كهذه في زمن خموله، ثم تتحقق بجلاء تام؟ وأن يهب ألوف من الأعداء دون أن يعيق أحد تحققها؟ من والشرط الرابع هو: هل ردَّ المدّعي ردًّا مفحما على اعتراضات أثارها الأعداء أم لا؟ لقد تحققت هذه النبوءة أيضا بكل جلاء؛ لأنه كان أكبر اعتراضات المعارضين أن المسيح الموعود هو عيسى الله نفسه، وهو الذي سيعود إلى الدنيا بعينه.فرددت عليهم أنه قد ثبت من القرآن الكريم أن عيسى اللي قد مات؛ ولن يعود إلى الدنيا أبدا، فقد قال تعالى على لسان المسيح اللة: قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّه قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقِّ إِنْ كُنْتَ قُلْتَهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسَكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوب " مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ربي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ، ولا أدري ماذا فعلوا بعدي.يتبين من هذه الآيات أن عيسى ال سيقول يوم القيامة: إن النصارى لم ينحرفوا في حياتي، ولم أعرف بعد مماتي ما آلت إليه حالتهم.فلو سلمنا أن عيسى اللي مازال حيا؛ فلا بد من التسليم أيضا أن النصارى لم ينحرفوا بعد، بل لا يزالون ثابتين على دين صادق.إضافة إلى ذلك فإن عيسى العليا يُظهر عدم علمه بانحراف النصارى بعد وفاته ويقول: يارب لا أعرف عن حالة قومي شيئا منذ أن أمتَني.فلو صح القول بأنه سيعود إلى الدنيا قبل القيامة وسيحارب الكفار في معيّة المهدي؛ لبطلت هذه الآية القرآنية والعياذ بالله، أو نضطر إلى المائدة: ۱۱۷ - ۱۱۸
٤٩ قبول أن عيسى ال سيكذب في حضرة الله يوم القيامة، وسيكتم عودته إلى الدنيا ومكثه فيها أربعين عاما ومحاربته النصارى في معية المهدي.قصارى الكلام، أنه لو كان أحد مؤمنا بالقرآن الكريم لبطلت بهذه الآية السماء وحدها الخطة القائلة بمجيء مهدي سفاك ونزول عيسى العليا من لنصرته والذي يعتنق هذا الاعتقاد يهجر القرآن الكريم دون أدنى شك.عندما يُغلَب معارضونا على أمرهم في كل محال يقولون في الأخير: إن بعضا من أنبائك لم يتحقق، كالنبأ عن "آتهم".أتساءل أين آتهم الآن؟ إن مغزى النبوءة كانت أن الكاذب سيموت في حياة الصادق، فمات آتهم، أما أنا فما زلتُ حيا.ثم إن النبوءة كانت شرطية؛ أي كان ميعادها مرتبطا بشرط مذكور فيها.فلأن آتهم ظل مذعورا بعد الاطلاع على النبوءة؛ فقد حقق الشرط، لذلك أعطي مهلة بضعة أشهر أخرى.ولكن من المؤسف حقا أن مثيري مثل هذا الاعتراض لا يفكرون أن النبي يونس أيضا أنبأ دون أن يرافق نبوءته أي شرط قط- كما ورد في سفر النبي يونان ولكن النبوءة لم تتحقق.الحق أن أنباء الوعيد (أي التي وعد فيها بنزول العذاب على أحد) تكون مشروطة عند الله دائما بشرط التوبة أو الصدقات أو بإظهار الخوف، ويمكن أن يتأخر تحققها أو تزول نهائيا نتيجة التوبة والاستغفار والصدقة وخشية الله، وإلا لا يمكن اعتبار النبي يونس نبيا أصلا؛ لأن نبوءته القطعية لم تتحقق.إن مشيئة الله تعالى المتعلقة بعذاب محرم؛ يمكن أن تزول نتيجة الصدقات والدعاء، ويمكن أن تزول بمجرد الخوف أيضا.فحصيلة النبوءات عن العذاب هي أن الله تعالى إذا أراد أن يعذب أحدا؛ وأظهر إرادته هذه على نبي من الأنبياء، فلماذا يمكن أن تزول تلك المشيئة نتيجة الدعاء والصدقات إذا لم يكن الله قد أظهرها على نبي، وإذا أظهرها فلا يمكن زوالها ؟ هذه الفكرة سخف محض وفيها معارضة الأنبياء جميعا.إضافة إلى ذلك، تكون بعض الأنباء مجملة وبعضها من المتشابهات فتنكشف حقيقتها فيما بعد.صحيح أيضا أنه يمكن أن يخطئ اجتهاد نبي أحيانا عند
٥٠ الاستنباط من نبوءة، ولكن لا غضاضة في ذلك لأن النبي أيضا بشر.لقد أنبأ عيسى ال بأن اثني عشر من حوارييه سيجلسون على العرش في الجنة، ولكن هذا لم يتحقق؛ إذ ارتد أحدهم واستحق جهنم وقال أيضا بأن أناسا من عصره يكونون أحياء حين عودته إلى الدنيا ثانية و لم يتحقق ذلك أيضا.وهناك أنباء عديدة لعيسى اللي لم تتحقق بسبب الخطأ في الاجتهاد.لم باختصار، كانت هذه أخطاء اجتهادية.أما فيما يتعلق بنبوءاتي؛ فلو سمعها أظهرت أحد بالصبر وصدق القلب لوجد أن أكثر من مائة ألف نبوءة وآية قد تأييدا لي.فمن الوقاحة المتناهية ألا يستفيدوا من آلاف النبوءات التي ويجعلوا نبوءة واحدة لم يفهموها عرضة للاعتراض ويثيروا ضجة ويصدروا قرارهم بناء على هذه النبوءة الوحيدة.إنني أمل وأقول بكل ثقة ويقين: لو مكث أحد عندي ولو أربعين يوما لرأى آية حتما ن أنهى كلامي وأنا موقن بأن في ذلك كفاية للباحث عن الحق.والسلام على من اتبع الراقم ميرزا غلام أحمد القادياني الهدى.
10 الحاشية استفسرني اليوم- في رسالة بتاريخ ١٩٠٢/٩/٢م- شخص يُدعى حكيم مرزا محمود الإيراني، معنى الآية: ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِيَّةٍ.فليكن واضحا أن هذه الآية القرآنية تحمل في طياتها أسرارا كثيرة تستحيل هو الإحاطة بها، وتحت ظاهرها باطن أيضا.ومعناها الذي كشفه الله تعالى عليّ.أن هذه الآية مع سياقها تضم نبوءة عن المسيح الموعود وتحدد وقت ظهوره.وبيان ذلك أن المسيح الموعود أيضا ذو القرنين.وفي الآية القرآنية إشارة إلى أن ذلك المسيح الموعود الذي سيظهر يوما ما؛ ستشمل ولادته وبعثته قرنين، وهذا ينطبق علي تماما.فقد ظهر وجودي في قرنين معروفين سواء كانا بحسب التقويم الهجري أو الميلادي أو التقويم الهندي، بحيث كان ظهوري في قرنين في كل الأحوال، وما اقتصرت فترة ولادتي وبعثتي على قرن واحد فقط.باختصار، فإن ولادتي وبعثتي لم تقتصرا - بحسب علمي- على قرن واحد لأي دين كان، بل امتدتا إلى قرن ثان أيضا.فأنا ذو القرنين بهذا المعنى.ففي بعض الأحاديث أيضا سمّي المسيح الموعود ذو القرنين، ومعنى ذي القرنين الذي ذهبتُ إليه؛ هو المعنى نفسه المذكور في تلك الأحاديث.والمعاني الأخرى للآية، بحسب النبوءة، هي أن هناك قومين كبيرين في الدنيا بشروا بالمسيح الموعود، وجعلوا أحق بدعوة المسيح قبل غيرهما.فيقول الله تعالى هنا على سبيل الاستعارة: إن المسيح الموعود الذي هو ذو القرنين- سيجد أثناء سيره قومين؛ قوما متربعا في ظلام على عين آسنة لا يصلح ماؤها للشرب، بل فيها وحل كريه الرائحة جدا لدرجة لا يصح أن يسمَّى ماء أصلا.وهم قوم المسيحيين الجالسين في الظلام؛ الذين جعلوا عين المسيح آسنة وذات رائحة كريهة بسبب الكهف: ۸۷
۰۲ أخطائهم.وفي سيره الثاني سيجد المسيح الموعود الذي هو ذو القرنين- قوما جالسين في حرّ الشمس المحرقة ولا سِتْرَ بينهم وبين حرّ الشمس.لم ينالوا من الشمس نورا، بل كان نصيبهم منها احتراق أبدانهم بحرها، واسوداد جلودهم.والمراد من هذا القوم هم المسلمون الذين يواجهون الشمس، ولكنهم مع ذلك لم يستفيدوا من نورها شيئا إلا الاحتراق أي قد أُعطوا نور شمس التوحيد، ولكنهم لم ينالوا منها نورا حقيقيا سوى الاحتراق بمعنى أنهم فقدوا جمال الدين الحقيقي، وافتقروا إلى الأخلاق الفاضلة، ولم يكن من نصيبهم إلا العناد والبغض وحدة الطبع والتصرفات الهمجية.فملخص الكلام أن الله تعالى يقول هنا إن المسيح الموعود- الذي هو ذو القرنين- سيأتي حين يكون المسيحيون في ظلام دامس، ولن يكون في نصيبهم إلا حمأ مسنون.أما المسلمون فلن يكون عندهم إلا توحيد ظاهري، ويكونون قد احترقوا بنار العناد والهمجية، ولن يكون هناك توحيد نزيه.ثم سيجد المسيح الموعود- الذي هو ذو القرنين قوما ثالثا متضايقا جدا من يأجوج ومأجوج، ويكونون ثابتين على الدين بقوة، وذوو طبائع سليمة، فيستعينون بالمسيح الموعود الذي هو ذو القرنين ليجتنبوا صولات يأجوج ومأجوج، فيجعل لهم المسيح الموعود سدا منيعا لامعًا؛ أي يعلمهم براهين قوية في تأييد الإسلام، ويسد بما هجمات يأجوج ومأجوج كليا، وسيمسح دموعهم، ويعينهم بكل طريقة ممكنة ويكون معهم.وهذه إشارة إلى الذين يؤمنون بي.هذه نبوءة عظيمة الشأن؛ وقد أُنبئ فيها بصراحة كاملة بظهوري وبوقت بعثتي وبجماعتي.فطوبى للذي يقرأ هذه النبوءات بتدبر.من سنة القرآن الكريم أنه يذكر في نبوءاته أحدا، ولكن يكون المراد هو النبوءة عن المستقبل؛ كما وردت في سورة يوسف نبوءة من هذا النوع؛ إذ ذُكرت في الظاهر قصة، ولكنها تتضمن نبوءة.فكما نظر إخوة يوسف إليه في البداية بازدراء وتحقير ثم صار حاكما عليهم في نهاية المطاف، فإن ذلك ما
۰۳ سيحدث الآن أيضا مع قريش.وبالطريقة نفسها رفض أولئك الناسُ النبي ﷺ هذا وأخرجوه من مكة، ولكن الذي رفضوه جُعل مقتداهم وحاكما عليهم.فمن الغريب حقا أن ترد في القرآن الكريم عن المسيح الموعود- أي عن العبد المتواضع - نبوءات متكررة إلى هذا الحد، ثم يقول بعض الذين لا يملكون البصيرة؛ إنه لم يرد في القرآن الكريم أي ذكر للمسيح الموعود! إن مثلهم كمثل المسيحيين الذين لا يزالون يقولون: إنه لم ترد عن رسول الله ﷺ نبوءة في روح التوراة.ترجمة بيتين فارسيين: " أعينهم وآذانهم ،مفتوحة، وذكاؤهم وقاد ، ولكن يا عجباً إنهم لا يرون الله کنانتهم بالسهام مليئة، والصيد على مقربة منهم ولكنهم يطلقون السهام إلى مكان بعيد".الراقم ميرزا غلام أحمد القادياني