Language: AR
لقد نُشر هذا المقال القيّم لسلطان القلم، المسيح الموعود والمهدي عليه السلام في مجلة "مقارنة الأديان"، في عددها الأردي لشهر أيار/مايو 1902م. مسودة هذا المقال مكتوبة بيد المسيح الموعود عليه السلام وهي محفوظة عند مرزا عبد الصمد سكرتير لمجلس الوصية. لقد أضيف هذا المقال في سلسلة الخزائن الروحانية لأول مرة بإذن من سيدنا أمير المؤمنين، الخليفة الخامس للمسيح الموعود عليه السلام.
عصمة الأنبياء عليهم السلام عصمة الأنبياء عليهم السلام كيف يمكن الفوز بالنجاة وما فلسفتها الحقيقية؟ حضرة مرزا غلام أحمد القادياني العليا المسيح الموعود والإمام المهدي
عصمة الأنبياء عليهم السلام
عصمة الأنبياء عليهم السلام نحمده ونصلي على رسوله الكريم كيف يمكن الفوز بالنجاة وما فلسفتها الحقيقية؟ إن مسألة النجاة والشفاعة مسألة جليلة الشأن وذات بال من بين المسائل الدينية لدرجة تنتهي عندها جميع أهداف الالتزام بالدين، وهـــي آية جلية وبينة لاختبار صدق دين وحقانيته، ويُعلم بناء عليها بكل يقين واطمئنان صدق أي دين وإن كان من عند الله في الحقيقة.و حيح تماما أن الدين الذي لم يبين هذه المسألة بطريقة سليمة أو لم يُر في فرقته نماذج الحائزين على النجاة بتميز بين وجلي، فلا حاجة إلى دليل آخـــــر على بطلانه.أما الدين الذي کشف عن حقيقة النجاة بكمال الصحة، وليس ذلك فحسب، بل قدّم أيضا في عصره أناسا نفخت فيهم روح النجاة بالكامل، فقد ختم أنه صادق ومن عند الله.
عصمة الأنبياء عليهم السلام بسبب مئات أنواع الغفلة والحجب، وصولات النفس والزلات، والضعف والجهل والظلمات والعثار في كل خطوة والأخطار المتتالية والوساوس وآفات الدنيا وبلاياها المختلفة الأصناف والألوان، فإن كل إنسان بطبيعته يشعر في قلبه بأنه بحاجة حتما إلى يد قوية تنقذه من جميع هذه المكروهات؛ لأنه ضعيف بطبيعته، فلا يستطيع أن يثق بنفسه لحظة واحدة بأنه قادر بنفسه على الخروج من ظلمات النفس.هذه شهادة ضمير الإنسان، وإضافة إلى ذلك لو تمعن المرء في الموضوع لوجد أن العقل السليم أيضا يقتضى شفيعا من أجل النجاة لأن الله تعالى في ذروة التطهر والتقدس، والإنسان في الدرك الأسفل من الظلمة والمعصية والكدورة، وبسبب فقدان الصلة والتشابه لا تستحق فئة عامة الناس أن تحظى بالنجاة بنيل الفيض من الله مباشرة.لذا فقد اقتضت حكمة الله ورحمته أن يكون بعض الكمَّل الذين لهم أفضلية خاصة مــن حيــث فطرتهم واسطة بينه الله وبين البشر.وينبغي أن يكون هؤلاء من الذين حازت فطرتهم جزءا من الصفات اللاهوتية وجزءا من الصفات الناسوتية؛ ليقتبسوا نصيبا من فيض الله بسبب علاقتــهـم بـ باللاهوت وبسبب علاقتهم بالناسوت، يوصلوا إلى الأسفل فيضا نالوه من الأعلى، أي إلى البشر، وذلك بسبب علاقتهم بالناسوت.صحيح تماما القول بأن هؤلاء الناس يمتازون عن غيرهم من البشر بوجه خاص بسبب زيـــــادة
عصمة الأنبياء عليهم السلام كمال اللاهوت والناسوت فيهم وكأنهم خلق آخر تماما؛ لأن الحماس الذي يُعطونه لإظهار جلال الله وعظمته والقدر الذي تُملأ به قلوبهم بعواطف الإخلاص، والقدر الذي يُعطون من الحماس لمواساة البشر، إنما هو أمر يفوق العادة لدرجة يتعذر على الآخرين تصوره.من الجدير بالذكر أيضا بأن هؤلاء الناس لا يكونون على مستوى واحد بل يحتل بعضهم مرتبة عليا من حيث الفضائل الفطرية ومنهم من هم دون ذلك وهلم جرا.والضمير النقي لذي عقل سليم يفهم جيدا أن مسألة الشفاعة ليست مخترعة أو مختلقة بل يوجد نظائرهــا في النظـــام الذي وضعه الله تعالى منذ القدم، وتوجد شهادات صريحة عليها في نواميس الله في الطبيعة.والآن، يجب أن تُفهَم فلسفة الشفاعة على أن "الشفع" يعني الزوج في العربية وهو خلاف الوتر.ففي كلمة "الشفاعة" إشارة إلى أمر مهم وهو من صفات الشفيع أن يكون حائزا على الاتحاد مع الطرفين؛ بمعنى أن يكون من ناحية على علاقة متينة مع له الله الله حتى يصبح كالشفع والربط بسبب كمال الاتحاد، كذلك يجب أن يكون علـــى علاقة متينة مع المخلوق أيضا وكأنه جزء من أعضائهم.فالحق أن تحقق تأثير الشفاعة يعتمد على هذين الجزأين.وهذا هو السر في أن حكمة الله خلقت آدمَ على هذا النحو إذ أنشأت في فطرته نوعين من
عصمة الأنبياء عليهم السلام العلاقة منذ البداية؛ فمن ناحية أنشأت علاقته بالله تعالى كما جاء في القرآن الكريم: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَحْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ، أي فقعوا أيها الملائكة، له ساجدين فورا".يتبين مـــن الحجر: ٣٠ الحاشية: في هذه الآية إشارة إلى سر عميق يمثل علامة الكمال البالغ منتهاه، وهو أن الإنسان في البداية يملك صورة الإنسان فحسب، ولكنه يكون بلا حيـــاة داخليا ولا روحانية فيه من أي نوع.ففي هذه الحالة لا يخدمه الملائكة لأنه يكون قشرا دون مغزى.ثم يأتي رويدا رويدا على الإنسان السعيد زمن يتقرب فيه إلى الله كثيرا.وحين تصبح نفسه مقابل نور الله ذي الجلال تماما ولا يبقـــى بينهما حجاب ليحجب هذا النور، يدخل الإنسان دون أدنى تأخير نور الألوهية الذي يمكن بتعبير آخر أن نسميه "روح الله"..وتلك الحالة الخاصة التي قيل عنها في الله بأن الله نفخ روحه في آدم وفي هذه المرحلة يؤمر الملائكة –ليس تكلفا کلام هي ولا كأمر من أوامر الشريعة - أن يسجدوا له أي يطيعوه طاعة كاملة وكأنهم له ساجدون هذا الأمر يلازم فطرة الملائكة وليس أمرا مستحدثا.أي أن الملائكة بطبيعتهم يشعرون بأن من واجبهم أن يخرّوا لخدمة الشخص الذي يأتي منصبغا بصبغة هنا هي الله هي في تعالى، وهذه الأمور ليست قصصا في الحقيقة بل قد جرت سنة الله القرآن الكريم أن تكون تحت هذه القصص حقيقة علمية.فتلك الحقيقة العلميــة أن الله تعالى أراد أن يبين في هذه القصة ما علامة الإنسان الكامل، فقال: (۱) إن علامة الإنسان الكامل هي ألا يكون حظه ناقصا من أي جهة من حيث خلق الإنسان وتكون أعضاؤه الروحانية والجسدية قد نالت حظا كاملا من حيث الخلق البشري وتكون فطرته على اعتدال كامل.
LAV الآية المذكورة آنفا بجلاء أن الله و نفخ في آدم روحه بعد خلقه فورا وأنشأ علاقة فطرية معه.وفعل ذلك كي تكون للإنسان علاقــــة فطرية مع الله الله كذلك كان ضروريا من جانب آخر أن تكون له علاقة فطرية مع الذين يُسمَّون بشرا، لأنه عندما يكون وجودهم من آدم، أي عظامهم من عظامه ولحمهم من لحمه، فسينالون مستمدا حتما نصيبا من هذه الروح التي نُفخت في آدم، لذا سيكون آدم شفيعا لهم بصورة طبيعية، لأن الصدق الذي أودع فطرة آدم بسبب نفخ الروح لا بد أن ينال نصيبا منه أيضا الشخص الذي خرج منه، كمـا هو واضح أن ولد كل حيوان يأخذ نصيبا من صفاته وأفعاله.وهـذه حقيقة الشفاعة أن يأخذ الوارث الفطري نصيبا من مورثه.لأنــــه كما بينت من قبل أن كلمة "الشفاعة" مستمدة من مصدر "الشفع" هي هي (۲) العلامة الثانية هي أن تكون الروح الإلهية قد دخلته.(۳) العلامة الثالثة أن يسجد له الملائكة.أي يكون جميع الملائكة في السماوات والأرض مسخرين كخدام له ويعملوا بحسب مشيئته.الحق أنه عندما يكون الله تعالى مع عبده يرافقه أيضا جـيش ملائكتـه كـلـهـم ويخضعون له؛ فينصرونه في كل موطن وعند مواجهته أي موقف صعب، ويكونون على أتم الاستعداد لطاعته في كل حين وآن، وكأنهم يسجدون له دائما لأنه خليفة الله.لكن لا يفقه هذه الأمور ذوو الأفكار الأرضية لأنهم لم يُعطوا نصيبا من الروح السماوية، منه.
الله، الذي يعني الزوج، فالذي يكون بفطرته زوجا لشخص آخر سيأخذ نصيبا من صفاته حتمًا.فعلى هذا المبدأ تجري سلسلة التوارث الخلقي؛ أي أن ولد الإنسان ينال نصيبا من قوى الإنسان، والمهر يقتبس نصيبا من قوى الفرس وولد الشاة يستمد نصيبا من قواهـــا.وهذه الوراثة تسمّى بتعبير آخر الاستفاضة من الشفاعة، لأن أصل الشفاعة هو "الشفع" أي الزوج.إذا، فإن مدار الاستفاضة من الشفاعة كله أن تكون بين المستفيض والذي يريد الاستفاضة من شفاعته علاقة فطرية لتنال فطرته أيضا كل ما أُودعت فطرة الشفيع.إن هذه العلاقة كمــــا هي موجودة في فطرة الإنسان كهبة من بمعنى أن كل إنسان جزء من إنسان آخر، كذلك هي في ازدياد مستمر من حيـث الكســب أيضا، بمعنى أنه عندما يودّ أحد أن يزداد حبه للخلق ومواساته لهـــم، وهذه موجودة في فطرته سابقا، فيزداد فعلا بقدر دائرة فطرتـه و علاقته؛ فبناء على ذلك تموج قوة الحب بحيث يزداد أحد حبا لأحد حتى لا يستقر له قرار دون أن يراه، فتؤثر شدة حبه على قلب الآخر في نهاية المطاف.مَن يحبّ أحدًا إلى أقصى الحدود يطلب له الخير أيضا بوجه كامل وصادق فهذه الظاهرة ملحوظة ومحسوسة في الأمهات تجاه أولادهن.
إذا، إن أصل الشفاعة هو الحب حين يكون مصحوبا بالعلاقــــة الفطرية، لأن كمال الحب الذي هو شرط للشفاعة مستحيل دون العلاقة الفطرية.ولإيداع هذه العلاقة في فطرة الإنسان لم يخلق الله حواء منفصلة بل أخرجها من ضلع آدم، كما قال في القرآن الكريم: وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا...أي خلق زوج آدم أي حواء من وجوده لتكون علاقة آدم مع حواء وأولادها طبيعية لا مصطنعة.وفعل ذلك لتدوم العلاقــــة والمواساة بين بني آدم لأن العلاقات الطبيعية لا تنفك، ولكن العلاقــــات غير الطبيعية لا تدوم، لأنه لا يوجد فيها جذب متبادل كما في العلاقــــة الطبيعية.باختصار، فقد خلق الله تعالى بصورة طبيعية كلتا العلاقتين اللتين الله كانتا ضروريتين لآدم؛ مع الناس ومع يتبين من هذا البيان بكل جلاء أن الإنسان الكامل الذي يحق لــه أن يكون شفيعا هو ذلك الذي يكون حائزا على نصيب كامل من هاتين العلاقتين، ولا يمكن لأحد أن يكون إنسانا كاملا دون حيازة هذين الكمالين.لذا فقد جرت سنّة الله من بعد آدم أن جعلت هاتان العلاقتان ضروريتين لكل إنسان كامل يمكن أن يكون شفيعا أولا: تفخت فيهم الروح السماوية فاتصل الله تعالى بهم وكأنه نزل فيهم.النساء: ٢
ثانيا: إن علاقة الزواج بين البشر التي أحكمت بالحب والمواساة المتبادلة بين آدم وحواء جُعلت تتجلّى فيهم أكثر من غيرهم، ونتيجة لذلك رغبوا في الزوجات أيضا.وهذه أول علامة على أنهم يتحلون بعاطفة مواساة البشر.وإلى ذلك يشير الحديث الشريف الذي جــاء فيه: "خيركم خيركم بأهله"..أي أن أكثركم مواساة لبني البشر هو مَن يحسن معاملة زوجته أولا ولكن الذي يعامل زوجته بالظلم والشر لا يمكن أن يعامل الآخرين ،بالخير، لأن الله تعالى خلق آدم وجعل زوجته أول مصداق لحبه.فالذي لا يحب زوجته أو ليست له زوجة أصلا فهو ساقط عن مرتبة الإنسان الكامل، ويعوزه شرط من شرطي الشفاعة؛ لذا لا يحق له الشفاعة وإن كان يحظى بالعصمة.ولكن الذي ينكح زوجة يضع لنفسه أساسا لمواساة البشرية، لأن الزوجة تكون سببا لعلاقات كثيرة، إذ تنجب الأولاد فيصبح لهــم زوجات، فتكون هناك جدات للأولاد من الأم وأخوال وغيرهم من الأقارب.وبذلك يعتاد مثل هذا الإنسان على المواساة تلقائيا.فتتوسع دائرة عادته هذه وتعطي الجميع نصيبا من مواساته.أما الذين يتربون كالرهبان فلا يجدون فرصة لتوسيع دائرة عادتهم هذه فتبقى قلوبهم قاسية ومتصلبة.
الحق أنه لا علاقة حقيقية للعصمة بالشفاعة، لأن مفهوم العصمة يقتصر على أن يُعصم الإنسان من الآثام فقط.والمراد من الإثم أن ينقض المرء أمر الله عمدا ويستحق العقاب.فمن الواضح أنه لا تلازم ذاتيا بين العصمة والشفاعة، لأن الأطفال غير المدركين والمجانين بالولادة أيضا أبرياء بحسب الشرح المذكور آنفا لأنهم لا يقدرون على أن يرتكبوا إنما عمدا ولا يستحقون عقابا عند الله الحاشية: ما دام معنى الإثم من منطلق العقل والعدل هو أنه يُطلق على فعـــل حين ينقض به الإنسان أمرا من أوامر الله فهو يستحق عقابه، ففي هـــــذه الحالــــة يكون وجود أمر الله ضروريا قبل صدور الإثم، وأن يكون قد بلغ أيضا مرتكـــــب الإثم، ويمكن للعقل أن يحكم على مرتكب الإثم أنه قد استحق العقوبة فعلا نتيجة ارتكابه هذا الفعل.(أمثلة الاستثناء): زيد يسكن في بلد ناء لم تبلغه شريعة الله.فإذا نقض حكما أو أكثر من أحكام الشريعة فلن يُعد محرما لنقضه أوامر الله ل لأنه لم يطلع على الشريعة ولكنه إذا بدأ بعبادة الأصنام في حال رجاحة عقله وفهمه وانحرف عـــــن وحدانية الله، فهو محرم وإن لم تبلغه الشريعة لأن التوحيد الذي جاء بـه القـــرآن ليس بالأمر الذي ليس منقوشا في فطرة الإنسان مثل ثالوث المسيحيين، بل هـو محفور في فطرة البشر منذ الأزل.لذا فإن إطلاعه على الشريعة ليس ضروريا لنقضه بل إن وجود العقل الإنساني هو الضروري فقط.وإذا كانت الشريعة موجودة وبلغت أحدا ولكنه غير مدرك أو مجنون وارتكب في هذه الحالة فعلا يُعد عند الشريعة إثما؛ فلن يستحق العقوبة لأنه لم يُعط العقل الإنساني.فهو بريء مع وجود الشريعة، منه.
ذلك نتيجة ارتكابهم أي عمل فهم يستحقون دون شك أن يُعدوا معصومين.ولكن هل يحق لهم أيضا أن يكونوا شفعاء للناس ويســـــوا منجين؟ فيتبين من بوضوح أنه لا علاقة حقيقية بين عصمة أحد وكونه منجيا.ولا يعقل قطعا أن يكون هناك علاقة حقيقية بين العصمة والشفاعة.غير أن العقل يُدرك جيدا أنه ضروري للشفيع أن يتحلــــى بكلتا العلاقتين المذكورتين من قبل.ويحكم العقل دون أدنى تردد أنه إذا وجدت فيه إحدى هاتين الصفتين، أي أن تكون له صلة متينة بالله تعالى من ناحية، ومن ناحية أخرى يكون على علاقة قوية مع الخلق مبنية على الحب والمواساة؛ فلا شك أن هذا الشخص سيشفع بحماس قلبي للذين لم يقطعوا علاقتهم به قصدا وستُقبل ،شفاعته، لأن الذي أودعت فطرته هاتين العلاقتين سيكون جاذبا للفيض حتما بسبب حبه التام الله تعالى ثم يوصل الفيض نفسه إلى الخلق نتيجة حبه التام لهم أيضا.وهذه هي الكيفية التي تُسمى الشفاعة بتعبير آخر.ومن المحتوم للشفيع كما قلــت قبل قليل، بأن يكون على علاقة متينة بالله تعالى وكأن الله قد حـــل في قلبه، وتكون بشريته قد ماتت كليا وظهر التجلّي اللاهوتي في كل ذرة من ،کیانه وسالت روحه على عتبات الله بعد الذوبان كالماء، وبذلك قد بلغت منتهى قرب الله تعالى.
ark كذلك من الضروري أيضا للشفيع أن يكون قلبــه خفاقـــا بشــــدة مواساة لمن يشفع له وكأنه على وشك أن يُغشى عليه، وكأن أعضاءه على وشك الانفصال عن جسده من شدة القلق والاضطراب، وكأن حواسه متشتتة.وتكون مواساته قد أبلغته درجةً تفوق مكانة الأب والأم، وتفوق كل مواس وناصح أمين.فعندما تتولد فيه هاتان الحالتان، يصبح زوجا من حيث مقام اللاهوت، وزوجا من ناحية أخـــرى مـــن حيث مقام الناسوت أيضا.عندها تكون كلتا كفتي الميزان متساويتين.أي يكون مظهرا كاملا للاهوت ومظهرا كاملا للناســـوت أيضا، وسيكون في كلتا الحالتين بصورة البرزخ.مثل فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم أن النبي لقطة البرزخ أي مقام الشفاعة شفيع مشيرا إلى هذا المقام للشفاعة: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * اللاهوت الناسوت منه فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْن أَوْ أَدْنَى أي صعد هذا الرسول إلى الله واقترب قدر الإمكان واجتاز كمالات القرب ،كلها ونال حظا كاملا من مقام اللاهوت، ثم رجع إلى الناسوت رجوعا كاملا، أي أوصل نفسه إلى منتهى العبودية ونال حظا كاملا من مستلزمات البشرية الطاهرة، مثل مواساة البشر وحبهم الذي يُسمّى كمال الناسوت.وبذلك بلغ درجة وكذلك بلغ الكمال في حب البشر.فما دام قـــــد الكمال في حب الله، النجم: ٩، ١٠
970 دنا إلى الله بوجه كامل ثم تدلّى بوجه كامل إلى البشر؛ لذا صــار - بسبب تساوي القرب من الجهتين - كوثر بين قوسين، فوجد فيه الشرط الواجب وجوده في الشفاعة.وشهد الله تعالى في كلامه المجيد أنــــه صار بين نوعه وبين ربه كالوتر بين القوسين.ويقول الله تعالى في آية أخرى عن مقام قربـــه: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ِللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أي أخبر النــاس بـأن وجودي قد فني تماما وصارت جلّ عباداتي الله تعالى.وهذه إشارة إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يعبد الله خالصا ما لم يكن كاملا بحيث تكـــــون بعض عبادته الله وبعضها لنفسه؛ لأنه حينذاك يريد العظمــة والتبجيـــل لنفسه كما يجب تعظيم الله وتبجيله.هذه هي حقيقة العبادة.وكذلك يكون جزء من عبادته للمخلوق أيضا؛ لأن العظمة والكبرياء والقدرة والسطوة التي يجب تخصيصها الله تعالى يعطي جزءا من تلـك العظمــة والقدرة للخلق أيضا.فكما يعبد الله، كذلك يعبد النفس والمخلوق، بل يخصص جزءا من عبادته لجميع الأسباب السفلية أيضا بوجه عام، لأنــــه يعد تلك الأسباب شريكة في نظام الإفناء والإبقاء بإزاء مشيئة الله وقدره.فمثل هذا الإنسان الذي يُشرك نفسه تارة في عظمة الله ويشرك المخلوقات والأسباب تارة أخرى لا يمكن أن يكون عابدا صادقا لله ١ الأنعام: ١٦٣
90>.بل العابد الصادق هو ذلك الذي يَرُدُّ كافة أنواع العظمة والكبرياء والقدرة إلى الله تعالى دون غيره.وعندما تبلغ عبادة أحد هذا المبلغ من التوحيد يُعدّ عابدا حقيقيا الله.وهذا الإنسان كما يقول بلسانه أن الله واحد لا شريك له كذلك يشهد على وحدانية الله بفعله، أي بعبادتــــه أيضا.فإلى هذه المرتبة الكاملة أشير في الآية المذكورة آنفا حيث أُمــــر النبي أن يعلن للناس أن عباداتي كلها الله ، أي ليس للنفس والمخلوق والأسباب نصيب منها.ثم قال بعد ذلك بأن نسكي لله وحده، وكذلك حياتي ومماتي أيضا الله رب العالمين.اعلموا أن النسيكة تعني في العربية الذبيحة، وجمعها نُسُك كما ورد في الآية.ومعناها الآخر: العبادة.فقد استخدمت هنا كلمة العبادة تعني والذبيحة أيضا.وهذه إشارة إلى أن العبادة الكاملة التي لا تشاركها النفس ولا المخلوق ولا الأسباب هى نسيكة في الحقيقة.والنسيكة هي العبادة الكاملة في الحقيقة.وأما قوله بعد ذلك إن حياتي رب العالمين؛ فهذه العبارة التي جاءت في الأخير هي شرح للنسيكة لئلا يتوهم أحد أن المراد من النسيكة هو ذبح الماعز أو البقــــرة أو الإبل، وليفهم بوضوح من العبارة: مَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أن المراد من النسيكة أو القربان هنا هو التضحية بالروح.إن الكاملة ومماتي الله
كلمة "قربان" مستمدة من القرب.وفي ذلك إشارة إلى أن قرب الله لا ينال إلا حين يطرأ الموتُ على القوى والأعمال النفسانية كلها.باختصار، إن هذه الآية لبرهان عظيم على قرب النبي التام، وإعلان بأن النبي لهلال لو كان فانيا في الله إلى درجة صارت جميع ﷺ أنفــــاس حياته وموته الله وحده، ولم يعد في وجوده أي نصيب للنفس والمخلوق والأسباب.وخرَّت روحه على عتبات الله بإخلاص بحيث لم تبق فيهــــا شائبة من غير الله.فبذلك أكمل لالالالاله على أتم وجه جانبا مــــــن الشــرط الذي لا بد منه للشفيع.والجملة الأخيرة في الآية المذكورة آنفا هي: مَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وفيها إشارة إلى أن تضحيته إنما هي لمصلحة العالم كله والجانب الآخر لشرط الشفاعة هـو مواساة الخلق.ولقد كتبتُ قبل قليل أن الكلمة الثانية من الآية: ﴿دَنَى فَتَدَلَّى أي: "تدلّى"؛ تدلُّ على المواساة نفسها.ليكن معلوما أن مصدر "تدلّى" هو "دلو" ، ومعناه إرسال الدلو في البئر ليمتلئ ماء.ومعناه الثاني هو اتخاذ المرء أحدا شفيعا لــه.فمعنى "التدلّي" هو التوجه - من أجل الشفاعة - إلى الناس البعيدين بكمــــال المواساة والنصح، والاقتراب منهم كثيرا، وإبعاد الماء الكدر عنهم وإعطاؤهم الماء النقي الطاهر.
ولما كان حب الله والوصول في حبه إلى أعلى مقام القرب أمرا لا يطلع عليه سوى صاحبه، فقد كشف الله تعالى عن أعمال النبي ﷺ التي تُثبت أنه آثر الله له على كل شيء في الحقيقة، وقد أُشربت كـــل ذرة من كيانه حب الله وعظمته، فكان وجوده مرآة لمشاهدة تجليات الله كاملةً.وبقدر ما يستطيع العقل أن يتصور من علامات حب الله الكامل فهى موجودة كلها في شخص النبي.من الواضح أن الذي يحب أحدا فإنما يحبه إما بسبب إحسانه إليه أو بسبب حسنه، لأن تجربة جميع بني آدم المتفق عليها منذ خلق الإنســــان تقول بأن الإحسان يدفع إلى الحب.ومع أن هناك تفاوتا كبيرا بــين طبائع البشر إلا أنه توجد في كافة أفراد البشرية خاصية التأثر بالإحسان بقدر موهبتهم وإنشاء حب المحسن في قلوبهم، لدرجة أنه يتأثر بالإحسان حتى الخسة من الناس وقساة القلوب جـدا واللثــام مثــل اللصوص والنهاب وغيرهم من المجرمين الذين يكسبون معاشهم بجرائم مختلفة أيضا.فمثلا إذا أتيحت للص الذي شغله النهب والسرقة الفرصة ليلا لنقب بيتين وكان أحدهما بيت شخص أحسن إليه فيما سبق والآخر غريب عنه، فلن يستحسن طبعه مع كونــه قــذرا إلى أقصى الدرجات أن يترك بيت الغريب عمدا وينقب بيت صديقه.بل هـذه الصفة توجد في الحيوانات والضواري أيضا، فضلا عن الإنسان، فهي لا
تهاجم المحسن إليها.لقد جرّب كثير من الناس طبيعة الكلب وسيرته بهذا الصدد وكيفية طاعته للمحسن إليه فلا شك أن الإحسان يدفع إلى الحب.كذلك الحسن أيضا يدفع إلى الحب كما هـو معلــوم لأن في مشاهدة الحسن متعة والإنسان بطبعه يميل إلى أشياء يستمتع بها.وليس المراد من الحسن هو ملامح الجسد فقط بمعنى أن تكون العــيـن كــذا والأنف كذا، وأن يكون الجبين كذا واللون كذا، بل المراد منـه هـو المحاسن الذاتية والكمال الذاتي واللطافة الذاتية التي تنطوي على الجذب بسبب الكمال والاعتدال وانقطاع النظير.إذًا، جميع المزايا التي تمدحها فطرة الإنسان تُعَدّ حُسنا وينجذب إليها قلب الإنسان تلقائيا.فمثلا إذا كان هناك مصارع قوي، فريد عصره لدرجة لا يضاهيه أحــد في المصارعة، وليس ذلك فحسب بل يمسك بيده الأسود ويستطيع أن يهزم في ميدان الوغى ألف شخص بشجاعته وقوته، ويقدر على أن يخلص نفسه إن حاصره آلاف الأعداء، فإن هذا الشخص سوف يجذب القلوب تلقائيا، وسيحبه الناس حتما، وإن لم يستفيدوا مــن قوتـه وشجاعته عديمة النظير شيئا، وسواء أكان يسكن في بلد بعيد ما زاره أحدهم، أم كان في زمن خلا، فمع ذلك يسمعون قصصه بالإعجاب، ويحبونه بسبب مزاياه المذكورة آنفا فما السبب وراء هذا الحب؟ هل أحسن هذا الشخص إلى أحد منهم؟ معلوم أنه لم يحسن إلى أحد.إذا
9970 ليس لهذا الحب سبب إلا الحسن فلا شك أن المحاسن الروحانية كلها تدخل في الحسن وتسمَّى حُسن الخلق وحُسن الصفات وتقابل حسن الأخلاق وحسن الخلق.والفرق بين الإحسان وحسن الصفات هو أن خلقا حسنا عند أحد وصفته الحسنة ستُسمى إحسانا في حالة واحدة فقط؛ إذا استمتع واستفاد أحد من ذلك الخلق الحسن أو الصفة الحسنة.فالذي يستفيد من ذلك الخلق الحسن والصفة الحسنة يكون ذلك الخلق الحسن والصفة الحسنة إحسانا بالنسبة إليه وسيذكرها مدحا وشكرا.أما بالنسبة إلى الآخرين فيكون خُلقه الحسن حُسنا.فمثلا تكون صفة الجود والسخاء إحسانا بحق الذي استفاد منها ولكنها ستعدّ الصفات الحسنة في نظر الآخرين.من باختصار، إن قانون الله في الطبيعة، كذلك سنة الله التي لا تزال جارية منذ القدم بل منذ خلق الإنسان تعلّمنا أنه من المحتوم لخلق صلة متينة بالله تعالى أن يستمتع المرء بحسنه وإحسانه.ولقد كتبت قبل قليل أن المراد من الإحسان هو نماذج الأخلاق الإلهية التي شاهدها الإنسان بحقه بأم عينه، أي إذا تولّى الله تعالى أحدا عند الفقــــر وعـــــدم الحيلـــة والضعف واليتم، وقضى بنفسه حوائجه وتكفله عند حاجاته، ونــــــره ل في أحزان قاسية وقاصمة للظهور وهداه ل بنفسه دون مرشد أو هاد عند بحثه عن الله، فذلك إحسان.وكذلك المراد من الحسن صفاتُ
> الكاملة الله الحسنة نفسها التي تلاحظ بصورة الإحسان أيضا، فمثلا إن قدرة الله ورفقه ولطفه وربوبيته ورح حمته التي توجد فيه، وكذلك ربوبيتــــه الملحوظة بوجه عام، والنعم الأخرى كلها الموجودة بكثرة لإراحة الناس، وكذلك علمه الذي يناله المرء بواسطة أنبيائه وينجو بسببه مــــــن الهلاك والدمار، وصفته لالالالالالالا أنه يجيب أدعية المضطرين والمنكوبين.والذين يتوبون إلى الله يتوب الله إليهم أكثر منهم، كل هذه الصفات الإلهية تدخل في قائمة حُسنه.فعندما يستفيد الله أحد من هذه الصفات نفسها بوجه خاص، تصبح إحسانا بالنسبة إليه.والذي يرى صفاته هذه التي هي حسنه وجماله في الحقيقة في صبغة الإحسان أيضا يتقوّى إيمانه كثيرا وينجذب إلى الله كما ينجذب الحديد إلى المغناطيس، ويزداد حبا ويتقوى توكله عليه وال كثيرا.ولأنه يكون قد جرب بنفسه بأن خيره ومصلحته كلها منوطة بالله فتتقوى آماله به عل كثيرا وينيب إليه بطبيعته لا تكلفا ولا تصنعا، ويرى نفسه محتاجا إلى نـــوال نصرة الله دائما، ويستيقن نظرا إلى صفاته الكاملة هذه بأنه حتما، لأنه يكون قد شاهد بأم عينه كثيرا من مشاهد فيض الله وجوده وكرمه فتتدفق أدعيته من عين القوة واليقين.وتكون عزيمته قوية ومحكمــة جدا.وفي نهاية المطاف تداهمه أنوار اليقين نتيجة مشاهدته آلاء الله ونعمائه فتحترق ذاته كليا.وبسبب تصوره عظمة الله وقدرته بكثرة سينجح
يصبح قلبه بيتا الله.وكما لا تنفصل روح الإنسان في حياته عن جسده كذلك لا يحيد هو عن اليقين الذي أُعطيه من الله القادر ذي الجلال بل تجيش بداخله روح طاهرة كل حين وآن وينطق بتعليم تلك الـروح الطاهرة، وتصدر منه الحقائق والمعارف وتبقى عظمة الله ذي العزة والجبروت مخيمة في ساحة قلبه، وتجري لذة اليقين والصدق والح بداخله دائما كالماء الجاري، ويبدو أن كل عضو من أعضائه قد ارتوى بريه؛ فيُرى الارتواء من نوع خاص في عينيه، ويشاهد في جبينـــه نـــور متجدد مترنحا نتيجة تلك السقيا، ويلاحظ مطر حب الله نــــازلا علــــى وجهه وينال لسانه أيضا نصيبا كاملا من ري ذلك النور، فتبدو النضرة بادية على الأعضاء كلها كما تلاحظ بعد إمطار سحابة الربيع النضرة والخضرة الجذابة على أغصان الأشجار وأوراقها وأزهارها وثمارها في فصل الربيع.ولكن الذي لم تنزل عليه هذه الروح و لم يحظ بهذا الري يكون جسمه كله.کمیت وهذا الري والنضرة والطراوة التي يعجز القلم عن شرحها لا يمكن أن يحظى بها قط قلب ميت لم يروه نبع نور اليقين، بل تفوح منه رائحة كريهة ونتنة.أما الذي أُعطي هذا النــــور، والذي تدفق منه هذا النبع، فمن علاماته أن يتمنى قلبه دائما وفي كــل حين أن ينال القوة من الله في كل شيء وفي كل قول وفعل.ففي ذلك
تكمن متعته وراحته، فلا يستطيع أن يعيش بدونه أبدا.والكلمات التي حددت في كلام الله تعالى لنيل القوة معروفة بالاستغفار.المعنى الأصلي والحقيقي للاستغفار هو التماس المرء من الله ألا يظهر ضعفه البشري للعيان، وأن يُسند الله فطرته بقوته ويُحيطهـا بـدائرة حمايته ونصرته.هذه الكلمة مستقاة من مصدر "غفر" وتعني الستر.فمعناها أن يغفر الله تعالى بقدرته الضعف الفطري للمستغفر.ولكن قد وسع معنى هذا اللفظ أكثر بعد ذلك لعامة الناس، وأريد منه أيضا أن الله تعالى الإثم الذي صدر من قبل.ولكن المعنى الحقيقي والصحيح هو أن ينقذ الله تعالى بقوة ألوهيته المستغفِرَ من الضعف الفطري، ويقويه يستر بقوته علمًا ويهبه من علمه ونورا من نوره، لأن الله تعالى لم يتخلّ عن الإنسان بعد خلقه، بل كما هو خالق الإنسان وخالق كافـــة قـــواه الداخلية والخارجية كذلك هو قيوم الإنسان أيضا، أي يقيم بسنده الخاص جُل ما خلقه.فلما كان اسم الله القيوم" أيضا؛ أي قيوم المخلوقات بسنده الخاص؛ وما دام الإنسان قد ولد نتيجة خالقية الله، فيجب عليه أن يحمي ملامح خلقه من الفساد بواسطة قيوميته ، لأن خالقية الله قد أحسنت إلى الإنسان إذ خلقته على صورته.كذلك اقتضت قيومية الله أن تنقذ من الفساد والتوسخ تلك الملامح الإنسانية الطاهرة التي خُلقت بيديه.لذا فقد عُلم الإنسان أن يلتمس القوة
> من قيوميته بالاستغفار.فكان وجود الاستغفار ضروريا وإن لم يوجد ذنب في العالم - لأن الهدف من الاستغفار هو ألا تنهدم بنايــة البشرية التي شيدتها الخالقية بل لتبقى قائمة ولأن قيام شيء دون سند الله مستحيل تماما، فكانت هذه ضرورة طبيعية للإنسان فوجــه إلى الاستغفار.هذا ما أشير إليه في القرآن الكريم: اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ....أي أن وجود الإنسان بحاجة إلى خالق وإلى قيوم أيضا لكي يخلقه الخالق ويحميه القيومُ من الفساد فإن ذلك الإله خالق وقيوم أيضا.وعندما ولد الإنسان انتهت مهمة ،الخالقية ولكن مهمة القيومية مستمرة إلى الأبد، لذلك كانت هناك حاجة إلى الاستغفار باستمرار.باختصار، هناك فيض لكل صفة من صفات الله، ففي سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ إشارة إلى الاستمرار في الاستغفار للحصول على فيض القيومية أي نعبدك يا رب ونستعين بك لتعيننا قيوميتـك وربوبيتك وتنقذنا من العثار حتى لا يظهر منا ضعف فنحرم من العبادة.فالواضح من كل هذا التفصيل أنه ليس معنى الاستغفار أن هناك حقا فات، بل منشؤه أمنية ألا يفوت.حق.وأن فطرة الإنسان تطلب من الله قوة تلقائيا نظرا إلى ضعفها كما يطلب الطفل من أمه الحليب.فكمـا أعطى الله على الإنسان اللسان والعينين والقلب والأذنين وغيرها منذ البقرة: ٢٥٦
البداية كذلك وهبه الرغبة في الاستغفار أيضا منذ البداية، وأشعره بأنـــه بحاجة إلى الاستعانة بالله دائما.هذا ما أشير إليه في الآية الكريمة: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، أي أدعُ الله أن يحمي فطرتك من الضعف البشري، بل يهب الفطرة من عنده قـوة حتى لا يظهر منها ضعف.كذلك ادعُ كشفاعة للذين آمنوا بك من الرجـــال والنساء أن يأمنوا مغبة الأخطاء التي تصدر منهم نتيجة الضعف الطبيعي وأن تكون حياتهم المستقبلية أيضا مصونة من الذنوب.هذه الآية تشتمل على فلسفة عظيمة للعصمة والشفاعة وتشير إلى أن الإنسان لا يبلغ أعلى مقام العصمة ومرتبة الشفاعة إلا إذا استمر في الدعاء في كل حين و آن لوضع حد لنقاط ضعفه والدعاء لإنقاذ الآخرين من سمّ الخطايا، وإذا جذب قوة الله بالتضرعات ثم تمنى أن ينال نصيبا من هذه القوة آخرون الذين يرتبطون به برباط الإيمان الإنسان المعصوم بحاجة إلى طلب القوة من الله لأنه ليس في فطرة الإنسان مزية ذاتية، بل تنالها من الله دائما، ولا تملك قوة في نفسها بل تنالها من الله كـــل حـــين وآن، وليس في ذاتها نور كامل بل ينزل عليها النور من الله.والسر في ذلك أن الفطرة الكاملة تُعطى جذبًا لتجذب القوة العليا إلى نفسها.ولكن وحده، والملائكة أيضا يستمدون القوة الآن مصدر القوة كلها هو الله ۱ محمد: ۲۰
٠٥ لأنفسهم من هذا المصدر، وكذلك الإنسان الكامل أيضا يستمد قـوة العصمة والفضل من مصدر القوة نفسه بواسطة قناة العبودية.فالمعصوم الكامل من بين الناس هو ذلك الذي يجذب القوة الإلهية بالاستغفار.وسلسلة التضرع والخشوع تبقى جارية دائما من أجل هـذا الجــذب لينزل عليه النور باستمرار.ويمكن تشبيه هذا القلب بالبيـت الـذي أبوابه تقابل الشمس من الشرق والغرب بل من كل جهة، فيدخله ضوء الشمس دائما.والذي لا يسأل الله القوة مَثَله كمثل حجرة أبوابها مغلقة من كل الجهات فلا يدخلها الضوء قط.فما هو الاستغفار؟ إن مثله كمثل آلة تنزل القوة بواسطتها.إن أسرار التوحيد كلها مرتبطة بأصل ألا تُحسَب العصمة حكرًا على إنسان، بل يجب أن يُعَدَّ اللهُ وحده مصدر الحصول عليها.إن البارئ تعالى يشبه من باب الاستعارة قلبا يكون فيه الدم النقي دائما.ومثل استغفار الإنسان الكامل كمثل الشرايين والعروق المرتبطة بالقلب التي تجذب منه الدم النقي وتوزّعه على كافة الأعضاء التي تحتاج إليه.- الفرق بين الذنب والجريمة من الخطأ تماما القولُ بأن كلمة "ذنب" المذكورة في الآية: (وَاسْتَغْفِرْ لذنبك تعني الإثم، لأن هناك فرقا بين الذنب والجريمة.الجريمة تُطلق
• دائما على الإثم الذي يستحق العقوبة.أما "الذنب" فتُطلق على الضعف البشري أيضا.لذلك نُسب إلى الأنبياء "الذنب"، بسبب ضعفهم البشري و لم تُنسب إليهم "الجريمة".و لم يُدعَ أي نبي في كتاب الله باسم "المجرم".وقد جاء في كتاب الله أي القرآن الكــريم وعيــد بــالجحيم للمجرم، إذ عهد الله أنه سيلقى في جهنم، و لم يأت أي وعيد للمذنب.كما يقول الله تعالى: مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُحْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيا ، فهنا قال الله: مُجْرمًا ولم يقل: "مذنبا" لأن المذنب يمكن أن يُطلق على البريء أيضا في بعض الحالات، ولكن لا يمكن أن يطلق عليه "المجرم".وهناك دليل آخر أيضا على ذلك، وهو أنه قد جاء في سورة آل عمران: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابِ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا".يتبين من هذه الآيـــة بنص صريح أن جميع الأنبياء بمن فيهم المسيح اللي كانوا مأمورين بالإيمان بالنبي ﷺ وأقروا بأنهم آمنوا به.وإذا قرأنا الآية: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مع الآية المذكورة من قبل واستنبطنا من "الذنب" معنى الجريمة، والعياذ بالله، لكان عیسی العلي أيضا محرما طه: ٧٥ ۲ آل عمران: ۸۲
بحسب هذه الآية لأنه أيضا من المؤمنين الذين آمنوا بالنبي ﷺ الآية، لذا سيُعدّ محرمًا لا محالة على المسيحيين أن يفكروا في هذا المقام سب جيدا.تبين من هذه الآيات بجلاء تام أن "الذنب" هنا لم يأتِ بمعنى الجريمة، بل المراد منه هو الضعف البشري الذي لا يقع عليه اعتراض.ولا بد أن يكون هذا الضعف موجودا في فطرة المخلوقات.وقد سمي الضعف ذنبا لأن هذا النقص والضعف موجود في الإنسان بطبيعته حتى يكون محتاجا إلى الله دائما ويسأل الله القوة دائما للتغلب عليه.ولا شك أنه إن لم تسعف الإنسان قوة الله فلن يسفر ضعفه البشري إلا عن الذنب.فالموصل إلى الذنب قد سُمّى ذنبا على سبيل الاستعارة.ومن الشائع والمتداول أن الأعراض التي تسبب بعض الأمراض تُطلق عليهـا اسم تلك الأمراض نفسها.فالضعف الطبيعي أيضا مرض وعلاجــــه الاستغفار.فباختصار، لقد استخدم كتاب الله الضعف البشري في محل "الذنب"، وشهد بنفسه أن الضعف الفطري موجود في الإنسان، حيث يقول: خُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا، وهذا الضعف هو الذي يكون سببا للخطايا المختلفة إن لم تحالفه القوة الإلهية.إذا إن حقيقة الاستغفار هي أن على الإنسان أن يستعين بالله تعالى في كل حين وآن، ويسأله ألا النساء: ٢٩
يظهر للعيان ضعفه البشري الذي هو ذنب البشرية ويحالفه دائما.فالدوام على الاستغفار دليل على التغلب على الذنب، حيث لم يظهــر للعيان، بل نزل عليه نورٌ من الله وغطّاه.ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن كلمة "استغفار" مستمدة مـــن المصدر "غفر"، ومعناها الحقيقي هو : التغطية والستر.أي الرجاء ألا يضر ضعف بشري بظهوره للعيان بل ليبقَ مستورا.ولأن الإنسان ليس إلها وليس مستغنيا عنه ، لذا فهو كطفل صغير يحتاج إلى أمه عنــــد الله في كل خطوة لتنقذه من العثار والسقوط، كذلك الإنسان يحتاج إلى كل خطوة ليجنبه العثار والزلّة.فهذه هي فائدة الاستغفار.وفي بعض الأحيان تُطلق هذه الكلمة على سبيل التوسع على الذين ارتكبوا إثما في زمن مضى.ففي هذه الحالة يكون معنى الاستغفار أن ينقذ الله من عقوبة إثم صدر من قبل.ولكن هذا المعنى الثاني لا ينطبق على المقربين إلى الله ولا يصح بحقهم.والسبب في ذلك أن الله تعالى يكون قد كشف لهم سلفا أنهم لن ينالوا أية عقوبة قــط وسيحتلون مقامات عليا في الجنة، ويجلسون في حضن رحمة الله.ولا يُعطون هذه الوعود مرة واحدة بل مئات المرات، ويُرون الجنة.ولو استغفروا مــــــن منطلق هذا المعنى لئلا يدخلوا جهنم بسبب ذنوبهم فهذا ذنب لهم بحـــد ذاته، لأنهم لم يوقنوا بوعود الله ، وعدّوا أنفسهم بعيدين عن رحمة الله.
1.97 فالذي يقول الله عنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، لو ارتاب في 6 نفسه هل تحالفه رحمة الله أم لا، فكيف يكون رحمة للآخرين؟ كل هذه القرائن تكشف الحقيقة بكل جلاء للذين يفكرون بالعـــــدل والإنصاف أن عزو المعنى الثاني للاستغفار إلى النبي ﷺ خطأ كبير وخبث بحت.بل العلامة الأولى للمعصوم هي أنه يستغفر أكثر من غيره ويسأل الله القوة دائما لاجتناب مغبة الضعف البشري.وهـذا مــا "الاستغفار" بتعبير آخر، لأنه إذا كان الطفل يمشى دائما مستندا إلى أمه يسمى ولا يتحمل الانفصال عنها لحظة واحدة فسيجتنب العثار دون شك، ولكن الطفل الذي يمشي منفصلا عن أمه ويتسلق سلما خطرا تارة وينزل أدراجا خطيرة تارة أخرى فلسوف يسقط يومــا لا محالـة وسيكون سقوطه خطرا.فكما يُستَحبُّ للطفل السعيد ألا ينفصل عن أمه الحبيبة مطلقا ولا يبتعد عن حضنها ولا يترك ذيلها، كذلك هـــي سيرة هؤلاء المقدسين الأطهار إذ أنهم يخرّون على عتبات الله كمثل أطفال في أحضان أمهاتهم.وكما أن الطفل ينجز كل أموره بقوة أمه، وكلما عانده طفل آخر أو واجهه كلب أو تعرّض لأي خوف أو وجد نفسه في مقام الزلة، دعا أمه فورا لتسعى إليه بسرعة لتنقذه الآفة، كذلك الحال تماما عند هؤلاء الأطفال الروحانيين إذ أنهم يعدّون من تلك الأنبياء: ١٠٨
ربهم كالأم تماما ويعدون قواه كنزا لهم ويتحرون قوته في كل الجوع حين وآن.وكما أن الطفل الرضيع يضع فمه على ثدي أمه عند ويجذب الحليب بجذب طبيعي، وحين تشعر الأم أن شفتي طفلها الرضيع الناعمتين قد لمستا ثديها بالضراعة يتدفق حليبها بصورة طبيعية ويدخل فم الرضيع؛ فهذا القانون نفسه جار للأطفال الذين يبحثون ويتحــــرون الحليب الروحاني.ضرورة الشفاعة يمكن أن يطرح أحد هنا سؤالا ما حاجة الإنسان إلى الشفاعة؟ ولماذا لا يجوز له أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره ويسأله العفو مباشرة؟ إن قانون الطبيعة بنفسه يرد على هذا السؤال، لأنه من المسلم به عنـد الجميع ولا يسع أحدا الإنكار أن سلسلة نسل الناس بل الحيوانات أيضا تجري نتيجة الشفاعة.لقد كتبت قبل قليل أن "الشفاعة" مستمدة مـــن "شفع" وتعني الزوجُ.فأيّ شك في أن بركات التناسل كلها قد نتجت ولا تزال تنتج عن الشفع.إن أخلاق الإنسان وقوته وملامحه تنتقل منه إلى غيره بهذه الطريقة أي هي نتيجة الشفع كذلك الحيوان الذي يتولد من حيوان آخر مثل الشاة أو الثور أو الحمار وغيرها، والقوى كلها التي تنتقل من حيوان إلى آخر هي أيضا نتيجة الشفع في الحقيقة، فحين
يؤخ خذ هذا الشفع بمعنى أن يُنشئ ناقص علاقةً روحانية مع كامل ويتلقى من روحه علاج ضعفه ويجتنب الأهواء النفسانية، فتسمى هذه العلاقــــة شفاعة.كما أن القمر عندما يقابل الشمس وينشئ معها نوعــا مــن الاتحاد والعلاقة ينال فورا الضوء الموجود في الشمس.ولأن لهذا الشفع الروحاني بين القلوب المحبة وبين الأنبياء علاقة مع الشفع الجسدي كعلاقة بين زيد وأبيه مثلا، لذا فالحائزون على الفيض الروحاني أيضـــا الملامـــــح يُعدون أولادا عند الله.والحائزون على الخلق الكامل ينالون الملام والأخلاق والبركات نفسها التي توجد في الأنبياء.فهذه هـي حقيقـة الشفاعة.وكما أنّ من مستلزمات الشفع..أي الربط الجسدي، أن يكــــون خاصية الشفع الأولاد أشباه الشخص صاحب الصلة كذلك الروحاني أيضا.معهم، هي باختصار، إن حقيقة الشفاعة هي أن قانون الله تعالى الجـــاري في الطبيعة منذ القدم في الأمور المادية والروحانية هو أن جميع البركات تنتج ود عن الشفع، والفرق الوحيد هو أن قسما منه سُمِّي شفعا والآخر سمـــي شفاعة.وكما أن الإنسان بحاجة إلى الشفع للمحافظة علـــى سلسلة النسل، كذلك هناك حاجة للشفاعة لبقاء السلسلة الروحانية، وقد ذكر كلام الله تعالى كلا النوعين، كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم إنـــه
خلق آدم زوجا ثم خلق من هذا الزوج خلقا كثيرا، رجالا ونساء.ويقول الله أيضا بأنه خلق على الأرض آدم خليفة له وكانت فيه روح الله.ثم ظل هذا النور ينتقل من آدم إلى أنبياء آخرين وورث هذا النور كل من إبراهيم وإسحاق وإسماعيل ويعقوب وموسى وداود وعيســى وغيرهم، حتى بعث نبينا الأكرم هلال الهلال الوارث الأخير.فكما ورث جميع الأنبياء الأطهار ملامح جسدية من آدم كذلك نالوا منه روح الله أيضا لكونه خليفة.ثم بواسطتهم ظل غيرهم أيضا ينالون هذا الإرث بين حين وآخر.إثبات شفاعة النبي من القرآن الكريم لقد ذكرت شفاعة النبي ﷺ في أماكن مختلفة في القرآن الكريم، حيث يقول : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ.انظروا الآن كيف تبين هذه الآية بصراحة تامة أن النتيجة الحتمية للتأسي بأسوة النبي ﷺ الذي يستلزمه حبه وتعظيمه وطاعته- هي أن يصبح الإنسان حبيب الله تعالى وتُغفّر له ذنوبه، أي إذا سبق لأحد أن تناول سمّ الآثام فيزول تأثيره بترياق الحب والطاعة والاتباع.وكما يتخلص المرء من المرض بتناوله الدواء كذلك يتخلص من الآثام ١ آل عمران: ۳۲
۱۱۳ أيضا.وكما يزيل النورُ الظلامَ ويزيل الترياق تأثير السم، وكما أن النار تحرق كذلك تؤثر الطاعة الصادقة والحب الصادق.انظروا، كيف تحرق النار في لمح البصر، كذلك الحسنة التي تنتج عن الحماس لمجرد إظهـــار جلال الله فهي في حكم النار في حرق كلأ الذنوب وأعشابها.حـــين يؤمن أحد بنبينا الأكرم الله بصدق القلب مؤمنا بعظمته كلها ويتبعه بالصدق والصفاء والحب والطاعة الصادقة لدرجة يبلغ مقام الفناء نتيجة الطاعة الكاملة، عندها يقتبس - بسبب العلاقة المتينة التي تربطه معه - ذلك النور الإلهي الذي ينزل عليه.ولما كانت هناك منافـــــاة كبيرة بين الظلمة والنور، فتبدأ الظلمة التي بداخله بالزوال حتى لا يبقى فيه شيء منها، ثم تصدر منه الحسنات من الدرجة العليا نتيجة حيازتـــــه القوة من ذلك النور، ويسطع نور حب من كل عضو من أعضائه.عندها تزول الظلمة الداخلية تماما ويتولد فيه النور علميا وعمليا أيضا.من الله وباجتماع النورين ترحل من قلبه ظلمة السيئات في نهاية المطاف.ومن أن النور والظلمة لا يجتمعان في مكان واحد؛ لذا لا يجتمع نور الواضح الإيمان وظلمة الإثم أيضا في مكان واحد وإن لم يصدر من شخص مثله إثم صدفة، فيستفيد من هذا الاتباع بحيث تُسلب منه القدرة علــى السيئات في المستقبل، وتنشأ فيه الرغبة في كسب الحسنات، كما يقول الله لك في هذا الموضوع في القرآن الكريم: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ
فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّةَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ.أَيْ رغبكم الله في كل حسنة بإنزال الروح الطاهرة عليكم...فإذا طُرح هنا سؤال: ما هو ذلك النور الذي يقتبسه المتبع نتيجـــة اتباع النبي ، والذي تزول بسببه الرغبة في السيئات؟ فجوابه بأنه: ١- معرفة مقدسة لا ترافقها ظلمة الشك والريب، ٢- وهو حب طاهر لا تشوبه شائبة الأهواء النفسانية، ٣- وهو لـذة طيبة تفوق جميع اللذات ولا يخالطها كَدَرٌ، ٤ - وهو جذب قوي لا يغلبه جذب آخر، ٥- وهو ترياق ذو تأثير قوي تزول به السموم الباطنية كلها.فهذه الأشياء الخمسة تنزل مع روح القدس كالنور على قلب المتبع الصادق.والقلب مثله لا يتحاشى الآثام فقط بل ينفــــر منها أيضا بطبيعته.إن بيان قوة هذه الأشياء الخمسة منفصلا سيطول كثيرا، ولكن يكفي بيان خواص المعرفة المقدسة بشيء من التفصيل لفهم حقيقة كيف تحول المعرفة المقدسة دون الآثام.من الواضح أن الإنسان بل الحيوان أيضا لا يقرب شيئا عندما يعلــــم مضرته علما صحيحا ويقينيا.إذا علم اللص مثلا أن هناك جماعة متخفية على مقربة من المكان الذي يريد نقبه وستبطش به في لحظة النقب تماما، فلن يُقدم على ذلك قط.ولو شعر الطائر أن هناك شراكا تحت الحبات الحجرات: ۸
المنثورة له على الأرض لما اقترب منها.كذلك إذا طبخ طعام لذيذ ثم علم أحد أن فيه هي سما مدسوسا لما اقترب منه أبدا.إذا، يتبين مـــن هــذه التجارب كلها وبكل جلاء أن الإنسان عندما يعلم علما كـامـلا عـــــن شيء مؤذ ومضر فلا يرغب فيه مطلقا، بل يفر من رؤيته أيضا.لذا من الجدير بالتسليم أنه لو علم الإنسان بوسيلة ما أن الإثم سم قاتل يُهلك فورا فلن يرتكبه بعد هذا العلم أبدا ولكن هنا ينشأ سؤال طبيعي: مــا تلك الوسيلة؟ هل يمكن أن يكون العقل تلك الوسيلة؟ فجوابه أنه لا يمكن أن يكون العقل الوسيلة الكاملة قط ما لم يساعده مساعد مـــن السماء، لأن اليقين القلبي بأن هناك عقوبة واجبة على الإثم في الحقيقة، ولا يمكن للإنسان أن ينجو منها، لا يتسنى ما لم يعلم علما كاملا بأن هناك إلها قادرا على المعاقبة.ولكن الذي يملك العقل وحده ولم يتيسر له نور من السماء فلا يمكن أن يوقن بالله يقينا كاملا، لأنه لم يسمع کلام و لم ير وجهه وعجل، لذا فإن علمه عن الله سيكون مقتصرا فقط - إذا استطاع أن يتوصل إلى نتيجة صحيحة بالتفكير في المخلوقــــات في السماوات والأرض- على أنه ينبغي أن يكون لهذه المخلوقات كلـها خالق، ولكن لا يسعه أن يصل إلى علم قطعي ويقيني أن ذلك الخــالق موجود فعلا.والمعلوم أن هناك بعدا شاسعا بين "يجب أن يكون" و"موجود فعلا".بمعنى أنه إذا كان عِلْمُ أحد مقتصرا على: "يجب أن الله
يكون فقط، وليس أمام عينيه وراء ذلك إلا الظلام فلا يماثل قط من حيث علمه شخصا لا يقول فقط عن الخالق الحقيقي أنه "يجب أن يكون موجودا" بل يشعر بشهادة النور الذي أُعطيه أنه "موجود فعلا".ثم لا يقتصر الأمر على أنه يرى الله بنور سماوي فقط، بل تشحذ قــــواه العقلية والذهنية بهدي ذلك النور أيضا لدرجة أن يبلغ استدلاله القياسي هو أيضا أعلى المستويات.فيؤمن بوجود الله تعالى بقوة مضاعفة.والمراد من النور السماوي هنا هو أنه يحظى بمكالمة الله اليقينية، أو يكون على صلة متينة ووثيقة جدا مع صاحب المكالمة.وليس المراد من مكالمة الله أنه يدعى الإلهام بصورة ظنية مثل عامة الناس، لأن الإلهام الظني ليس بشيء بل هو أحطّ درجة حتى من العقل، بل المراد من ذلك الوحي الإلهي المقدس والكامل القطعي واليقيني الذي ترافقه الآيات السماوية حتما.ويكون ذلك الوحي مصحوبا بدرجة عالية من الشوكة والعظمة ويقتحم القلب كالمسمار الحديدي بكلماته القوية والعذبة ويحمل خاتما ساطعا لآيات الله وعلاماته التي تفوق العادة.وهذه هـــي الحاجة الأولى للإنسان من أجل الحصول على اليقين الكامل بوجود الله، أي أن يحظى بنفسه بهذا النوع من الوحي أو يكون على صــلة متينــة بالذي يحظى به ويجذب القلوب إليه بتأثير روحاني.فالدين الذي لا يستطيع أن يقدم هذا الوحي المتجدد المصحوب بالآيات الحية إنما هـو
كمثل العظام الرميم التي جعلها التراب ترابا تقريبا.ولا يمكن لهذا الدين أن يُحدث تغيرا طيبا على الإطلاق.ولا يعتز به إلا الذين يريدون أن يسلكوا مسلك آبائهم فقط، ولا رغبة في أرواحهم في البحث عن الحق ولا يتمنون هذه الرغبة.بل انقلبت حالتهم الداخلية رأسا على عقب العناد والضلال ولا يبالون كيف يمكن أن يتسنى لهم نتيجة حبهم الإيمان الحقيقي بالله، وما هي تلك الصفات التي يجب وجودها في الإله الذي يمكن أن يتسنى الإيمان الحقيقي ،به وما هي تلك الأمور التي يمكن أن تولّد اليقين بوجود الله، وما هى العلامات المميزة لصاحب اليقين؟ وليكن معلوما أنه إذا كان في الدين شيء من المعقولية، ويتحلــى بالتحضر واللباقة الظاهرية أيضا، ولكن لا يمكن القول بأنه يوصل إلى مرتبة اليقين بوجود الله تعالى وصفاته بمجرد هذه الأمور؛ بل إن جميع الأديان في العالم ستكون لاغية تماما وعديمة الجدوى وسخيفة وميتة لا حياة فيها ما لم توصل السالك إلى ينبوع اليقين النقي.من المؤسف أن معظم الناس لا يعلمون ما معنى الإيمان بالله وعظمته وقدرته وصفاته الحسنة الأخرى، بل لو قيل عن حالتهم بالتأسف بأنهم محرومون تماما من نبع اليقين النقي، وبالتالي محرومون أيضا من الطهارة الحقيقية التي تتأتى بعد اليقين لاستاؤوا من ذلك كثيرا وقالوا بحمـــــاس
شديد ألا نؤمن بالله؟ ألا نعتقد به؟ فجواب كل هذه الأمور هو أنكم لا تؤمنون بالله حق الإيمان، ولا تعتقدون به حق الاعتقاد.الأسف كل الأسف أنهم لا يفقهون أنهم لا يُقحمون يدهم في جُحر إن علموا بيقين القلب أن فيه حية سامة، لأنهم يرون في ذلك هلاكهم، ولكنهم يرتكبون كل إثم بكل شجاعة.لا يتناولون سما زعافـــا لأنهـ يدركون أن في ذلك ،موتهم، ولكن تصدر منهم جرائم مهيبة مع أنه لا يمكن أن يرتكبوا عملا يُحتمل ضرره في حالة الظن الغالب أيضــا دع عنك اليقين؛ فمثلا لا يحبون أن يناموا تحت سقف تريد عارضته أن تنقض، ولا يريدون أن يسكنوا قرية تفشت فيها الهيضة أو الطاعون.فما السبب في أنهم ينقضون أوامر الله تعالى مع ادعاء حيازتهم علـــى اليقين؟ اعلموا يقينا أن الحق أنهم ليسوا حائزين على اليقين ولا حتى على الظن الغالب بأن الله المقتدر موجود فعلا وهو قادر على أن يُهلك في لمح البصر.إله المسيحيين هذا المرض لم يعد خاصا في هذه الأيام بفرقة دون أخرى بل يوجد في المسلمين أيضا كوجوده في النصارى، بل قد أخذ منه أهل الشرق أيضا نصيبا بقدر مراتبهم مثل أهل الغرب تماما.والفرق الوحيــد بــين
1970 المسلمين والنصارى هو أن المسلمين غافلون عن الإله الحق والقــــادر إهمالا منهم، مع أن الله تعالى ظل يُنزل نوره عليهم دائما ويجذبهم إليه في كل عصر ويقتبس كثير من السعداء من هذا النور.أما المسيحيون فقد فقدوا منذ مدة سحيقة ذلك الإله الذي بسبب اليقين بوجـــوده يحدث تغير طيب، وبتصور عظمته وجلاله يتبرأ الإنسان من الذنب براءة حقيقية.ولكنهم قد اتخذوا إنسانا عاجزا وضعيفا، يُدعى ابن مريم ويسوع إلها من دون الله الحي القيوم، مع أنه لا يستطيع أن يجيــــب الأدعية ولا يقدر على أن يدعو أحدا من تلقاء نفسه ولا يستطيع أن يُظهر عظمته وقدرته ، فكيف يمكن أن تتسنى الطهارة الحقيقية بواسطته؟ إن نماذج قدرته المذكورة في الكتب هي أنه لقي على أيدي اليهود أنواع الإيذاء، وما دعاؤه الذي دعا به طول الليل، ووُجهت إلى أمه تهمة شنيعة و لم يقدر على الدفاع عنها بلمعان الألوهية.لا توجد في معجزاته -إن عُدت صحيحة- ميزة خاصة لا توجد في معجزات الأنبيـاء الآخرين.بل إن في معجزات النبي إيلياء وإحيائه الأموات ميزة تفــــوق قدرة المسيح بكثير.كذلك هناك بعض المعجزات للنبي إشعياء لا محال لمقارنة معجزات المسيح بها.أما نبوءات المسيح فهي أسوأ حالا؛ وبدلا من أن تترك في القلوب تأثيرا حسنا فإنها تثير الضحك في الحقيقة إذ جاء فيها بأن مجاعة ستحدث، وتقع الزلازل، وتنشب الحروب، مع أن كل
۱۲۰۰ هذا كان يحدث في البلاد قبل هذه النبوءات أيضا.فكيف يؤمن عاقــــل بهذا الإله؟ إن هي إلا قصص ماضية، والله أعلم بمدى صدقها ومــــدى الكذب فيها.والحق أن مشاكل المعاصرين في سبيل إيمانهم بهذا الإله الجديد الذي لا يوجد له أثر في تعليم اليهود قد تفاقمت أكثر مـــــن ذي قبل لأنهم لم يروا بأم أعينهم أموانًا ،يُحيون، ولم يشاهدوا خـــــروج الأشباح من المرضى، ولم تتحقق الوعود التي أُعطوها؛ مثل أنّ السم لن يؤثر فيهم إن تناولوه، وأن الجبل سينتقل من مكانه فورا إن أمروه، وأن الأفاعي لن تلدغهم لو أمسكوا بها بأيديهم.ولكننا نرى كثيرا مـــن المسيحيين في أوروبا يموتون منتحرين إذ يؤثر فيهم السم فورا.وإذا كان هناك حذاء مقلوب لا يستطيعون أن يعيدوه إلى وضعه الصحيح بأمرهم فقط ما لم يفعلوا ذلك باليد دع عنك نقل الجبل، ويموتون دائما بلدغ الأفاعي والحشرات السامة الأخرى.وإذا قالوا في الجواب: يجب ألا تُؤخذ هذه العبارات حرفيا، بل المراد هو المعنى المجازي؛ فالمراد من السم هو أنهم يكظمون الغيظ، والمراد من الأفاعي أن الأشرار لا يستطيعون أن يضروهم، فلنا الحق قبل الحديث عن التأويلات أن نطرح سؤالا أنه إذا كانت كل هذه الوعود التي أعطيت لإراءة الآيات حيث قال المسيح مرارا وتكرارا بأن كل ما ما أريه من الآيات سيريه أتباعه أيضا استعارة ومجازا فقط، وليس المراد منها
۱۲۱ إراءة الآيات حقيقة، فتبين من ذلك بالقطع أن كل ما يُنسب إلى المسيح العلة من المعجزات أيضا ،استعارات لأنه قد قال في الأناجيل مرارا وتكرارا بأن المعجزات التي أُريها أنا سيريها أتباعي الصـــادقون أيضـــــا باستمرار.والآن، ما دام الجواب عند طلب المعجزات بأنه ليس المراد هنـــا المعجزات بل المراد هو حالة المسيحيين الأخلاقية، لماذا إذا لا يمكن القول بأنه قد أريد من معجزات المسيح أيضا الأمور نفسها وليســــت المعجزات في الحقيقة؟ باختصار، هذا السؤال يقضُّ مضاجع المسيحيين وليس لديهم جواب عليه ولو تأملنا أكثر في هذا المقام لوجدنا أنها ليست مصيبة واحدة بل ثلاث مصائب وهي: (۱) قول المسيح بأن المعجزات التي أريها أنا سيريها أتباعي نفسها بل أكبر منها، ولكن هذا الكلام ثبت بطلانه.(۲) لقد أثبت أيضا هذا الكذب أن المسيح لم يُرِ أية معجزة، لأنه لو كان قد أراها لكان ضروريا أن يكون أتباعه أيضا قادرين على إراءتها.(۳) لو قبلنا كافتراض محال أنه قد ظهرت المعجزات على يد المسيح، وأهملنا عبارات الأناجيل التي ورد فيها: "جيْلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ، فمع ذلك لا تُثبت تلك المعجزات التي ليست أكثر
۱۲۲۵ من معجزات الأنبياء السابقين بل أقل منها ألوهية المسيح بحــــال مـــــن الأحوال فما دام لا يسع سليم العقل سليم العقل أن يؤمن بألوهية المسيح فكيـــف تمنع هذه الألوهية أحدا من ارتكاب الآثام؟ لقد كتبتُ من قبل أن أول ما يمنع من ارتكاب الآثام هو اليقين بوجود الله تعالى أي اليقين بأن الله تعالى موجود في الحقيقة وهو يعاقب على الآثام.ولكن كيف يتسنى هذا اليقين بالمسيح؟ فليخبرنا أحد مــا الذي يميزه عن غيره من الأموات؟ نعرف جيدا نحن وكل من يملك العقل والفطنة أنه لا بد أن يكون هناك ما يميز بين الإله وبين المخلوق، ولكن في حال المسيح لا يثبت التميز حتى بالقدر الذي يفرق بين والميت فضلا عن التفريق بين الإله والمخلوق من المؤسف أن المسيحيين يشغبون ويصرخون لإثبات ألوهية المسيح، ولكننا سنرضى إن أثبتوا أنه يحتل مرتبة إنسان حي.نحن لا نبغض أي دين وإن كان ابن مريم إلها فإننا جاهزون للقبول به قبل غيرنا.إذا كان هو الشفيع فنود أن نكون نحن أول المؤمنين دون غيرنا.ولكن كيف نقبل الباطل المحض واللغو البحت والكذب؟ إذا جاز أن يكون الإله ضعيفا وعاجزا مثــــل يسوع بن مريم فلا حاجة إلى الإيمان بإله مثله أصلا! ولا يمكن اليقين به بأي حال.لكن إذا كان يسوع المسيح إلها بحيث نستطيع أن نعرفــــه كما ظل الله تعالى يعرف نفسه في كل عصر بواسطة الأنبياء وبنفسه
أيضا، ولم يجهله حتى أناس لم تبلغهم الكتب السماوية، فنحن جاهزون للإيمان به.فهل على وجه الأرض أحد يُرينا ميزة تفرد بها المسيح؟ أي أن نسمع صوته ونرى أمارات ألوهيته؛ لأني كتبت مرارا أنه إذا كـــان الإيمان بالإله الحق أيضا مبنيا على الشك فلا يمكن لهذا الإيمان أن ينجي من الآثام، فمن أي مرض سينجي تصور ذلك الإله الزائف، المبني على الشك والريب، الذي ظل يتحمل الإيذاء على أيدي اليهود؟ لا شك أن الإيمان بالإله الحق والصادق أيضا لا ينجي قط من الآثام ما لم يبلغ مبلغ اليقين، فكم هو مخجل تأليه إنسان ثم عدم تقديم الأدلة اليقينية على ألوهيته! الحق أن أناسا مثلهم يعادون الحق والصدق.لا أفهم أية حاجة دفعتهم إلى هذه الفكرة المخجلة؟ وما هي الخسارة التي شعروا بهـ الإيمان بالإله الأزلي والأبدي التي تم تداركها بواسطة الإله الزائف؟ نشهد أن ذلك الإله الحق الذي ظهر على آدم ثم على شيث ثم على نوح ثم على إبراهيم ثم على موسى وعلى الأنبياء جميعا، حتى على نبين الأكرم الله وهو الإله الأزلي والحي القيوم إلى الأبد.وكما ظل يقول: "أنا الموجود" بواسطة الأنبياء في الأزمنة الخالية، كذلك يقول الآن أيضا.وكما سمع الأنبياء السابقون صوته الجلالي ورأوا آياته، كذلك نسمع صوته ونُري آياته الآن أيضا.وكما كان أدعية عباده في الأزمنة يسمع الخالية ويجيبها، كذلك أدعيتنا الآن ويجيبها.وكما كان الأتقياء يسمع
في العصور السحيقة ينالون الطهارة الحقيقية نتيجة حبه ورؤية وجهه، كذلك ننالها نحن الآن.فلن يترك هذا الإله القوي والمقتدر إلا من كان جد شقي وأعمى.نحن نوقن أن الذين أُتَّخِذوا آلهة زائفة في العالم مثــــل يسوع بن مريم، ورام شندر وكرشنا، وبوذا وغيرهم فقد اتخذوا بغـــير دليل.ومثل ذلك كمثل اعتبار الشاة إنسانا مع أنها لا تتكلم ولا تمشي كالإنسان وليست صورتها كصورة الناس ولا تعقل كالإنسان ولا توجد فيها أية علامة من علاماته فهل لكم أن تعدّوا الشاة إنسانا أنها تشترك مع الإنسان في عدة أمور ؟ منها مثلا أنها تأكل كما يأكل الإنسان، وتتبوّل وتتبرز مثل الإنسان ولكن هل لأحد أن يثبت أن المسيح أو رام شندر أو غيرهما يشارك الله في شيء معين؟ لا يو.جد سبب لاتخاذ هؤلاء آلهة إلا أنه قد اختير مسلك الإفراط مقابل التفريط فمثلا عندما أهان راجه" "راون" راجه رام شندر بشدة، وأحزن جماعة رام شندر كثيرا باختطاف زوجته والذهاب بمــا إلى "سريلانكا"، أسرع الحزب الذي كان يؤيد راجه رام شندر إلى إخراج راجه" "راون" من نسل البشر، ومن جهة ثانية اتخذوا راجه رام شندر إلها بيقين كامل، حتى إن الهندوس كلهم يرددون إلى الآن "رام، رام" بدلا من ذكر اسم إلههم.بل إن لفظ "رام ، رام" صار متداولا كتحيــــة رسمية بينهم.يبدو من ذلك أنه لا يوجد في تأليه المسيحيين يسوع إلى
۱۲۰ الآن غلو بقدر ما يوجد في تأليه الهندوس رام شندر حتى نسوا اســـــم الذي إلههم تقريبا إذ يُكثرون ترديد رام رام بكل مناسبة.فالغيرة والغلو اتخذ بسببه راجه رام شندر إلها قد اتخذ يسوع بن مريم أيضا إلها للأسباب نفسها؛ أي عدّ اليهود الأشرار ولادة المسيح غير شرعية أولا، واتهموا مريم عليها السلام بارتكاب السيئة، ثم افتـــروا علـــى تصرفات المسيح الكلمة افتراءات كثيرة، لدرجة هناك كتــب لــبعض العلماء اليهود قيد مطالعتي في هذه الأيام، يتبين منها أنهم صوروا حياة المسيح الليلة تصويرا بشعا جدا.تُقرأ كتب هؤلاء العلماء اليهود هذه في مجلسنا مساء في هذه الأيام ليعلم أفراد جماعتي أنه كما يشــن بعــض القساوسة الأغبياء المعاصرون على سيرة نبينا الأكرم صولات الافتراء والبهتان، فقد شنت أسوأ منها على حياة المسيح ال، لدرجة يحول الحياء والخجل دون كتابتها.فقد اتهمت أمه بتهمة قذرة جدا، " وكذلك اتهمت بعض من جداته بمن فيهن "ثامار" و"راحاب" و "بَثْشَبَع" بتهمة الزنا.وهذا ما يقبله القساوسة أيضا.والأسوأ من كل ذلك تلك التهم التي وُجهت إلى سيرة المسيح ال، وكيفية تزييفه وخداعه في كل ء، وكيفية معاقبة الله له بالموت في نهاية المطاف بحسب وعده في شيء التوراة.فهي كلها كلمات إذلال وإهانة لا يستطيع مسلم أن يقرأهــا دون أن يغتاظ عفويا.فقد أهين المسيح الا بشدة حتى حُطَّت درجته
أن عن درجة شخص عادي أيضا، ففي هذه الحالة كان من الطبيعي تميل الجماعة التي آمنت به ال إلى الإفراط رويدا رويدا.فما كان من المتحمسين من الناس الذين يحبون الشرك سلفا أن يرضوا إلا أن هوا المسيح.وكأنهم أرادوا أن يعوضوا بذلك هجمات اليهود التي شتوها على المسيح الا بشدة متناهية.يؤلهوا والأغرب من ذلك أن الأناجيل التي يريد المسيحيون أن يثبتـوا بـــــا ألوهية المسيح قد حاول عالم يهودي أن يُثبت منها بأنه اللي كان في الحقيقة إنسانا ماديا ومكارا، والعياذ بالله و لم تظهر منه معجزة قط ولم تتحقق له نبوءة.ثم يقول بأن ما يقال في الأناجيل بـأن المسيح أرى اليهود معجزات كثيرة قد ثبت كذبه من الأناجيل نفسها، لأنه يثبــت من شهادة الإنجيل أنه كلما طلب كبار القوم آية من المسيح كان مـــــن عادته إزاء ذلك أن يشتمهم شتائم بذيئة ويقول بأنهم لن يُعطوا أية آية.ثم يقول المؤلف بأنه لو قبلنا أنه شفى بعض المرضى فهذا ليس دليلا يفيد ألوهيته، لأن معارضيه في الزمن نفسه كانوا أيضــا يـــرون المعجزات نفسها.فهل يُعقل أن تثبت ألوهية يسوع بالمعجزات التي أرى الأنبيـاء الآخرون أكبر منها؟ فباختصار، لما أهان اليهود المسيح اللي بشدة كانت النتيجة الحتمية أن يحدث الإفراط مقابل هذا التفريط فعندما هاج سيل الإفراط في
۱۲۷ المسيحيين بقوة وشدة، وُضع أساس تأليه المسيح في الزمن نفسه.هـذا يُفهم بسهولة عندما ننظر إلى هجمات اليهود من ناحية، ومن ناحية أخرى نتأمل في مبالغات المسيحيين للتخلص منها.ولأن كتب اليهـود منشورة الآن، ونشرها بعض العلماء اليهود باللغة الفرنسية، وطبعــــت بالإنجليزية أيضا؛ فإن فهم الحقيقة قد سهل كثيرا على الباحثين عن الحق في هذه الأيام.تتفق جميع فرق اليهود على أنه منذ أن أُعطي موس التوراة والأنبياء يأتون أيضا بين حين وآخر، لم يعلم أحد التثليث بــل علموا دائما أن إلهكم إله واحد وهو غائب عن الأنظار.يقدم اليهود عذرا آخر أيضا أنه عندما التمس موسى من الله على جبل سيناء أن يُريه وجهه، وقال الله: لن يرى وجهي أحد، كان ينبغي أن يُريــه الله يسوع ويقول: هذا هو وجهي.باختصار، فقد أراد اليهود أن يُثبتوا أن المسيحية دين يريد أن يمزق وثيقة التوراة القديمة التى عليها أختام الأنبياء جميعا، ويريد أن يستأصـ التوحيد الذي هو مبدأ التوراة الأساسي.فالحاصل أن المسيحيين أرادوا أن يروجوا في الدنيا بدعــــة شنيعة بتقديمهم إلـها لا ينسجم تعليمه عن الله مع تعليم التوراة ولا مع تعليم القرآن قط.ولا يبالون بأنه إذا كان هذا المعتقد الجديد يخالف التوراة وصحف الأنبياء الآخرين، فكان من المفروض أن يُثبت وجوده بواسطة
العقل على الأقل.بل الحق أنهم غافلون تماما عن مقتضيات العقل أيضا وكأنه لا سيطرة لاستدلال العقل على المذهب قط.بل لا يحق للعقـــل بحسب رأيهم أن يُدلي بشهادته في مسألة التوحيد والتثليث.إنهــــم متعودون كثيرا على النقد والطعن في الآخرين، ولكن الغريب في الأمر أنهم لا يمعنون النظر في اعتقادهم قط.كان من واجبهم أن يُثبتوا أولا ألوهية المسيح التي تكذبها التوراة والقرآن والعقل- ثم يركزوا علـــى الكفارة والنجاة وغيرهما من الأمور التي اختلقوها بأنفسهم.ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل خاضوا في أمور سخيفة معرضين عن أساس معتقدهم الحقيقي.ولكنني أريد القول أيضا إلى جانب ذلك بأن في أعماق هــذا الخطأ هناك حقيقة خافية أيضا، وقد سُوِّد وجهها بحواشي الأوهام السخيفة بحيث تتراءى الآن صورة بشعة ومخيفة بدلا من جمالها، ولكن ذلك يوجد داخل هذه السحب السوداء لمعان برق الصدق الحقيقي الذي مازال يُشعر بصيصه الخافت في هذا التعليم المهلك، أي تأليه المسيح، وهو أنه يثبت من التوراة أن الله تعالى خلق الإنسان على صورته وأودعه نوره ونفخ فيه من روحه وهذا ما يتبين من القرآن الكريم أيضا.إذا، لا يفوق مواهب الإنسان وفطرته أن ينزل الله تعالى قلب عبده النقي نزولا جلاليا بحيث تُنصب خيمة عظمته عل في قلــب الإنسان، وأن تنشأ بين الله وعبده علاقة متينة كما يحدث عندما يوضع مع
✓19] ۱۲۹ الحديد في نار مضطرمة فيبدو في الظاهر كأنه صار نارا ولكنه حديد في الحقيقة وليس نارا فعلى هذا النحو تقوم علاقة محبي الله الكاملين معـــه ل فيشعرون بداخلهم أن الله تعالى قد نزل فيهم.وفي كثير من الأحيان تجري على لسان بعض الناس في حالة الاتحاد معــه الشطحات أيضا، بمعنى أنهم يذكرون هذه العلاقة بالله بأسلوب ينخدع به عامة الناس ويزعمون كأنهم يدعون الألوهية.وتوجد كلمات مـــن هذا القبيل في جميع الكتب الإلهية تقريبا.أقوال النبي ﷺ وأفعاله وبناء على ذلك قد عُدَّ قول نبينا الأكرم وفعله في القرآن الكريم قول الله وفعله.فمثلا قد ورد عن القول قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَن الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.انظروا الآن أنه يثبت من قوله تعالى * أن جميع أقوال النبي.أقوال النبي الله هي أقوال الله تعالى.ومقابل ذلك هناك آيــــة أخرى يثبت منها أن أفعاله أيضا هي أفعال الله، كما يقول تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى.فثبت من هذه الآية أن أفعال النبي أيضا أفعال الله تعالى.فلما كانت أقوال النبي وأفعاله بمنزلة النجم: ٤، ٥ ۲ الأنفال : ١٨
۱۳۰۰ أقوال الله وأفعاله، فما النتيجة إلا أنه هو المظهر الأتم لذات البارئ تعالى؟ ومع ذلك لا يعده الا الله المسلمون العقلاء إلها ولا يعدّونه أقنوم الألوهية مثل المسيحيين، أن هناك إثباتا عمليا أيضا بحقه وهو أن الله مع تعالى كما يغار لنفسه كذلك تماما يغار له.والذين آذوا النبي ﷺ وسفكوا الدماء بغير حق أو أخرجوه من وطنه، ما أمات الله تعالى النبي ما لم يذقهم عذابا شديدا، والذين حالفوه أجلسهم علـــى العروش.وعندما نقارن وقائع النبي الله مع وقائع يسوع المسيح نضطر إلى الإقرار بأن الله ل لم يؤيد يسوع المسيح تأييدا عمليا بـــل علــى العكس من ذلك ظل يؤيد اليهود حتى علّقوه على الصليب وأهانوه بشدة.حين أراد خسرو برويز قتل النبي ﷺ قتل هو في غضون ليلة واحدة.ولكن عندما صدر قرار اعتقال المسيح نتيجة وشي اليهود فقد اعتقلــه شرطيان فقط خلال ثلاث ساعات وأودعوه السجن.الآن، كل واحد يستطيع أن يفهم إن كان قد حالف المسيح شيء من جلال الله؛ إذ لم يسلم من الاعتقال رغم دعائه طول الليل.ثم نرى كم من الناس اجتمعوا عند بيت النبي للهجوم عليه بغية قتله وحاصروا بيته ولكنهم خابوا وخسروا مع محاولاتهم الشديدة وأنقذ بفضل الله دون أن يدعو طول الليل مثل يسوع المسيح، وخرج من
۱۳۱۰ بين جمعهم بكل سهولة في وضح النهار و لم يره أحد.أما دعاء المسيح الأليم: "إيلي إيلي لم شبقتني" الذي يسخر منه اليهود إلى الآن، فقــــد رفض تماما وكانت نتيجته هو صلبه باعتراف المسيحيين.هذه كانت معاملة الله مع المسيح الله، ولا تختلف وقائع الحواريين أيضا عنها كثيرا، إذ قد وعدهم المسيح بأنه سيعود وهم أحياء.انظروا الآن كيف ثبت بطلان هذه النبوءة، إذ قد أوشكت ألفا سنة علـــى الانتهاء ولا يوجد بمجيئه أي أثر.وقد مات المنتظرون جميعا ويسخر منهم اليهود دائما سائلين: أين عاد معلمكم وواجه المسيحيون مــن هـذا السؤال خجلا دائما و لم يطيقوا جوابا.قد وعدوا باثني عشر كرســـيـا؛ ولكن ارتد أحد الحواريين في حياة المسيح، والثاني تصرف كالمرتدين أيضا، وبذلك بقي عشرة كراس فقط، مع أن النبوءة كانت تتضمن وعدا باثني عشر كرسيا.أما نبينا الأكرم ﷺ فقد وعد أصحابه برفعهم إلى العروش في الدنيا، ويعترف معارضونا أيضا أن هذا الوعد قد تحقق.فالحاصل أنه لا يوجد في تعليم المسيح كلمات نادرة وعجيبة مـــــن شأنها أن تؤدي إلى تأليهه، لأن الكلمات من النوع نفسه جاءت بحـــق الأنبياء الآخرين أيضا بكثرة.فمثلا أطلق على آدم "ابن الله"، وقيل لإسرائيل أيضا "ابن الله" بل ورد أيضا بأنكم كلكم آلهة.ولكن هل يجوز الاستنتاج من هذه الكلمات أن الذين استخدمت هذه الكلمـــات
۱۳۲۰ بحقهم هم آلهة أو أبناء الله في الحقيقة؟ وقد استخدم المسيح أيضـــا كلمات مثلها! ظهور المسيح الموعود من فأقول بأسف شديد بأنهم قد جعلوا في حق المسيح الكلية قبة بغير حق.أنا أيضا أتلقى إلهاما من الله تعالى، ويكلمني بل منذ أكثر من عشرين عاما وقد ظهرت قرابة ۱۵۰ آية أقول حلفا بالله بأن الأموات الذين ظلوا يحيون بحسب سنة الله تعالى قد أُحيوا على يــــدي أيضا.كذلك أقول حلفا بالله بأنه قد استجيب لى أكثر من عشرة آلاف دعاء.والكلمات التي وردت في الأناجيل بحق يسوع المسيح وتستنبط منها ألوهيته قد ورد بحقي في كلام الله ما هو أعلى منها بكثير.وقـــد نشرت أيضا تلك الكلمات في كتبي.لقد سمـاني الله آدم، وسمــاني الله إبراهيم، وسماني الله المسيح الموعود، وأخبرني بأن الموعود الذي خلا في انتظاره الأنبياء جميعا هو أنت.ولكن مع ذلك لا أقول بأني إله، أو ابن إله، بينما قد جاءت في كلام الله بحقي كلمات كثيرة يمكن بناء عليهــــا أن أسمى إلها بسهولة أكبر مقارنة بالمسيح ابن مريم.ولكني أعرف أن هذا كفر، لذا إنني أستغرب أكثر من أي واحد في العالم كله وأتساءل: أية أفضلية وُجدت في المسيح ابن مريم حتى اتخذ إلها بسببها؟ هـل
۱۳۳ كانت له معجزات غير عادية؟ بينما أرى أن معجزات أكبر منها تظهر على يدي.أو هل كانت نبوءاته أفضل وأعلى؟ وسيكون قولي مناقضـــــا للحقيقة إن لم أعترف بأن النبوءات التي أُعطيتها أعلى بكثير مما أُعطيــــه المسيح ابن مريم.هل لي أن أقول بأنه قد وردت في الأناجيل بحق المسيح ابن مريم كلمات أعلى وأفضل وبسببها يضطر المرء إلى اتخاذه إلـــــــها؟ ولكني أقول حلفا بالله الذي الحلف الكاذب باسمه مدعاة للعنـــة في الدنيا والعقبى بأن كلمات الله التي وردت بحقي أنا، وأقول حلفا بالله مرة ثانية بأنها كلمات الله الخالصة وليست محرَّفة ومبدلة ومغيرة مثل الأناجيل، إنما هي أكبر شأنا بكثير مما يستخرجه القساوسة من الأناجيل بحق المسيح ابن مريم.ولكن هل يجوز لي أن أدّعي الألوهية أو بنوة الله؟ فعلى غرار ذلك يجب أن تعلموا يقينا أن المسيح ابن مريم أيضا ليس إلها ولا ابن إله.أنا مسیح محمدي وكان هو مسيحا موسويا.وكان مقدرا في قدر الله أن يأتي المسيح في نهاية السلسلة الإسرائيلية التي بدأت شريعتها من موسى، وكذلك قدر مقابل ذلك أن يأتي المسيح في نهايــــة السلسلة الإسماعيلية أيضا التي بدأت شريعتها من محمد المصطفى ، فكان كذلك.لقد جاء عبد موسى بشريعة لبني إسرائيل، وكان في الله أن بني إسرائيل سيتركون حقائق الشريعة وأسرارها في القرن علم الله الرابع عشر تقريبا بعد موسى وستتدهور حالتهم الأخلاقية أيضا، لـذا
خلق الله تعالى المسيح ابن مريم في القرن الرابع عشر بعد موسى العلية في بلد لم تعد فيه لبني إسرائيل قائمة.فعندما جاء في الدنيا مثيل موسى، أي سيدنا محمد المصطفى ، بحسب وعد التوراة في سفر التثنية، خلق الله تعالى في القرن الرابع عشر بعده الا الله أيضا مسيحا على غرار المـ الأول، وهو أنا.وكما أن مثيل موسى أفضل منه في منــه في أمور كثيرة، كذلك مثيل عيسى أيضا أفضل منه في أمور كثيرة، وهذه أفضلية جزئية يعطيها الله من يشاء.كيف تتحقق العصمة؟ أرى أن مسألة العصمة والشفاعة التي يقدمها المسيحيون مــــرارا وتكرارا ليست إلا خديعة بحتة انخدعوا بها.إذا كان المراد من المعصوم ألا يقدر عدوّ على النقد والطعن في حياته العملية فتعالوا نــــريكـم مــا كتب اليهود الذين طعنوا كثيرا في سيرة المسيح وأمه.وإذا كان المراد من المعصوم أن يدعي أحد بنفسه بأنه صالح فتعالوا نريكم من الأناجيل أن المسيح أقر بنفسه بأنه ليس صالحا.فلما لم تثبت عصمة المسيح ابـــــن مريم بأي طريقة بل يثبت من الأناجيل أن بعض تصرفاته تنافي العصمة؛ مثل شرب الخمر، ونقض أوامر التوراة الأبدية كالختــــان، وحرمـــة الخنزير والإضرار بأموال الآخرين بغير حق، وسباب الكتبة
۱۳۰۰ والفريسيين، والسماح للمومسات بمسح جسده، ودهن رأسه بزيت من مال حرام، وعدم منع التلاميذ من قطف السنابل من حقول الآخرين..قولوا الآن، بالله عليكم، أهذه الأمور كلها آثام أم لا؟ إذا كان شـــرب الخمر عملا حسنا فلماذا كرهه يوحنا، وقال دانيال بأن أبواب السماء تبقى مغلقة على شاربي الخمر؟ وكان أمر الختان أمرا دائما فلماذا منعه، أنه ينقذ من أمراض كثيرة بحسب البحوث المعاصرة أيضا؟ كذلك مع كان لحم الخنزير حراما إلى الأبد، فلماذا أفتى باستهلاكه؟ وقال مــــــن ناحية بأن التوراة لم تُنسخ، ثم نسخها بنفسه! صعب وجدير بالتذكر أن إثبات عصمة المسيح ابن مريم من الإنجيل كصعوبة إثبات صحة المسلول الذي بلغ به المرض مرحلة الذبول والإسهال.ألم يكن واجبا عليهم أن يثبتوا عصمة المسيح ال أولا قبل الطعن في الآخرين؟ هل من الأمانة في شيء الادعاء فـــورا بـالنظر إلى كلمة الاستغفار في القرآن الكريم بأن المراد منها هـو ارتكاب الإثم، وغض البصر عما ورد في الإنجيل أنني لست صالحا؟ بعد كل ذلك نرى أيضا بأنه لا يثبت كون أحد شفيعا في الآخرة إلا الذي أبدى شيئا من نماذج الشفاعة في الدنيا.فعندما ننظر إلى موس من هذا المنطلق يثبت كونه أيضا شفيعا لأنه أزال بدعائه أكثر من مرة عذابا موشكا، وهذا ما تشهد به التوراة وكذلك حين ننظر إلى سيدنا
محمد المصطفى من هذا المنطلق يتبين كونه شفيعا كأجلى البديهيات لأن من تأثير شفاعته رفع الصحابة المساكين إلى العروش.وكان من تأثير شفاعته أن صار الناس موحدين بعد ما تربوا في الوثنية والشرك - بحيث لا يوجد نظيرهم في أي زمن ثم من تأثير شفاعته أن متبعيه لا يزالون يتلقون إلهاما صادقا من الله تعالى إلى يومنا هذا، ويكلمهم الله تعالى.ولكن أين وكيف تثبت كل هذه الأشياء في المسيح ابن مريم.أية شهادة أكبر على شفاعة سيدنا ومولانا محمد المصطفى من أننا نجد بواسطته ما لا يمكن أن يجده أعداؤنا؟ من الله أما إذا أراد معارضونا اختبار ذلك فيمكن البت في الموضوع في غضون بضعة أيام.ولكنهم لا يريدون الحُكم بل يريدون إكراهنا علــــى أن نتخذ إلها لا يتكلم ولا يرى ولا يخبر بشيء قبل الأوان، أمــا إلهنا فقادر على كل ذلك، فطوبى لمن كان باحثا عنه.(نقلا عن مجلة "مقارنة الأديان" مجلد ۱، رقم ٥، أيار/مايو ١٩٠٢م، ص ١٧٥ إلى (۲۰۹