گناہ سے نجات کیوں کر مل سکتی ہے؟

گناہ سے نجات کیوں کر مل سکتی ہے؟
Author: Hazrat Mirza Ghulam Ahmad

Language: AR

AR

هذا الكتاب في أصله هو مقال للمسيح الموعود عليه السلام وقد نُشر في العدد الأول لمجلة مقارنة الأديان الأردية في يناير 1902م. كذلك نُشر هذا المقال في العدد الأول لمجلة مقارنة الأديان الإنجليزية بتاريخ 20-1-1902م. وبعد أربعة أيام من طباعة المجلة المذكورة كتب رئيس التحرير لجريدة "الحكَم" في عددها 24-1-1902م: "لا حاجة لنا إلى أن نقول شيئا عن نوعية المقالات المنشورة فيها إلا أنها صادرة من قلم المسيح الموعود عليه السلام". ثم أورد قائمة المقالات المنشورة في المجلة، وذكر هذا المقال في الرقم 3 في القائمة، ثم كتب: "لقد نُشر العدد الأول للمجلة، والمقالات المنشورة فيها كلها صدرت من قلم المسيح الموعود عليه السلام". لقد أضيف هذا المقال في سلسلة الخزائن الروحانية لأول مرة بإذن من سيدنا أمير المؤمنين، الخليفة الخامس للمسيح الموعود عليه السلام.


Book Content

Page 1

كيف يمكن التخلص من الإثم كيف يمكن التخلص من الإثم ؟ حضرة مرزا غلام أحمد القادياني العلا المسيح الموعود والإمام المهدي

Page 2

كيف يمكن التخلص من الإثم

Page 3

كيف يمكن التخلص من الإثم > أود أن أبين للناس في هذه المجلة أنه بقدر ما تطور عصرنا الحاضر من الناحية المادية فهو في انحطاط بالقدر نفسه من الناحية الروحانية؛ حتى لم تعد الأرواح تحتمل لتمس الحقائق المقدسة، بل يثبت من إمعان النظر في حالة الناس أن هناك جذبا قويا كامنا يجرهم إلى الأسفل، فيتحركـــون باستمرار إلى الدرك الأسفل الذي يمكن وصفه بتعبير آخــر بأسفل سافلين.وقد طرأ على المواهب انقلاب بحيث يمدح الناس بشدة متناهية جمال أشياء مكروهة وبشعة للغاية من حيث المنظور الروحاني.كل ضمير يشعر بأن جذبا يجره إلى الأسفل باستمرار.وقد هلك العالم بالتأثيرات المدمّرة لهذه الجذبات يُنظر إلى الحقائق المقدسة باستهزاء وسخرية، ويُعدّ التوجه الصادق والحقيقي إلى الله حمقا وغباوة.تتراءى جميع النفوس الموجودة على الأرض عاكفةً على الدنيا تمامــا وكــأنهم مضطرون ومقهورون بسبب قوة جاذبة خفية.هذا ما كتبته من قبــل أيضا بأن نظام الدنيا كله يجري بسبب الجذبات فقط.فالجانب الذي توجد فيه قوة اليقين الأقوى يجذب الجانب الثاني إلى نفسه.وما دامت صحيحة تماما الفلسفةُ القائلة بأنه لا يمكن أن يمنع جذبًا إلا الجذب الذي هو أقوى وأمتن منه بكثير، فإن تحويل اتجاه الدنيا التي تنجرف إلى الأسفل متأثرة بالجذب السفلي - إلى الأعلى أمر ميؤوس منه ما لم ينشأ من السماء جذب مضاد وقوي جدا يزيد الجانب المعاكس يقينا؛ بمعنى

Page 4

كيف يمكن التخلص من الإثم أنه ينبغي أن يرى المرء بنظر اليقين منافع ومتعا في أحكام الله الرحمن أكثر مما يراها في المنكرات الناتجة عن الأهواء النفسانية، ويــــرى بنظــر اليقين أيضا ارتكاب السيئة كالموت تماما لدرجة يأخذ بشغاف قلبــه.ونور اليقين هذا يأتي من السماء فقط بواسطة الشمس الذي هو إمام الوقت.لذا فإن عدم معرفة إمام الوقت هو موت الجاهلية.والذي يقول بأنه لا يريد الحصول على النور من هذه الشمس ينقض سنة الله المستمرة.هل يمكن أن ترى الأعين من دون الشمس؟ صحيح أن هناك نورا في الأعين ولكنه بحاجة إلى الشمس الشمس هي النور الحقيقي الذي ينزل من السماء وينوّر الأرض، والأعين بغيره عمياء.والذي يحرز اليقين بواسطة هذا النور السماوي سيجذب إلى الحسنات.والمعلوم أن نشوب المعركة بين الجذب السماوي والجذب الأرضي أمر طبيعي، لأنه في هذه الحالة سيجر جذب إلى الحسنة وجذب آخر إلى السيئة، وسيدفع جذب إلى المشرق وجذب آخر إلى المغرب.وسيكون التصادم بين الاثنين في غاية الخطورة حين يحتوي كل واحد منهما على جــذب شديد، ووجودهما ضروري في زمن يكون فيه العالم على أعلى مدارج الرقي.فمتى رأيتم أن الأرض تطورت إلى أقصى الغايات فاعلموا أن تلك الأيام هي أيام حدوث التطور في السماء، وتيقنوا أن هناك استعدادا روحانيا فيها، وقد نشأ هنالك أيضا جذب ينوي محاربــة الجــذب

Page 5

كيف يمكن التخلص من الإثم الأرضي.فالأيام التي تبلغ فيها الأرض في الغفلة والسيئة منتهاها تكـــــون مخيفة للغاية، لأنها هي الأيام الموعودة للحرب الروحانية التي بينها الأنبياء باستعارات متنوعة.وقد قدمه البعض في مثال بأنها الحرب الأخيرة بين ملائكة السماء وشياطين الأرض، التي عليها ستكون نهاية الدنيا.ولكن البعض حسبوها لجهلهم وغباوتهم حربا مادية تحارب بالسيوف والبنادق، ولكنهم مخطئون إذ عدُّوا الحرب الروحانية حربا مادية بسبب حمقهم وسفالة عقلهم.باختصار، هناك معركة شرسة حامية الوطيس في هذه الأيــام بــين ظلمة الأرض ونور السماء.لقد أشار أنبياء الله المقدسون جميعا منذ زمن آدم حتى نبينا الأكرم إلى هذه المعركة.ولقد سمى قادتهــا بــاسمين مختلفين أحدهما يخفي الحقائق والآخر مُظهرها.وقيل بتعبير آخر أن النازل من السماء بصحبة الملائكة النورانيين سيكون مظهر ميكائيل، والخارج من الأرض مع كافة الظلمات الشيطانية سيكون مظهر إبليس.والآن، حين نرى أن الجيش الأرضي على استعداد تام وهــــم مدججون تماما، ومنشغلون في أعمالهم بل أنجزوها أيضا إلى حد كبير، تنشأ أمنية حسنة بصورة طبيعية وتشهد الفراسة السليمة أن الملكوت السماوي أيضا ليس بغافل عن تلك الاستعدادات.ولكن مـــن عــــادة الملكوت السماوي أنه لا يحب الضجيج والغوغاء، بل يقوم بإجراءات

Page 6

كيف يمكن التخلص من الإثم كثيرة في الخفاء دون أن يعرفها الناس عندها تظهر في السماء آية وتظهر على الأرض منارة منيرة وبيضاء شديدة البياض ثم ينزل ذلك النور السماوي على المنارة فتنور المنارة العالم كله.6 هذه الفقرة الوجيزة بحاجة إلى الشرح وبيان ذلك أنه مع أن سلسلة الله الروحانية تماثل السلسلة المادية تماما ولكن من بعض النواحي توجد فيها خواص عجيبة لا يمكن أن تلاحظ بصورة بينة في السلسلة المادية؛ فمن جملتها خاصية أنه عندما يبدأ الجذب السفلي عمله فمع أنه معارض تماما للجذب السماوي ولكن يبدأ الجذب السماوي بالنشوء نتيجة المتطلبات الطبيعية لذلك الجذب.فمن المعقول تماما أن تحدث المعركة بينهما في وقت يكون فيه هذان الجذبان في منتهى قوتهما، وذلك الوقت هو الزمن الأخير من الدنيا لأن انتصار أحدهما يقتضي القضاء علـــى الفريق الآخر.فكلما تساوى الفريقان في القوة والشوكة فلا بد أن تنشب الحرب بينهما لأن كلا منهما قد تم بيانه في صحف أنبياء الله كنبوءة.كذلك يرى العقل أيضا هذا الأمر ضروريا، لأنه عندما يصطدم جذبان متعاكسان وقويان فلا بد أن يدمر أحدهما الآخر أو يفنى كلاهما.ولقد ذكرت هذه الحرب في كتب الأنبياء، بأنه عندما مضى على بعثة المسيح الله ألف عام كان الشيطان قد صُفّد خلالها بحسـ نبوءات الأنبياء ثم بدأ الجذب السفلى يستتب على الأرض.كان هذا هو

Page 7

9 الزمن الذي تعرّض فيه الإسلام للانحطاط من حيث مبادئه المقدسة وتوقف تقدُّمه الروحاني، وانتهت انتصاراته الظاهرية أيضا.وقد ولـــد الإسلام في الزمن الذي صُفّد فيه الشيطان، وكان من الضروري أن يحدث ذلك كما شهد جميع الأنبياء حتى يوحنا اللاهوتي.ثم بدأ انحطاطه وتوقف تقدّمه عند فك أسر الشيطان، أي بعد عام ١٠٠٠ الميلادي.منذ ذلك الوقت بدأت مكايد الشيطان في أساليب متنوعة وظل هـذا الغراس ينمو في الأرض، وتفرعت بعض أغصانه في الشرق وبعضها وصلت إلى أقاصي المناطق المأهولة في الغرب، وتوجه بعضها إلى الجنوب وبعضها إلى الشمال.فكما كان عصر أسر الشيطان ممتدا إلى ألف عام والتي شهدت لها الأحداث الخارجية كذلك امتد زمن فك أسره أيضا نحو ألف عام بحسب نبوءات الأنبياء وانتهى على رأس القرن الرابع عشر الهجري.ولكن هذه الألفية محسوبة بحسب حساب الله تعالى أي بحسب التقويم القمري.وهذا هو التقويم الذي علمه الله اليهود والمسلمين لمعرفة مواعيد الأنباء، والتقويم الشمسي بدعة ابتدعها الناس وتنافي مقتضى الصحف المقدسة.باختصار إن أيام مهلة الشيطان الأخيرة بحسب هذا التقويم هــي الأيام الراهنة التي نحن فيها، بل كأنها انقضت لأن القرن الهجري الذي على رأسه اكتملت الألفية لفك أسر الشيطان قد انقضى منه نحو ١٩

Page 8

عاما.والشيطان لا يريد أن تُنزع منه الحرية والسلطنة.لذا لا بد من نشوب الحرب التي كانت مقدرة منذ القدم بين قوتي الجذب.ومن المستحيل أن يبطل كلام الله والشهادة الأخرى على هذه الأيام هي ! أنه قد انقضت منذ بدء الخليقة أي منذ آدم الليلة الألفية السادسة التي كان المفروض أن يولد فيها آدم الثاني، لأن اليوم السادس هو يوم ولادة آدم.وألف سنة بحسب كتب الله المقدسة من هي كمثل يوم واحد.فلا بد من التسليم بحسب وعود الله تعالى بأن ذلك الآدم قد ولد، وإن لم يُعرف إلى الآن بوجه كامل ولا بد من التسليم أيضا إلى جانب ذلـــك أن مقر آدم هذا الذي قدّر بيد الله تعالى هو الشرق وليس الغرب، لأنه ثابت من التوراة :۲ ۱۸ أن آدم أعطي مكانا في جنة شرقا.فكــــان ضروريا أن يُبعث آدم هذا أيضا في بلد شرقي حتى تبقى المماثلة قائمة من حيث المكان بين الأول والأخير.وكما لا المسلمين إلا الاعتراف بذلك، كذلك لا مجال للمسيحيين للتهرب أيضا بشرط ألا يمنعهم عرق الإلحاد فلا تبقى هناك أية مشكلة لفهم الحقيقة الناصعة، بل القضية واضحة تماما بأن الزمن الراهن هو زمن الحرب بـيـن النــور والظلام.وقد أبلغ الظلام أمره منتهاه، ولا يؤمل أن يتغلب أحد على \ "وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ".(سِفْرُ التكوين ٢ : ٨) (الناشر)

Page 9

هذا الظلام دون نزول النور السماوي.وليس هناك أدنى شك في أن الظلام على أشدّه، وأن مصباح الحق شبه المنطفئ على وشك الفناء.المعتقدات التقليدية والعلوم التقليدية والصلوات التقليدية أن وليس بوسع تستعيد هذا الضوء المفقود.هل يستطيع الأعمى أن يُري الأعمى طريقا؟ وهل للظلام أن يزيل الظلام؟ كلا، ثم كلا وإنما هناك حاجة الآن إلى منارة جديدة لتُبنى على الأرض وتعلو على العمران السفلى بتفوق لينزل عليها نور سماوي ويوضع عليها المصباح السماوي، لينور بضوئه العالم كله، فأنى لنور المصباح أن ينتشر إلى أبعاد شاسعة مـالم يوضع المصباح في أعلى مكان؟ ،والآن بقى أن تفهموا ما هى المنارة؛ فليكن معلوما أن المنارة هي نفس مقدسة ومطهرة وذات عزيمة عالية يُعطاها الإنسان الكامل الذي يستحق نوال النور السماوي، حيث يتضمن معنى المنارة هذا المفهوم.والمراد من علوّ المنارة هو علوّ عزيمة ذلك الإنسان والمراد من قوة المنارة هو استقامة ذلك الإنسان التي يبديها عند الابتلاءات المختلفة وبياضه هو براءته التي تتبين في نهاية المطاف.وعندما يتم كل ذلك، أي تتبين براءته بعلو همته وكمال استقامته وصبره وصمود ده وبالأدلة كالمنـــارة الساطعة، عندها يحين وقت مجيئه الجلالي وتنتهي مرحلة المجيء الأول المصحوب بالابتلاءات عندها تنزل تلك الروحانية متصبغة بصبغة

Page 10

جلال الله على شخص قائم كالمنارة.وفي ذلك الحين تتولد فيه التأثيرات الإلهية بإذنه تعالى.هذا كله يحدث عند المجيء الثاني.وإن مجيء المسيح الموعود بأسلوب خاص صورة كاملة لهذه الحقيقة.هناك روايات رائجة بين المسلمين أن المسيح الموعود سينزل على المنارة.ولكن المراد مــــــن النزول هو المجيء الجلالي الذي تحالفه الصبغة الإلهية، وليس معناه أنه لم يكن موجودا على الأرض من قبل.ولكن من الضروري أن تُبوئــــه السماء عندها إلى أن يحين الوقت الذي قدّره الله.ومن سنة الله أيضا أنه من أجل ترسيخ الأمور الروحانية في الأذهان يخلق لها بعض جوانبها المادية أيضا، مثل هيكل بيت المقدس والكعبة في مكة المعظمة.فهاتان الصورتان تمثلان تجليات روحانية.وبناء على ذلك قد قيل في الشريعة الإسلامية بأن المسيح الموعود سينزل على المنارة أو عند المنارة في بلد شرقي دمشق، كما أعطي آدم أيضا مكانا في الجانب الشرقي.ولا ضير في بناء المنارة الظاهرية أيضا قبل هذا المجيء الجلالي بل توجد في الأحاديث نبوءة أنها ستكون علامة المجيء الجلالي للمسيح الموعود وستُبنى قبل مجيئه.ومن المقدّر أن مجيء المسيح الموعود سيكون على نوعين.أولا: المجيء العادي المصحوب بشتى أنواع الابتلاءات، وهذا الوقت سيكون وقت أصناف المعاناة.وعندما تنتهي هذه الأيــــام عندها يحين المجيء الجلالي.وضروري أن تُبنى منارة قبل ذلك الحين،

Page 11

Kork كما ذكر في الأحاديث أنه ستكون هناك لإظهار هذه الحقيقة منارة أثناء مجيئه ظاهرية أيضا، وستكون صورةً للمنارة الباطنية.والدنيا لا تعرف ذلـــك النازل قبل أن ينزل بالجلال لأنه ليس من الدنيا ولا تحبه الدنيا لأنها لا تحب الإله أيضا الذي جاء هو منه.فلا بد أن يؤذى في الأول، ويعذَّب وتوجه إليه تهم شتى كما جاء في النبوءات الإسلامية بأن المسيح الموعود لن ينال القبول في بداية الأمر، وستتفاقم تجاهـــه ضغائن الجهلاء وتبلغ شرورهم منتهاها فيحسب الذي يهاجمه ظلمـــا وعدوانا أنه كسب حسنة عظيمة، ويحسب من يؤذيه أنـــه أرضـــــى الله تعالى بفعلته هذه وسيظل الحال على هذا المنوال وستحل به ألوان الزلازل وستواجهه كل أنواع المصائب حتى تتحقق فيه سنة الله.عندها سيأتي وقت مجيئه الجلالي وتُفتح أعين القلوب المستعدة فيفكرون بأنفسهم ما القصة؟ وأي نوع كاذب هذا الذي لا يُهزم ولا يُغلب؟ ولماذا تحالفه تأييدات الله ولا تحالفنا؟ عندها سينزل على قلوبهم ملاك الله ويفهمهم: هل الأنباء في أحاديثكم ورواياتكم التي تعرقل سبيلكم حتمية الوقوع؟ ألا يمكن أن يكون بعضها موضوعا أو خاطئــــا؟ أَولا يجوز أن تتحقق بعض الأنباء على سبيل الاستعارات؟ هل كان هنـــاك بب آخر لشقاوة اليهود وعدم إيمانهم إلا أنهم ظلوا منتظرين أن تتحقق كل هذه الأمور ظاهريا وبحسب مزاعمهم ولكن لم يحدث شيء مما

Page 12

أرادوا ؟ فما دام الإله نفسه موجودا الآن أيضا، ولا تزال سنته هي هي فلماذا لا يمكن أن تكونوا أنتم أيضًا قد واجهتم الابتلاء نفسه؟ باختصار، سيعود الناس إلى الأفكار نفسها بطبيعتهم في نهاية المطاف كما ظل الحال منذ القدم.ولكن ليس صحيحا أن العصر الراهن هـو عصر الحروب المادية لنشر الصدق والدين الحق لأن السيف لا يمكن أن يُظهر محاسن الحق، بل يغطّيها ويجعلها مشبوها فيها.والذين يميلون إلى هذه الأفكار ليسوا أصدقاء الإسلام بل أعداءه وإن طبائعهم منحطة وسافلة جدا وهممهم هابطة وقلوبهم منقبضة وأذهانهم بلهاء، وطبائعهم مظلمة لأنهم يعطون المعارضين فرصة الاعتراض وهو في محله في الحقيقة لأن الإسلام محتاج لارتقائه إلى الجهاد القتالي بحسب زعمهم.وهذه إساءة إلى الإسلام لأن الدين الذي يملك القوة ليثبت صدقه بكل سهولة بأدلة عقلية أو بنوع آخر كشهادات جديرة بالتمسك بهــا أو بآيات سماوية؛ فهو ليس بحاجة إلى أن يُكره أحدا على قبول صدقه بالجبر أو التهديد بالسيف.ولكن إذا لم تكن في دين ما هــذه الميزة الذاتية، بل كان يتدارك ضعفه بقوة السيف فلا حاجة إلى دليل آخـ على بطلانه، بل سيفه يكفي لقطع جذوره.أما الاعتراض بأنه إذا كان الجهاد القتالي غير جائز الآن فلمــاذا استخدم السيف في صدر الإسلام؟ فهذا خطأ المعترضين أنفسهم،

Page 13

و منشؤه عدم العلم إنهم لا يدرون أن الإسلام لا يجيز الإكراه قط لنشر الدين.انظروا كيف جاء المنع من ذلك في القرآن الكريم حيث يقول: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ، فلماذا رُفع السيف إذًا؟ الحقيقة أن النــاس الهمجيين من العرب الذين لم يبق فيهم شائبة من الأدب والتحضــر صاروا أعداء ألداء للإسلام والمسلمين.وعندما أُقمت عليهم الخطأ التوحيد والحقائق الإسلامية بالأدلة البينة ووضح لهم جيدا أنه من الفادح أن يعبد المرء أصناما مع كونه إنسانا ، لأن ذلك يعارض الإنسانية أيضا، فلم يطيقوا جوابا على هذه الأمور المعقولة.وبسبب عدم قدرتهم على الجواب نشأت في العقلاء حركة إلى الإسلام.فانفصل الأخ عـــــن الأخ والأب عن الابن.فلم يجدوا حيلة لإنقاذ دينهم الباطل إلا أن يمنعوا الناس من الانضمام إلى الإسلام بعقوبات قاسية.عندئذ بدأ "أبو جهل" وغيره من زعماء مكة يفعلون ذلك في مكة المعظمة.المطلعون على تاريخ صدر الإسلام يعرفون جيدا ما صبّه المعارضون من المظالم في مكة، وكم من الأبرياء قتلوهم ظلما، ومع.ذلك لم يرتدع الناس عـــــن الإسلام لأن حتى من يملك عقلا سطحيا يعرف وضوح الإسلام ومعقوليته مقابل عبادة الأوثان ولما لم ينجح كيدهم هذا أيضا بحسب مبتغاهم قرروا أن يقتلوا النبي.ولكن الله تعالى أنقذه وأوصله إلى البقرة: ٢٥٧

Page 14

المدينة، فلاحقوه ليقتلوه، ولم يتخلوا عن سلوكهم بأي حال.فما كانت في يد الإسلام حيلة إلا أن يدافع ضد تلك الهجمات ويعاقب الذين كانوا يهاجمون بغير حق.إذا، فإن حروب الإسلام لم تكن لنشر الدين بل لإنقاذ حياة المسلمين.هل يقبل عقل سليم أن الإسلام عجز عن إثبات معقولية التوحيد حتى لعبدة الأوثان الهمجيين؟ هل لعاقل أن يقبل بأن الإسلام كان مغلوبا على أمره من حيث الحجة أمام المشركين الذين كانوا يعبدون الأحجار والجمادات، وكانوا ملوّثين بأصناف الأرجاس، وكان ينجز مهمته بالسيف؟ العياذ بالله كلا، هذه الأفكار ليست يريد أن صحيحة قط.والذين وجّهوا إلى الإسلام اعتراضات من هذا القبيل قد أخفوا الحق ظلما منهم.صحيح أن المشايخ أخذوا نصيبا من هذا الظلم، لكن القساوسة لا يقِلُّون عنهم في هذا المجال، حيث رسخوا في أذهان عامة الناس كــــلام المشايخ قليلي الفهم بتوجيه اعتراضات من هذا القبيل إلى الإسلام.فزعم عامة الناس أنه ما دام مشايخنا يفتون بالجهاد، وكذلك القساوسة، وهم أصحاب العلم، يثيرون الاعتراضات نفسها فيثبت من ذلك أن الجهاد (العدواني المزعوم) مسموح به في ديننا.ما أعظمه من ظلم ارتكب إذ ألصق هذا الاعتراض بالإسلام بشهادتين لو لم يسلك القساوسة هذا

Page 15

المسلك وقالوا بأمانة التزاما بالحق والصدق بأن هؤلاء المشايخ يفتون هذه الفتوى جهلا وغباوة منهم وإلا فإن الظروف التي أدت إلى هذه الضرورة في صدر الإسلام لم تعد موجودة في الزمن الراهن، لكان مــــــن المأمول أن تختفي فكرة الجهاد (الخاطئة) من الدنيا نهائيا.ولكن لما كان الإفراط في الحماس والتفريط في الفهم، لم يفهموا الحقيقة.صحيح : تماما أنه عندما استحق العرب القتل في نظر الله نتيجة كثــــرة أعمالهم المفسدة وبسبب سفكهم الدماء بغير حق، عندها صدر الأمــــر أنهم يستحقون القتل، ولكن مع ذلك لو آمنوا لرفعت عنـهم عقوبــــة القتل.ولعل المعارضين قليلي الفهم انخدعوا من هذا الحكم.إنهم لا يفقهون أن هذا ليس إكراها بل هو تخفيف عن الذين كانوا يستحقون القتل، ولا غباوة أكبر من عده إكراها.فقد استحق هؤلاء القتل لقتلهم لا لكفرهم.وكان الله الرحيم أيضا يعرف جيدا أنهم مدركون لصـــدق الإسلام جيدا فقد اقتضت رحمته أن يُعطى المجرمون الواجب قتلهم فرصة للعفو عن ذنوبهم.فيتبين من ذلك أيضا أن الإسلام لم يرد قط أن يقتل أحدا بل الذين استحقوا القتل نتيجة سفكهم الدماء أوجــد لهــــم أيضا طريقا للعفو.ففي ذلك الزمن واجه الإسلام هذه المشاكل في كل مكان لأن العناد كان متفاقما ضده في كل قوم؛ وكان إذا أسلم أحـــــد من أي قوم تعرض للقتل أو صارت حياته في خطر دائـــم وأصبحت

Page 16

جحيما.ففي هذه الأوضاع اضطر الإسلام إلى خوض الحروب لإرساء دعائم الأمن.وبدون هاتين الحالتين لم تخطر الحرب ببال الإسلام قط في ذلك الزمن من الابتلاء أيضا.لم يهدف الإسلام إلى خوض الحروب من أجل الدين ولكنه أكره عليها بغير حق.فكل ما حدث علــــى صــعيد الواقع كان من أجل حماية الحرية وللدفاع ولكن المشايخ قليلي الفهم أضافوا إلى هذه القضية حواشي من عند أنفسهم واعتبروا الوحشية المخجلة افتخارا لهم.ولكن هذا ليس خطأ الإسلام بل هو قصور عقول هؤلاء القوم الذين يعدّون دم الإنسان أرخص من دم الدواب أيضا، ولم يشبعوا من سفك الدماء إلى الآن بل ينتظرون مهديا سفاكا لهذا الغرض.وكأنهم يريدون أن يثبتوا لجميع الأقوام أن الإسلام كان بحاجة إلى الجبر والإكراه دائما من أجل انتشاره، وليس فيه أدنى صــدق أو حق.يبدو لي أن المشايخ في العصر الحاضر ليسوا راضين بالانحطاط الذي يواجهه الإسلام حاليا فحسب بل يريدون أن يذهبوا به إلى الدرك الأسفل بإصرارهم على هذه المعتقدات ولكن اعلموا يقينا أن الله لا يرضى بأن يكون الإسلام عُرضة لمثل هذه التهم واللــــوم.يكفي للمعارضين الجهلاء ابتلاء أنهم مازالوا ثابتين على فكرتهم القائلــة بـأن الإسلام ظل يستخدم السيف للإكثار من عدد جماعته في الزمن الأول

Page 17

وبعده أيضا.لقد آن أوان اقتلاع هذا الخطأ من الأذهـــان بـدلا مـــن ترسيخه أكثر من ذي قبل.لو ركز المشايخ المسلمون مجتمعين على أن يزيلوا هذا الخطأ من أذهان المسلمين الهمجيين لكانت هذه منة عظيمة لهم على القوم دون أدنى شك.وليس ذلك فحسب بل لَظَهَرَ للناس أساس محاسن الإسلام العظيمة بواسطتهم، ولزالت جميع أنواع الكراهية التي يكنها تجاه الإسلام معارضوه على أساس الدين نتيجة أخطائهم.تصبح أنظارهم نقية وتستفيض سريعا من ينبوع النور هذا.من الواضح أن أحدا لا يقرب شخصا سفاكا بل يخافه الجميع وترتعـــب النساء والأولاد خاصة بمجرد رؤيته، فهو يتراءى كالمجنون، ويخاف معارض ينتمي إلى دين آخر أن يبيت عنده خشية أن يقتله ليلا ليُسمى مجاهدًا، لأنه ما زالت في بعض سكان التخوم عادة أنهم لكسب الثواب بهذه الطريقة كما يزعمون - يسفكون الدماء بغير حق ويزعمون عندها أنهم كسبوا الجنة اليوم بعمل واحد واستحقوا جميع نعمها.فكم هو مخجل أنه قد رُفع الأمان عن الأقوام الأخرى في جوار المسلمين ولا تطمئن قلوبهم أن هذا القوم سيحسن إليهم إذا سنحت لهم فرصة! نواجه في كثير من الأحيان مواقف نرى فيها شخصا من قوم آخرين مرتعبا مذعورا بسبب هذا المعتقد الكامن عند المسلمين.

Page 18

لقد سبق لي أن شاهدت مشهدا، ولعل تاريخـه يعود إلى ۱۹۰۱/۱۱/۲۰م حين جاء إلى قاديان شخص إنجليزي وكان لفيف من أفراد جماعتي مجتمعين حينها وكان الحديث يدور حول موضوع ديني، فجاء الشخص المذكور ووقف جانبا، فدعوتُه بلطف وأجلسته بقربي.و تبين أنه سائح إنجليزي وقد زار بلدا من البلاد العربية أيضا ويريد أن يصور أفراد جماعتنا فساعدناه في ذلك، وقلنا له جبرا لخاطره ومراعاة له أن يمكث عندنا بضعة أيام.ولكن تبين أنه كان خائفا، وقال بأنه رأى كثيرا من المسلمين الذين يقتلون المسيحيين دون هوادة فسرد بعض القصص من هذا القبيل من بغداد حيث وقعت مثل هذه الأحداث دون رحمة.فوضحنا له الأمر بلطف وتودُّد أن هذه الفرقة التي تسمى الجماعة الأحمدية بريئة من تلك المعتقدات براءة تامة، وتكــــره هـؤلاء الناس بشدة.والذي تهدف إليه هذه الفرقة في مجال حقوق البشر هو أن تستأصل مثل هذه الأفكار من الإسلام عندها اطمأن قلبه وبات عندنا ليلة هانئ البال.الهدف من بيان هذه القصة هو أن هذه المعتقدات التي لا علاقة لهـــا بحقيقة الأمر قد ألحقت بالأمم الأخرى أضرارا كثيرة ونشأ النفور وسوء الظن في قلوبهم.وتضاءل في قلوبهم حسن الظن بمواساة المسلمين شيء فبالذين لا يعيشون على نهج المشايخ ولا الصادقة.وإذا بقى منه

Page 19

هذه يهتمون بالالتزام بمبادئ الإسلام شيئا.فلما تفاقم سوء الظن بالمسلمين إلى هذا الحد -مع أن المسلمين أنفسهم هم السبب وراءه فأي ذنب أكبر من أن هؤلاء العلماء ومريديهم حرموا العالم من بركات الإسلام؟ هل يمكن أن يكون من الله دين لا يستطيع أن يرسخ في القلوب تعليمه ما لم يُر بريق السيف؟ الدين الحق هو ذلك الذي يُنجز عمل السيف بمحاسنه الذاتية وقوته وأدلته القطعية دون الحاجة إلى سيف من حديد.هي المفاسد التي تقتضي في كل حين وآن أن يُبعث مصلح.عندما نتأمل في حالة الإسلام الداخلية نجدها مخيفة، وكأن شمسا أصابها الخسوف وأظلم جزء كبير منها و لم يبق منها إلا نزر يسير فقط.إن حالة المسلمين العملية الجديرة بالرحمة.وقد وضعت بعض الأحاديث التي تؤثر سلبا وبشدة على أخلاقهم وتعادي القوانين التي وضعها الله تعالى.فمثلا قد سن قانون الله تعالى حقوق الإنسان من ثلاثة أنواع؛ وهي: لا تقتلوا شخصا بريئا، ولا تهتكوا عرض بريء، ولا تأخذوا مال أحد بغير حق.ولكنني أرى أن بعض المسلمين نقضوا هذه الأوامر الثلاثة فنراهم يسفكون دم الأبرياء ولا يخافون، وقد أصدر مشايخهم الحمقى فتــاوى تجيز إغواء نساء الأقوام الأخرى - يسمونهم كافرين وملحدين- بحيلـــة من الحيل أو سبيهن وجعل نكاحهنّ جائزا.وكذلك تجيز غصب أموال الكفار أيضا بالخيانة والسرقة، ولا إثم في ذلك!

Page 20

> الآن، يجب التأمل في الحالة الخطيرة لذلك الدين الذي تطرق إليـه الفساد إلى درجة يُصدر فيه المشايخ مثل هذه الفتاوى! لقد اخترع الله والرسول.المغرضون كل هذه الفتاوى من عند أنفسهم وافتروا على إن مسؤولية هذه الآثام التي يرتكبها هؤلاء الهمجيـــون الأغبياء تقــــع عليهم.إنهم ذئاب ولكنهم يظهرون في لباس الشياه ويخدعون.إنهم سموم ولكن يُظهرون أنفسهم ترياقا مفيدا إنهم يسيئون كثيرا إلى الإسلام وإلى خلق الله، وقلوبهم خالية من الرحمة والمواساة ولكنهم يخفون خبايـــاهم.يعظون بالمكر السيء ويهتمون بأهدافهم الشخصية.يأتون المساجد في لباس الزهاد وتكون عادات فسقهم خافية.هذه الحال لا تسود بلـدا واحدا، ولا يقتصر الأمر على مدينة معينة أو فرقة معينة بل توجد في العالم الإسلامي كله فئة تُدعى علماء، يلبسون عباءات المشايخ ويُظهرون أنفسهم كأناس ملتزمين قدر استطاعتهم ليُعَدُّوا صالحين ومقدسين جدا، ولكن تشهد أعمالهم على ماهيتهم وكيفيتهم وسيرتهم.لا يريدون أن تنتشر في العالم طهارة حقيقية ولا مواساة صادقة لأن ذلك يسبب لهم خسارة.فالحاصل أن الإسلام في دوامة المشاكل في هذه الأيام.لقد ماتت معظم الأرواح، وليس فيها أدنى حركة إلى الحسنات.لقد ترك الناس الاعتدال نهائيا.فيهم فئة يعبدون القبور ويطوفون حولها كالطواف حول

Page 21

الكعبة.ويحسبون أرواح مرشديهم قادرة ومتصرفة وكأن الله خوَّلها في كل شيء.ستجدون بجانب معظم الزوايا قبرا يطلب أصحابها من مريديهم أن يعبدوه.وإذا طلب منهم أحدٌ كرامة سردوا آلاف الكرامات لصاحب القبر دون دليل على إحداها إن مغزى الإسلام عندهم هو عبادة القبور ويحسبون المسلمين الآخرين كلهم ضالين.هذه فئة أفرطوا ، وبإزائهم توجد فئة التفريط أيضا الذين تجاوزوا الحدود في الإنكار ، بحيث ليست النبوة أيضا شيئا يُذكر عندهم دع عنك الولاية.ينكرون المعجزات تماما ويضحكون عليها ويسخرون.ويؤولون الوحي على أنه أفكار قلب صاحب الكتاب، فهو بارع في اختراع مثل هـذه الأفكار ! والنبوءة البعيدة عن حدود فراسة العقل والمبنية على خبر الغيب الخالص مستحيلة عندهم.باختصار، يرون أن الوحي لا ينزل من عند وليست المعجزات بشيء يُذكر، ولا حقيقة للنبوءات، وأن قبـور الموتى ليست إلا كومة من التراب ليست للأرواح معها علاقة قط، وأن قيام الموتى قصص من زمن بعيد عن العقل، وأن التفكير في الآخرة حمق.والعقل كله يكمن في الحصول على مؤهلات لكســـب الــدنيا.ويريدون أن يتبعوا الذين يعكفون على الدنيا وملذاتها ومشاغلها ليل نهار فيكونوا مثلهم تماما.الله

Page 22

هذا الإفراط والتفريط يتعلق بمسألة النبوة والمعاد.هذا، وهناك إفراط وتفريط بين المسلمين في جميع أمور عشرتهم.لا يوجد اعتدال في الكلام ولا في العمل، ولا في الأخلاق ولا في النكاح ولا في الطلاق ولا في الإمساك ولا في الإنفاق، ولا في الغضب ولا في الرحمة، ولا في الانتقام ولا في العفو.لباب الكلام أن طوفان الفوضى الغريبة سائد في هذا القوم، إذ لا نهاية للجهل ولا حدود للضلال.فلما بلغ القوم الذي ظهر في العالم لابسا لباس التوحيد والاعتدال هذا الحد من عدم الاعتدال فكيف نتأسف على أمم أخرى وماذا نقول عنهم؟! إن مركز المسيحيين أرضُ كانت الفطنة ولطافة القوى الدماغية تعطي فيها آمالا كبيرة، ولكن نقول مع الأسف بأنهم أيضــا قــرأوا الفلسفة والعلوم الطبيعية فيما يتعلق بالدين والتوحيد وأضاعوها.فحين نرى من ناحية أنهم قد بلغوا المنتهى من حيث أمور الدنيا والتخطيط وترتيب الأمور واكتشاف الصنائع الجديدة كل يوم، ثم نرى من جهــة أخرى أنهم انحطوا إلى الدرك الأسفل في مسألة معرفة الله حتى حسبوا إنسانا ضعيفا رب العالمين؛ نحتار بشدة ونضطر إلى القول: عجبا لهذا الذهن المتوقد في أمور الدنيا، وعجبا لهذه الفطنة والذكاء في معرفة الله !!

Page 23

عندما نتأمل فيما يميز بين المسيحيين والمسلمين من حيث الإفراط والتفريط، يتبين أن في المسلمين أناسا كثيرين يُتلفون حقوق البشر، أما في المسيحيين فأناس يتلفون حقوق الله، لأن خطأ المسلمين في قضية الجهاد قد أدّى إلى قسوة قلوبهم لدرجة لم تعد في قلوبهم مواساة حقيقية للبشر، لذلك يستعد الهمجيون منهم لسفك دماء الأبرياء لأدنى أغراضهم النفسانية أو لثورة شيطانية، ولا يقصرون في هتك الأعراض وغصب الأموال أيضا.وقد وصموا الإنسانية بإتلافهم جزءا هاما مـــــن حقوق البشر.ثم عندما نتأمل في أحوال المسيحيين يتبين بجلاء تام أنهم لم يدخروا جهدا في إتلاف حقوق الله ، واتخذوا إنسانا ضعيفا إلهــا دون مبرر، ولكن لم يتحقق هدفهم الذي ألهوه من أجله.إذا كان الإيمان بكفارة يسوع المسيح هو الوصفة الوحيدة لطهارة الإنسان من الذنب فلماذا لم تنجح في تطهير الناس في أوروبا من عبادة الدنيا وذنـوب إشباع الأهواء غير المشروعة التي يخجل المرء من ذكرها أيضا بـل قــد تقدموا فيها لدرجة تفوق العادة هل البلاد الأوربية أقل من البلاد الآسيوية في السيئات؟ فلماذا إذًا لم يُعد النظر في هذه الوصفة غير الناجعة؟ من المعلوم أن الطبيب والمريض يلتزمان - لاستعادة صحة مؤقتة في الدنيا- بقانون أنه إن لم تُفِد وصفة معينة إلى أسبوع أو عشرة أيــــام تغير الوصفة ويُتأمل في اقتراح أحسن منها.فلماذا إذا لم تغيـر هـذه

Page 24

الوصفة إلى الآن مع ثبوت عدم صحتها؟ وبعد مرور ١٩٠٠ عام سدى هل ما زالت تحمل شيئا من الأهمية فكرة أن الإيمان بدم المسيح يــؤدي إلى النجاة الحقيقية؟ أو يمكن أن نتوقع أن يكون المسيحيون أكثر الناس اجتنابا للسيئات والسلوك غير اللائق في المستقبل وإن لم تظهر إلى الزمن الراهن مميزات حاسمة في هذا الموضوع؟ والذي يعيش في بلد من بلاد أوروبا بإمكانه أن يشهد إن أراد أن البيان المذكور صحيح تماما.بل كل عاقل زار البلاد الأوروبية أو مكث في باريس مثلا مدة وجيزة، لـن يتردد في الإدلاء بالشهادة أن بعض مناطق أوروبا قد وصلت درجة لا يكاد أهلها يعدون الزنا ذنبا أصلا.إن تعدد الزواج حرام عندهم ولكن النظرة السيئة ليست حراما.ففي فرنسا مئات آلاف النساء اللواتي لسن بحاجة إلى الزوج.إذا، فلا بد من القول بأنهم إما اكتشفوا في الإنجيل عبارة جديدة حتى حلت لهم بسببها هذه التصرفات كلها أو يجب القول بأن وصفة كفارة المسيح أثرت سلبا وثبت بطلان الادّعاء.ولكن الحق أن هذه الوصفة لم تكن ناجعة قط، وليس لموت شخص علاقة طبيعية بنجــاة شخص آخر.إن حياة الإله مدار البركات كلها وليس مماته، لأن الضوء يسطع بطلوع الشمس وليس بغروبها.فلما لم يتحقق هدف التطهر من الذنوب بواسطة هذه الوصفة لم يعد صحيحا أيضا المبدأ القائل بأنه

Page 25

كان ابن الله الذي قتل نفسه بتلك النية.لا يسعنا أن نجيز للإله موتا، بحيث مات ولم يتحقق مطلقا الهدف من موته أيضا.أولا وقبل كـ شيء إنه لمما يخالف سنة الله القديمة أنه يمكن للإله أن يتولد من بطن امرأة بقبوله لنفسه الموت والفناء وكل نوع من الذلة والإهانة، لأن هذا الادعاء لم يُثبت بأي نظير حتى يُفهم فيطمئن القلب أن الإله قد ولـــد بضع مرات بهذه الطريقة من قبل أيضا، و لم يُثبت هذا الادعاء بواسطة المعجزات الإلهية التي تفوق حدود معجزات البشر! ومع كل ذلك لم يتحقق الهدف الحقيقي الذي من أجله اخترع هذا الاعتقاد.هناك ذنبان كبيران في الدنيا بسبب إشباع الأهواء النفسانية أحدهما شرب الخمـــر والآخر هو الزنا.قولوا الآن بالله عليكم أليس صحيحا أن معظم الرجال والنساء في أوروبا قد نالوا حظا كاملا من هذين الإثمين؟ بل لا أرى مبالغة في القول بأن أوروبا سباقة على كافة البلاد الآسيوية في شرب الخمر.وتوجد في معظم المدن الأوروبية في مدينة واحدة محلات لبيع الخمور لا يساويها عدد جميع أنواع المحلات الموجودة في البلدات عندنا مجتمعة.وتشهد التجربة أن الخمر أصل الآثام كلها، لأنها تسكر الإنسان في بضع دقائق وتشجعه على سفك الدم أيضا.أما بقية أنواع الفسق والفجور فهي من نتائجها المحتومة.

Page 26

الحق والحق أقول وأركز على أن الخمر والتقوى لا يمكن أن يجتمعا في مكان واحد والذي ليس مطلعا على عواقبها الوخيمة فهو ليس عاقلا قط.والطامة الكبرى الأخرى فيها هي أن التخلي عن الإدمان عليها ليس بوسع كل شخص.وإذا طُرح سؤال أنه إذا كان دم المسيح لا يقدر على التطهير مــــ الآثام كما لم يقدر فعلا، فهل هناك علاج للتطهر منها أم لا؟ لأن الحياة القذرة أسوأ من الموت في الحقيقة.فلا أقول في جوابه بكل تحد فقط بل من خلال تجربتي الشخصية والحقائق التي جربتها بنفسي بأن هناك وسيلة وحيدة للخلاص من الإثم والمعصية منذ خلق الإنسان وإلى هذه الأيام التي هي ! الأيام الأخيرة، وهي أن يصل الإنسان بواسطة الأدلة اليقينية والآيات الساطعة إلى معرفة تُريه وجه الله تعالى في الحقيقة ويتبين له أن غضب الله نار أكول.ثم يثبــت بواسطة تجلّي جمال الله تعالى بأن كل متعة كاملة توجد فيه ، أي تُرفع كل الحجب جلالا وجمالا.هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تتوقف بها الأهواء النفسانية، وبها ينشأ في الإنسان تغير طيب طوعا أو كرهــا.قد يقول الناس على هذا الجواب : ألا نؤمن بالله؟ ألا نخاف الله؟ ألا نحبه؟ ألا تؤمن الدنيا بالله سوى قلة قليلة من الناس، ومع ذلك يرتكبون أنواع الآثام أيضا وتراهم متورطين في أصناف الفسق والفجور؟ فجواب

Page 27

197 ذلك أن الإيمان شيء والعرفان شيء آخر.ليس المراد من بياني هذا أن المؤمن يجتنب الآثام بل معناه أن العارف الكامل هو الذي يجتنبها، أي ذلك الذي تذوّق طعم خوف الله كل وحبه أيضا.لعل أحدا يقول هنا بأن الشيطان أيضا حائز على المعرفـــة الكاملـة فلماذا يعصي؟ فجوابه بأنه ليست لديه المعرفة الكاملة قط التي يُعطاهـا السعداء.ومن طبيعة الإنسان أنه يتأثر حتما بالعلم البالغ درجة الكمال، ولكن عندما يواجهه الهلاك بوجهه المهيب فلا يتصدى له.أما حقيقة الإيمان فليست إلا أن المرء يؤمن على سبيل إحسان الظن، أما حقيقة العرفان فهي أن يرى أيضا ما آمن به.لذا فإن اجتماع العرفان والعصيان في قلب واحد محال، كاستحالة اجتماع النهار والليل في آن معا.تجربون كل يوم أنه إذا ثبت كون شيء ما مفيدا تتولّد في القلب رغبة فيه فورا، وإذا ثبت ضرره يخافه فورا كذلك.فمثلا إن من لا يعرف بأن الذي في يده هو سم الفأر فيمكن أن يتناوله بقدر مثقال أو مثقالين دفعة واحدة معتبرا إياه طباشير أو دواء مفيدا آخر، ولكن الذي يعرف من خلال تجربته أنه سم قاتل فلن يتناوله ولو بأقل من المثقال لأنه يعرف أنه سيرحل من الدنيا فور تناوله.فعندما يعرف الإنسان على وجه الحقيقة بأن الله تعالى موجود بلا شك وأن الآثام كلها قابلة للعقوبة في نظره بما فيها السرقة وسفك الدماء والفاحشة والظل

Page 28

والخيانة، والشرك والكذب وشهادة الزور والاستكبار، والرياء، وأكــــل الحرام، والغدر، والسباب والخداع، ونقض العهود والغفلـة والعـيش بأعمال مشينة، وعدم الشكر الله، وعدم خشيته، وعدم مواساة عباده، وعدم ذكر الله بقلب خائف والانهماك الكلي في لهو الدنيا ولعبها، ونسيان المنعم الحقيقي، وعدم الالتزام بالدعاء والتواضع، والغش في المبيعات، وخسران الموازين والبيع بسعر أقل من السوق، وعدم خدمة الوالدين، وعدم حسن المعاشرة مع الزوجة، وعدم طاعة الزوج بالكامل، والنظر السيء إلى غير المحارم من الرجال أو النساء، وعـــــدم الاهتمام بالأيتام والضعفاء والمساكين والمنكوبين، وعدم رعاية حقوق الجيران وإيذاؤهم، وإهانة المرء الآخرين لإبراز نفسه، والاستهزاء بأحد بكلمات نابية تؤذي قلبه أو بيان عيبه الجسدي إهانة له، أو نَبـزه بالألقاب أو اتهامه بغير حق، أو الافتراء على الله، أو ادعاء النبوة أو الرسالة بالباطل، أو الادعاء أنه من الله، والعياذ بالله، أو إنكار وجود الله تعالى، أو التمرد ضد ملك عادل وعيث الفساد في البلاد شرا وخبثا، فكل هذه الآثام يتركها المرء تلقائيا بعد معرفته أن ارتكاب كل واحــــــد منها يستلزم عقوبة.ولعل أحدا يسأل مرة أخرى خطأ منه أنه مع أننا نعلم أن الله تعالى موجود ونعرف أيضا أن الآثام يعاقب عليها، فمع ذلك تصدر الآثــام

Page 29

منا، لذا نحن بحاجة إلى وسيلة أخرى.فأكرر ردًا على ذلك ما قلته من قبل بأنه ليس ممكنا البتة وبحال من الأحوال أن تتشجعوا على الإثم بعد أن تتسنى لكم بصيرة كاملة على أن نار العقوبة سوف تنزل عليكم مثل البرق فور ارتكاب الإثم.هذه فلسفة لا تبطل بأي حال.فكروا، وفكروا جيدا أنه حيثما يتسنى لكم اليقين الكامل بالعقوبة لا تستطيعون أن تفعلوا شيئا يناقض هذا اليقين قولوا بالله عليكم، هــل تستطيعون أن تلقوا بأيديكم في النار ؟ وهل يمكنكم أن تلقوا بأنفسكم من قمة جبل؟ هل يسعكم أن تُلقوا بأنفسكم في غيابة حُبِّ؟ هل لكم أن ترموا بأنفسكم أمام قطار منطلق؟ هل بوسعكم أن تقحموا يدكم في أسد؟ أو تستطيعون أن تقدموا قدمكم لكلب مسعور؟ هل بإمكانكم أن تقفوا في مكان تهبط فيه صواعق خطيرة؟ ألا تخرجون مسرعين مــ فم مسر بيت تريد عارضة سقفه أن تنقض، أو تكاد أرضه أن تنشــق الزلزال؟ من منكم يمكن أن يرى ثعبانا ساما على فراشه ثم لا يقفز منه رعا؟ سموا لي شخصا واحدا لا يخرج على جناح السرعة من بيته الذي ينام فيه عادة تاركا وراءه كل شيء إذا رأى النار مضطرمة فيه.أخبروني لماذا تفعلون كل ذلك؟ ولماذا تبتعدون عن هذه الأشياء المؤذية كلها، ولا تبتعدون عن الآثام التي ذكرتها قبل قليل؟ ما السبب في ذلك؟ اعلموا أن الرد الذي يمكن أن يتوصل إليه كل عاقل بعد تدبر رصين هو

Page 30

أن هناك فرقا بين العلم في الحالتين.أي أن علم الناس بمعظم الذنوب في حق الله ناقص.لا شك أنهم يستنكرون الإثم ولكن لا يعدونه كالأسد والثعبان بل يظنون في قرارة قلوبهم خفية أن هذه العقوبات ليست يقينية، لدرجة أنهم يشكون في وجود الله أيضا؛ إن كان موجودا أم لا؟.وإذا كان موجودا فلا يُعلم إن كان للروح بعد الممات من بقاء أم لا؟ وإذا كان لها بقاء فلا يُعلم هل على هذه الآثام من عقوبة أم لا؟ مما لا شك فيه أن هذه الشبهة كامنة في قلوب الأغلبية الساحقة منهم وهم ليسوا مطلعين عليها.لكنهم يجتنبون جميع مواضع الخوف التي أوردتُ أمثلة عليها وهم موقنون بأنهم لو اقتربوا منها لهلكوا، فلا يقربونها قط.بل لو صادفتهم هذه الأشياء الفتاكة لفروا منها صارخين.فالحقيقة أن الإنسان عندما يرى هذه الأشياء بأم عينه يتسنى له علم حقيقي بأن استخدامها يؤدي إلى هلاك محتوم.ولكن لا يتسنى العلــــم اليقين في الأوامر الدينية، بل هو ظن محض.إذ يرى تلك الأمور بأم عينه، أما هذه فليست إلا قصصا محضة والذنوب لا تزول قـط بالقصص وحدها.لذا أقول لكم صدقا وحقا بأنه لو صلب ألف دع عنك مسيحا واحدا، لما كان أن مسیح، يهبوكم نجاة حقيقية قط بوسعهم لأنه لا يخلّص من الإثم إلا خوف كامل أو حب كامل.وموت المسيح

Page 31

على الصليب كذب بحد ذاته أولا وقبل كل شيء، ثم ليست لـه أدنى علاقة بوضع حد لثورة الآثام.الحقيقية هي اعلموا أن هذا الادعاء واقع في حُجب الظلام، لا تشهد له تجربـــة، ولا علاقة لانتحار المسيح بغفران ذنوب الآخرين.إن فلسفة النجاة أن يتخلّص الإنسان من جحيم الآثام في هذا العالم.ولكن فكروا هل نجوتم من جحيم الآثام نتيجة هذه القصص؟ هل حظي أحد بالنجاة يوما نتيجة هذه الحكايات السخيفة التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة وليست لها أدنى علاقة بالنجاة الحقيقية؟ ابحثوا في الشرق، وابحثوا في الغرب لن تجدوا أناسا توصلوا بواسطة هذه القصص إلى الطهارة الحقيقية التي تُري الله تعالى عيانا، فلا ينفر الإنسان بسببها من الآثــام فحسب بل تبدأ متعة الصدق بصورة الجنة، وتسيل روح الإنسان كالماء وتخرّ على عتبات الله وينزل النور من السماء ويزيل ظلمة النفس كلها كما لو فتحتم نوافذ البيت من كل الجوانب في وضح النهار ترون قانونا طبيعيا أن ضوء الشمس يدخل بيتكم على الفور.ولكن إذا أبقيتم النوافذ مغلقة فلن يدخل الضوء بيتكم بمحض قصة أو حكاية.فلا بد لكم للحصول على الضوء من أن تهبوا من مكانكم وتفتحوا النوافذ.سوف يدخل الضوء بيتكم تلقائيا ويضيئه.هل لأحد أن يروي ظمأه بمجرد التفكير بالماء؟ كلا، بل عليه أن يصل إلى نبع الماء باذلا كل عندها

Page 32

VE ما في وسعه ويضع شفتيه على الماء الزلال عندها سيرتوي بالمـاء العذب.فالماء الذي سترتوون به وتزول به حرقة الآثام وحرارتها هو اليقين.لا وسيلة سواه تحت أديم السماء للتزكية من الآثام.ما من صليب يستطيع أن يخلّصكم من الإثم، وما من كفارة يمكن أن تمنعكم من اتباع الأهواء النفسانية إذ لا علاقة لهذه الأشياء بالنجاة الحقيقية قط.افهموا الحقائق وتأملوا في الصدق، ومحصوه كما تمحّصون الأشياء الدنيويـــة؛ عندها ستعرفون سريعا أنه ما من نور يخلّصكم من ظلمة النفس ســــوى نور اليقين الحقيقي.ولا يسع شيئا أن يغسل أرجاسكم الباطنية ســــوى الماء النقي للبصيرة الكاملة، ولا يمكن أن تزول حرقتكم ولوعتكم قـــــط بغير زلال رؤية الحق.كاذب ذلك الذي يخبركم بخطط أخرى، وجاهل ذلك الذي يريد أن يجرب علاجا آخر.فهم لا يهبــونكـم نــــورا بــل يُسقطونكم في هوة الظلام أكثر فأكثر.ولا يعطونكم ماء عذبا بـــل يزيدون الحرقة واللوعة.لن ينفعكم دمّ إلا الذي يتولد فيكم بغذاء اليقين.لا يمكن أن ينقذكم صليب إلا صليب الصراط المستقيم؛ الصبر على الصدق والحق فافتحوا عيونكم وانظروا، أليس صحيحا أنكم ترون بواسطة الضوء فقط لا بواسطة أي شيء آخر، ولا تستطيعون أن تصلوا إلى الغاية المنشودة إلا بالسلوك على الصراط

Page 33

المستقيم؟ الأشياء الدنيوية قريبة منكم وأمور الدين منكم بعيدة.تأملوا على الأقل فيما هو قريب منكم وافهموا القانون الجاري فيه ثم قيســــوا عليه البعيد، لأنه الا الله هو الوحيد الذي سنّ هذين القانونين.من منكم يستطيع أن يرى دون العين، أو يقدر على أن يسمع بغير الأذن، أو يتكلم إلا باللسان؟ فلماذا إذا لا تستفيدون من هذا القانون في الأمــــور الروحانية؟ هل لكم أن تقفوا في مكان يكاد ينهار وأنتم تمتلكون عيونا؟ أولا تتنبهون إلى صوت يُخبركم بمجيء اللصوص وأنتم تمتلكون آذانا؟ أولا تنتبهون، مع امتلاككم لسانا يميّز لكم بين المر والحلو، فتأكلون الأشياء المرّة السامة التي تقطع لسانكم وتفسد معدتكم، وتتسبب في التقيؤ والتهاب الجسد وتملك في نهاية المطاف؟ فافهموا من هذه الأعضاء بأنكم بحاجة من أجل الحياة الروحانية أيضا إلى أن تنالوا نورا يريكم الطرق السيئة، وأن يتناهى إلى آذانكم صوت يُبعدكم عن طــرق اللصوص والسارقين وأن تحظوا بحاسة التذوّق لتميزوا بها بين الحلو لمر وبين السم والترياق.فهذه هي الأمور التي يجب عليكم طلبها لتنجوا من الهلاك.ليس ممكنا بحال من الأحوال أن تنالوا النجاة بـــــدم أحد دون الحصول على النور وببقائكم عميانا.النجاة ليست بشيء ينال بعد هذه الدنيا، بل النجاة الحقيقية والصادقة تتسنى في هذا العالم.إنها نور ينزل على القلوب ويُري ما هي هوات الهلاك.اسلكوا سوء

Page 34

مسلك الحق والحكمة تصلوا به إلى الله تعالى.اخلقوا الحرقة في قلوبكم لتتمكنوا من التوجه إلى الحق.شقي القلب الذي هو فاتر، وتعيس الطبع الذي هو كتيب، وميت الضمير الذي لا لمعان فيه.فلا تكونوا أقل من دلو يدلى في البئر فارغــــا ويخرج منها مليئا.ولا تكونوا كغربال لا يستقر فيه حتى الماء بحيــــث يدخله من طريق ويخرج من طريق آخر.اسعوا أن تكونوا سليمين معافين، وتزول عنكم الحرارة السامة لـحُمَّى الطمع في الدنيا التي لا يبقى بعدها نور في الأعين ولا سمع في الآذان ولا ذوق طبيعي في اللسان ولا قوة في اليدين والقدمين.اقطَعُوا علاقة لتنشأ علاقة أخرى.امنعــــوا القلب من جانب ليجد طريقا إلى جانب آخر.ارموا دودة الدنيا الدنيئة بعيدا لتعطوا جوهرة سماوية لامعة ارجعوا إلى مبدئكم، أي المبدأ حين الله لتنالوا الحكم على الأشياء كلها كما ناله أبوكم.أُحيي آدم بروح لقد مضى النهار وحان وقت العصر أي قربت الساعة الرابعة ويكاد الليل يسدل ستاره، والشمس موشكة على الغروب، فانظروا الآن إن كنتم ناظرين، وإلا فماذا ترون بعد ذلك؟ قدّموا قبل الرحيل طعاما لكم من الطيبات لا من الحجر والمدر.قدموا لكسوتكم لباسا لا أشواكا وعشبًا وكلأ.الإله الذي يخلق الحليب في الأثداء قبل ولادة المولود قـــــد أرسل لكم في عصركم وفي بلادكم مرسَلا، ليُرضعكم الحليـ

Page 35

ثدييه كالأم.فهو الذي سيُرضعكم حليب اليقين الذي هو أكثر نصوعا من الشمس وأكثر متعة ورفاهية من كل الأشربة.فإذا كنتم قد ولدتم أحياء لا أمواتا فتعالوا وأسرعوا إلى هذا الثدي فسترضعون حليبـــا طازجا.وارمُوا من أوانيكم ذلك الحليب غير الطازج الذي عفنته الرياح الكريهة، وتولّدت فيه ديدان لا ترونها.إنه لا يستطيع أن ينوركم بـــل سيعكر صفو طبيعتكم فور دخوله بطنكم لأنه لم يعد الآن حليبــا بـــل صار سما.لا تستحسنوا كل بياض لأن بعض السود خير من البيض، كما أن الشعر الأسود يدل على قوة الشباب ويدل الشعر الأبيض على الضعف والهزل والهرم كذلك إن بياض الرياء وإظهار الحسنات لا ينفع شيئا.بل المذنب البسيط خير من المرائي لأنه لا يخفي ذنبـه بـالزيف، فأقول صدقا وحقا بأنه أقرب إلى مغفرة الله لا تعتمدوا على أشياء ليست يقينية ولا يرافقها نور حقيقي ولا تحالفها فلسفة صادقة، فهـ سبل الهلاك كلها افحصوا رغبات قلوبكم لتعرفوا ما الذي ترغب فيه، وكيف تستطيع أن تبتعد عن السيئة؟ أي علاج يشهد به ضميرهم أنه ناجع لهم؟ هل لقلب أن يقبل أن كفارة المسيح تردعه عن ارتكاب الإثم ؟ بل تقول التجربة بأنها تشجعه أكثر من ذي قبل، لأن المعتمد على كفارة المسيح يعرف أن آثامه قــــد

Page 36

كفر عنها.ولكن الذي يُطلع على سمّ الإثم لن يرتكبه بحال من الأحوال لأنه يرى في ذلك هلاكه.لقد أرسل من الله تعالى شخص ينوي أن يوصلكم إلى علــــم تــــرى قلوبكم به الله وترى سم السيئة أيضا.عندها ستفرون من الإثم تلقائيا فراركم من الأسد.فالمهمة الحقيقية لهذه المجلة أن تنشر تعليم وآياته في العالم ليطلع الذين يبحثون عن النجاة في الصليب وكفارة الله هي المسيح على ينبوع النجاة الحقيقية.النجاة الحقيقية لا تكمن في مياه فيها جزء واحد من الماء وعشرون جزءا من الوحل والأوساخ.بل الماء الذي يغسل القلوب ينزل من السماء في وقته المناسب.والقناة التي تجري مملوءة بهذا الماء تكون خالية تماما من الوحل والماء الوسخ، فيستخدم الناس ماءها النقي والعذب.أما القناة الجافة التي ليس فيها إلا نزر يسير من الماء الراكد العفن فلا يمكن أن تتمتع باللطافة والنقاوة بل يخالطها قدر كبير من الوحل وتتبول فيها دواب كثيرة وتتبرز.كذلك القلب الذي أُعطي معرفة الله ورزق يقينا، فمثله كمثل القناة المملوءة ماء التي = تسقي مزارع كثيرة، وماؤها النقي والبارد يهب القلوب سكينة ويزيل الحرقة من الأكباد.وهذا الماء ليس نقيا وطاهرا في نفسه فقط بل يطهر أيضا، لأنه يهب الحكمة والفطنة التي تزيل الصدأ من القلوب وتنفّر من

Page 37

الآثام.أما الذي مثله كمثل الماء القليل المختلط بالوحل فلا يفيد الخلق شيئا، ولا يستطيع أن يطهر نفسه.ما زال الوقت متاحا فانهضوا وابحثوا عن ماء اليقين تنالوه، وازحروا كالبحر بكثرة اليقين.ابتعدوا عن الذنب متطهرين من رجس كل شك و شبهة.هذا هو الماء الذي سيغسل نقوش الذنب ويطهر لوح صدركم ويعده لقبول النقوش الربانية.لا تستطيعون محو حروف النفسانية مـــن لوح القلب بأي حال ما لم تنظفوه بماء اليقين النقي.اعقدوا العزم لتوفقوا، وابحثوا ليُهيَّأ لكم.لينوا قلوبكم لتفهموا هذه الأمور، فالقلوب القاسية لا يمكن أن تفهم الحقائق.هل تظنون أنكم تستطيعون أن تنفروا من الذنوب نفورا حقيقيا دون أن تترسخ عظمة الله في قلوبكم، ودون أن يتجلّى عليكم جلال الله الحي، وتنكشف لكم قدرته، ويمتلئ القلب ایک و بنور اليقين؟ كلا، بل هناك سبيل واحد وإله واحد وقانون واحد.نقلا عن مجلة "ريفيو آف ريليجنز" (مقارنة الأديان الأردية، المجلد الأول، الرقم ۱ ؛ الصفحات من ۹ إلى ۳۰، العدد يناير/كانون الثاني ۱۹۰۲م)

Page 38

Page 38