براہین احمدیہ حصہ پنجم

براہین احمدیہ حصہ پنجم
Author: Hazrat Mirza Ghulam Ahmad

Language: AR

AR

في أواخر عام 1905م بدأ حضرته عليه السلام بتأليف الجزء الخامس من البراهين الأحمدية. .. في بداية الكتاب بيّن المزايا الفارقة للدين الصادق والحي. ثم ذكر في الفصل الثاني بشيء من التفصيل الآيات التي ظهرت بحسب النبوءات المذكورة في البراهين الأحمدية قبل خمسة وعشرين عاما، وشرح عليه السلام مئات من إلهاماته..


Book Content

Page 1

البراهين الأحمدية الجزء الخامس حضرة مرزا غلام أحمد القادياني المسيح الموعود والإمام المهدي الله ترجمة: عبد المجيد عامر

Page 2

ISLAM INTERNATIONAL PUBLICATIONS LTD اسم الكتاب: البراهين الأحمدية، الجزء الخامس الطبعة الأولى : ١٤٤٢هـ الموافق لـ ٢٠٢١م An Arabic rendering of Barāhīn-e-Ahmadiyyah - Part V Written by: Hazrat Mirza Ghulam Ahmad (peace be on him), The Promised Messiah and Mahdi, Founder of the Ahmadiyya Muslim Community Translated from Urdu by: Abdul Majeed Amir First Published in UK in 2021 O Islam International Publications Ltd.Published by: Islam International Publications Ltd Unit 3, Bourne Mill Business Park, Guildford Road, Farnham, Surrey, GU9 9PS United Kingdom Printed in UK at: Raqeem Press Farnham, Surrey GU9 9PS For further information please contact: Phone: +44 1252 891330 www.alislam.org www.islamahamadiyya.net ISBN: 978-1-84880-810-2

Page 3

Page 4

Page 5

أ ٦٣ 101 ٣٢٦ ٣٥٩ ۳۹۰ ۳۹۹ فهرس المحتويات مقدمة الناشر مقدمة طبعة الخزائن الروحانية مقدمة المؤلف للجزء الخامس للبراهين الأحمدية الباب الأول: في بيان حقيقة المعجزة وضرورتها الباب الثاني: في بيان الآيات التي ظهرت بواسطة النبوءات التي سُجِّلت ونُشرت في "البراهين الأحمدية" قبل ٢٥ عاما ملحق البراهين الأحمدية، الجزء الخامس إزالة بعض الشبهات للشيخ سيد محمد عبد الواحد المحترم الرد على الشبهات الواردة في الخطاب المليح في تحقيق المهدي والمسيح" وهو مجموعة خرافات الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي الخاتمة المذكرات المتفرقة التي كتبها المسيح الموعود الكلية.المقال، وقد عُثر عليها في مسوداته عن هذا

Page 6

Page 7

مقدمة الناشر بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم عاما، وعلى عبده المسيح الموعود مقدمة الناشر ألف بفضل الله تعالى نقدم لكم المجلد الحادي والعشرين من سلسلة الخزائن الروحانية مترجما إلى العربية، والمتضمن الجزء الخامس والأخير من كتاب "البراهين الأحمدية على حقيَّة كتاب الله القرآن والنبوة المحمدية"، لتختتم هذه السلسلة لسيدنا المسيح الموعود اللي التي امتدت على مدى ثلاثة وعشرين وفي مرحلتين مختلفتين من حياته العلي، أولاهما التي فيها بتأييد من الله كل أجزاء الكتاب الأربعة الأولى، في الأعوام من ۱۸۸۰ إلى ١٨٨٤ التي تضمنت البراهين العقلية والنقلية على صدق الإسلام وتضمنت وحيا وإلهامات لحضرته، وأعلن فيها أنه مأمور من الله تعالى بهذا المشروع وبنصرة الإسلام وأنه مجدد القرن الرابع عشر، إلا أن الله تعالى لم يبلغه إلى ذلك الحين أنه هو المسيح الموعود والإمام المهدي حتى أواخر عام ١٨٩٠، فصدع بأمر الله تعالى وأعلن هذا الإعلان مشفوعا بالأدلة في مطلع عام ١٨٩١، وبدأت مرحلة جديدة من دعواه.وكما هو معلوم، فإن الأجزاء الأربعة الأولى من الكتاب قد لاقت إشادة وتقريظا وترحيبا واسعا من المشايخ والعلماء وعموم المسلمين، حتى إن أحدًا ممن صاروا ألد خصوم المسيح الموعود وجماعته فيما بعد، وهو الشيخ محمد حسين البطالوي، كان قد أشاد بالكتاب على صفحات مجلته "إشاعة السنة" واصفا إياه بالكتاب منقطع النظير.أما المرحلة الثانية فهي التي أمره

Page 8

مقدمة الناشر تعالى فيها بالإعلان عن كونه المسيح الموعود والإمام المهدي، فقد اتسمت بالمعارضة الواسعة من العلماء والمشايخ المسلمين، وخلالها ألف هذا الجزء الخامس، وبيَّن في هذا الجزء كيف أن الله تعالى قد أخبره مسبقا عن الأحداث التي جرت إلى ذلك الحين من خلال الوحي والإلهامات، وكيف تحققت.وإلى ذلك الحين كان قد مضى على إعلان دعواه الكريمة أزيد من عقدين حافلين بجلائل الأعمال والكتابات والإعلانات التبليغية التي نصر أنها الله براهين تعالى بها الإسلام في شبه القارة الهندية نصرا عزيزا مؤزرا.إن دعوى سيدنا المسيح الموعود اللة بأكملها يمكن إجمالها في على صدق القرآن الكريم ونبوة سيدنا محمد خاتم النبيين ، إذ ما بين تأليف الأجزاء الأربعة الأولى والجزء الخامس الأخير كتب حضرته ونشر قرابة الثمانين كتابا ،آخر وبالتالي فإن الضجة التي افتعلها المعارضون زاعمين تأخر صدور الأجزاء اللاحقة من البراهين الأحمدية التي وعد بها حضرته، لهي من قبيل اللغو الفارغ.6 كذلك كان تأخر صدور الجزء الخامس، حتى انقضى ثلاثة وعشرون عاما، دليلا بينا على صدق سيدنا المسيح الموعود الله.لقد اعتبر حضرته هذه المدة في حد ذاتها معيارا لصدقه، إذ إنها هي نفسها مدة بعثة سيدنا خاتم النبيين ، وما كان الله تعالى ليمهل كذابا ومفتريا إلى هذه المدة.وثمة أمر باعث على الحسرة يفرض نفسه حال المقارنة بين الأجزاء الأربعة الأولى من البراهين الأحمدية ومتممها الخامس، ذلك أن خصوم المسيح الموعود العليا وقت تأليف الأجزاء الأربعة الأولى كانوا أتباع الأديان الأخرى الذين يبغون طمس نور الإسلام، بينما زاد خصوم حضرته وقت تأليف هذا الجزء خصما جديدا، بل هو ألد الخصام، إذ تمثل في من يدعون أنفسهم مسلمين

Page 9

مقدمة الناشر ج وحماة الدين، لذا فسيلحظ القارئ الكريم أن قسطا لا بأس به من هذا الجزء يفند فيه حضرته انحرافات عقائدية لدى مشايخ محسوبين على الإسلام، والإسلام من عقائدهم المنحرفة براء.لقد كان شرف ترجمة هذا المجلد من نصيب الداعية عبد المجيد عامر، كما أسهم في مراجعته وإخراجه عدد من الإخوة الكرام والأساتذة الأفاضل، ونخص بالذكر السيد خالد عزام، والدكتور وسام البراقي والسيد غسان النقيب، والسيد سامح مصطفى، فجزاهم الله أحسن الجزاء.لقد بذلنا أقصى جهدنا لتكون الترجمة أقرب إلى النص الأردي، ومع ذلك لا نبرئ أنفسنا من ضعف فيها.وندعو الله تعالى أن يوفقنا لبذل جهد أكبر في الطبعات القادمة لتحقيق مزيد من الدقة.نسأل الله تعالى أن يوفق القارئ الكريم للاستفادة مما يحويه هذا المجلد من علوم ومعارف، وأن يجعله سببا لهداية الباحثين عن صراط الله المستقيم، آمين.الناشر

Page 10

Page 11

مقدمة طبعة الخزائن الروحانية بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم مقدمة طبعة الخزائن الروحانية نحمد الله تعالى ونشكره شكرا كثيرا على أنه وفقنا لتقديم المجلد ٢١ من الخزائن الروحانية للقراء الكرام.هذا المجلد يحتوي على كتاب المسيح الموعود العلمية "البراهين الأحمدية الجزء الخامس" المليء بالمعارف.لقد أراد سيدنا المسيح الموعود الله قبل إعلانه ببعثته بتأليف كتاب في خمسين جزءا لإثبات صدق الإسلام وصدق نبوة سيدنا رسول الله ﷺ وكون القرآن الكريم من عند الله.فقد نُشرت أربعة أجزاء منه في عام ١٨٨٠م و ۱۸۸۲م و ١٨٨٤م ، وقد عدّ العوام والخواص من مسلمي الهند وخواصهم هذا الكتاب منقطع النظير في الذود عن حياض الإسلام حتى قرظه المولوي محمد حسين البطالوي قائلا إن هذا الكتاب بالنظر إلى الحالة الراهنة السائدة في هذا الزمن - عديم المثال، لم يُنشر نظيره في الإسلام إلى يومنا هذا".." إشاعة السنة، المجلد ٧ الصفحة ١٦٩) وقد سبق أن علن المسيح الموعود اللة أنه إذا استطاع أعداء الإسلام أن يردوا على ثلث أو ربع أو خمس من أدلة صدق الإسلام المذكورة في البراهين الأحمدية فسيطعيهم جائزة قدرها عشرة آلاف روبية ولكن لم يتشجع أحد على المبارزة.وإذا هم أحد للمواجهة صار عرضة لتجليات غضب الله تعالى بحسب نبوءاته الكلية.

Page 12

و مقدمة طبعة الخزائن الروحانية بعد نشر الأجزاء الأربعة أجل نشر بقية أجزاء هذا الكتاب إلى مدة طويلة بناء على حكمة الله ومشيئته الخاصة، غير أن قرابة ٨٠ كتابا للمسيح الموعود العلية حول صدق الإسلام والنبوة المحمدية رأت النور خلال هذه المدة.في أواخر عام ۱۹۰۵م بدأ حضرته الي بتأليف الجزء الخامس من البراهين الأحمدية.وكان الدافع وراء هذا التأجيل الطويل الذي امتد إلى ٢٣ عاما حكم الله تعالى الكثيرة.يقول المسيح الموعود اللي ما تعريبه: (۱) "إن أجزاء البراهين الأحمدية الأربعة الأولى التي نُشرت من قبل كانت تحتوي على أمور إن لم تتحقق تلك الأمور لبقيت الأدلة الواردة فيها في طيّ الكتمان والخفاء، فكان ضروريا أن يُرجأ تأليف البراهين الأحمدية ما لم تنكشف الأسرار الكامنة فيها بمرور الزمن وتتحقق الأدلة المذكورة في تلك الأجزاء لأن كلام الله، أي إلهامه الكامن في تلك الأجزاء هنا وهناك الذي نزل على هذا العبد الضعيف، كان بحاجة إلى الشرح، وكان بحاجة أيضا إلى أن يتبين للناس تحقق النبوءات المذكورة فيها.لذا فقد أرجأ الله الحكيم العليم طباعة البراهين الأحمدية إلى أن تحققت تلك النبوءات كلها." (البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية المجلد ٢١ الصفحة (٣) (۲) وقال العلية : " و السبب الثاني للإرجاء وعدم تأليف الجزء الخامس إلى ٢٣ عاما هو أنه كان في مشيئة الله أن يُظهر ما تكنه قلوب المصابين بمرض سوء الظن من أفكار، وهكذا كان." (البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية المجلد ٢١ الصفحة ٩) (۳) وقال العلة أيضا: "ومن أسباب التأخير أيضا أن يُظهر الله تعالى على عباده أن هذا المشروع مبني على مرضاته وأن جميع الإلهامات التي سُجلت في أجزاء البراهين الأحمدية

Page 13

مقدمة طبعة الخزائن الروحانية ز السابقة هي منه والله وليس من الإنسان لأنه لو لم يكن الكتاب طبق مرضاة الله ولو لم تكن الإلهامات كلها من الله لكان مما يخالف سنة الله العدل القدوس أن يُمهل إلى ٢٣ عاما شخصا هو في نظره ل ،مفتر، ومرتكب إثم اختلق من عنده أقوالا وسماها وحى الله "وإلهامه." (البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية المجلد ٢١ الصفحة ٩-١٠) (٤) وقال العلمية في نهاية الجزء الخامس: "إن هذا الجزء الخامس بمنزلة شرح للأجزاء السابقة.وكان بيان الشرح عنده..." الأسباب بهذه الطريقة يفوق قدرتي ما لم يهيئ الله تعالى جميع (البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية المجلد ٢١ الصفحة ٤١١) موضوع الكتاب من في بداية الكتاب بين المسيح الموعود المزايا الفارقة للدين الصادق والحى، وقال بأنه لا بد من أن ترافق الدين الحق تجليات الله القولية والفعلية، فبدونها لا تكتمل المعرفة بوجود الله، فلا يمكن الخلاص من الذنوب بغير المعرفة الكاملة.فقد رقم العلم فصلا منفصلا في بيان حقيقة المعجزة وضرورتها وقال أن العلامة الفارقة بين الدين الصادق والكاذب هي المعجزات وحدها.ثم ذكر في الفصل الثاني بشيء من التفصيل الآيات التي ظهرت بحسب النبوءات المذكورة في البراهين الأحمدية قبل خمسة وعشرين عاما، وشرح المئات من إلهاماته في ضوء الأحداث الواقعة والتأييدات الإلهية.هذه الأحداث كلها تدل على صدق الإسلام وصدق النبي الأكرم وكذلك على كون المسيح الموعود ل من عند الله تعالى، لذلك عَنْوَنَ العلي هذا الجزء من الكتاب بعنوان: "نصرة الحق" أيضا.

Page 14

مقدمة طبعة الخزائن الروحانية فقال الليل في خاتمة الكتاب: "انكشفت حقيقة أسماء الأنبياء أيضا التي كانت سرًّا مكنونا في الأجزاء الأربعة السابقة، أي كشفت كما كان حقها حقيقة أسماء الأنبياء التي نُسبت إلي." (البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية المجلد ٢١ الصفحة ٤١٢) وفي الفصل الثاني فسّر المسيح الموعود الآيات سورة الكهف التي تتناول ذكر "ذي القرنين" تفسيرا نادرا ورائعا.ملحق البراهين الأحمدية الجزء الخامس ملحق البراهين الأحمدية الجزء الخامس يتضمن ردودًا على اعتراضات بعض المعترضين، وقد ردّ ال أولا على اعتراضات المدعو محمد إكرام الله الشاهجهانبوري التي أثارها على إلهامه الله: "عفت الديار محلها ومقامها" من منطلق قواعد الصرف والنحو واللغة ومن حيث الأحداث الواقعة.ثم ردّ العليا على اعتراض شخص آخر على الإلهام نفسه.وفي السياق نفسه فسّر المسيح الموعود ال آيات سورة المؤمنون الابتدائية تفسيرا رائعا جدا وذكر فيه المراتب الست لخلق الإنسان الروحاني والمادي وعدها معجزة القرآن الكريم المعرفية.فقال ال: فقال: "إن ما بينه الله تعالى من مراتب ست لوجود المؤمن الروحاني ثم بين مقابلها المراتب الست للوجود المادي إنما هو معجزة معرفية." (الصفحة ٢٢٨) ثم قال: أقول صدقا وحقا بأني لم أجد هذه المعجزة المعرفية في أي كتاب سوى القرآن الكريم." (الصفحة ٢٢٩) ثم فند الله بعض الشبهات التي أثارها الشيخ أبو سعيد محمد حسين البطالوي عن نبوءاته ال عن الزلازل.وفي الرد على أسئلة الشيخ محمد

Page 15

مقدمة طبعة الخزائن الروحانية و حسين ألقى الا ضوءا وافيا على مسألة وفاة المسيح عيسى الا من العقل والنقل، ونظم قصيدة عربية طويلة مخاطبا الشيخ محمد حسين وأورد فيها أدلة مفصلة على صدقه وقال: وأنت الذي قد قال في تقريظه كمثل المؤلف ليس فينا غضنفر عرفت مقامي ثم أنكرت مدبرًا فما الجهل بعد العلم إن كنت تشعر قطعت ودادًا قد غرسناه في الصبا وليس فؤادي في الوداد يقصر" ضميمة البراهين الأحمدية الجزء الخامس ص ٣٣٥) وفي المرحلة الرابعة دحض العليا شبهات الشيخ سيد محمد عبد الواحد "I المدرس والقاضي في برهمن "برهية باكستان الشرقية، بنغلا ديش حاليا).وفي النهاية ردّ ال على كتيب ألفه المولوي رشيد أحمد الكنكوهي بعنوان: "الخطاب المليح في تحقيق المهدي والمسيح"، وأثبت بالتفصيل وفاة عيسى بن مريم من عدد من الآيات القرآنية.الخاتمة بعد الملحق تبدأ الخاتمة التي كان المسيح الموعود اللي ينوي تأليفها، هذا ما نطلع عليه بإلقاء نظرة موجزة على الملحوظات المسجلة في نهاية الكتاب.فقد قال الله بأنه كان ينوي تقسيم هذه الخاتمة على أربعة فصول: الفصل الأول: في بيان حقيقة الإسلام.الفصل الثاني: في بيان تعليم القرآن الكريم الأعلى والكامل.الفصل الثالث: في بيان الآيات التي وعد بظهورها في البراهين الأحمدية وقد أظهرها الله تعالى على يدي.

Page 16

مقدمة طبعة الخزائن الروحانية الفصل الرابع: في شرح الإلهامات التي سماني الله فيها عيسى أو بأسماء الأنبياء الآخرين أو ذكر الله بعض الفقرات الإلهامية الأخرى التي تحتاج إلى الشرح.والآن سأذكر الفصول الأربعة بحسب هذا الشرح".في نهاية الكتاب سُجِّلت بعض الملاحظات التي كتبها المسيح الموعود ال عن هذا الموضوع وعُثر عليها في مسوادته، مع أن هذه الملاحظات ليست إلا رؤوس أقلام فقط ولكن قراءتها لا تخلو من الفائدة.سيد عبد الحي

Page 17

صفحة غلاف الطبعة الأولى لهذا الكتاب ٹائیٹل بار اول (حقوق محفوظ) جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهو قاد آنانکه بر دعاوی ما حمله کنند) اوز راه جبل عربی ها به رانند رینی این کتاب ی کند با بیان این استار این ای یار باشند ار می کنم که این هند شاه اوری امری است که ین تا کنند برامين احمد (A) بالبراهين الأحمدية على حقية كنار الله القرار والنيي الحرمين از آر و نضات است میشود با یا ایمان اور ریز اعلام من می رسید تداد جلد ۱۶۰۰ انوار احمد پیشین پریس قادیان میں شیخ یعقوب علی اپنی پرائٹر کے اہتمام سے چھپکہ ۱۵ اکتو بر شاہ کو شایع ہوئی..قیمت فی جلد ١٢

Page 18

ترجمة صفحة غلاف الطبعة الأولى (الحقوق محفوظة) جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا إن الذين يهاجمون دعاوينا إنما يؤذوننا علنًا لجهلهم أنا متأكد أنهم لو قرأوا هذا الكتاب لتركوا العناد والإباء حتما ولا أخال ألا يأتوني ،معتذرين، أما إذا نبذوا الحياء وراء ظهورهم فهذا شيء آخر" " البراهين الأحمدية الجزء الخامس المعنون بالبراهين الأحمدية على حقية كتاب الله القرآن والنبوة المحمدية من أفضال الله المعبود الحديثة والباقيات الصالحات لميرزا غلام أحمد المسيح الموعود العليا طبع في مطبعة "أنوار أحمدية مشين بريس" بقاديان تحت إشراف صاحبها شيخ يعقوب علي تراب في ١٩٠٨/١٠/١٥م.عدد النسخ ١٦٠٠ ترجمة أبيات فارسية (المترجم) سعر المجلد: ثلاث أرباع الروبية

Page 19

البراهين الأحمدية الجزء الخامس بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الح مقدمة الجزء الخامس للبراهين الأحمدية "الحمد لله على أن كتابي هذا قد اكتمل بفضله تعالى".أما بعد، فليتضح أن هذا هو الجزء الخامس من البراهين الأحمدية الذي سأحرره بعد هذه المقدمة.لقد اتفق بحكمة الله وقدره أن ظلت طباعة هذا الكتاب مؤجلة إلى ٢٣ عاما تقريبا بعد طباعة أربعة أجزاء منه.والأغرب من ذلك أنني ألفت في هذه المدة قرابة ثمانين كتابا بعضها كبير الحجم، ومع ذلك ما مال قلبي إلى إكمال هذا الكتاب.لقد ثار الألم في القلب مرارا على مضي فترة طويلة على تأجيل "البراهين الأحمدية".لقد سعيت في هذه الفترة سعيا حثيثا، وألح المشترون أيضا على طلبهم الكتاب إلحاحا شديدا، ووجّه إلي المعاندون في أثناء مدة التأجيل الطويلة اعتراضات تجاوزت الحدود من حيث تلوثها بسوء الظن وبذاءة اللسان، والحق أن نشوءها في القلوب بسبب امتداد المدة كان ممكنا، ومع ذلك لم توفقني حكمة القضاء والقدر لإكمال هذا الكتاب.يتبين من هنا أنه ليس بوسع الإنسان أن يخرج من حدود القضاء والقدر.إنني متأسف، بل الحق أن قلبي يتألم بشدة حين أتصور أن كثيرا من الذين اشتروا هذا الكتاب قد رحلوا من هذه الدنيا قبل اكتماله.ولكن كما قلتُ إن الإنسان خاضع لقدر الله تعالى، وإن لم توافق إرادة الله إرادة الإنسان لما استطاع الإنسان تحقيقها مهما حاول ترجمة بيت فارسی (المترجم)

Page 20

البراهين الأحمدية (A) الجزء الخامس وسعى.ولكن حين يأتي موعد تحقق إرادة الله تتيسر بكل سهولة الأمور التي كانت تبدو متعذرة من قبل.الحكمة، هنا ينشأ سؤال بطبيعة الحال أنه ما دامت أفعال الله لا تخلو من فأيّ حكمة كانت في تأجيل اكتمال هذا الكتاب الذي كان بحد ذاته خدمة عظيمة للدين وكان يهدف إلى الردّ على جميع معارضي الإسلام إلى ما يقارب ٢٣ عاما؟! غير وعل.الله أعلم بجواب هذا السؤال، ولا يسع أحدا أن يحيط بجميع أسراره.أن رأيي الشخصي هو أن أجزاء البراهين الأحمدية الأربعة الأولى التي نشرت من قبل كانت تحتوي على أمور لو لم تتحقق لبقيت الأدلة الواردة فيها طي الكتمان والخفاء، فكان ضروريا أن يُرجاً تأليف البراهين الأحمدية ما لم تنكشف الأسرار الكامنة فيها بمرور الزمان وتتحقق الأدلة المذكورة في تلك الأجزاء، لأن كلام الله أي إلهامه الكامن في تلك الأجزاء الأربعة هنا وهناك الذي نزل على هذا العبد الضعيف كان بحاجة إلى الشرح، وكان بحاجة أيضا إلى أن يتبين للناس صدق النبوءات المذكورة فيها؛ لذا فقد أرجأ الله الحكيم العليم طباعة البراهين الأحمدية إلى أن تحققت تلك النبوءات كلها.وليكن معلوما أنه لا بد من وجود نوعين من الانتصار لإثبات صدق أي دين..أي كونه من الله.أولا: أن يكون ذلك الدين من حيث معتقداته وتعاليمه وأحكامه جامعا، وهو الأكمل والأتم وبعيدًا عن النقص بشكل يعجز العقل أن يتصور أكثر منه أو يثبت أي نوع من العيب أو النقيصة فيه.وأن يكون منتصرا على كل دين من حيث هذا الكمال، بمعنى ألا يساويه دين من الأديان في هذه المزايا، كما أعلن القرآن الكريم بنفسه : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ

Page 21

البراهين الأحمدية (۳) الجزء الخامس التي عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا أي يجب أن تتمسكوا بالحقيقة تتضمنها كلمة "الإسلام" والتي فسرها الله تعالى بنفسه عن كلمة "الإسلام".فمن هذه الآية يتبين بصراحة أن القرآن الكريم وحده الذي أعطى تعليما كاملا، وأن عصر القرآن الكريم كان جديرا بأن يعطى فيه تعليم كامل.فإعلان التعليم الكامل الذي قام به القرآن الكريم كان من حقه هو فقط، ولم يعلن أي كتاب سماوي آخر مثل هذا الإعلان.وكما هو واضح لدى القراء أن كلّا من التوراة والإنجيل قد انسحب من هذا الإعلان لأنه قد ورد في التوراة قول الله تعالى: أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بهِ.وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لَا في يَسْمَعُ لِكَلامِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بهِ باسْمِي أَنَا أَطَالِبُهُ.واضح أنه لو كان تعليم التوراة كافيا نظرا إلى حاجات الأزمنة المقبلة لما كان هناك حاجة لبعثة أي نبي آخر، بل لاقتصر الخلاص من مؤاخذة الله على اتباع الكلام النازل عليه.كذلك لم يدع الإنجيل قط أن تعليمه كامل وجامع بل أقرّ بكل وضوح وجلاء: أن لي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلَكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ * وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، الفارقليط فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ.لا بد من الانتباه هنا إلى أن موسى أمر بالتوجه إلى تعليم العليا النبي المقبل معترفا بنقص كتابه التوراة.كذلك اعترف عيسى اللة أيضا بالنقص في تعليمه معتذرا بأنه لم يحن الموعد لإعطاء التعليم الكامل، ولكن حين سيأتي "الفارقليط" سيبين التعليم الكامل.ولكن القرآن الكريم ما وجّه إلى غيره مثل التوراة المائدة : ٤

Page 22

البراهين الأحمدية (٤) الجزء الخامس والإنجيل بل أعلن للعالم كمال تعليمه فقال: اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا.من هنا يتبين أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي أعلن كمال تعليمه وسأبين في حينه أن القرآن الكريم كما قام بالإعلان كذلك فقد أثبت صدق إعلانه، وقدم تعليما كاملا لم تستطع التوراة ولا الإنجيل تقديمه.إذا فإنه لدليل قوي لإثبات صدق الإسلام بأنه منتصر على كل دين من حيث التعليم، وليس لدين أن يبارزه من حيث كمال التعليم.ثانيا: أما النوع الثاني من الفتح الذي يحظى به الإسلام ولا يشاركه فيه أي دین آخر والذي يختم على صدقه بالكامل، فهو بركاته ومعجزاته الحية التي حُرمت منها الأديان الأخرى كليا فهى كلها آيات كاملة، لا ينتصر بها الإسلام على الأديان الأخرى فحسب بل يجذب القلوب إليها بإراءة ضوئها 6 الكامل.لیکن معلوما أن الدليل الأول على صدق الإسلام الذي كتبته قبل قليل، أي تعليمه الكامل، ليس دليلا بينا لدرجة أن يُفهم منه بوضوح أن دين الإسلام من الله تعالى في الحقيقة، إذ قد يقول منكر عنيد لا يملك نظرة دقيقة بأنه من الممكن أن يكون التعليم كاملا ومع ذلك قد لا يكون من الله.فمع أن هذا الدليل يخلص فطينا باحثا عن الحق من شبهات كثيرة ويقربه إلى اليقين، ولكن لا يوصله إلى منارة اليقين الكامل ما لم ينضمّ إليه الدليل الثاني المذكور آنفا.فباجتماع هذين الدليلين يبلغ نور الدين الصادق كماله ومع أن الدين الصادق يضم في طياته آلاف العلامات والأنوار ولكن هذين الدليلين وحدهما يرويان قلب طالب الحق بماء اليقين دون الحاجة إلى أي دليل آخر ويتمّمان الحجة على المكذبين بالتمام والكمال، لذا لا حاجة إلى أي دليل آخر في حال وجود هذين النوعين من

Page 23

البراهين الأحمدية (°) الجزء الخامس الأدلة.كنت أنوي أن أكتب ثلاث مئة (۳۰۰) دليل في "البراهين الأحمدية" لإثبات حقية الإسلام، ولكن حين تأملت في الموضوع توصلت إلى نتيجة مفادها أن هذين النوعين من الأدلة يقومان مقام آلاف الأدلة في الحقيقة.فصرف الله قلبي عن تلك الإرادة وشرَحَه لتحرير الأدلة المذكورة آنفا.ولو استعجلت في إكمال كتاب "البراهين" "الأحمدية" لما أمكنني أن أكشف للناس صدق الإسلام بهذه الطريقة لأن الأجزاء السابقة للبراهين الأحمدية تضم نبوءات كثيرة تمثل أدلة قوية على صدق الإسلام ولكن ما كان الوقت قد حان بعد لتستبين على العالم بجلاء تام تلك الآيات الإلهية الموعودة.لكل عاقل أن يُدرك بسهولة أن كتابة المعجزات والآيات ليس بوسع الإنسان.والحق أن الوسيلة الكبرى لمعرفة الدين الصادق هي أن توجد فيه البركات والمعجزات لأنه كما قلت من قبل بأن كمال التعليم وحده ليس علامة كاملة وواضحة على صدق الدين ليوصل إلى أعلى درجات الاطمئنان.فسأنهي كتابي هذا بتحرير تلك الأدلة من كلا النوعين فيه بإذن الله.مع أنه قد وعد في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية بظهور الآيات ولكن ما كان بوسعى أن أظهر آية أنا.كذلك تضمنت الأجزاء السابقة أمورا أخرى كثيرة كان شرحها بقوتي يفوق طاقتي.ولكن عندما حان موعدها بعد ٢٣ عاما يسر الله تعالى جميع الأمور وكشفت عليَّ معارف القرآن الكريم وحقائقه بحسب ما ورد في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة كما قال تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآن كذلك أظهرت آيات عظيمة.الذين يبحثون عن الله تعالى بصدق القلب يعرفون جيدا أن معرفة الله تعالى إنما تتأتي بواسطته هو فقط ولا يمكن الفوز بمعرفته إلا به ، وهو وحده القادر على أن يتم حجته، وليس ذلك بوسع الإنسان ولا يمكنه أن يتخلص من

Page 24

البراهين الأحمدية (7) الجزء الخامس الذنوب وينال قربه بأية وسيلة ما لم تتسنّ له المعرفة الكاملة.فلا تنفع في هذا المقام كفارة وليس هناك من سبيل يمكن أن يخلّص من الذنوب إلا المعرفة الكاملة التي تخلق حبًّا كاملا وخوفا كاملا.إن الحب الكامل والخوف الكامل هما الشيئان اللذان يردعان من الذنوب، لأنه عندما تضطرم نار الحب والخوف تحرق حُطام كلأ الذنوب وتحوّله رمادا.ولا يمكن مطلقا أن تجتمع هذه النار الطاهرة ونار قذارة الذنوب معا.باختصار، لا يمكن للإنسان أن يرتدع عن السيئات ولا يستطيع أن يتقدم في الحب ما لم يحظ بالمعرفة الكاملة والمعرفة الكاملة لا تنال ما لم يُعط الإنسان بركات ومعجزات حية من الله تعالى.هذه هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة الدين من الصادق التي تفحم المعارضين جميعا.والدين الذي يضم في طياته أدلة النوعين المذكورين أي الدين الذي تعليمه كامل من كل جهة ولا نقص فيه، والله يشهد على صدقه بالآيات ،والمعجزات فلا يهجر هذا الدين إلا الذي لا يبالي بالله أدنى مبالاة، ويقدّم الحياة المؤقتة وعلاقاته القومية الزائفة على الآخرة.لا يحصل الإيمان بذلك الإله الذي هو قادر اليوم أيضا كما كان قبل عشرة آلاف سنة إلا إذا علم الإنسان بركاته ومعجزاته وأعمال قدرته المتجددة، وإلا تحتم القول بأنه لم يعد ذلك الإله الذي كان من قبل، أو لم تعد فيه تلك القدرات التي كانت من قبل.لذا لا حقيقة لإيمان المحرومين من مشاهدة بركات ومعجزاته المتجددة والذين يزعمون أن قدرات الله قد مضى أوانها ولم تعد الله موجودة في العصر الراهن.وأخيرا فليكن معلوما أيضا أن التأجيل إلى ٢٣ عاما في طباعة الجزء المتبقي من البراهين الأحمدية لم يكن عبثا دون هدف ومعنى، بل كان في ذلك حكمة ألا يُطبع جزؤه الخامس ما لم تظهر في الدنيا كافة الأمور التي أُنبئ عنها في

Page 25

البراهين الأحمدية (V) الجزء الخامس أجزائه السابقة لأنها مليئة بنبوءات عظيمة.فكان الهدف الأعظم من الجزء الخامس أن تتحقق الأنباء الموعودة.وإنها لآية عظيمة من الله أنه أبقاني حيا بمحض فضله إلى هذا الوقت حتى ظهرت تلك الآيات، وبذلك قد آن أوان تأليف الجزء الخامس.وكذلك كان ضروريا أن تُذكر - شكرا لله تعالى- النصرة الإلهية التي حالفتني في تأليف الجزء الخامس.فلإظهار هذا الأمر، عند تأليف الجزء الخامس من البراهين الأحمدية – الذي يجب أن يُعد ولادة جديدة للكتاب - سميت هذا الجزء نصرة "الحق" أيضا ليكون هذا الاسم آية أبدية على أن نصرة الله وعونه فقط قد وهبته خلعة الوجود على الرغم من مئات العوائق والموانع.لذا فقد كتبتُ "نصرة الحق" على رأس كل صفحة من بضع صفحاته الأولى، ثم كتبتُ على رأس الصفحات التالية "البراهين" الأحمدية، الجزء الخامس" تذكيرا بأنه الكتاب نفسه الذي طُبعت أربعة أجزاء منه من قبل.كنت أنوي بداية تأليف خمسين جزءا، ثم اكتفيت بخمسة بدلا من خمسين.ولأن الفرق بين العدد خمسين وخمسة هو نقطة واحدة لذا فقد تحقق ذلك الوعد بخمسة أجزاء.والسبب الثاني للإرجاء وعدم تأليف الجزء الخامس إلى ٢٣ عاما هو أنه كان في مشيئة الله أن يُظهر ما تكنه قلوب الناس المصابة بمرض سوء الظن من الظن من أفكار، وهكذا كان.فقد ازداد أصحاب الطبائع الناقصة في سوء الظن بسبب التأخير حتى كال لي الشتائم بعض ذوي الطبائع الخبيثة.الأجزاء الأربعة التي طبعت من قبل بيع بعضها بأسعار متفاوتة، ووُزّع بعضها مجانا.فمعظم الذين كانوا قد دفعوا ثمنها كالوا لي الشتائم واستعادوا نقودهم أيضا لو لم يستعجلوا في ذلك لكان خيرا لهم.ولكن هذا التأخير أدّى إلى امتحان طبائعهم.ومن أسباب التأخير أيضا أن يكشف الله تعالى على عباده أن هذا المشروع مبني على مرضاته، وأن جميع الإلهامات التي سُجلت في أجزاء البراهين الأحمدية

Page 26

البراهين الأحمدية السابقة هي (۸) الجزء الخامس منه وليست من الإنسان لأنه لو لم يكن الكتاب وفق مرضاة الله، ولو لم تكن الإلهامات كلها من الله لكان مما يخالف سنة الله العدل القدوس أن يمهل إلى ٢٣ عاما شخصا هو في نظره ل مفتر ومرتكب إثم بأن اختلق من الله عنده أقوالا وسماها وحي وإلهامه، وأن يوفقه مع ذلك ليكمل الجزء المتبقي من كتابه البراهين الأحمدية إلى ما شاء الله.وليس ذلك فحسب بل يحسن الله إليه أكثر وينجز من عنده من أجل تكميل الكتاب أمورا كانت تفوق قدرة الإنسان.والمعلوم أن الله تعالى لا يعامل بهذا اللطف والإحسان من يعلم أنه مفتر.فبسبب هذا التأخير والتأجيل تجلّت آية أخرى أيضا إذ تحققت لي نصرة الله وتأييده.وفي أثناء هذه المدة الطويلة قد ارتحل من هذه الدنيا كثير من الذين كفروني وكذبوني وستموني دجالا وخارجا عن دائرة الإسلام ودعوا على الكاذب مباهلين، ولكن الله تعالى أبقاني حيا ونصرني، وقلّما مضى في العالم صادقون تلقوا هذا النوع من التأييد، دع عنك الكاذبين.فإنها آية الله البينة، ولكن للذين لا يغمضون أعينهم بل هم جاهزون لقبول آياته.ميرزا غلام أحمد القادياني، المسيح الموعود

Page 27

البراهين الأحمدية الجزء الخامس بسم الله الرحمن الرحيم "يفوق قدرة بياننا شُكرُ الله وعمل الذي بفضل كلامه حصلت لنا معرفته.النور الذي نجده في هذا الكتاب لا يوجد حتى في ألف شمس.بفضله قد تطهر قلبنا وصدرنا، فقد صار ذلك الكلام مرآة نفسه.فقد حمل شجرة القلب بثمار المعرفة، ونزَّه كل صدر من الشك وغيّر كل قلب.بفضله بدا للعيان وجه الله تعالى، وبطلت مكايد الشيطان ووساوسه.السبيل الذي يُري الله ، وينزه القلب ويطهره.والسبيل الذي يجذب الحبيب المفقود، ويسقي جام اليقين الطاهر.والسبيل الذي يقدم دليلا محكما على وجوده، وهو السبيل الكامل للوصول إليه وعل.فقد بين ذلك السبيل للجميع، وأزال جميع الشكوك والشبهات.زالت الكآبة من الصدور، وتحوّلت ظلمتها إلى نور.لقد تحوّل زمن فصل الخريف إلى الربيع وبدأ هبوب نسيم ألطاف الله تعالى.وبظهوره ولّى فصل الشتاء، واضطرمت نار حب الله في كل قلب.لقد اخضرت جميع الأشجار التي كانت حية، وحملت الثمار بكثرة.وبموجاته تمزقت حُجب الوساوس وعفت أطلال الكفر والفسق.القرآن كلام الله ويُري وجهه الكريم، وبدونه بقى بستان المعرفة ناقصا.الذين يرتعشون ببرد الشكوك يحظون بحرارة عجيبة من هذه الشمس.ترجمة قصيدة أردية.(المترجم)

Page 28

البراهين الأحمدية (1+) الجزء الخامس إن ضجة الأديان الثائرة في الدنيا ليست إلا قصص وحكايات لا نور فيها ولو بقدر ذرة.أما هذا الكلام فيُري نور الله تعالى، ويجذب إليه وعمل بتجليات الآيات.الدين المبني على القصص فقط ليس دينا بل هو مجموعة حكايات بالية.الحق أنه لا يمكن الاعتماد على القصص والحكايات لأن فيها كذبا وأخطاء لا حَصْرَ لها.الدين الحقيقي هو ذلك الذي لا يأتي بالقصص فقط بل يُري طريق اليقين بآيات حية.والذي إلهه يتضح جليا بتجلياته، ويُظهر نفسه بواسطة قدراته.المعجزات التي تسمعون بها على سبيل القصص يقدمها الجميع عند المجادلة والنقاش.هذا ما تفعله الفرق كلها فيسردون قصصا مرارا بغية بيان المعجزات.ولا يُظهرون لدينهم آية، وكأن ربّ السماوات والأرض صار الآن عاجزا.وكأن لم تبق فيه الآن قدرة ولا قوة ولم يعد يملك سلطنة ولا قوة ولا شوكة.أو لم تبق فيه الله رحمة معهودة، وكأنه غير سلوكه و لم تعد فيه رأفة.هذا زعم باطل فهو ذات مقدسة، وإن مآل هذا الزعم إلى الهلاك.الحق أن كل هذه الأديان ميتة لم يبق فيها شيء بل فارقت الحياة نهائيا.أتباع هذه الأديان عاكفون على الدنيا، وغافلون عن حب الحبيب ومنهمكون في الدنيا.إن هدف حياتهم هو كسب الدنيا ليسوا مؤمنين بل سيرتهم الفسق.ترون كيف علا الصدأ قلوبهم، فقد صارت الدنيا هدفهم الوحيد ويخجلون من الدين.

Page 29

البراهين الأحمدية (۱۱) الجزء الخامس ما حقيقة الدين الذي لا يقدر على الإرشاد؟! إذ يؤمن بإله كأنه ليس إلها أصلا.فأية عظمة بقيت للطريق الحق؟! وأي سبب بقي لاصطفاء الملة بوجه خاص؟! وأية علامة بقيت فيه لنور الله تعالى؟! بقي التوحيد بالكلام فقط ولم تبق أية نعمة.اسمعوا أيها الناس، إن الإله الذي ليست فيه عادة إراءة القدرة دائما ليس إلها حيًّا.الذين يعتمدون على القصص هم عبدَةُ الأموات، لذا فهم عرضة للذلة والهزيمة دائما.أيها الأحبة! لا يهدأ القلب بدون رؤية الحبيب، فأنى للنفس الناقصة أن تتطهر بالقصص فقط.هذه الحكايات ليست أقل انتشارا في اليهود، فانظروا كيف صاروا رفقاء الشيطان.البشر يحتاجون إلى آية متجددة دائما، والمعجزات المبنية على القصص لا تؤثر شيئا.كيف يمكن الوصول إلى الحبيب الأزلي بالقصص فقط، وإن آية واحدة تهب المرء ثمرة حياته كلها.بسبب تأثير القصص فسدت القلوب نهائيا، فالإيمان على اللسان، وفي القلب عناد للحق.ماتت قلوبهم حرصا على الدنيا وطمعا بها، وقضوا حياتهم كلها في الغفلة.استيقظوا أيها الراقدون، فقد حل الربيع، وانظروا أن ذلك الحبيب قد شرّف دارنا بزيارته.

Page 30

البراهين الأحمدية (۱۲) الجزء الخامس لا حلاوة في الحياة أبدا إن لم نصل إلى ذلك الحبيب، واللعنة على الحياة إذا بقينا بعيدين عنه.إن رؤية ذلك الوجه الكريم هي الغاية المتوخاة والجنة هي الوصال بذلك الحبيب.اعلموا يا من تحبون الجاه أن الدنيا ليست بدار البقاء، إذ لم يبق فيها أحد من السابقين.اذهبوا وانظروا إلى مقابرهم، ثم فكروا أين صار أسلافكم.المكان نفسه سيكون مقامكم أيضا يوما ما وسيؤول صباح حياتكم إلى مساء.سيشيع الناس جنازتكم يوما ويعودون إلى بيوتهم حزينين بعد دفنكم.يا أيها الناس إن عيش الدنيا ليس بثابت قط، ألا تخافون الموت ولا تفكرون في الفناء؟! فكروا أين صار آباؤكم وأجدادكم من استدعاهم؟! ولماذا خلا الجميع؟! ستواجهون أيها الأحبة ذلك الموقف حتما يوما من الأيام، فلا تفرحوا فإن موعد الرحيل قريب.فابحثوا عن سبيل يؤدي إلى تطهير القلب والصدر ويجعل النفس الدنية ترابا في طاعة الله يا أيها الأحبة هذا الطريق لا يُنال بمجرد القصص، بل يأتي هذا النور بواسطة الآيات بين فينة وفينة.الدين الذي ليس فيه إلا القصص والحكايات لغو، فيتنحى عنه ذوو الصفات السليمة.الأسف كل الأسف أن القصص صارت في العصر الراهن مدار كل شيء، وقد اقتصر صدق الدين على مجرد القصص.

Page 31

البراهين الأحمدية (۱۳) الجزء الخامس ولا يوجد للمعجزات الحية أثر أبدا ولكن الإله الذي يُذكر في القصص ليس إله العالم.دمرت هذه القصص العالم كله وجعلت الناس مشركين وكافرين وسوّدت وجوههم.والذي يتمنى أن يحظى بوصال الله حرام عليه أن يعتمد على القصص والحكايات.بل من واجبه أن يتحرى نورا من الله لتزول من قلبه جميع الشكوك والشبهات لينزل على قلبه نور اليقين، ولكي يكون في حضرته عل من المقبولين.من المتعذر جدا أن يتخلص المرء بواسطة القصص، فاعلموا يقينا أن ذلك محال تماما.لا يمكن النجاة من الذنوب بالقصص، ولا يمكن الوصول إلى الله عبر هذا السبيل.كيف يُتوقع من الميت أن يُحيي غيره، ومن المحال له أن يعبر الطريق؟! السبيل الذي يؤدي إلى وصال الله ،، ويطهر القلب وينزهه.والسبيل الذي يُعثر به على الحبيب المفقود، ويسقي جام اليقين الطاهر.والقدرات المتجددة التي تدل على وجود الله، والقدرات الحية التي تمثل الطريق إلى اليقين.لا أثر لها في القصص كما هو واضح، والذي يكتفي بسرد القصص فقط لا يدرك الطريق إلى الله.إن ذلك الإله المنقطع النظير يُري وجهه عن طريق الآيات، والحق أن الألوهية تثبت بالآيات فقط.

Page 32

البراهين الأحمدية (12) الجزء الخامس فليخبرنا أحد أين هذه الآيات في غيرنا؟! وأين أثر الحلاوة في طعم القصص؟! أخبرونا أين ذلك في الأديان الأخرى؟ وأين الحلاوة في سرد القصص؟ منذ أن صارت القصص هي المقصود المنشود، بدأت أقدام القوم تخطو إلى الذنوب.ترون أنه لم تبق في القوم عفةٌ، ولم يبق الصدق والصفاء والطهارة.لم تبق فيهم علامات المؤمنين، كما لم يبق الحب لذلك الحبيب المنقطع النظير.هناك سيل عارم من الذنوب يجري بكل قوة، فلا يكادون يسمعون شيئا لشدة ضوضاء المعاصي.لماذا كثرت السيئات في الأرض إلى هذا الحد؟! ولماذا صار هؤلاء الناس كلهم صما وعميانا؟ لماذا لم يبق في قلوبكم الصدق والصفاء المعهود؟! لماذا استفحل الفسق إلى أن تلاشى الخوف والحياء؟! لماذا سلكتم سبيل الفسق في الحياة كلها؟! ففكّروا قليلا في حالة الزمن.السبب في ذلك أن الغفلة سائدة، وحب الدنيا الدنية ترسخ في القلوب.لقد تمزق لباس التقوى كله، وتوسخت الأفكار التي في القلوب.وقعت على القلوب حُجب الخبث والفسق الدائم، وحجبت عن أعينهم شمس الإيمان.الشقي الذي لا يؤمن بالله وعلا فلا دين له قط.أما السعداء الذين يرون الآيات فيصلون إلى ذلك الحبيب ويعلقون به قلبهم.

Page 33

البراهين الأحمدية (10) الجزء الخامس لقد صاروا له وحده ومن أجله يعيشون ويشربون من يده كأسًا في كل حين وآن.من صاروا نشوانين بالخمر التي شربوها، وأعداؤهم مهزومون جميعا أمامهم.فقد انتشوا نتيجة رؤية وجه حبيبهم الجميل فلا يخافون هجمات العدو قط.يعاملهم الله تعالى بطريقة إعجازية تماما لأنهم عشاق ذلك الحبيب الوحيد.الله امتيازا عن غيرهم والله القادر يُري الآيات من أجلهم.لقد وهبهم عندما يُضطهدون على يد الأعداء، وحين يؤذيهم الأشرار.وحين يكيد الأشرار لقتلهم ،وهلاكهم، ويخرجون لمحاربتهم.عندها يُري الله ، آية، ويسلّط رعبه على الأغيار بواسطة آياته.ويعلن ع أن هذا عبدي أنا فحاربوني إن كنتم على ذلك من القادرين.كل من يعلق قلبه به و يحظى برحمة منه على هذا المنوال.كل من يحظى بآية معرفة الله يتقرب إليه في كل حين وآن.ويُجذبون إليه و غافلين عن الدنيا ،تماما ويرون نورا فيصبحون الله كليا.أنى للإنسان أن يتطهر من الذنوب دون أن يحظى بالرؤية؟! لا يخرج الناس هذه البئر إلا نتيجة حبه وعل.يجب ألا تخاف الشاة من صورة الأسد، ولا خوف من ضرر الحية الميتة.فما معنى الرجاء أو الخوف من الإله الذي هو كالميت؟! كيف يمكن أن يتطهر القلب بخشية مثل هذا الإله؟! وأنى للقلب أن يحترق بلوعة عشقه؟! كيف يمكن أن يعشق المحب حبيبا دون رؤيته؟! وأنى للإنسان أن يعلق قلبه بحبيب خيالي؟!

Page 34

البراهين الأحمدية (17) الجزء الخامس فإن لم تتسنّ الرؤية فلا بد من كلامه على الأقل، حتى يحظى المرء بأمارات حسن الحبيب وجماله.ما لم تحظوا بمعرفة الله الحي ستبقون خليعي الرسن دون خوف وخشية في قلوبكم.إن وصال الله دواء لمائة داء، وهذا السجن يضمن الخلاص من كل ذنب.ولكن الإله الذي ليس لوجوده أي أثر، كيف للمرء أن يضحي بنفسه من أجله؟! إن نور الله ظاهر في كل شيء، ومع ذلك يبقى ذلك الحبيب بعيدا عن الغافلين.من يصبح كالتراب تواضعا يحظى بوصال ذلك الحبيب، فيا أيها المحرب جرب هذه الوصفة أيضا.العشاق الحقيقيون يحظون بوصال الحبيب بعد أن يقبلوا موتا تلو موت وبعده يُجذبون إليه.هذا السبيل ضيق جدا ولكنه هو السبيل الوحيد والحبيب يرى الفانين فيه دائما.الحياة البعيدة عن الحبيب حياة قذرة، وإن جدار الزهد الزائف ينهدم في الأخير.القريبون إلى الله هم الأحياء في الحقيقة، وهم المقبولون عند الله وصاروا أحباءه.أما البعيدون عن التقوى فهم بعيدون عنه تعالى، وإنهم أسارى الكبر والنخوة والزهو.

Page 35

البراهين الأحمدية (۱۷) الجزء الخامس إنما التقوى أن تتخلوا عن النخوة والأنانية أيها الأحبة، وأن تتركوا عادة الكبر والزهو والبخل وأن تتخلوا عن حب هذه الدار الفانية، وتتركوا حياة الراحة والرفاهية من أجل ذلك الحبيب.لأنها سبيل اللعنة فاتركوها وإلا فانفضوا فكرة وصال حضرة العزة.اقبلوا حياة المرارة بصدق لتنزل عليكم ملائكة العرش.إن حقيقة الإسلام هي الفناء في سبيل الله، وترك المرء مشيئته من أجل رضا الرب.الذين يموتون هم الذين يحظون بالحياة، ولا تُنال الحياة في هذا المجال إلا بالممات.الزهو والكبر من عادة الشيطان اللعين ومن كان متواضعا دائما فهو من نسل آدم.فيا دودة الأرض، أترك الكبر والعُجب، فإن الكبرياء لا يليق إلا بالله الغيور وحده.اعتبروا أنفسكم أسوأ من الجميع لعلكم تدخلون دار الوصال بهذه الطريقة.اتركوا الكبر والزهو ففي ذلك تكمن التقوى، كونوا ترابا ففي ذلك تكمن مرضاة الله.إن أصل التقوى هو التواضع الله الله ، والعفة التي هي شرط الدين تكمن في التقوى.6 والذين يتخذون سوء الظن عادة لهم يبتعدون من سبل التقوى أيما بعد.يصول لسانهم دون حذر وحيطة، فيُسخطون الله العليم في لمح البصر.

Page 36

البراهين الأحمدية (۱۸) الجزء الخامس يضيعون أعمالهم كلها بكلمة واحدة، ومع ذلك يبذرون بذور الحذلقة دائما.لقد نام مواطنونا في رقاد طويل، فقد بذلنا قصارى جهدنا ولا يكادون يستفيقون.لقد خارت أعضاؤهم كلها وسادتهم الغفلة وتمركزت القوة كلها في حدّة لسانهم.إما يُظهرون بذاءة لسانهم أو يسيئون الظن، ولا يدرون عن الإسلام شيئا.اجتنبوا سوء الظن ولو رأيتم سيئا، واخشوا عقاب رب العالمين.لعل عينكم تكون مخطئة، إذ إن الذي يبدو لكم سيئا قد لا يكون كذلك.قد يكون الخطأ في فهمكم، وقد يكون ذلك ابتلاء من رب غفور.فتهلكون نتيجة سوء ظنكم، وتستدعون غضب الله لأنفسكم.فلما تجاسرتم على مثل هذه الوقاحة، فما معنى التقاة إذا؟! فتدبروا.لقد ندم موسى أيضا نتيجة سوء الظن فاقرأوا في القرآن ما فعله الخضر.في عباده آلاف الأسرار التي لا تعرفونها وليست الحقيقة مكشوفة الله عليكم.فقد هلكتم نتيجة تفوّهكم بكلمة واحدة ما هذا العقل إذ قد اخترتم طريقا خطيرا.من سقط في جهنم نتيجة تفوّهه بكلمة واحدة فهو الأشقى في العالم كله.فجنبوا لسانكم الفساد، واتقوا دائما عقوبة رب العباد.من حفظ عضويه خشية وخوفا دخل الجنة مباشرة بفضل الله.أحدهما اللسان والثاني هو الفرج، كما ورد في حديث سيدنا، سيد الورى.

Page 37

البراهين الأحمدية (19) الجزء الخامس أما الذين يدعونني كاذبا ومكارا، ويسمونني مفتريا وكافرا وفاجرا.تكفيهم هذه الآية من الله تعالى أي أفضاله التي نزلت علي في كل زمان.انظروا كيف أخضع الله تعالى لي ،عالما، ووجدني حامل الذكر فأذاع صيتي في العالم كله.لقد أراني متحققا كلّ ما كان مرادي وبغيتي كنت فقيرا فأعطاني دون عدّ وحساب.مع الأشرار ؟! ما من نعمة من نعيم الدنيا إلا وقد أعطانيها بفضله ورحمته.أليس مما يخرق العادة ويفوق الكرامة أن تكون تلك معاملته كيف يوفق الله مفتريا ، هل يتذكر أحد لهذه الأفضال نظيرا؟! لقد صالوا علي جميعا، كل بأسلوبه، ولكنهم واجهوا الإهانة في نهاية المعركة.لم يدخر أحد جهده في الضغينة، وكان الجميع يتمنون هلاكي.أراد الجميع أن يقتلوني أو يطلبوا من الحكام أن يشنقوني ويهلكوني.أو أسجن على الأقل، أو يخضع رأسي بكثرة المذلات عليّ.قط.• أو ينزل علي بلاء آخر نتيجة وشاياتهم عند الحكام، أو يستجاب دعاؤهم فبهذه النيات رفعوا عليّ القضايا، وأرادوا أن يحوّلوا نهاري ليلا.لقد قاموا بمحاولات لم يسبق لها نظير، ثم حدث لي ما لم يحدث في العالم وقد أجمعوا على هلاكي، حسبتُ طالحا وهم صالحون.ولكن الله الذي هو الرب الكريم والقدير والعالم بذات الصدور والعليم والخبير.

Page 38

البراهين الأحمدية (۲۰) الجزء الخامس تذكر وعده ونزل لنصرتي، فخابت آمالهم جميعا واسودت وجوههم.فكان فضل الله رب الورى علي حتى أُسْقِطَ في أيدي الأعداء كلهم.حول الله قطرة واحدة إلى بحر زخار، كنتُ ثَرى فجعلني الثريا.كنت فقيرا عديم الحيلة خامل الذكر ولا مزية في شخصي قط، لم يعرف أحد حتى موقع قاديان.لم يكن أحد من الناس متنبها أو متوجها إلي و لم يعرف أحد حتى بوجودي.ولكن ترون الآن كيف توجّه إلى العالم، فصارت قاديان نفسها مرجع أنا الخواص.ولكن الذين أعينهم مغمضة بسبب التعصب لا يروقهم حالي مع كل ذلك.مفتر في نظرهم وزعمهم فيزعمون أن خير الدنيا في موتي وزوالي.لقد لعن المفتري في كتاب الله، ولن ينال من العزة والإكرام قط عند الله عل.لقد جاء الوعيد الشديد في التوراة والقرآن الكريم أيضا أنه لو افترى أحد على الله لأهلك، فهذه هي عاقبة هذه الجريمة.ولكن ما أغرب غفلة الله القدير، إذ يرى شخصا شريرا إلى هذه الدرجة! ويراه يفتري منذ ٢٥ عاما وليس له إلا هذا الشغل ليل نهار! إذ يفتري كل يوم من عنده قولا ثم يقول إن الله ألهمنيه ليلا! ولكن الله تعالى مع ذلك لا يعاقب هذا المتجاسر، وكأنه لم يعد يذكر ما قاله من قبل.والأغرب من ذلك أن حماة الدين حين يهبون لقتله أو لإعانة الآخرين على ذلك.لا ينصرهم الله في خطتهم هذه حتى تنتهي القضية كلها بقتل المفتري.

Page 39

البراهين الأحمدية (۲۱) الجزء الخامس فلا يعير لسعي الآخرين وجهدهم أيضا أدنى اهتمام، دع عنك أن يذكر وعده.أليس هو الإله نفسه المذكور في القرآن الكريم؟! فكيف يصادق على المفتري إلى هذا الحد؟! فما السبب؟! لماذا يبرئ الله ساحة مفتر دائما وفي كل موطن؟! عندما يحاول الأعداء أن يورّطوه في معضلة ويبذلون قصارى جهدهم ويكادون يموتون في هذا السبيل.ويكيدون مجتمعين ويكذبون ويلصقون به مائة تهمة للكذب والخديعة.هباء.تخيب مع ذلك آمالهم ويفشلون في مقصدهم، وما يقولونه مائة مرة يذهب يريدون ذلتي ولكن الله يُكرمني، أهكذا تكون عاقبة المفتري؟! فيا زعماء القوم و يا حماة الدين تفكروا، لماذا لا يؤيدكم الله؟ ليس فيكم الرحمة ولا العدل ولا التقوى لهذا السبب ليس الله معكم.لعلكم تذكرون جيدا وقت قضية "كلارك" حين اتهمني بالقتل خبثا منه.حين انضممتم إلى صفوفه، ظنا منكم أن نصرتكم له ستسهل عليه الجدال.ولكن الله الذي هو إله الضعفاء والمساكين، صرف قلب الحاكم إلي.عقدتم العزم على أن أقتل وحسبتم في قرارة قلوبكم أن ذلك سهل جدا.أردتم أن أُعلق على الصليب، حتى يقع في أيديكم شيء تعتزون به.فتقولوا بأنه كان كاذبا ومفتريا فنال هذه العقوبة، ولكن الله تعالى قام لنصرتي." فبانت على "دوغلاس أسباب براءتي كلها، فبرثت ساحتي بالإكرام.إن تهمة القتل كانت عليّ خطيرة جدا، وكانت موجهة من قبل أحد القساوسة.

Page 40

البراهين الأحمدية (۲۲) الجزء الخامس كان الشهود كلهم جاهزين للإدلاء بشهاداتهم ضدي، وكان الشيخ أيضا يتباهى بالشيء نفسه.ويقول: انظروا الآن سوف ينال هذا الشخص جزاءه، ولن ينجو من العقوبة الشديدة مطلقا.لقد تبين الأمر بشهادات كثيرة، فلا بد أن يواجه إما الصلب أو السجن.وبعضهم انهمكوا في الدعاء على حتى تأكلت أنوفهم من كثرة الدعاء في السجود.باختصار، لم يدخروا جهدا في الموضوع، فكان المكر في ناحية، وفي ناحية ثانية الدعاء والسجود.ولكن الله تعالى نجاني من هذه النار في نهاية المطاف، ولم يبال بأي الأعداء.من ما هذا الفضل الذي ظهر منه ، إذ صار معينا ونصيرا للمفتري؟! بينما كان واجبا عليه أن يذكر وعده ويقطع بنفسه رقبة الكذاب الشرير.وإن لم يستطع أن يُري يد قدرته فكان سهلا عليه أن يساعدكم على الأقل.ولكن ما الذي حدث حتى بقي بعيدا عنكم، فلم ينصركم ولم يسمع دعاء كم؟! هذا.وترك المفتري حرا طليقا وأبطل خطط القوم كلها.فذهبت الجهود كلها أدراج الرياح، وضاعت مساعيهم نهائيا.أليس الله قد وعد بانتصار الصدق؟! افتحوا كتاب الله واقرأوا فيه قول الله فلماذا انقلبت الموازين رأسا على عقب من أجلي فقط؟! أم هل تمزقت عباءة تقواكم أنتم؟!

Page 41

البراهين الأحمدية (۲۳) الجزء الخامس أليس غريبا أنكم أنتم أحباؤه الله، ولكن كل ما يفعله الله تعالى يكون لصالحي أنا؟! ثم لا يقتصر الأمر على حادث واحد بل أحظى بأفضال الله تعالى في كل خطوة.انظروا إلى شخص اسمه "كرم" الدين" من قرية "بهين" فقد حرم على نفسه النوم من أجل الخصام.كان في الناس حماس شديد لنصرته، وكل عدو للحق كان يستر عيوبه.وسانده كل ظالم وغوي، وقد اجتمع المشايخ أيضا لنصرته.وبعضهم أتوه متحمسين أكثر من غيرهم وأظهروا براعتهم في تسجيل إفاداتهم.وقد أبدى المستغيث أيضا حذلقته إذ اختلق من عنده مئات المفتريات.ولكنه نال عاقبة سوء ،أعماله، وإلى جانب ذلك نال لقب الكاذب أيضا.بقي اسمه "كذابا" في الملفات وتلاشى ما كان يفتخر به على حذلقته.فيا أهل العقل والفطنة، إنه لمقام عبرة، إن الحذلقة لا تنفع شيئا بل بالتقوى تسوى الأمور كلها.جميع إن الله الله نصير المتقين دائما، وعاقبة الفاسقين هي عذاب السعير.التقوى هي أصل كل خير وسعادة، فمن حافظ على هذا الأصل حفظت أعماله.المؤمنون هم الذين ينتصرون في نهاية المطاف، هذا ما ستجدونه في كلام الله تعالى.أروني في الدنيا مفتريا حظي بهذا القدر من فضل الله وألطافه وعطائه.إن عقوبة هذا العمل السيئ هو القتل وليس الحب، فكيف أعجب الله بهذه العادة ؟!

Page 42

البراهين الأحمدية (٢٤) الجزء الخامس هل هذه المعاملة هي جزاء الافتراء؟! هل هذا ما وعد به في حق المفتري؟! كيف أصبح الله صديقا للمفتري بهذه الطريقة؟! أم هو لا يعلم شيئا فخُدع خطأ منه؟! لا بد أن هناك سرا ما حتى صار الله صديقا له، وإلا فلا يحب الأشرار أحد.حسبتموني سيئا ومع ذلك بطش بكم أنتم، هذه أيضا آيات قد ظهرت للعيان.معي إضافة إلى ذلك آيات أخرى أيضا، وسأسجلها هنا بفضل الله دون خوف أو وجل.القلب الذي ترسّخ فيه اسمه تعالى بالحب قد صار آية بحد ذاته، وكل أعماله أيضا تكون آيات.كم من أسماء أطلقها علي الناس بمن فيهم الرجال والنساء ناقصات العقل.صرت سيئا وسيئ الحال في زعمهم، وصرتُ كافرا ودجالا عندهم.صرت مفتريا وملحدا في نظرهم، وقمت بالفساد في سبيل الحق.ولكن نفسي فداء للكفر الذي بسببه يتم الوصول إلى رب العالمين وإله الناس.اللعنة على دين لا يسمو إلى ذلك الكفر، أشكر الله مائة مرة إذ صرت الله الغالب.فبسببه يأخذ الله تعالى باليد، ومن كان أسير القصص والحكايات لا يعرف قدره.بهذا الطريق المبارك نحظى بوحي الله وبه نُري الناس حسن الحبيب وجماله عيانا.يا أيها المدعي، إن الله ليس معك، وهذا الكفر أفضل من دينك ألف مرة".

Page 43

البراهين الأحمدية (٢٥) بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الخامس نحمده ونصلي على رسوله الكريم آلاف الشكر لله الذي وهب لنا دينا هو وسيلة لمعرفة الله وخشيته، ولم يوجد نظيره في أي زمان قط، وآلاف الصلوات على ذلك النبي المعصوم الذي بفضله اعتنقنا هذا الدين المقدس.وآلاف الرحمات على صحابة النبي الأكرم الذين سقوا هذا البستان بدمائهم.الإسلام دين مبارك يهدي إلى الله تعالى بحيث لو أتبعه أحد بإخلاص وصدق واعتصم بالتعاليم والتوجيهات والوصايا التي وردت في كلام الله المقدس القرآن الكريم لرأى الله تعالى في هذا العالم.ما من وسيلة سوى تعليم القرآن الكريم لمعرفة الله المستور عن أعين الدنيا وراء آلاف الحجب.أما القرآن الكريم فيهدي إلى الله تعالى بواسطة العقل والآيات السماوية بطريقة أسهل وأبسط.وفيه بركة وقوة جذب تجذب إلى الله الله في كل حين وآن كل باحث عنه ، وتهبه النور والسكينة والاطمئنان.والمؤمن الحقيقي بالقرآن الكريم لا يكتفي مثل الفلاسفة بالظن أنه يجب أن يكون لهذا العالم المليء بالحكم خالق، بل ينال بصيرة ذاتية ويرى بعين اليقين، بعد أن يتشرّف بالرؤية النزيهة بأن ذلك الخالق موجود فعلا.والحائز على النور من هذا الكلام المقدس لا يكتفي - مثل أتباع العقل فقط بالزعم أن الله واحد لا شريك له، بل يشاهد على صعيد الواقع، بواسطة مئات الظلمات، أنه ل لا شريك له في الآيات الساطعة التي تأخذ بيده وتخرجه من ذاته ولا في صفاته.وليس هذا فحسب بل يُثبت للدنيا بصورة عملية أن هذا هو إيمانه بالله فعلا.وقد تترسخ في قلبه عظمة وحدانية الله تعالى بحيث يرى العالم كله مقابل مشيئة الله كدودة ميتة بل لا يعدّه شيئا مطلقا ويحسبه كالمعدوم تماما.

Page 44

ريح (٢٦) الجزء الخامس البراهين الأحمدية إن مثل طبيعة الإنسان كمثل شجرةٍ بعض أغصانها غارقة في حفرة النجاسة والبول، وبعضها تنزل إلى حوض مليء بعبير الكاذي وغيره من الروائح الزكية، وكلما هبت الريح في كلا الجانبين نشرت رائحة زكية أو كريهة بحسب الحال.كذلك تنشر ريح أهواء الإنسان النفسانية رائحة كريهة.أما النفحات الرحمانية فتخلع على الرائحة الزكية المستورة حُلّة الظهور والبروز.فلو توقف هبوب الريح الرحمانية التي تنزل من السماء لتعرض الإنسان لهجمات عواصف الأهواء النفسانية من كل حدب وصوب ولغرق في تلك الروائح الكريهة وأعرض عن الله تعالى، حتى يصبح شيطانا متجسدا ويُسقط في أسفل سافلين، ولا يبقى فيه من الحسنات شيء حتى يهلك في نهاية المطاف بسموم الكفر والمعصية والفسق والفجور والرذائل كلها، وتكون حياته حياة جهنمية، فيسقط أخيرا في جهنم بعد موته.أما إذا أخذ فضل تعالى بيده وهَبَّت النفحات الإلهية من السماء لتنقيته وتعطيره ووهبت روحه نورا ونُضرةً وقوة مقدسة بتربيتها الخاصة كل حين وآن، فينال قوة من القوة العليا ويُجذب إلى الأعلى، حتى يتجاوز مقام الملائكة أيضا.الله فيتبين من ذلك أن في الإنسان قدرة على السقوط وعلى الصعود أيضا.وصدق من قال بهذا الشأن توجد في الإنسان مزايا من كلا النوعين، فيمكنه أن يصبح مسيحا أو حمارا أيضا.۱ ولكن المشكلة هنا هي أن السقوط سهل على الإنسان وكأنه أمر طبيعي.كما ترون مثلا أن صعود الحجر إلى الأعلى صعب جدا ويحتاج إلى قوة غيره، ولكنه يسقط إلى الأسفل من تلقاء نفسه ولا يحتاج في ذلك إلى أحد.ترجمة بيت فارسي.(المترجم)

Page 45

البراهين الأحمدية (۲۷) الجزء الخامس فالإنسان بحاجة إلى يد قوية ليسمو ويرتقي.فهذه الحاجة قد أثبتت ضرورة سلسلة الأنبياء وضرورة كلام الله.مع أن الناس الماديين خاضوا في آلاف النقاشات المعقدة للبحث عن الدين الحق، ومع ذلك لم يصلوا إلى الغاية المنشودة، ولكن الحق أن الدين الذي ينجح في إزالة عمى الإنسان وتزويده بالبركات السماوية لدرجة أن تتسم حياة أتباعه العملية بإقرار وجود الله ومواساة البشر بوضوح هو الدين الصادق، وهو الذي يستطيع أن يوصل متبعه الصادق إلى غايته المتوخاة التي جُعلت روحه متعطشة لها.إن معظم الناس يؤمنون بإله زائف لم تعد قدراته سارية المفعول في الزمن الراهن، بل انتهت في أزمنة ماضية، وتُذكر قدرته وقوته كقصص وحكايات فقط.لهذا السبب لا يستطيع الإله الزائف أن يحميهم من الذنوب بل كلما ازداد تعصبهم وتعنتهم في سبيل اتباعهم مثل هذا الدين يتشجعون على الفسق والفجور والحذلقة أكثر فأكثر وتثور أهواؤهم النفسانية كما ينهدم سد على نهر فينتشر ماؤه فيما حوله ويدمر عديدا من البيوت والزروع.الإله الحي الذي يملك أشعة آيات قدرته ويثبت وجوده بالمعجزات وقدراته المتجددة، تحول معرفته والاطلاع عليه دون ارتكاب الذنوب ويهب السكينة والطمأنينة الحقيقية ويرزق الاستقامة والشجاعة القلبية، وهو يتحول إلى النار ويحرق الذنوب ويصبح ماء ويغسل الأطماع الدنيوية ليس الدين إلا أن نبحث عنه ل ونفنى في هذا البحث.فليكن معلوما أن الخصومات المحضة والسب والشتم وقسوة الكلام وبذاءة اللسان التي يستخدمها الناس باسم الدين بناء على ثوائر النفس الأمارة ولا يتنحون عن سيئاتهم الداخلية ولا ينشئون مع ذلك المحبوب الحقيقي علاقة صادقة، وتهاجم فئة فئة أخرى كالكلاب بعيدة عن مقتضى الإنسانية وتُري

Page 46

البراهين الأحمدية (۲۸) الجزء الخامس الوقاحة المتناهية تحت عباءة تأييد الدين، فإن هذا الطريق السيئ الذي ليس إلا كهيكل عظمي فقط لا يليق بأن يسمّى دينا أصلا.من المؤسف حقا أن هؤلاء الناس لا يدرون لماذا خُلقوا في الدنيا، وما هو الهدف الحقيقي والأعظم لحياتهم الوجيزة، بل يبقون عميا وذوو طبيعة خبيثة ويسمون العواطف العنيدة دينا ويتصرفون في الدنيا بأخلاق رذيلة ولسان بذيء في تأييد إله افتراضي لا يملكون على وجوده دليلا.فما الفائدة من الدين الذي لا يعبد إلها حيا، بل إن مثل هذا الإله كمثل جنازة ميت محمولة على أكتاف الآخرين فقط، وإن زالت الأكتاف من تحت نعشه سقط فورا، وكلّ ما يجنونه من مثل هذا الدين هو العناد وحده.أما خشية الله الحقيقية ومواساة البشر الصادقة التي هي أفضل الخصائل فتتلاشى من طبائعهم كليا.وإذا واجهوا شخصا يخالفهم في الدين والعقيدة استعدوا للنيل من حياته وماله وشرفه واضعين هذا الخلاف وحده في الحسبان.وإذا احتاج إليهم أحد من قوم آخرين نبذوا العدل والإنصاف وتقوى الله وراء ظهورهم وهبوا ليقضوا عليه قضاء نهائيا ويدمروه تتلاشى تماما من طبائعهم الرحمة والعدل والمواساة التي هي الفضائل المثلى في فطرة الإنسان، وتسودهم الهمجية والسبعية القذرة نتيجة شدة العناد، ولا يدرون ما هي الغاية المنشودة من الدين المسيئون الحقيقيون للدين والقوم هم ذوو السلوك السيئ الذين لا تهمهم الحقيقة بشيء، ولا المعرفة والطهارة الحقيقيتان ويسمون ثوائر النفس دينا ويهدرون أوقاتهم كلها في الخصومات والنزاعات العبثية والكلام المشين.ولا يتيسر لهم مطلقا وقت يجب بذله مع الله في العزلة.شغلهم الشاغل هو الطعن في الصالحين وتحقيرهم وإهانتهم، بينما يكون داخلهم مليئا بأرجاس النفس كالمرحاض.يتشدقون بلسانهم كثيرا ولكن قلوبهم بعيدة عن الله كل البعد وغارقة في قذارات الدنيا، ومع ذلك يدعون أنهم مصلحو القوم، ولكن كيف يوقظ النائم نائم؟

Page 47

البراهين الأحمدية (۲۹) الجزء الخامس إن هؤلاء الناس لا يستطيعون أن يسمعوا لأحد بقلب خائف، ولا يجيبون بالصبر والجلد.الإسلام كله عرضة للاعتراضات في رأيهم ولا يوجد فيه شيء جيد.والأغرب من ذلك أنهم يكونون فرحين على هذا الوضع، يمدون يدهم بالإيذاء إلى شخص من قوم آخرين ويزعمون أنهم يحسنون صنعا أو قاموا بعمل بطولي ويثابون عليه كثيرا.ولكن من المؤسف حقا أن معظم الأقوام المعاصرة تعتبر هذا العناد دينا.ولا نُبرى عامة المسلمين أيضا من هذه العادة السيئة بل الحق أنهم سيؤاخذون عند الله أكثر من غيرهم لأنهم أعطوا دينا اسمه الإسلام الذي بين الله تعالى معناه في القرآن الكريم في قوله تعالى: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ.أي للإسلام جزءان الأول: فناء المرء في رضا الله تعالى كليا والتخلي عن مشيئته ووضعه رأسه على عتباته بحثا عن رضاه..والثاني: الإحسان إلى البشر عامة.فما أجمل هذا الدين! وكم هو مبني على المبادئ الطيبة والمقدسة التي ابتعدوا عن تعاليمها كل البعد ! وقد حل هذا الدمار حين أعرضوا عن تعليم القرآن الكريم عمدا أو خطأ لأن الإعراض عنه سواء كان ظاهريا أم معنويا يحرم صاحبه من فيوض الله.ما أقصده من الإعراض الظاهري هنا هو أن ينكر أحد كلام الله كليا، والمراد من الإعراض المعنوي هو ألا ينكره في الظاهر ولكنه لا يبالي بكلام الله تعالى نتيجة ضغط من العادات والتقاليد وأهواء النفس وكلام الآخرين.باختصار، هذان مرضان خبيثان، ولا بد من اتباع الدين الحق بغية الخلاص منهما.المرض الأول هو عدم الإيمان بالله واحدا لا شريك له ومتحليا بكافة الصفات الكاملة والقدرات التامة والإعراض عن حقوقه الواجبة، وإنكار- كناكر الجميل - فيوضه التي تجري في كل ذرة من الكيان والروح.١ البقرة: ١١٣

Page 48

البراهين الأحمدية (۳۰) الجزء الخامس والمرض الثاني هو أن يقصّر المرء في أداء حقوق العباد، ويتحوّل إلى حيّة سامة لإيذاء كل من ينتمي إلى دين غير دينه أو قوم غير قومه أو كان يخالفه، ويتلف كافة الحقوق الإنسانية دفعة واحدة.الحق أن أناسا مثله ميتون في الحقيقة وغافلون عن الإله الحي.الإيمان الحي لا يتأتى قط ما لم يستفض الإنسان من فيوض تجليات الإله الحي وآياته العظيمة.معلوم أن الدنيا كلها، عدا الدهريين تؤمن بوجود الله تعالى بشكل من الأشكال، ولكن لما كان ذلك الإيمان مبنيا على فكرة مختلقة وليس ناتجا عن التجلي الخاص للإله الحي، فلا يتسنى الإيمان الحي نتيجة مثل هذه الفكرة ما لم يسمع المرء من الله تعالى صوت "أنا الموجود" بقوة متناهية وعلى سبيل المعجزة وبوجه خارق للعادة.ولا يحصل الإيمان بذلك الإله الحي ما لم تصحبه الآيات القوية الأخرى عمليا.إن هؤلاء الناس يُطلقون اسم "الله" أو "الإله" على كلام يسمعونه جزافا، وكأنهم يؤمنون به مضطرين اضطرارا شديدا ولا حول لهم ولا قوة حياله، وقد اتخذوا التباهي والتبجح أكثر من معرفتهم مهنة لهم.إن معرفة الله الحقيقية كلها تنحصر في أن يصل المرء إلى الإله الحى يكلم عباده المقربين بكل جلاء ويهبهم الطمأنينة والسكينة بكلامه المليء الذي مع بالشوكة والمتعة.وكما يتحدث المرء مع غيره، كذلك تماما يتحدث الله عباده على وجه اليقين الذي يفوق الشك والريب كليا، ويسمعهم ويردّ عليهم، ويجيب أدعيتهم ويخبرهم بقبولها.فمن ناحية يثبت لهم بواسطة كلام حلو لذيذ ومليء بالشوكة، ومن ناحية أخرى بواسطة فعله المعجز وآياته القوية والعظيمة، أنه هو الإله الحق فأولا يعدهم كنبوءة بتأييده ونصرته وحمايته بوجه خاص.ومن جانب آخر يجعل الدنيا كلها تهب لمعارضتهم ليزيد من عظمة وعوده.فيسعى هؤلاء المعارضون بكل قوتهم ومكايدهم ومكرهم وخططهم

Page 49

البراهين الأحمدية (۳۱) الجزء الخامس إلى أن يردّوا وعود الله بحماية عباده المقبولين ونصرتهم وغلبتهم.والله لا يخيب جميع مساعيهم ويبددُها.إنهم يبذرون الشر ولكن الله يستأصل جذوره.إنهم يُشعلون النار والله يطفئها.إنهم يُخرجون كل ما في جعبتهم والله يردّ مكايدهم في نحورهم في نهاية المطاف.المقبولون في حضرة الله والصادقون يكونون مستقيمين وبسطاء تماما وفي حضرة الله كالأطفال في حضن أمهاتهم.الدنيا تعاديهم لأنهم ليسوا من الدنيا تُحاك أنواع المكايد والحيل لاستئصالهم، تُجمع الأقوام على إيذائهم ويُطلق عليهم الأغبياء سهاما من قوس واحدة مجتمعين، وتوجه إليهم أنواع التهم والافتراءات ليهلكوا بشكل من الأشكال ولا يبقى لهم أي أثر، ولكن الله تعالى يتمّ أمره في كل الأحوال.فتبقى هذه المعاملة جارية معهم على مدى حياتهم على النهج نفسه، فيُشرفون من ناحية بمكالمات صحيحة وواضحة ويقينية، ويكشف الله الكريم والقدير عليهم بكلامه الصريح علم الأمور الغيبية الذي يفوق قدرة البشر.ومن ناحية ثانية يجعل عمل يقينهم نورا على نور بأفعاله المعجزة التي تصدق كلامه.وبقدر ما تقتضي طبيعة الإنسان من لوازم العرفان به تعالى عرفانا حقيقيا، يُهيَّاً لهم ذلك العرفان بأنوار وتجليات الأقوال والأفعال فلا تبقى ظلمة ولو مثقال ذرة.فهذا هو الإله الذي يهب الإنسان إيمانا صادقا وحيا بعد تجليات أقواله الله وأفعاله التي تضم في طياتها آلاف الإنعامات وتؤثر في القلوب تأثيرا قويا جدا، فتتوطد مع الله تعالى العلاقة الصادقة والمقدسة وتزول أدران النفس كلها.كذلك تزول نقاط ضعف الإنسان كلها ويتلاشى الظلام الداخلي بأشعة النور السماوي القوية، ويتراءى للعيان تغيير فالدين الذي لا يقدّم إلها يثبت تحليه بهذه الصفات بل يجعل الإيمان محصورا في القصص والحكايات السابقة التي لا تُسمع ولا تتراءى للعيان، لا يمكن أن

Page 50

البراهين الأحمدية (۳۲) الجزء الخامس يكون دينا صادقا قط.ومثل الإيمان بهذا الإله الافتراضي كمثل التوقع من الأموات أن يقوموا بأعمال الأحياء، ووجود هذا الإله وعدمه سيان، ذلك الإله الذي لا يستطيع أن يثبت وجوده دائما وفي كل الأحوال هو كوثن لا يتكلم ولا يسمع ولا يجيب على سؤال ولا يقدر على أن يُري قدرته بطريقة لا يسع حتى لملحد شديد الإلحاد أن يشك فيها.يجب التذكر أنه كما تطلع علينا الشمس في كل يوم جديد لتهيئ لنا ضوءا، فلا نستطيع أن نستفيد منها ولا تطمئن قلوبنا إذا كنا جالسين في الظلام محرومين من الضوء نهائيا، ويقال لنا بأن الشمس موجودة ولكنها كانت تطلع في الأزمنة الخالية أما الآن فقد اختفت للأبد؛ كذلك إن الشمس الحقيقية التي تنور القلوب تشرق كل يوم وتهب الإنسان نصيبا من تجليات أقوالها وأفعالها الإله الحق والدين الحق هو ذلك الذي يبشر بوجود ذلك الإله ويُري وجود ذلك الإله عيانا وببركة ذلك الإله الحي تتطهر النفوس.لا تتوقعوا أن خطة أخرى تقدر على تطهير نفس الإنسان.فكما أن النور هي وحده يقدر على إزالة الظلام كذلك إن العلاج الوحيد لظلمة الذنوب هي تجليات أقوال الله تعالى وأفعاله حصرا التي تنزل كمعجزة بأشعتها القوية من الله تعالى على قلب سليم، وتريه أن الله موجود فعلا، وتزيل كدورات جميع الشكوك وتهبه السكينة والطمأنينة.فيُرفع هذا الإنسان السعيد إلى السماء بجذب قوي من الله القوي الأعلى.أما ما يقدَّم سواه من الأساليب الأخرى فهي عبثية وزائفة كلها.غير أنه صحيح تماما أن المعرفة وحدها لا تكفي من أجل الفوز بالطهارة الكاملة بل لا بد أيضا إلى جانب ذلك سلسلة الأدعية المليئة بالألم، لأن الله تعالى غني وصمد، فهناك حاجة ماسة لجلب من من فيوضه إلى الأدعية المليئة بالتضرع والابتهال والصدق والصفاء وحرقة القلب.

Page 51

البراهين الأحمدية (۳۳) الجزء الخامس ترون أن الرضيع يعرف أمه جيدا ويحبها أيضا والعكس صحيح، ومع ذلك إن لبكاء الرضيع دورا كبيرا في إدرار حليب الأم.فمن ناحية يبكي الرضيع بألم ومرارة ناتجة عن جوع شديد، ومن ناحية ثانية يؤثر بكاؤه في قلب الأم فيدرّ الحليب.كذلك يجب على كل باحث أن يُثبت جوعه وعطشه الروحاني بالتضرع والابتهال أمام الله تعالى حتى يدرّ الحليب الروحاني ويرويه.فلباب الكلام أن المعرفة وحدها لا تكفي للطهارة والصفاء بل لا بد من التضرع والبكاء أيضا بالألم مثل الرضيع فلا تيأسوا ولا تظنوا بأن نفوسنا ملوثة بالذنوب بشدة فلا حقيقة لأدعيتنا ولا تأثير لها، لأن نفس الإنسان التي خلقت لنيل حب الله أصلا - وإن اشتعلت بشدة بنار الذنوب تملك قدرة على التوبة التي من شأنها أن تطفئ تلك النار، كما ترون أنه مهما سُخّن الماء على النار فإنه يطفئ النار لو صُب عليها.فهذا هو الطريق الذي بواسطته ظلت قلوب الناس تتطهر منذ خلقهم الله تعالى.أي لا يمكن للإنسان أن يتخلص من الذنوب بأية طريقة إلا أن يُظهر الله الحي وجوده وقدرته وألوهيته بتجليات أقواله وأفعاله، وأن يُري عظمته ساطعة.ومن الثابت المتحقق عقليا أيضا أن الإنسان لا يقدّر شيئا ولا يرسخ في قلبه هيبته إلا عندما يلمس علامة عظمته وقوته التي بها تحصل المعرفة التامة.فمثلا من المعلوم أن الإنسان لا يُقحم يده في جحر يكون متأكدا أن فيه حية، ولا يأكل قط شيئا يوقن أنه سم.فما السبب إذن أنه لا يخاف الله على المنوال نفسه ويرتكب آلاف الفسوق والفجور بكل تجاسر، ولا يخشى ولو بلغ الشيخوخة؟ السبب في ذلك أنه غافل تماما عن ذلك المنتقم الحقيقي القادر على المعاقبة على الذنوب.

Page 52

البراهين الأحمدية (٣٤) الجزء الخامس من المؤسف أن معظم الناس لم يتوجهوا لسوء الحظ إلى هذا المبدأ بل قد اخترعوا من عند أنفسهم للخلاص من الذنوب طرقا واهية وسخيفة تشجع على الذنب أكثر منها على سبيل المثال فكرة أن الإيمان بصلب عيسى العلي واعتباره إلها مدعاة لمغفرة الذنوب جميعا.فهل يمكن أن يُتوقع من فكرة كهذه أن تخلق في المرء نفورا حقيقيا من الذنب؟! من المعلوم جيدا أن الأضداد تزول بضدها، بمعنى أن البرد يزيله الحر، والظلام يزيله الضوء، فأي علاج هذا أن يتطهر "بكر" من الذنوب نتيجة صلب "زيد"؟ بل هي أخطاء الناس التي تترسخ في القلوب في عصور الغفلة والانهماك في الدنيا.الحق أن الأفكار السفلية الناتجة التي بسببها راجت الوثنية في الدنيا، وهي التي أدّت عن الأهواء النفسانية هي إلى رواج عقيدة الصلب والكفارة في المسيحيين.الحق أن من طبيعة الإنسان أنه يحب أكثر الأحيان طريقا لا يكلفه عناء ومشقة.ولكن الطهارة الحقيقية تقتضي عناء و مجاهدات كثيرة، ولا تتأتى تلك الحياة الطاهرة ما لم يشرب المرء كأس الممات.فكما جرت عادة الإنسان أنه يجتنب سبلا ضيقة وصعبة ويبحث عن طريق سهل وهين، كذلك قد أعجب هؤلاء القوم كثيرا بعقيدة الصلب التي ليست إلا إقرارا باللسان ولا تشق على مطلقا، وهذا ما أدّى إلى الفتور في حبّ الله تعالى.فلا يريدون أن الروح يُحدثوا في نفوسهم تغيرا طيبا نافرين من الذنوب.الحق أن الاعتقاد بالصلب يُفرح الذين لا يريدون أن يحصلوا على طهارة حقيقية، ويظلون يبحثون عن طريقة ليبقوا على حياة قذرة وتُغتفر ذنوبهم أيضا فيزعمون مع وجود تكدرات كثيرة أنهم قد تطهروا من جميع الذنوب بمجرد إيمانهم بدم المسيح.ولكن الحق أن مثل هذا التطهر كمثل دمّل مليئ بالصديد يبدو لامعا من الخارج.ولكن لو كانت في الطبائع عادة التدبر لتبين خطأ عقيدة الصلب

Page 53

البراهين الأحمدية (٣٥) الجزء الخامس الله بمجرد التأمل في أحوال المتشبثين بها والتدبر في مدى فنائهم في حب وتركهم حب الدنيا وأهوائها وأطماعها.فمن تحوّل في البلاد الأوروبية رأى بأم عينه مدى انهماك الذين يُعَدّون حماة الدين الكبار - وليسوا مثل الجهلاء في هذه البلاد بل هم مثقفون ومتحضرون في ملذات الدنيا وتحررهم وشربهم الخمر وإشباعهم رغبات النفس وغيرها من مظاهر الفسوق والفجور.إن الذين يشددون أكثر من غيرهم على دم المسيح هم القساوسة، ومعظمهم مدمنون على الخمر التي هي أم الخبائث، بل إن وقائع بعضهم التي تُنشر في الجرائد بين حين وآخر يندى لها جبين المرء لدرجة أنه يفضّل عدم بيانها.فقد قرأت اليوم في جريدة أنه قد قُبض على قسيس- اسمه "الدكتور ساندي ليندز" في بريطانيا وجيء به إلى هنا لأنه اغتصب الفتيات.كان القسيس المذكور مدير دار اليتامى في مدينة بتهنداره ناغفور".لقد حدث أن فتاةً وُجدت في غرفته ليلة ٢٤ آب / أغسطس ولكنه لم يستطع أن يرد على التساؤلات بهذا الشأن.ثم تبين بعد مغادرته البلاد بعد الاستقالة أنه اغتصب ١٧ فتاة.ثم أميط اللثام عن كارثة أخرى في إفادات الشرطة إذ عُلم أنه قام بعمل جراحي غير مشروع أيضا أي قام بالإجهاض أيضا.ثم صدر الأمر بإلقاء القبض عليه، فقُبض عليه في بريطانيا.وبعد وصوله إلى الهند سوف تُرفع القضية ضده في المحكمة العليا في مومباي.(انظروا جريدة "بايونير" وجريدة أخبار "عام العدد ۸ شباط / فبراير ۱۹۰٥م العمود الأول، ۹ شباط / فبراير ۱۹۰٥م الصفحة ٦ العمود (٢).فما دامت هذه حال الذين يُدعون قساوسة مقدسين ويحتلون مكان الصدارة من حيث الاستفادة من دم المسيح فما الذي سيستفيد منه الآخرون؟! فاعلموا أن هذا ليس طريقا صائبا على الإطلاق للحصول على الطهارة الحقيقية.الوقت

Page 54

البراهين الأحمدية (٣٦) الجزء الخامس آت بل هو قريب حين يدرك الناس بأنفسهم خطأ هذا الأسلوب.الطريق الأصوب هو ذلك الذي أخبرت به كل من جاء إلى الله تعالى فقد دخل من هذا الباب فقط.أن هذا الباب ضيق جدا والداخلون فيه قلة قليلة لأن صحيح عتبته الموتُ، وإطاره هو الوقوف في سبيل الله بكل قوة وعزيمة بعد رؤيته تعالى.فقليل ما هم الذين يحبون الدخول عبر هذا الباب.المؤسف أن فكرة دم المسيح قد أبعدت المسيحيين في بلادنا عن هذا الباب، أما الآريون فقد حرمتهم منه فكرة التناسخ و اعتقاد عدم قبول التوبة، لأنه لا سبيل عندهم للتطهر بعد اقتراف الذنب في هذه الحياة إلا الدخول في سلسلة الولادات المتكررة على سبيل التناسخ.أما التوبة أي الرجوع إلى الله تعالى بصدق القلب باختيار حالة تشبه الموت، والتضحية بالنفس باختيار حالة تشبه الموت فهي فكرة عبثية عندهم.فكلا الفريقين محروم من ذلك الطريق الأصوب.غير أن الآريين تواجههم مشاكل إضافية إذ ليس أمامهم سبيل مفتوح لليقين بالله، لا عقليا ولا سماويا.ليس أمامهم سبيل عقلي لأن الأرواح بحسب عقيدتهم جاءت إلى حيّز الوجود مع كل قوتها وقدراتها من تلقاء نفسها، كذلك أجزاء العالم كلها أيضا وُجدت من تلقاء نفسها بكل ميزاتها.وفي هذه الحالة لم يبق دليل عقلي على وجود الإله، لأنه إذا وُجد كل شيء من تلقاء نفسه فلماذا لا يوجد اتصال كل تلك الأشياء تلقائيا؟ إذا، فإن هذا المذهب أقرب ما يكون إلى الإلحاد.وإن لم يوفقهم الله تعالى للتوبة من هذه الفكرة الخاطئة لصاروا ملحدين يوما من الأيام.كذلك إنهم محرومون من معرفة الله من حيث الطريق السماوي أيضا، لأن المراد من الطريق السماوي هو الآيات السماوية المتجددة الدالة على وجود الله تعالى التي يراها

Page 55

البراهين الأحمدية (۳۷) الجزء الخامس المؤمن بالله الحي باستمرار، ويرى تصرفه في كل شيء على وجه اليقين.ولكن هؤلاء القوم ينكرون تلك الآيات كليا.لذا فإن كلا البابين لمعرفة الله موصد عليهم.غير أنهم يُبدون حماسا مفرطا في المناظرات الدينية عنادا.وقد سبقوا القساوسة أيضا نوعا ما في قسوة الكلام وبذاءة اللسان وحدته.ولكن ليس لهم أدنى نصيب في معرفة الله تعالى، لأن الله تعالى يُعرف أولا وقبل كل شيء بصفة الخلق عقلا، ولكنه ليس خالقا بحسب اعتقادهم.فلا دليل عندهم على وجوده من حيث المخلوقات والطريق الثاني لمعرفة الله تعالى هو الآيات السماوية، ولكنهم ينكرونها قطعا، وبالتالي هم محرومون تماما من هذا السبيل إذ ليس في أيديهم إله إلا بالاسم والكلمات فقط ويجهلون وجوده نهائيا.فمن المؤسف أنهم لا يدرون أنه مهما تشدق الإنسان بلسانه فلا جدوى من ذلك ما لم يحظ بمعرفة الله التي بسببها يُقضى على حياته السفلية ويزخر قلبه بحبه ل وينفر من الذنوب.كل شخص يستطيع أن يدعي بلسانه أنه حائز على هذه الدرجة ولكن من علامات العابدين الصادقين أن بركةً تنشأ فيهم نتيجة حب الله الصادق، وتحالفهم تجليات أقوال الله وأفعاله، بمعنى أنهم يتشرفون بمكالمة الله وتظهر فيهم أفعال الله المعجزة، ويُنزل الله تعالى عليهم إلهامات كثيرة تتضمن وعود النصرة في المستقبل، ثم تظهر تلك النصرة للعيان في وقت آخر.وبذلك يعرفون ربهم ويمتازون عن غيرهم بالآيات الخاصة.يوهبون قوة الجذب التي بها يُجذب الناس إليهم ويتلألأ عشق الله على وجوههم.ولولا هذا الفارق المميز لأمكن لكل شرير زانٍ وفاسق وفاجر وشارب خمر وسيئ الطوية سرا أن يُعد صالحا.فما الفرق إذا بين صالح حقيقي وصالح زائف؟! فلقد جرت سنة الله منذ القدم للتفريق بينهما أن الصادقين يحظون بحياة تتسم بالمعجزات وتحالفهم نصرة الله بأسلوب معجز تماما.

Page 56

البراهين الأحمدية وجود (۳۸) الجزء الخامس الله وليكن معلوما أيضا أن حياة الصادق المتسمة بالمعجزات تدل على وجود تعالى أكثر من دلالة السماوات والأرض، لأنه لم ير أحد بأم عينه أن الله تعالى خلقهما بيده، غير أن العقل السليم يدرك نظرا إلى خلق العالم المبني على حكمة وتركيب بليغ ومحكم ضرورة أنه يجب أن يكون لهذا الخلق العديم النظير خالق.ولكن العقل لا يصل في معرفته إلى حد أن ذلك الخالق موجود في الحقيقة، لأنه لم ير الخالق يخلق هذه الأشياء، بل إن مدار معرفة الله من حيث العقل هي فكرة ضرورة وجود الخالق فقط، وليست رؤيته.أما حياة الصادق المعجزة فتُري الله تعالى من حيث المشاهدة على صعيد الواقع، لأن الصادق في حالته الابتدائية يكون كذرة لا حقيقة لها، أو كحبة خردل يزرعها الزارع فتبقى في حالة ذلّة متناهية.ثم يُطلع الله الدنيا بالوحي بأنه سيقيمه ويرزقه لمعانا مثل النجوم ويرفعه كالسماء، وسيحوّل الذرة جبلا.ومع أن أشرار الدنيا كلهم يريدون أن تبقى إرادة الله في معرض التأجيل ويُخرجون كل ما في جعبتهم كيلا يتم ذلك الأمر ولكنه لا يتوقف ما لم يكتمل ويد الله تعالى ترفع جميع العراقيل ويُتم أمره.ويجعل الله تعالى من شخص خامل الذكر جماعة عظيمة الشأن بحسب نبوءته ويجذب إليه قلوبا مستعدة كلها.ويذيع صيت شخص خامل الذكر لدرجة لم تكن في نصيب آبائه وأجداده قط.يأخذ بيده في كل موطن، ويرزقه الفتح في كل معركة، ويجعل العالم خادما له، ويجذب إليه مئات الآلاف من الناس ويرسخ تعليمه في قلوبهم، وينصرهم بروح القدس.فيصبح الله عدو أعدائه وصديق أصدقائه، ويحارب عدوه بنفسه.فمن هذا المنطلق قلتُ بأن حياة الصادق المعجزة تدل على وجود الله تعالى أكثر مما تدل عليه السماوات والأرض لأن الناس لم يروا بأم أعينهم السماوات والأرض تُخلق بيد الله، ولكنهم يرون بأم أعينهم أن الله تعالى يبني بيده بناء ازدهار عبد

Page 57

البراهين الأحمدية (۳۹) الجزء الخامس الله الصادق.وينبئ قبل مدة طويلة بأني سأفعل كذا وكذا وأجعله كذا وكذا، ثم يحقق كل ذلك على الرغم من العراقيل الشديدة والمواجهات القاسية من قبل الأشرار.من فهذه الآية توصل الباحث عن الحق إلى مرتبة حق اليقين، وتمثل دليلا قاطعا على وجود الله ، ولكن للذين يبحثون عن الله ولا يتكبرون ويقبلون الحق بالتواضع بعد أن يجدوه.لقد جمع الله تعالى آيات كثيرة من هذا القبيل في العصر الراهن أيضا، ليت الناس يتدبرونها وينوِّرون أنفسهم بسراج اليقين والمعرفة ليستحقوا النجاة.ولكن ليس من نصيب الشرير أن ينال الهداية من جراء الآيات فهو يغمض عينيه عند رؤيته الضوء كيلا ينور عينيه فيرى الطريق.فالشرير يرى آلاف الآيات ويُعرض عنها ويقدم مرارا الأمر الذي لم يدركه لغبائه.والذي يأتي الله تعالى ليس واجبا عليه أن يُري آيات تسقط فيها النجوم على الأرض أو تطلع الشمس من مغربها أو يحوّل الغنم إنسانا، أو يرقى في السماء أمام الناس، وينزل منها على مرأى منهم ويأتي من السماء بكتاب مخطوط ليقرأوه بأنفسهم، أو تكون له بيوت كلها من زخرف أو يحيا على يده آباؤهم وأجدادهم الميتون ويخرجوا من أجداثهم متكلمين صارخين لاعنين أولادهم ليقولوا لهم مدينين إياهم إن هذا المدعي كان رسولا صادقا من الله فما أشنعها من جريمة ارتكبتموها بإنكار كم إياه وقد رأينا بأم أعيننا أن المؤمن به يدخل الجنة مباشرة، والذي ينكره يُلقى في جهنم ذليلا مهانا.ثم أن يعقد آباؤهم وأجدادهم اجتماعات في المدينة يجمعوا فيها المنكرين جميعا فيقولوا لأولادهم: تعلمون أننا آباؤكم وأجدادكم وتعرفون أيضا كم كنا نعادي هذا الشخص ولكننا حين متنا أُلقينا في جهنم لعداوته.انظُروا إلى أبداننا قد صليت بالنار واسودّت، وقد خرجنا من الأجداث على مرأى منكم لنشهد أن هذا الشخص من الله ونبي صادق.

Page 58

البراهين الأحمدية (٤٠) الجزء الخامس اعلموا يقينا أنه لم يحدث قط أن يُلقي الأموات مثل هذه المحاضرات بقيامهم من القبور، ولم تعقد في زمن من الأزمان اجتماعات قط بحيث قام آباء بعض الناس وأجدادهم من القبور وعُقدت جلسةٌ في مكان معين و.مكان معين وجمع الناس من المدينة كلها أمام الأموات ثم ألقى هؤلاء الأموات محاضرة أمام آلاف الناس قائلين بصوت عال: أيها الحضور، نشكركم على مجيئكم لتسمعوا خطابنا، وأنتم تعرفوننا جيدا فإننا من سكان الحي الفلاني وأجداد فلان وفلان، وكنا قد متنا قبل بضعة أعوام بالطاعون أو الكوليرا أو بمرض آخر وقد شيعتم جنازتنا، وأنتم الذين دفنتمونا أو أحرقتمونا.وقد رفضتم بكل حقارة هذا النبي العظيم الذي يحتل مقام الصدارة بين ظهرانينا واعتبرتموه كاذبا وطلبتم منه أن يُحيي بعض الأموات كمعجزة منه، فأحيينا بدعائه وها نحن واقفون أمامكم الآن.فانظرونا أيها الناس بأعين مبصرة بأننا نحن أنفسنا، واسمعوا منا قصصنا كلها.والآن نشهد بعد عودتنا إلى الحياة بأن هذا الشخص صادق في الحقيقة وقد دخلنا النار لعدم الإيمان به، ولأن شهادتنا هي شهادة عيان، لذا عليكم أن تؤمنوا به لتنجوا من الجحيم.فهل لضمير أو نور قلب أن يقبل لميت أن يكون قد ألقى محاضرة من = هذا القبيل بعد عودته إلى الحياة، ومع ذلك لا يؤمن به الناس؟! فالذي لا يدرك إلى الآن مدى وكيفية ظهور الآيات فهو ميت بنفسه.فإذا كانت محاضرات الأموات على هذا النحو من الأدلة الضرورية فلا فائدة من الإيمان أصلا، لأن المراد من الإيمان هو أن يكون الأمر ظاهرا من وجه وباطنا من وجه آخر، بمعنى أن يثبت وجوده نتيجة الرؤية بنظر دقيق، ولو لم يتم التأمل بنظرة دقيقة لأمكن الحقيقته أن تبقى خافية نتيجة نظرة عابرة.ولكن لو كشف الأمر تماما فمن ذا الذي لا يؤمن بالأمر الواضح المكشوف مثله؟! فالمراد من

Page 59

البراهين الأحمدية (٤١) الجزء الخامس المعجزات تلك الأمور الخارقة التي تثبت بنظرة دقيقة وعادلة ولا يقدر عليها إلا المؤيدون من الله تعالى، لذلك تُسمَّى خارقة للعادة.ولكن الأشقياء منذ الأزل لا يستفيدون من تلك المعجزات شيئا كما رأى اليهود من المسيح العليا معجزات عديدة و لم يستفيدوا منها، واتخذوا عذرا آخر للإنكار قائلين إن بعض نبوءاته لم تتحقق مثل النبوءة عن اثنى عشر كرسيا التي كانت بحق الحواريين الذين ارتد أحدهم.كذلك ادّعى أنه سيكون ملك اليهود ولكن ثبت بطلانه.ثم فسر تلك النبوءة بأنه كان يقصد من ذلك مملكة روحانية.وقد أنبأ المسيح أيضا بأنه سيعود إلى الدنيا والناسُ المعاصرون أحياء، ولكن بطلت هذه النبوءة أيضا بصراحة تامة.كذلك كانت هناك نبوءة الأنبياء السابقين عن المسيح أنه لن يأتي ما لم يرجع إلياس إلى الدنيا، ولكن إلياس لم يرجع، ومع ذلك أعلن يسوع بن مريم بغير دليل أنه المسيح الموعود.وحين سئل عن ذلك اعتبر يوحنا أي النبي يحيى بديل إلياس الموعود، حتى يُعد هو مسيحا موعودا بشكل من الأشكال، مع أن الأنبياء السابقين لم يفسّروا عن إلياس المقبل هذا التفسير، بل النبي يوحنا أيضا أراد من إلياس إلياس نفسه الذي خلا.ولكن المسيح أي يسوع بن مريم قال - لتُسوّى أموره بأن المراد من إلياس المقبل هو مرشده يوحنا، مخالفا بذلك إجماع الأنبياء والصالحين السابقين كلهم.واللافت في الموضوع أن يوحنا نفسه ينكر كونه إلياس ولكن يسوع بن مريم قد جعل يوحنا إلياسا بالإجبار.والجدير بالتأمل هنا أن اليهود لم يستفيدوا من آيات المسيح العليا شيئا ولا يزالون يقولون إنه لم تصدر منه أية معجزة بل كان الأمر كله مجرد زيف وخديعة.لذلك اضطر المسيح إلى القول: جيْلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ.

Page 60

البراهين الأحمدية (٤٢) الجزء الخامس الحق أن مثل المعجزات كمثل ليل مقمر يشوبه بعض السحاب، ولكن الأعشى- الذي لا يستطيع أن يرى أثناء الليل لن ينفعه ضوء القمر شيئا.لم ولن يحدث أبدا أن تظهر المعجزات في هذه الدنيا كما ستظهر يوم القيامة، كأن يحيا مائتان أو ثلاثمائة من الأموات مع فواكه الجنة في أيديهم ومعهم جذوات من النار أيضا فيزوروا مدائن مختلفة ليشهدوا على صدق نبي موجود بين ظهراني القوم، ويعرفهم الناس أنهم كانوا قد ماتوا من قبل في الواقع وقد أُحيُوا الآن، ويثيروا ضجة من خلال خطاباتهم ومحاضراتهم أن هذا الشخص الذي يعلن النبوة صادق في الحقيقة.فاعلموا أنه لم تظهر معجزات بهذه الطريقة قط ولن تظهر في المستقبل أيضا قبل يوم القيامة والذي يدعي أنه قد سبق أن ظهرت معجزات كهذه فإنه مخدوع بقصص وحكايات لا أصل لها، وليس مطلعا على سنن الله.فلو ظهرت معجزات على هذا المنوال لما بقيت الدنيا على حالها ولزالت الحجب كلها، ولما كان للإيمان ثواب ولو مثقال ذرة.اعلموا أيضا أن الصادقين يُعطون المعجزة للتمييز بين الحق والباطل.والهدف الحقيقي من المعجزة ليس إلا أن يمتاز الصادق من الكاذب عند العقلاء والمنصفين.والمعجزات تظهر بقدر ما كان كافيا لإظهار التمييز المذكور.وهذا القدر يختلف بحسب مقتضى كل زمن كما تختلف نوعية المعجزة أيضا بحسب مقتضى الحال.ليس صحيحا مطلقا أنه كلما طلب أحد مهما كان متعنتا وجاهلا وسيئ الطوية- معجزةً مهما كانت تخالف الحكمة الإلهية وأكبر من الضرورة فلا بد من إظهارها في كل الأحوال هذا الأسلوب كما يخالف حكمة الله كذلك يضر بإيمان المرء، لأنه لو وُسعت دائرة المعجزات بحيث أمكن في الدنيا إظهار ما كان مؤجلا إلى يوم القيامة كالمعجزات لما بقي أي فرق بين

Page 61

البراهين الأحمدية (٤٣) الجزء الخامس الدنيا والقيامة، مع أن هذا الفرق هو مدعاة الثواب على الأعمال الصالحة والمعتقدات الصحيحة التي يعتنقها المرء في الدنيا، ولو اعتنقها يوم القيامة لما نال ثوابا ولو مثقال حبة خردل كذلك ورد في كتب الأنبياء جميعا والقرآن الكريم أيضا أنه لن ينفع نفسا إيمانها إن آمنت يوم القيامة أو عملت صالحا، ويكون الإيمان عندها دون جدوى لأنه يكون جديرا بالاعتداد إذا آمن المرء بشيء مكنون، أما لو كشف الأمر كله وطلع نهار العالم الروحاني وظهرت الأمور القاطعة وما بقي مجال للشك في أمر الله ويوم الدين، لكان قبول شيء عندها..أي الإيمان بتعبير آخر تحصيل حاصل فقط.فباختصار، إن الآيات ليست شيئا بينا ومكشوفا إلى درجة أن يضطر العالم كله إلى قبولها دون عذر أو اختلاف أو اعتراض، ولا يبقى لدى أحد أيا كان طبعه - شبهة في اعتبارها آية ولا يعود الأمر مشتبها على أي شخص مهما كان غبيا.فلباب القول إن الآيات والمعجزات ليست أمرا بديهيا لكل طبيعة حتى يكون التسليم بها واجبًا.بمجرد رؤيتها.بل لا يستفيد من الآيات إلا العقلاء والمنصفون والصادقون وذوو الطبيعة السليمة الذين يُدركون بفراستهم ودقة نظرهم وعدلهم وخشيتهم لله وتقواهم أنها ليست من أمور دنيوية عادية ولا يقدر كاذب على إراءتها، فيفقهون أنها بعيدة كل البعد عن اختلاق الإنسان وأسمى من متناول البشر وتحتوي على خاصية وعلامة مُميّزة لا تقدر عليها قوى الإنسان العادية ولا خططه المدروسة والمحبوكة بإحكام.فيصلون بفهمهم اللطيف ونور فراستهم إلى كنه حقيقة أن فيها نورا وعبير قدرة الله ولا مجال للشك أنها قد تكون نتاج مكيدة أو تزييف أو حذلقة.فكما أن ضوء الشمس وحده لا يكفي لليقين بوجود الضوء بل لا بد من النور للعين أيضا لتستطيع

Page 62

البراهين الأحمدية (٤٤) الجزء الخامس رؤية ذلك الضوء، كذلك المعجزة وحدها لا تكفي لليقين بنورها بل هناك حاجة إلى نور الفراسة أيضا وما لم تملك طبيعة الشخص الذي يرى المعجزة نور الفراسة الصادقة والعقل السليم لا يمكنه قبولها.ولكن الشقي الذي لم يُعط نور الفراسة لا يطمئن بالمعجزات التي تقتصر على شأن مُميَّز فقط، ويقول مرة بعد أخرى بأني لن أقبل أية معجزة إلا ما كان منها نموذجا للقيامة؛ كأن يرقى أحد في السماء أمام عيني وينزل منها على مرأى مني مع كتاب في يده، وليس ذلك فحسب بل لن نؤمن ما لم نمسك الكتاب بأيدينا ونراه ونقرأه، أو يأتي بقطعة من القمر أو الشمس تضيء الأرض، أو تنزل معه ملائكة من السماء وتُري أعمال الملائكة الخارقة للعادة، أو أن يحيا بدعائه عشرة أو عشرون ميّتا وأن يُعرف عنهم أنهم آباء أو أجداد الأناس الفلانيين وقد سبق أن ماتوا بتاريخ كذا وكذا.ولا يكفي ذلك فحسب بل لا بد أيضا من أن يعقدوا في المدن بوجه عام اجتماعات ويُلقوا فيها محاضرات قائلين بأعلى صوتهم بأننا في الحقيقة أموات وعُدنا إلى الدنيا أحياء لنشهد أن دينا كذا وكذا صادق أو أن الشخص الفلاني الذي يدعي أنه جاء من الله تعالى صادق فيما يقول إذ قد سمعنا من هذه الله تعالى مباشرة أنه صادق.هي المعجزات المختلقة التي يطلبها عادة الجهال الذين يجهلون حقيقة الإيمان كليا أو يطالبون بالخوارق السخيفة من هذا القبيل البعيدة عن مشيئة الله تعالى كل البعد؛ وقد جاء إلى قاديان قبل مدة شخص من الآريين اسمه "ليكهرام" وطلب مني آيات من هذا القبيل.فشرحت له جيدا أن الهدف الحقيقي من الآيات هو التمييز بين الحق والباطل، لذا فإنها تظهر لبيان هذا التمييز فقط.ولكن العناد جعله جاهلا وغبيا لدرجة أنه لم يفهم هذه الحقيقة الناصعة.وفي نهاية المطاف صار في مدينة "لاهور" عرضة لآية الله فيه نتيجة

Page 63

البراهين الأحمدية (٤٥) الجزء الخامس رفضه الآيات.وقد حدث تماما بحسبما كنت قد أنبأت بحقه – مقابل تنبؤاته المفتريات- أنه سيهلك في غضون ستة أعوام، و لم يستطع أحد أن يرد القضاء والقدر الذي أعلنت عنه قبل خمس سنوات بين مئات الآلاف من الناس.وقد ظهرت آية تميز بين الإسلام ومذهب الآريين لأني كنت قد أعلنت أن الإسلام هو الدين الحق وأعلن ليكهرام بدوره أن مذهب الآربين هو الدين الصادق.وفي تأييد دعواه، نشر عني في كتابه الذي لايزال موجودا أنه علم بإلهام من الإله أن هذا الشخص سيموت في غضون ثلاثة أعوام بمرض الكوليرا.ومقابل ذلك نشرت إعلانا بإعلام صادق من الله أن ليكهرام سيهلك في ست سنين، وحدّدتُ أيضا يوما وتاريخا لهلاكه، فكان كذلك تماما.هذه آية متميزة تشهد على صدق دين الإسلام، ولكن مع الأسف الشديد لم يستفد منها الآريون شيئا.فباختصار الدين الحق ليس محتاجا إلى العقل فقط لأن ذلك عار عليه، ومثارُ شبهةٍ أيضا أن الكلام نُقل بسرقة من أتباع العقل لأن أصحاب العقل ما كانوا قلة في الدنيا.بل الحق أن الدين يقدم بالإضافة إلى الأدلة العقلية - خواصه الذاتية أيضا وهي الآيات السماوية، وهي التي تمثل علامة حقيقية للدين الحق.غير أنه صحيح تماما أن عامة الناس والجهلاء يشيعون الكرامات والمعجزات المختلقة والمبنية على مبالغات مفرطة عن بعض الأديان أو الأشخاص، فهي ليست مدعاة افتخار لأي دين بل هي عار وشنار ولا نظير لمقدار ما نُسب لعيسى اللي بناء على تلك المعجزات الخيالية في أي نبي آخر، لدرجة أن بعض الأغبياء يزعمون أنه العلي أحيا الآلاف بل مئات الآلاف من الأموات، حتى سُجّلت في الأناجيل أيضا مبالغات أن مقبرة قديمة يعود تاريخها إلى آلاف السنين تفتحت قبورها كلها ذات مرة وقام منها الأموات كلُّهم وجاءوا إلى المدينة أحياء..

Page 64

البراهين الأحمدية هل لعاقل (٤٦) الجزء الخامس أن يتصور أن ملايين الناس حضروا المدينة أحياء وحكوا لأولادهم وأحفادهم القصص كلها وصدقوا عيسى ال ومع ذلك لم يؤمن به اليهود؟! لا من له أن يقبل قسوة القلب البالغة هذا الحد؟! وإذا كان إحياء الموتى من عادة عيسى ال فلن يكونوا صما وبكما كلهم كما هو مقتضى العقل.ولا بد أن يكون من بين هؤلاء الأموات أخ أو أب أو ابن أو أم أو جدة أو جَدٌ أو غيرهم من أقارب الذين كانوا يُرون تلك المعجزات.لذا فقد فتح أمام عيسى فتح أمام عيسى ال منهم العلية لا مجال واسع لتحويل الكافرين إلى مؤمنين.وإن كثيرا من هؤلاء الأموات يكونون قد تحوّلوا مع أقاربهم اليهود ولا بد أن يكون عيسى ال قد طلب أن يلقوا محاضرات في عدة مدن وتكون هذه المحاضرات ممتعة ومشوقة جدا حتما حين يقوم الميت ويقول للحضور أيها الحشد الكريم، إن كثيرا من الموجودين هنا يعرفونني جيدا وقد دفنوني بأيديهم، ولكن الآن عدتُ إليكم بعد أن سمعتُ من الله مباشرة أن المسيح عيسى صادق وهو الذي أحياني.ولا بد أن يكون هذا المشهد ممتعا جدا.والواضح أن هذه المحاضرات التي ألقاها الأموات تكون قد تركت في قلوب قوم اليهود تأثيرات قوية حتما، وأدت إلى إيمان الآلاف بل مئات الآلاف من اليهود ولكن ما يثبت من القرآن الكريم والإنجيل هو أن اليهود رفضوا عيسى الل، وكان أدنى درجة من بين جميع الأنبياء من حيث إصلاح الخلق، وكان اليهود كلهم تقريبا يعدونه مكارا و كاذبا.ينبغي للعاقل أن يفكر في هذا المقام هل هكذا يجب أن تكون نتيجة المعجزات العظيمة الخارقة للعادة؟ مع أن آلاف الأموات عادوا إلى الحياة وشهدوا بصدق عيسى العلة وقالوا أيضا بأننا زرنا الجنة ولا يوجد فيها إلا المسيحيون الذين يؤمنون بعيسى ، وزرنا الجحيم ووجدنا فيها اليهود الذين ينكرونه، فمن الذي كان له أن يشك ولو قيد شعرة في صدقه العليا بعد كل

Page 65

البراهين الأحمدية (٤٧) الجزء الخامس هذه الأمور؟! ولو ارتاب منهم أحد لقتله آباؤه وأجداده الذين أحيوا حديثا ولقالوا لهم: أيها الخبثاء، أتسمعون شهادتنا ومع ذلك تشكون في الموضوع؟! فاعلموا يقينا أن المعجزات من هذا القبيل ليست إلا مجرد اختلاق.لا شك في حقيقة المعجزة ولكنها لا تتعدى حدودا معينة سأفصلها لاحقا.وفي هذا المقام أتأسف جدا على حالة المسلمين إذ ينسبون إلى عيسى اللي معجزات تخالف السنن المذكورة في القرآن الكريم ويسلكون طريقا مسدودا.ولا يكتفون فقط بإيمانهم بقصص مسيحية بالية عن عيسى العلة بل يؤمنون أيضا بنزوله من السماء في مستقبل الأيام خلافا للسنن الكونية، ويقولون إن العلي سينزل من السماء في آخر الزمان مع الملائكة - مع أن العصر عیسی الحاضر هو الزمن الآخر بحسب عمر الدنيا الذي هو سبعة آلاف سنة- وسيكون المشهد مهولا إذ يجتمع حينها مئات الآلاف من الناس مركزين أنظارهم إلى السماء ويقولون ناظرين إليه من بعيد: ها هو نازل، ها هو نازل عن قريب، وسينزل قرب منارة بيضاء في دمشق.ولكن اللافت في الموضوع أنهم ينسبون كرامات عجيبة وغريبة إلى ذلك الإنسان المسكين والضعيف الذي لم يستطع أن يعيد النبي إلياس إلى العالم لإثبات نبوته حتى علق على الصليب.إذا كانت هذه الأمور جديرة بالقبول، فلماذا لا تُقبل أيضا كرامة السيد عبد القادر الجيلاني الشائعة بين الناس حيث أنه انتشل من البحر سفينة غرقت قبل ١٢ عاما مع ركابها الذين كانوا في موكب زواج فأخرجها وكافة ركابها أحياء؟! وكانت الطبول تُدَق معهم ويُعزف على آلات الموسيقى؟ كذلك تُروى له كرامة أخرى أن ملك الموت قبض روح أحد مريديه دون إذنه فطار عبد القادر الجيلاني وراء الملاك وأمسك به في السماء وضرب على ساقه بالعصا وكسر العظم وحرّر جميع الأرواح التي كان قد قبضها في ذلك اليوم

Page 66

البراهين الأحمدية (٤٨) الجزء الخامس كلها.ذهب الملاك إلى الله باكيا شاكيا فقال الله له: إن عبد القادر يحتل مقام المحبوبية فلا يجوز التدخل في أي عمل من أعماله، فلو أحيا جميع الأموات السابقين كان له الحق في ذلك.فلما لم تُقبل مثل هذه الكرامات المعروفة التي ما كان في قبولها غضاضة، فلماذا إذًا تُنسب إلى عيسى الأمور لا تخالف القرآن الكريم فقط بل تساند أيضا شرك عبادة عيسى العليا الذي حرم أربعمائة مليون شخص من الإيمان بوحدانية الله ؟! لا أفهم آية خصوصية أو أفضلية يملكها عيسى بن مريم على الأنبياء الآخرين، فإن إعطاءه خصوصية هي أساس الشرك إنما هو ضلال بين أدى إلى هلاك أناس كثيرين.وا أسفاه إنهم أهلكوا أنفسهم بالاعتماد على كفارة زائفة و لم يفكروا أنه لا يمكن أن يعبر بحر النفس الناري أحدٌ إلا من صنع سفينته بيده.ولن ينال الأجر إلا من أنجز عمله بيده ولن يسلم من الخسارة إلا من حمل وزره بنفسه أي جهل أكبر من أن يُلغى الإنسان كل مجهوداته ومساعيه معطّلا نفسه عن العمل ويعتمد على غيره من أجل نجاحه، ويعتبر قوة غيره الجسدية مفيدة لحياته الروحانية؟ إن من سنة الله تعالى أنه لم يعط أحدا خصوصية في أي شيء، فلا يمكن لأحد أن يقول إن في شخصي ما لا يوجد في غيري.لو كان الأمر كذلك لوضع الأساس فعلا لتأليه ذلك الإنسان.ففي زمن نبينا ذكر بعض النصارى خصوصية عيسى الله أنه ولد بغير أب، فردّ الله خَلَقَهُ تعالى في القرآن الكريم فورا فقال: إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أي كما خلق الله آدم من تراب فقال له: ١ آل عمران: ٦٠

Page 67

البراهين الأحمدية (٤٩) الجزء الخامس كُن فكان، كذلك خُلق عيسى بن مريم من دم مريم ومائها ثم قال: كُن، فكان فأي ألوهية أو خصوصية نشأت فيه من جراء هذا الأمر البسيط؟! في الأمطار تتولد في الأرض آلاف أنواع الحشرات من تلقاء نفسها بدون موسم أب وأم ولا يؤلّهها أحد ولا يعبدها ولا يطأطئ رأسه أمامها.إذًا، فإن إثارة ضجة كبيرة عن عيسى العليا ليس إلا جهلا وغباوة.وأما القول بأنه حي إلى الآن والأنبياء الآخرون ماتوا جميعًا لهو أمر يخالف القرآن الكريم.إذ قد بين الله تعالى موته في القرآن الكريم بصراحة تامة، فكيف يكون حيا إذا؟! كذلك يثبت من القرآن الكريم أنه لن يعود إلى الدنيا أبدا، إذ يثبت كلا هذين الأمرين من آية: ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني فقد ورد في سياقها ما يحدث يوم القيامة: ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ أَتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بحَقِّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم.أي أنا لا أدري عن أحوالهم شيئا بعد وفاتي.يتبين من هذه الآية أمران اثنان بوضوح تام.نَفْسِكَ (1) يقرّ عيسى اللي في هذه الآية أنه كان رقيبا عليهم ما دام فيهم ولم العلمية يفسدوا أثناء بقائه فيهم بل فسدوا بعد وفاته.والآن لو افترضنا أن عيسى اللي مازال حيا في السماء لاضطررنا إلى الاعتراف أيضا بأن النصارى لم يفسدوا إلى الآن، لأن فساد النصارى قد عُدَّ نتيجة الآية: ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي أي قد أُنيط فسادهم بوفاته..ولكنه ما دام واضحا أن النصارى قد فسدوا فلا بد من الإقرار بوفاته الله أيضا وإلا للزم تكذيب الآية القرآنية.

Page 68

البراهين الأحمدية (٥٠) الجزء الخامس (۲) لقد قيل في الآية بصراحة تامة بأنه الله يقول بعدم علمه بفساد النصارى وسيقول بأني كنت أعلم عن أحوالهم لما كنتُ فيهم، ولكن لا أدري عنهم شيئا منذ وفاتي ولا أعلم ما الذي جرى بعدي.والمعلوم أنه إذا كان قد عاد إلى الدنيا قبل يوم القيامة واطلع على ضلال النصارى لكان بيانه هذا كذبا محضا.وكان من المفروض أن يردّ الله عليه بالقول: كيف تكذب في حضرتي وفي محكمتي أيها المتجاسر ؟! وكيف تقول كذبا وزورا بأني لا أعلم بضلالهم مع أنك تعلم أني أرسلتك إلى الدنيا ثانية قبل القيامة؟! وقد حاربت النصارى وكسرت صليبهم وقتلت خنازيرهم ثم تكذب أمامي وتقول زورا بأنك لا تدري شيئا.من الواضح أن في الاعتقاد بمجيئه إلى الدنيا ثانية إساءة كبيرة إليه العليا لأنه سيعد بسببه كاذبا، والعياذ بالله.وإذا قلتم ما معنى الأحاديث التي ورد فيها ذكر نزول عيسى بن مريم؟ فجوابه أنه ينبغي أن يُستنبط منها المعنى الذي استنبطه عيسى اللي من عودة إلياس.وإضافة إلى ذلك فقد ورد في الأحاديث بكل وضوح أن عیسی المقبل سيكون من هذه الأمة ولن يكون من غيرها.ولم يرد فيها أنه سيعود ثانية بل ورد أنه "إذا نزل".ولو أُريد مجيئه الثاني لوجب القول: "إذا رجع" وليس "إذا نزل".ولو كان هناك حديث- على سبيل الافتراض المحال- يخالف القرآن الكريم لكان جديرا بالرد وليس أن يُرَدّ القرآن الكريم بناء على حديث.وليكن معلوما في هذا المقام أن القرآن الكريم قد جاء لإزالة أخطاء اليهود والنصارى ورفع اختلافاتهم.فيجب الانتباه جيدا عند استنباط المعنى من كل آية تتعلق باليهود والنصارى إلى ما كان النزاع الدائر بينهم الذي كان القرآن سيحكم فيه.فبوضع هذا المبدأ في الاعتبار يمكن لمنصف أن يفهم بكل سهولة

Page 69

البراهين الأحمدية (01) الجزء الخامس المعنى المراد من الآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ...بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ.لأن المقتول على الصليب ملعون بحسب اعتقاد اليهود، ولا يُرفع إلى الله تعالى بل يتوجه إلى الشيطان.وكان الله تعالى سيحكم في القرآن الكريم هل رفع عيسى العلمية إلى الله تعالى رفعا روحانيا أم لا ؟ فأولا وقبل كل شيء أزال الله تعالى شبهة اليهود القائلة بأن عيسى اللي قتل مصلوبا، فقال بأن هذه الفكرة ليست إلا شبهة اليهود التي ألقاها الله في قلوبهم، و لم يُقتل عيسى ال مصلوبا حتى يُعدّ ملعونا بل رفع رفعا روحانيا كما يُرفع المؤمنين الآخرون والمعلوم أنه ما كان الله تعالى أن يدخل في نقاشات عقيمة ويحكم هل صعد عيسى ال إلى السماء بجسده المادي أم لا، لأن ذلك لم يكن الأمر المتنازع فيه عند اليهود، فهم لا يعتقدون بأن المصلوب لا يصعد إلى السماء بجسده المادي لأن ذلك يستلزم بأن الذي لا يُصلب يصعد إلى السماء بجسده المادي.كذلك لا يعتقدون أن غير المؤمن والملعون لا يصعد إلى السماء بجسده المادي، ولكن المؤمن يصعد إليها بالجسد المادي.لأن اليهود لا يعتقدون بصعود موسى العلة أيضا - الذي هو العلي أيضا- الذي هو النبي الأعظم عند اليهود- إلى السماء بجسده المادي.بل النزاع كله كان يدور حول الرفع الروحاني.وكان اليهود يجادلون بحسب معتقدهم بأن عيسى ملعون والعياذ بالله- لكونه لم برفع روحانيا إذ قتل مصلوبا.فهذا هو الخطأ الذي أراد الله إزالته، فحكم أن عيسى ليس ملعونا بل رفع رفعا روحانيا مثل المؤمنين الآخرين.وليكن معلوما أن لفظ الملعون ضدّ المرفوع، وذلك إذا كان المعنى المراد من الرفع هو الرفع الروحاني.فالذين يعدّون عيسى الله ملعونا لكونه مصلوبا يرون أنه ليس المراد من الملعون إلا أن ذلك الشخص لا يُرفع رفعا روحانيا.لقد - النساء ١٥٨-١٥٩

Page 70

البراهين الأحمدية (٥٢) الجزء الخامس عد النصارى أيضا عيسى اللي ملعونا لثلاثة أيام خطأ منهم، أي لم يُرفع رفعا روحانيا لثلاثة أيام.وبحسب عقيدتهم دخل ال تحت الثرى ملعونا و لم يصحبه جسد، فلماذا احتاج إلى الجسد عند الرفع إذا؟! كان من المفروض أن ينطبق الأمر نفسه على كلتا الحالتين.هذا ما ندين به المسيحيين بأنهم ارتكبوا خطأ في أمر الرفع.ولا يزالون يقرون أن نتيجة الصلب بحسب التوراة كان أمرا روحانيا، أي كون المصلوب ملعونا، وهو عدم الرفع بتعبير آخر، فكان عدم الرفع من حيث الروحانية بحسب اعتقاداتهم، وفي هذه الحالة كان من المفروض أن يكون الرفع أيضا روحانيا من أجل تحقيق المماثلة.يعترف المسيحيون أن عيسى – لكونه ملعونا- دخل الجحيم تحت الأرض بالروح فقط ولم يصحبه جسد.فما دام الحال على هذا المنوال فلماذا احتاج إلى الجسد عند الرفع؟! ولماذا اصطحبه الجسد؟! أن مع جميع الأنبياء المؤمنين بالتوراة والفقهاء اليهود كلهم ظلوا منذ القدم يستنبطون من لعنة الصلب أن المعنى المراد منه هو عدم الرفع الروحاني.ولا يزالون يقولون الآن أيضا بأن الذي يُقتل صلبا لا يُرفع إلى الله، فاللعنة تعني عدم الرفع.على أية حال، فلما كان الله تعالى يهدف إلى إزالة اعتراض اليهود الذين لا يزالون يستنبطون من عدم الرفع معنى ،روحانيا، أي يقولون بأن عيسى لم يُرفع إلى الله تعالى رفعا روحانيا لأنه كان كاذبا، فلماذا انحرف الله تعالى عن الموضوع الحقيقي وتوجّه إلى غيره وكأنه لم يفهم السبب الحقيقي وراء مجادلة اليهود - والعياذ بالله- وأصدر الحكم كقاض يحكم على عكس ما ورد في ملف القضية تماما؟! فأيّ شك في كفر من اعتقد هذا الاعتقاد بالله عمدًا؟! نقول أيضا إضافة إلى ذلك لو افترضنا جدلا أن الله تعالى أهمل هنا نزاع اليهود الحقيقي تماما وبين موضوعا جديدا كان بيانه لغوا محضا وغير ضروري

Page 71

البراهين الأحمدية (٥٣) الجزء الخامس تماما، أي رفع عيسى ال إلى السماء الثانية بالجسد المادي، فتبطل هذه الفكرة بأنه لم يرد في القرآن الكريم قط أن عيسى ال رفع إلى السماء الثانية بجسده لا الله أنه المادي، بل كلمات القرآن هي : بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ.فكروا الآن، هل جالس في السماء الثانية مثل الأشياء المتجسدة؟! والواضح أن الرفع إلى الله تعالى يكون روحانيا دائما.كذلك قد علّم الأنبياء جميعا أن الله تعالى ليس جسما ماديا حتى يكون الرفع إليه ماديا.إن الأسلوب السائد في القرآن الكريم كله كلما قيل عن أحد بأنه ذهب إلى الله أو رفع إلى الله كان المراد منه دائما أنه رفع روحانيا.كما هو المعنى نفسه في الآية: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ....هل المراد هنا أن ارجعي إلى الله تعالى بالجسد المادي؟! هو وإضافة إلى ذلك ينشأ هنا سؤال آخر أنه إن لم يُذكر هنا الرفع روحانيا، و لم يُحكم في قضية إنكار اليهود لرفع المسيح روحانيا وعدهم إياه ملعونا، والعياذ بالله فأين رُدَّ في القرآن الكريم على اعتراضهم الذي كان الردّ عليه ضروريا بحسب وعده ؟! فيتبين من هذا البحث كله أن اعتبار رفع عيسى ال رفعا ماديا تعنت محض وحمق بحت.بل هو الرفع نفسه الذي يحظى به كل مؤمن حتما بعد موته بحسب وعد الله تعالى.أما الكفار فالحكم في حقهم هو: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ٣ أي لا يُرفعون.ويقول له في آية أخرى: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ.فإن قلب القول السديد رأسا على عقب يناقض التقوى والطهارة والنزاهة ويمثل التحريف في كلام الله.النساء: ١٥٩ الفجر: ۲۸ - ۲۹ الأعراف: ٤١ ص: ٥١

Page 72

البراهين الأحمدية (02) الجزء الخامس الله بعيد عن يعلم الجميع أن الصحابة كلهم قد أجمعوا في عهد أبي بكر له على وفاة الأنبياء جميعا.كذلك استنبط في زمن الصحابة من الآية: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ، أن جميع الرسل قد ماتوا.أفلم يكن عيسى ال رسول حتى استثني من الموت؟! إن اتباع زمن فيج" أعوج" مع وجود هذا الإجماع الأمانة.كان الإمام مالك أيضا يعتنق مذهبا أن العلية لا قد مات.عیسی فما دام هذا هو مذهب أئمة السلف فلا بد أن يكون غيرهم أيضا يعتنقون المذهب نفسه.أما الصلحاء الذين أخطأوا في فهم هذه الحقيقة فخطؤهم جدير بالعفو عند الله الله لقد كان في هذا الدين أسرار كثيرة خافية في العصور الوسطى، ولكن كان ضروريا أن يماط اللثام عن تلك الأخطاء في زمن المسيح الموعود لأنه جاء حَكَمًا.لو لم تنشأ هذه الأخطاء في العصور الوسطى لكان مجيء المسيح الموعود عبثا وكان انتظاره عبثا كذلك، لأن المسيح الموعود محدد والمجددون يأتون لإصلاح الأخطاء فقط.وإذ سماه رسول الله الا الله حَكَمًا ، فما معنى كونه حَكَما إن لم يتم على يده أي إصلاح ؟! هذا هو الحق، فطوبى للذين يقبلون ويخشون الله.أقول عائدا إلى صُلب الموضوع بأن المعجزات والكرامات التي نسبها عامة الناس إلى عيسى ال تعارض سنة الله تعالى أيما معارضة.فكما أن فريقا منهم أنكر المعجزات نهائيا وبلغ حد التفريط، كذلك بالغ الفريق الثاني مقابلهم في حقيقة المعجزات كثيرا وأبلغوا موقفهم مبلغ الإفراط وبذلك ترك كلا الفريقين الطريق الوسط.من الواضح أنه لولا المعجزات لما بقي على وجود الله تعالى دليل قاطع ويقيني.أما لو كانت المعجزات على الشاكلة المذكورة آنفا لتلاشت ثمرات الإيمان نهائيا، ١ آل عمران: ١٤٥

Page 73

البراهين الأحمدية (00) الجزء الخامس ولما بقي الإيمان إيمانا أصلا ولبلغ الأمر إلى الشرك.والحق أن عيسى ال قد صار عرضة للجهال بشكل غريب.لقد سماه اليهود عديمو الإيمان كافرا وكذابا ومكارا ومفتريا في حياته وأنكروا رفعه الروحاني، وحين مات ألهه الذين غلبتهم عادة عبادة البشر.كان اليهود ينكرون حتى رفعه الروحاني أما الآن فقد راج الاعتقاد عیسی برفعه المادي وأذيع أنه صعد إلى السماء بجسده المادي.فكأن الأنبياء السابقين يصعدون إلى السماء روحانيا بعد مماتهم أما العليا فقد تربع في السماء حيًّا بجسده المادي ولباسه المادي ومع جميع مستلزماته المادية.فكأن هذا الجواب المبالغ فيه قد اخترع مقابل تعنت اليهود وإنكارهم إذ كانوا ينكرون الرفع الروحاني، مع أن هذا الجواب غير معقول تماما لأن اليهود ما كانوا يهدفون إلى رفع الجسد، لأن كانت تنص على أن الذين يموتون على الصليب هم ملعونون وكفار شريعتهم وعديمو الإيمان، ولا يُرفعون إلى الله تعالى رفعا روحانيا.كذلك كان اليهود يعتقدون أن المؤمن حين يموت تصعد الملائكة بروحه إلى السماء وتفتح له أبوابها، أما روح الكافر فلا تُرفع إلى السماء لأنه ملعون فتهبط روحه إلى الأسفل.وكانوا قد كفروا عيسى اللي في فتاواهم لكونه عُلّق على الصليب وبناء على بعض الخلافات معه، لأنهم زعموا أنه الله قتل مصلوبا.وقد نصت التوراة بوضوح تام أن من مات على الصليب فهو ملعون فكفّروا عيسى ال بناء على هذه الأسباب وأنكروا رفعه الروحاني.فكانت فكرة صعود المسيح إلى السماء بجسده المادي مثيرة للضحك عند اليهود.والحق أن هذا الافتراء نسجه أناس كانوا يجهلون تعليم التوراة.بل كانت الفكرة سخيفة جدا في حد ذاتها ومدعاة للاعتراض على الله تعالى لأن المسيح الليل لم يتمكن من تبليغ دعوته إلى كافة فرق اليهود الذين كانوا قد تفرّقوا فِرقا ،مختلفة و لم تهتد على يده ولو فرقة واحدة إلى ذلك الحين، ولم فكان صعوده ال إلى السماء تاركا مهمة التبليغ ناقصة ناقصة مخالفا لمقتضى لمقتضى الحكمة

Page 74

البراهين الأحمدية (07) الجزء الخامس وتمرُّبا من واجباته الموكولة إليه والواضح أن إجلاس الله إياه في السماء عاطلا فعل لغو وسخف لا يمكن عزوه إلى الله تعالى بحال من الأحوال.فباختصار، هذه تهمة بحق عيسى اللي نفسه أنه صعد إلى السماء بجسده المادي.فكما اتهمه العليا أعداؤه في حياته وعَدُّوه كافرا وكذابا، كذلك الذين أطروه - وكانوا أصدقاءه السفهاء، أو كما يقول المثل الفارسي: "المرشدون لا يطيرون وإنما يطيرهم مريدوهم" - أجلسوه في السماء بالجسد، وليس ذلك فحسب بل ألهوه أيضا.وحين طال بهم الزمان أكثر خرقوا عقيدة أخرى أنه السماء بجسده المادي نفسه مرة أخرى، وستكون المرحلة الأخيرة من سينزل مرحلة عهده وهو الذي سيكون خاتم الأنبياء.إذا ، لا يوجد في وقائع أي نبي نظير للكرامات والمعجزات الزائفة التي نُسبت إلى عيسى اللي.والأغرب من ذلك أنه مع وجود هذه المعجزات الافتراضية - يحتل مقام الصدارة في الخيبة والفشل الذي يمكن أن يلقاه أحد في نشر دينه، بحيث إن البحث عن مثال الفشل إلى هذه الدرجة في حياة أي نبى آخر سعى لا طائل من ورائه.وليكن معلوما أن الدين الذي يُنشر باسمه في الدنيا حاليا ليس دينه، إذ لا يو ثلاثة جد في تعليمه المذكور في الأناجيل أمر بأكل الخنزير أو تعليم عن آلهة إلى يومنا هذا، بل إنه لتعليم الشرك نفسه الذي عارضه الأنبياء جميعا.لقد كان في التوراة أمران مهمان وأبديَّانِ الأول: ألا تؤلهوا الإنسان.وثانيا: لا تأكلوا الخنزير.وقد نُقض كلاهما في تعليم القديس "بولس"! إنا لله وإنا إليه راجعون.الآن أريد أن أبين ما هى المعجزة وما الحاجة إليها؟ ففي الباب الأول من هذا الكتاب سأبين حقيقة المعجزة وضرورتها، وفي الباب الثاني سأورد بعض الأمثلة على تلك المعجزات بحسب ادّعائي، وسيحتوي الباب الثالث على خاتمة الكتاب.

Page 75

البراهين الأحمدية (٥٧) الجزء الخامس الباب الأول في بيان حقيقة المعجزة وضرورتها حقيقة المعجزة هي أنها أمر خارق للعادة يعجز الخصم عن الإتيان بنظيره، وإن بدا الأمر ضمن قدرات البشر في الظاهر مثل معجزة القرآن الكريم التي قدمت أمام أهل بلاد العرب جميعا.فمع أنها كانت تبدو ضمن قدرة البشر في الظاهر ولكن عجز أهل بلاد العرب جميعا عن الإتيان بنظيرها.فالقرآن الكريم أوضح مثال لفهم حقيقة المعجزة، فهو كلام مثل كلام البشر في الظاهر ولكنه مع ذلك معجزة لا نظير لها من حيث بيانه ،الفصيح وعباراته المليحة والنقية والمحبرة التي تراعي الالتزام بالحق والحكمة دائما، وكذلك هو معجزة من حيث الأدلة الساطعة التي غلبت أدلة الدنيا المعادية كلها كما أنه معجزة عديمة النظير من حيث النبوءات العظيمة، إذ لم يستطع أحد من المعارضين إلى يومنا مبارزته رغم مرور ١٣٠٠ عام ولا يسع أحدا أن يفعل ذلك.القرآن الكريم يمتاز من بين جميع الكتب في الدنيا أنه يبين نبوءاته المعجزة بالعبارات المعجزة المليئة بالبلاغة والفصاحة من الدرجة العليا والزاخرة بالحق والحكمة.إذا، فالهدف الحقيقي والأعظم من وراء المعجزة هو التمييز بين الحق والباطل وبين الصادق والكاذب، وهذا الأمر المتميز يسمى معجزة، أو آية بتعبير آخر.الآية أمر لا مندوحة عنه لدرجة أنه لا يمكن اليقين الكامل بوجود الله تعالى بدونه، ولا يمكن الحصول على الثمرة التي يمكن نيلها نتيجة اليقين الكامل.من الواضح أن صدق أي دين وحقيته مرتبط بمعرفة الله تعالى.ومن الأمور الضرورية والعلامة الهامة للدين الحق أن توجد فيه آيات دالة على وجود الله تعالى دلالة

Page 76

البراهين الأحمدية (ON) الجزء الخامس قاطعة ويقينية، وأن يملك في نفسه قوة عظيمة توصل متبعه إلى الله تعالى.ولقد قلت من قبل بأن عدم كشف الله تعالى عن وجوده واقتصار الشعور بضرورة الخالق فقط بدليل المخلوقات لا يكفي لمعرفة الله الكاملة.والذين يتوقفون عند هذا الحد لا يحظون بعلاقة صادقة بالله تعالى ولا يقدرون على تزكية أنفسهم من الأهواء النفسانية.كل ما يُفهم من ذلك هو أنه يجب أن يكون لهذا التركيب المحكم والأبلغ خالق، وليس أن ذلك الخالق موجود في الحقيقة.والمعلوم أن الشعور بالضرورة قياس محض ولا يمكن أن يقوم مقام الرؤية ولا يمكن أن تنشأ بسببه نتائج طيبة تنتج عن الرؤية.فالدين الذي يخذل الإنسان ويقف به عند مرتبة معرفة الله الناقصة أي: يجب أن يكون لا يمكنه أن يحسن حالته العملية.فالحق أن ذلك الدين ،ميت، والأمل منه في إحداث تغيير حسن طمع باطل.والواضح أن الأدلة العقلية وحدها لا تشكل شهادة كاملة على صدق دين، وأنها ليست خاتما لا يقدر مزيف على صنعه.بل الحق أن هذا الموقف يمثل تسولا على باب ينبوع العقل العام.ثم من له أن يحكم أن الأمور العقلية التي وردت في كتاب ما أنها أمور موحى بها في الحقيقة أو مسروقة من كتاب آخر؟! وإذا افترضنا أنها ليست مسروقة، فمع ذلك أنى لها أن تكون دليلا قاطعا هي على وجود الأقوال العقلية وحدها ترشد إلى الله تعالى على وجه اليقين؟ كذلك كيف يطمئن قلبه بأنها بريئة من الخطأ كليًّا؟! فإذا كان الدين يعزو بعض الأمور إلى العقل أو الفلسفة ويقدمها كدليل على صدقه ويعجز عن إراءة الآيات السماوية والأمور الله؟! وأنى لقلب باحث صادق أن يطمئن اطمئنانا كاملا بأن تلك الخارقة للعادة فإن متبع هذا الدين إما مخدوع أو خادع وسيموت في الظلام.باختصار، الأدلة العقلية وحدها لا تُثبت وجود الله تعالى أيضا على وجه عنك أن تُثبت صدق دين ما.وما لم يتحمل الدين مسئولية إثبات اليقين دع

Page 77

البراهين الأحمدية وجود الله (09) الجزء الخامس بالقطع واليقين فهو ليس جديرا بالاعتداد، وشقي ذلك الإنسان الذي يعشق دينا مثله.الدين الذي لا يستطيع أن يوصل معرفة الإنسان إلى درجة كأنه یری الله تعالى، وأن تتحول ظلمة نفسه إلى حالة روحانية، ويحصل له الإيمان الحي نتيجة آيات الله المتجددة وينال حياة طاهرة في الواقع وليس على سبيل التباهي والتبجح، فهو يحمل على جبينه وصمة اللعنة.الحق أن الإنسان بحاجة ماسة - للحصول على طهارة صادقة - إلى معرفة ذلك الإله الحي الذي يستطيع أن يُهلك العاصي في لمح البصر، والذي يمثل الخضوع لرضاه جنة حاضرة.وكما لا يكفي للدين أن يُري عظمته من حيث العقل فقط، كذلك لا يكفي لصالح في الظاهر أن يدعي أنه يعمل بحسب أوامر الله تعالى بل يجب أن تكون له علامة فارقة تشهد على صدقه، لأن كل شخص تقريبا يستطيع أن يدعي أنه يحب الله وهو منزه عن كافة أنواع الفسق والفجور، ولكن أنى للمرء أن يطمئن نتيجة ادعاء مثله أن الأمر كذلك في الحقيقة؟! فمثلا إذا كان أحد يتصف بصفة السخاء فقد يكون ذلك من أجل كسب الصيت والشهرة، وكذلك إذا كان هناك شخص عابد وزاهد فيمكن أن يكون سببه الرياء.وإذا كان أحد يجتنب الفسق والفجور فقد يكون سببه عائدا إلى عدم قدرته على فعله ومن الممكن أيضا أن يظهر أحد تقواه وورعه خوفا من طعن الناس وتشنيعهم دون أن يكون لعظمة الله تعالى أدنى أثر في قلبه.فالمعلوم أن السيرة الحسنة وحدها ليست دليلا كاملا على الطهارة الحقيقية، إذ قد تكون لصاحبها أعمال دون ذلك في الخفاء.فلا بد من شهادة الله تعالى عالم الغيب لإثبات الطهارة الحقيقية، وإلا فتشتبه في الدنيا أحوال الطاهرين والنجسين، ويُرفع الأمان.لذا لا مندوحة عن العلامة الفارقة.والدين الذي لا يخلع على الصادق خلعة تميزه عن غيره فاعلموا يقينا أنه ليس على ما يرام وهو

Page 78

الجزء الخامس البراهين الأحمدية (٦٠) محروم من النور تماما.الكتاب الذي يأتي من الله يملك في حد ذاته ما يميزه عن غيره ويهب متبعه أيضا آية فارقة.هي الآية الساطعة فزبدة الكلام أنه لا يمكن دون علامة فارقة أن يكون هناك تمييز واضح بين الدين الحق والدين الباطل، ولا يتبين الفرق بين الصادق والمخادع، لأنه من الممكن أن يكون هناك شخص ذو تصرفات شائنة وفاسق وفاجر في الحقيقة دون أن تظهر تصرفاته الشائنة للعيان.ففى هذه الحالة لو ادعى هو الآخر أيضا الصدق والصلاح إذ يوجد أصحاب مثل هذه الدعاوى في الدنيا دائما فما من الله تعالى التي تصحب الصادق الحقيقي وتميزه عن المخادعين حتى يُعرف بوضوح كوضح النهار؟! فمع أنه قد جرت سنة الله وقانونه منذ القدم أي منذ بدء الخليقة أنه قد وضعت بين الأشياء الجيدة والرديئة علامة تميّز بينها، كما ترون أن الذهب والنحاس سيان من حيث الشكل الظاهري لدرجة أن بعضا من قليلي الخبرة ينخدعون فيهما أيضا، ولكن الله الحكيم القدير وضع في الذهب شأنا متميزا يعرفه الصاغة فورا.وهناك بعض الأحجار البيضاء واللامعة التي تشبه الألماس كثيرا لدرجة أن بعضا من قليلي الخبرة يخسرون آلاف الروبيات حاسبين إياها ألماسا.ولكن خالق العالم قد وضع في الألماس علامة فارقة يعرفها الحاذقون من الجواهريين.فانظُروا مثلا إلى الأحجار الكريمة والجواهر وغيرها من الأشياء الجيدة الموجودة في الدنيا تجدوا أن بعض الأشياء الرديئة أيضا تشبهها ظاهريا ولكن كل شيء طيب ومتميز يُظهر خصوصيته من خلال علامته الفارقة، ولولا ذلك لأظلمت الدنيا.ثم انظروا إلى الإنسان نفسه، فمع أنه يشبه حيوانات كثيرة أخرى من حيث الصورة مثل القرد ولكنه يملك شأنا مميزا لا نستطيع بسببه أن نسمي أي قرد إنسانا.فما دام الله الحكيم القدير قد جعل لكل شيء جيد ولكل جوهرة ذاتِ

Page 79

شأن من (71) الجزء الخامس البراهين الأحمدية علامةً متميز فارقة تميزها عن غيرها، وبسببها تعرف تلك الجوهرة بكل سهولة في هذه الدنيا الفانية وغير الثابتة التي خسارتها أيضا لا تُعدّ شيئا يُذكر مقابل الآخرة، فكيف يمكن الإيقان فيما يتعلق بالدين الذي من شأن الخطأ فيه أن يوصل إلى جهنم؟! وكذلك فيما يتعلق بوجود الصادقين وأهل الله الذين شأن إنكارهم أن يُلقي المرء في حفرة الشقاوة الأبدية- أنه لا توجد علامة يقينية وقطعية المعرفتهم؟! هل هناك أكثر حمقا وغباوة من الذي يزعم أن الله لم يجعل للدين الحق والشخص الصادق المستقيم علامة مميزة تميزه عن غيره؟! مع أن الله تعالى يقول في القرآن الكريم بأن كتاب الله الذي هو أساس الدين يملك في ذاته علامة مميزة لا يسع أحدا الإتيان بنظيرها، ويقول أيضا بأن كل مؤمن يُعطى فرقانا أي علامة فارقة يُعرف بها.فاعلموا يقينا أن الدين الحق والإنسان الصادق على الحقيقة تصحبه علامة فارقة حتما.وهذا ما بتعبير آخر معجزة وجه وكرامة وأمرا خارقا للعادة.و لقد تبين من بياني هذا أنه حري بالدين الحق أن تتوفر فيه حتما خاصية معجزة لا توجد في غيره، وكذلك الإنسان الصادق على وجه الحقيقة أيضا بحاجة حتما إلى أن تحالفه بعض التأييدات الإلهية المعجزة التي لا يوجد نظيرها في غيره بأي حال لكيلا يُحرم من ثروة القبول الإنسانُ ضعيف البنيان الذي يتعثّر بأدنى الشبهات.تفكروا جيدا أنه ما دامت حالة غفلة الناس وأوهامهم هي أنهم الله يقعون لشقاوتهم في الشبهات على الرغم من ظهور مئات الآيات من مبعوثي الصادقين ونصرة الله إياهم في كل مجال فهم مع ذلك لا يستفيدون من آلاف الآيات بل يتورطون في أنواع من سوء الظن، فماذا عسى أن تكون حالتهم إن لم يُعط المبعوث من الله آية سماوية فارقة ومميزة بل كان مداره على الزهد المحض

Page 80

البراهين الأحمدية (٦٢) الجزء الخامس الله والعبادة الظاهرية فقط وهكذا تُرك باب الظنون السيئة مفتوحا؟! لذا فلم يُرد الرحيم الكريم أن تملك الدنيا بإنكارها دينا مقبولا أو عبدا مقبولا عنده.فقد صدق الله الدين الحق بآيات دائمة وأعطى عباده الصادقين آية فارقة بأفعاله الخارقة للعادة.الحق أن الله تعالى لم يقصر قط في تزويد الدين المقبول وعباده المقبولين بالآيات المميزة، بل أظهرها ساطعة أكثر من الشمس في كبد السماء وأبدى في تأييدهم أمورا لا يُسمع ولا يُرى نظيرها في الدنيا.إن الله حقٌّ، ولكن الوجوه التي هطلت عليها أمطار عشقه والذين خاطبهم الله تعالى كما يخاطب 28 صديق صديقا هم مرآة لرؤية وجهه؛ فقد محوا نقش المغايرة نتيجة غلبة الحب ووصلوا إلى حقيقة التوحيد الكاملة؛ لأنه ليس المراد من التوحيد أن يؤمن المرء بوحدانية الله فقط زاهدا، إذ إن الشيطان أيضا يعتقد بهذا النوع من التوحيد، بل بالإضافة إلى ذلك من الواجب أيضا أن يظهر ذلك عمليا بمعنى أن يجعل المرء وحدانية الله مستولية على نفسه بكمال حماس الحب وإفناء نفسه.هذا هو التوحيد الكامل الذي هو مدار النجاة التي ينالها أولياء الله.فليس في غير محله القول بأن الله تعالى ينزل فيهم، لأن الفراغ يتطلب بطبيعته أن يُملأ.ولكن هذا النزول ليس ماديا بل بصورة تفوق الكيف والكم.باختصار، تنشأ في الصادقين الحقيقيين بركات إلهية بتجلي الله الخاص، وتصير حياتهم حياة إعجازية، ويُغيرون ويصبح وجودهم وجودا جديدا تماما لا تراه الدنيا، ولكن السعداء من الناس يرون آثاره.ولما كان ذلك التجلي موجودا الآن، وعلامات تأييد الله التي تميّز بيننا وبين غيرنا بادية، فنكتب فيما يلي بعضا من تلك الآيات التي هي من سنة الله تعالى بحق المبعوثين، وندعو الباحثين عن الحق إلى الله تعالى، ونتم حجة الله تعالى على المتعصبين الأشرار.وما توفيقي إلا بالله الكريم القدير.

Page 81

البراهين الأحمدية (٦٣) الجزء الخامس الباب الثاني في بيان الآيات التي ظهرت بواسطة النبوءات و لا التي سُجلت ونُشرت في "البراهين الأحمدية" قبل ٢٥ عاما فليتضح أن "البراهين "الأحمدية" كتاب من مؤلفاتي وقد نُشر في عام ۱۸۸۰م الموافق ۱۲۹۷ من الهجرة.كنت في زمن تأليفه كما يتبين من الكتاب نفسه في زاوية الخمول لم يعرفني إلا قلة قليلة من الناس فكنت في ذلك الزمن وحيدا ولم يكن أحد على علاقة بي.كنت أقضي حياتي في زاوية الخمول، وكنت راضيا وسعيدا على ذلك حتى حدث فجأة نتيجة لطف الله الخاص أن معي غلبتني قرب المساء غفوة في هذا البيت وفي هذا المقام تماما الذي أخط جالسا فيه هذه الأسطر وأوحى إلى: "يَا أَحْمَدْ بَارَكَ اللهُ فِيْكَ، مَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَّا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ، وَلِتَسْتَبِيْنَ سَيْلُ الْمُجْرِمِيْن، قُلْ إِنِي أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ." أَيْ....علمك القرآن الكريم وأطلعك على معانيه الحقيقية...لتتم الحجة على المنكرين بسبب إنكارهم إياك.انظر: البراهين الأحمدية الصفحة ،۲۳۹، طبعة الخزائن الأردية.إن للقرآن الكريم ثلاثة ،تجليات فقد نزل بواسطة سيدنا محمد المصطفى ، وانتشر في الأرض بواسطة الصحابة لا الله ، وكشف كثير من أسراره الكامنة بواسطة المسيح الموعود، ولكل أمر وقت معلوم.وكما نزل من السماء كذلك وصل نوره إلى السماء، وقد اكتملت أحكامه جميع في حياة النبي ثم اكتملت إشاعة كافة جوانبه في زمن الصحابة وفي زمن المسيح الموعود اكتمل ظهور فضائله وأسراره الروحانية.منه.

Page 82

البراهين الأحمدية (٦٤) الجزء الخامس شرفني فبنزول هذا الوحي شكرت الله تعالى على ألطافه اللانهائية من ناحية إذ بهذه الخدمة العظيمة، أنا العبد الضعيف الذي لا يجد في نفسه أية مزية، ولكن من ناحية ثانية أصابني بمجرد.تلقى الوحى قلق؛ إذ بحسب سنة الله لا بد من وجود الجماعة أيضا مع كل مبعوث ليؤازروه ولينصروه، ولا بد من الأموال لتنفق على الحاجات الدينية التي تطل برأسها.كما لا بد، بحسب سنة الله، من وجود الأعداء ثم الغلبة عليهم لاجتناب ،شرورهم، ولا بد من التأثير في الدعوة لكي يكون دليلا على صدقها ولكيلا تفشل مهمة الخدمة الموكولة.فبتصور هذه المهمة رأيت فيها مصاعب كبيرة وظروفا مخيفة لأني حين راجعت نفسي وجدتني حامل الذكر تماما وواحدا من عامة الناس.والسبب في ذلك أنني ما كنت أنحدر من عائلة المرشدين وما كنت على علاقة مع أصحاب الزوايا حتى يعتقد بي الناس بسهولة أو يجتمع حولي من كانوا مريدين لآبائي وأجدادي حتى تسهل المهمة.وما كنت من نسل عالم تحرير معروف وفاضل كبير حتى يكون مئات من تلاميذ آبائي على علاقة بي.وما كنت رسميا على يد عالم جهبذ أو حائزا على شهادة من فاضل عظيم حتى أعتمد على رصيدي العلمي، وما كنت ملكا أو نَوَّابا أو حاكما في بلد حتى آلاف الناس مرعوبين من سلطتي، بل كنت فقيرا أسكن في قرية متروكة بعيدا كل البعد عن الناس البارزين الذين يكونون أو يمكن أن يكونوا متعلما يتبعني مرجعا للعالم.باختصار، ما كنت حائزا على أي نوع من المكرمة أو الشهرة أو ذيوع الصيت من هذا القبيل حتى أرى من السهل نظرا إلى تلك الأمور أنني سأقدر على تبليغ الدعوة فبطبيعة الحال بدا لي هذا الهدف ولأول وهلة أصعب ما يكون بل من المحالات نظرا إلى ظاهر الأمور.وبالإضافة إلى ذلك فقد رأيت من

Page 83

البراهين الأحمدية (70) الجزء الخامس المصاعب الأخرى أن في هذه الدعوة أمورًا لا يؤمل بحال أن يتقبلها القوم لم أتوقع قط أن يقبل القوم أن الوحي غير التشريعي لم ينقطع بعد زمن النبي ﷺ بل مستمر إلى يوم القيامة وكان باديا بوضوح تام أنهم سيواجهونني بالتكفير لإعلاني تلقي الوحي، وأن العلماء سيعكفون أجمعين على إيذائي واستئصالي لأنهم يرون أن الوحي الإلهي قد انقطع إلى يوم القيامة بعد سيدنا رسول الله ﷺ خاتم الأنبياء، ومن المستحيل تماما أن يتشرف أحد بأي نوع من من الله، بل حُرم أبناء الأمة المرحومة إلى يوم القيامة من رحمة أن والمخاطبة يهبهم المكالمة الله تعالى تقدما في المعرفة بتكليمهم أو يُطلعهم على وجوده مباشرة، بل يتبعون التقليد والعادة مضطرين وليسوا حائزين على معرفة مشهودة مثقال ذرة.غير أن بعضهم يعتقدون لغوا وعبثا أن عباد الله الصالحين يتلقون الإلهام ولكن لا يمكن القول بالجزم هل هو من الرحمن أو من الشيطان.لكن من الواضح أن الإلهام الذي يمكن عزوه إلى الشيطان أيضا لا يمكن اعتباره من إنعامات الله التي تفيد إيمان الإنسان بل كونه مشتبها فيه ومماثلا لكلام الشيطان وصمة لعنة تصحبه ومن شأنها أن توصل إلى جهنم.وإذا أجاب الله تعالى دعاء أحد: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) وأدخله في المنعم عليهم فقد أعطاه حتما، كما وعده نصيبا من تلك النعمة الروحانية التي هي والمخاطبة الإلهية اليقينية.إذا كان من المكالمة شأن هذا الأمر أن يهيئ للقوم فرصة ليبدوا حماسا وغيظا في هذه الدنيا العمياء.فإن اجتماع كل هذه الأمور لشخص عديم الحيلة مثلي كان فيه إشارة واضحة على الفشل، بل كنت في مواجهة فشل كبير لأنه لم يكن كان من المصاعب المعترضة في سبيل دعوتي إعلاني الرسالة وتلقي الوحي من الله وكوني المسيح الموعود.فلإظهار قلقي بهذا الصدد ألهمتُ: "فأجاءه المخاض إلى جذع النخلة.

Page 84

البراهين الأحمدية (77) الجزء الخامس هناك أي جانب من جوانب الأمور المذكورة على ما يرام، فأولا: يكون الإنسان بحاجة إلى المال وكانت أملاكنا كلها قد ضاعت قبل نزول هذا الوحي و لم يكن معي شخص واحد يقدر على مساعدتي المالية.وثانيا: ما كنت أنحدر من عائلة كبيرة حتى يتأثر بي الناس أي كنت مهيض الجناحين خاوي الوفاض بادي الإنفاض من كل النواحي والجوانب.فالحيرة التي أصابتني بعد هذا الوحي كانت أمرا طبيعيا تماما بالنسبة لي، وكنت بحاجة إلى أن يطمئنني ربي بوعوده العظيمة لإبقاء رمق حياتي فلا أهلك بغزو الأحزان.فبأي وجه أشكر الله الكريم والقدير على أنه فعل ذلك بالضبط، وأدركني بالنبوءات المبشرة في حالة قلة حيلتي واضطرابي الشديد ثم أو فى بوعوده كافة.ولو ظهرت تأييدات الله تعالى وأنواع نصرته هكذا دون أن تسبقها النبوءات لحملت على الحظ والصدفة، ولكنها الآن صارت آيات خارقة للعادة بحيث لن ينكرها إلا من كانت فيه خصلة الشيطان.ثم حقق الله الله جميع وعوده التي وعد بها منذ زمن بعيد كنبوءات، ورزقني أصناف التأييدات وألوان النصرة.ورفع عني جميع الهموم التي كاد تصورها يُنقض ظهري، وأزال جميع الغموم والأحزان التي خشيت أن أهلك بسببها، وفعل ل كما وعد تماما.مع أنه كان قادرا على نصرتي وتأييدي دون أن تسبق النبوءات، ولكنه لم يفعل ذلك بل أنبأ بتأييدي ونصرتي في وقت اليأس قال يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا." المراد من المخاض هنا هي الأمور التي تسفر عن نتائج مخيفة.والمراد من جذع النخلة هو أولاد المسلمين الذين هم مسلمون بالاسم فقط.ومعنى الوحي المذكور أن الدعوة الأليمة التي كانت ستؤدي إلى أن القوم عطاشى للدم جاءت بهذا المبعوث من الله إلى قومه الذين يماثلون غصن النخلة اليابس أو جذرها فقال مذعورا: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا.منه.يصبح

Page 85

البراهين الأحمدية (٦٧) الجزء الخامس الذي كان يشبه مرحلة في حياة النبي الله كان يمشي فيها في أزقة مكة المعظمة وحيدا فريدا دون أن يكون معه أحد، ولم يكن وجة من أوجه النجاح باديا.كذلك النبوءات التي أُنبئ بها في زمن خمولي كانت تبدو في أعين الناس في ذلك الزمن مدعاة للضحك وبعيدة عن الإدراك والقياس وشبيهة بتباهي المجنون من كان يُدرك حينها أن آلافا من الناس سيأتونني في الحقيقة إلى قاديان في زمن من الأزمان كما وعد في تلك الأنباء؟! وأن مئات آلاف الناس سيدخلون في بيعتي، ولن أبقى وحيدا كما كنت في ذلك الزمن؟! ولقد أنبأ الله تعالى بهذه الأنباء في زمن خمولي وخلوتي كي تكون آية عظيمة في نظر العاقل والباحث عن الحق ولكي يستيقن الباحثون عن الصدق بيقين القلب أن هذا الأمر ليس من عند الإنسان ولا يمكن أن يكون من الإنسان قط.من كان يقدر على أن يتنبأ- في كنت فيه خاملا ووحيدا وذا شأن بسيط وما كنت ذا أهمية تُذكر، وما كنت أنحدر من عائلة كبيرة يُتوقع بأن الناس سيجتمعون حولها بسهولة- بنبوءات نُشرت في "البراهين الأحمدية" قبل ٢٥ عاما؟' أنقل هنا بعضا منها على سبيل المثال بنصها وفصها: زمن "إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ وَانْتَهَى أَمْرُ الزَّمَانِ إِلَيْنَا.أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ ۚ وَلَا تَيْنَس مِنْ رَوْح الله أَلا إِنَّ رَوْحَ الله قَرِيْبٌ.ألاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيْبٌ.يَأْتِيْكَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَأْتُوْنَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَنْصُرُكَ اللَّهُ مِنْ عِنْدِهِ.يَنْصُرُكَ رِجَالٌ تُوْحِي إِلَيْهِمْ مِّنَ السَّمَاءِ.إِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا.يَرْفَعُ اللَّهُ ذِكْرَكَ، وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ الحق أنه قد مضى اليوم ثلاثون عاما على كثير من النبوءات الواردة في "البراهين الأحمدية".وإن مدة ٢٥ عاما تشير إلى تسجيلها في "البراهين الأحمدية" وليس إلى الزمن الحقيقي للإدلاء بها.منه.

Page 86

البراهين الأحمدية (٦٨) الجزء الخامس عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ تَوْحِيْدِي وَتَفْرِيْدِي فَحَانَ أَنْ تُعَانَ وَتُعْرَفَ بَيْنَ النَّاسِ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسانِ حِيْنٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَّدْكُوْرًا.وَبَشِّرِ الَّذِيْنَ آمَنُوْا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ.وَاتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ.وَلَا تُصَعِّرْ لِخَلْقِ الله وَلَا تَسْأَمْ مِّنَ النَّاسِ أَصْحَابُ الصُّفَّة.وَمَا أَدْرَاكَ مَا أَصْحَابُ الصُّفَّةِ؟ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيْضُ مِنَ الدَّمْعِ.يُصَلُّوْنَ عَلَيْكَ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيْمَانِ أمْلُوا." (انظروا "البراهين الأحمدية"، من الصفحة ٢٤٠ إلى ٢٤٢)...لا تيأس من روح الله...أي لا تظنن أنك حامل ووحيد وأحد من الناس فكيف يمكن أن يجتمع العالم حولك، لأن الله تعالى قدر أن يتم ذلك...يأتيك من كل فج عميق...أي ستأتي الأموال من كل نوع ومن مناطق شاسعة البعد، وكذلك ستأتي الرسائل المحتوية على حسن الاعتقاد من أماكن نائية، وسيأتي الناس بكثرة هائلة حتى تغور الطرق التي يأتون منها...أصحاب الصفة...أي سيكون هناك أناس يهجرون بلادهم ليسكنوا في حجراتك.أولئك هم أصحاب الصُّفّة عند الله وإنك تعلم مدى العظمة والإيمان التي يملكها أصحاب الصفة.هم أقوياء الإيمان جدا...أملُوا.أي سجلوا عندكم كل هذه النبوءات فإنها سوف تتحقق في موعدها.النبوءات المذكورة في هذه الأسطر القليلة تحوي ما يربو على مليون آية، وهي مكشوفة وخارقة للعادة من الدرجة العليا.والآن سأتناول أقسام تلك النبوءات بغية بيان الموضوع بجلاء أكثر ، ثم سأثبت بأنها تحققت كلها.والحق أنها كلها آيات خارقة للعادة، ولو أحصيت بدقة متناهية وبحذر فائق لازداد عدد ما تحقق منها على مليون آية.

Page 87

البراهين الأحمدية (79) الجزء الخامس 11 النبوءة الأولى من أقسام النبوءة هي التي أُشير إليها في وحي الله تعالى: وانتهى أمر الزمان إلينا يقول الله تعالى فيها بأنه ستكون هناك حرب بيننا وبين المعارضين وسيودّون لو تخيب هذه الجماعة وألا يتوجه الناس إليها ولا يقبلوها ولكننا نود أن يتوجهوا إليها وإن مشيئتنا هي التي سوف تتحقق في نهاية المطاف، إذ سيُقبل الناس إليك ويقبلونك باستمرار.(۲) وقد أخبر في النبوءات من النوع الثاني أن الله تعالى يقول بأنه ستأتي النصرة المالية والرسائل من مناطق نائية، وستأتي النصرة المالية بالتواتر والكثرة حتى تغور الطرق التي سيأتي منها.(۳) النبوءة الثالثة هي أن الله تعالى يقول إن الناس سيأتون إلى قاديان بحسن الاعتقاد وحسن الظن حتى تتكسر الطرق التي سيأتون منها.(٤) ويقول تعالى في النبوءة الرابعة بأن الناس سيسعون لهلاكك وتدميرك ولكني سأعصمك.(٥) وفي النبوءة الخامسة يقول له بأني سأذيع اسمك في الدنيا وسينتشر اسمك إلى أقاصي العالم وستنصر.(٦) النبوءة السادسة هي قول الله تعالى بأن الناس يأتونك بكثرة حتى تكاد تسأم أو تصعر لهم بسبب ازدحامهم.(۷) يقول تعالى في النبوءة السابعة بأن كثيرا من الناس سيهجرون أوطانهم ويأتونك في قاديان ليسكنوا في حجرة من حجرات بيتك، وسيسمون أصحاب الصفة.تلك هي النبوءات السبع التي أُنبئ بها في كلمات وحي الله المذكورة آنفا.ولكل عاقل أن يُدرك أن هذه النبوءات السبع قد تحققت في هذا الزمن لأن المشايخ وأصحاب الزوايا والمرشدين أعدوا فتاوى التكفير ونسجوا مكايد

Page 88

البراهين الأحمدية (۷۰) الجزء الخامس الله مختلفة وأخرجوا كل ما كان في جعبتهم لكيلا يقبل إلي أحد، وحاربوا ضاربين مقتضى الحياء عُرض الحائط ولم يدخروا جهدا في المكر والتزييف والخديعة.وقد وشى بي بعضهم ليثيروا الحكومة على الأقل كيفما اتفق، وبعضهم هيجوا الجاهلين من المسلمين حتى يستمروا في إيذائي.ولكنهم خابوا وخسروا جميعا في نهاية المطاف، ولم تبق تلك الغرسة خافية في الأرض بل أخذت قالب الجماعة، الأمر الذي لا حاجة إلى إثباته فهو بديهي بحد ذاته.فقد قيل في النبوءة الثانية بأن النصرة المالية ستأتي من كل جانب؛ وقد جاءتني النصرة المالية إلى الآن أكثر من خمسين ألف روبية، بل أنا واثق أنها قاربت مائة ألف.وإن سجلات مكاتب البريد تكفي لإثبات ذلك.وجاء في النبوءة الثالثة أن الناس سيأتون بكثرة، فقد جاءوا بكثرة هائلة بحيث لو أُحصي عدد القادمين كل يوم وبمناسبات خاصة لبلغ العدد إلى عدة مئات من الآلاف.وهذا ما يعرفه الضباط في قسم الشرطة الذين كلّفوا بمراعاة هذا الأمر، كما يعرف سكان قاديان جميعا.وقال تعالى في النبوءة الرابعة بأنه سيعصمني من صولات الأعداء، وإنك بأعيننا.وقد تحقق ذلك أيضا حيث أُريد في قضية الدكتور مارتن كلارك أن أشنَق، وأما المدعو "كرم دين" الذي رفع علي قضايا جنائية زائفة بغير حق فكان بوده أيضا أن أنال عقوبة السجن القاسية.وما كان وحيدا في رفع هذه القضايا بل تكاتف معه كثير من المشايخ والحساد من أبناء الدنيا، وجُمعت التبرعات أيضا لهذا الغرض.فحماني الله تعالى وحقق أنباءه.وجاء في النبوءة الخامسة أن الله تعالى سيذيع اسمي في العالم بالعزة، فإن تحققها أيضا غني عن البيان.كانت النبوءة السادسة أن الناس سيأتون بكثرة بحيث تكاد تسأم من لقائهم أو تصعر خدّك من كثرة الضيافة، وإن تحققها أيضا واضح تماما.والذين

Page 89

البراهين الأحمدية (۷۱) الجزء الخامس تسنى لهم المجيء إلى قاديان يمكنهم أن يشهدوا بالنظر إلى مجيء الضيوف أنهم كانوا في بعض الأحيان يجتمعون في الحقيقة بكثرة وتكون اللقاءات بكثرة هائلة بحيث إنه لولا انتباهي جيدا إلى الوصية المذكورة آنفا لكان شأن الضعف من البشري أن يُميلني إلى سوء الخلق أو يحدث خلل في الضيافة.إن مصافحة الجميع بحسن الخلق وحسن المعاملة في اجتماع مئات الناس ليست ممكنة لكل شخص دون نصرة من الله والنبوءة السابعة تتعلق بأصحاب الصفة الذين هاجروا إلى قاديان، فليأت إلى هنا من أراد ويراهم.هذه آيات من سبعة أقسام، وكل آية منها تجمع في طياتها آلاف الآيات.فمثلا النبوءة: "يأتيك من كل فج عميق" تعني أن النصر سيأتي من كل مكان ومن بلاد نائية نقدا وبصورة الغلال، وستأتي الرسائل أيضا.فالنقود أو الأقمشة أو الهدايا الأخرى التي تأتي من كل مكان تمثل آية بحد ذاتها لأنه قد أنبئ بها حين كان العقل الإنساني يرى النصرة بهذه الكثرة بعيدة عن الفهم بل مستحيلة تماما.كذلك تعني النبوءة الثانية أي: "يأتون من كل فج عميق"، أن الناس سيأتونك من بعيد حتى تتكسر الشوارع التي يمشون عليها.فقد تحققت هذه النبوءة أيضا في الزمن الراهن إذ قد جاء إلى قاديان إلى الآن مئات الآلاف من الناس، ولو أضيفت الرسائل التي أُنبئ عن كثرتها قبل الأوان في زمن خمولي لأمكن أن يصل العدد إلى عشرات الملايين.ولكنني أقدّر عدد الآيات بمليون آية على وجه التخمين مكتفيا بالنصرة المالية ومجيء المبايعين فقط.لم يكن بمقدور أي نبي أن يضع حدا على لسان الوقحين ولكن الذين يتحرون الحق يعرفون جيدا أني ما كنتُ شيئا مذكورا في زمن الخمول الذي مضى عليه قرابة ٢٥ عاما، وما كنت حائزا على أي نوع من الشهرة وما كنت من عائلة كبيرة من المرشدين حتى يسهل إقبال الخلائق علي.هل يمكن لإنسان أن ينبئ بالتقدم

Page 90

البراهين الأحمدية (۷۲) الجزء الخامس والعروج في المستقبل بهذا الوضوح ثم يتحقق بعد زمن بعيد كما قيل بالضبط؟! هل يمكن لمفتر أو كذاب أن يفعل ذلك؟! لا يسعني أن أتصور أن الذي ينظر أولا بنظر الإنصاف إلى زمن تأليف "البراهين الأحمدية" قبل نشره، ويحقق قادما إلى موقع الأحداث كتحقيق المحاكم ليعلم حقيقتي في ذلك الزمن وليرى كم كنتُ مستورا في زاوية الخمول! وكم كنت بعيدا عن العلاقات مع الناس كالمخذول والمهجور! ثم يتأمل في النبوءات التي تحققت في الزمن الحاضر ويتعمق فيها فهو يستيقن بصدقها كأن النهار طالع أمامه.ولكن أنى لأحد أن يتحمل العناء إلى هذا الحد في حالة التعصب والتعنت واستكبار النفس والرعونة؟! بل سيختار طريق التكذيب لأنه جد سهل، وسيسعى لأن يحرم من قبول هذه الآيات بشكل من الأشكال."لا علاج للضلال سوى فضل الله تعالى، إذ إن المعجزة أيضا لا تفيد الأشقياء.لو لمعت ألوف الشموس والأقمار على السماء لما رأى النهار المشرق من ذهب بصره.أيها العاقل اتق الله الذي إليه مصيرك، لماذا تعلق قلبك بالدنيا؟ فما أدراك متى يأتي وقت الرحيل.لا تُعرضن عن أمر الله من أجل الدنيا، ولا تشتر الشقاوة يا مسكين من أجل متعة بضعة أيام.إذا أردت أن تنال الجاه والثروة في العالَمين، فكن الله تماما وكن مطيعا له من الأعماق.ترجمة قصيدة فارسية.(المترجم)

Page 91

البراهين الأحمدية (۷۳) الجزء الخامس كن خادما على عتباته تكن حاكما على العالم، فإن عباد الله لا يخشون غيره تعال إلى حبيبك بكل قلبك ليأتي الحبيب إليك لأن الحب يجذب الحب بجذب روحاني.إن الله ينصر الذين ينصرون ،دينه هذا هو قانون الله العزيز منذ الأزل.إن كنت غير موقن فاقرأ وقائعي هذه لترى أنواع نصرة الله لي عند كل صعوبة.كل ما يناله المرء من الله إنما يناله نتيجة الخدمة، لأن الخدمة تجذب الأجر، والغفلة تجلب العقاب.ولكني أستغرب فيما يتعلق بحالتي أنا، ولا أدرك هذا السر إذ قد أعطيتُ كل هذه النعم والعزة بغير أية خدمة.أنا خفي، بل أخفى، فأنى للمستكبرين أن يعرفوا عني شيئا؟! إنني أسمع صوت الرحمة من حضرة الله كل حين وآن، وإذا لعنتني دودة حقيرة فما حقيقة لعنة ذلك الحقير.الأمر متروك لك أأردت الانضمام إلى جماعة أهل الله أم لا، غير أنني كتبت ذلك شفقةً لأني مأمور بالتبليغ." النبوءات التي سجلتها آنفا ليست مسطورة في المكان المشار إليه من "البراهين الأحمدية" فقط بل قد ذكرها الله تعالى في أماكن مختلفة منه مرة ثانية وثالثة من أجل التأكيد وإظهار أن هذه المشيئة الإلهية قد تقررت في السماء.وكذلك ذكر له الا الله بعض الأنباء الأخرى غير النبوءات المذكورة، فأنقلها هنا لإرواء غليل الباحثين عن الحق.وليكن معلوما أن وجه الإعجاز هنا لا يقتصر على تحقق تلك النبوءات فقط بعد مدة من الزمن على الرغم من عداوة

Page 92

البراهين الأحمدية (٧٤) الجزء الخامس حقق الله المعاندين المريرة، بل هناك وجه آخر أيضا للإعجاز أنني تلقيت في البداية من وحيا سبق أن ذُكر في هذا الكتاب: "يا أحمد بارك الله فيك"، معناه أن الله تعالى سيبارك في عمري ،وعملي فعصمني من الموت حتى تلك جميع الأنباء.وعلى الرغم من كل الأعراض والأمراض التي أنا مصاب بها- إذ قد أصاب أحدها كالمهرودتين الجزء الأعلى من جسدي والآخرُ الجزء الأسفل منه كما ورد ذلك في الأخبار الصحيحة كعلامة للمسيح الموعود ومع ذلك فقد بارك الله تعالى في عمري بفضله كما وعد وتجاوزت الأمراض الشديدة.كذلك ظل العديد الأعداء ينسجون المكايد لأرحل عن هذه الدنيا الفانية من مأخوذا بمصيبة ما، ولكنهم خابوا وخسروا في مكايدهم وظلت يد ربي تساندني دائما، ويطمئنني كل يوم وحي الله المقدس الذي أؤمن به كما أؤمن بكتب الله جميعا.فهذه آيات الله التى بمشاهدتها يتراءى وجهه..فطوبى للذين يتدبرونها ويخافون محاربة الله.لو كان ذلك من كيد الإنسان لدمر من تلقاء نفسه، ولطُّوي كما تُطوى الورقة.ولكن الأمر كله من عند الله الذي خلق السماوات والأرض.فهل يحق للإنسان أن يعترض عليه الله ويقول: لماذا فعلت ذلك، ولماذا لم تفعل ذلك؟! هل يُسأل الله عما يفعل؟ هل علم الإنسان يفوق علمه؟! ألا يعلم ماذا كان معنى النبوءة عن نزول المسيح؟! والآن أنقل نبوءات أنبئ بها تأكيدا وتأييدا للنبوءات السابقة، وهي: بُوْرِكْتَ يَا أَحْمَد وَكَانَ مَا بَارَكَ اللَّهُ فِيْكَ حَقًّا فِيْكَ.شَأْنُكَ عَجِيْب وَأَجْرُكَ قَرِيْب.الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ مَعَكَ كَمَا هُوَ مَعِي.سُبْحَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى زَادَ مَجْدِكَ يَنْقَطِعُ آبَاؤُكَ ويُبْدَأَ مِنْكَ.وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَشْرِكَكَ حَتَّى يَمِيْرَ الْخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّب.وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِه وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُوْنَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ

Page 93

البراهين الأحمدية (VO) الجزء الخامس اللَّهِ وَالفَتْح وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ، هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ.أَرَدْتُ أَنْ أسْتَخْلِف فَخَلَقْتُ آدَمَ.دَنَى فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْن أَو أَدْنَى يُحْيِي الدِّيْنَ وَيُقِيمَ الشَّرِيعَة." (انظروا "البراهين "الأحمدية" الصفحة ٤٨٦ إلى ٤٩٦)...أجرك قريب: أي ستتحقق قريبا الوعود التي أُعطيتها، فقد تحققت فعلا...الأرض والسماء معك كما هو معي.هذه إشارة إلى أنه سيظهر في المستقبل قبول كبير، وسيُقبل عليك الناس من الأرض ويرافقك ملائكة السماء كما يحدث في هذه الأيام...يَنْقَطِعُ آباؤكَ ويُبْدَأ مِنْكَ، أي سينقطع ذكر آبائك وستبدأ هذه السلسلة الآن منك، وتنتشر ذريّتك في العالم وسيذيع اسمك في الأقوام، وستكون أنت الحجر الأول في بناية العائلة...لقد أنبئ في هذه النبوءات عن ذرية كثيرة كما وعد إبراهيم الع.فقد الله أربعة أولاد وفقا لهذا الوعد وهم موجودون الآن.وقد حقق في هذا الزمن النبوءات القائلة: "مَا كَانَ اللهُ لِيَتْرُكَكَ حَتَّى يَمِيْزَ الْخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّبِ" فترون أنه لم يخذلني على الرغم من عداوتكم المريرة ودعواتكم المعادية، وأيدني في كل موطن.كلّ حجر رشق علي تلقاه ل بيده.وكل سهم رميتُ به قد ردّه إلى الأعداء.كنت بلا حيلة ولا مأوى فآواني، كنت وحيدا فاحتضنني، ما كنتُ شيئا يُذكر فأذاع صيتي مقرونا بالعزة والإكرام وجعل مئات الآلاف من الناس من المريدين لي.رزقني ثم يقول تعالى في وحيه المقدس: إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله...وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُون".أي حين يُقبل إلي خلق الله وتظهر النصرة المالية للعيان، سيقال للمنكرين: انظروا، ألم يتحقق كل ما كنتم به تستعجلون؟! فقد تحقق اليوم كل ذلك.وغني عن البيان أن الله تعالى ذكر

Page 94

البراهين الأحمدية (V7) الجزء الخامس عهده وجعل مئات الآلاف من الناس يُقبلون علي، ورزقني أنواع النصرة المالية ما كان لأحد أن يتصورها أو تخطر له على بال.التي فيا أيها المعارضون رحمكم الله وفتح أعينكم، تفكروا قليلا، هل يمكن أن يكون ذلك من مكايد الإنسان؟! لقد وعد بكل ذلك في زمن تأليف "البراهين الأحمدية" حين كان مجرد ذكر هذه الأمور أمام القوم مدعاة للضحك، وما كان لي أية أهمية أو وزن حتى كحبة خردل من منكم يستطيع أن يخطئني في بياني هذا؟! هل منكم من يستطيع أن يثبت أن أحدا من هؤلاء الآلاف من الناس كان مقبلا على حينذاك؟! بل كنت في زمن طباعة "البراهين الأحمدية" خامل الذكر إلى درجة أن كان كتابي هذا قيد الطبع في أمرتسر في مطبعة قسيس اسمه "رجب علي" وكنت أسافر إلى أمرتسر وحدي لتصحيح مسودات الكتاب وطبعه وأعود منها وحدي، دون أن يسألني أحد ذهابا وإيابا من أنت، وما كان أحد يعرفني وما كنت أحتل مرتبة جديرة بالاحترام.يشهد بحالتي هذه الآريون أيضا في قاديان بمن فيهم المدعو "شرمبت" الذي ما زال موجودا في قاديان وقد سافر معي بعض الأحيان إلى مطبعة "رجب علي" في أمرتسر، حيث كان كتابي "البراهين "الأحمدية" قيد الطبع.كان الناسخ في المطبعة ينسخ كل هذه النبوءات، وكان القسيس المذكور أيضا يقرأها باستغراب شديد ويقول: كيف يمكن أن يُقبل العالم على شخص عادي مثله؟! ولكن لما كانت تلك الأمور من عند الله و لم تكن مني فتحققت في موعدها ولا تزال تتحقق.كان هناك وقت حين استغربت أعينُ الناس لرؤيتها، ثم رأت تحققها في وقت آخر.ثم يقول تعالى في وحيه: "أردت أن أستخلف فخلقت آدم.ففي هذا الوحي سميتُ آدم لأني خُلقت في زمن فسد فيه نسل الإنسان وكأن الأرض حينها كانت قد خلت من الناس.وكما خُلق آدم توأما كذلك ولدتُ أنا أيضا توأما،

Page 95

البراهين الأحمدية (VV) الجزء الخامس وقد ولدت قبلي فتاة وولدتُ بعدها.وكانت في ذلك إشارة إلى أنه قد ختمت علي سلسلة الإنسانية الكاملة.وكان في تسميتي "آدم" إشارة أخرى أيضا ذكرت في وحي آخر من الله تلقيته بكلمات آية قرآنية، وفيما يلي بيان ذلك، ونص الوحي هو : "قَالَ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيْفَةِ.قَالُوْا أَتَجْعَلُ فِيْهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيْهَا.قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُوْن.أي قد أنبأ الله تعالى في "البراهين الأحمدية" عني وبواسطتي بأنه جاعل خليفة على شاكلة آدم.فحين سمع بعض المعاندين هذا الخبر ووجدوا أحوالي تناقض بعض معتقداتهم قالوا في أنفسهم: أَتَجْعَلُ فِيهَا يا ربنا خليفةً شخصا يُفسد فِيْهَا ويُحدث الفُرقة في القوم بغير وجه حق، ويخرج عن مسلّمات العلماء.فأجاب: إني أعلم ما لا تعلمون.فهذا كلام الله الذي نزل علي.والحق أن بيني وبين الله أسرارا دقيقة لا تعلمها الدنيا.وإن لي مع الله صلة باطنية لا يمكن بيانها، ولكن الناس في هذا العصر غافلون عنها.فهذا هو معنى وحي الله تعالى القائل: "قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُوْن.ثم يقول الله تعالى: "دَنَى فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَو أَدْنَى.يُحْيِي الدِّيْنَ وَيُقِيمُ الشَّرِيعَة." وبقية الترجمة هي كما يلي: يقول الله تعالى أن هذا الشخص اقترب مني، ونال قربي كاملا، ثم توجه إلى الخلق مواساة لهم، وصار بيني وبين المخلوق واسطة كالوتر بين القوسي.ولأنه يحتل مكانا وسطا، فسيحيي ويقيم الشريعة، أي قد راجت بعض الأخطاء بين المسلمين ونُسبت إلى النبي ﷺ بغير حق، سيزيلها هذا الشخص محتلا منصب الحكم، ويقيم الشريعة كما كانت مستقيمة في البداية.الدين وهناك إلهامات أخرى في "البراهين الأحمدية" عن الأنباء نفسها كما قال تعالى: "نُصِرْتَ وَقَالُوْا لَاَتَ حِيْنَ مَنَاصِ.أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ.سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّوْنَ الدُّبُرَ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌ.قُلْ إِنْ كُنتُمْ

Page 96

البراهين الأحمدية (۷۸) الجزء الخامس تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبُكُمُ اللهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا.وَمَنْ كَانَ الله كَانَ اللهُ لَه.قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُه فَعَلَى إِحْرَامٌ شَدِيدٌ.يَا أَحْمَدِي أَنْتَ مُرَادِي وَمَعِي غَرَسْتُ كَرَامَتِكَ بِيَدِي.أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا.قُلْ هُوَ اللَّهُ عَجِيْب.لا يُسْتَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْتَلُونَ.وَقَالُوْا أَنَّى لَكَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَا.قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي حَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ.وَلَا تُخَاطِبْني فِي الَّذِينَ ظَلَمُوْا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ.يُظِلُّ رَبُّكَ عَلَيْكَ وَيُغِيْتُكَ وَيَرْحَمُكَ.وَإِنْ لَمْ يَعْصِمُكَ النَّاسُ يَعْصِمُكَ اللَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، يَعْصِمُكَ اللهُ مِنْ عِنْدِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْصِمُكَ النَّاسُ، وَإِذْ يَمْكُرُ بكَ الَّذِي كَفْرَا.أَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ.تَبَّتْ يَدَا أبي لهب وَتَبَّ.مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيْهَا إِلَّا خَائِفًا.وَمَا أَصَابَكَ فَمِنَ اللَّهِ الْفِتْنَةُ هَهُنَا.فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ.أَلا إِنَّهَا فِتْنَةٌ مِنَ اللَّهِ لِيُحَبَّ حُبًّا جَمَّا.عَطَاءً غَيْرَ مَحْذُوْدٍ.شَائَانِ تُذبَحَانِ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ عَسَى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ." (انظر البراهين الأحمدية المجلد الرابع الصفحة ٤٩٧ إلى ٥١١ الطبعة الأولى)...نصرت...أي سيؤدي النصر إلى انكشاف حقيقة الصدق.يقولون سحر مستمر...أي سيقولون بالنظر إلى آيات الله أنه سحر قوي جدا"."وَاعْلَمُوا أَنَّ الله يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا" ، أي سيُحيي مجددا أهلها الذين ماتوا، والمعنى أنه لهذه الكلمة قراءتان أي كفر وكفر لأن المكفّر يكون منكرا أيضا على أية حال، والذي يُنكر هذه الدعوى سيكفّر حتما.ولفظ "هامان" يشير إلى "هيمان".وَهَيَمان:...من خلا على وجهه في الصحراء منه.لقد وردت في القرآن الكريم آية: ﴿وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِنٌ (القمر: (۳) حيث ذكرت معجزة شق القمر.فإن ذكر هذه الآية في هذا المقام إشارة إلى أن آية تتعلق بالقمر ستظهر الآن أيضا.فكانت تلك الآية آية خسوف القمر الغريبة التي ظهرت في شهر رمضان.يقول بعض العلماء بأن معجزة شق القمر أيضا كانت نوعًا من الخسوف، منه.

Page 97

البراهين الأحمدية (V9) الجزء الخامس سيهتدي أناس كثيرون، وسيحدث انقلاب روحاني، ويدخل كثير من الناس في هذه الجماعة..."إن افتريته فعلي إجرام شديد"...أي أن المفتري ينال عقوبته في هذه الدنيا ولا يزدهر بل تتمزق لحمته وسداه كلها.ولكن الصادق ينجح، وجذور الصدق تكون متأصلة عميقا...غرست كرامتك بيدي.أي أنك صادق، وأنت مني، لذا سأرزقك الوجاهة والعظمة الكبيرة بين الناس.وكل ذلك سيتم بيدي الخاصة وليس بيد غيري فلن يقدر أحد على أن يردّ هذا الأمر.فكانت هذه نبوءة عن المستقبل وقد تحققت الآن..."في خوضهم يلعبون"، أي الذين يسيئون الظن فليفعلوا كما يحلو لهم وسيرون في نهاية المطاف هل هذا كلام الله أو كلام إنسان."وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِيْنَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُون".هذه نبوءة مخيفة جدا إذ جاء فيها الوعيد بالغرق، ولكن لا أدري أسلوب الغرق، هل سيحدث كمثل قوم نوح أو قوم لوط الذين دفنوا في الأرض بزلزال شديد..."يَعْصِمُكَ اللهُ مِنْ عِنْدِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْصِمُكَ النَّاسُ".هذه نبوءة عن القضايا الجنائية التي رفعها ضدي الدكتور مارتن كلارك والمدعو "كرم دين" وغيرهما.وقد تمت المحاولات لتوريطى في القضية عندما قتل "ليكهرام" أيضا.وأُريدَ من خلال تلك القضايا أن أشنق أو أسجن.فقد قال تعالى في النبوءة بأني سأخيّبهم في إراداتهم وسأعصمك من صولاتهم حتما.فتحققت كل هذه الأنباء بعد ٢٤ عاما..."وَإِذْ يَمْكُرُ بكَ الَّذِي كَفْرَ، أَيْ سيكفّرك هذا المكار وينكر دعواك وسيستفتي رفيقه عن طريق الاستفتاء لكي يثير به الناس.تبت يدا أبي لهب اللتان كتب بهما الفتوى.مع أن يدا واحدة تُستخدم للكتابة ولكن الأخرى تساعد الأولى والمراد من الهلاك هنا أنه المراد من أبي لهب هنا هو أب نار ملتهبة، أي أنَّ النار التي ستلتهب في هذه البلاد سيكون أبوها الشخص الذي كتب هذا الاستفتاء.منه.

Page 98

البراهين الأحمدية (۸۰) الجزء الخامس سيفشل في الهدف من استفتائه.فقد هلك لأنه ارتكب ذنبا شديدا، يمثل الهلاك في الحقيقة.لذا سُلّم إلى الدنيا وزالت عنه حلاوة الإيمان.ما كان له أن يدخل فيها إلا خائفا، أي إذا كان يشك في شيء كان عليه أن يزيله في الخفاء وبمقتضى الأدب بدلا من أن يخرج إلى الميدان كالأعداء.ثم قال : "وَمَا أَصَابَكَ فَمِنَ الله.الْفِتْنَةُ هَهُنَا.فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْم".أي لولا إرادة الله لما كان "LG أن بوسعه يثير تلك الفتنة.وستثور في العالم ضجة وفتنة كبيرة وعليك أن تصبر كما صبر أولو العزم من الرسل."ألا إِنَّهَا فِتْنَةٌ مِنَ اللَّهُ لِيُحِبَّ حُبًّا فاعلم أن هذه الفتنة لن تكون من ذلك الشخص بل من الله تعالى ليحبك حبا جما.وإن هذا الحب نعمة من الله لن تُنزع منك.ثم قال في نبوءة أخرى: "شاتان تُذبحان" أي "ميان عبد الرحمن ، والمولوي عبد اللطيف" اللذان رجما في كابول كل من عليها فان حتما، أما قتلهما فسيأتي لك بثمرات طيبة في نهاية المطاف.ولا تدري الحِكَم من وراء هذا القتل ولكن الله يعلمها.بمعنى أن الله أعلم بأنواع التحسن التي ستتحقق في كابول نتيجة هاتين الميتتين.والنبوءة قبلها تتعلق بالاستفتاء الذي ظهر للعيان حين كتب المولوي محمد حسين والمولوي نذير حسين الفتوى بيديهما، فثارت بها ضجة في العالم، فخذلني الجميع، ورأوا اعتباري كافرا وملحدا ودجالا مدعاة للثواب.أما الوعد المصحوب بها أي: "ليُحبَّ حُبًّا جَمَّا ، فهو إشارة إلى إقبال خلق الله، لأن حبّ الله الله يستلزم حب المخلوق.وإن رضا يقتضي أن يرضى سليمو الطبع من الناس أيضا.أما ما ذكر في النبوءة الأخيرة عن ذبح الشاتين فهذه إشارة إلى حادث وقع على أرض كابول إذ قُتل رجما بأمر من حاكم كابول شخصان صالحان من جماعتنا أولهما السيد عبد الرحمن الذي كان شابا تقيا، والثاني المولوي عبد اللطيف الذي كان رجلا صالحا عظيما.فقد قتلا لجريمة وحيدة

Page 99

البراهين الأحمدية (۸۱) الجزء الخامس أنهما انضما إلى جماعتنا، وقد مضى على هذا الحادث عامان تقريبا.فهذا المقام جدير بالتدبّر بعين الإنصاف كيف يمكن أن تُنسب تلك الأنباء الغيبية المستورة إلى مفتر مع أن الله تعالى يقول في كلامه العزيز إن أمور الغيب الكامل لا تكشف على كل مؤمن وإنما تكشف فقط على العباد الذين يحظون بمرتبة الاصطفاء والاجتباء كما يقول ل في القرآن الكريم: ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ.من المؤسف حقا أن بعض الجهلاء الذين يسمون أنفسهم مشايخ وعلماء يعترضون على نبوءات الوعيد التي تحقق بعضها، وبعضها على وشك التحقق، ولا يدرون أن الله قادر على أن يحقق الوعيد أو يؤجّله.هذا هو مذهب الأنبياء جميعا.وبناء على هذا المبدأ تدفع البلايا، لأنه إذا أراد الله ابتلاء أحدا ببلاء سواء أأظهر نبيًّا عليه بصورة النبوءة أو أخفاه فهو بلاء على أية حال.فإذا كان ردّه مستحيلا في كل الأحوال فلماذا رغب في الدعاء ودفع الصدقات أصلا؟! إن حادث استشهاد أخي في الله المرحوم المولوي عبد اللطيف والمرحوم الشيخ عبد الرحمن كان بعيدا كل البعد عن الفهم والقياس بحيث لم يخطر ببالي قط ما لم يحدث على صعيد الواقع أن الوحي يعني أن مريدي الصادقين سيُقتلان في الحقيقة، بل استبعدت ذلك وظللت ميالا إلى التأويل بمحض الاجتهاد، وظل مصداقاها على سبيل التأويل يخطران ببالي.والمعلوم أن علم الإنسان واجتهاده لا يخلو من الخطأ.ولكن حين حدث كلا الحادثين عينهما واستشهد رجلان صالحان من جماعتنا في كابول دون هوادة ورحمة تبين معنى الوحي كحق اليقين.وحين ألقيت نظرة على عبارة الوحي كله بَصُرَتِ العين ونشأ ذوق عجيب وعلمتُ أن الله تعالى قد بين هذه النبوءة بأقصى صراحة ممكنة، واختار كلمات وبين جُمَلا لا تنطبق على غيرهما قط.سبحان الله ! من هنا يثبت كيف بين الله تلك الأمور الخافية بصراحة تامة في البراهين الأحمدية قبل فترة طويلة.منه.الجن: ۲۷-۲۸

Page 100

البراهين الأحمدية (۸۲) الجزء الخامس ثم هناك نبوءات أخرى تؤيد تلك النبوءات ونسجلها فيما يلي: "وَلَا تَهنُوا وَلَا تَحْزَنُوا، أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ.أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرِ.وَإِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا.أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ.قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوْ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهُ وَاحِدٌ.وَالْخَيْرُ كُلَّه فِي الْقُرْآنِ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهَ هُوَ الْهُدَى رَبِّ إِنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ.إيْلي إيْلي لِمَا سَبَقْتَنِي.يَا عَبْدَ الْقَادِرِ إِنِّي مَعَكَ.غَرَسْتُ لَكَ بِيَدَي رَحْمَتِي وَقُدْرَتِي.وَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا.أنَا بُدُكَ اللازم.أَنَا مُحْيِيكَ.نَفَحْتُ فِيْكَ مِنْ لَّدُنِي رُوْحَ الصِّدْقِ.وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةٌ مِنِّي وَلَتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي.كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهِ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلى سُوقِهِ.إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ." (انظروا البراهين الأحمدية، الصفحة ٥١١ إلى ٥١٥، الطبعة الأولى) وفيما يلي معناها بشيء من الشرح...."أليس الله بكاف عبده": أي لو عاداك الناس جميعا لنصرك الله من عنده...ثم قال: "أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ".أي لا شيء مستحيل أمامه وهو قادر على أن يرزق شخصا وحيدا وخاملا تقدما، حتى يصبح مئات آلاف الناس من محبيه ومريديه.فهذه النبوءة تحققت في هذا الزمن بعد ٢٥ عاما من بيانها..."إنَّ هُدَى اللَّه هُوَ الْهُدَى".أي لا حقيقة لأفكاركم، بل الهداية الحقيقية هي تلك التي تلك التي تأتي من الله تعالى مباشرة وإلا فالإنسان يُفسد معاني كتاب الله باجتهاداته الخاطئة، ويفهم منها شيئا آخر هو الوحيد الذي لا يخطئ، لذا فإن هداه هو الهدى الحقيقي، والمعاني يستنبطها الإنسان نتيجة أفكاره الشخصية ليست جديرة بالثقة.ثم قال: رب تماما.التي والله إنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ.إيلي إيلي لِمَا سَبَقْتَنِي...أي أن عددهم كثير وأنا وحيد،.فقم لمبارزتهم من قبلي يا إلهي يا إلهي لماذا تركتني...هذه نبوءة عن الابتلاءات

Page 101

البراهين الأحمدية (۸۳) الجزء الخامس المستقبلية بأنه سيأتي زمان تقوم فيه ضجة كبيرة في المعارضة، وذلك في زمن الخمول والعزلة، وسيعكف خلق كثير على المعارضة.وبالنظر إلى التزلزل الظاهري سيخطر بالبال بمقتضى البشرية كأن الله سحب نصرته.ولكن الله تعالى يذكر بأنه في ذلك الزمن سيجيب الأدعية، ولن تدوم تلك الحالة بل ستميل القلوبُ إلي.وهذا ما حصل بالضبط، إذ قد مالت القلوب في نهاية المطاف بعد قيام فتنة كبيرة بعد فتوى التكفير..."وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةٌ مني ": أي أودعتك خصلة بحيث يحبك كل سليم الطبع ويُجذَب إليك.لقد فعلت ذلك لتتربّى وتنمو وتزدهر أمام عيني.كنت كبذرة بذرت في الأرض، وكانت حبة صغيرة وووريت الثرى ثم أخرجت شطأها وظلت تنمو وتزدهر يوما إثر يوم فاستغلظت وتفرعت أغصانها وصارت دوحة عظيمة مستوية على سوقها.فهذه نبوءة عن التقدم في المستقبل، وقد قيل فيها بأنك في الوقت الحالي كحبة زرعت في الأرض وووريت الثرى، ولكن من المقدر في المستقبل أنها ستنبت خضرةً وتظل تنمو وتزدهر حتى تكون دوحة عظيمة وتستغلظ وتستوي على سوقها، فلن تقدر أية عاصفة على أن تضرها.لقد نُشرت هذه النبوءة على الملأ قبل ٢٥ عاما.ثم قال تعالى: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ." هنا ينشأ سؤال حول هذا الوحي الإلهي وهو ما علاقة الفتح مع غفران الذنوب؟ إذ لا تمت هاتان الجملتان إلى بعضهما بصلة في الظاهر ، ولكن الحق أنهما وثيقتا : الصلة.وتفصيل الوحي أن الطعن والانتقاد الذي توجهه هذه الدنيا العمياء إلى ورسله وأنبيائه، وما وُجِّه إليهم من الطعن متنوع الاعتراضات المبعوثين من الله وسوء الظن بهم وبأعمالهم، لا يوجه إلى أحد في العالم.وهذا ما قدره الله تعالى لكي يُخفيهم عن أعين هؤلاء الأشقياء، فيكونوا محل اعتراض عندهم، لأنهم ثروة عظمى، وإن إخفاء الثروة العظمى عن غير المستحقين هؤلاء أفضل.لذلك يلقي

Page 102

البراهين الأحمدية (٨٤) الجزء الخامس الله تعالى الأشقياء الأزليين في أصناف الشبهات عن حزب الأصفياء هؤلاء ليحرموا من ثروة القبول.هذه هي السنة الجارية في الذين يأتون أئمةً ورسلا وأنبياء من الله تعالى.ولهذا السبب قد اختلق أعداء الحق ألوان الاعتراضات ضد موسى وعيسى عليهما السلام ونبينا الأكرم ال ووجّهوا إليهم أصناف الطعن التي ما وُجهت إلى إنسان صالح عادي قط.فما من تهمة إلا وقد وُجهت إليهم، وما من عيب إلا وقد أُلصق بهم.ولكن لما كان الرد العقلي على التهم كلها أمرا نظريا، والحكم في الأمور النظرية يكون صعبا ولا يطمئن بها ذوو الطبائع المظلمة، فلم يختر الله تعالى الطريق النظري بل اختار طريق إراءة الآيات، واكتفى بالآيات المؤيدة والنصرة العظيمة لبراءة أنبيائه، لأن كل غبي ونجس أيضا يستطيع أن يدرك بسهولة بأنه إذا كان الأنبياء يتبعون أهواءهم النفسانية وكانوا مفترين وذوي طبائع نجسة، والعياذ بالله، لما أمكن إظهار آيات عظيمة مثلها نصرة لهم.فبحسب سنة الله القديمة قد أنبأ بحقى في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة، نبوءة ذكرتها قبل قليل، ومعناها أن الله تعالى سيري فتوحات عظيمة وآيات جليلة تأييدا لك لتكون ردّاً على اعتراضات أثارها العمهون في هذا العالم حول الجزء الأول أو الجزء الأخير من حياتك، لأنه ما من شهادة أكبر من شهادة عالــــم الأسرار.ولقد استخدمت كلمة "ذنب" لأن الصولات التي يشنها المعترضون والطاعنون في المرسَلين يقومون بها حاسبين مطاعنهم في قرارة قلوبهم ذنبا فالمراد لقد كشف الله عليّ أن المرحلة الحالية هي المرحلة الأخيرة من حياتي، فقد أوحى إلي بالعربية: "قَرُبَ أَجَلُكَ الْمُقَدَّرُ، وَلاَ تُبْقِي لَكَ مِنَ الْمُحْزِيَاتِ ذِكْرًا." فبناء على ذلك وفقني الله تعالى لنشر الجزء الخامس من البراهين الأحمدية.وكذلك أشار الله تعالى إلى دنوّ أجلي في وحيه الذي تعريبه: "بعد وقوع جميع الحوادث وإراءة عجائب القدرة سيقع حادث وفاتك." منه.

Page 103

البراهين الأحمدية (10) الجزء الخامس من ذلك هو: إن الذنب يُنسب إليك مجرد نسبة ولا يعني أن هناك ذنبا في الحقيقة.وبعيد عن الأدب أن يستنبط الإنسان من هذا الوحي الإلهي معنى أن هناك ذنبا في الحقيقة غفره الله تعالى.بل المراد من ذلك أن ما يُنسب إليهم وما يُذاع من أمور سيئة باسم الذنب سيستره الله بآية عظيمة.الجهلاء لا يدركون بأي معنى ينسب الله "الذنب" إلى عباده المقبولين، لأن الذنب الحقيقي- أي معصية الله - يستحق العقوبة ما لم يتب مرتكبه، بدلا.الله أن بنفسه بأن يهتم = من يُري آية حتى تختفي وتُستَر تلقائيا الأوهام عن المطاعن والعيوب، وليلقى من يذكرها خزيا وإهانة.لهذا السبب يقول أئمة التصوف إن زلات الأنبياء التي ذكرها الله تعالى مثل أكل آدم ،الحبة لو ذكرها أحد على سبيل الازدراء لكان كفرا، ومدعاة لسلب الإيمان، لأنهم مقبولون عند الله ومعصومون مما يعدّه العالم ذنبا.وعداوة المرء إياهم بمنزلة جعل نفسه عرضةً لصول من الله كما جاء في الحديث الصحيح: من عادى لي وليا فقد آذنته للحرب.باختصار، إن أهل الاصطفاء هم أحباء الله وأصحاب صلة متينة معه الله، ولا خير في النقد والطعن فيهم.ولا باب أقرب إلى الهلاك من أن يعادي المرء محبي الله وأحباءه كالعمهين.وليكن معلوما أيضا أن المغفرة لا تعني فقط غفران الذنب الذي صدر، بل معناها أيضا الحيلولة دون انتقال الذنب من حيز القوة إلى حيّز الفعل، وعدم نشوء مثل هذه الفكرة في القلب.لقد أخبر الله تعالى مرارا في هذه الأنباء أيضا أنه سيحوّل حالة الخمول إلى ذيوع الصيت الحسن، ومهما ثارت الفتن فسينجيني منها.وكما كان هناك عيابون وطاعنون في البداية كذلك سيكونون في أواخر العمر أيضا، ولكن الله تعالى سيرزقني غلبة وانتصارا بينا فيفحمون أو سيُحفظ الناس من تأثيرهم من عادة الإنسان أنه لا ينال الهداية من ألف آية

Page 104

البراهين الأحمدية (٨٦) الجزء الخامس هذا بقدر ما يستعد للإنكار متأثرا بشر عيّاب واحد؛ لذا لم يكشف الله في الوحي بأنه سيُظهر آية، بل قال الله بأني سأرزقك فتحا عظيما، أي سأُظهر آيةً = تفتح القلوب، وتُظهر عظمتك.وقال بأن هذا سيحدث في الفترة الأخيرة من عمرك.فأقول بكل قوة وشدة بأن هذه النبوءة تخص الزمن الحالي.وأرى أن الطعن والنقد قد تجاوز الحدود، فآمل أن آية عظيمة ستظهر قريبا تفتح القلوب وستحيي من جديد القلوب الميتة التي تموت مرة بعد أخرى، فالحمد لله على ذلك.وفي تأييد هذه النبوءات هناك نبوءات أخرى مذكورة في أجزاء "البراهين الأحمدية" السابقة وقد تحققت في هذه الأيام بعد ٢٥ عاما من بيانها وهي: "أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ.فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوْا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيْهَا.أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهِ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكَّا وَاللَّهُ مُوْهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِيْنَ.أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَه وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا.قَوْلُ الْحَقِّ الَّذِي فِيْهِ تَمْتَرُوْنَ.لَا يُصَدِّقُ السَّفِيهُ إِلَّا سَيْفَةَ الْهَلَاكِ.عَدُوٌّ لِي وَعَدُّوٌ لَّكَ قُلْ أَتَى أَمْرُ اللَّهُ فَلَا تَسْتَعْجِلُوْهُ، إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله.أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوْا بَلَى تَبَخْتَرْ فإن وقتك قد أتى، وإن قدم المحمديين وَقَعَتْ على المنارة العليا.إن محمدا سيد الأنبياء، مطهر مصطفى.إنّ الله يصلح كلّ أمرك ويعطيك كل مراداتك.هو الذي يُنَزِّلُ الغَيْثَ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ ه الكلمات التي تحتها خط ترجمة المسيح الموعود للإلهامات الفارسية والأردية التي من كتابه "الاستفتاء".(المترجم) ورد حرف "من" بعد الغيث في الإلهام المذكور في البراهين الأحمدية الجزء الرابع.نقلناها (المترجم)

Page 105

البراهين الأحمدية (۸۷) الجزء الخامس عِبَادِهِ.وَكَذَلِكَ مَنَنَّا عَلَى يُوْسُفَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوْءِ وَالْفَحْشَاءَ وَلِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُوْن.قُلْ عِنْدِي شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُؤْمِنُوْنَ، إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِيْنِ.رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ رَبِّ نَجِّنِي مِن غَمِي." (انظر: البراهين الأحمدية، الصفحة ٥١٦ إلى ٥٥٤، الطبعة الأولى) ومن معانيها..."فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكَّا"، أي سيأتي الله بالجبل شاهدا على براءة عبده، وسيوهن كيد المنكرين بهذه الآية.وإن آيات الله تكفي شهادة ولا حاجة إلى شهادة أخرى.وسنجعل دلاً الجبل آية للناس.وستكون آيتي هذه رحمة للناس وسيستفيد بها أناس كثيرون وكان أمرا مقضيا، الإنسان السافل لا يقبل إلا آية الموت..."أتى أمْرُ الله فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ": أي قل لهؤلاء السفهاء أن آية الموت أيضا ستأتي، وينتشر الموت فلا تستعجلوه، فإن كل ذلك سيحدث في موعده هذه نبوءة عن الطاعون والزلزال الشديد نُشرت قبل ٢٥ عاما في "البراهين الأحمدية".ثم يقول تعالى: عندما أنصر مبعوثي ومرسلي فليكن معلوما أن ترجمة كلمات الله الواردة في "البراهين الأحمدية" مجملة في بعض الأماكن لكونها قبل الأوان، وفي بعض الأماكن الأخرى صُرف اللفظ عن معناه الحقيقي، أي صُرف عن الظاهر نظرا إلى المعنى المعقول.ولما كان كلام الله الأصلي موجودا فيجب على القراء ألا يهتموا بما فُسِّر به قبل تحقق النبوءة.بل يجب أن يحملوه محمل الخطأ الاجتهادي لأن وقت التفسير الصحيح لنبوءة هو عندما تتحقق النبوءة بحذافيرها.منه.هذه النبوءة تتعلق بالذين يعدون هذا المبعوث والمرسل من افتراء الإنسان أو وساوس الشيطان ولا يؤمنون بأن إلهنا هو الذي ينزل الوحي على المؤلف منذ زمن البراهين الأحمدية إلى هذا اليوم.فقد وعد الله تعالى في هذه الآية أنه سيجعلهم يعترفون في آخر الأمر، وسيضطرون إلى الإقرار بأن الذي ظل يوحي إلى المؤلف منذ زمن البراهين وحي الله

Page 106

البراهين الأحمدية (۸۸) الجزء الخامس بإنزال آيات مهولة ومهلكة في البلاد سيقال للمنكرين: "ألست بربكم؟"، أي أن تلك الأيام ستكون عصيبة للغاية، وستظهر عندها آيات مهيبة، وبالنظر إلى الآيات ستقبل إلى الحق كثير من القلوب المسودة والمعوجّة، وتؤمن بهذا المرسل الذي ظهر بين ظهرانيهم.ثم خاطبني الله وعمل في الوحي المذكور: "تبختر فإن وقتك قد أتى، وإن قدم المحمديين وَقَعَتْ على المنارة العليا." المراد من المحمديين هم المسلمون من جماعتي وإلا فإن الفرق الأخرى الذين يسمون مسلمين يصيبهم الانحطاط يوما إثر يوم بحسب نبأ الله المذكور في البراهين الأحمدية.وكذلك الحال بالنسبة إلى الملل الأخرى خارج الإسلام، كما قال لفظ بصراحة تامة في الوحي الإلهي المذكور في البراهين الأحمدية: "يا عيسى مُتَوَفِّيْكَ وَرَافِعُكَ إِلى وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِيْنَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِيْنَ اتَّبَعُوْكَ فَوْقَ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ." المراد من عيسى في هذا الوحي الإلهي هو أنا، والمراد من التابعين هم جماعتي.لقد جاءت هذه النبوءة في القرآن الكريم بحق عيسى اللي.والمراد من قوم مغلوبين هم اليهود الذين ظل عددهم يقل يوما بعد يوم.ففي إنزال هذه الآية مجددا بحقي وبحق جماعتي إشارة إلى أنه من المقدر أن عدد الذين ليسوا من هذه الجماعة سيتضاءل رويدا رويدا، وأن جميع فرق المسلمين الذين ما زالوا خارج هذه الجماعة سيتضاءل عددهم أيضا يوما بعد يوم نتيجة دخولهم هذه الجماعة أو سيُقضى عليهم رويدا رويدا كما قلّ عدد اليهود شيئا فشيئا حتى الأحمدية إلى الأخير هو الله إله العالم كله ولا الله إله العالم كله ولا إله إلا هو.ففي ذلك إشارة أيضا إلى أن آية عظيمة ستظهر، فتعنو لها رقاب كبار المنكرين.منه.لقد سقطت جملة: "وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِيْنَ كَفَرُوا من البراهين الأحمدية بسهو الناسخ، وقد تلقيت هذا الإلهام مرارا.منه.

Page 107

البراهين الأحمدية بقيت قلة قليلة جدا منهم، (۸۹) الجزء الخامس كذلك تماما ستكون عاقبة معارضي هذه الجماعة.وسيغلب أفراد هذه الجماعة على الجميع من حيث عددهم وقوة مذهبهم.فلا تزال هذه النبوءة تتحقق بوجه خارق للعادة لأنها عندما نُشرت في البراهين الأحمدية كنت حينها في حالة الخمول ولم يكن لشخص واحد أن يدعي أنه كان من أتباعي.أما الآن فقد بلغ أما الآن فقد بلغ عدد هذه الجماعة بفضل الله تعالى إلى مئات الآلاف وما زالت تتقدم بخُطَّى حثيثة، والسبب وراء ذلك هو الآفات السماوية أيضا التي تحصد هذه البلاد حصدا."I ومن هذا الوحي الإلهي: "إن محمدًا سيّد الأنبياء، مطهر مصطفى.إنّ الله يصلح كل أمرك، ويعطيك كلّ مراداتك.فليكن واضحا أنها نبوءات من درجة عالية لأنه قد أُنبئ بها حين لم يكن هناك شيء على ما يرام و لم يكن أي من مراداتي حاصلا، أما الآن فقد تحققت المرادات بعد ٢٥ عاما بحيث يتعذر إحصاؤها.لقد حوّل الله تعالى قرية متروكة أي قاديان إلى مجمع الديار، إذ يتوافد إليها الناس من كل بلد وفيها يجتمعون.وأرى كل أمورًا ما كان للعقل أن يتصور حدوثها.لقد آمن بي مئات الآلاف من الناس وامتلأ هذا البلد من أبناء جماعتي.وليس ذلك فحسب بل بذرت هذه البذرة في بلاد العرب والشام ومصر والتركية وفارس وأميركا وأوروبا وغيرها من البلاد فانضم إلى هذه الجماعة عديد من الناس من تلك البلاد.ويُتوقع أن الوقت قريب بل على الأبواب حين سينال الناس من البلاد المذكورة أيضا نصيبا كاملا من هذا النور السماوي.ولقد أُنْقِضَتْ ظهورُ الأعداء السفهاء الذين كانوا يسمون أنفسهم مشايخ، و لم يستطيعوا أن يردّوا قدر الله بمكايدهم وخدعهم وخططهم، ويئسوا من القضاء على هذه الجماعة.وقد استوت وصلحت كل الأمور التي كانوا يريدون إفسادها.فالحمد لله على ذلك.

Page 108

البراهين الأحمدية (۹۰) الجزء الخامس ثم أنبأ الله تعالى بوجه خاص عن تهم الناس الزائفة التي سيوجهونها إلي في المستقبل وسماني يوسف فقال: "هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ.يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ.وَكَذَلِكَ مَنَنَّا عَلَى يُوْسُفَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ وَلِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا انْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُوْنَ.قُلْ عِنْدِي شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُؤْمِنُوْنَ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِيْنِ.رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلى مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، رَبِّ نَجِّنِي مِن غَمِي." لقد نقلت من قبل أيضا هذه الآيات المسجلة في البراهين الأحمدية من الصفحة ٥١٦ إلى ٥٥٤ ، ولكن أعيد نقلها هنا من أجل توضيح المقصود كيلا يتعذر فهم معاني النبوءة.معنى هذا الوحي أن الله تعالى ينزل الغيث أي يصطفي من يشاء من عباده للرسالة والنبوة..."النصرف عنه السوء والفحشاء"، أي قد مننا على يوسف هذا، وسنصرف عنه السوء والفحشاء، إذ ستُوجه إليه تهمةً.أي أن سنة الله عندما تختلق التهم التي تفترى على أنبيائه هي أنه أولا يعطي العيابين والطاعنين والظانين ظن السوء فرصة كاملة ورسله ليهذوا كما يشاءون ويلصقوا تهما وأباطيل كما يحلو لهم.فيصولون ويهاجمون فرحين مسرورين ويعتمدون على صولاتهم كثيرا، حتى تخافها جماعة الصادقين، وبمقتضى الضعف البشري يقنطون من أن يغسل غيث رحمة الله وصمة هذه الافتراءات.ومن سنة الله أيضا أنه ينزل الغيث وينشر رحمته، ولكنه يجعل الناس ييأسون أولا إلى مدة من الزمن امتحانا لإيمانهم.كذلك يُمتحن الذين يؤمنون بني ومرسله إذ يشنّ الأشرار هجمات كثيرة على أنبياء الله تعالى دون وجه حق حتى أنهم يُعَدّون فسّاقا وفجّارا.فقد جرت عادة الله أنه يفسح للمعترضين مجالا واسعا للاعتراض فيحسبون مطاعنهم وانتقاداتهم قوية جدا وبها يفرحون ويعتزون وتحزن بها قلوب المؤمنين بشدة لدرجة أن تنكسر ظهورهم الله

Page 109

البراهين الأحمدية (۹۱) الجزء الخامس ويُبتلون ابتلاء مريرا ثم ينزل غيث نصرة الله ويغسل أوراق الافتراءات كلها ويثبت لأنبيائه مرتبة الاجتباء والاصطفاء.فملخص النبوءة أننا سنبرئ ساحة يوسف هذا بحيث سيتهمه الأشرار بتهم كاذبة أولا كما أنهم يوسف بن يعقوب، ولكن الله أقام شخصا شاهدا على براءته، فبرأت شهادته ساحة يوسف من التهمة.فيقول الله تعالى بأني سأفعل ذلك الآن أيضا كما يقول: "قُلْ عِنْدِي شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهُ فَهَلْ أَنْتُمْ مُؤْمِنُوْنَ إِنَّ مَعي رَبِّي سَيَهْدِينِ".أي يا يوسف قل لمتهميك إني أملك شهادة من الله على براءتي، فهل ستقبلونها أم لا ؟ وقل لهم أيضا بأني لا يمكن أن أدان بتوجيهكم تهمة إلي لأن الله معي معي فسيفتح المجال لبراءتي'.اعلموا أن "زليخا" اتهمت يوسف بن يعقوب بغير وجه حق فقال الله تعالى بهذا الشأن في القرآن الكريم: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا".أما هنا فيقول الله تعالى إني سأشهد بنفسي ليوسف هذا فأي شهادة أكبر من أنه أخبرني قبل ٢٥ عاما من الآن بالتهم التي يتهمني بها الأشرار والظالمون.لقد شهد ليوسف بن يعقوب أحد الناس ولكن الله أحب أن يشهد لي بنفسه.لقد اتهمت امرأة يوسف بن يعقوب، أما الذين يتهمونني فهم أدنى من امرأة أيضا وينطبق عليهم 1 لقد وردت الآية: (إِنَّ مَعي رَبِّي سَيَهْدِينِ (الشعراء: ٦٣) أي سيرشدني إلى سبيل الخلاص، في القرآن الكريم في قصة موسى حين تبعه فرعون، وظن بنو إسرائيل أنهم مدركون.فقد أشار الله تعالى هنا إلى أنه سيكون بعض الضعفاء في هذه الجماعة أيضا وسيقال لاطمئنانهم: لا تخافوا فسيفتح الله تعالى مجالا لبراءتكم من هذه التهم كما فتحه ليوسف بن يعقوب حين قالت امرأة شريرة لزوجها عن يوسف ما كان يخالف واقع الأمر.منه.٢ يوسف: ٢٧

Page 110

البراهين الأحمدية (۹۲) الجزء الخامس قوله تعالى: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ.وقد وردت في نهاية النبوءة المذكورة عبارة: رَبِّ السِّحْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ".ملخص الكلام أنه لو أرادت امرأة ذلك لفضّلتُ عليه السجن لنفسي.هذا كان دعاء يوسف بن يعقوب عليهما السلام الذي سجن بسببه.هذا هو قولي أنا أيضا الذي قدّر الله أن يُسجَّل في البراهين الأحمدية قبل ٢٥ عاما.والفرق الوحيد هو أن يوسف بن يعقوب سُجن بسبب دعائه، ولكن الله تعالى قال بحقي في الصفحة ٥١٠ من البراهين الأحمدية: "يعصمك الله من عنده وإن لم يعصمك الناس".كذلك حدث تماما إذ كان القاضي الهندوسي ينوي أن يسجنني في قضية جنائية رفعها علي المسمى "كرم" دين" ولكن الله تعالى صرف قلبه من إرادته تلك بسبب غيبي، وأنبأ أيضا أنه سيفشل تماما في إرادته للمعاقبة.إذًا، فإن يوسف هذه الأمة أي أنا العبد الضعيف أفضل من يوسف الإسرائيلي لأني وقِيتُ من السجن على الرغم من دعائي له، أما يوسف بن يعقوب فقد سُجن.لقد شهد الله تعالى بنفسه ببراءة يوسف هذه الأمة قبل ٢٥ عاما، وأظهر آيات أخرى، ولكن يوسف بن يعقوب احتاج لبراءته إلى شهادة إنسان.وبعد شهادات هذه النبوءات فقد شهد أيضا الزلزال الشديد الذي أنبأت به قبل أحد عشر شهرا لأن النبوءة عن الزلزال كانت مصحوبة بالوحي الإلهي: "قل عندي شهادة من الله فهل أنتم مؤمنون"".فبذلك صار هناك شاهدان اثنان، ولا يُدرى كم من شاهد بقي بعدهما.يوسف: ٢٩ إن قول الله تعالى هنا: "قل عندي شهادة من الله فهل أنتم مؤمنون" أي أن شهادة الله التي تحالفني أفضل من شهادة الناس وهذه شهادة على أنه و أخبرني قبل مدة طويلة بهذه التهم الباطلة.منه.

Page 111

البراهين الأحمدية (۹۳) الجزء الخامس فالله الذي يعلم الأفكار السيئة التي يكنّها أصحاب الظنون السيئة اعتبرني يوسف.وبنقل قول يوسف الله الوارد في سورة يوسف: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، على لساني أنبأ عن الزمن المستقبلي لكي يُظهر أحوالي الباطنية على الناس.مع أنه ليس من عادتي، بل أنفر بطبيعتي، أن أسرد للناس طهارة قلبي، بل أقول كما قال يوسف: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي"، ولكن أين أُخفي لطف الله وفضله وكيف أكتمه؟! فقد أنزل ل علي ألطافا وأفضالا لا أستطيع إحصاءها.فما أعظم لطفه أن أظهر لي ربي آيات مهيبة في الزمن الذي بلغت فيه الظنون السيئة منتهاها! فتفكروا مثلا من كان يعرف عن الزلزال الشديد الذي أُخبرتُ به في ٣١ أيار/مايو ١٩٠٤م والذي دمّر آلاف الناس في لمح البصر، وترك الجبال مغارات؟! هل من منجم تنبأ به قبلي؟! إنه هو الله الذي أخبرني به قبل عام تقريبا، وقد نُشر هذا الخبر في حينه بين مئات آلاف الناس بواسطة الجرائد.فقال تعالى بأنه سيُحدث هذا الزلزال كآية كي تفتح أعين السعداء.ولكني أرى أن النبوءات الواردة في البراهين الأحمدية أيضا ليست أقل منها شأنا، ففيها خبر هذا الزلزال الشديد.والنبوءة التي سميت فيها يوسف أيضا قد أخبرت قبل ٢٥ عاما بوقوع الهجمات القذرة في هذا الزمن.فهذه الهجمات القذرة سلاح أخير في يد المعاندين الجهلة، ثم يأتي يوم الفصل.وكما قلت من قبل بأن قول الله تعالى في هذا المقام: "قل عندي شهادة من الله فهل أنتم مؤمنون"، أقوى من الشهادة التي وردت في سورة يوسف وهي آية (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا.أن وواضح سماني أن شهادة الإنسان لا تساوي شهادة الله قط.فتلك الشهادة هي الله عالم الغيب يوسف قبل ٢٥ عاما وطبّق على وقائعه واستخدم كلمات خاصة تكشف الحقيقة بكل جلاء كما يتبين من قوله تعالى على

Page 112

البراهين الأحمدية (98) الجزء الخامس لساني: "رَبِّ السِّحْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ" أنها إشارة إلى حادث سيحدث في المستقبل.ولكن ما دام يوسف أيضا لم يسلم من ظنون الأشرار السيئة فلا طائل من وراء تأسفي أيضا على هؤلاء القوم الذين يسيئون بي الظن.كل من يصول علي إنما يُقحم يده في نار ملتهبة، لأنه لا يهاجمني أنا بل يهاجم الذي أرسلني.وهو الذي قال: "إني مهين من أراد إهانتك".وهذا الشخص لا يخفى عن الله لا تظنوا أنه سيتوقف عن إراءة الآيات من.الا الله الله أجلى كلا بل سيُظهر آية تلو آية وسيشهد لي بشهاداته التي تملأ بها الأرض وسيري آيات مهيبة ويقوم بأعمال مرعبة.فقد شاهد هذه الأمور إلى مدة من الزمن وصبر ولكنه سيرعد الآن لا محالة كسحاب يرعد في موسمه وسيذيق الأرواح الشريرة صاعقته والأشرار الذين لا يخافونه ويزدادون تجاسرا ويُخفون عن الناس أفكارهم القذرة وأعمالهم السيئة يراهم الله تعالى على أية حال.هل لإنسان شرير أن يغلب إرادات الله ؟! هل يمكن أن ينتصر في الحرب ضده ؟ أما تسمية الله تعالى لى بيوسف وقوله : "قل عندي شهادة من فهل أنتم مؤمنون"، أي شهادة الله التي عندي غالبة على شهادات الناس فهل أنتم تقبلونها أم لا؟ فالمراد من هذه العبارة أن يا أيها الأشرار والمتهمون إن كنتم لا تقبلون شهادة الله التي شهد بها قبل ٢٥ عاما، فسيشهد الله بآية أخرى سوف تقعون بسببها في قبضة قاسية وهناك يكون البكاء وصرير الأسنان فأرى أن شهادات الله الأخرى أيضا بدأت بالظهور.وقد أخبرني تعالى بإلهامه أن الذي يرمي سهمه إليك فسأقضي عليه بسهمه هو.وكذلك الله ا إن الآية: (إِنَّ مَعي رَبِّي سَيَهْدِينِ (الشعراء: (٦٣) تعلن بأعلى صوتها أن أناسا من ذوي صفات فرعونية سيعتزون بتهمهم الباطلة ولكن الله سينجي عبده.وأن أمام المهاجمين بحر سيقضى عليهم فيه، منه.

Page 113

البراهين الأحمدية (90) الجزء الخامس في الوحي الإلهي الذي سُمِّيت فيه يوسف عبارة: "ولتنذر قوما ما أُنذر آباؤهم فهم غافلون فهذه الآية مع الآية التي سبقتها تعني أننا مننا على يوسف وشهدنا بأنفسنا على براءته لنصرف وندفع عنه السوء والفحشاء الذي يُنسب إليه.ولسوف نفعل ذلك كيلا يقع الخلل في الإنذار والدعوة، لأنه لولا دفع التهم مختلفة الأنواع التي تلصقها الدنيا العمياء بأنبياء الله ورسله ومبعوثيه لتباطأت عملية الدعوة والإنذار بل كادت تتوقف، ولا يؤثر كلامهم في القلوب، ولا تزيل الأجوبة العقلية وحدها الصدأ من القلوب جيدا.فيُخشى أن يهلك الناس نتيجة سوء ظنهم ويصيروا حصب جهنم.لذا إن الله هو ذلك الكريم والرحيم الذي لا يريد هلاك خلقه يشهد على صفاء أنبيائه واصطفائهم واجتبائهم بآيات قاهرة.أما الذي لا يرتدع عن الظنون السيئة بعد مشاهدة تلك الشهادات أيضا فلا يعبأ الله تعالى بهلاكه، بل يعاديه ل ويقوم مقابله يظن الشرير أن مكايده تترك في قلوب الناس تأثيرا سيئا ولكن يقول: أيها الغبي، هل مكرك أقوى من مكري؟! سأجعل يدك أنت سببا لذلتك، وسأخزيك وأهينك على مرأى من أصدقائك.الله أن وهناك هدف آخر أيضا من وراء تسميتي بيوسف في هذا المقام، وهو يوسف واجه أنواع الذلة لدى وصوله إلى مصر ولكنها كانت أساسا لرفع درجاته في الحقيقة.غير أنه الله لا عُدّ ذليلا مهانا في نظر الجهلاء في أول الأمر ولكن الله تعالى أعزه في النهاية، إذ جعله ملكا في تلك البلاد، أما الذين كانوا ينسبون إليه وصمة العبودية فقد جعلهم الله كالعبيد له في أيام القحط.فقد أشار الله تعالى بتسميتي يوسف إلى أنه الله سيفعل ذلك تماما الآن أيضا، وسيُحدث قحط الغذاء الروحاني في عالم الإسلام وغيره ولن يرتاح الباحثون عن الحياة الروحانية إلا في هذه الجماعة، وستُنزَع البركات السماوية من

Page 114

البراهين الأحمدية (٩٦) الجزء الخامس كل فرقة وسينعم هذا العبد المتواضع الذي يتكلم بكل آية.والذين يريدون اجتناب هذا الموت الروحاني سيرجعون إلى هذا العبد الله الأعلى.وسأوهَب بل وهبت لي هذه العزة كمثل يوسف- عِوَضًا عن تلك الذلة التي أبلغها ناقصو العقل منتهاها في هذه الأيام.مع أنني لم آتِ من أجل ملكوت أرضي ولكن لي ملكوت في السماء لا تراه الدنيا.وقد أخبرني الله تعالى أن المفسدين والمتمردين الكبار سيعرفونني في نهاية المطاف، كما قال تعالى في إلهام يَخِرُّوْنَ عَلى الأَذْقَانِ سُجَّدًا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ.لَا تَشْرِيْبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ".ورأيت في الكشف أن الأرض كلّمتني وقالت: "يا ولي الله كنتُ لا أعرفك".والمراد من الأرض هنا هو أهلها.فطوبى للذي يقبلني قبل حلول يوم مهيب لأنه سيأمن.أما الذي يقبلني بعد ظهور الآيات القاهرة فلا قيمة لإيمانه مثقال ذرة."يمكنك أن تقدم ألف عذر للذنب كما يحلو لك، ولكن المتزوجة لا تكون على قدر من الجمال كالعذراء على أية حال".٢ ثم هناك نبوءات أخرى مسجلة في البراهين الأحمدية تأييدا للنبوءات المذكورة آنفا كما يقول الله تعالى: "هوشعنا نَعْسا".I love you.I shall give you a large party of Islam.ثلة من الأولين وثلة من الآخرين.إني سأري بريقي، وأرفعك من قدرتي.جاء نذير في الدنيا، فأنكروه أهلها وما قبلوه، ولكن الله يقبله، سيخرون للأذقان ساجدين قائلين: اللهم إنا كنا خاطئين فقد ارتكبنا ذنوبا فاغفر لنا.فسيقول لهم الله تعالى: لا تثريب عليكم اليوم لأنكم آمنتم فسيغفر لكم الله تعالى وهو أرحم الراحمين.لقد جعلني الله يوسف في هذا الإلهام أيضا بلفظ: "لا تثريب"، منه.ترجمة بيت فارسي (المترجم)

Page 115

البراهين الأحمدية (۹۷) الجزء الخامس ويُظهر صدقه بصول قوي شديد صول بعد صول ٥ الْفِتْنَةُ هَهُنَا فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أَولُوْا الْعَزْمِ.يَا دَاوُدُ عَامِلُ بِالنَّاسِ رِفْقًا وَإِحْسَانًا.وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِتْ أُشْكُرْ نِعْمَتِي رَأَيْتَ حَدِيْجَتِي.إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدُوْ حَظٍّ عَظِيمٍ.مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلى.أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.أَلَمْ نَجْعَلْ لَكَ سُهُولَةً فِي كُلِّ أَمْرٍ.بَيْتُ الْفِكْرِ وَبَيْتُ الذِكْرِ، وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا مُبَارِكٌ وَمُبَارَكَ وَكُلُّ أَمْرٍ مُبَارَك يُجْعَلُ فِيْهِ.يُرِيْدُوْنَ أَنْ يُطْفِئُوا نُوْرَ اللَّهِ.قُلِ اللَّهُ حَافِظُه.عِنَايَةُ الله حَافِظُكَ، نَحْنُ نَزَّلْنَاهُ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ اللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيْنَ.وَيُخَوِّفُوْنَكَ مِنْ دُونِهِ.أَئِمَةُ الْكُفْرِ.لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى، يَنْصُرُكَ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكَ.أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةٍ لَا يَعْلَمُهَا الْخَلْقُ وَقَالُوْا إِنْ هُوَ إِلَّا إِفْكَ افْتَرَى، وَمَا سَمِعْنَا بهذا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِيْنَ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَفَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ.اجْتَبَيْنَاهُمْ وَاصْطَفَيْنَاهُمْ كَذَلِكَ لِيَكُوْنَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِيْنَ.أَمْ حَسِبْتُمْ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، قُلْ هُوَ اللهُ عَجِيْبٌ، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ.وَجَحَدُوْا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَّعُلُوًّا.قُلْ جَاءَكُمْ نُوْرٌ مِّنَ اللَّهِ فَلَا تَكْفُرُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ.سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ.صَافَيْنَاهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ تَفَرَّدْنَا بِذَلِكَ.فَاتَّخِذُوْا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيْمَ مُصَلَّى.(انظروا: البراهين الأحمدية، الصفحة ٥٥٦ إلى ٥٦١) الكلمات التي تحتها خط ترجمة المسيح الموعود اللي للإلهامات الأردية ونقلناها كتابه الاستفتاء.(المترجم) أي أن الحب الصادق والخالص والكامل الذي أكنه أنا لهذا العبد لا يكنه الآخرون، فقد تفردنا في ذلك.الحق أن الحب يكون على قدر المعرفة.منه.

Page 116

البراهين الأحمدية (۹۸) الجزء الخامس..."هو شَعْنا نَعْسا"، هاتان كلمتان عبريتان ومعناهما: "أدعوك يا رب أن تنجيني وتخلصني من المصائب، لقد نجينا.هذه نبوءة ذكرت كدعاء ثم أخبرت بإجابته، وملخصه أنه في زمن من الأزمنة في المستقبل تزال المشاكل الحالية، أي العزلة وقلة الحيلة والفقر.فقد تحققت هذه النبوءة بعد ٢٥ عاما إذ لم يعد في هذا العصر أثر لتلك المصاعب.ثم هناك نبوءة بالإنجليزية مع أنني لست ملما بها.فإن نزول الوحي بهذه اللغة معجزة أخرى، ومعناه: أحبك، سأعطيك جماعة كبيرة من المسلمين.ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، أي سأعطيك حزبا من الذين هم مسلمون من قبل، وحزبا آخر من أمم أخرى مثل الهندوس أو المسيحيين من أوروبا أو أميركا أو غيرها من الأمم.فقد أسلمت فئة كبيرة من الهندوس وانضمت إلى جماعتنا منهم "شيخ عبد الرحيم" الذي يسكن هنا في قاديان وقد قرأ الكتب العربية والقرآن الكريم وكتب الحديث المتداولة وغيرها، ويجيد العربية.والثاني هو "شيخ فضل حق" زعيم هذه المحافظة وأبوه صاحب عقارات.والثالث هو "شيخ عبد الله"، (ديوان شند) الذي لديه خبرة طويلة في الطبابة، ويمارس المهنة نفسها هنا في قاديان، وقد كلّف بالعمل نفسه في قاديان من أجل الجماعة.وهناك كثيرون آخرون يسكنون في أوطانهم.كذلك بدأت جماعتنا تحقق رواجا منذ فترة قريبة بين المسيحيين القدامى في أوروبا وأميركا.فقد انضم إلى جماعتنا مؤخرا شخص إنجليزي محترم يسكن في ۲۰ - ۲۰۲ شارع ورته نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، كان اسمه قبل الإسلام ايف ايل ايندرسن وقد سُمِّي "حسن" بعد إسلامه.وقد بعث رسالة محررة بخط يده وأملى اسمه في جماعتنا.ويقرأ حاليا كتبنا المترجمة إلى الإنجليزية، ويستطيع أن يقرأ القرآن الكريم بالعربية ويكتب العربية أيضا.وبالإضافة إليه هناك كثير من الإنجليز في تلك البلاد الذين يثنون على جماعتنا

Page 117

البراهين الأحمدية قدمه النبي (۹۹) الجزء الخامس ويوافقوننا الرأي.فمنهم الدكتور "بيكر" الذي اسمه ايه.جورج بيكر، ٤٠٤ سيس كوئي هينا ايونيو، فيلادلفيا أميركا.وقد قرأ اسمي وذكري في مجلة "ريفيو آف ريليجتر" (أي مقارنة الأديان) ثم بعث برسالة جاء فيها ما معناه: "أوافق تماما أفكار إمامكم.فقد قدّم الإسلام أمام الدنيا بصورة صحيحة تماما كما محمد ".وهناك امرأة كتبت عني في رسالتها ما معناه: "أحب أن أرى صورته في كل حين، لأن هذه الصورة تبدو كأنها صورة المسيح تماما." كذلك قد انضمت إلى جماعتنا زوجة أحد أصدقائنا، وهي تسكن في بريطانيا، كان اسمها قبل الإسلام " إليزابيث".كما أتلقى من أميركا وبريطانيا وروسيا رسائل عديدة باستمرار ويُحتفظ بها لإفحام المنكرين المتعصبين وما أضيعت منها رسالة واحدة وهناك حماس طبيعي ناشئ يوما إثر يوم في تلك البلاد بغية إنشاء العلاقات معنا.واللافت في الموضوع أن الناس يتعرفون على جماعتنا من تلقاء أنفسهم، ويخلق الله الكريم والرحيم والحكيم أنسا وحبا وحسن الظن في قلوبهم.ويتبين بجلاء أن أهل أوروبا وأميركا في طور الاستعداد للانضمام إلى جماعتنا، وينظرون إليها بنظرة التعظيم والإجلال الكبيرين، ويبدون سعادتهم الغامرة بظهورها كالظامئ أو المتضور جوعا الذي كان موشكا على الموت من شدة الجوع والعطش ثم يجد ماء وطعاما فجأة.الحق أن سيل الإفراط والتفريط كان قد شوه صورة الإسلام في هذا الزمن، فكانت هناك فرقة تدّعي الإسلام بلسانها ولكنها كانت تُنكر بركاته تماما، وما اقتصر أمرها على إنكار المعجزات والنبوءات فقط بل كانت تسخر منها ليل نهار، وكانت تقابل فكرة المعاد أيضا بالاستهزاء والسخرية والإنكار لعدم فهم حقيقتها، وكانت تنوي أن تتخلى نهائيا عن العبادات الإسلامية التي بواسطتها تفتح أبواب الروحانية.باختصار، كانت قريبة من الإلحاد جدا وكانت مسلمة

Page 118

البراهين الأحمدية الجزء الخامس بالاسم فقط.وكانت تجهل كليا الأمر الذي يشكّل علامة فارقة بين الإسلام والأديان الأخرى، ولا يسع أحدا أن يخلقه في دينه بقوته وقدرته.هذه كانت حالة المفرطين، أما الفريق الثاني فقد اختار طريق الإفراط، أي اتخذوا القصص التي لا أصل لها والحكايات الواهية التي تعارض كتاب الله أيما معارضة، مثل عودة عيسى العلم إلى الدنيا ، جزءا من دينهم، مع أن الله قد بين وفاته في القرآن الكريم بكلمات صريحة، كذلك ورد في الأحاديث النبوية أيضا بصراحة أن المسيح المقبل سيكون من هذه الأمة كما كان المسيح في سلسلة موسى من الأمة نفسها ولم يأت من السماء فأقام الله تعالى على الأرض- لرفع الإفراط والتفريط - هذه الجماعة التي تُعجب كل ذي ذوق سليم بسبب صدقها وجمالها واعتدالها.فالنبوءة بأن فئة من المسلمين القدامى تدخل هذه الجماعة، وكذلك فئة أخرى من المسلمين الجدد أي من أوروبا وأميركا ومن أمم كافرة أخرى- سينضمون إلى هذه الجماعة، قد تحققت بعد ٢٥ عاما من زمن أنبئ بها.اعلموا، كما قلت من قبل، أن الكلمات العربية لهذا الوحي الذي نزل علي من منشورة في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية قبل ٢٥ عاما وهي: "ثلة الأولين وثلة من الآخرين".أي أن الداخلين في هذه الجماعة فئتان: فئة من المسلمين القدامى الذين سُمُّوا "الأولين"، وقد انضم إلى جماعتنا إلى الآن نحو ثلاث مائة ألف منهم.وفئة من "الآخرين" وهم المسلمون الجدد الذين يدخلون الإسلام من الأمم الأخرى مثل الهندوس والسيخ والمسيحيين من أوروبا وأميركا.وقد انضمت فئة منهم أيضا إلى هذه الجماعة ولا يزالون ينضمون.ولقد أخبر الله تعالى في القرآن الكريم عن هذا الزمن الذي هو زمني أنا وملخصه أنه ستنشأ في الأيام الأخيرة مذاهب عدة ويهاجم كل مذهب غيره

Page 119

البراهين الأحمدية (۱۰۱) الجزء الخامس كما يقع موج على موج آخر.أي سيستفحل العناد إلى حد كبير، وسيترك الناس البحث عن الحق ويدعمون فرقهم بغير وجه حق، ويتجاوزون حد الاعتدال في التعصب والضغينة، وستسعى أمة لتلتهم أمة أخرى.ففي تلك الأيام ستؤسس من السماء فرقةً أخرى وسينفخ الله تعالى في الصور تأييدا لها.وسينجذب إليها كل ذي طبيعة سليمة نتيجة صوت الصور إلا الذين هم أشقياء من الأزل وقد خُلقوا ليملأوا الجحيم.لقد ورد في القرآن الكريم عن ذلك: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا.أما السؤال، ما هو ذلك النفخ وما كيفيته؟ فسيتبين تفصيله تلقائيا بين حين وآخر.يمكن القول إجمالا بأنه سيكون هناك نشاط في السماء لتنشيط ،القدرات وستظهر آيات مهيبة.عندها سيستفيق الناس السعداء ويقولون: ما الذي يحدث؟! أليس هذا زمن قُرب القيامة الذي أنبأ به النبيون؟! أليس هذا هو الشخص نفسه الذي أُنبئ عنه أنه سيأتي من هذه الأمة مسيحا وسيُدعى عيسى بن مريم؟! ومن كان في قلبه من السعادة والرشد سيخاف برؤية آيات غضب الله، وستجذبه القوة العليا إلى الحق.وستحترق تعصباته وضغائنه كلها كما تحترق القشة في النار خصلة الملتهبة وتصبح رمادا.الله باختصار، عندها الأرض والسماء قد أخذتا صبغة أخرى، إذ لم تعد الأرض ولا السماء كما كانتا.وسيحدث عن قريب كما أُريتُ في الكشف من قبل بأني خلقتُ أرضا جديدة وسماء جديدة.وقد نُسبت عملية هذا الخلق إلى في الكشف لأن الله تعالى قد أرسلني لهذا العصر، لذا كنت أنا السبب وراء السماء الجديدة والأرض يسمع كل رشيد صوت وينجذب إليه، وسيرى أن الكهف: ١٠٠

Page 120

البراهين الأحمدية (۱۰۲) الجزء الخامس الجديدة تلك.والاستعارات كهذه كثيرة في كلام الله تعالى، ومع ذلك قد يواجه البعض إشكالا هنا فيقول مع أنه قد ورد في صحيحي مسلم والبخاري أن المسيح المقبل سيكون من هذه الأمة، وتشير كلمة "منكم" الواردة في سورة النور من القرآن الكريم إلى أن كل خليفة سيكون من الأمة نفسها.وهذا ما تشير إليه الآية: ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، ويتبين من ذلك أنه لن يحدث أمر غير عادي، بل كما كان نبينا مثيل موسى في صدر الإسلام، كما يتبين من الآية: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا ، كذلك من الواضح أنه كانت هناك حاجة في نهاية عصر الإسلام لتحقق المماثلة بين السلسلة الموسوية والسلسلة المحمدية إلى مثيل عيسى الذي يخبر عنه الحديث الوارد في صحيح البخاري: "إمامكم منكم"، وفي صحيح مسلم: "أمكم منكم" بكل وضوح، ولكن كيف يمكن للذي سيكون عيسى من هذه الأمة أن يُدعى ابن مريم، لأنه ليس ابن مريم أنه قد ورد في الأحاديث كلمة ابن مريم ؟ فليكن معلوما أن هذه حقيقة، مع الشبهة التي تنتاب قلوب قليلي الفهم قد أزيلت في سورة التحريم إذ شُبه فيها بعض أفراد هذه الأمة بمريم، ثم ذكر نفخ روح عيسى فيها.ففي ذلك إشارة صريحة إلى أن فردًا من هذه الأمة سيحوز درجة "مريم" أولا، ثم تنفخ الروح في "مريم" هذا، ثم ينتقل من هذه الدرجة ويسمى ابن مريم.وإذا سألني أحد أنه لو كان هذا هو الحق لوجب أن تكون في إلهاماتك أيضا إشارة إلى هذا الأمر، لقلتُ في الجواب بأن هذا التصريح موجود في الأجزاء السابقة للبراهين الأحمدية قبل ٢٥ عاما من اليوم.وذلك ليس إشارةً فقط، بل النور: ٥٦ المزمل: ١٦

Page 121

البراهين الأحمدية (۱۰۳) الجزء الخامس سميت في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية ابن مريم" كاستعارة لطيفة.فعليكم أن تقرأوا كتابي أولا فسترون أن الله تعالى سماني "مريم" في أوائله إذ قال: يا مريم اسكن أنت وزوجك الجنة.ثم ورد بعد عدة صفحات كتبتها بعد فترة من الزمن، قوله تعالى: يا مريم نفختُ فيك من لدني روح الصدق".فإن نفخ الروح هذا كان بمنزلة الحمل الروحاني لأنه قد استخدمت هنا الكلمات نفسها التي استخدمت بحق مريم الصديقة حين تفخت الروح فيها، ذلك أنها حملت وولد عيسى بذلك الحمل.فقد قال تعالى بحقي أيضا أنه قد نُفخت فيك الروح وكانت بمنزلة حمل روحاني.ثم سُمِّيت بعد ذلك "عيسى" في نهاية الكتاب، لأن الحالة المريمية تهيأت- بعد النفخ الرباني- للتحول إلى الحالة العيسوية، وقد سميت هذه الحالة "حملا" على سبيل الاستعارة.ثم وُلد عيسى من الحالة المريمية نفسها في نهاية المطاف.فلهذا السرّ سميت "عيسى" في نهاية الكتاب وسميت في بدايته "مريم".فكان معنی أنا الآن تأملوا أولا بشيء من الندم والحياء والعدل والتقوى آية سورة التحريم التي شبه فيها بعض أفراد هذه الأمة بمريم ثم ذكر نفخ الروح فيها، الأمر الذي يشير إلى الحمل الذي سيتولد منه "عيسى".ثم اقرأوا جميع الأماكن في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية واتقوا الله واخشوه وانظروا كيف سماني الله "مريم" أولا ثم ذكر نفخ الروح في "مريم"، ثم في نهاية الكتاب جعلني "عيسى" من الحمل الروحاني لمريم نفسه لو كان ذلك من كيد الإنسان لما كان بوسعه على الإطلاق أن يُقحم في كتابه هذه المعارف الدقيقة كتخطيط مسبق قبل ادعائه بفترة طويلة.أنتم شاهدون بأنفسكم بأني ما كنت مطلعا في ذلك الزمن وفي تلك الفترة حتى على هذه الآية بأنني سأجعل المسيح عيسى على هذا النحو.بل كنت أعتقد مثلكم بمقتضى علم البشر المحدود بأن عيسى بن مريم سينزل من السماء، ومع

Page 122

البراهين الأحمدية (1.2) الجزء الخامس أن الله تعالى سماني عيسى في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية ونسب إلي على سبيل النبوءة جميع الآيات المنسوبة في القرآن الكريم إلى عيسى اللي، وقال أيضا بأن خبر مجيئك مذكور في القرآن الكريم وفي الأحاديث، ولكني مع.ذلك لم أنتبه إلى هذا الأمر وكتبت في الأجزاء السابقة العقيدة الخاطئة نفسها كرأي ونشرت أن شخصي ال سينزل من السماء، وظلت عيناي مغمضتين عیسی تماما من هذه الناحية ما لم يكشف لي الله تعالى مرارا وتكرارا وبكل وضوح أن لهذا عيسى بن مريم الإسرائيلي قد مات ولن يعود، وأنك أنت عيسى بن مريم الزمن ولهذه الأمة.إن تسجيل رأيي ذلك الخاطئ في الأجزاء الأربعة من البراهين الأحمدية كان آية من آيات الله وشاهدا على بساطتي وعدم تصنّعي.ولكن ماذا أفعل بهؤلاء القوم ذوي القلوب القاسية، إذ لا يقبلون الحلف ولا يؤمنون بالآيات، ولا يتدبرون هُدى الله.لقد أظهرت السماء آيات وكذلك الأرض، ولكن أعينهم مغلقة، ولا نعلم ما الذي سيُريه الله الآن.عليهم لا بد من الذكر هنا أن الله لم يسمني "عيسى" فقط بل سماني بأسماء الأنبياء السلام جميعا من البداية إلى النهاية.فقد سماني "آدم" في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية كما قال الله : "أردتُ أن أستخلف فخلقت آدم".(انظروا البراهين الأحمدية، الأجزاء السابقة ص ٤٩٢ وقال أيضا: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا، خلق آدم فأكرمه (انظروا البراهين الأحمدية، الأجزاء السابقة ص ٥٠٤) ومعنى هاتين الجملتين أنه تعالى خلق آدم، أي خلقني أنا.وقال في الجملة الثانية: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا، خلق آدم هذا.والمراد من إسرائه في ليلة واحدة هو أنه أكمله تماما في ليلة واحدة وأبلغ سلوكه مبلغ المراد هنا وفي الصفحات التالية صفحة الطبعة الأردية.(المترجم)

Page 123

البراهين الأحمدية (1.0) الجزء الخامس الكمال في اثنتي عشرة ساعة.ومن دواعي تسمية الله إياي "آدم" أن الروحانية في بني آدم كانت قد ماتت في ذلك الزمن بوجه عام، فجعلني الله تعالى آدم لسلسلة الحياة الجديدة.وفي هذه الفقرة الوجيزة تكمن نبوءة أنه كما انتشرت ذرية آدم في العالم كله كذلك ستنتشر ذريتي الروحانية والمادية أيضا في الدنيا كلها.والسبب الثاني هو أنه كما اعترض الملائكة على جعل آدم خليفةً فقال الله دحضا لاعتراضهم: إني أعلم من أحوال آدم ما لا تعلمون، فينطبق الأمر نفسه علي أيضا لأنه قد ورد في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية وحي من الله أن الناس سيثيرون ضدي الاعتراضات نفسها التي أثيرت ضد آدم العلمية.كما قال تعالى: "وإن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله؟ جاهل أو مجنون".فقال ل ردا على ذلك في الأجزاء نفسها من البراهين الأحمدية: مني بمنزلة لا يعلمها الخلق هذا الجواب يماثل جوابا ورد في القرآن "أنت الكريم بحق آدم كما قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ.فمع أن هذه الآيات لم ترد بعينها في الأجزاء السابقة للبراهين الأحمدية ولكنها مسجلة بحقي أيضا في كتبي الأخرى كوحي الله تعالى.و مماثلتي الثالثة مع آدم هي أنه ولد توأما ووُلدتُ أنا أيضا توأما، فقد ولدت فتاة قبلى ثم ولدتُ أنا.فبذلك كنت خاتم الأولاد لوالدي، إذ لم يولد بعدي صبي، وقد وُلدتُ يوم الجمعة.وفي ولادة آدم قبل "حواء" إشارة إلى أنه كان مبدأ سلسلة العالم، وفي ولادتي بعد أختي التوأم إشارة إلى أني جئت في نهاية سلسلة العالم.فكانت ولادتي في نهاية الألفية السادسة، ونحن الآن في الألفية السابعة بحسب التقويم القمري البقرة: ٣١

Page 124

البراهين الأحمدية (١٠٦) الجزء الخامس كذلك سماني الله تعالى "نوحا" أيضا في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية وقال عني: "ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" أي اصنع الفُلك بأعيننا ولا تقل لي شيئا في الشفاعة للظالمين لأني سأغرقهم جميعا.لقد أمهل الله تعالى الظالمين في زمن نوح إلى ألف عام تقريبا، ولو طرحنا الآن أيضا القرون الثلاثة المتمثلة في خير القرون" لبقي ألف عام.فمن هذا المنطلق تقارب هذه المدة أيضا مدةً هلاك قوم نوح بعذاب.وأوحى الله إلي: "اصنع الفلك بأعيننا ووحينا إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم".أي أن فُلك البيعة هو الذي سينقذ حياة الناس وإيمانهم.ولكن ليس المراد من البيعة البيعة باللسان فقط مع بقاء القلب غافلا بل معرضا عنها..بل معنى البيعة هو البيع.فأقول صدقا وحقا بأن الذي لا يبيع حياته وماله وشرفه في الحقيقة في هذا السبيل لا يدخل البيعة عند الله.بل أرى أن هناك كثيرا ممن بايعوا ظاهريا ولكن لم تكتمل فيهم عاطفة حسن الظن، فيتعثرون كطفل ضعيف عند كل ابتلاء.وهناك بعض من سيئي الحظ الذين يتأثرون بكلام الأشرار فورا ويسعون إلى سوء الظن سعي الكلب إلى الجيفة.فأنى لي أن أقول بأنهم داخلون في البيعة حقيقة؟! بين حين وآخر علمًا بهؤلاء إنني أعطى ولكن لا يؤذن لي أن أخبرهم بذلك.كم من المحتقرين سيعظمون، وكم من العظماء سيُحقرون! فهذا مقام خوف.كذلك سميت إبراهيم أيضا في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة كما قال تعالى: "سلام عليك يا إبراهيم" (انظروا البراهين الأحمدية، ص ٥٥٨) لقد رزق الله تعالى إبراهيم بركات كثيرة فسلم من صولات الأعداء دائما.فبتسميتي إبراهيم أشار الله تعالى إلى أن إبراهيم هذا أيضا سيعطى بركات

Page 125

البراهين الأحمدية (۱۰۷) الجزء الخامس الله كثيرة ولن يقدر المعارضون على أن يضروه شيئا.كما خاطبني الله في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة وقال في وحيه: "بوركت يا أحمد، وكان ما بارك الله فيك حقا فيك".وخاطبني في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة نفسها وقال ما تعريبه وسأرزقك بركة تلو بركة حتى إن الملوك سيتبركون بثيابك." وكما بدأ الله تعالى النسل من إبراهيم كذلك قال لا بحقي في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة: "سبحان الله زاد مجدك، ينقطع آباؤك ويُبدأ منك."، أي سيقطع ذكر آبائك وسيبدأ العائلة منك.إن حب الله لإبراهيم كان نقيا لدرجة أنه لا أرى لحمايته أمورا عظيمة، وطمأنه بنفسه في مواطن الحزن، كذلك سماني ل إبراهيم في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة فقال: "سلام على إبراهيم، صافيناه ونجيناه من الغم، تفردنا بذلك." (الصفحة: ٥٦١) أي سلام على إبراهيم هذا إن حبنا له نقى لا تكثر فيه.وسننجيه من الغم.وهذا الحب خاص بنا وحدنا ولا محب آخر على هذا النحو.كذلك سماني ول "إبراهيم" في موضع آخر في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة فقال: "يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه عمل غير صالح.إنما أنت مذكر وما أنت عليهم بمصيطر".(الصفحة : ٥١٠) لقد اضطر إبراهيم العلا إلى قطع العلاقة ببعض الناس من قومه وبالأقارب الأقربين كذلك أنبأ الله الله بحقى أيضا وقال بأنك أيضا ستضطر إلى قطع العلاقة مع بعض الأقرباء من قومك.وكذلك كان وسماني "إبراهيم" في مكان آخر أيضا في الأجزاء السابقة للبراهين الأحمدية فقال: "ونظرنا إليك وقلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم".(الصفحة : ٢٤٠) هذه نبوءة عن المستقبل.وأظن أنها بشارة عن القضايا المخيفة التي كانت تهدد حياتي وشرفي مثل القضية الزائفة بمحاولة

Page 126

البراهين الأحمدية (۱۰۸) الجزء الخامس القتل التي رفعها ضدي الدكتور مارتن كلارك، والقضية التي رفعها "كرم دين والمراد من النار هنا النار التي تُضرم نتيجة غضب الحكام وغيظهم.ملخص الكلام أن الله تعالى يقول هنا بأننا سنبرد نار الغضب والغيظ، وستنجو بسلام.وكذلك سماني "يوسف" في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة، وقد سبق تفصيل هذه المماثلة.كذلك سماني ل "موسى" أيضا في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة كما قال: "تلطّف بالناس وترحّم عليهم أنت فيهم بمنزلة موسى واصبر على ما يقولون." (انظروا البراهين الأحمدية، الأجزاء السابقة الصفحة: ٥٠٨) أي حليما جدا، إذ كان بنو إسرائيل يرتدون بكثرة ويهاجمونه ويلصقون به أحيانا تُهما سخيفة مختلفة ولكن موسى صبر دائما، وكان شفيعا لهم.لقد انتشلهم موسى من تنور ملتهب ونجاهم من فرعون وأرى موسى أمام فرعون معجزات كبيرة ومهيبة.ففي هذه التسمية تكمن نبوءة أنك أيضا كان موسى ستواجه ظروفا مماثلة.كذلك سماني ذلك في محله لاحقا.كذلك سماني الله "سليمان" أيضا في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة وسيأتي تفصيله أيضا قريبا.كذلك سماني الله "أحمد" و "محمدا" أيضا في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة.وهذه إشارة إلى أنني خاتم الولاية كما أن النبي ﷺ خاتم النبوة.وقال تعالى بعد ذلك بحقي في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة: "جري الله في حلل الأنبياء"، أي نبي الله في حلل الأنبياء السابقين معنى هذا الوحي الإلهي أن جميع الأنبياء الذين جاءوا من تعالى إلى الدنيا من آدم إلى النهاية سواء أكانوا إسرائيليين أم غيرهم قد الله "داود" في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة، وسيأتي بيان الله

Page 127

البراهين الأحمدية (۱۰۹) الجزء الخامس ني إلا أعطيت نصيبا من وقائعهم الخاصة أو من صفاتهم الخاصة.وما خلا وقد أُعطِيتُ نصيبا من صفاته أو وقائعه.ففى فطرتي نقش فطرة كل نبي.هذا ما أطلعني الله تعالى عليه.وفي ذلك إشارة أيضا إلى أن أكثر الناس في العصر الراهن يشبهون إن لم يتوبوا ، أناسا كانوا عطاشى لدماء الأنبياء السابقين كلهم وتجاوزوا جميع الحدود في العداوة الشديدة والعناد فأهلكوا بأنواع العذاب.باختصار، قد أريد البيان في هذا الوحي الإلهي أن هذا الزمن جامع لكمالات الأخيار وكمالات الأشرار.والأشرار في هذا العصر يستحقون جميع أنواع العذاب إن لم يرحمهم الله، أي يمكن أن تجتمع في هذا العصر كافة أنواع العذاب التي نزلت في الأزمنة الخالية.فكما هلك قوم من الأقوام الخالية بالطاعون ومات قوم آخرون بالصاعقة وأبيد غيرهم بالزلزال أو السيل أو بالريح الصرصر أو نتيجة الخسف، كذلك ينبغي للناس المعاصرين أن يخافوا العذابات مثلها إن لم يصلحوا أنفسهم لأن كل هذه المواد موجودة في معظم الناس، إلا أن لطف الله المحض قد أمهلهم.والعبارة: "جري الله في حلل الأنبياء" جديرة بالإسهاب والتفصيل ولكن لا يتسع لها المكان في هذا الجزء الخامس من البراهين الأحمدية.غير أنه يكفي القول محملا بأني قد أُعطيت نصيبا من مزايا كل نبي خلا وصفاته ووقائعه.ولقد عوملتُ وسأعامل في المستقبل أيضا بألوان النصرة والتأييدات التي عامل الله بها النبيين السابقين.وهذا الأمر ليس خاصا بأنبياء بني إسرائيل فقط بل توجد معي وفي شخصي نظائر ووقائع جميع الأنبياء الذين خلوا في العالم كله.ويدخل أيضا في هذه القائمة النبي الذي خلا في الهندوس باسم "كرشنا".من المؤسف حقا أن تهم الفسق والفجور التي ألصقها الأشرار بالنبي داود قد وجه مثلها إلى "كرشنا" أيضا.كما كان داود جري الله وشجاعا وحبيب الله كذلك كان "كرشنا"

Page 128

(۱۱۰) الجزء الخامس البراهين الأحمدية في الهند.فمن الصواب تماما القول إن كرشنا في الهند كان بمنزلة داود، وداود كان بمنزلة "كرشنا" في أنبياء بني إسرائيل.ولو قلنا إن داود كان "کرشنا"، أو "كرشنا" كان داود لأصبنا الحقيقة تماما.ولأن الزمان يعيد نفسه، لذا فإن أمثال الناس سواء أكانوا صالحين أم طالحين يظلون يُخلقون في الدنيا باستمرار.ولقد أراد الله تعالى في هذا العصر أن يُظهر في شخص واحد نماذج جميع الأنبياء الصالحين والصادقين والمقدسين الذين خلوا من قبل، فذلك الشخص هو أنا.وقد ظهرت في هذا الزمن أمثال الطالحين جميعا أيضا، فسواء أكان فرعون أم اليهود الذين علقوا المسيح اللي على الصليب أو أبا جهل فإن أمثالهم جميعا موجودون في هذا العصر كما أشار الله تعالى إلى ذلك في القرآن الكريم بذكره يأجوج ومأجوج.كذلك سماني الله "ذا القرنين" أيضا، لأن وحي الله المقدس بحقي: "جري الله في حلل الأنبياء"، الذي يعني رسول الله في حلل الأنبياء جميعا يقتضي أن توجد في صفات ذي القرنين أيضا لأنه ثابت من سورة الكهف أن ذا القرنين أيضا كان يتلقى الوحي.فقد قال الله تعالى عنه: قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنِين.فأنا ذو القرنين لهذه الأمة بحسب وحي الله القائل: "جري الله في حلل الأنبياء".والنبوءة عني موجودة في القرآن الكريم على سبيل المثل ولكن للمتفرسين فقط.والمعلوم أن ذا القرنين هو من يشهد قرنين.واللافت في أمري أننا لو فحصنا الموضوع من جميع النواحى والتقسيمات التى قسم بها الناسُ المعاصرون القرن بحسب الأساليب الخاصة بهم لتبين أنني شهدت القرنين لكل أمة.إني بالغ الآن من العمر ٦٧ عاما تقريبا، فالواضح أنني كما شهدت قرنين هجريين كذلك الكهف: ۸۷

Page 129

البراهين الأحمدية (111) الجزء الخامس شهدت قرنين ميلاديين وأيضا شهدتُ قرنين من حيث التقويم الهندي الذي يبدأ عامه الجديد من "بكرما جيت".ولقد فحصت قدر الإمكان موضوع القرون المحددة منذ زمن سحيق في بلاد الشرق والغرب ولم أجد قوما لم أشهد قرنين من قرونهم المحددة عندهم.ولقد ورد في بعض الأحاديث أيضا أن من علامات المسيح المقبل أنه سيكون ذا القرنين.فأنا ذو القرنين بحسب نص وحي الله تعالى.وأبين فيما يلي ما كُشف علي كنبوءة من معاني الآيات القرآنية الواردة في سورة الكهف عن قصة ذي القرنين وليكن معلوما أنني لا أنكر المعنى المستنبط منها من قبل غير أن تلك المعاني تتعلق بالماضي، أما هذا فبالمستقبل.القرآن الكريم ليس كتاب قصص وأساطير، بل كل قصة فيه تتضمن نبوءة.وإن قصة ذي القرنين تضم في طياتها نبوءة عن زمن المسيح الموعود، حيث جاءت فيه الآية الكريمة: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا.ثم قال : إِنَّا مَكنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا أي سنمكنه، أي المسيح الموعود الذي سيُدعى ذا القرنين أيضا، في الأرض بحيث لن يقدر أحد على أن يضره شيئا.وسنرزقه عُدّة وعتادا وأسبابا من كل نوع ونسهل عليه مهامه.كما وليكن معلوما أن في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية وحيا بحقي قال الله: "ألم نجعل لك سهولة في كل أمر.أي ألم نيسر لك كافة الأسباب التي كانت ضرورية لتبليغ الحق ونشره.والمعلوم أنه لا الله قد هيأ لي لتبليغ الحق ونشره الكهف: ٨٤.في ذلك إشارة إلى أن ذكر ذي القرنين لا يتعلق بالزمن السابق فقط بل سيأتي ذو القرنين في المستقبل أيضا، وإن ذكر السابق إنما هو ذكر وجيز فقط.الكهف: ٨٥ منه.

Page 130

البراهين الأحمدية (۱۱۲) الجزء الخامس أسبابا ووسائل لم تتوفر في زمن أي نبي من قبل.فقد فتحت طرق النقل بين الأقوام كلها، وجعلت لقطع المسافات سهولة بحيث تُطوى في العصر الراهن في أيامٍ مسافة كانت تُقطع من قبل في سنوات.وقد اكتشفت وسائل الاتصال بحيث تصل الأخبار من آلاف الفراسخ في دقائق معدودة.ونُشرت في كل قوم كتب كانت خافية ومستورة ، وخُلق لكل شيء سبب.وبسبب المطابع زالت المشاكل الحائلة في مجال التأليف والطبع لدرجة أن اكتشفت الآن أدوات يمكننا بسببها أن نطبع في غضون عشرة أيام ما كان مستحيلا طبعه في عشرة أعوام بالكثرة نفسها.وقد اكتشفت لنشرها أيضا وسائل محيرة بحيث يمكن نشر العبارة مثلا في العالم كله في غضون أربعين يوما فقط بينما لم يكن أحد قادرا على نشرها على نطاق واسع هكذا في الأزمنة الخالية وإن طال به العمر مائة عام.ثم يقول الله تعالى في القرآن الكريم: فَأَتَّبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا.أي عندما يُعطى ذو القرنين، وهو المسيح الموعود، وسائل أو أسبابا من كل نوع سيتبع سببا، أي يشد مئزره لإصلاح البلاد الغربية وسيرى أن شمس الصدق والحق قد غربت في عين حمئة وآسنة وسيجد قوما عند هذه العين الآسنة والظلمة يقال لهم قوم غربيون أي سيجد المسيحيين في البلاد الغربية تائهين في ظلام حالك، لن تقابلهم شمس ليجدوا منها ضوءا ولن يملكوا ماء نقيا ليشربوه.أي أن حالتهم العلمية والعملية ستكون فاسدة إلى أبعد الحدود، 1 الكهف: ٨٦-٨٩

Page 131

البراهين الأحمدية (۱۱۳) الجزء الخامس وسيكونون محرومين من النور الروحاني والماء الروحي.عندها نقول لذي القرنين، أي المسيح الموعود: لك الخيار سواء أعذبتهم، أي دعوت لحلول العذاب - كما رُوي في الأحاديث الصحيحة أو أحسنت إليهم.فيجيب ذو القرنين، أي المسيح الموعود : لا أريد أن يُعاقب إلا من كان ظالما.فسيعاقب في الدنيا أيضا نتيجة دعائي، وسيلقى في الآخرة عذابا نكرا.أما من لم يُعرض عن الحق والصدق وعمل صالحا فله جزاء الحسنى، وسيؤمر للعمل بما كان سهلا عليه وكان إنجازه هينا لينا.فهذه نبوءة بحق المسيح الموعود أنه سيأتي في وقت يكون فيه أهل الغرب تائهين في ظلام حالك، وستغيب شمس الصدق والحق من أمام أعينهم كليا في عين حمئة آسنة.أي تكون المعتقدات والأعمال السيئة والقذرة بدلا من الصدق منتشرة فيهم.وهذا ما سيكون ماؤهم الذي يشربونه، ولن يبقى فيهم للنور أثر قط، بل سيهيمون في الظلام والمعلوم أن هذه هي حالة الديانة المسيحية الراهنة كما يقول القرآن الكريم والبلاد الغربية أهم مركز للمسيحية.ثم يقول الله : ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ حُبْرًا.أي سيعطى ذو القرنين، وهو المسيح الموعود، كل سبب فيتبع سببًا، أي سيطلع على حالة أهل البلاد الشرقية ويجد أن شمس الصدق تطلع على قوم جاهلين لا يملكون وسيلة لاجتناب حر الشمس، أي سيجدهم محترقين في حرّ التمسك بظواهر الأمور والإفراط ويجهلون الحقيقة.أما ذو القرنين أي المسيح الموعود فسيملك جميع أسباب الراحة الحقيقية التي نعرفها جيدا ولكن هؤلاء القوم لن أنه لن يكون لديهم ملاذ للوقاية من حر الإفراط، ولا بيت ولا يقبلوه، مع 1 الكهف: ٩٠-٩٢

Page 132

البراهين الأحمدية (112) الجزء الخامس شجرة ظليلة ولا لباس يقيهم الحر.لذا إن شمس الصدق التي تطلع عليهم ستكون سببا لهلاكهم.وهذا مثال للذين يوجد ضوء شمس الهداية بين أيديهم وليسوا كالذين غربت ،شمسهم، ولكن لن يستفيدوا من شمس الهداية هذه شيئا إلا أن تحترق بحرارتها جلودهم ويسود لونهم ويذهب نور عيونهم.ففي هذا التقسيم إشارة إلى أنه ستكون للمسيح الموعود جولة ذات ثلاث شعب لأداء الواجبات الموكولة إليه.أولا: يتوجه إلى قوم فقدوا شمس الهداية وجلسوا في ظلام وعين حمئة وآسنة.ثانيا: تكون جولته الثانية على القوم الجالسين بإزاء الشمس عراةً، أي لا يتصرفون بالأدب والحياء والتواضع وحسن الظن، بل هم متمسكون بظواهر الأمور فقط وكأنهم يريدون أن يحاربوا الشمس فهم أيضا محرومون من بركة الشمس ولا نصيب لهم منها إلا الاحتراق هذه إشارة إلى أولئك المسلمين الذين بعث فيهم المسيح الموعود ولكنهم قابلوه بالإنكار والتصدي و لم يعملوا بالحياء والأدب وحسن الظن فحُرموا من السعادة.ثم يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ حَرْحًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ هنا يبين الله أنه ستكون هناك ثلاث فئات في زمن المسيح الموعود.فئة تختار طريق التفريط وتفقد النور نهائيا.والفئة الثانية تسلك مسلك الإفراط ولن تستفيد من النور بالتواضع والمسكنة بل -تقوم كمن يخرج للمواجهة - متمردة بإزاء الحر الروحاني عارية.أما الفئة الثالثة فتختار طريق الوسط وتتوسل إلى المسيح الموعود لينقذوا من يأجوج ومأجوج بشكل من الأشكال.إن يأجوج ومأجوج مستمدة من "أجيج"، أي القوم البارعون في استخدام النار.منه.هجمات

Page 133

البراهين الأحمدية (110) الجزء الخامس فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُحُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ أَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا " الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا " أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُاً را أي: ثم يتبع ذو القرنين أي "المسيح الموعود" سببا آخر، وحين يبلغ مكانا أي يجد زمنا صعبا يجب أن يسمَّى "بين" "السدين" أي بين الجبلين، بمعنى أنه سيجد زمنا يكون الناس فيه خائفين مذعورين من كلتا الناحيتين، وستظهر قوى الضلال بالتحالف مع قوى الحكومة مشهدا مرعبا، وسيجد ذو القرنين تحت هاتين القوتين قوما لا يفقهون حديثه إلا بالكاد أي سيكونون منغمسين في الأفكار الباطلة، وبسبب عقائدهم الباطلة سيفقهون بالكاد هديه الذي سيقدمه ولكنهم سيفهمونه أخيرا ويهتدون وهذا قوم ثالث يستفيدون من تعليم المسيح الموعود وسيقولون له: يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، فلو أحببت لجمعنا لك أموالا لتجعل بيننا وبينهم سدا، فيقول لهم: القوة التي وهبنيها الله تعالى خير من أموالكم ولو كنتم مساعدي فافعلوا بقدر قدرتكم لأجعل بينكم وبينهم سدا، أي أتم عليهم الحجة بحيث لا يقدرون على مهاجمتكم بالطعن والاعتراض.أحضروا لي صفائح الحديد لأسُدَّ طرق النقل، 1 الكهف: ۹۳-۱۰۳

Page 134

البراهين الأحمدية (117) الجزء الخامس أي اعتصموا بتعليمي وأدلتي جيدا واستقيموا تماما.وبذلك كونوا صفائح الحديد بأنفسكم وسدُّوا الهجمات المعادية.ثم انفخوا النار في صفائح الحديد إلى أن تصبح نارا بنفسها، أي أشعلوا في نفوسكم حب الله الله تعالى هي حتى تنصبغوا بصبغة أن تتولد في المحب الله أن الله فليكن معلوما أن علامة كمال حب صفات الله تعالى بصورة ظلية.وما لم يحدث ذلك كان ادعاء الحب باطلا.إن مثل الحب الكامل كمثل الحديد حين يوضع في النار فتؤثر فيه النار لدرجة يتحوّل الحديد نارا بحد ذاته.فمع أنه حديد في حقيقته وليس نارا ولكن ما دامت النار قد غلبته إلى حد أقصى لذا ظهرت منه صفات النار، فيستطيع أن يُحرق كما تُحرق النار ، وفيه الضوء مثل النار تماما.إن حقيقة حب ينصبغ الإنسان بصبغته.ولو لم يقدر الإسلام على الإيصال إلى تلك الحقيقة لما كان شيئا يعتد به، ولكن الحق أن الإسلام يوصل إلى هذه الحقيقة.ولكن يجب على الإنسان أن يصير أولا مثل الحديد في استقامته وقوة إيمانه، لأنه إذا كانت حالته الإيمانية كالعشب والكلاً لأحرقته النار وجعلته رمادا فورا، فأنى له أن مظهر النار في هذه الحالة؟ يصير الله هي الأسف كل الأسف أن بعض الجهلاء لم يدركوا حقيقة علاقة العبد مع ربه التي تؤدي إلى تولّد الصفات الإلهية في العبد بصورة ظلية فاعترضوا على الوحي الذي تلقيته من الله تعالى: "إنما أمرك إذا أردت شيئا أن تقول له كن فيكون".هذا كلام تعالى الذي نزل علي وهو ليس من عند نفسي.ولقد صدق هذا الأمر أكابر الصوفية في الإسلام كما قال السيد عبد القادر الجيلاني له الأمر نفسه في كتابه "فتوح الغيب"، واللافت في الموضوع أن السيد عبد القادر الجيلاني الله لقد ذكر الآية نفسها.ولكن من المؤسف أن الناس اكتفوا بالإيمان التقليدي، وطلب المعرفة الكاملة يرونه كفرا عندهم، ويظنون أن الإيمان التقليدي

Page 135

البراهين الأحمدية يكفيهم، مع 6 (۱۱۷) الجزء الخامس أنه ليس بشيء يُذكر وينكرون أن يتشرّف أحد، بعد رسول الله بمكالمة الله ومخاطبته على وجه اليقين والقطعية.غير أنهم يعتقدون أن الإلقاء في القلب ممكن ولكن لا يُعلم هل ذلك الإلقاء من الشيطان أم من الرحمن ولا يدرون ماذا يفيد الإيمان إلقاء مثله، وأي تقدّم يحصل للإيمان؟ بل الحق أن الإلقاء من هذا القبيل مدعاة ابتلاء كبير ويصحبه خوف المعصية أو ضياع الإيمان لأنه لو كان الوحي المشكوك فيه مثله، والذي لا يُعرف هل هو من الشيطان أو من الرحمن يشمل أمرا مؤكدا بفعل شيء، ولكن متلقي الوحي لم يعمل به ظنا منه لعل الشيطان أمر به ولكنه كان من الله تعالى في الحقيقة، لكان هذا الانحراف معصية.ولو عمل به وكان الأمر من الشيطان في الحقيقة لضاع إيمانه.فالمحرومون هذا النوع من الإلهامات الخطيرة التي يمكن أن يتدخل فيها الشيطان أيضا خير من من الذين يتلقونها.ففي حالة هذا الاعتقاد لا يمكن للعقل أيضا أن يحكم لأنه من الممكن أن يكون هناك إلهام من الله مثل إلهام أم موسى الذي كان العمل به يشكل خطرا على حياة الصبي، أو مثل إلهام الخضر العلة الذي أدى إلى قتل نفس زكية بغير حق ظاهريا.ولأن الأمور من هذا القبيل تتعارض مع الشريعة ظاهريا فمن ذا الذي يعمل بها مخافة احتمال تدخل الشيطان فيها؟ وفي حال عدم العمل بها سيرتكب المعصية.ومن الممكن أيضا أن يأمر الشيطان اللعين بأمر لا يبدو معارضا للشريعة ظاهريا ولكنه يكون في حقيقته مدعاة لفتنة ودمار شامل، أو تكون فيه أمور كامنة تؤدي إلى سلب الإيمان.فما الفائدة هذا النوع من المكالمة والمخاطبة أصلا؟! من ثم يقول الله تعالى بعد الآيات المذكورة آنفا بأن ذا القرنين أي المسيح الموعود سيقول لقوم يخافون يأجوج ومأجوج: آتُونِي نحاسا أذيبه وأفرغه على الجدار، فلن يقدر يأجوج ومأجوج أن يتسلقوه أو يخرقوه.

Page 136

البراهين الأحمدية (۱۱۸) الجزء الخامس اله من والجدير بالذكر أن الحديد إذا بقي في النار مدةً من الزمن اتخذ صورة النار تماما ولكنه لا ينصهر بسهول ـولة، إلا أن النحاس ينصهر سريعا.أما السالك فلا بد أن يذوب في سبيل الله تعالى.ففي ذلك إشارة إلى أن تكون قلوبكم مستعدة وطبائعكم لينة تذوب لرؤية آيات الله تعالى، لأن آياته لا تؤثر في القلوب القاسية شيئا.ولكن الإنسان يُعصَم من هجمات الشيطان إذا كان مثل الحديد في الاستقامة أولا، ثم يجب أن يأخذ ذلك الحديد صورة النار متأثرا بنار الله ثم يذوب القلب ويسقط على ذلك الحديد ويتداركه من الانتشار الله، والتشتت فهذه هي الشروط الثلاثة لإتمام السلوك وهي بمنزلة سد ذي القرنين للحماية من هجمات الشيطان والروح الشيطانية لا تستطيع أن تتسلق هذا الجدار ولا تستطيع أن تخرقه.ثم قال تعالى بأن كل ذلك سوف يتم برحمة من ، وإن يد قدرته ستنجزه دون أن يكون لكيد الإنسان أي دخل في ذلك.وعندما تقترب القيامة تثور الفتنة من جديد، هذا وعد من الله.ثم قال: كل أمة ستهب في زمن ذي القرنين، الذي هو المسيح الموعود، لنصرة دينها ويهاجم قوم قوما آخرين كما يقع موج على موج.وفي هذه الأثناء يُنفخ في الصور، أي سيبعث الله رب السماء المسيح الموعود ويخلق قوما ثالثا، وسيُري لنصرتهم آيات قاهرة حتى يجمع السعداء من الناس جميعا على دين واحد، أي الإسلام.فيسمعون صوت المسيح الموعود ويصغون إليه، فتكون رعية واحدة وراع واحد.وتكون تلك الأيام جدّ عصيبة وسيُري الله تعالى وجهه بآيات مهيبة.والذين يصرون على الكفر سيرون جهنم في هذه الدنيا بسبب بلايا متنوعة.يقول الله تعالى، هؤلاء هم الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وما كانوا يستطيعون أن يسمعوا كلامي أيحسب الذين كفروا أنه من الهَيِّن أن يُتَّخذ العباد آلهة وأتعطّل أنا؟! لذا سنأتي بجهنم نُزُلا لهم أي ستظهر آيات مهولة وستشهد كلها

Page 137

البراهين الأحمدية (۱۱۹) الجزء الخامس على صدق مسيحه الموعود.انظروا إلى رحمة الله تعالى الذي أنزل كل تلك الإنعامات علي أنا الحفنة من التراب الذي يسميه المعارضون كافرا و دجالا.يا إلهى، يا وليي ويا ستار العيوب ويا كفيلي يا حبيبي ويا محسني ويا ربي.كيف يمكنني أن أؤدي حق شكرك وحمدك يا ذا المنن؟! من أين آتي بلسان يمكنه تأدية حق الشكر ؟! لقد أنقذتني من ذوي الظنون السيئة بشهادة منك، وقد جعلت العدو مغلوبا ومهانا بصول واحد.الذين يقومون بالخدمة ينالون الجزاء في حضرتك، ولكن ما الذي رأيته مني فأنزلت على هذا اللطف والإحسان المتكرر؟! أستغرب أفضالك يا ربي الكريم، على أي عمل خلعت على خلعة القرب والوصال؟! ! إنني دودة الأرض ولستُ من بني آدم، ومحل كراهية الناس وعار على البشرية.إنه لفضل بحت منك وإحسان إذ قُبلتُ في حضرتك، وإلا فالخدام في حضرتك ليسوا قلة.الذين كانوا يدعون الصداقة صاروا أعداء، ولكنك، يا كافل أمري، ما خذلتني حينا من الأحيان.الترا يا حبيبي الأوحد ويا ملجئي أنت تكفيني، ولا يستقر لي بدونك قرار.لولا لطفك لمت من قبل وصرت ترابا، ولا أدري أين كان سيرمى بهذا ترجمة قصيدة أردية.(المترجم)

Page 138

البراهين الأحمدية (۱۲۰) الجزء الخامس جسمي وروحي وقلبي لك فداء، لا أجد مثلك محبا أبدا.لقد قضيت أيامي في ظل عطوفتك منذ البداية، وعِشتُ في حضنك مثل الرضيع.قط.لم أر في بني البشر ما عهدتُ فيك من الوفاء، و لم أر مثلك صديقا مواسيا يقول الناس بأن الأغرار لا يُقبلون، ولكني قبلتُ في حضرتك مع كوني غِرَّا.لقد غمرتني بأفضالك وألطافك لدرجة لا يمكنني إحصاؤها إلى يوم القيامة.لقد جعلت السماء تشهد لي، وخسفت الشمس والقمر من أجلي.لقد أرسلت الطاعون أيضا لنصرتي لكي تتحقق الآيات التي عليها مدار صدقي.عندما حلّ هذا البلاء بطلت مكايد الناس كلها وتلاشت جميع خططهم مثل الغبار.لقد أذعت اسمي في أرض الهند كما يبرق البرق في كل مكان في لمح البصر.لقد أنزلت آدم هنا من جديد لكي تؤتي نخلُ الصدق ثمارها في هذا البلد.مهما هذي الناس فإن لك حِكمًا غير ذلك، ولا يدرك أسرارك حتى الملائكة.من إن الخسران والنفع والعسر واليسر كله بيدك، تجعل من تشاء شقيا وتجعل تشاء سعيدا.تجلس من تشاء على عرش الحكومة والسلطة، وتُسقط منه من تشاء ذليلا مهانا.إن وجودي أيضا آية من آياتك في العالم، وقد جعلتني فخر الملة والدين.ألف آفة تحل بجاه الفانين وشوكتهم، ولكن سلطنتك دائمة وباقية على حالها أبدا.

Page 139

البراهين الأحمدية (۱۲۱) الجزء الخامس العزة والذلة بيدك أنت وبأمرك يحل فصل الخريف أو يهب نسيم الربيع.لقد أذعتَ في العالم صيت شخص متواضع مثلي من يدرك حقيقة أسرارك يا ربي؟! ما أغرب أفعالك يا من تربيني، فإنك تعطيني ثمار حظنا على الرغم منا ولو فررنا منها.كنتُ أحب زاوية الخلوة منذ البداية وكنت أكره الشهرة وأنفر من كل أنواع العظمة.ولكنك أظهرتني للعيان بيد قدرتك، فكل هذه الأزهار والثمار منك ولم أطلب منها شيئا.ما ذنبي في ذلك إذ قد أُمرتُ بذلك؟! أنى لي أن أرد أمر ذلك الملك المقتدر ؟! من واجبي أن أنفذ ما أُمرتُ به، وإن كنت ضعيفا وعديم الحيلة وجريح القلب.ليس سهلا وهينا أن ندعو إلى الحق كل تافة وطائش، بل في كل خطوة هناك أفاع كثيرة وفلوات شائكة.إن دعواتي وزفراتي تصل إلى عنان السماء ليل نهار ولكن لم يصل هذا النداء إلى قلوب الجاهلين.القلوب تحت تصرف القضاء والقدر، وإذا شاء ربي يوجهها إلي فيأتونني مذعنين.لو أظهرت المعجزة للانت في لمح البصر القلوب القاسية كالحجارة.وا أسفاه! ما الذي جناه قومي بالتكذيب إلا أن مئات البيوت صارت كالمغارة نتيجة الزلازل؟!

Page 140

البراهين الأحمدية كان (۱۲۲) الجزء الخامس من شروط التقوى أن يراعو ما يقتضيه الوقت، وكان ضروريا أن يصبروا ويثابروا بعض الوقت.هل عبروا جميع مراحل العلم والمعرفة؟! ألم يبق أمام أعينهم أي سبيل مظلم؟! إن أمانينا القلبية بقيت في قلبنا والذين كنت أتوقع العون منهم صاروا أعداء.قد فسدوا إلى درجة أني لا أراهم ينصلحون، وا أسفاه! قد ترقبنا شيئا ولكن ظهر شيء آخر تماما.لمن نبوح بقصة ألم يعتصر قلبنا؟! الناس ينفرون لقائي، دع عنك أن يسمعوا كلامي.إلي ؟! ماذا أفعل؟! وكيف أضحي بحياتي؟! وكيف للذين ينقمون مني أن يلتفتوا لقد ظهرت بفضل الله تعالى معجزات كثيرة، حتى طار صواب الشيطان برؤيتها.ولكن معظم المعارضين نبذوا الحياء والخجل، فهم عاكفون على الإهانة مع رؤيتهم مئات الآيات.ذو القلب الطاهر لا يحتاج إلى معجزات كثيرة، بل تكفي آية واحدة إذا كانت في القلب خشية الله.لقد طلع النهار لأعداء الدين، أما نحن فقد خيم الليل علينا، فاطلعي يا شمسى فإني جد قلق ومضطرب.إن كل ذرة من كياني فداء لك يا حبيبي، فاجعل العالم كله يُقبل إلي يا هادي الطريق.

Page 141

البراهين الأحمدية (۱۲۳) الجزء الخامس انظر من فضلك من هذا الذي يثير في زقاقك ضجة؟! فلو لم تأتني كصديق حميم لتلطخ رأسي بالتراب.انصرني بيد قدرتك وفضلك في هذا الوقت العصيب، لتنجو سفينة الإسلام من هذا الطوفان.أرجو أن تغض الطرف عن سُقمي وعيبتي كيلا يشمت بي العدو اللعين الذي يعادي الدين.أرجو أن تضمد جراحي فإني منكوب، واسمع ندائي فقد صرت في حالة يُرثى لها.لا أستطيع أن أرى ضعف دین المصطفى ﷺ، فاجعلني يا ربي القدير ناجحا منتصرا.هل ستواريني التراب قبل أن أفوز بالمرام، لا أتوقع ذلك منك يا حصني الحصين.يا إلهي، ارحم الإسلام وأنقذه بيدك، واسمع الآن نداء ركاب هذه السفينة المتكسرة.الفسق والفجور والمعصية في قمتها في القوم، وسحاب اليأس سائد والليل حالك.لقد مات عالَم دون الماء الروحاني منك، فحوّل يا رب موجة البحر إلى هذا الاتجاه.لم يعد صوابي سليما في هذه المصائب فارحم عبادك ليتحرروا منها.لا أدري كيف أعالج هذه المصائب، والآفات الشديدة منتشرة في كل حدب وصوب.هذه السفينة على وشك الغرق، فتعال أيها الربان، وقد حل الخريف على القوم في وسط الربيع.

Page 142

(١٢٤) البراهين الأحمدية الجزء الخامس لقد تلاشى نور القلب وصارت العقول سطحية، وكل قلب مطمئن بزيغه.من حسبناه تقيا وقطرة صافية، وجدنا فيه أيضا ألف دودة حين فحصناه بدقة.عندما نظرنا بمنظار المعرفة وجدنا الرجس في كل جانب، وقد أباد هذا الوباء ثمار أغصان الإيمان كلها.يا ربنا لا يمكن ريّ هذا البستان بغير فضلك، فقد احترق بستان التقوى وصار الدين مقبورًا.یا حبيبي لا يمكن أن يتم الآن شيء إلا بيد قدرتك، وإلا فالفتنة متفاقمة في كل حين كسيل عارم.رب أر آية فقد صار الدين الآن بلا آيات فانظر إليه برحمة ليتراءى ربيعه.ماذا أقول عن أهل الدنيا؟! كيف ناموا ؟! وكم ينفرون من الحق ويحبون الكذب لقد وقعت الحجب على عقولهم مع مشاهدتهم مئات الآيات، فقد تنحوا عن النور وأحبوا أن يكونوا من أهل النار.لولا سوء الظن لانمحى الكفر، فويل لسوء الظن فبسببه فسد العقلاء أيضا.إن سوء الظن يجعل من الحبة قبّة ويجعل من ريش الطائر أسرابا.اتقوا الله أيها الناس لماذا تتجاوزون الحدود؟ ألا ترون نصر المتتالي؟! الله تعالى هل ترك الله عون الأتقياء ونصرتهم؟! ولماذا يحب فاسقا وكافرا؟! لماذا يُري هذا القدر من الآيات من أجل شخص سيئ السلوك؟! هل له قرابة مع الأشرار؟! هل غير الله الآن قانونه وسنته التي كان ملتزما بها منذ بدء الخليقة؟!

Page 143

البراهين الأحمدية (١٢٥) الجزء الخامس إذا فقئت عينكم فهل في آذانكم أيضا وقرّ؟! هل الله مخدوع وأنتم تعرفون حقيقة سري؟! من كان ادعاؤه مبنيا على افتراء ،محض لو حظى بالتأييد هكذا فما وجه التمييز بين الحق والباطل؟! هل كان الله ناسيا وأنتم أصبتم الحقيقة؟ وهل كان الله غافلا وأنتم اطلعتم على حالة مزرية؟! إن سوء الظن جعلكم مجانين ،وعميانا وإلا فالبراهين على صدقي تفوق الحصر والعد.حين تجتمع ظلمات الجهل وعاصفة سوء الظن يتلاشى الإيمان كالغبار.هل عاقبة تناول السم إلا الموت والفناء؟! إن سوء الظن سم فاجتنبوه يا أهل الدين.ذوو الظنون السيئة يبذرون الأشواك في طريقهم، وليس من شيمتهم الحياء والصبر والجلد.هذه السيئة هي أصل شقاوة البشر، ولكن من يقدر على أن يغير القدر المحتوم؟! نحن أقوياء ولا نبالي ببغض أحد، إن قلبنا قوي ونستطيع الصبر على الآلام.من كان الله فلا خير في معاداته وتحديه فلا تمدن يدك إلى الأسود أيها الثعلب الضعيف.إن الله الكريم معي في كل موطن، فلا ترصدوا لي أيها الأشرار.سنة الله تعالى أنه يُظهر الفرق بنفسه ليميز الطيب من أكل الجيفة.من أرى معيني من وراء الحجب، وقد سلّ سيفه على من يريد أن يهاجمني.لو رأى العدو الغافل تلك الساعد وذلك السلاح، لفقد صوابه ونسي وضغينته.بغضه

Page 144

البراهين الأحمدية (١٢٦) الجزء الخامس أليس لهذا الكون منصف ولا حاكم مغيث؟! فأين المفر إذا للظالم شرير النفس؟! لماذا تستغربون إذ جئتُ مسيحا؟! إن نسيم الربيع الحالي أيضا يقتضي مسيحا.إن في السماء ثورة للدعوة إلى الحق والملائكة نازلة على ذوي الطبائع السعيدة.إن طبائع أهل أوروبا ميالة إلى هذا الاتجاه، وقد بدأ نبض الأموات ينبض كالأحياء بغتة.إن أصحاب العقل والفطنة يودّعون عقيدة الثالوث، وأصبحوا يضحون بنفوسهم لينبوع التوحيد.لقد تفتح في بستان الملة ورد جميل، إذ قد جاء منه نسيم الصبا منتشيا كالسكران.إنني لأجد ريح يوسفي، وإنني لأنتظره لولا أن تفندون.إن عبادة الأوثان في انحطاط في كل بلد وفي كل جهة، و لم تعد لعبادة البشر عزّة ولا كرامة.لقد هب من السماء نسيم وحدانية الخالق عمل، فقلوبهم تؤيدنا ولو هذوا بألسنهم ألف مرة.اسمعوا صوت السماء: جاء المسيح، جاء المسيح، واسمعوا نداء الأرض أيضا: لقد جاء الإمام المنتصر.السماء تمطر ،الآيات وتنادي الأرض: "الوقت الوقت"، فهاتان الشهادتان تمتفان من أجلي كالملتلهف والملتاع.

Page 145

البراهين الأحمدية (۱۲۷) الجزء الخامس في هذا البستان وحده تجدون الآن راحة وسكينة، أدركوا الوقت وتعالوا سريعا أيها الهائمون في فلاة شائكة.لقد هب النسيم العليل بعد مدة مديدة والله أعلم متى ستعود هذه الأيام وهذا الربيع.فيا أيها المكذب، هل لتكذيبك حدود ؟! إلام تختار شيمة الشيطان؟! إن أساس ملة أحمد الذي وضعه الله المالك الحقيقي بيده، قد اكتمل اليوم أيها الأعزة.لقد صار بستان أحمد مهب النسيم العليل فبهبوبه يسمع البشر كلام الحبيب وعمل.وإلا فما أهمية ذلك الدين والملة والمذهب الذي لا يظلّه نور الله كالشمس؟! إن قلبي يدمى نظرا إلى ضغائن الناس إذ يهدفون إلى أن يدوسوا هذه الدرة اليتيمة.إننا نرتقي ونتدرّج إلى الأعلى في كل لحظة، وهم يدعوننا لنختفي في المغارات.لقد تلاشى نور قلوبهم و لم يبق من الدين إلا اسمه، ومع ذلك يقولون: ما فائدة مصلح الدين؟! يتغنون بأغنية لا تغنيها السماء، ولهم نيات تتعارض مع مشيئة الملك.وا أسفا! فقد صاروا للدين كحية في الكم، قد سمنت أبدانهم، وأما الدين فقد ضعف وهزل.لقد احدودب ظهري أيها الأصدقاء، نتيجة هذه الأحزان، ولولا فضل الله تعالى لمت منذ مدة.

Page 146

البراهين الأحمدية (۱۲۸) الجزء الخامس لا يعلم حرقتي إلا من كان في قلبه حرقة، ولن يشعر بألمي هذا إلا من كان جريح القلب.من يبكي حتى بكت السماء لبكائه، وأظلمت عين الشمس والقمر نتيجة الحزن؟ لا يستحيون من تسميتي مفتريا، أي نوع من العلماء هؤلاء وهم بعيدون من ذلك العالم؟! ما أدرى الأغيار طبيعة علاقتنا بالحبيب ؟ فقد صار لنا وقد أصبحنا له فداء.تارةً أنا آدم وطورًا موسى ،ويعقوب كذلك إبراهيم، فإن لي مظاهر عديدة.إنني شجرة حملت ثمارا ذات صفات داودية، فصرت داود، وصار جالوت صيدا لي.لولا اسم أحمد الذي عليه مداري كله لعلّقتُ على الصليب كوني مسيحا.أيها الأعداء، إننا نموت في سبيله كل حين ،وآن فأي فناء تنتظرون أن يحل بنا بعد ذلك؟! إن ذلك الحبيب كامن في كياني من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، فانتبه يا عدوّي قبل أن تهاجمني.كيف أثني على جمال الحبيب وماذا أقول؟! فقد جاوزت سيل النفس الدنية بتجل واحد منه.لقد ازدادت معرفتي حتى صرت كافرا في عين الذي هو بعيد عن فناء الحبيب وعمل.

Page 147

البراهين الأحمدية لقد استنارت عيني أيضا بنور ذلك الحبيب.(۱۲۹) الجزء الخامس كشفت ذلك الوجه المنير، وقد علي أسرار تعالوا إلى هنا يا أبناء القوم فها قد طلعت الشمس، لماذا تجلسون في وادٍ مظلم ليل نهار؟! أنا كافر وأنتم مؤمنون، يا للعجب! ومع ذلك ينصر الله، صديق المقبولين، كافرا ! ! من الغريب حقا أن الله كافرًا ينصر فقط ! مع أنه كان يجب أن يصادق المؤمنين "كرم" دين" الذي هاجمني ظلما وزورا، كان أيضا تقيا في نظركم.لم أكن دون معين بل حالفتني نصرة الله دائما، وظل وحي الله تعالى يبشرني بالفتح.ولكنه لم يعرفني لأن عينه كانت مغمضة، فلما تلقي العقوبة، فتحت عينه بالاكتحال.لقد بقي اسمه مسجلا في الدوائر الرسمية كذَّابا، ولا يسعه الآن أن يمحوه إلى يوم الحساب.قولوا الآن بالله عليكم من حظي بالنصرة من الله؟ ولماذا أخذ بالخزي من تحسبونه تقيا.ثم انظروا إلي بخشية الله لتروا كيف أنقذني حبيبي مرة بعد أخرى؟ لقد عزم الأشرار على قتلي وأطلقوا سهام المكايد، وصاروا مريدي الشيطان وذريته النشيطة.ثم صاروا فئة واحدة وأخرجوا كل ما في جعبتهم، ولكن لم تنجح أية خطة من خططهم.أنا دجال وملحد في نظرهم، وظلت جذوات نار تكفيرهم تتطاير باستمرار

Page 148

البراهين الأحمدية (۱۳۰) الجزء الخامس والآن فكروا بشيء من الأمانة في حقيقة الأمر؟! من ذا الذي تردّ يده هجمات العدو؟! لماذا لا تفكرون؟! ما هذه الحُجُب عليكم؟! إن قلبي يحترق كمدا على ذلك مئات المرات.لو كان ذلك من كيد الإنسان أيها الناقصون لكان الله تعالى وحده كافيا للكاذب.و لم تكن هناك حاجة إليكم ولا إلى مكايدكم بل لأبادني الله مالك الملك بنفسه.هو سبحانه وتعالى، لا ينصر الكاذبين وإلا لارتفع الأمان ولندم الصادقون.متى نال الكذاب نصرة الله إلى هذا الحد؟! ألا تخافونه حين تشنون الهجمات متجاسرين متسابقين؟! هل من كاذب في العالم نال تأييدات متتالية مثلي؟! فأتوا بنظير إن كنتم على ذلك من القادرين.لقد طلعت شمس النهار ولكنهم ما زالوا ،راقدين ينفرون من النهار ويحبون الليالي.يبغضون النور ويضحون بأنفسهم للظلام قد لا تجدون الخفافيش أيضا مثلهم ولو بحثتم بالجد والكد.إن الشمس طالعة على رؤوسهم ولكن أعينهم مغلقة، يموتون عطشا والنهر الزلال جار على باهم.إن حالة المنكرين لغريبة حقا، إن شغلهم الشاغل هو كيل السباب ليل نهار.ولو طُلب منهم أن يُسمُّوا كاذبين ينصرهم الله منذ سنين طويلة.لماتوا وهم أحياء وما استطاعوا جوابا، ولاصفرت وجوههم مثل المفجوع.

Page 149

البراهين الأحمدية (۱۳۱) الجزء الخامس ليس في نصيبهم ساعة واحدة من أجل الدين، وقد فتنوا بالدنيا لزينتها وجمالها.هل الإعراض عن الحق عمل يقتضيه الدين؟! هل هذا هو الزهد والتقوى وسبيل الأخيار ؟! هل قد حلفوا على ذلك أم في نصيبهم عُقدة؟! قد تركوا يوما منيرا وعشقوا ليلا حالكا.لقد تمت عليهم الحجة على طريق الأنبياء، وإن هجماتهم موجهة إلى الأنبياء جميعا.ما يوجهونه إلى بغضا يقع على الأنبياء جميعا، فهل سيخذلونهم جميعا ويختارون الكفر ؟! بتكفيري يطبعون على كفر أنفسهم، هذه هي صورتهم، أما أنا فلست إلا كالمرآة لهم.لقد بلغتُ بضعا وستين سنة، وتمر الآن السنة الثلاثون على ادّعائي بحسب العد والإحصاء.كنت قد بلغت من العمر أربعين عاما في هذه الدنيا الفانية حين تشرفت بالوحي الرباني.فهل قضيت كل هذه الفترة من حياتي في الافتراء، والأغرب من ذلك أن جرت لى من النصرة بحار.لقد وهبني عدو.لقد رزقني الله آيات في كل خطوة، وقد نزل ذو الفقار حجة الحق على كل الله ربي بفضله من النعم ما تبين به معنى أتممت عليكم.الظل أيضا ينفصل في وقت الظلام، ولكن الله كان رفيقا ومواسيا لي في كل موقف حالك.

Page 150

البراهين الأحمدية (۱۳۲) الجزء الخامس الكاذب لا يحظى بالنصرة إلى هذا الحد، وإن لم تؤمنوا فأتوا ببضعة نظائر.وإذا عجزتم عن الإتيان بنظير، فاتقوا المهيمن الذي هو مالك الدارين.من أين سمعتم أنكم متحررون ولا عقوبة عليكم ولو عصيتم ألف مرة؟! إن القول "إنا ظلمنا " سنة الأبرار ، فلا تنفثوا السم من أفواهكم فلستم من نسل الثعابين.إن غسل الجسم جيدا ليس صعبا، والذي يغسل القلب هو الطاهر عند الله.ارفعوا الحجاب قليلا وافحصوا إيمانكم، إنكم تكفّرونني وقد تكونون بأنفسكم من أهل النار.إذا كانوا يملكون شيئا من الحياء فليفكروا ما السر في أنهم يريدون ذلتي ولكنني أنال العزة والكرامة؟! هل استطعتم أن تضروني شيئا إلى اليوم بمكايد كم؟! قد جئتم كالثعبان ثم صر تم ضبا.يا أيها الفقهاء والعلماء، لا أفهم لماذا هذا البغض والضغينة مع رؤية هذا القدر من آيات الصدق عندما وجد أصحاب النبي الصدق تسابقوا في التضحية بأموالهم وأرواحهم وأنفسهم من أجله.فيا للعجب لعلمكم ونقدكم الأحاديث والآثار، ترون مئات الآيات ثم تفرون منها فرارا.لا جدوى من النقاش معكم إن لم تكن فيكم روح العدل والتقوى الذي هو مدار الدين.هل تتركوني من أجل شوكة دنيوية ؟! إلام تدوم شوكتها ما دامت الدنيا فانية بحد ذاتها؟!

Page 151

البراهين الأحمدية (۱۳۳) الجزء الخامس من ذا الذي يرزقني الفتح سرا في كل موطن؟! ومن الذي يُخجلكم كل حين و آن؟! قلتم عني إنه سيباد سريعا، وهو صيد حقير في أيدينا.ثم ما الذي حدث ومن أيدني حتى خسرتم وخابت آمالكم وفزت أنا في ، كل مرام؟! لقد أتى علي زمن كنت فيه خامل الذكر، وكانت قاديان أيضا خافية عن أعين الناس وكأنها داخل مغارة.لم يعرفني أحد و لم يكن لي مريد ثم انظروا كيف ذاع اسمي الآن في كل حدب وصوب.في ذلك الزمن أخبرني الله بذيوع صيتي وها قد تحقق الآن بعد مرور زمن طويل.افتحوا كتابي "البراهين" "الأحمدية ففيه هذه النبوءة فاقرأوها مرة.فكروا الآن قليلا هل هذا فعل إنسان؟! أي إنسان يقدر على مثل هذه الأمور الغيبية؟! بين قدرة الرحمن ومكر الإنسان فرق واضح، ومن لم يفهمه كان غبيا وحمارا من قمة رأسه إلى أخمص قدميه.فكروا أيها المفكرون، وأدركوا الوقت، واتركوا طريق الحرمان وترقبوا الرحمة.فكروا من كان ناصري دائما، وبأمر من فزتُ أنا بالمرام وما زلتم أنتم أذلاء مهانين؟! فليفهمني أحد، ما هذا الإيمان الذي ثمرته الحرمان والخزي في كل موطن؟! يشاغبون ويثيرون ضجة أنه كافر ودجال، أما أنا فأنفر من دينهم وإيمانهم.

Page 152

البراهين الأحمدية (١٣٤) الجزء الخامس إذا كان هذا هو الدين الذي يتبين من خصائلهم فلن أشتريه ولو بمليم واحد.نحن نفتدي ملة الإسلام بالقلب والروح ولكن المسلك الذي يسلكه أهل الضغينة ليس دينا.تبا لك يا جهل، فقد ظهرت بمظاهر عديدة، إذ يشنون صولا بعد صول لتأييد الكذب.لا تتبجح بإيمانك، فإنه ليس إيمانا أصلا لا تحسبه جوهرة بل هو ليس إلا حجر من الجبل.حين تظهر للعيان أرجاس إيمانكم عندها تلطمون أنفسكم بكلتا يديكم وتقولون يا ويلنا.هذا البيت موشك على الانهيار، انتبه يا مستكبر بسرعة، حتى لا يُدفن تحت أنقاضه أهلك وأقرباؤك.ما أشقاكم إذ قد أبلغتم الدعوة بقوة وشدة متناهية! ومع ذلك لا تكاد تزول عنكم نشوة كأس الغفلة.لا يعودون إلى صوابهم، فقد بذلنا في هذا السبيل قصارى جهودنا، لقد ناموا ولا يكادون يستفيقون.لقد حلت أيام عويصة إذ اجتمع القحط والوباء، ولكنكم لم تتوبوا بعد، فانتظروا العاقبة الآن.يا ويلتاه، يقولون إن وحي الله منقطع الآن، وإن مدار الأمة هو على القصص إلى يوم القيامة.هذا الاعتقاد يخالف قول الله العادل ولكن من سيضع عن نفسه الأغلال التي عليه منذ سنين؟!

Page 153

البراهين الأحمدية إن (150) الجزء الخامس الله يجعل اليوم أيضا من يشاء كليمًا، ويكلم اليوم أيضا من يحبه.لماذا تكسر جوهرة وحي الله ؟! عُد إلى صوابك، ففي الوحي وحده تكمن عظمة الدين وافتخاره.هذه زهرة ليس لها نظير في البستان ،كله وهذا عبير يفديه مسك بلاد التتر.هذا هو مفتاح تفتح به أبواب السماء، ومرآة يمكن من خلالها أن نرى وجه الحبيب عجل.هذا هو السلاح الذي يضمن انتصارنا هذا هو القصر الوحيد الذي هو حصن العافية.هذه هي الوسيلة في الإسلام لمعرفة الله، وليس لأحد أن يجتاز الطوفان بمجرد القصص.الله علامة معرفة هو الوحي من الحبيب.الله، من وجده بأتم الصفاء فقد ذلك وجد واها لحديقة الحب الذي طريقه الموت، وثمره وصل الحبيب، ولكنه محاط بالأشواك ! اللعنة الحبيب.من الأزل إلى الأبد على قلب لم يصبح كالمجانين في طلب ذلك ولكن الذين صاروا ديدان الأرض أنّى لهم أن يتحروه؟! لا ينال الدين إلا من يضطرب من أجله.من واجبنا أن نوصل دعوتنا إلى كلّ حدب وصوب، ولسوف يأتينا أخيرا من كانت فطرته سعيدة.اذكروا الأيام التي كان أركان الدين كلهم يقولون فيها بأن المهدي الذي وعد به الله على على وشك الظهور.

Page 154

البراهين الأحمدية من (١٣٦) الجزء الخامس كان لا يتمنى ذلك بكل شدة، ومن كان لا يحب هذا المقبل؟! وعندما حلّت تلك الأيام وحل القرن الرابع عشر صار أعلام الدين هؤلاء أول المنكرين.لقد عادت إلى الأحبار صفات اليهود، فصار أصحاب العباءات كلهم أعداء مسیح الوقت.هكذا كان مكتوبا في الصحائف منذ الأزل إلى الأبد، فكيف يمكن أن يمحى ما كان في قضاء الله وقدره وليس كنقش على الجدار؟! لقد جئت إلى هذه الدنيا كابن مريم، ولست مأمورا بالجهاد والقتال.ولو جاء أحد مثلما كانوا يتوقعون وشنّ الحروب وأعطاهم غنائم لا تُعدّ ولا تُحصى.لكان المجال لمهدي كهذا واسعا عند القوم، ولاجتمعوا حوله بمائة ألف في لمح البصر.لكن كان من مقتضى رحمة الله أن جئت أنا، ولو لم آت لنـزلت النار ولفقد الأمن والاستقرار.لقد نزلت النار أيضا حين قال لي القوم إنك كاذب وسيئ بعد أن رأوا كما هائلا من الآيات.من المؤكد أن هذه النار لن تزول إلى فترة من الزمن إلا إذا تابوا بكل تواضع وانكسار.هذا ليس أمرا مفاجئا حتى يُعالَج بسهولة، بل كل هذا الدمار والتبار هو بأمر من الله ذلك الإله الذي خلق الإنسان وأعطاه دينا، لا يرضى أن تكون عادتهم الإلحاد.مي

Page 155

البراهين الأحمدية (۱۳۷) الجزء الخامس إن هذه الدنيا الدنية بدون معرفة الله والزهد والتقوى والأمانة والصفاء، ليست إلا غابة يتصيد فيها الطاعون لا تكونوا صيد الطاعون وكونوا متقين كاملين، فالإيمان باللسان فقط لا يفيد شيئا.إذا كنتم لا تخافون الموت بأنفسكم فارحموا أولادكم على الأقل، واسلكوا طريق الأمن ولا تختاروا طريق الفلاة.يا سكان الفلاة لستم أناسا قط، فمنكم من هو ثعلب أو خنزير أو ثعبان.يا ربي القدير غير هذه القلوب بقدرتك، أنت رب العالمين وحاكم الجميع.المحو أو الإثبات ليس مستحيلا عليك، والجبر والكسر كله ممكن لك.تستطيع أن تصلح الأمور الفاسدة بفضلك إذا أردت، وتستطيع أن تمزق إربا في لمح البصر ما صلح.أنت الذي تصلح ما فسد وتفسد بعد ما صلح، لا يدرك أحد أسرارك مهما فكر وتدبر.لو سادت القلب ظلمةُ العصيان لما استنار دون فضلك ولو طلعت ألف شمس.إن أمنية التحرر في هذا العالم أمنية لا طائل من ورائها، إن أسر حبك وحده يضمن التحرر.ما حقيقة قلب يخلو من ذوبان العشق القلب هو الذي لا يستقر له القرار دون الحبيب الأوحد.أول خطوة في طريق الزهد هو نفي المرء وجودَه، فأفنوا هذه النفس من أجل الحبيب.تكون الثمرة مُرّة ما لم تنضج كذلك حال الإيمان ما لم يصحبه كامل.

Page 156

البراهين الأحمدية (۱۳۸) الجزء الخامس إن حبي لوجهك الكريم قد أقلق قلبي كثيرا، فيا فردوسي الأعلى أنزل عليّ الثمار الآن.يا إلهي يا شافي الآلام أنقذنا بنفسك، ويا مرهم جروحي أنظر إلى قلبي الجريح بتحنن.لقد رأيتُ في بستان حبك ثمارا عجيبة، بالكاد ينال مثل هذا التفاح والرمان.لا حقيقة قط لهذه الحياة بدونك يا حبيبي، فالأفضل من هذه الحياة أن يموت المرء ويصير غبارا.لولا لطفك لكانت العبادة كلها دون جدوى، إن كل جهد وعمل يعتمد على فضلك البحت.الذين يحيط بهم فضلك بعيدون عن السيئات، فإن قواهم تجري في سبيل الحق باستمرار.الذين أسروا في حبك تحرروا من الشيطان والذين فقدوا الأوراق والثمار من أجلك حظوا بالربيع.العطش لوجهك الكريم خير من أي عطش ،آخر من كان قلبه يحترق به الماء.ينال بسببه شلالا من من كان مشتاقا إليك بإخلاص وجدِيّة وصل إليك أخيرا، ومن كان مضطربا من أجلك وجد القرار في النهاية.إن من علامات العشق البكاء والتيه في الفلوات فطوبى لعين تذرف من أجلك.لا يشقى أحد في حضرتك، ولكن الشرط لسلوك هذا السبيل هو الصبر وعدم إظهار الهلع.

Page 157

البراهين الأحمدية (۱۳۹) الجزء الخامس لقد جئتُ بأمر منك، ولكن من المؤسف أن ريحا تهب وتوقع الخلل في فصل الربيع.لقد تهافت أهل الدنيا على جيفتها كليا، فتبا لحياة آكلي الجيفة.من ترك الدين من يده ضاعت دنياه أيضا، ولا راحة لأحد إلا من كان عاشق الحبيب ومحبه.لا صبغة أحسن من صبغة التقوى، إنها هي الحلية للإيمان وزينة الدين.لا ضياء إلا بوجه الحبيب وإن طلعت مائة شمس هذه الدنيا ليلة مظلمة وحالكة دون وصل الحبيب.أنت الوحيد الذي لا نظير له في العالم إن المجنون في حبك هو فيا حبيبي الفطين في الحقيقة.إن ترك هذه الدنيا شيمة عشاقك فقط، إنهم ينالون نقدا بينما يبقى الآخرون في انتظار.من الذي يمكن أن تتطهر أعماله دون أنوار العشق؟! وهل يكون وفيا إلا من كان قلبه جريحا؟! لماذا يموت أحد من أجل الأغيار ؟! ومن يسعه أن يصير مجنونا في هذا السبيل ليل نهار؟! من له أن يترك النوم الهادئ والأكل والشرب ؟! ومن سيأخذ أشواك السمرات تاركا قلائد الزهور؟! بالعشق وحده تعبر هذه الفلوات الخطيرة كلها، العشق وحده يُخضع رأس العاشق تحت السيف البتار.من المؤسف أن الذين كانوا يصفون الدنيا بأنها دار فانية قد مالوا إليها ميلا.

Page 158

البراهين الأحمدية (١٤٠) الجزء الخامس كل من نظرت إليه اليوم وجدته فريدا في الحذلقة واحسرتاه! قد رحل من كانوا أهل التقوى.إن وعظهم على المنابر كله مليء بالشتائم ولا شغل لهم في المجالس إلا السباب والغيبة.أينما ننظر نجد الدني صارت هدفهم الوحيد، فيرغبون فيها مرارا وتكرارا و في كل حدب وصوب.لو وخزنهم شوكة بسيطة من أجل الدين، لصرخوا وفروا منه فرار الحمار من الأسد.ولو فشلوا في شيء لشكوا دائما، لا هم لهم للدين بل يحزنون من أجل الدنيا فقط.فليقل الناس ما يحلو لهم ولكن حالتي تختلف سلّ مائة ألف سيف.أخبرني يا حبيبي يكون يوما سعيدا.عنهم تماما، أنا فداء لحبيبي ولو كيف أرضيك، فاليوم الذي أضحي فيه بنفسي من أجلك كما أنك بعيد عن الناس كذلك إني بعيد منهم لا يدرك أحد أسرار قلبي.إن حسن الظن طريق صلحاء القوم ، ولكني مستور عنهم في مائة حجاب ولست ظاهرا.إن الذين يصفونني صالحا أو طالحا كلاهما يجهلون حقيقي، فهم لا يعرفون عن سريرتي شيئا.أنا ابن مريم ولكن لم أنزل من السماء، وأنا مهدي أيضا ولكن بدون السيف والحرب.

Page 159

البراهين الأحمدية (181) الجزء الخامس لا رغبة لي في البلاد ولا علاقة لي بالحروب إن مهمتي هي فتح القلوب وليس فتح البلاد.مبارك لقيصر عرش الهند وتاجها دائما، إذ أجد في ظل حكومته فرصة لإنجاز مهماتي.ما لي وللبلاد؟! فإن بلدي يختلف عن الجميع، ما لي وللتيجان؟! فإن تاجي هو رضوان الحبيب.نحن نسكن في الأفلاك فما لنا ولهذه الأرض، أنى لسكان السماء أن يعادوا الأرض؟! لا نظير للملكة الروحانية، مع أنه قد مضى في الدنيا كثير من الأمراء والملوك.إن طلب عزة الدنيا وجاهها وصمة اللعنة فمن شاء فليصم نفسه بهذه الوصمة.ما لنا ولهذه العزة وذيوع الصيت، إن مائة عِزّة فداء للذلة إذا رضي بها ذلك الحبيب.لقد صرنا للذي صار لنا، لقد تركنا الدنيا الدنية ووجدنا ذلك الحبيب.إنني أرى قلبي عرش ربّ العالمين، لقد زاد القرب حتى حلّ ذلك الحبيب في شخصي أنا.يا لها من صداقة أن يحترق بسببها أحد الصديقين من أجل الآخر، نتيجة غلبة الحب على قلبيهما.انظروا إن في الحب والألفة تأثيرا غريبا، إن قلبا يخضع ويصيد قلبًا آخر.ما من سبيل أقرب من سبيل الحب، بسببه يعبر السالكون آلاف الفلوات الشائكة.

Page 160

البراهين الأحمدية (١٤٢) الجزء الخامس له.أيها الأحبة هذا هو السر للوصول إليه، وإنها كيمياء تنالون بها ذهبا لا حصر إن الحب لا تطيش سهامه فحذار أن تتقاعسوا في الرمي أيها الرماة.هذه هي النار الوحيدة التي تُنقذكم من النار، وهذا هو الماء الذي تتدفق منه مئات الشلالات.فيلاقيكم ذلك الحبيب الأزلي بنفسه، وستلبسون منه قلائد الزهور نتيجة معرفة الحق.هذا ما يبشِّر به الطالب مرارا وتكرارا ذلك الكتاب المقدس والعظيم الذي اسمه القرآن.الذين ينكرونه جهال إلى أقصى الحدود، فكيف نسميهم حمق الحمار؟! أناسا ما دام فيهم هل هذا هو فضل الإسلام على الأديان الأخرى، إذ قد جعلوا مآل أمر الدين كله قصصا؟! هل جوهر الفرقان المطهر يؤدي إلى قشرة الزهد هذه! هل تمخض الجبل فولد هذا الفأر؟ لو كان هذا هو الإسلام لهلكت الأمة كيف يمكن الوصول إلى الصراط إذا أظلم الدين ظلاما حالكا؟! لماذا عبستم كاليائسين؟! إن أبواب الفيض مفتوحة، فما عليكم إلا أن تمدوا أيديكم.أي نوع من البشر أنتم إذ ترون مائة آية ولا تزالون مصرين على التعنت والتعصب والبغض والضغينة نفسها؟! لقد تحققت الوعود كلها ولكنكم ما زلتم ،ناقصين تسكنون في البستان ومع ذلك ليس في نصيبكم ثمار الدين.

Page 161

البراهين الأحمدية (١٤٣) الجزء الخامس انظروا كيف تحققت كل الأنباء التي كانت تبدو بعيدة عن العقل والفهم والفكر؟! تفكروا، ما كانت حقيقتي في ذلك الزمان الذي نشرت فيه إعلانا عن "البراهين الأحمدية"؟! ثم تفكروا، كيف انتشر اسمي الآن؟! وكيف ذاع صيتي بسرعة هائلة في البلاد كلها؟! من كان يعرفني؟ وأي احترام كنت حائزا عليه بين الناس؟ وأية فئة كانت تحبني وتخلص لي؟ كانت دواعي إقبال الخلق هي المال والعلم والحكم، والانتماء إلى عائلة الصوفية كان سببا آخر للعزة والاحترام.ولكني كنت محروما من هذه الأشياء الأربعة كلها، وكنت بعيدا أيما بعد أن يُذكر اسمي.من ثم سميتُ كافرا وأصبحت مطعون الخلق كلهم، وقد أدّت فتاوى التكفير إلى زوال مصداقيتي.ومع كل ذلك تذكر ربي ،وعده، وجعلني مرجعا للخلائق ومدار الدين.وقد أحبط كل المكايد التي نسجت لتدميري وجعلها هباء كالغبار.تفكروا قليلا هل هذا فعل الإنسان؟ فليأتني أحد بنظيره إذا كان يريد أن يهاجمني.إن مكر الإنسان يمحوه إنسان آخر، ولكن من يستطيع أن يوقع الخلل في أفعال الله ؟! إن وجه المفتري يسود أخيرا في الدنيا، وإن أمر الافتراء يتشتت سريعا.إن فترة الافتراء لا تطول أبدا لتصير مثل مدة فخر الرسل وفخر الأخيار.

Page 162

البراهين الأحمدية (١٤٤) الجزء الخامس قلبي مليء بالحسرات على إنكاركم، وسحابها المتراكم يغزو القلب ويغشاه مرة بعد أخرى.ما أغرب هذه الأعين التي لا ترى حتى الشمس! لم يترك لهم العقل والفكر والتأمل شيئا.الحسد من لقد بانت شقاوة القوم من هذا التمرد ، ولكن لا يحدث إلا ما كان مكتوبا في القدر.أجد في القوم من هم ديدان الأرض، لا هدف لهم في الحياة إلا الشهوة والخمر والقمار.إن أمورهم تجري بالمكر والخديعة ليل نهار، ولقد حملتهم النفس والشيطان كما يُحمل الظعن.إن أقدامهم تزل في أمور الدين، ولكنهم أبطال ونشيطون في أمور الدنيا.لم يعد لديهم أدنى اهتمام بالحلال والحرام يأكلون الجيفة إلى التخمة دون أن يتجشأوا.يتبجحون بزهدهم وصدقهم وقلوبهم مليئة بالذنوب يتباهون بالشرف باللسان ولكن قلوبهم منحطة كالأسافل.يا أيها الأعزة إلام ستجري سفينة ورقية ؟! ولسوف تغرقون يوما وأنتم تذرفون الدموع.في الموت تكمن الحياة الأبدية، والطريق إلى بستان الحبيب ممهد بأشواك في واد الغُربة.يا إلهي إني ضعيف فارفعني بيديك، لا قوة لي فاحمل أوزاري كلها بنفسك.أرى تجليات عظمتك في كل حين ،و آن وبعد رؤية قدراتك وجدتُ العالم كله كالميت.

Page 163

البراهين الأحمدية (180) الجزء الخامس آن.التجليات العظيمة التي أظهرتها لنصرتي تمثل أمام عيني في كل لحظة وفي كل لقد أثبت صدقي يا ربّي بطريقة غريبة، إن نفسي فداء لك وأعمالك العظيمة.إن في حسنك وجمالك مزية عجيبة، فقد جعلتني نشوانًا بجلوة واحدة.يا حبيبي إن قومي غارقون في الضلال ولكن لا يُستبعد عن قدرتك أن ينصلحوا.إنهم يسمونني كافرا، ولو لم يكن اجتناب الكذب تعليم الدين لسميتهم مؤمنين.6 يا ،واعظي لقد نظر إلي حبيبي بتحنن و لم ينظر إليك، تبا لإيمان كان الكفر خيرا منه مائة ألف مرة.إن روضة آدم التي كانت ناقصة إلى الآن قد اكتملت بمجيئي مع ثمارها وأوراقها.تماما.إن الله الذي أعطى النبي الذهبا خالصا، يصوغ حلية الدين الآن كالصائغ لقد بين الله أنه لا إكراه في الدين، بل الدين يجذب القلوب إلى نفسه كما يجذب الحبيب الجميل الوجه.هذا هو السر الذي بسببه منع الله الجهاد ليزيل من سبيل الدين الغبار الذي علا من قبل.يُري المنكرين مزايا الدين الذاتية فيخجل إزاءها الذين يهاجمون الإسلام.أي القتال العدواني.(المترجم)

Page 164

البراهين الأحمدية (١٤٦) الجزء الخامس يقول الأغبياء من أهل أوروبا إن هذا النبي ليس كاملا، وإن نشر الدين في الوحوش ما كان صعبا.ولكن تحويل الهمج إنسانا معجزة كبيرة، ومن هنا يتبين سر حقيقة النبوة.جاء بنور من السماء وكان نورا بنفسه ولا عار إن ولد في قوم همجيين.لا فرق في ضوء الشمس الطالعة سواء أطلعت على تخوم الروم أو على زنجبار.يا أيها الأحبة تعوّدوا الصبر والجلد، ولو أفشى هؤلاء الناس ريحا خبيثا فافشوا أنتم المسك والعنبر.$ 11 فاقتلوا النفس إذ لا عدو ألدّ منها، فإنها تخلق أسباب الدمار رويدا رويدا.من وطئ النفس الدنية تحت الأقدام بالجهد والسعي، فلا يذكر أمامه رستم" ولا "أسفنديار".أدعوا لهم بعد أن تسمعوا منهم شتائم، ووفّروا لهم الراحة بعد أن تنالوا منهم.الأذى، وإذا رأيتم منهم عادة الكبر فعليكم أن تبدوا التواضع.لا تقلقوا إذا سبّوكم كل حين ،و آن دَعُوهم لينشروا مثل هذه الإعلانات.التزموا الصمت بعد أن تروا الظلم في محلاتهم، لا تشتكوا، وإن ضربوكم وتركوكم في حال يرثى لها.وإذا رأيتم غيظ الناس وغضبهم فلا تحزنوا، فإن مطر الربيع يقتضي لنـزوله شدة الحر.إن شغلنا في أعينهم هو الافتراء فقط، ما أشنع هذه الفكرة، الله أكبر !! لقد جعلنا كبدنا دمًا من أجل مصلحة العالم كانت حربنا أيضا بنية الصلح وتهربا من البغض.

Page 165

البراهين الأحمدية إن سوء (١٤٧) الجزء الخامس الظن بصاحب القلب الطيب علامة الشقاوة، إن عيونهم مغلقة الآن ولكنهم سيرون أخيرا.من ناحية يقولون بأن الكاذبين لا يزدهرون، ثم يكذبونني بعد أن رأوا ثماري.لقد تعامت عينكم بعد أن رأت كل شيء، فاخشوا أيها الناس يوم الحساب إنكم تملكون عقلا، ففكروا ما السر في ذلك؟! كيف يمكن أن يصادق الله القدوس كاذبا؟! لماذا يحالفنى هذا اللطف من الله ؟! لا شك أن في ذلك سرًّا؟! إن فعل الله هذا ليس دون سبب قط.لقد وهبني الله ينبوع التوحيد المقدس، ليزرع مجددًا في حديقة الدين زهورا وورودا.على كتفي رداء وهبنيه ذلك الحبيب، فانزعه عني أيها المنكر إن استطعت.إن سوء الظن إلى هذا الحد بالوقاحة ليس مستحسنا، وخاصة في أيام فيها ضجة القيامة ثائرة.إن طوفان غضب الله ثائر بشدة، ولن ينجو منه إلا من ركب سفينة نوح.تعالوا إلي بصدق ففيه خيركم الوحوش الضارية منتشرة في كل حدب وصوب، وأنا حصن العافية.أنا دعامة جدار الدين، وأنا مأمن الإسلام ولا يمكن للعدو أن يتسور هذا الجدار.لماذا ازداد الجاهلون في سوء الظن إلى هذا الحد، هل حلت بهم أيام سيئة أم ضُربت عليهم اللعنة؟!

Page 166

البراهين الأحمدية (١٤٨) الجزء الخامس بقيت في قلبي ،حسرات ليتهم يفهمون شيئا، عجبا منك يا شيطان فقد جعلتهم صيدا لك.يا من كان سوء الظن هو شغله الشاغل، أين فقدت صفتك الأخرى؟! أي إحسان الظن أيها الفطن!! إذا كنت كذابا فسأنال عقوبة الكذابين، أما لو كنت صادقا فما عذركم يوم القيامة؟! انظروا إلى تعصبهم، أنا فداء للإسلام وهم مازالوا يكفّرونني مرارا وتكرارا.أنا ذلك الماء الذي نزل من السماء في وقته، وأنا ذلك النور الرباني الذي به أشرق النهار.يا حسرة عليهم! أين اختفى تقاهم الذي كانوا يدعونه؟! إلى أين صرف هادئ نفسهم الدنية زمامهم؟ الأعمال التي أراها لي ذلك الخلاق، هل يمكن أن ينجزها المفتري، صديقُ الشيطان؟! لقد تبلل وجودي من البكاء ألما، ولكن ما زال الجفاف مستوليا عليكم مع حالة يُرثى لها.يا ويلاه! ماذا حدث؟! كيف خارت عقولهم؟! وقد أظلم النهار المشرق أمام أعينهم.أو سببه عائد إلى وبال ذنوبهم المستورة، فتعطلت العقول وصارت مثل الأموات؟! إن إثم عامة الناس على رقاب الذين ضلّت القلوب بسبب وعظهم.لقد رقدوا ولم يستفيقوا إلى الآن، ونسوا حتى صار النسيان يلازمهم ملازمة القلادة الجيد.

Page 167

البراهين الأحمدية (189) الجزء الخامس إن بذر بذرة السيئة في البشر ،ظلم والسيئة تعود دائما إلى من يبذر بذورها.لقد تركوا الفرقان وتمسكوا بآثار تعارضه وحملوا عبثا صحيحي مسلم والبخاري العبء كله.ما دامت هناك إمكانية الكذب والاعوجاج في الأخبار فمن الحمق الاعتماد عليها كليا.ما دمنا قد رأينا نور الحق بأعيننا، وقد أخبر به الوحي الإلهي مرارا وتكرارا.فلماذا نترك اليقين ونتبع الظنون؟! قولوا بالله عليكم هل المعاينة أفضل أم المنقول الذي يعلوه الغبار؟! حدثت الفرقة في الإسلام بسبب كثرة المنقولات، مما يبين أن طريق المنقولات غير جدير بالثقة.كانت للنصرانية.أخطاء المنقولات عقيدة حياة المسيح، وبها صار الإسلام خادما من لقد حلت بالإسلام مئات آلاف الآفات، وقد استولى تلاميذ الشيطان على الدين.لقد شهد الله بموت عيسى بكل وضوح، فما أهمية الأحاديث التي تخالفه؟! إنها قابلة للتأويل، إن ظُنّ أنها صحيحة، فهل يجوز أن تهاجموا القرآن من أجل الأحاديث؟! إن الله الذي أكرمني بالآيات، لايزال يؤيد الفرقان مرة بعد أخرى.الطموا وجوهكم ورؤوسكم، إذ لا ينزل أحد من السماء، وقد بدأت الألفية السابعة من عمر الدنيا.لقد ثبت من الكتب السابقة والأحاديث الصحيحة أن عمر الدنيا بدءا من آدم العلا هو سبعة آلاف سنة.وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في آية: ﴿وَإِن يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ

Page 168

البراهين الأحمدية (10.) الجزء الخامس ولقد أشرف الدين على الانقراض منتظرا مجيئه، فهل سيأتي ليرى مقبرة الدين فقط ؟! سفينة الإسلام موشكة على الغرق إن لم يتداركها فضل الله، فاعمل أيها الجنون عملك فإن محاولات العقل كلها عديمة الجدوى.یا رب ارزقني حماسا وحرقة فوق العادة حتى أصير حزينا على الدين كالمجنون.أشعل في قلبي لمواساة الملة نارا يبلغ لهيبها عنان السماء في كل حين وآن.يا إلهي فدتك كل ذرة من كياني، أرني ربيع الدين فإن عيني تذرفان دموعا.انظر إلى ضعفى بتحنن يا عالم الأسرار، فإننى جدّ قلق من أجل مهمة أو كلتها إلي.فارحم واصرف الناس إلى الفرقان ووفقهم ليفكّروا قليلا ويتدبروا.الفرقان هو الكتاب الوحيد المنزه عن الشك والريب، ومع ذلك يهجرونه ويختارون ظنا غالبا.ولو قدمتُ المنقولات أيضا لما بقي للعدو مهرب.كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (الحج: (٤٨) ولقد ألهمني الله تعالى أن المدة التي مضت من زمن آدم العلا إلى زمن النبي له بحسب التقويم القمري هي بقدر ما يتبين من أعداد هذه السورة (سورة العصر) وفق حساب الجمل.فمن هذا المنطلق نحن الآن في الألفية السابعة منذ زمن آدم بحسب التقويم القمري، وتدل على نهاية الدنيا.وهذا العدد الذي من أحرف "سورة والعصر" بحسب حساب الجمل يُطابق تقريبا حساب اليهود والنصارى أيضا بالتمام والكمال غير أنه ينبغي الانتباه إلى التقويم القمري والشمسي.ويُستنبط من كتبهم أن ظهور المسيح الموعود ضروري في الألفية السادسة التي انصرمت يُستنبط منذ سنوات عديدة منه."

Page 169

البراهين الأحمدية (101) الجزء الخامس كان البستان ذابلا وسقطت الثمار كلها، فجئتُ بفضل الله ونشأت الثمار من جديد.إن "مرهم عيسى" شفى عيسى وحده، شفى عيسى وحده، أما مرهمي فسيشفي كل البلاد والأمصار.كانوا يتطلعون إلى النور من ثغرات في الجدار، ولكن صاروا كالخفافيش حين فُتحت الأبواب.الكنوز التي كانت مدفونة منذ آلاف السنين، أوزّعها الآن إن كان أحد من الطالبين.لقد صار هؤلاء الناس للدين كالثعابين المستورة في العُب فقد أرضوا الأعداء وأسخطوا الحبيب.يرفعون ضجة بأنه كافر ودجال، وعدّوا الطيب نجسا، وبذلك صاروا آكلي الجيفة.مع أجلهم.أنهم قد ابتعدوا عني حاسبين إياي كافرا فإني حزين وقلبي جريح من أن قلوبهم قد تحجّرت، ولكن يمكن أن تخرج نار التدين من الحجارة صحيح أيضا.مهما كانوا قساة القلوب، إنني لستُ يائسا فالآية لا تيأسوا تقوي قلبي دائما.إن شغلنا هو البكاء في حضرة ربنا ذي المنن هذه الأشجار سوف تثمر يوما نتيجة الري من هذا النهر.لقد أنكر الذين جاء مسيح الوقت فيهم، وقد مات خيار البلاد كلها في انتظاره

Page 170

البراهين الأحمدية (١٥٢) الجزء الخامس لا أقول إنني أكثر قداسة من الجميع، ولا أقول بأن هذه ثمار أعمالي.ما كنت أعلم عن هذا الادعاء شيئا، فاقرأوا البراهين الأحمدية لتستيقنوا.وإذا قال أحد إن هذا المنصب يليق بقريش وحدهم، فليسأل الله لأن هذا الأمر ليس من عندي يكفيني الله وحده ولا أبالي بالمناصب فإذا استطعتم فليكن منكم مهدي بأمر من الله.الافتراء لعنة وكل مفتر ملعون، وكذلك ملعون من يبغض الصادق.واأسفا، أنتم جالسون عطاشى على حافة النهر الزلال، والنهر الزلال جار في أرض الهند.فكروا في هذه الآيات ممن هي؟! وما حاجتكم إلى أن تستشيطوا غضبا كالمجانين.لا تكونوا محرمين عند الله دون سبب أيها المنكرون، هذا عملُ الله وليس من صنع المفتري.هذه الفتوحات الواضحة وهذه الآيات المتتالية، هل هي بوسع البشر؟! أم هي من كيد المكارين؟! ألا يُثبت صدق قول الله تعالى ذيوعُ الصيت بهذه السرعة الهائلة بغتة بعد سنوات طويلة؟! عودوا إلى صوابكم وفكّروا قليلا، هل هذا أمر عادي يذكره كل شخص وفي كل بلد؟! لقد ظهرت على يدي إلى الآن آلاف الآيات من الله تعالى.فأظهرت لي الأرض آيات وكذلك السماء.فقد ظهرت في الأصدقاء وفي الأعداء أيضا، ويشهد عليها مئات آلاف الناس.ولو أحصيت واحدة واحدة وبدقة لبلغ عددها ما يقارب مليون آية.فالحمد لله على ذلك.منه.

Page 171

البراهين الأحمدية (107) الجزء الخامس لقد ضاعت جهودكم وتمت عليكم الحجة، قولوا الآن يا أيها المنكرون، من وقعت عليه ضربة اللعنة؟! أنا عبد في حضرة الله وليس لي إلا العبودية لستُ راغبا في انتصار ولا أهاب هزيمة.لا تهذوا كثيرا فإنه لا يرى القلوب، هو ينظر إلى طهارة القلوب، لا إلى زخرفة الأقوال.واأسفا على عقولكم كيف خارت، إن الدين واقع في أنياب الذئب وأنتم تجانبون الذئب.تهوي الفؤوس على دين أحمد من كل حدب وصوب، ألا ترون الأقوام وصولا تهم؟! هل من عين لا تذرف الدموع بالنظر إليه؟! وهل من قلب لا ينخلع من أجله؟! إن الدين معرّض اليوم لضربات الأقوام، وإن منارة الإسلام العليا في تزلزل.ألم يصل دوي هذه المصيبة إلى عرش الله تعالى؟! هل ستغيب شمس الدين في الغار؟! هناك حرب روحانية جارية بين هذا الخادم والشيطان، إن قلبي يضيق يا ربّ لأن المعركة شديدة.كل نبي أنبأ عن هذه الحرب، وقد دعا الله جميعهم بعيون دامعة.يا رب ارزقني الفتح على الشيطان برحمتك، إنه يجمع جيوشه بكثرة لا تعدّ ولا تُحصى.هذه الحرب أشد من حرب روسيا واليابان أنا ضعيف ومقابلي عدو قوي.يكاد قلبي يخرج من الجوانح حين أفكر في هذه المعضلة، فيا ملاذ روحي، أنزل فوج الملائكة.

Page 172

البراهين الأحمدية (102) الجزء الخامس أنى لي أن أرتاح على فراش وثير في هذه الأيام الحرجة؟! فكل نهار أصبح أسوأ من الليلة الليلاء بسبب الحزن.لقد صار العالم كله في قبضة جيش الشيطان، لقد تأزم الوضع فأرني قدرتك يا حبيبي.لا فائدة الآن من الاستعانة بذرية الإنسان فإني أتضرع في حضرتك يا ربّ.لماذا سينصرون؟! وما علاقتهم بالنصرة؟! إذ قد صرت كافرا في نظرهم مرارا.أستغرب من حالة القوم أيما استغراب مرة بعد أخرى، لماذا لا يرون ما هو واضح؟! أشكر الله على أن تضرعاتي وآهاتي لم تذهب سدى، فبعضها تحوّل إلى الطاعون وبعضها إلى الزلازل.فمن ناحية يحصد الطاعون السفاك البلاد حصدا، ويقع فريسته مئات آلاف الناس.ومن ناحية ثانية وقع يوم الثلاثاء زلزال قدّم نموذج القيامة بما صنع من هول ودوي.فقد رحل من هذا العالم ألوف من الناس في لمح البصر، وأنى لي أن أحصي بيوتا انهارت؟! كانت في يوم من الأيام منازل مرتفعة وزينة للجالسين، ثم تحولت فجأة إلى أنقاض ملؤها الغبار.لقد حل دفعة واحدة ما يسمّى يوم الحشر، كان صوت الموت والاضطرار صاعدا من كل مكان.لقد دفنت عدة قرى ومدن تحت الجبال ومات مئات آلاف الناس وغادروا الدنيا.

Page 173

البراهين الأحمدية (100) الجزء الخامس لم تلن قلوبهم بعد رؤية هذه الآية أيضا، الله أعلم أي حشر ينتظرونه.والذين كانوا يسمون أنفسهم صوفيين سبقوا الجميع في البغض، هل ترك "الشيخ الغزنوي" هذه العادة تذكارا؟ يقولون للناس: نحن من زبدة الأبرار، وينزل علينا أيضا رذاذ الوحي من الرحمن.ولكن هؤلاء الملهمين القليلي الفهم صاروا أول الأعداء، كأنهم تلقوا أمرا بالتكفير من السماء.جميع الآيات صارت عديمة الجدوى أمام بغضهم، وقد نفذ قلوبهم.سهم العناد لا ينتبهون إلى قدرة الله الستار أبدا، كلما حاولنا أن نُسمعهم ظلوا يعزفون على قيثارتهم.يا أيها الصوفي، لم يعد لك ولا لتباهيك أية قيمة، فقد نزلت لي شهادة من السماء مرارا وتكرارا.من مقادير الله أنكم أيضا صرتم أعدائي، بعدما كنتم تحبونني كثيرا، وقد بلغتم من البغض منتهاه.قد محوتم من القلب جميع آثار الصحبة القديمة كنتم زهورا إلى مدة، أما الآن فقد صرتم أشواكا.قد نسيتم رصيد التعارف بيننا كله، آه! ما الذي جرى لقلوبكم؟! فقد القلب.صرت لذلك جريح إن في السماء ضجة وأنتم عنها غافلون كان النهار منيرا ولكن ساده غبار مفرط.

Page 174

البراهين الأحمدية (107) الجزء الخامس إن آية ستظهر بعد أيام من اليوم (أي من ١٥ نيسان ١٩٠٥م) وتمرّ القرى والمدن والمروج.سيحدث انقلاب على الخلق نتيجة غضب الله، لدرجة أن يتعذر على عار أن يلبس إزاره.سيهتز بالزلزال البشر والشجر والحجر والبحار دفعة واحدة وبشدة متناهية.ستنقلب الأرض رأسا على عقب في لمح البصر، وستجري قنوات الدم جريان النهر.الذين كانوا يلبسون حُللا بلون الياسمين ليلا، سيحوّلها الصباح إلى لون شجرة الجنار الأحمر.سيفقد الناس صوابهم والطيور حواسهم، وستنسى الحمائم والبلابل تغريدها.لقد وردت كلمة "زلزال" في وحي الله مرارا، وقال بأن ذلك الزلزال سيكون نموذج القيامة بل يجب أن يسمى زلزلة القيامة، كما تشير إليها الآية: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) (الزلزلة : (٢).ولكن لا أستطيع إلى الآن أن أحمل لفظ الزلزال على الظاهر قطعا ويقينا.فقد لا يكون زلزالا عاديا ولعلها تكون آفة شديدة أخرى تري نموذج القيامة، لم يشهد الزمن الحالي نظيرها، ويحل دمار شامل بالأرواح والبنايات.ولكن لو لم تظهر آية فوق العادة ولم يصلح الناس أيضا أنفسهم بصورة واضحة لكنت كاذبا لقد كتبتُ مرارا أن هذه الآفة الشديدة التي عبر الله عنها بكلمة الزلزال لا تقع نتيجة الخلاف الديني فقط، أي لن يحل العذاب بأحد لكونه هندوسيا أو مسيحيا، كذلك ليس لأنه لم يبايعني.فكل هؤلاء محفوظون من هذا القلق.غير أن الذي يتخذ الجرائم عادة ومهنة له أيا كان دينه وكان غارقا في الفسق والفجور وكان زانيا وسفاكا وسارقا وظالما وسيئ الظن دون وجه حق، وبذيء اللسان وسيئ التصرف فعليه أن يخافه.وإن تاب فلا حزن عليه وهذا العذاب يمكن أن يزول نتيجة سيرة المخلوق الحسنة وأعمالهم الصالحة، فهو ليس قطعيا، منه.

Page 175

البراهين الأحمدية (10V) الجزء الخامس ستكون تلك الساعة قاسية جدا على كل مسافر ، فسينسون طريقهم وكأنهم سکاری فاقدين صوابهم.إن المياه الجارية في وديان الجبال ستحمر بدماء الأموات مثل شراب الأنجبار.سيضمحل الجن والإنس كلهم خوفا ، لو كان زار" قيصر (روسيا) لكان تلك الساعة بحالة يُرثى لها.في ستكون تلك الآية الربانية نموذج غضب الله تعالى، وستصول السماء مشهرة سيفها.فلا تستعجل في الإنكار أيها السفيه الجاهل، لأن صدقي كله يعتمد على تلك الآية.الأمر مبني على وحي والحلم.الله تعالى وسيتحقق حتما، فاصبر لبضعة أيام بالتقوى لا تظنن أن ظنّ السوء هذا معفوا عنه كله، بل هو دين سوف يُوفى إليك كله."

Page 176

البراهين الأحمدية " يا حبيبي فردوس" " (101) الجزء الخامس ( ملحق البراهين الأحمدية، الجزء الخامس) بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم الأزلي، يكفيني وجهك الكريم، وإن زقاقك خير لي من ألف أضطر أحيانا إلى النظر إلى جانب آخر لمصلحة ما، وإلا فإن نظري مركز إليك دائما.لو هاجم أحد شرفي، فمن عادتي الصبر كستتك أنت.من أنا؟! وما حقيقة شرفي؟! فحربي كلها من أجل شرفك أنت".لقد نشر المدعو محمد إكرام الله في الجريدة اليومية "بيسه أخبار" عدد ٢٢ مايو/ أيار ۱۹۰٥م بعض الاعتراضات على إعلاناتي التي تتضمن النبوءات عن الزلزال الأول والثاني.ولكنني أرى أن تلك الاعتراضات ليست ناجمة عن العناد وحده بل سببها عائد أيضا إلى عدم الفهم والمعرفة المحدودة جدا.هذا ما يبعثني على الرثاء على حالة القوم أنهم لا يتدبرون عند الاعتراض فيتولد فيهم الحماس كالجنون أو تنتابهم رغبة في إبراز أنفسهم لينالوا بشكل من الأشكال مكانا بين المعارضين من الدرجة الأولى نتيجة الاعتراض، أو أن يُعدوا كبارا ومن أهل العلم على الأقل.ولكن الحق أنهم يفضحون أنفسهم بأنفسهم بدلا من أن يُعدّوا من الكبار.والآن فليستمع المنصفون للاعتراضات، وليتدبروا الردود ترجمة أبيات فارسية.(المترجم)

Page 177

البراهين الأحمدية (109) الجزء الخامس عليها، وليحكموا هل لمنصف أعطي نصيبا من العقل والدين أن يثير مثل هذه الاعتراضات؟! من المؤسف أن هؤلاء الناس ينخدعون بأنفسهم أولا ثم يريدون أن يخدعوا الآخرين.والدافع وراء كل هذا الجهل هو التعنت المشتعل الذي يضم في طياته نار الجحيم.ملخص الاعتراض الأول هو قوله: يمكننا أن نثبت من قول السيد الميرزا أن النبوءة عن الزلزال ليست ذات بال لأنه قد كتب بنفسه في كتابه "إزالة أوهام".أن النبوءة عن الزلزال ليست ذات أهمية بل هي تافهة وغير جديرة بالاهتمام.أما الجواب فليكن واضحا أن المعترض اقتبس هنا عبارة كتبتها في "إزالة أوهام" تعليقا على نبوءة إنجيل متى التي تُنسب إلى المسيح ال.ويكفي في هذا المقام أن أنقل للقراء الكرام من "إزالة" "أوهام العبارة نفسها التي وردت في إنجيل متى منسوبة إلى المسيح الله ثم سأنقل مقابلها عبارات نُشرت في الإعلانات عن نبوءاتي عن كلا الزلزالين، ليحكم القراء بأنفسهم هل جاءت هاتان النبوءتان على المنوال نفسه أم هناك فرق بينهما.وهل تتضمن نبوءتي أيضا عن الزلزال كلمات عادية يمكن أن تنطبق على أي زلزال مثل كلمات إنجيل متى أم أن نبوءتي تنبئ عن زلزال يفوق العادة؟ وجدير بالذكر هنا أن الأرض التي عاش فيها المسيح الله، أي بلاد الشام، تضربها الزلازل دائما مثل كشمير ويتفشى فيها الطاعون أيضا دائما.لذا فإن وقوع الزلزال أو تفشي الطاعون فيها ليس بأمر غريب، بل إن وقوع زلزال شديد أيضا ليس مما يدعو إلى الاستغراب.لقد ضربتها الزلازل قبل ولادة المسيح العلمية كما ضربتها في حياته أيضا دائما سواء أكانت خفيفة أو شديدة الوطأة.فما معنى النبوءة إذا عن أمرٍ معتاد؟! ولكني سأذكر لاحقا أن الزلزال الذي أنبأتُ

Page 178

(١٦٠) الجزء الخامس البراهين الأحمدية به أنا لم يكن أمرا عاديا في هذا البلد بل كان نادرا و خارقا للعادة، وقد عدّه أهل البلاد كلهم خارقا للعادة بل حسبوه نموذجا للقيامة.وقد شهد جميع الباحثين الإنجليز أيضا بالأمر نفسه، كما يشهد تاريخ البنجاب.وبالإضافة إلى ذلك تشهد البنايات القديمة الموجودة منذ نحو ١٦٠٠ عام أيضا الشهادة نفسها بلسان حالها.ومن ناحية ثانية يعلم الجميع أن الزلازل تضرب بلاد الشام بكثرة، فلعل زلزالا ما كان في معرض الوقوع في لحظة كتابة نبوءة المسيح الليل.العليا والآن أنقل النبوءة المذكورة في إنجيل متى عن حدوث الزلزال التي نسبت إلى المسيح اللة فهي : تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبَتَةٌ وَزَلَازِلُ فِي أَمَاكِنَ" (انظروا: إِنْجِيلُ متَّى ٢٤: ٧) فعن هذه النبوءة أوردتُ في "إزالة الأوهام" العبارة التي نقلها المعترض - في الصفحة ٥، العمود الأول، السطر ٢٦ - من الجريدة المذكورة، وهي: "ما أهمية النبوءات التي تقول بأن الزلازل ستحدث وتكثر الوفيات وتندلع الحروب وتحدث المجاعات؟" فقد اقتبس المعترض هذه العبارة واستنبط منها أنني أقررت بأن الإنباء عن الزلزال ليس بأمر ذي بال.ولكن كل عاقل يُدرك أني لم أقصد من هذه العبارة ما فهمه المعترض.بل المقصود هو أن بيان أمر عادي لا غرابة فيه، والذي لا يحتوي على ما يفوق العادة لا يدخل في مفهوم النبوءة.فمثلا لو تنبأ أحد أنه سوف ينزل شيء من المطر في موسم الأمطار، لما عُدّ كلامه هذا نبوءة، لأنه قد جرت عادة الله أن الأمطار تهطل في أشهر الأمطار على أية حال.ولكنه لو تنبأ بأنه سوف تهطل الأمطار في هذه المرة بكثرة هائلة حتى تنفجر الأرض ينابيع وتتدفق الآبار فتسيل كالأنهار ولا نظير لكثرة الأمطار التي ستنزل هذا العام منذ مائة سنة ماضية، لعد أمرا خارقا للعادة ونبوءةً حتما.فمن هذا المنطلق اعترضت على نبوءة وردت في إنجيل متى، الإصحاح ٢٤ وقلت بأن ذكر الزلازل فقط ولا

Page 179

البراهين الأحمدية (171) الجزء الخامس سيما في بلد تضربها الزلازل بوجه عام، بل منها ما يكون شديدا أيضا، ليس بالخبر الذي يمكن تسميته نبوءة أو اعتباره أمرا خارقا للعادة.والآن يجب الانتباه هل الإعلانات الثلاثة التي نشرتها في البلاد عن الزلزال تتضمن نباً عاديا فحسب ولا يوجد فيها أمر خارق للعادة؟ فإذا كان الأمر كذلك في الحقيقة لكانت نبوءتي عن الزلزال أيضا أمرا عاديا.العبارة في إعلاني عن الزلزال هي كما يلي: "تلقيت في أول أيار / مايو ۱۹۰٤م وحيا من الله ونشرته في جريدة "الحكم" ١٩٠٤م وجريدة "البدر" وهو: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا".أي سيندرس جزء من هذه البلاد، وستدمر بناياتها التي هي مساكن مؤقتة أو دائمة ولن يبقى لها أثر.إن "ال" للتعريف الموجودة في "الديار" تفيد بأن الدمار سيحل بحسب علم تعالى بأماكن معينة في هذا البلد، والبنايات القائمة في جزء معين من البلاد ستُسوّى بالأرض.فكم هى خارقة للعادة هذه النبوءة! وكيف ذُكر فيها بقوة الله وشدة حادث مقبل لا نظير له في البلاد منذ ١٦٠ سنة مضت !! إن مطالعة الجرائد الإنجليزية توحي أن كبار الباحثين في مجال طبقات الأرض يعدونه حادثا يفوق العادة فيما يتعلق بهذا البلد، وقد نُشر بناء على شهادات كبار المحققين من أوروبا أنه لا يوجد لهذا الزلزال نظير في البنجاب منذ ١٦٠٠ سنة.وجميع الجرائد مليئة بالحديث عن أن هذا الزلزال كان نموذجا للقيامة.فما دام الوحي النازل علي يتضمن مضمونا خارقا للعادة بأن هذا الحادث سيؤدي إلى تدمير البنايات وسيدمر جزء من هذا البلد فمن المؤسف جدا أن تُعَدّ النبوءة العظيمة التي تُنبئ عن دمار البلاد خبرا عاديا ورد في الإنجيل الذي يخبر بحدوث الزلازل في بلد هو بؤرة الزلازل أصلا.هل يمكن أن تكون كلمات أية نبوءة أكثر هيبة من هذه النبوءة؟ فليفكر كل منصف في نفسه، هل يمكن أن

Page 180

البراهين الأحمدية (١٦٢) الجزء الخامس تفوق العادة كلمات نبوءة عن وقوع الزلزال في البنجاب أكثر من التي وردت في الوحي الإلهي القائل: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا"؟ التي تعني أن جزءا من البلاد سيندرس بحيث تُمحى بناياته كلها من وجه الأرض ولن يسلم محلها ولا مقامها.فكل من لديه أدنى إلمام بالعربية يمكن أن يعرف بالانتباه إلى "ال" التعريف الموجودة في "الديار" أن المراد من الديار هو جزء من البلاد.والمراد من "عفت" هو أن جميع الأبنية في هذا الجزء من البلاد سوف تنهدم وتدمر وتمحى من على وجه الأرض.فليقل لي أحد متى تعرض هذا البلد لمثل هذا الحادث من قبل؟! وإلا فبعيد عن الأمانة أن يكذب الإنسان بوقاحة ولا يخاف الله القادر على المعاقبة في كل حين.و آن.ثم وردت في إعلان "الوصية" الذي نُشر بتاريخ ١٩٠٥/٢/٢٧م قبل وقوع الزلزال عبارة: "رأيت في الكشف حالا أي في الساعة الرابعة بعد منتصف الليل أن هناك ضجة غريبة بصورة القيامة نتيجة الوفيات الأليمة".وفي الوقت نفسه تلقيت إلهاما أيضا بما معناه: "تَكْثُرُ الوَفَيَاتُ".فكّروا الآن، هل النبوءة عن حادث مستقبلي بأنه سيكون نموذجا للقيامة وتثور بسببه ضجة القيامة تساوي نبوءة أخبر فيها بوقوع الزلازل بكلمات عادية، ولا سيما في بلاد الشام التي هي بؤرة الزلازل والطاعون بكثرة؟ فلو كانت خشية الله في القلوب لما تجاسر أحد على إنكار نبوءة إلهية كهذه.هذا ليس هجوما علي بل على الله الذي تتضمن النبوءة كلامه.1 ولو شك أحد في هذا المعنى فإني أناشده بالله أن يسأل أحدا من علماء اللغة العربية من معارضينا مستحلفا إياه: ألا يثبت من الإلهام "عَفَتِ الدِّيَارُ" انهدام البنايات، وتدميرها، وانهدام الأبنية المستخدمة للحاجات المؤقتة، مثل "دهرم ساله" وبيعة "لاتان والي" في منطقة جبال "كانغره"، وكذلك تدمير الأبنية المستخدمة للسكن الدائم؟! من الواضح أن كل ذلك يثبت بجلاء تام لدرجة أن لا حاجة إلى التوضيح أكثر من ذلك.منه.

Page 181

البراهين الأحمدية (١٦٣) الجزء الخامس أما القول بأن: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" هو الشطر الأول لبيت من أبيات لبيد بن ربيعة فهو هجوم وقح آخر على الله تعالى الذي يرث قول كل شخص، لبيدا كان أم غيره، فبتوفيق منه ولا يُنظم البيت أيضا.فلو أخذ الله كلام أحد وألقاه وحيا فلا اعتراض على ذلك أبدا.وإذا جاز هذا الاعتراض فما الجواب على أن الآية القرآنية: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) أيضا هي من كلام أحد الناس أي عبد الله بن أبي سرح الذي كتب في البداية بعض الآيات القرآنية ولكنه ارتد فيما بعد وقد نزل الكلام نفسه في القرآن الكريم دون أي نقص أو زيادة.علما أن كلمات الوحي الإلهي: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" ليست أزيد من الآية القرآنية المذكورة آنفا أي: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ إذ إن الوحي الذي نزل علي يحتوي على ٢١ حرفا والآية القرآنية على ۲۲ حرفا.ثم ذكر المعترض بإزاء الوحي الإلهي مثلا أرديا مفاده: "جمع الرجلُ لبنة من هنا وحجارة من هناك وأقام بناية"".كان عليه أن يفكّر هل حسن عاقبته في الحقيقة بتوجيهه هذا الاعتراض إلى القرآن الكريم؟ وليس في القرآن الكريم هذا الوحي الوحيد الذي كان كلام الإنسان من قبل ثم حصل التوارد بينه وبين كلام الله تعالى، بل يمكن تقديم أمثلة كثيرة على حصول التوارد بين كلام الله وكلام الإنسان.فقد حصل التوارد بين القرآن الكريم وكلام سيدنا عمر أكثر من مرة، الأمر الذي لا يجهله العلماء، فيمكن تقديم قائمة طويلة بهذا المؤمنون: ١٥ فمع أن هناك آلاف أنواع الذنوب، ولكن الملعون إلى أقصى الدرجات هو الذي يعترض على كلام الله الطاهر.الجاهل يعترض على كلام الله مستهترا بوقاحة وفرحةً وبذلك يحارب ذلك القدوس، ولكنه لو مات لكان خير له.منه.

Page 182

البراهين الأحمدية (١٦٤) الجزء الخامس الخصوص.يتبين من ذلك أن المعترض ينكر القرآن الكريم في الحقيقة وإلا لما تفوه بكلمة نابية ووقحة مثلها أبدا.هل يسع مؤمنا أن يوجه إلى أحد اعتراضا يقع نفسه على القرآن الكريم، والعياذ بالله؟ كلا.ثم أثار المعترض اعتراضا آخر على نبوءة: "عَفَتِ الدِّيَارُ" وقال إن كلمة "عفت" وردت في صيغة الفعل الماضي ولكنها تُرجمت بمعنى المضارع، بينما كان من المفروض أن تترجم بمعنى الماضي.وبصدد هذا الاعتراض أبدى المعترض وقاحة متناهية وكأنه حاز انتصارا عظيما في صولة معادية.إنني محتار كم من خُدعه أفضحها! كل من قرأ كتابا بسيطا أيضا مثل "كافية" و"هداية النحو" يعرف جيدا أن فعل الماضي يُستخدَم بمعنى المضارع أيضا ولا سيما إذا كان القائل يرى وقوع الحادث محتوما ويقينيا فيستخدم الفعل الماضي بمعنى المضارع ليتبين أنه يقيني الوقوع ففي القرآن الكريم أمثلة كثيرة على هذا الاستعمال.منها قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَحْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ ينسلُونَ"، وقوله : ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وقوله: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صدقُهُمْ.وقوله : (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلْ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ فمثلا من أُعطي قدرا كبيرا من السمّ قال: لقد مت.والمعلوم أن "مت" فعل ماض وليس مضارعا ويريد منه القائل بأنه سيموت حتما.وكذلك لو وجد المحامي على سبيل المثال مستندا واضحا لشهادة أو وثيقة من المحكمة العليا لصالح موكله لقال لشدة فرحه: لقد ربحنا القضية، مع أن القضية تكون قيد المرافعة و لم يصدر الحكم فيها.فيُراد من ذلك بأننا سوف نربح القضية حتما لذا يورد صيغة الماضي مكان المضارع.م ٢ يس: ٥٢ المائدة: ۱۱۷ المائدة: ١٢٠ منه.

Page 183

البراهين الأحمدية (170) الجزء الخامس مُتَقَابِلِينَ) وقال أيضا: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ، وقوله تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبي لَهَب وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ وقوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ، و: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا..فليقل المعترض الآن هل كل هذه الآيات القرآنية تتضمن فعلا ماضيا أم مضارعًا؟! وإذا كانت كلها في صيغة الماضي فهل تفيد المضارع أم الماضي؟! ويكفيه عقوبة على كذبه أن هجومه هذا لم يقع علي بل وقع على القرآن الكريم أيضا، وكأن قواعد الصرف والنحو التي يعرفها المعترض لا يعرفها الله، فأخطأ يا الله في عدة آيات وأورد الفعل الماضي مكان المضارع.وهناك اعتراض آخر له وهو أين وردت كلمة "زلزال" في نبوءة "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا؟ فمن المؤسف حقا أن المعترض لا يدري أن المقصود الحقيقي من النبوءة هو المفهوم الذي يتبين من كلماتها وليس الغرض منها إلا أن دمارا شاملا سيحل بجزء من البلاد وكل عاقل يستطيع أن يفهم في هذا المقام تلقائيا بأن الهدام البنايات يكون بالزلزال عادة، ولكن من الممكن أيضا أن يحدث هذا الدمار الشامل في البلد وتنهدم المدن والبنايات بطريقة أخرى أيضا.وفي هذه الحالة أيضا سوف تتحقق النبوءة على أية حال.ولما كان الدمار من الحجر : ٤٨ ٢ الأعراف : ٤٥ المسد: ۲-۳ الأنعام: ۲۸ الأنعام: ۳۱

Page 184

البراهين الأحمدية (١٦٦) الجزء الخامس هذا النوع يستلزم الزلزال بحسب سنة الله لذا لم يكن ذكر الزلزال ضروريا.ولكن لما كان في علم الله أن بعضا من قليلي الفهم الذين طبعهم خليط من الجهل والعناد سيثيرون اعتراضا كهذا، فقد أورد كلمة "الزلزال" أيضا بصراحة.انظر جريدة الحكم العدد ١٢/٢٤/ ١٩٠٣م.ومع أن هذه النبوءة- إذا فُصلت عن نبوءة الزلزال التي نُشرت قبلها تقتصر على الإنباء أن بعض مناطق البلد سوف تدمر نهائيا وبعضها الآخر سيتعرض لدمار شامل وتنهدم البنايات وتندرس القرى المأهولة ولا تقول بأي أسلوب خاص سيحدث هذا الدمار الشامل.ولكن الذي يفكر في الطريقة التي تُخسف بها الأرض بالمدن والقرى وكيف تندرس البنايات دفعة واحدة، ويقرأ هذه النبوءة مع النبوءة التي نُشرت في الجريدة نفسها قبل خمسة أشهر وكلماتها: "هَزَّةُ الزِّلْزَال"، سوف يستحيي من الاعتراض بأن النبوءة لا تتضمن كلمة "الزلزال".نعم، أقول بالإضافة إلى ذلك إن كلام الله يتضمن استعارات أيضا كما يقول تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى.إِذًا، كان بالإمكان أن يكون المراد من الزلزال آفة كبيرة أخرى تحمل في طياتها صبغة الزلزال كاملة.ولكن العبارة الظاهرية أحق بالأخذ من التأويل.والحق أن النبوءة كانت ذات نطاق أوسع، ولكن الله تعالى حققها من حيث كلماتها الظاهرية أيضا لتسويد وجوه الأعداء.ومن الممكن أن تتحقق بعض أجزائها فيما بعد بأسلوب آخر أيضا.ولكن سيكون الأمر الذي تتحدث عنه النبوءة خارقا للعادة على أية حال إذا، هذا الزلزال الذي أحدث دمارا هائلا في الإسراء: ٧٣.تعني هذه الآية أن الذي لم يحظ برؤية الله في هذه الدنيا لن يحظى بها في الآخرة أيضا، ولا تعني أن الذين كانوا عميانا ظاهريا في هذه الدنيا سيكونون عميانا في الآخرة أيضا.فهذه استعارة إذ قد أُطلق "أعمى" على الجاهل.منه.

Page 185

البراهين الأحمدية (١٦٧) الجزء الخامس مع البنجاب- وسبق أن أُعلن عنه في الجرائد مثل "سيفيل آند ملتري غازيت" وغيرها- قد ثبت أنه لم يضرب زلزال مثله البنجاب منذ ١٦٠٠ عام مضى.إذا، فالنبوءة تخبر عن أمر خارق للعادة من الدرجة الأولى.ومن الممكن أن تظهر بعدها بعض الأحداث الأخرى أيضا نتيجة الأسباب الطبيعية وتسبب دمارا خارقا للعادة.فلو لم ترد كلمة "الزلزال" في أي جزء من النبوءة لكانت ذلك آية عظيمة، لأن المقصود منها هو تدمير المباني والبيوت بوجه خارق للعادة وعديم النظير سواء أكان عن طريق الزلزال أم غيره.فلما وجدت الشهادة أنه لا يوجد لحلول هذا النوع من الدمار نظير في بلاد البنجاب منذ ١٦٠٠ عام لم تعد النبوءة أمرا عاديا يمكن للإنسان أن يُنبئ به تخمينا منه.وما دامت قد نُشرت في الجزء الأول من هذه النبوءة- المنشور في جريدة "الحكم" نفسها بتاريخ ١٩٠٣/١٢/٢٤م - كلمة "الزلزال" بكل وضوح وصراحة، فلا أدري أنضحك أم نبكي على عقلية هذا المعترض الذي يقول بأن النبوءة لا تُنبئ بالزلزال؟.وليكن معلوما أيضا أن الوحي الإلهي: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" كلام ألقاه الله تعالى في رُوع لبيد بن ربيعة العامري قبل ١٣۰۰ عام من اليوم، وهو الشطر الأول من قصيدته التي هي القصيدة الرابعة من المعلقات السبع.ولقد شهد لبيد عصر الإسلام وأسلم أيضا وانضم إلى الصحابة.وقد أكرم الله تعالى كلامه إذ أنزل بكلمات شطر من قصيدته نبوءةً عظيمة تتعلق بالزمن الأخير وتتحدث عن أنواع الدمار التي ستؤدي إلى تدمير البلاد على نطاق واسع.إذا، فإن الاستغراب من تطابق الوحي الإلهي مع كلام خرج من فم مسلم غباوة من الدرجة القصوى، لأنه كما قلت قبل قليل إن الكلام الذي خرج من فم عبد الله بن أبي سرح أي: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) نزل في

Page 186

البراهين الأحمدية (١٦٨) الجزء الخامس القرآن الكريم، فارتد عبد الله بن أبي سرح على إثر ذلك وهرب إلى مكة'.فلما حصل التوارد بين كلام الله وكلام مرتد، فما وجه الاستغراب لو حصل التوارد بين كلام الله وكلام صحابي جليل الشأن مثل لبيد؟ فكما أن الله تعالى وارث كل شيء كذلك يرث كل كلام طيب أيضا، وكل كلام طيب يخرج لسان أحد بتوفيق منه الله فإذا نزل كلام مثله بصورة الوحي فلا يشك في ذلك إلا الذي يشك في الإسلام نفسه.ومن فضائل لبيد أنه لم يشهد زمن النبي فقط بل شهد عصرا طويلا لترقيات الإسلام أيضا، إذ قد توفي في عام ٤١ من من الهجرة عن عمر يناهز ١٥٧ عاما.كذلك توارد كلام سيدنا عمر القرآن الكريم أيضا أكثر من مرة كما رُوي عن أنس قال، قال عمر: "وافقت ربّي في أربع"، أي أربع كلمات جرت على لساني وقالها الله تعالى نفسها.ولو أردنا ذكر الأولياء الكرام من هذه الأمة المرحومة وأوردنا كلام الآخرين الذي أُلقي على قلوبهم إلهاما مثل إلقاء الأبيات من "المثنوي الرومي" على قلوب البعض إلهاما من الله لاقتضى الأمر كتيبا منفصلا.وأعلم أن من لديه أدنى إلمام بهذا الموضوع لن يقول قط باستحالة التوارد بين كلام الإنسان وكلام الله، بل كل من بل كل من أُعطي نصيبا من علم الشريعة سيعتبر مثل هذا القول كفرا لأن هذا الاعتقاد يستلزم إنكار القرآن الكريم.وفي هذا المقام يطلّ إشكال آخر أيضا برأسه وأرى من المناسب حله، وهو أنه لو جاز التوارد بين كلام الإنسان وكلام الله لقدح ذلك في إعجاز القرآن الكريم.ولكن ذلك ليس إشكالاً قط كما يقول صاحب التفسير الكبير وغيره من المفسرين لأن الإعجاز لا يُبنى على هذا النزر اليسير من الكلام، وإلا فإن انظروا تفسير العلامة أبي السعود على حاشية التفسير الكبير المجلد ٦ الصفحة ٢٧٦ و ۲۷۷.

Page 187

البراهين الأحمدية (179) الجزء الخامس كلمات القرآن الكريم هي نفسها التي تفوه بها العرب الآخرون أيضا.فلا بد لتحقيق الإعجاز من أن يعادل كلامُ الله أقصر سورة من القرآن الكريم على الوحي الإلهي: هذا أقل تقدير، أو ما يساوي عشر آيات على الأقل، لأن القرآن الكريم يعتبر القدر معجزة.ولكني أقول إنه لو ورد كلام أحد في كلام الله تعالى بصورة لأمكنه أن يأخذ صورة الإعجاز على أية حال.لنأخذ مثلا الوحي "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" نفسه، فعندما تفوه به لبيد ه كبيت لم يكن معجزة حينها.ولكنه حين تجلّى بصورة الوحى صار معجزة لأن لبيدا ذكر حادثا مضى يقدر الإنسان على بيانه أما الآن فقد أنبأ الله تعالى بإحداث التوارد بين كلامه وكلام لبيد - بحادث عظيم سيحدث في المستقبل وسيكون فوق قدرات البشر.فلو نُسب الكلام نفسه إلى لبيد لما كان معجزة، ولكنه إذا نُسب إلى الله تعالى فهو معجزة دون أدنى شك.من كان يدري قبل سنة من الآن أن جزءا من البلاد سيدمر ويصبح خرابا يبابا نتيجة زلزال شديد ومن كان يُدرك أن هذا العدد الهائل من المدن والقرى ستخسف به الأرضُ دفعة واحدة وستندرس المباني كلها وستصبح تلك الأرض كأنها لم تكن بها بناية قط ؟ إذا فالمراد من المعجزة أن يظهر للعيان شيء لم يخطر على بال أحد من قبل و لم يفكر أحد بإمكانية حدوثه أبدا.أليس صحيحا أن أهل هذه البلاد استغربوا بشدة من هذا الزلزال المهيب واعتبروه نادر الوقوع وخارقا للعادة ونموذجا للقيامة؟! أليس صحيحا أن الباحثين الأوروبيين قد بأنه حكموا أن النظر في تاريخ هذا البلد الممتد على ١٦٠٠ عام يوحي يضربه زلزال مدمر ومخيف مثله من قبل ؟! أفليس معجزة النبأ الذي أنبأ فيه ا يبدو أنه سهو من الناسخ والصحيح كلام الإنسان، والله أعلم.(المترجم)

Page 188

البراهين الأحمدية (۱۷۰) الجزء الخامس الوحي قبل مدة طويلة بوقوع حادث غير عادي مثله؟! هل يدخل ذلك في قدرة البشر ؟! إذا ، فالناسُ في البلاد لم يشهدوا و لم يسمعوا لا هم ولا آباؤهم وأجدادهم منذ ما يقارب ألفي عام بحادث معين، ولم يخطر ببالهم أيضا أن حادثا كهذا يمكن أن يحدث أو هناك إمكانية لحدوثه، ثم إذا أخبرت نبوءة بحادث من هذا القبيل ثم تحقق ذلك الحدث على أرض الواقع، فإن هذا الخبر لن يُعد معجزة فقط بل يعد معجزة من الدرجة الأولى.الآن أعود إلى صلب الموضوع وأقول بأن المعترض شبه هذه النبوءة بغية التقليل من عظمتها والحطّ من شأنها في أعين الناس جميعا بنبوءة الإنجيل عديمة المعنى التي ذكر فيها وقوع الزلزال بكلمات عادية جدا.ولكن الذي يقرأ عبارة إعلاناتي بعينين مبصرتين سيضطر إلى القول متأسفا بأن المعترض حاول كتمان الحق المبين بغير وجه حق وقام بخيانة عظمى، لأنه قرأ إعلاناتي وكان هي أمانة ا كما قلت من قبل إن المعترض نشر اعتراضه في جريدة "بيسه أخبار" وقال: أين ذكر الزلزال في نبوءة: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا؟ مع أن خبر الزلزال نشر قبل هذه النبوءة بخمسة أشهر في الجريدة نفسها.وهذه النبوءة تذكر ملامح الزلزال نفسه.هذه معارضينا وصدقهم وعقلهم وفهمهم ! أليس فيهم من يلوم هذا المعترض على انفراد ويعنّفه ويقول له: لماذا خدعت الناس هكذا مع أنك تعلم جيدا أن النبوءة عن الزلزال منشورة بكلمات واضحة جدا في جريدة "الحكم" عدد ١٩٠٣/١٢/٢٤م، وقد ذُكرت آثاره المهيبة في إلهام "عَفَتِ الدِّيَارُ.وقد نُشرت كلتا النبوءتين قبل تحققهما بسنة كاملة؟! بل النبوءة عن الزلزال مسجلة بكلمات صريحة في كتابي: مواهب" الرحمن" الصفحة ٨٦ ومضى عليها عامان ونصف عام.منه.لقد نُشر في جريدة "سيفيل آند ملتري غازيت" بعد التحقيق بحث أن بيعة الهندوس التي انهدمت في "كانغره" بهذا الزلزال كانت موجودة منذ ألفي عام.فلو كان زلزالا مثله قد ضرب المنطقة من قبل لدمرت هذه المباني حينها.منه.

Page 189

البراهين الأحمدية (۱۷۱) الجزء الخامس يعلم جيدا أن الكلمات الواردة في نبوءتي عن الزلزال ليست ضعيفة ولا عادية مثل كلمات الإنجيل، ولكنه اختار طريق التعنت قصدا من ذا الذي لا يدرك أن الإلهام العربي: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" يبين خبرا مرعبا بصورة نبوءة تقشعر منها الجلود.هل القول بأن المدن والقرى ستخسف بها الأرض أمر هين؟! ولقد صرّح بذلك في الأردية أنها ستكون هَزَّة الزِّلْزَال.انظروا جريدة "الحكم" عدد ١٩٠٣/١٢/٢٤م صفحة ١٥، عمود ٢، وكذلك نُشرت في عام ١٩٠١م مجلة اسمها "آمين" جاء فيهما بأن ذلك الحادث سيُذكِّر بالقيامة.ونُشر في جريدة "الحكم بتاريخ ١٩٠٤/٣/٢٤م أن آية ستظهر للمكذبين.كذلك ورد في إعلان "الإنذار" أن الزلزال المقبل سيكون نموذجا للقيامة.ثم ورد في "النداء" أن الأرض ستنقلب رأسا على عقب نتيجة الزلزال المقبل، وورد فيها أيضا بأن هذا الحادث العظيم سيذكر بيوم الحشر.ثم يقول الله تعالى فيها أيضا: إنني سأنزل لك على الأرض لأُري آياتي، سنُري لك آية الزلزال، ونهدم ما يعمره الغافلون وما سيعمرون في المستقبل، وسأُري آية تهتز لها الأرض، وسيكون ذلك اليوم يوم مأتم للدنيا.ثم وردت في الإعلان الذي عنوانه: "نبأ الزلزال للمرة الثالثة" عن الزلزال المقبل عبارة: صحيح في الحقيقة، تماما أنه سيضرب الأرض زلزال لم تره عين من قبل و لم تسمع به وصحيح أذن، و لم يخطر ببال أحد.والآن قولوا بصدق أين وردت في الإنجيل مثل هذه العبارات عن الزلزال؟ وإذا وجدت فيجب تقديمها، وإلا يجب الامتناع عن كتم الحق خشية الله تعالى.كذلك في كتابي مواهب الرحمن" المنشور في ۱۹۰۲م نبأ عن زلزال قوي شديد تنهدم بسببه البنايات.ولم يُذكر فيه انهدام البنايات فقط بل ذكر فيه الزلزال بكلمات واضحة تماما.انظروا مواهب الرحمن الصفحة ٨٦.منه.

Page 190

البراهين الأحمدية (۱۷۲) الجزء الخامس قوله: لقد أضيفت في الترجمة كلمة "زلزال" لكي يفهم الجاهلون من أن لفظ "زلزال" موجود في الإلهام.الناس أقول: أيها الأعمى، إن كلمات النبوءة كلها هي: "هَزَّةُ الزِّلْزَالَ عَفَتِ 11 الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا.انظر: جريدة "الحَكَم" ١٩٠٣م و ١٩٠٤م.وتعني العبارتان أنه ستقع هزة الزلزال، وسيدمر نتيجتها جزء من هذا البلد، وستهدم المباني وتندرس.قل الآن أأنا من خدع الجهال أم أنت؟ أو أأنا من كذب أم أنت؟ لعنة الله على الكاذبين.إن جريدة "الحكم" مازالت موجودة فاقرأ كلا العددين منها، وقد نُشرت قبل الزلزال بسنة كاملة ووصلت إلى الدوائر الحكومية أيضا.فقل الآن أي تعنّت دفعك إلى الكذب إذ ادعيت أن لفظ الزلزال ليس مذكورا في النبوءة؟! قوله: هذا الإلهام مذكور في جريدة "الحكم" عدد ١٩٠٢/٥/٣١م الصفحة ٢ العمود ٤ ومكتوب بإزائه بوضوح وبخط عريض: "متعلق بالطاعون".أقول: مما لا شك فيه أن هذا الزلزال أيضا ضميمة للطاعون ومتعلق به لأن الله تعالى قد أخبرني مرارا أن الزلزال والطاعون كليهما مؤيدان لك.لذا فللزلزال علاقة مع الطاعون في الحقيقة لأن الطاعون أيضا آية لي من الله تعالى وكذلك ۱۹۰۲م- كما قلت قبل قليل إنه قد وردت في كتابي "مواهب الرحمن" الذي نُشر في عام هذه النبوءة بكلمات صريحة مع ذكر كلمة "زلزال".ففي هذه الحالة الجهال هم الذين يسألون بعد كل هذا التصريح والتوضيح: أين كلمة الزلزال؟ عليهم أن يقرأوا بعيون مفتوحة جريدة "الحكم" عدد ۱۹۰۳/۱۲/۲٤م ، وكذلك مجلة "آمين" المنشورة في ۱۹۰۱م، وأيضا كتابي "مواهب الرحمن" الصفحة ٨٦ المنشور في ۱۹۰۲م، ثم ليبكوا على حالة إيمانهم.منه." هكذا ورد في الاعتراض والصحيح: جريدة "الحكم عدد ١٩٠٤/٥/٣١م الصفحة ٩، العمود ٤.(الناشر)

Page 191

البراهين الأحمدية (۱۷۳) الجزء الخامس يصر الزلزال.لذا لكل واحد منهما علاقة مع الآخر، وكلاهما يؤيد أمرا واحدا.وإذا خطرت ببال أحد شبهة أن المراد من هذه الفقرة هي الطاعون وحده فهي فاسدة، لأن ما يتعلق بشيء آخر لا يمكنه أن يكون عين ذلك الشيء.ويضاف إلى ذلك أن هناك قرينة قوية تدل على أن المراد من هذه الفقرة ليس الطاعون في الحقيقة.بمعنى أنه لمّا كان الإلهام: "هَزَّةُ الزِّلْزَال" موجودا مسبقا فيجب التفكر بشيء من الإنصاف والعقل، هل انهدام البنايات وانعدام العمران من نتائج الطاعون؟ بل هي نتيجة الزلزال لا يمكن لتقي أن يجمح لدرجة أن على إنكار المعنى الذي يُستنبط من ظاهر ألفاظ العبارة ويتبين من سياق الكلام، والذي تبين بعد ظهور الحادث للعيان وقبله ضمير الإنسان أيضا أن ما ظهر على صعيد الواقع هو المعنى المقصود من الإلهام: "عَفَتِ الدِّيَارُ".ولو فرضنا جدلا أن الملهم أخطأ في اجتهاده وحسب الحادث الذي يتبين من إلهام: "عَفَتِ الديار" طاعونا، فإن خطأه هذا قبل وقوع الحادث ليس حجة للمعارض.ما خلا في العالم نبي ولا رسول لم يصدر منه خطأ في الاجتهاد في فهم نبوءته.أفلا تكون تلك النبوءة آية من الله بحسب رأيك؟! إذا كنت تكن في قلبك هذا الكفر فلماذا تقول ذلك بصوت خافت؟! ولماذا لا تهاجم الإسلام بكل قوتك؟! هل لك أن تسمي نبيا واحدا لم يصدر منه خطاً اجتهادي في فهم معنى نبوءته؟! وقل لي أيضا إنه لو افترضنا جدلا أن اللفظ قيد البحث يعني الطاعون بعينه، أفليس هذا هجوما على الأنبياء جميعا؟! إن التأمل في الفقرة الإلهامية "عَفَتِ الدِّيَارُ" بجلاء أن المراد منها هو حادث يتسبب في انهدام البنايات يوحي في جزء من البلاد واندراسها والمعلوم أن الطاعون لا يؤثر في البنايات شيئا.فلو كتب مدير جريدة "الحكم" أن هذه الفقرة تتعلق بالطاعون، واستنبط من هذه العلاقة معنى استنبطه المعترض، فإن غاية ما يمكن قوله في هذا الباب هو

Page 192

البراهين الأحمدية (IVE) الجزء الخامس الخطأ من أن مدير جريدة "الحكم" أخطأ في قوله ذلك.وقد سبق أن صدر هذا النوع من الأنبياء عليهم السلام أيضا في بعض الأحيان في فهم نبوءاتهم.كما ورد في صحيح البخاري حديث "ذهب وهلي" ما نصه: قال أَبو مُوسَى: عَن : رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ بِهَا نَحْلٌ فَذَهَبَ النَّبِيِّ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ.انتبهوا الآن إلى أن النبي الله الذي رؤياه وحي واجتهاده أسلم وأقوى وأصح من غيره على الإطلاق قد فسر رؤياه أن الهجرة ستكون إلى اليمامة أو هَجَر، ولكن ذلك التفسير لم يكن صحيحا.أفلا تراها نبوءة؟! هل أنت جاهز لشنّ هجوم على النبي أيضا ؟! فما دام النبي أيضا شريكا في ظاهرة الخطأ في الاجتهاد، فما نوعية إيمانك إذ لا تهتم بأدب النبي واحترامه بشيء أيضا في ثورة التعصب، ولا تستحيي من الله في شيء؟! ثم يجب إمعان النظر في كلمات: "عَفَتِ الدِّيَارُ" كمنصف صادق وملتزم بتقوى الله ؛ هل تنطبق هذه الكلمات على الطاعون أم على الزلزال؟ هل من الإيمان في شيء الإصرار على معنى الطاعون بعد أن كشف الحادث الموعود معنى "عَفَتِ الدِّيَارُ" بظهوره؟ إن كلمات النبوءة تنادي بأعلى صوتها أن المراد منها هو معنى حادث تنهدم بسببه البنايات ويندرس جزء من عمران البلاد.فإن كنت غير ملم بالعربية فاسأل عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" من لديه إلمام بها.وإن كنت لا تثق بأحد فاقرأ المعنى الذي كتبه الشارح لهذا الشطر وهو: "اندرست ديار الأحباب وانمحى ما كان منها للحلول دون الإقامة وما كان منها للإقامة".المعلقة الرابعة شرح الشطر الأول).قل الآن كيف ينطبق هذا المعنى على (انظرو صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار ، باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة، (الناشر)

Page 193

البراهين الأحمدية (۱۷٥) الجزء الخامس من الطاعون؟! وما علاقة الطاعون بالهدام الديار ؟! الفرق الوحيد بين هذا المعنى ومعنى الوحي الإلهي هو فعل الماضي والمضارع.أي أراد لبيد من كلامه معنى الماضي، أما كلام الله تعالى هنا فقد أريد فيه الزمن المستقبل.والمراد من ذلك أن المباني والعمران في جزء من هذا البلد ستندرس في المستقبل، فلن تبقى فيها أماكن سكن مؤقت ولا دائم.قل الآن، هل ينطبق هذا المعنى على الطاعون؟ ما الفائدة هذا التعنّت؟ لا يتعنّت بغير وجه حق إلا شخصان؛ إما الأحمق إلى أقصى الدرجات، أو عديم الإيمان وذو اللدد إلى أقصى الحدود.أما لو أعدت الاعتراض نفسه الذي رددت عليه من قبل وقلت بأن الفعل المستخدم في العبارة هو الماضي، وقد استخدمه لبيد الله اللدلالة على الزمن الماضي، فقد سبق الجواب عليه أن العبارة في الإلهام ليست كلام لبيد بل هو كلام الله.ولقد بين الله تعالى النبوءات العظيمة في عدة آيات من القرآن الكريم في فعل الماضي، كما يقول ل: ثبت يَدَا أَبِي لَهَب وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ.أَجِبْني الآن بشيء من العدل هل جاءت هذه النبوءة بصيغة الماضي أم بصيغة المضارع؟ إنه لموقف مَنْدَمِ للعاقل، بل هذا النوع من الخطأ مدعاة للموت له إذا أنكر أمرا بديهيا مع ادعاء العلم.ولا يمكنني أن أفهم ماذا عسى أن تكون حالتك بعد الاطلاع على هذه الأجوبة؟ ما الفائدة من أن يختار المرء طريقا يُسخط الله تعالى تاركا الحق من ناحية ومن ناحية أخرى يواجه الندم والخجل بالإصرار على الباطل بغير وجه حق؟ أما بيان معظم النبواءت بصيغة الماضي في كلام الله المسد: ٢- ٣، لقد ذُكرت أحداث مستقبلية في الكتاب المقدس أيضا بصيغة الماضي مثل: "سَقَطَتْ، سَقَطَتْ بَابلُ".إشعياء: ۲۱ : ٥ ، كذلك: "وَيْلٌ لِنُبُو لَأَنَّهَا قَدْ خَرَبَتْ.حَزِيَتْ وَأُخِذَتْ قَرْيَتَايم." (إِرْمِيَا ٤٨ : ١- ٢) منه.هذا سهو، والصحيح: ۲۱: ۹ (الناشر).

Page 194

الجزء الخامس البراهين الأحمدية (١٧٦) فالحكمة الحقيقية وراءه هي أن الحادث المزمع الحدوث على الأرض مستقبلا يحدث في السماء أولا.فمن حيث حدوثه في السماءِ يُعَد ذلك الحادث متعلقا بالزمن الماضي.ومن هذا المنطلق فإن الذين يرون الرؤى الصادقة يُخبرون في منامهم بالأحداث المستقبلية بصيغة الماضي.فمثلا إذا كان أحد سيُرزق بولد في المستقبل يُرى له أن الولد أو البنت قد ولدت، أو أُعطي شيئا يفسر بولادة الابن.وإن بيان النبوءات بصيغة الماضي ثم استخدامها بمعنى المضارع ليس ظاهرة معروفة في القرآن الكريم فقط، بل هي شائعة ومعروفة في الكتب السابقة أيضا ولا ينكرها حتى طفل صغير.وإن هذه الظاهرة منتشرة في الأحاديث أيضا على نطاق واسع، فعن أنس له قال : قال النبي ﷺ : "خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين".فقال النبي ﷺ "خربت خيبر" قبل فتحها، واستخدم صيغة الماضي وأراد بها أن خيبر ستخرب في المستقبل.باختصار، إنها كانت نبوءة ذكرت في صيغة الماضي وأُريد بها المضارع، أي المستقبل في الحقيقة.وعلى غرار ذلك جاءت في صيغة الماضي نبوءة: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا".وكما قلت من قبل بأن المراد من "الديار" هو جزء من "الديار" البلد كما تدل عليه "ال" التعريف.لذلك ما قصد لبيد له أيضا من البلاد كلها بل قصد منها ديار الأحباب.والمراد من "محل" هنا أي في كلام الله: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" هو مزارات الهندوس القديمة، أي بيعُهم التي كانت موجودة في "دهرم ساله" و "كانغره" منذ زمن سحيق، وثابت عنها أن زمن تأسيسها يعود إلى ١٦٠٠ عام على الأقل.والمراد من "مقام" هي المباني أُسست للسكن الدائم في تلك المنطقة.ولقد أخبر الله تعالى في هذه النبوءة أن تلك البيع أي دور الأوثان سوف تنهدم، ويكون الهدامها إرهاصا لانتشار التوحيد، وتنهدم المباني الأخرى أيضا، وهذا ما حدث بالضبط.التي

Page 195

(۱۷۷) الجزء الخامس البراهين الأحمدية فلما تحققت النبوءة من حيث كلماتها الظاهرية فإن إنكارها ليس إلا هراء وهذيانا بحتا الكلمات الظاهرية أحق بالأخذ عند استنباط المعاني.وإذا تحققت النبوءة من حيث كلماتها الظاهرية فإن صرفها عن الظاهر حمق بحت.ولو كانت العبارة: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا"، من افتراء الإنسان وكان المراد منها هو الطاعون لما كان للمفتري أن يستخدم هذه العبارة، لأن العقل كان سيمنعه من استخدام كلمات عن الطاعون لا تنطبق عليه، لأن البنايات لا تنهدم بالطاعون.وإذا لم يُؤخذ من العبارة معنى صحيحا بالاجتهاد قبل الأوان فهذا ما يسمى الخطأ في الاجتهاد.ثم إذا تبينت بحقيقتها فيما بعد فإن عدم قبول المعنى الحقيقي وقاحة وإلحاد وتعنت بحت.قوله: نسألك عن إلهام أنبأت فيه بحدوث الزلزال، ولكنك لا تستطيع أن تقدّم إلهاما كهذا إلى يوم القيامة.أقول: القيامة التي تراها بعيدة قد حلّت بك.فانظر جريدة "الحكم" العدد: ١٩٠٣/١٢/٢٤م الصفحة ١٥ العمود ،۲ حيث قد صرّح فيها حدوث هزة الزلزال.ثم ذكرت بعد خمسة أشهر عظمةُ تلك الهزة وقوتها بتاريخ ١٩٠٤/٥/٣١م بعبارة : "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا".ومعناها أن تلك الهزة ستؤدي إلى تدمير العمران في جزء من البنجاب ولن يبقى للمباني أي أثر أبدا سواء أكانت للسكن المؤقت مثل معابد الهندوس في "دهرم ساله" و"كانغرة" أو كانت مزمعة للسكن الدائم في المدينتين نفسيهما أو غيرهما.فقل الآن، هل حلّت بك أم لا تلك القيامة التي كنت تراها بعيدة وقلت عني بأنني لن أستطيع تقديم هذا الإلهام إلى يوم القيامة؟! كل واحد يستطيع أن يدرك أن تلك القيامة حلّت بك حتما لأن النبوءة عن الزلزال التى أنكرتها مذكورة بصراحة تامة في جريدة "الحكم العدد: ۱۹۰۳/۱۲/۲٤م الصفحة ١٥ العمود ٢، فافتح

Page 196

البراهين الأحمدية (۱۷۸) الجزء الخامس عينيك واقرأه واغرق في فنجان ماء، فهذا هو الزلزال المذكور الذي نزل الوحي الإلهي "عَفَتِ الدِّيار" - بعد الوحي الأول - تبيانا لملامحه.أفلم تحل بك القيامة؟! ولو قلت: إن الناس سيموتون يوم القيامة ولكني ما زلت على قيد الحياة، لقلتُ: الحق أنك قدمت موت الخزي والهوان، وإن موت الجسد لا يعني شيئا بعد الموت الروحاني.فهل يُعتبر حيًّا من ادعى بكل قوة وشدة أن كلمة "زلزال" لا توجد في النبوءة قط، ثم أصرّ بكل اعتزاز على أنه لا يمكن لك إلى يوم القيامة أن تقدم نبوءة تتضمن ذكر الزلزال، ثم كشف له أن النبأ الذي يتناول ذكر الزلزال بكلمات صريحة موجود في الحقيقة وقد نُشر في جريدة "الحكم" قبل إلهام: "عَفَتِ الدِّيَارُ" بخمسة أشهر.وإن إلهام: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" يوضح عظمة ذلك الزلزال وكيفيته، لذا لم تكن حاجة إلى إيراد كلمة "زلزال" مرة أخرى.قل الآن، ما أسوأ هذه الحياة إذ ادّعيت بعدم وجود شيء إلى يوم القيامة، ثم خرج الشيء نفسه من تحت إبطك! 11 1 ا خير للمرء أن يفقد الحياة من أن يفقد الحياء إن جهنم التي أخبر عنها القرآن سيحترق فيها هذا الشخص السيئ الكاذب" كل من ليس أعمى وليس ميتا يستطيع أن يفهم أن جميع مقتضيات الصفاء والجلاء وقوة البيان المطلوبة في النبوءات متوفرة في هذه النبوءة بالدرجة الأولى بل أكثر من ذلك.وإن إنكارها تعنت بحث يُفهم منه بصراحة أن صاحبه لا تعالى قط.وهذا ليس بالأمر الجديد بل اعتنقه في الأزمنة الخالية أيضا يؤمن بالله أناس عزموا على عدم قبول الحق بوجه من الأوجه.ا ترجمة بيتين فارسيين.(المترجم)

Page 197

البراهين الأحمدية (۱۷۹) الجزء الخامس لعلك تعترض أيضا في غمرة العناد أن الله تعالى قد أنبأ بحدوث الزلزال قبل خمسة أشهر ونُشر ذلك في جريدة "الحكم" في ١٩٠٣/١٢/٢٤م، ثم ذكر علامات شدة الزلزال ونتائجه المهولة بعد خمسة أشهر في وحي آخر، ولماذا لم يبين كلُّ ذلك دفعة واحدة؟ فلو أثرت هذا الاعتراض لما كان جديدا بل هو الاعتراض نفسه الذي وجّهه الملعونان أبو جهل وأبو لهب إلى القرآن الكريم قبل ١٣٠٠ عام قائلين: لولا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةٌ وَاحِدَةً.فإن هذا الاعتراض يدخل في "تشابهت القلوب" وينبغي على المسلم اجتنابه.قوله : لم تذكر في الإلهام ما المراد من الزلزال.أقول: إن كلمة "الزلزال" موجودة في وحي الله، ولكن الزلزال الذي سيحدث سيكون نموذجا للقيامة بل سيكون زلزال القيامة، وستنهدم بسببه آلاف المباني وتنمحي قرى عديدة ولن يكون له نظير في الأزمنة الخالية و سيموت بسببه آلاف الناس فجأة، وسيكون ذلك الحادث مما لم تره عين من قبل، فالهدام المباني بهذه الصورة وهلاك آلاف الناس دفعة واحدة وظهور الأمر الخارق للعادة هو المقصود الحقيقي من النبوءة.ومع أنه يُفهم من النبوءة أن المراد من الزلزال هو الزلزال بعينه دون شك، ولكن الأدب مع كلام أن تنتبه دائما إلى الهدف الحقيقي من ورائه وهو ظهور أمر خارق الله يقتضي كلمات للعادة ومعجز، وذلك دون الخوض في تفاصيل الزلزال وكيفيته - وإن كان ظاهر الكلمات يدل على الزلزال بعينه لأنه قد يكون المراد منه آفة شديدة أخرى لم يُلاحظ نظيرها في العالم من قبل ولكنها ستحمل في طياتها كيفية الزلزال وخاصيته.فمثلا قد يحدث الخسف دون أن يُشعر بالزلزال وتنقلب الفرقان: ٣٣

Page 198

البراهين الأحمدية (۱۸۰) الجزء الخامس الأرض رأسا على عقب، أو تظهر آفة أخرى بشكل خارق للعادة لم يسبق إليها علم الإنسان قط.فهي معجزة على أية حال.ولكن لو لم تظهر آفة شديدة الوطأة تهز العالم هزا، وتكون بصورة الزلزال بحسب ظاهر كلمات ،الوحى، بل ظهر أمر عادي يشهده العالم دائما وهو ليس خارقا للعادة وليس نموذجا للقيامة في الحقيقة بل هو أمر معتاد أو لم يظهر هذا الحادث في حياتي، فلكم أن تكذبوني على دقات الطبول وتعدّوني مفتريا.هذا الحادث العظيم هو أنه سيكون نموذجا للقيامة وسيدمر عالما في من الهدف لمح البصر، ويُدخل آلاف الناس في جماعتي.قوله : لقد طبقت العبارات في البراهين الأحمدية أيضا على الزلزال مستغلا الفرصة مع أنها لا تتضمن ذكر الزلزال.أقول: هذا الاعتراض يماثل الاعتراض الذي يوجهه القساوسة المعاصرون إلى نبوءة القرآن الكريم القائلة: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ، ويقولون بأن النبي الله اختلق هذه النبوءة تخمينا منه وتنبــــاً ﷺ بغلبة الروم نظرا إلى أن سلطنة الروم كانت قوية أصلا وكانت تملك من العدة والعتاد الحربي ما فيه الكفاية وكان جيشها متمرسا وشجاعا.أما حالة سلطنة إيران فكانت على عكس ذلك؛ فتنبأ بذلك نظرا إلى الظروف السائدة آنذاك.فلا أدري كيف تطرقت إليك عادات القسيسين وخصالهم؟! القساوسة الظالمون يوجهون إلى أنباء القرآن الكريم الاعتراض نفسه الذي أثرته أنت.عليك أن تتوب حتى لا تتشبه بهم أكثر فأكثر فتحرز فأكثر فتحرز "تقدما" من نوع آخر.وانظر إلى طبيعة اعتراضك بأعين ،مبصرة، إذ هناك نبوءة في الصفحة ٥٥٧ في ١ الروم: ٢-٤

Page 199

البراهين الأحمدية (۱۸۱) الجزء الخامس البراهين الأحمدية حيث يقول الله تعالى: "إنِّي سَأُرِي بَرِيْقِي، وَأَرْفَعُكَ مِنْ قُدْرَتِي.جَاءَ نَذِيرٌ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْكَرُوهُ أهْلُهَا وَمَا قَبلُوهُ، ولكنَّ اللهَ يَقْبَلُهُ، ويُظْهرُ صِدْقَهُ بِصَوْل قَوِيٌّ شَدِيدٍ صَوْلِ بَعْدَ صَوْلٍ ، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكَّا.قُوَّةُ الرَّحْمَن لِعُبَيْدِ اللَّهُ الصَّمَدِ." تأملوا الآن، ما الذي اختلقته من عندي؟ لقد وعد الله هنا بإظهار تجل كما أظهره لموسى على الطور، ووعد بإظهار قدرة تكون خارقة للعادة وتتسبب في رفعتي.ثم وعد للمرة الثالثة أنه تعالى سيُظهر صدقي بصولات قوية.وفي الأخير شرح ذلك الصول القوي وبريقه وتجلياته المذكورة آنفا وقال بأنه سيتجلّى على جبل معين تجليا خاصا ويجعله دكا.وإذا كانت عينك لا تقدر على أن ترى شيئا بسبب العناد فاسأل منصفا: هل وعد في هذه العبارة الإلهامية بآية عظيمة في الحقيقة أم هي من اختراعي الخاص؟! وإذا كان ذلك وعدا فهل يُستنبط من كلمات النبوءة أن الجبل سيجعل دكا كآية أم يُستنبط منها غير ذلك؟! أما الاعتراض بأنه لماذا لم ينتقل ذهني حينئذ إلى أن الجبل سيجعل دكًا في الحقيقة؟ فإن مَثَله كمثل عدم انتقال ذهن النبي الا الله إلى أن مكان هجرته الذي رآه في الكشف هو المدينة وليس اليمامة أو هجر.وكما لم يذهب وهل النبي إلى أنه لن يدخل مكة في أثناء السفر إلى الحديبية ولن يستطيع أن يطوف بالبيت فإذا كانت اعتراضاتك كالتي يثيرها الكفار الأشقياء على نبوءات النبي فأخشى أن ترتد عن الإسلام يوما من الأيام.لیکن معلوما الآن أن الله تعالى قد ذكر كلمة "الزلزال" بصراحة تامة في النبوءة المذكورة آنفا والمسجلة في الصفحة ٥٥٧ في البراهين الأحمدية، لأن ه الكلمات التي تحتها خط ترجمة المسيح الموعود ال للإلهامات الأردية، ونقلناها من كتابه الاستفتاء.(المترجم)

Page 200

البراهين الأحمدية (۱۸۲) الجزء الخامس الآية: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ تذكر حادثا حين أوقع الله تعالى زلزالا قويا على جبل الطور وجعله دكا كما ورد هذا الذكر مفصلا في التوراة.ففي هذه الحالة ماذا يمكن أن نسمي تصرفك هذا إلا العناد أو الغباوة، إذ تقول بأنه لا يوجد في هذه العبارات ذكر الزلزال.فيا أيها المسكين، إن لم يرد فيها ذكر الزلزال فعليك أن تنكر أيضا بأن جبل الطور كان قد دلاً نتيجة الزلزال.قوله: العبارة: "عَفَتِ الدِّيَارُ" تعني أن المباني قد دمرت في زمن مضى.أقول: الحمد لله على أنك قد قبلت على الأقل أن معنى: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" هو تدمير المباني والهدامها أما حصرك كلمة "عفت" على الزمن الماضي فقط فقد قدّمتُ نظائر من القرآن الكريم لدحض هذه الفكرة، بل يشهد بذلك جميع سكان العرب في حقنا.قل الآن، هل تبين لك إلى الآن كون النبوءة خارقة للعادة أم لا؟ وإذا قلت: لم يُحدَّد في النبوءة أي وقت، قلتُ: النبوءات التي يريد الله تعالى أن يبقى موعد تحققها خافيا لا يكشف عنها قط أنها ستتحقق في وقت كذا وكذا فما دام الله قد قال بكلمات واضحة إن النبوءة عن الزلزال ستتحقق في وقت لن يعرفه أحد بل ستظهر فجأة فإن الإخبار عنها مخالف لقوله هو.(انظروا الإعلان "النداء"، ص١٤) وإذا قلت ما أهمية النبوءة بدون تحديد الوقت، إذ تحدث الحوادث في العالم بين حين وآخر على جاري العادة؟ فجوابه أنه يكفي - بُغية التحديد- قول الله تعالى بأن هذا الحادث سيحدث في حياتي لتصديقي، وسيشهده عشرات الملايين من الناس الأحياء عندئذ، ويكون من النوع الذي لم يسبق له نظير في هذا البلد في غابر الأزمان.فيكفي من أجل التحديد أن زلزال القيامة هذا سيقع في حياتي وفي حياة معظم المعارضين.واعلم أن المعارضين في مكة أيضا طلبوا تحديد الوقت قائلين متى هذا الوعد ولكنهم لم يُخبروا بالوقت المحدد.

Page 201

البراهين الأحمدية (۱۸۳) الجزء الخامس قوله: يجب على الجرائد التي تهمها أمور الإسلام أن تنشر هذه الإعلانات وتخبر الناس بأنها كاذبة ولم ينبئ الميرزا بأية نبوءة.أقول: لا أدري بماذا أجيب على ذلك إلا لعنة الله على نشر الكاذبين.أما الجرائد مضمون التكذيب فإن ذلك القادر الذي أرسلني لا يبالي بذلك.هل لديدان الأرض أن تعرقل مشيئة السماء؟! لقد حرّض أبو جهل- عليه اللعنة- أمم العرب كلهم من قبل قائلا بأن هذا الشخص (أي النبي ﷺ مدع كاذب، وجمع الجهال حوله.ثم انظروا كيف كانت عاقبته، هل توقفت مشيئة الله بمكايده؟! بل قضى الله تعالى على ذلك الشقي في معركة بدر، وانتشر دين نبي الله الصادق فى العالم كله كذلك أقول صدقا وحقا إنه ليس لجريدة أن تردّ مشيئة الله المقدرة في السماء.إن غضب الله أكبر من غضب الإنسان.إن هذا الهجوم ليس علي بل على الله الذي خلق السماوات والأرض.يريد الله أن ينزه الأرض من الذنوب ويعيد أيام الصدق والحق والتوحيد.ولكن القلوب التي تحب الدنيا لا تريد أن تعود تلك الأيام.فيا أيها الجاهل، هل ستحارب الله؟ هل تقدر على محاربته؟ لو كان ذلك من كيد الإنسان لما كانت بك حاجة إلى المحاربة أصلا بل كان الله كافيا لإبادتي.ولكن هذه الجماعة موجودة منذ ٢٥ عاما تقريبا وتزداد تقدما في كل يوم جديد، وقد رزقها الله تعالى تقدّما يفوق العادة بحسب وعوده المقدسة.ولا بد أن يرزق هذه الجماعة تقدما كاملا قبل نهاية الدنيا.لقد أظهر الله تعالى لتصديقي آلاف الآيات التي يشهد لها مئات آلاف الناس، إذ ظهرت الآيات من الأرض ومن السماء أيضا، وقد ظهرت في الأصدقاء وفي الأعداء كذلك.وقلّما يمضي شهر دون أن تظهر فيه آية وهناك وعد الآن أيضا بآية تفوق العادة وقد سُمِّيت "زلزال" "القيامة وستُري العالم مشهدا لم يشهده من قبل قط.لماذا لا

Page 202

(١٨٤) الجزء الخامس البراهين الأحمدية تصبرون إلى فترة إن كانت لديكم خشية الله؟ الهدف الوحيد من هذا الزلزال هو أن يُظهر الله صدق الصادق، ويهيئ للناس فرصة ليروا الصدق بآية ساطعة.أن الإيمان بعد ذلك لن يكون جديرا بالإكرام الكثير ولكن المؤمنين سينالون حظا من الرحمة التي الرحمة التي أُعدت للمؤمنين.مع قوله : ألا تُبهت قصة ابنة أحمد بيك رونق إلهامات الميرزا ؟ أقول: أيها المعترض، ألم تكفك من قبل ندامة الاعتراضات الواهية حتى أخذت نصيبا من ندامة لغو هذا الاعتراض أيضا؟ فاسمع الآن بأذن واعية، إن لتلك النبوءة جزأين وكلاهما كان مشروطا بشرط.الجزء الأول كان مشروطا بموت أحمد بيك، بمعنى أنه لو لم يلتزم أحمد بيك بشروط وضعها الله تعالى لمات قبل نهاية ثلاثة أعوام.ولن يموت هو وحده بل سيموت معه عديد من أقاربه الآخرين أيضا.ولما لم يلتزم بالشروط وقاحة منه أماته الله تعالى قبل نهاية الميعاد، وحدثت معه وفيات عديدة أخرى أيضا.ولكن أُجل الشطر الثاني للنبوءة المتعلق بصهر أحمد بيك لأن بقية الناس أنشؤوا في قلوبهم خشية من جراء مضمون الشروط وخافوا كثيرا.كل واحد يستطيع أن يفهم أنه لو أنبئ عن موت شخصين ومات أحدهما في الميعاد لنشأ الخوف في قلب الثاني بطبيعة الحال.فكان ضروريا أن يخاف صهر أحمد بيك ومن معه كثيرا نظرا إلى موت أحمد بيك.فحين رأى الله تعالى خوفهم أجل تحقيق النبوءة عن موت صهر أحمد بيك بحسب وعده.ومَثَلها كمثل ما حصل في نبوءة موت ديتى عبد الله آتهم والبانديت ليكهرام.إذ إن عبد الله آتهم أظهر تخوفه الشديد حين سمع النبوءة عن ،موته فأخّر الله موته وبقى حيًّا إلى بضعة أشهر أخرى بعد الأيام المحددة.أما ليكهرام فقد تجاسر كثيرا بعد سماعه النبوءة وتجاوز الحدود في بذاءة اللسان، فرحل من هذا العالم قبل انقضاء المهلة المحددة.

Page 203

البراهين الأحمدية (110) الجزء الخامس الحق أن النبوءات التي ينبئ بها رسل الله وتحتوي على خبر موت أحد أو بلاء من البلايا تسمى أنباء الوعيد ومن سنة الله أن أنباء الوعيد يمكن أن تزول بالتوبة والاستغفار سواء أكانت مشروطة بشرط أم لا ، أو تؤجل كما حدث في نبوءة النبي يونس إن وعيد النبي يونس بالعذاب لقومه إلى أربعين يوما كان قاطعا، ولم يكن مشروطا بإيمان القوم أو تخوفهم.ولكن مع ذلك حين تضرع العذاب.الاعتقاد المسلم به باتفاق الأنبياء جميعا هو الله عنهم 28 القوم وبكوا رفع أن كل بلاء يريد الله تعالى إنزاله على عبد من عباده يمكن أن يزول عنه نتيجة الصدقة والتوبة والاستغفار فلو أخبر بي أو رسول أو مبعوث من الله بالبلاء الذي أُريد إنزاله لسُمِّي نبوءة الوعيد.ولأنه يكون بلاء فيمكن زواله بحسب وعد الله تعالى نتيجة التوبة والاستغفار والصدقة والدعاء والتضرع، أو يمكن تأخيره.ولو كان زوال البلاء الذي أخبر عنه نبوءة مستحيلاً نتيجة الصدقات وغيرها، لبطلت جميع الكتب الإلهية، ولفسد بذلك نظام الدين كله.الحق أن المعترض هاجم الإسلام بشدة، ولم يهاجم الإسلام فقط بل هاجم الأنبياء جميعا.وإن لم يهاجم قصدا فيثبت من ذلك جهله التام بالإسلام وشريعته.على المؤمنين أن يحذروا مثل هؤلاء الناس لأنهم لا يريدون من توجيه الاعتراض إلي مهاجمتي وحدي، بل الحق أنه ليس لديهم أدنى اهتمام بالإسلام، بل هم أعداؤه المستورون.حمى الله دينه من شرورهم.هذا المعترض الجاهل لا يدري أنه كما هو من صفات الله تعالى أنه يزيل نبوءات الوعيد بالتوبة والاستغفار والدعاء والصدقة، كذلك علم الإنسان أيضا الأخلاق نفسها، كما يثبت من القرآن الكريم والحديث الشريف أن التهمة التي ألصقها المنافقون بالسيدة عائشة رضى الله عنها بمحض خبث طويتهم اشترك في بيانها بعض الصحابة البسطاء أيضا.وكان منهم صحابي كان يأكل على

Page 204

البراهين الأحمدية (١٨٦) الجزء الخامس مائدة أبي بكر الله صباح مساء.فحلف أبو بكر على خطأ صدر من هذا الصحابي وعاهد على سبيل الوعيد بأنه لن يطعمه أبدا عقوبة على خطئه غير المبرر، فنزلت الآية: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ.عندها تراجع أبو بكر عن وعيده هذا وبدأ يطعمه كسابق عهده فمن أخلاق الإسلام أن المرء إن عاهد على سبيل الوعيد فإن رجوعه عن عهده يُعد من حسن الأخلاق.فمثلا لو أقسم أحد أنه سيضرب خادمه خمسين ضربة بالنعل لكان العفو عنه نتيجة توبته وتضرعه سنّة الإسلام ليتحقق التخلق بأخلاق الله.ولكن لا يجوز الإخلاف في الوعد، لأن الوعد وليس الوعيد - كان عنه مسئولا قوله : النبوءات الأخرى أسوأ منها حالا.جميعا؟! ومتى سنح - أقول: أيها الجاهل المتعنت، متى تسنى لك أن تتأمل في نبوءاتي وتطلع عليها لك أن تمكث في صحبتي وتشاهد آياتي بأم عينيك؟! بمن أُشبهك؟! إنك تشبه الأعمى الذي ينكر وجود الشمس ولا يتنبه إلى عماه.يمكن لكل مطلع على الأحوال أن يعرف جيدا هل حالة نبوءاتي سيئة أم حالة إيمانك.يكفي العقلاء هذا النموذج لاعتراضاتك بأن ما هو مسلم به عند جميع وعند كافة الفرق المسلمة هو مدعاة للاعتراض عندك وا أسفاه! هل هؤلاء الناس الذين لا يدرون عن تعليم الله ومعتقدات الإسلام شيئا يريدون أن يصبحوا زعماء الإسلام؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.الأنبياء أيها المعترض الظالم، هل رفعت القلم مع امتلاكك هذا المتاع الكاسد؟! أنك كنت مدفوعا بحماس الجهل ولكن هل كان ضروريا لك أن صحيح النور: ٢٣

Page 205

البراهين الأحمدية (۱۸۷) الجزء الخامس على وحي تفضح جهلك بنفسك؟ إذ كل ما قلته هو كذب صريح وكل شبهة أثرتها هي وسوسة شيطانية محضة.كيف خطر ببالك مع هذا العلم والمعرفة أن تعترض الله المقدس؟! لو لزمت الصمت لكان خيرا لك.ولكنك اشتريت الذنب بغير وجه حق وأطلعت الجميع على جهلك الكامن وفضحت نفسك على الملأ وطبقت على نفسك المثال الذي ذكره الشيخ سعدي في كتابه بوستان" حيث يقول: إن شخصا طيب الخُلق ذا لباس ،بال كان يعيش في مصر ساكتا واجما كان العالم يحتشد حوله إخلاصا كما تجتمع الفراشات حول المصباح ليلا فخطر بباله ذات ليلة أن الإنسان يُعرف بلسانه ولو بقيت هذه الفطنة في رأسي ،فقط كيف سيعرف الناس أني فطين؟ فتكلّم على الملأ، وعلم الأصدقاء والأعداء على السواء أنه أكثر الناس سفاهة في مصر فتفرق الناس من حوله شذر مذر وساءت أحواله، فغادر المكان وكتب على محراب المسجد ما يلي: لو رأيتُ وجهي في المرآة لما فضحت نفسي سفاهةً مني".إلى هنا قد انتهيت من الرد على اعتراضات محمد إكرام الله خان الشاهجهانبوري المنشورة في جريدة "بيسه أخبار اليومية، عدد ١٩٠٥/٥/٢٢م الصفحة ٥.ولكن بعث بعد ذلك أحد، دون أن يذكر اسمه، رسالة إلى حبي في الله المولوي عبد الكريم وطلب منه جوابا مناشدا إياه بالله على بعض الاعتراضات التي تتعلق بالنبوءات نفسها.ومع أن ردًّا كافيا على هذه ترجمة قصيدته الفارسية.(المترجم)

Page 206

البراهين الأحمدية (۱۸۸) الجزء الخامس الاعتراضات قد ورد سلفا في هذا الجزء من البراهين الأحمدية، ولكن ما دام المعترض قد طلب الجواب مناشدا بالله، لذا أرد لوجه الله على اعتراضاته فيما يلي بالإيجاز غير مبال بتكرار الكلام.قوله: العبارة: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" التي يعدّها المرزا المحترم إلهامه ووحيه إنما هي شطر من قصيدة شاعر خلا.فهل سبق أن أوحيت إلى الأنبياء حرفا حرفا كلمات خرجت من لسان إنسان من قبل؟ فلو استطعت أن تثبت ذلك فالاعتراض الثاني هو: ما الفرق إذا بين قول الله ني من وقول البشر؟! أقول: ذكرنا سابقا أنه لا حاجة إلى البحث عن ذلك في وقائع الأنبياء الله الآخرين، إذ قد أوحيت إلى نبينا بعض الكلمات وحيا من شخص قبله مثل : فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ إذ قد قالها عبد وقد تفوه بها الله بن أبي سرح، ثم نزلت العبارة نفسها في وحي القرآن.راجع الجزء السادس من التفسير الكبير للرازي الصفحة ٢٧٦ طبعة مصر، وفيما يلي نصه: "روى الكلبي عن الله ابن عباس رضي عنهما أن عبد الله سعد بن بن أبي ح كان يكتب هذه الآيات لرسول الله الله، فلما انتهى إلى قوله تعالى خَلْقًا آخَرَ ) عجب من ذلك فقال: فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ فقال رسول الله ﷺ: اكتب فهكذا الله نزلت.فشك عبد كما يوحى إليه، وإن كان كاذبا فلا خير في دينه، فهرب إلى مكة.فقيل إنه وقال: إن كان محمد صادقا فيما يقول فإنه يوحى إلي مات على الكفر وقيل إنه أسلم يوم الفتح." فانظروا الآن أن كلام الله الله توارد مع كلام عبد الله بن أبي سرح، أي قد خرجت من لسان عبد الله العبارة: فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) وجاءت العبارة نفسها في وحي الله أيضا.

Page 207

البراهين الأحمدية (۱۸۹) الجزء الخامس جرم بصورتها المنفصلة هي وإن قلت: ما الذي يميز إذا كلام الله من كلام البشر؟ قلتُ في الجواب أولا ما قاله الله تعالى بنفسه في القرآن الكريم بأن الكلام الذي يُعدّ كلام غير الله يجب أن يعادل سورة من سور القرآن المجيد كما، لأن هذا القدر ضروري لإثبات الإعجاز، كما يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ، و لم يقل الله فأتوا بآية من مثله أو فأتوا بكلمة من مثله.لا أن كلمات الله الكلمات نفسها التي كانت تجري على لسان الكفار أيضا ، ثم صارت الكلمات نفسها معجزة من حيث المجموع بسبب كونها محبّرة ومن حيث نظم الكلام ومستلزمات أخرى.والإعجاز الذي يوجد في أفعال الله هو أيضا من النوع نفسه، بمعنى أنها تشكل معجزة من حيث المجموع كما يصبح الكلام معجزة من حيث المجموع.ومما لا شك فيه أن الجمل الوجيزة التي يقولها الله تمتاز كليا عن كلام الإنسان من نيث ما تضم من معانٍ ،سامية فإنها تتضمن لا محالة أنوارا كامنة، هي روح تلك الكلمات، وإن لم يبلغ الإنسان إلى حقائقها ومعارفها الكامنة، كما تحتوي الآية: فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ على إعجاز فريد لعلاقتها مع آيات سبقتها، بمعنى أنها تزخر بفلسفة روحانية هي معجزة بحد ذاتها لا يوجد نظيرها في كلام البشر.و بيان ذلك أن الله قد بيّن في بداية سورة المؤمنون" التي وردت فيها الآية: ﴿فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، كيف يصل الإنسان إلى كماله الروحاني والجسدي بعد اجتيازه المراتب الست الضرورية لتكميله.فقد الارتقاء الروحاني والجسدي إلى ست مراتب، وجعل المرتبة السادسة قسم بمنزلة الله كلا من مرتبة البقرة: ٢٤

Page 208

(۱۹۰) الجزء الخامس البراهين الأحمدية كمال الارتقاء.وبين التطابق بين الارتقاء الروحاني والمادي بصورة خارقة للعادة بحيث لم يسبق إلى هذه المعرفة الجليلة ذهن أي إنسان منذ أن خُلق، وإن ادعى أحد بذلك فعليه تقع المسئولية أن يثبت وجود هذه الفلسفة المقدسة في كتاب بشر.واعلموا أنه لن يقدر على إثباته أبدا فإنها معجزة واضحة أن الله أظهر في هذه الآيات المباركة التطابق العميق الموجود بين الارتقاء الروحاني والمادي الذي يواجه الإنسان في سبيل بلوغه مرتبة الوجود الكامل.ويتبين من هنا أن الخلق الباطني والظاهري يصدران عن يد واحدة، ألا وهي يد الله.لقد أثار بعض الجهلاء اعتراضا آخر أيضا، وهو أن صورة الوجود للإنسان المادي- كما صوّرها الله تعالى في القرآن الكريم بدءا من حالة النطفة إلى وجوده الجسدي- ليست بصحيحة بحسب الاكتشافات الطبية الحديثة في العصر الراهن ولكن ذلك يدل على حمقهم إذ فهموا من هذه الآيات كأن الله الله يخلق في الرحم جسم الإنسان بحيث يتفرغ أولا من خلق عضو واحد تماما ثم يخلق عضوا آخر.ولكن الآيات لا تعني ذلك بل كما شاهدنا بأم أعيننا حالات الأجنة من المضغة فما فوقها أن الخالق الحقيقي يخلق في الرحم جميع الأعضاء الداخلية والخارجية في آن معا، أي كلها تتكوّن في وقت واحد دون أن يكون في خلقها تقدم أو تأخر غير أنه من الثابت أن وجود الإنسان يكون أولا علقة ثم تتحول العلقة كلها إلى مضغة في وقت واحد، ثم يصبح بعضها عظاما في مواضعها المناسبة، ثم تكسى هذه المجموعة كلها لحما في وقت واحد يقال له جلد ،الجسد، ويُضفى عليه الحسن والجمال وفي هذه المرحلة يكتمل تكوين الجسم، ثم تُنفخ فيه الروح، وكل هذه المراحل قد شاهدناها بأعيننا.والآن أتناول ذكر المراحل الست الروحانية كما ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم فيقول تعالى: (۱) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ

Page 209

البراهين الأحمدية (191) الجزء الخامس خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (۳) ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۚ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)) (٥) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٦) ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ.وبإزائها جعل له الا الله است مراحل للارتقاء الجسدي أو المادي كما يقول بعد هذه الآيات: (۱) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةٌ فِي قَرَارِ مَكِينِ (۲) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) (۳) فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً (٤) فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا (٥) فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) (٦) ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ".من البديهي كما قلتُ من قبل أن المرتبة الأولى للارتقاء الروحاني مذكورة في الآية: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ...أي يبقون مشغولين في ذكر الله برقة وحرقة، وبإزائها ذكرت المرحلة الأولى للارتقاء الجسدي أو المادي في الآية: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِين.فقد جعل الله لا النطفة هى المرتبة الأولى لوجود الإنسان المادي بعد خلق آدم.ومن البديهي أن النطفة البذرة التي تتضمن إجمالا جميع القوى والصفات والأعضاء الداخلية والخارجية والصورة والملامح التي تظهر في هي المرتبة الخامسة مفصلا، ثم تظهر في المرتبة السادسة بوجه أتم وأكمل." المؤمنون: ٢-١٠ المؤمنون: ١٤ - ١٥ المراد من المراتب هنا هي تلك المراتب المذكورة آنفا.والمرتبة الخامسة هي تلك التي يتكون فيها الجسد الإنساني في الرحم بالتمام والكمال بقدرة الخالق القدير، وتكسى

Page 210

البراهين الأحمدية (۱۹۲) الجزء الخامس ولكن مع كل ذلك تكون النطفة في خطر أشد مقارنة مع بقية المراتب لأن الرحم لم يجذبها إليه بعد فهي كالبذرة التي لم تتمكن في الأرض و لم تحظ بجذب من الرحم إلى الآن.ومن الممكن أن تضيع بعد الدخول في الرحم كالبذرة التي تضيع أحيانا في أرض صلدة.ومن الممكن أيضا أن تكون النطفة ناقصة في حد ذاتها، أي يكون فيها شيء من العيب وتكون غير قابلة للنشوء والنمو، أو ينقصها ما يجعلها جديرة ليجذبها الرحم إليه وتكون كالميت الذي لا حراك فيه.كما يُزرع البذرُ البالي في الأرض ولكنه لا يكون قابلا للنشوء والنمو من جراء العيب فيه، وإن كانت الأرض صالحة وخصبة.كذلك من الممكن ألا تتعلق النطفة بالرحم ويحرمها الرحم من الجذب إليه جراء بعض العيوب الأخرى التي لا حاجة إلى الخوض في تفصيلها، كما تُداس البذرة تحت الأقدام أحيانا أو تأكلها الطيور أو تتلف لسبب آخر.هذه الصفات نفسها توجد في المرتبة الأولى لوجود المؤمن الروحاني.والمرتبة الأولى لوجود المؤمن الروحاني هي تلك الحالة من الخشوع والخضوع والرقة والحرقة والذوبان التي تتيسر للمؤمن في الصلاة وذكر الله، أي خلق الإنسان في نفسه حالة الذوبان والرقة والتواضع والعجز والتذلل وانقياد الروح والاضطراب والقلق والحرقة، وإيراد خشية الله على نفسه وصرف عنان القلب إلى الله وعل كما بينها الله تعالى في قوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).أي يفلح المؤمنون الخاشعون والمتواضعون في الصلاة وفي كل نوع العظام لحما جميلا، وفي المرتبة السادسة تُنفخ الروح في الجسد.وكما قيل في الأعلى إن المرتبة الأولى للوجود الروحاني هي الخشوع والخضوع والتضرع والحرقة.والحق أن هذه المرتبة أيضا تتضمن إجمالا الأمور التي تظهر للعيان جليا بعد ذلك في الوجود الروحاني للإنسان.منه.

Page 211

البراهين الأحمدية (۱۹۳) الجزء الخامس من ذكر الله، الذين يبقون مشغولين في ذكر ربهم بالرقة والخشوع والحرقة والقلق والكرب وحماس القلب.وهذه الحالة من الخشوع والخضوع المشار إليها آنفا هي المرتبة الأولى لتكوين الوجود الروحاني، أو قولوا بتعبير آخر بأنها هي البذرة الأولى التي تُزرع في أرض العبودية وتشمل إجمالا كافة تلك القوى والصفات والأعضاء والجوارح والصورة والملامح والحسن والجمال والشمائل الروحانية التي تظهر جليا وتتجلى بصورة بديعة للإنسان الكامل في المرتبة الخامسة والسادسة.ولأن حالة الخشوع والخضوع هي المرتبة الأولى للوجود الروحاني- كالنطفة للوجود المادي لذلك ذُكرت في المقام الأول في الآية القرآنية على غرار ذكر النطفة، وذُكرت بإزائها ليعرف الذين يتدبرون القرآن أن حالة الخشوع والخضوع في الصلاة هي كالنطفة للوجود الروحاني.وفيها تكمن جميع قوى الإنسان الكامل وصفاته وملامحه الروحانية مثل النطفة تماما، وكما تكون النطفة مهددة بالضياع ما لم تتعلق بالرحم كذلك تماما فإن الحالة الأولى للوجود الروحاني، أي حالة الخشوع والخضوع، أيضا لا تخلو من الخطر ما لم تتعلق بالرب الرحيم.1 اعلموا أن فيضان الله إذا كان بدون واسطة أي عمل، فيكون منشؤه صفة الرحمانية كما خلق الله له الا الله السماوات والأرض وما بينهما لفائدة الإنسان أو المرتبة الخامسة، كما بيناها من قبل، مذكورة في الآية: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ راعُونَ، والمرتبة السادسة مذكورة في الآية: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ وهذه المرتبة الخامسة تأتي بإزاء المرتبة الخامسة للوجود المادي التي تشير إليها الآية: فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا.والمرتبة السادسة تقابل المرتبة السادسة للوجود المادي التي تشير إليها الآية: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ)).منه.

Page 212

(198) الجزء الخامس البراهين الأحمدية خلق الإنسان نفسه، فكل هذه الأشياء جاءت إلى حيّز الوجود نتيجة فيض الرحمانية.ولكن عندما ينزل فيضان نتيجة عمل أو عبادة أو مجاهدة أو تنسك فيسمى فيضان الرحيمية.هذه هي سنة الله الجارية لبني آدم.فحين يختار الإنسان الخشوع والخضوع في الصلاة وذكر الله فإنه يجعل نفسه حينئذ أهلا لتلقي فيضان الرحيمية.فالفرق الوحيد بين النطفة والمرتبة الأولى للوجود الروحاني - وهي حالة الخشوع والخضوع هو أن النطفة تحتاج إلى جذب من الرحم، أما حالةُ الخشوع والخضوع فتحتاج إلى جذب من الرب الرحيم.وكما يمكن أن تضيع النطفة قبل أن يجذبها الرحم كذلك يمكن للمرتبة الروحانية الأولى، أي حالة الخشوع والخضوع أن تنعدم قبل أن تجذب إلى الرحيم وتتعلق به.كما ترون أن أناسا كثيرين يبكون بشدة في صلواتهم في بداية الأمر ويظهرون حالة الوجد ويصيحون ويُبدون أنواع الجنون في حب الله، ويُظهرون أنواع العشق، ولكن إذ لم يملكوا علاقة بالله ذي الفضل الذي يُسمّى رحيما و لم يُجذبوا إليه بتجليه الخاص، فإن تضرعهم وذوبانهم وخشوعهم وخضوعهم كله يكون بلا حقيقة وفي كثير من الأحيان تزل قدمهم فتصير حالتهم الأخيرة أسوأ من الأولى فهذا تطابق عجيب وشيّق.فكما أن النطفة التى هى المرتبة الأولى للوجود المادي ليست بشيء ما لم يجذبها الرحم إلى نفسه كذلك تماما إن حالة الخشوع والخضوع هي المرتبة الأولى للوجود الروحاني وليست بشيء ما لم يجذبها رحم الله إلى نفسه.لذلك ترون ألوفا من الناس الذين كانوا يحظون في فترة من حياتهم بالخشوع والخضوع في صلواتهم وذكر وكانوا يبكون وتغمرهم حالة الوجد، ثم داهمتهم لعنة فمالوا دفعة واحدة إلى الأهواء النفسانية وفقدوا من جراء الدنيا الدنية الله وشهواتها كل ما كانوا قد وجدوه.فهذا مقام خوف، لأن حالة الخشوع

Page 213

البراهين الأحمدية (190) الجزء الخامس والخضوع تضيع في كثير من الأحيان قبل توطيد علاقتها بالرحيمية، وتفنى وتنعدم قبل أن يعمل فيها جذب الله الرحيم عمله.ففي هذه المرحلة تشبه الخشوع- التي هي المرتبة الأولى للوجود الروحاني- النطفة التي تضيع حالة قبل أن يجذبها الرحم إليه.فالخلاصة أن المرتبة الأولى للوجود الروحاني، وهي حالة الخشوع، والمرتبة الأولى للوجود المادي، أي النطفة، متشابهتان هذه الناحية؛ بمعنى أن المرتبة من الأولى للوجود المادي أي النطفة ليست بشيء يُذكر دون جذب الرحم، كذلك المرتبة الأولى للوجود الروحاني، أي الخشوع، أيضا ليست بشيء يُذكر دون جذب الرحيم.وكما أن ألوفا من النطف في الدنيا تضيع، وهي في حالة النطفة، ولا تتعلق بالرحم كذلك تماما إن ألوفا من حالات الخشوع في الدنيا لا تتعلق بالرحيم وتذهب سدى يفرح آلاف الجهلاء بحالة خشوعهم وخضوعهم وبكائهم وتضرعهم التي تعتريهم لبضعة أيام ويزعمون أنهم أصبحوا أولياء الله الصلحاء والأقطاب ودخلوا في زمرة الأبدال ووصلوا إلى الله، بينما الحال أنهم ليسوا بشيء ولا يزالون كالنطفة أو البرعم الذي لم يمسسه نسيم الصبا.يا أسفا! فقد هلك عالمٌ من جراء مثل هذه الظنون الباطلة.ومن الخشوع والخضوع واعلموا أن المرتبة الأولى للحالة الروحانية التي هي يمكن أن تضيع لأسباب مختلفة، كما أن النطفة التي هي مرتبة أولى للوجود المادي- يمكن أن تضيع نتيجة حوادث مختلفة، من جملتها العيب الذاتي فيها.فمثلا قد تشوب هذا الخشوع شائبة من الشرك أو البدعة أو اللغو.فمثلا يمكن أن تثور الأهواء النفسانية وتتلاطم العواطف النفسانية الخبيثة أو تأخذ بالقلب العلاقات السفلية أو تغلبه أمانٍ لاغية لجيفة الدنيا.فبناء على هذه العلل الخبيثة لا تصلح حالة الخشوع ليوطد الله الرحيم علاقته معها، كما لا يمكن أن تتعلق

Page 214

البراهين الأحمدية (197) الجزء الخامس بالرحم النطفة التي فيها عيب أيا كان نوعه لهذا السبب لا يعود خشوع الرهبان.الهندوس وتواضع القسيسين المسيحيين عليهم بفائدة.ولو تقدموا في الخشوع والخضوع إلى أن تذوب أجسامهم وتصير هيكلا عظميا دون أن تكون عليها مسحة من اللحم فلن يُنشئ الرب الرحيم بهم علاقة، لأن في خشوعهم عيبا ذاتيا.وكذلك لا علاقة بالله الرحيم لأولئك المتصوفين المبتدعين من المسلمين الذين يتركون اتباع القرآن المجيد ويتورطون في ألوف البدعات، حتى أنهم لا يستحون من تعاطي الحشيش والبنج ،والخمر، وتكون لهم أنواع الفسق والفجور الأخرى مستباحة أيضا كحليب الأم.ولأنهم يكونون في حالة لا تنسجم مع العلاقة بالله الرحيم بل لأن كل هذه الحالات مكروهة عند الله الرحيم، لذا فإنهم مع وجدهم وطربهم ورقصهم بأسلوبهم وإنشاد القصائد وما شابه ذلك يكونون محرومين تماما من العلاقة بالله ويكونون كالنطفة التي احترقت نتيجة مرض الزهري أو الجذام و لم تعد صالحة لأن تعلق بالرحم.إذا فإن السبب وراء العلاقة مع الرحم أو الرحيم أو عدمها هُوَ هُوَ، والفرق الوحيد هو العلل الجسدية والروحانية.وكما أن النطفة لا تعود صالحة لتعلق بالرحم نتيجة عللها الذاتية وليجذبها الرحم إليه، كذلك حالة الخشوع التي هي بمنزلة النطفة لا تصلح ليُنشئ الله الرحيم علاقته معها بسبب عللها مثل الكبر والعُجب والرياء أو لضلالة أخرى أو بسبب الشرك.فإن أفضلية المرتبة الأولى للوجود الروحاني أي الخشوع تكمن كلُّها مثل النطفة تماما - في علاقتها الحقيقية بالله الرحيم.فإن لم تكن لحالة الخشوع علاقة حقيقة بالله الرحيم لا يمكن نشوء العلاقة الحقيقية، فمثلها كتلك النطفة الرديئة التي لا يمكن أن تكون لها علاقة حقيقية بالرحم.ولا يغيبن عن البال أن ما يتيسر للإنسان في بعض الأحيان من الخشوع والوجد والذوق أو المتعة واللذة في الصلاة أو ذكر الله ليس دليلا على أن

Page 215

البراهين الأحمدية (۱۹۷) الجزء الخامس لصاحبها علاقة حقيقية بالله الرحيم.كما إذا قُذفت النطفة في الرحم وحصلت المتعة أيضا فلا يُفهم من ذلك قط أنها تعلقت بالرحم، بل للعلاقة علامات وأمارات أخرى.فاللذة والمتعة في ذكر الله التي يُعبّر عنها بالخشوع بكلمات أخرى تشبه نطفةً تُقذَف في الرحم.ولا شك أن ذلك الوقت يكون وقت اللذة المتناهية من حيث المتعة المادية، ولكن مع ذلك إن قذف قطرة المني وحده لا يستلزم نشوء العلاقة بين النطفة والرحم أو أن تكون النطفة قد جُذبت إلى الرحم.كذلك المتعة الروحانية وحالة الخشوع لا تستلزم نشوء علاقة صاحبها بالله الرحيم وجذبه إليه.بل كما أن النطفة تُقذف أحيانا عند الزنا في رحم زانية تحصل للقاذف المتعة نفسها التي تحصل للمرء مع زوجته، كذلك تماما تشبه حالة خشوع عبدة الأصنام والمخلوق وخضوعُهم ومتعتهم متعة العاهرين.أي أن خشوع المشركين والذين يذكرون الله لأهداف دنيوية وخضوعهم يشبه نطفة تقذف في أرحام البغايا وتسبب متعةً على أية حال كما أن في النطفة قدرة على التعلق بالرحم، كذلك في الخشوع أيضا قدرة على التعلق بالله، ولكن حالة الخشوع والرقة والحرقة وحدها ليست دليلا على نشوء العلاقة بالفعل.كما يحدث في حالة النطفة التي تقابل هذه الحالة الروحانية- إذا أحد زوجته وقذفت النطفة في رحمها وحصلت لها المتعة الكاملة أيضا، جامع فإن الاستمتاع فقط لا يدل على أنها حملت حتما.فعلى غرار ذلك، مهما كانت حالة الخشوع والخضوع والحرقة مصحوبة بالمتعة واللذة فإنها ليست علامة حتمية على العلاقة بالله.أي أن مجرد حصول الخشوع والخضوع يمكن أن تصحب الخشوع والخضوع في حالتهما الابتدائية أنواع اللغو من الأعمال، كما يكون الطفل معتادا على البكاء بكثرة، ويخاف أبسط الأمور ويُظهر الخشوع والخضوع، ولكن مع كل ذلك يخوض الإنسان بطبيعته في أنواع اللغو في صباه.وفي أول الأمر يكون

Page 216

البراهين الأحمدية (۱۹۸) الجزء الخامس قط.فمن والبكاء والحرقة لأحد في الصلاة لا يستلزم علاقته بالله بالضرورة، بل يمكن أن توجد كل هذه الأشياء في أحد دون أن تكون له علاقة بالله.كما أن التجربة الصريحة شاهدة على أن أناسا كثيرين يجهشون بالبكاء في مجالس الإرشاد والنصيحة ومحافل الوعظ والتذكير وفي الصلاة وذكر الله وتستولي عليهم حالة الوجد ويصرخون ويظهرون الخشوع والخضوع وتسيل الدموع على خدودهم كالماء ويشرع بعضهم بالبكاء دونما سبب، بحيث إذا سمعوا أمرا بسيطا بكوا له فورا، ومع ذلك لا يجتنبون اللغو، بل يلازمهم لغو الكلام والأحاديث واللهو واللعب في كثير من الأحيان ملازمة القلادة الجيدَ.فيُفهم من ذلك أنهم ليسوا حائزين على أدنى علاقة بالله وليس في قلوبهم عظمة الله وهيبته الغريب حقا أن ترافق حالة الخشوع والخضوع والتضرع والحرقة نفوسا خبيثة من هذا النوع.وإنه لمقام عبرة ويثبت منه أيضا أن الخشوع والخضوع والبكاء والتضرع وحده بدون اجتناب اللغو ليس بمفخرة ، ولا هي علامة قرب الله أو العلاقة معه.وقد رأيتُ بأم عيني كثيرا من المتنسكين، وأناسا آخرين أيضا، كلما قرأوا بيتا أليما أو شاهدوا منظرا موجعا أو سمعوا قصة فاجعة، انهمرت دموعهم بسرعة هائلة كما يُمطر بعض السحب قطرات كبيرة بسرعة لا تدع للنائمين في أفنية دورهم فرصة أن يُدخلوا فرشهم بيوتهم قبل أن تبتل.ولكني أشهد شهادة عيان بأنني وجدت أكثرهم مخادعين جدا، بل سبقوا في ذلك أبناء ميالا إلى اللغو من الأحاديث والأعمال، وفي معظم الأحيان يحب الخوض في لغو الأعمال من قفز ولهو ولعب لدرجة الإضرار بجسمه أيضا في كثير من الأحيان.فيتضح من ذلك أن اللغو يعترض سبيل الإنسان أولا من حيث طبيعته، فلا يمكنه أن يبلغ أية مرتبة أخرى قبل اجتياز هذه المرتبة.فبطبيعة الحال إن أولى مراتب البلوغ هي اجتناب لغو الطفولة.ويثبت من ذلك أن أول ما يواجهه الإنسان بطبيعته هو اللغو.منه.

Page 217

البراهين الأحمدية (199) الجزء الخامس الدنيا.وقد وجدت بعضهم يملكون طبائع خبيثة وهم خائنون وأشرار بكل ما للكلمة من معنى، حتى أني أكره بعد ما شاهدت عادة بكائهم وتضرعهم وخصلة خشوعهم وخضوعهم أن يبدر مني في مجلس خشوع وخضوع وتضرع من هذا النوع.صحيح أن هذه الصفة كانت في زمن من الأزمان علامة الصلحاء جه خاص، أما الآن فقد أصبحت عادة المحتالين المخادعين، إذ بو يلبسون ثيابا خضرا ولهم ذوائب مسترسلة ويحملون المسبحة في اليد وأعينهم تسكب الدموع باستمرار، وشفاههم في حركة دائمة وكأنهم يذكرون الله في ذلك كل لحظة، ومع هم خائضون في البدعات.هذا ما يُظهرونه على الملأ كعلامات تنسكهم وتصوفهم، ولكن قلوبهم محذومة، ومن حب الله محرومة، إلا ما شد وندر.أما الصلحاء الذين يصدر منهم كل عمل نتيجة الحماس والحال وليس عن التصنع والقال فهم مستثنون من كلامي هذا.على كل حال من الثابت أن البكاء والخشوع والخضوع ليس بعلامة خاصة بالصلحاء وحدهم، بل قوة مودعة في الإنسان وتظهر للعيان في محلها وغير محلها أيضا أحيانا.فقد يقرأ الإنسان أحيانا قصة خيالية ويعرف جيدا أنها وهمية من ذلك عندما يصل إلى نقطة أليمة فلا يملك نفسه بل تجري نوع الأقاصيص ومع دموعه عفويا ولا تكاد تتوقف.وقد وُجدت قصص كهذه مؤثرة لدرجة أن الإنسان يسرد بنفسه قصة موجعة ويبلغ إلى ذكر حادث أليم فتغرورق عيناه بالدموع ويصبح صوته كالباكي، وأخيرا تنحدر العبرات من مآقيه ويتدفق بكاؤه وتحصل له لذة البكاء ومتعته، وذلك أنه مع يعرف جيدا أن ما أبكاه هو باطل أصلا لا حقيقة من ورائه وقصة خيالية لا أصل لها فما هو السبب وراء كل ذلك؟ السبب الوحيد هو أنه ليست لقوة الخشوع والخضوع والبكاء والتضرع المودعة في الإنسان علاقة بصحة قصة أو عدمها، بل كلما تسنت ظروف مواتية

Page 218

البراهين الأحمدية (..).لإثارة تلك القوة، هاجت فيه تلك الرقة تلقائيا، فينال المرء نوعًا الجزء الخامس من اللذة والمتعة سواء أكان مؤمنا أم كافرا فلهذا السبب يحدث في المجالس غير المشروعة والمحتوية على أنواع البدعات أن خليعي الرسن يُظهرون أنفسهم في حلل المتصوفين؛ يبدأون بالرقص نتيجة سماعهم أبيات القصائد المتنوعة ومتأثرين لألحان وأغاني ويترنحون ويبكون ويستمتعون بطريقتهم ويظنون أنهم واصلون إلى الله.ولكن هذه اللذة تشبه لذةً تحصل للزاني من الزانية.ثم هنالك مماثلة أخرى بين الخشوع والنطفة وهي أن نطفة المرء عندما تدخل في مهبل زوجته أو غيرها فإن دخولها في المهبل وسيلانها بعد التدفّق يشبه البكاء تماما كما أن نتيجة الخشوع هي البكاء.وكما تتدفق النطفة تلقائيا وتُقذَف كذلك تماما تكون حالة البكاء عند كمال الخشوع إذ تتدفق الدموع من الأعين تلقائيا.وكما أن لذة القذف تكون حلالا تارة عندما يجامع المرء زوجته وتكون حراما تارة أخرى عندما يجامع الزانية، كذلك تماما هو حال الخشوع والخضوع والحرقة والبكاء؛ أي يكون الخشوع والحرقة أحيانا الله الأحد الذي لا شريك له دون أن تشوبه شائبة من الشرك أو البدعة، فتلك اللذة الناتجة عن الخشوع والخضوع تكون حلالا.وفي بعض الأحيان تحصل لذة الخشوع والخضوع والبكاء من عبادة المخلوق أو الأوثان والأصنام أو من البدعات، ولكنها تشبه لذة الزنا.فباختصار، إن مجرد الخشوع والخضوع والتضرع والبكاء ولذاتها، لا تستلزم العلاقة بالله، بل كما تضيع نطف كثيرة ولا تقبلها الأرحام، كذلك تماما هناك أنواع من الخشوع والخضوع والتضرع والبكاء والعويل ليس مآلها وعاقبتها إلا ضياع الأبصار إذ لا يقبلها الله الرحيم.فملخص الكلام أن حالة الخشوع التي هي المرتبة الأولى للوجود الروحاني تشبه تماما النطفة التي هي المرتبة الأولى للوجود المادي كما كتبناه آنفا

Page 219

البراهين الأحمدية (۲۰۱) الجزء الخامس بالتفصيل.وهذه المشابهة ليست بأمر عادي وبسيط بل بينهما مشابهة تامة وكاملة بمشيئة خاصة للخالق الأزلي جلّ شأنه حتى ورد في كتاب الله أيضا أن هاتين اللذتين ستتوفران في العالم الثاني أيضا، ولكنهما ستتقدمان في المماثلة فتصبحان شيئا واحدا؛ بمعنى أنه عندما يحب المرء زوجته في تلك الدار ويجامعها، لن يستطيع أن يفرّق إذا كان يحب زوجته ويجامعها أم هو غارق في بحر حب الله الذي لا شاطئ له وإن هذه الكيفية تستولي في هذه الدار أيضا على الواصلين إلى حضرة العزة، ولكنها تفوق إدراك أبناء هذه الدنيا والمحجوبين.إلى هنا قد انتهينا من بيان أن المرتبة الأولى للوجود الروحاني- أي حالة الخشوع والخضوع - تشبه مشابهة تامة المرتبة الأولى للوجود المادي، أي النطفة.ولا بد من البيان الآن أن المرتبة الثانية للوجود الروحاني أيضا تشابه وتماثل المرتبة الثانية للوجود المادي، فإليكم تفصيلها: فكما ذكرنا من قبل أن المرتبة الثانية للوجود الروحاني هي التي ذكرت في الآية الكريمة: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ( أي المؤمنون هم الذين يجتنبون الأحاديث اللاغية والأعمال اللاغية والتصرفات اللاغية والمجالس اللاغية ما والصحبة اللاغية والعلاقات اللاغية والمرتبة الثانية للوجود المادي بإزائها هي سماه الله في كلامه العزيز بالعلقة كما يقول: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً أَي عصمنا النطفة الضياع من سدى وجعلناها علقة نتيجة تعلقها بالرحم وتأثيره، بينما كانت من قبل عرضة للخطر وما كان يُدرى هل ستتحوّل إلى وجود إنساني أو ستضيع سدى.ولكنها عُصمت من الضياع بعد التعلق بالرحم، المؤمنون:

Page 220

البراهين الأحمدية (۲۰۲) الجزء الخامس وحدث فيها تغير جديد لم يكن من قبل، أعني تحولت إلى دم متخثّر وغلظ قوامها أيضا وحصلت لها علاقة بالرحم فسُمِّيت عَلَقَةً، واستحقت المرأة في هذه المرتبة أن تسمى حُبلى.وبسبب هذه العلاقة صار الرحم مشرفا عليها، وشرعت النطفة تنمو وتترقى في ظله وكنفه.ولكن لم تنل النطفة حظا كبيرا من الطهارة في هذه المرتبة، غير أنها صارت دما متخثّرا وعُصمت من الضياع بسبب علاقتها بالرحم فكما كانت النطفة تضيع سدى في بعض الحالات الأخرى وكانت تسيل إلى الخارج عبثا وتلطخ الثياب، فقد سلمت الآن من الضياع سدى من جراء هذه العلاقة.ولكنها ليست إلا دما متخثّرا لم تتطهر من تلوّث النجاسة الخفيفة.ولو لم تحصل لها هذه العلاقة مع الرحم لكان ممكنا أن تفسد بعد دخولها المهبل أيضا وتسيل إلى الخارج، ولكن أمسكتها قوة الرحم المدبرة بجذبها الخاص، ثم حولتها إلى دم ،متخثّر، فسُمِّيت عَلَقَةً بناء على هذه العلاقة، كما ذكرنا آنفا و لم يؤثر فيها الرحم تأثيرا ملحوظا من قبل، أن هذه العلاقة منعتها من الضياع، وبسبب هذه العلاقة لم تبق فيها رقة غير كرقة النطفة، أي لم يعد قوامها رقيقا وخفيفا بل غلظ إلى حد ما.ومقابل العلقة التي هي المرتبة الثانية للوجود المادي هناك مرتبة ثانية للوجود الروحاني كما ذكرنا قبل قليل وتشير إليها الآية القرآنية: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ أي المؤمنون المفلحون هم الذين يُعرضون عن لغو الكلام والأعمال والتصرفات ولغو المجالس والصحبة والعلاقات وعن الثوائر اللاغية.فيبلغ إيمانهم درجة يسهل فيها عليهم هذا القدر من الإعراض عن الأمور اللاغية، لأنهم بسبب التقدم في الإيمان يحظون بالعلاقة مع الرب الرحيم إلى حد ما كالنطفة التي يحصل لها علاقة بالرحم إلى حد ما عند تحولها إلى علقة، فتصبح في مأمن من الضياع سدى بالقذف لغوا، أو السيلان أو بطريق آخر، إلا ما شاء الله.

Page 221

البراهين الأحمدية (۲۰۳) الجزء الخامس ففي هذه المرتبة الثانية للوجود الروحاني تُشبه العلاقة بالرب الرحيم تماما بعلاقة العلقة بالرحم في المرتبة الثانية للوجود المادي.وكما تكون النجاة مستحيلة من العلائق اللاغية والأعمال العبثية قبل ظهور المرتبة الثانية للوجود الروحاني، وتضيع المرتبة الأولى للوجود الروحاني، أي الخشوع والخضوع، في كثير من الأحيان فتكون العاقبة سيئة، كذلك تماما تضيع سدى النطفة، التي هي مرتبة أولى للوجود المادي مئات من المرات قبل أن تصبح علقة.ثم عندما تقتضي مشيئة الله أن تعصمها من الضياع لغوا تتحول النطفة نفسها إلى العلقة بأمر الله ،وإذنه، وتسمى عندئذ مرتبة ثانية للوجود المادي.فباختصار، المرتبة الثانية للوجود الروحاني، أي اجتناب اللغو من الأقوال والأفعال والإعراض عن الأمور اللاغية والعلاقات اللاغية والثوائر النفسانية، لا تتيسر للإنسان ما لم تحصل له العلاقة بالرب الرحيم، لأن قوة العلاقة وحدها تستطيع أن تقطع العلائق الأخرى وتعصم صاحبها من الضياع.وإن تسنى للإنسان في صلواته الخشوع والخضوع، الذي هو المرتبة الأولى للوجود الروحاني، إلا أن ذلك الخشوع لا يستطيع أن يمنع صاحبه من لغو الكلام والأفعال أو الثوائر اللاغية ما لم تحصل له مع الرب الرحيم تلك العلاقة التي تحصل في المرتبة الثانية للوجود الروحاني.ومثلها كمثل النطفة التي لا تسلم من الضياع سدى ما لم تتعلق بالرحم، وإن جامع المرء زوجته أكثر من مرة كل يوم.فقول الله : وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ يعني أن المؤمنين هم الذين العلاقات اللاغية وإن إبعاد المرء نفسه من العلاقات اللاغية مدعاة يتنځون عن للعلاقة بالله فكأن صرف عنان القلب عن الأعمال اللاغية يعني تعليق القلب التنحي عن العلاقات اللاغية مدعاة للعلاقة بالله، لأن الله الله وعد في هذه الآيات بقوله : أَفْلَحَ أن الذي يعمل عملا لابتغاء الله ليدركنّ الله بقدر جهده وسعيه، وسينشئ

Page 222

البراهين الأحمدية (٢٠٤) الجزء الخامس بالله، لأن الإنسان خُلق للتعبد الأبدي، وحب الله موجود في قلبه بصورة طبيعية.لذلك هناك علاقة أزلية بين الله وبين روح الإنسان كما يتيين من الآية: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى والعلاقة التي يحظى بها الإنسان بعد انزوائه إلى كنف الرحيمية أي بواسطة -العبادة التي مرتبتها الأولى هي الإيمان بالله ثم اجتناب كل كلام لغو وفعل لغو ومجلس لغو وحركة لاغية وعلاقة لاغية وثائرة لاغية، ليست بشيء جديد، وإنما هو إخراج تلك العلاقة الأزلية نفسها من مَكْمَن القوة إلى حيّز الفعل.وكما ذكرت سابقا أن المرتبة الأولى للوجود الروحاني- أي الخشوع والخضوع والرقة والتضرع والحرقة في الصلاة وذكر الله - إنما هي نقطة انطلاق فقط في حد ذاتها، بمعنى أنه ليس محتوما أن يكون الخشوع مقرونا بترك اللغو أو مصحوبا به، وترافقه فوق تلك الأخلاق الفاضلة والعادات المهذبة أيضا، بل من الممكن أن لا يكون قلب الذي يُظهر الخشوع والخضوع والرقة والوجد والبكاء في الصلوات – وإن كان إلى درجة أن يؤثر في الآخرين أيضا – منزها عن لغو الأحاديث والأعمال والتصرفات ولغو المجالس والعلاقات والثوائر النفسانية.أي من الممكن ألا يكون قد تخلّص من المعاصي إلى الآن، لأن تطرق الخشوع علاقته معه.فالذي يترك اللغو بغية الصلة بالله فيحظى بصلة خفيفة بالله تعالى بحسب وعده المذكور في أفلح، لأن ما عمله هو أيضا ليس بعمل جبار بل قطع علاقة بسيطة مع اللغو.ولا يغيبن عن البال أن لفظ أفلح كما هو موجود في الآية الأولى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ، كذلك يتعلق هذا اللفظ بالآيات التالية كلها كوعد على سبيل العطف.فالآية (وَالَّذِينَ هُمْ عَن اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) تعنى أيضا: قد أفلح المؤمنون الذين هم عن اللغو معرضون والإفلاح أي لفظ أَفْلَحَ - يتضمن معنى خاصا في كل مرتبة من مراتب الإيمان ويبشر بعلاقة خاصة.منه.الأعراف: ۱۷۳

Page 223

البراهين الأحمدية (۲۰۵) الجزء الخامس والخضوع إلى القلب بين فينة وفينة أو حصول المتعة واللذة في الصلاة شيء وطهارة النفس شيء آخر.وإن يكن خشوع سالكِ وخضوعه وتضرعه ورقته ووجده منزها عن شوائب البدعة والشرك أيضا مع ذلك فإن الذي لم يبلغ وجوده الروحاني إلى المرتبة الثانية فإنه قاصد فقط إلى القبلة الروحانية، ولكنه ما زال هائما في الطريق، وما زالت تعترض طريقه أنواع البراري والقفار المتنوعة والفلوات الشائكة والجبال الشامخة والبحار العظيمة الهائجة والمائجة، والسباع والوحوش الضواري أعداء الإيمان والروح، وتتربص به ما لم يبلغ المرتبة الثانية.اعلموا أن حالة الخشوع والخضوع والتذلل لا تستلزم العلاقة الصادقة بالله بالضرورة بل الأشرار أيضا كثيرا ما يخشعون برؤيتهم نموذج القهر الإلهي دون أن تكون لهم أدنى علاقة مع الله أو أن يكونوا قد تخلصوا من لغو الأعمال.فمثلا الزلزال الذي ضرب الأرض في ۱۹۰٥/٤/٤ م قد أحدث حينها خشوعا وخضوعا وتضرعا في مئات الألوف من القلوب، حتى لم يعد لهم شغل غير ذكر الله والبكاء، حتى نسي الملحدون أيضا إلحادهم.ولكن لما مضى ذلك الوقت وهدأت الأرض تلاشى الخشوع والخضوع حتى سمعتُ أن بعضا من الملحدين الذين آمنوا بالله عندئذ قالوا فيما بعد بوقاحة متناهية وتجاسر متزايد بأننا أخطأنا بارتعابنا من الزلزال غير أنه لا وجود الله.باختصار، كما كتبت مرارا، فإنه من الممكن أن تصحب الخشوع والخضوع أرجاس كثيرة غير أنه كالبذرة للكمالات المقبلة، وإن اعتباره كمالا في حد ذاته إنما هو خداع المرء نفسه، بل توجد بعدها مرتبة أخرى يجب على كل مؤمن أن يبحث عنها، وينبغي ألا يتكاسل ولا يتوانى قبل الحصول عليها.وهي المرتبة التي بينها كلام الله بكلمات: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ،

Page 224

(٢٠٦) الجزء الخامس البراهين الأحمدية أي ليس المؤمنون هؤلاء فقط الذين يتحلون بالخشوع والخضوع ويُظهرون التضرع والحرقة في صلواتهم، بل المؤمنون الأعلى منهم مرتبة هم الذين مع تحليهم بالخشوع والخضوع والتضرع في صلواتهم يجتنبون لغو الكلام والأعمال والعلاقات كلها ولا يضيعون خشوعهم وخضوعهم بخلطها بلغو الأعمال والكلام، ويجتنبون بطبيعتهم اللغو بجميع أنواعه وتتولد في قلوبهم كراهية الكلام اللغو والأعمال اللاغية.ويكون ذلك دليلا على أنهم حائزون على علاقة بالله نوعا ما لأن الإنسان لا يُعرض عن جهة إلا إذا تعلّق بجهة أخرى.فلا يفتر قلبه حقا عن الأحاديث اللاغية والأعمال الفاسدة والصحبة الطالحة واللهو والعبث إلا إذا تعلق بالرب الرحيم وغلبت قلبه عظمته و وهيبته.كذلك لا تسلم النطفة من الضياع سدى ما لم تتعلق بالرحم وما لم يغلبها تأثيره.وعند نشوء هذه العلاقة تُسمَّى النطفة علقة.كذلك المرتبة الثانية للوجود الروحاني- التي هي إعراض المؤمن عن اللغو - تُسمّى علقةً من حيث الروحانية، لأن في هذه المرتبة تسيطر على قلب المؤمن هيبة الله وعظمته وتخلصه من الأحاديث والأعمال العابثة.وإن ترك المرء الأحاديث والأعمال العابثة إلى الأبد متأثرا بهيبة الحالة التي يقال لها "التعلق بالله" بتعبير آخر.ولكن هذه العلاقة الله وعظمته بالله هي التي تنشأ نتيجة ترك اللغو فقط هي علاقة بسيطة لأن السالك في هذه المرتبة يقطع علاقته باللغو فقط، ولكن قلبه يكون لا يزال معلقا بما تحتاج إليه النفس، وما تعتمد عليه سعة العيش، ولا يزال شيء من الرجس موجودا فيه، لذا شبه الله تعالى هذه المرتبة للوجود الروحاني بالعلقة.والعلقة هي الدم المتخثر، فيبقى فيه شيء من النجاسة لكونه دمًا.ويبقى هذا العيب موجودا في هذه المرتبة لأن أمثال هؤلاء الناس لا يتقون الله حق تقاته بعد و لم تترسخ في قلوبهم عظمة وهيبة حضرة العزة جَلَّ شأنه، لذا يقدرون على ترك لغو الكلام

Page 225

البراهين الأحمدية (۲۰۷) الجزء الخامس والأفعال فقط وليس أكثر من ذلك، فيبقى في نفوسهم الناقصة قدر من الرجس مع الله، دون قصد، أي يُعرضون عن اللغو فقط نتيجة إنشائهم علاقة بسيطة ولكن لا يقدرون على ترك ما يشق على النفس تركه، ولا يستطيعون أن يتركوا لوجه الله ما يستلزم ملذات النفس.فتبين من هذا البيان أن الإعراض عن اللغو فحسب ليس بعمل يستحق إشادة كبيرة، بل هي حالة أدنى للمؤمن وإن كانت فوق الخشوع والخضوع بدرجة واحدة.وقد جاءت المرتبة الثالثة للوجود الروحاني بإزاء المرتبة الثالثة من الوجود المادي، وتفصيلها أن المرتبة الثالثة للوجود المادي مذكورة في الآية الكريمة: فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، هذه هي المرتبة التي يتخلّص فيها وجود الإنسان المادي من النجاسة وتتدرج إليه شدة وصلابة نوعا ما أكثر من ذي قبل، لأن النطفة والعلقة - أي الدم المتخثر - تحتويان على نجاسة خفيفة، وهما ألين وأرق من المضغة قواما، ولكن المضغة وهي قطعة من اللحم- تنشئ في نفسها طهارة، وتكون أغلظ وأصلب نوعا ما من النطفة والعلقة من حيث القوام.وهذه هي حالة الوجود الروحاني في المرتبة الثالثة أما المرتبة الثالثة للوجود الروحاني فمذكورة في الآية: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ.ومعناها أن المؤمن الذي يتخطى المرتبتين الأوليين لا يجتنب لغو الأعمال والأقوال فحسب بل يؤتي الزكاة أيضا دحضًا لرجس البخل والشح الذي يوجد في كل شخص بطبيعته - أي ينفق في سبيل الله قسطا من ماله.وقد سُمِّيت الزكاة زكاةً لأن فاعلها يتزكى من رجس البخل بأداء هذه الفريضة، أي الإنفاق لوجه الله ماله الذي هو عزيز لديه جدا.وعندما يذهب من نفسه رجس البخل- الذي يرغب فيه المرء بطبيعته - يتطهر إلى حد ما، فيحصل له الانسجام نوعا ما مع الله الذي هو قدوس بذاته.من

Page 226

البراهين الأحمدية (۲۰۸) الجزء الخامس "إذا أراد أحد أن ينشئ علاقته بالله القدوس، فليطهر نفسه أولا، بعدها يمكنه الوصول إليه عل" هذه المزية لا توجد في المرتبتين الأوليين، لأن الخشوع والخضوع والإعراض عن اللغو فقط يمكن أن يتأتى أيضا للإنسان الذي لا يزال رجس البخل كامنا فيه.ولكنه عندما يتخلى لوجه الله عن ماله العزيز الذي عليه مدار حياته 6 وقوام معيشته والذي اقتناه بمشقة وادّخره بجهد جهيد وعرق جبين؛ يخرج من نفسه رجس البخل، وإلى جانب ذلك تتولد في إيمانه الشدة والصلابة أيضا.وأما المرتبتان السابقتان فلا يتسنى فيهما هذا النوع من الطهارة والتزكية بل تبقى فيهما نجاسة كامنة.والحكمة في ذلك أن الإعراض عن اللغو يسفر فقط عن ترك الشر الذي لا يهم لحياته وبقائه ولا يشق على النفس تركه.ولكن إيتاء المال الذي اقتناه بالمشقة ابتغاء مرضاة الله، إنما هو كسب الخير، وبذلك تذهب نجاسة النفس التي هي أسوأ من جميع النجاسات، أي يزول البخلُ والشح.لذا فإن هذه مرتبة ثالثة للإيمان وهي أشرف وأفضل من المرتبة الأولى والثانية، وتوازيها مرحلة المضغة من حيث تكوين الوجود المادي وهي أفضل من المرتبتين الأوليين النطفة والعلقة وتتميز بالطهارة، لأن النطفة والعلقة ملوثتان بنجاسة خفيفة.وأما المضغة فهى في حالة الطهارة.وكما تتدرج إلى المضغة طهارة ورقي في الرحم، وتتقوى علاقتها معه أيضا بالمقارنة.والعلقة وتزداد شدةً وصلابة أيضا، كذلك تماما تكون حالة الوجود الروحاني في المرتبة الثالثة التي يقول الله عنها: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ أَي المؤمنون هم الذين ينفقون أموالهم العزيزة عليهم في سبيل الله لتزكية أنفسهم ترجمة بيت أردي.(المترجم) مع النطفة

Page 227

البراهين الأحمدية (۲۰۹) الجزء الخامس من البخل، ويختارون هذا الأمر بطيب خاطرهم.فتوجد في هذه المرتبة الثالثة للوجود الروحاني المزايا الثلاث نفسها التي توجد في المرتبة الثالثة للوجود المادي، أي في المضغة، لأن هذه المرتبة، أي إنفاق المال في سبيل الله للخلاص من البخل والشح، وإيتاء المرء المال الذي كسبه واقتناه بالجهد والمشقة للآخرين لابتغاء وجه الله فقط مرتبة أرقى من المرتبة السابقة، أي الإعراض عن لغو الكلام ولغو الأعمال.وفي هذه المرتبة تحصل التزكية والطهارة من رجس البخل بالبداهة والوضوح، وتتقوى العلاقة بالرب الرحيم، لأن التخلي عن المال العزيز عليه ابتغاء وجه الله وحده أعز و أشق على النفس من ترك لغو الكلام.وبسبب تحمل هذه المشقة الشديدة تتقوى العلاقة بالله أيضا، ونتيجة العمل الشاق يزداد الإيمان أيضا شدة وصلابة.ثم تأتي المرتبة الرابعة للوجود الروحاني التي ذكرها الله في الآية الكريمة: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، أي المؤمنون فوق المرتبة الثالثة يعصمون أنفسهم من الأهواء النفسانية والشهوات الممنوعة.وهذه المرتبة تفوق المرتبة الثالثة لأن المؤمن الحائز على المرتبة الثالثة يؤتي ماله - الذي هو محبب وعزيز لديه في سبيل الله فحسب، أما المؤمن الذي يحتل المرتبة الرابعة فيضحي في سبيل الله بما هو أحب وأعز لديه من المال أيضا أي شهواته النفسانية، لأن الإنسان يحب شهواته حبا جما حتى أنه ينفق ماله العزيز كالماء لإشباعها، ويهدر آلافا مؤلفة من المال في هذا السبيل ولا يعبأ به مطلقا بغية إشباع شهواته.فيلاحظ أن الأناس ذوي الجبلة الخبيثة والأشحاء الذين لا يعطون فلسا واحدا لفقير ذي مسغبة عاري الجلدة بادي الجردة، يدفعون ألوفا للمومسات لإخماد ثورة غُلمتهم وقضاء شهواتهم ويخربون بيوتهم بأيديهم.

Page 228

البراهين الأحمدية (۲۱۰) الجزء الخامس فتبين من ذلك أن طوفان الشهوات طوفان جارف وسيل عرم يكتسح نجاسة البخل أيضا.فمن البديهي أن القوة الإيمانية التي يعصم بها الإنسان نفسه من طوفان الشهوات النفسانية هى أشد وأصلب وأكثر متانة لمواجهة الشيطان من القوة الإيمانية التي تدفع البخل فينفق الإنسان ماله المحبب في سبيل الله ابتغاء مرضاته- لأنها تدوس ثعبان النفس الأمارة القديم.أما البخل فيمكن أن يتلاشى في مواضع الرياء وإبراز النفس واستيفاء الملذات النفسانية.أما الطوفان الذي يهيج نتيجة غلبة الشهوات النفسانية فهو خطير جدا ويدوم طويلا ولا يزول قط إلا ما ربي.وكما أن العظم أصلب وأشد من جميع أعضاء الإنسان وعمره طويل، كذلك القوة الإيمانية التي تدفع هذا الطوفان أشد وأقوى بكثير وتبقى طويلا لتتمكن من دوس هذا العدو تحت الأقدام بعد مقاومة طويلة، وذلك بفضل الله وبرحمته فقط، لأن طوفان الشهوات النفسانية طوفان خطير ومخيف جدا ولا يزول بدون رحمة الله الأحد، لذلك اضطر يوسف ال.إلى القول: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) وكما وردت في هذه الآية عبارة: إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي كذلك وردت في ذكر الطوفان الذي حدث في زمن نوح اللي كلمات مماثلة كما قال الله تعالى: لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ"، أي أن الخلاص منها مستحيل إلا أن يرحم الله.وهذه إشارة إلى أن طوفان الشهوات النفسانية يشبه من حيث عظمته وهيبته الطوفان الجارف في عصر نوح ال.العليا.ومقابل هذه المرتبة الروحانية الرابعة للوجود الروحاني هناك مرتبة رابعة للوجود المادي كما ذكرت في الآية القرآنية فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا.يوسف: ٥٤ هود: ٤٤

Page 229

البراهين الأحمدية (۲۱۱) الجزء الخامس والمعلوم أن العظام تصبح أكثر صلابة وقوة من المضغة، وكذلك العظام أطول المضغة، ويمكن أن تبقى آثارها إلى آلاف السنين.فالمماثلة بين المرتبة بقاء من الرابعة للوجود الروحاني والمرتبة الرابعة للوجود المادي واضحة تمام الوضوح، لأن القوة الإيمانية والصلابة والعلاقة بالله الرحيم في المرتبة الرابعة للوجود الروحاني هي أزيد وأكثر، وذلك مقارنة مع المرتبة الثالثة للوجود الروحاني.كذلك المرتبة الرابعة للوجود المادي، وهي مرحلة تكوين العظام، أشد وأقوى من الدرجة الثالثة للوجود المادي أي المضغة وأقوى علاقة مع الرحم أيضا.وبعدها؛ المرتبة الخامسة للوجود الروحاني هي تلك التي ذكرها الله تعالى في الآية الكريمة: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ أي المؤمنون الحائزون على المرتبة الخامسة الذين فاقوا المرتبة الرابعة - لا يملكون الكمال فقط من حيث إنهم قهروا شهوات النفس الأمارة، ونالوا نصرا عظيما على أهوائها، بل يراعون أيضا جهد المستطيع جميع أمانات الله وأمانات خلقه من كل جهة، ويراعون جميع عهودهم من كل الجوانب، ويسعون جاهدين للسير في سبل التقوى الدقيقة، ويسلكون مسالكها بحسب قدرتهم وطاقتهم.الله والمراد من عهود هي العهود التي تؤخذ من المؤمن عند البيعة والإيمان، كاجتناب الشرك وقتل النفس بغير حق وغيرهما.إن كلمة رَاعُوْنَ التي وردت في هذه الآية تستعمل في اللغة العربية حين يحاول الإنسان السلوك بأدق السبل بقدر وسعه وطاقته، ويجتهد للعمل بجميع دقائقه، ولا يريد أن يترك جانبا من جوانبه.فمعنى هذه الآية أن المؤمنين الذين يحتلون المرتبة الخامسة للوجود الروحاني هم الذين يسلكون أدق سبل التقوى بحسب قدراتهم وطاقتهم الموهوبة، ولا يريدون أن يتركوا جانبا من جوانب التقوى التي تتعلق بالأمانات أو العهود،

Page 230

البراهين الأحمدية ويجعلون مراعاة جميع (۲۱۲) الجزء الخامس الأمانات والعهود نصب أعينهم.ولا يفرحون بأن يحسبوا أنفسهم أمناء وصادقين في عهودهم بصورة سطحية، بل يخشون في قرارة قلوبهم دائما أن تصدر منهم خيانة ولو في الخفاء.لذا يتنبهون جيدا بقدر استطاعتهم إلى جميع تعاملاتهم لئلا يكون فيها نقصان أو فساد باطني.وهذه المراعاة تُسمّى بـ "التقوى" بتعبير آخر.فلباب الكلام أن المؤمنين في المرتبة الخامسة من حيث الوجود الروحاني لا يكونون متحررين، خليعي الرسن في معاملاتهم، سواء مع الخالق أو مع المخلوق، بل يراعون أماناتهم وعهودهم إلى أبعد الحدود مخافة أن يقعوا تحت طائلة المسئولية أمام الله.ويتفقدون أماناتهم وعهودهم باستمرار، ويفحصون بمنظار التقوى كيفيتها الباطنية حتى لا يكون في أماناتهم وعهودهم أي خلل أو فساد كامن.ويستخدمون أمانات الله الموكولة إليهم كالقوى والأعضاء كلها، والنفس والمال والشرف وغيرها في محلها المناسب بكل حذر ملتزمين بمقتضى التقوى.ويسعون جهد استطاعتهم وبكمال صدقهم للإيفاء بالعهد الذي عاهدوا الله عليه عند الإيمان وكذلك يلتزمون بمقتضيات التقوى قدر استطاعتهم بصدد أمانات الخلق عندهم، وكذلك في بقية الأشياء التي في حكم الأمانات.وإن حدث نزاع فيحكمون بالتقوى ولو تكبدوا الخسارة في هذا الحكم.وهذه المرتبة تفوق المرتبة الرابعة لأنها توجب على الإنسان السير في سبل التقوى الدقيقة ومراعاة جميع دقائقها قدر الإمكان في جميع أعماله وأموره، فيتحتم على الإنسان أن يخطو كل خطوة مراعيا أدق مقتضيات التقوى.وأما المرتبة الرابعة فإنها أمر سطحى فقط، أي اجتناب الزنا والفواحش.يدرك الجميع أن الزنا فاحشة شنيعة، وأن مرتكبه يعمى بشهوات النفس، فيرتكب هذا العمل الخبيث الذي يخلط الحرام بالحلال في نسل الإنسان ويكون مدعاة

Page 231

البراهين الأحمدية (۲۱۳) الجزء الخامس لإضاعة النسل.لذا عدته الشريعة كبيرة من الكبائر وفرضت على مرتكبه حدا في هذه الدنيا.فمن الواضح أن اجتناب الزنا فقط لا يكفي لتكميل المؤمن، لأن الزنا لا يرتكبه إلا فاسد الطوية والوقح إلى أقصى الحدود، وإنه ذنب كبير يستنكره أجهل الجهلاء أيضا، ولا يُقدم عليه إلا الفاسق فاجتنابه أمر بسيط وليس بأمر عظيم الشأن.أما حسن الإنسان الروحاني كله فيكمن في سلوكه على أدق سبل التقوى.وإن سبل التقوى الدقيقة هي نقوش لطيفة وملامح جميلة للحسن الروحاني.والواضح أن مراعاة أمانات الله والعهود الإيمانية قدر الإمكان واستعمال جميع القوى والأعضاء الظاهرية من قمة الرأس إلى القدم بما فيها العيون والآذان والأيدي والأرجل وغيرها من الأعضاء الظاهرية، وكذلك استخدام الأعضاء الباطنية مثل القلب والقوى الأخرى والأخلاق في محلها عند الضرورة الحقة، ومنعها عن المواضع المحرمة، والتيقظ تجاه صولاتها الخفية، إن حالة الخشوع كالبذر للإيمان، ثم يُخرج الإيمان شطأه الغض الطري بترك الأفعال اللاغية، ثم تخرج أغصان شجرة الإيمان وتقويه قليلا بإيتاء المال زكاة، ثم تنشأ القوة والصلابة في تلك الأغصان نتيجة محاربة الشهوات النفسانية.ثم بمراعاة العهود والأمانات بكل أنواعها تقوم شجرة الإيمان على جذعها القوي، ثم يغشاها فيضان قوة أخرى عند الإثمار، إذ لا يمكن للشجرة أن تُزهر أو تُثمر قبل نزول تلك القوة.والقوة نفسها تسمَّى خَلْقًا آخَرَ في المرتبة السادسة للخلق الروحاني.ففي هذه المرتبة السادسة تبدأ أزهار كمالات الإنسان وثمارها بالظهور، ولا يقتصر الأمر فقط على اكتمال الأغصان الروحانية لشجرة الإنسان، بل تؤتي أثمارها أيضا.منه.المراد من العهود الإيمانية هي العهود التي يقطعها الإنسان عند البيعة والإيمان، ومنها أنه لن يسفك الدماء ولن يسرق ولن يشهد شهادة الزور، ولن يشرك بالله أحدا، على الإسلام واتباع النبي الله منه.وسيموت

Page 232

البراهين الأحمدية (٢١٤) الجزء الخامس ومراعاة حقوق العباد بإزائها، لأمر منوط به حُسن الإنسان الروحاني وجماله كله.وإن الله تعالى سمى التقوى "لباسًا" في القرآن المجيد فقد ورد فيه: البَاسُ التَّقْوَى.وبذلك أشار إلى أن الزينة الروحانية والحسن الروحاني يتولد من التقوى فقط.والمراد من التقوى أن يراعي الإنسان جميع أمانات الله والعهود الإيمانية، جميع أمانات المخلوق والعهود بقدر استطاعته، أي يلتزم بأدق ويراعي أيضا جوانبها بكل ما في وسعه.6 هذه هي المرتبة الخامسة للوجود الروحاني، ومقابلها هناك مرتبة خامسة للوجود المادي وقد ذُكرت في الآية الكريمة: فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا)، أي ثم ألبسنا العظام لحما وزينا الوجود المادي نوعا ما.وإن ذلك لتطابق عجيب أنه كما سمّى الله التقوى في إحدى الآيات لباسا من الناحية الروحانية، كذلك استخدم هنا كلمة كَسَوْنَا)، وهي مشتقة من الكسوة، وتبين أن اللحم الذي تكسى به العظام أيضا بمنزلة لباس.لها.فتدل الكلمتان على أنه كما تكون التقوى خلعة ولباسا للحسن الروحاني، كذلك الكسوة التي تكسى بها على العظام تهبها حسنا وجمالا إلا أنه قد استخدمت هناك كلمة "اللباس"، أما هنا فقد استعملت "الكسوة" وكلتا الكلمتين تعطى معنى واحدا.ويعلن نص القرآن بأعلى صوته أن غايتهما المتوخاة هي إضفاء الحسن والجمال.وكما أنه لو تزع عن روح الإنسان لباس التقوى لظهرت للعيان بشاعته الروحانية، كذلك تماما تتراءى صورة الجسم الإنساني مكروهةً جدا إذا نُزع اللحم والجلد عن عظامه كساها الحكيم القدير.ولكن لا يتولّد الحسن الكامل في هذه المرتبة الخامسة، سواء كانت هذه المرتبة التي للوجود المادي أم للوجود الروحاني، لأن فيضان الروح لم ينزل عليه بعد.

Page 233

البراهين الأحمدية (٢١٥) الجزء الخامس ومن المشهود والملاحظ أن الإنسان مهما كان وسيما وجميلا، عندما يتوفى أن وتزهق روحه، يتطرق الخلل إلى الحسن الذي وهبته قدرة الله القدير.مع جميع الأعضاء والملامح تكون موجودة، ولكن بمجرد خروج الروح يتراءى بيت قالب الإنسان خرابا يبابا دون أن يُرى فيه أي أثر للحسن والملاحة والرونق والبهاء والحالة نفسها تلاحظ في المرتبة الخامسة للوجود الروحاني إذ من الملاحظ والمشهود أنه ما لم ينزل على المؤمن من عند الله فيض تلك الروح التي تنفخ في المرتبة السادسة للوجود الروحاني، وتهب الحياة والقوة الخارقة للعادة، فإنه لا ينشأ لأداء أمانات الله واستعمالها في محلها المناسب تماما وإيفاء عهد الإيمان بصدق، ولأداء حقوق الخلق وإيفاء عهودهم، رونق التقوى وبهاؤه الذي يمكن أن يجذب حسنه وجماله قلوب الناس إلى نفسه، أو أن يُصبح كل أسلوب من أساليبه خارقا للعادة ويتخذ صبغة الإعجاز، بل تشوب التقوى شائبة التكلف والتصنع قبل دخول تلك الروح فيه، لأنه لا توجد فيه تلك الروح التي يمكن أن تُري تجلّي الحسن الروحاني وجماله ورونقه وبهائه.ولكن تماما أن قدم المؤمن الذي لم يحظ بهذه الروح بعد لا تثبت على الحسنات كما يجب، بل كما يمكن لعضو من أعضاء الميت أن يتحرك بهزة الريح ثم يعود إلى سابق عهده بعد انقطاع هبوبها كذلك تماما تكون حالة المرتبة الخامسة من الوجود الروحاني، لأن نسيم الرحمة الإلهية تحركه مؤقتا فقط إلى الأعمال الصالحة، فتصدر منه أعمال التقوى، ولكن لا تكون فيه روح الأعمال الصالحة مستقرة بعد، فلا ينشأ فيه حسن المعاملة التي تُري تجلياتها بعد دخول تلك الروح.فحاصل الكلام أن المرتبة الخامسة للوجود الروحاني، وإن كانت قد حازت على مرتبة ناقصة من حسن التقوى، إلا أن كمال ذلك الحسن لا يتجلى إلا في صحيح

Page 234

البراهين الأحمدية (٢١٦) الجزء الخامس المرتبة السادسة للوجود الروحاني، عندما يصبح ہے الله تعالى الذاتي كالروح للوجود الروحاني، وينزل على قلب الإنسان ويتدارك العيوب كلها.وما لم تنزل على الإنسان تلك الروح من عند الله لا يمكن له أن يكتمل بقواه الذاتية فقط كما قال الحافظ الشيرازي في بيت شعر تعريبه: " ا لا نستطيع أن نصل تلك المنزلة العالية إلا أن يقدمنا لطفك بضع خطوات." ثم المرتبة السادسة للوجود الروحاني هي التي ذكرها الله تعالى في الآية: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ أي المؤمنون الذين تجاوزوا الدرجة الخامسة ووصلوا إلى الدرجة السادسة هم الذين يراقبون ويحافظون على صلواتهم بأنفسهم ولا يحتاجون إلى أن يذكرهم أحد بذلك أو يعظهم، بل قد نشأت بينهم وبين الله علاقة بصورة خاصة وأصبح ذكره رغبة عارمة في طبيعتهم ومدار راحتهم ومناط حياتهم لدرجة أنهم يحافظون عليه دائما وتمضي كل لحظة من لحظاتهم في ذكره ، ولا يريدون أن يَعْشُوا عنه الله طرفة عين.ومن الواضح الجلي أن الإنسان يبذل قصارى جهده ويعكف على المحافظة على الشيء الذي يرى في فقدانه ويله وثبوره، كما ترون أن المسافر في قفر – لا قطرة ماء فيه ولا حبة طعام ولا أمل للعثور عليهما إلى مئات الأميال - يحافظ كثيرا على ما يملكه من الطعام والشراب، ويعدّهما عزيزين كنفسه، لأنه يوقن بأن في ضياعهما هلاكه فالذين يحافظون على صلواتهم مثل ذلك المسافر، لا يتركونها أبدا ولو واجهوا خسارة مال أو شرف أو سخط أحد بسببها، وبمجرد الخوف من فوات الصلاة يأخذهم القلق والاضطراب الشديد، فيضطربون كأنهم يشرفون على الموت، ولا يتحملون الانفصال عن ذكر الله ولا لحظة واحدة؛ هم الذين يرون الصلاة وذكر الله غذاء أساسيا لهم عليه مدار حياتهم في الحقيقة.

Page 235

البراهين الأحمدية (۲۱۷) الجزء الخامس لحظة ولا تنشأ هذه الحالة إلا عندما يحبهم الله وتنزل على قلوبهم شعلة مضطرمة لحبّه الذاتي التي يجب أن تسمى بالروح للوجود الروحاني، وتهبهم حياة جديدة وتهب تلك الروح نوراً وحياة لوجودهم الروحاني.عندئذ لا يذكرون الله تصنعا وتكلفا بل الله الذي أناط حياة الإنسان المادية بالطعام والشراب ينيط حياتهم الروحانية التي يحبونها بغذاء ذكره.فيحبون هذا الطعام والشراب الروحاني أكثر من الخبز المادي والماء المادي، ويخافون ضياعه.ويحدث ذلك نتيجة تأثير تلك الروح التي تُنفخ فيهم كالشعلة، وبسببها تتولد فيهم نشوة عشق الله التامة.فلا يريدون الابتعاد عن ذكر الله طرفة عين.ويتحملون الشدائد من أجله ويواجهون المصائب ولا يريدون أن ينفصلوا عنه واحدة، ويذكرونه الله في كل حين شاكرين ويظلون مراقبين ومحافظين على صلواتهم.وهذا أمر طبيعي لهم، لأن الله تعالى جعل ذكره المليء بالحب- الذي يسمى بتعبير آخر الصلاة غذاء أساسيا لهم، وتحلّى عليهم بحبه الذاتي ووهبهم لذة عجيبة وجذابة في ذكره.فأصبح ذكر عزيزا لديهم كأنفسهم بل أعز منها.وإن محبة الله الذاتية هي الروح الجديدة التي تقع على قلوبهم كالشعلة وتجعل لهم ذكر الله والصلاة كالغذاء.فيوقنون أن حياتهم لا تقوم على الخبز والماء، بل على الصلاة وذكر الله يعيشون.فزبدة الكلام أن ذكر الله المليء بالحب الذي يسمى الصلاة يصبح لهم غذاءً في الحقيقة لا يستطيعون العيش بدونه فيحافظون ويداومون عليه كما يحافظ المسافر في فلاة قفراء لا ماء فيها ولا حبة طعام على أرغفته القليلة التي ويحافظ على القدر اليسير من الماء الذي في قربته.لقد جعل الوهاب القدير مرتبةً - هي المرتبة الأخيرة للحب الذاتي وغلبة العشق واستيلائه لارتقاء الإنسان الروحاني.والحق أن في هذه المرتبة يصبح الله معه

Page 236

البراهين الأحمدية (۲۱۸) الجزء الخامس ذكر الله تعالى المليء بالحب والعشق الذي يُسمّى في المصطلح الشرعي " الصلاة"، بمنزلة الغذاء للإنسان، بل يتمنى المرء أن يفدي ذلك الغذاء مرة بعد أخرى بالروح المادية أيضا.فكما أن السمك لا يستطيع العيش بدون الماء، كذلك تماما لا يستطيع هذا الإنسان أن يعيش بدون هذا الغذاء، ويعد العيش، ولو لطرفة عين، بدون ذكر الله موتا.فتظل روحه ساجدة على عتبة حين وآن ويجد راحته التامة في ذات الله الا الله وحده.ويعتقد اعتقادا جازما بأنه هالك لا محالة إن عشا عن ذكر الله طرفة عين.الله - الله كل وكما أن الطعام يُضفي النضارة على الجسم، ويهب القوة للأعين والآذان وغيرها من الأعضاء، كذلك تماما يقوي ذكر بدافع العشق والمحبة- قوى المؤمن الروحانية في هذه المرتبة، وتنشأ في الأعين قوة الكشف بصورة نقية ولطيفة جدا.وتسمع الآذان كلام الله ، ويجري ذلك الكلام الرباني على اللسان بصورة أحلى وأجلى وأصفى، وتكثر الرؤى الصادقة وتتحقق كفلق الصبح.' تخالج كثيرا من الجهلاء شبهةً بأننا أيضا نرى في بعض الأحيان منامات صادقة أو نتلقى إلهاما صادقا، فما الفرق إذا بيننا وبين أصحاب هذه المرتبة العليا هؤلاء؟ وأي خصوصية بقيت لهؤلاء العلية؟ فجوابه أن هذه القدرة البسيطة على مشاهدة المنامات أو تلقي الإلهام قد أودعت في فطرة عامة الناس ليكون لديهم مثال لهذه الأمور الدقيقة التي هي وراء الوراء من هذا العالم، ولئلا يظلوا محرومين من ثروة القبول بعد مشاهدة المثال، ولتتم عليهم الحجة.وإلا فلو ظل الناس يجهلون حقيقة الوحي والرؤيا الصادقة جهلا مطلقا، فماذا يمكن أن يفعلوه غير الإنكار؟ وفي هذه الحالة كانوا معذورين إلى حد ما.وما دام الفلاسفة المعاصرون لا يزالون ينكرون ظاهرة الوحي والرؤيا الصادقة- مع وجود هذا المثال - فماذا عسى أن تكون حال العوام إن لم يكن لديهم أي نموذج منهما؟ أما زعمهم أنهم أيضا يرون رؤى صادقة أو يتلقون إلهامات صادقة أحيانا فلا ينقص من عظمة الرسل والأنبياء عليهم السلام شيئا، لأن رؤى هؤلاء الناس وإلهاماتهم لا تخلو من

Page 237

البراهين الأحمدية (۲۱۹) الجزء الخامس وبسبب علاقة الحب المخلصة بينه وبين الله يُعطى المؤمن حظا وافرا من الرؤى المبشرة.وفي هذه المرتبة يشعر المؤمن أن حب الله يفيده فائدة الطعام والشراب.وإن هذا الخلق الجديد يحدث حين يكون الجسم الروحاني قد تكوّن مسبقا، ثم شعلة تنزل تلك الروح - التي هي من حبّ الله الذاتي - على قلب ذلك المؤمن، وتأخذه قوة عليا فجأة من قفص البشرية إلى العُلا.وهذه المرتبة تُسمى خَلْقًا آخَرَ من حيث الروحانية.في هذه المرتبة ينزل الله شعلة ملتهبة من حبه الذاتي التي تسمى بتعبير آخر "الروح" على قلب المؤمن ويُزيل بها الظلمات والشوائب ونقاط الضعف كلها والحسن الذي كان على مرتبة أدنى من قبل يبلغ إلى الكمال فور نفخ هذه الروح، وبذلك تنشأ نضارة روحانية، وتزول كدورة الحياة القذرة كليا.ويدرك المؤمن أن روحا جديدة قد دخلته، و لم تكن فيه من قبل.وتحصل له سكينة عجيبة واطمئنان غريب بنزول هذه الروح، ويتدفق الحب الذاتي لله تعالى تدفّق النافورة، ويسقي غرسة العبودية، و تشتعل النار التي كانت من قبل ذات حرارة بسيطة اشتعالا تاما وكاملا في هذه المرتبة، وتحرق هشيم نجاسات الوجود الإنساني وتستولي عليه الألوهية استيلاء كاملا وتحيط هذه النار بالأعضاء كلها عندها تظهر من ذلك المؤمن آثار الألوهية وأفعالها كما تظهر أمارات النار وأعمالها من الحديد الذي يُحمى في النار حتى يحمر وينصبغ بصبغة النار.ولكن هذا لا أن المؤمن يصبح إلها بل من مزايا حب الله الذاتي أنه يصبغ الوجود الظاهري بصبغته، وتبقى العبودية وضعفها كامنة في الباطن.وفي هذه المرتبة يصبح الله غذاء المؤمن الذي يعني دخان الشكوك والشبهات، ومع ذلك تكون بقدر أقل.فكما أن الفقير الذي يملك فلسا واحدا لا يستطيع أن يعادل ملكا ولا يمكن له القول بأنه أيضا يملك المال كما يملكه الملك، كذلك هذه المقارنة أيضا باطلة وحمق وسفاهة تماما.منه.

Page 238

البراهين الأحمدية (۲۲۰) الجزء الخامس تتوقف حياته على تناوله ويكون الا الله للمؤمن كالماء الذي بشربه ينجو من الموت.وتكون ذات الله نَسيمه العليل الذي يبعث الراحة في قلبه.وليس في غير محله القولُ على سبيل الاستعارة في هذا المقام بأن الله يحلّ في المؤمن الحائز على هذه المرتبة ويجري في عروقه وفي كل ذرة من كيانه، ويتخذ قلبه عرشا له.فلا يبصر ذلك المؤمن عندئذ بروحه بل بروح الله، ويسمع بروح الله، ويتكلم بروح الله، ويصول على الأعداء بروح ه، ويمشي بروح يكون في هذه المرتبة في مقام الفناء ،والمحويّة، فتتجلى على قلبه روح الذاتي، وتهبه حياة جديدة، فتنطبق عليه عندئذ الآية الكريمة: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، روحانيا.الله ، الله، لأنه الله بحبه فهذه هي المرتبة السادسة للوجود الروحاني التي سبق ذكرها.وتقابلها المرتبة السادسة للولادة المادية.وتشير إلى هذه المرتبة المادية أيضا الآية الكريمة نفسها المذكورة آنفا عن المرتبة الروحانية :أي: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).ومعناها: لمّا أتممنا خلقًا خلقنا الإنسان خلقا آخر.وقد أريد التوضيح بلفظ آخر أنه خلق يفوق الفهم ولا يسع عقل الإنسان إدراكه، وهو بعيد جدا عن مداركه؛ بمعنى أن الروح التي تنفخ في الجسم بعد تكوين القالب قد نفخناها في الإنسان من حيث الروحانية والمادية، وهي مجهولة الكنه لدرجة حارت في ماهيتها عقول الفلاسفة والمقلدين كلهم من هذا العالم المادي.ولمّا لم يجدوا طريقا إلى حقيقتها لجأ كل واحد منهم التخمين والتخريص فأنكر بعضهم وجود الروح أصلا، وحسبها بعضهم الآخرون أزلية غير مخلوقة.فيقول الله تعالى هنا بأن "الروح" أيضا ولكنها تفوق فهم أهل الدنيا.فكما جهل فلاسفة هذا العالم كنه الروح التي في الإنسان الحائز على المرتبة السادسة للوجود المادي، كذلك ظلوا ينفخها الله من إلى خلقه

Page 239

البراهين الأحمدية (۲۲۱) الجزء الخامس جاهلين حقيقة تلك الروح أيضا التي يهبها الله مؤمنا صادقا في المرتبة السادسة للوجود الروحاني، فذهبت بهم أفكارهم مذاهب شتى.وكانت النتيجة أن كثيرا منهم أخذوا يعبدون أناسا أعطوا تلك الروح وحسبوهم أزليين وغير مخلوقين واتخذوهم آلهة.وكثير منهم أنكروا إمكانية وجود أناس يحتلون هذه المرتبة، وأن الإنسان يُعطى هذه الروح.ولكن يمكن للعاقل أن يدرك بسهولة أنه ما دام الإنسان أشرف المخلوقات وقد فضله الله على طيور الأرض ودوابها كلها، وأكرمه بالحكم عليها، الا الله وأعطاه العقل والفهم، وأضرم فيه عطشا لمعرفة ذاته، ووضح ل من خلال كل هذه الأفعال أن الإنسان قد خُلق لمحبته ،وعشقه فلماذا يُنكر إذا أن الإنسان يستطيع أن يبلغ بعد بلوغه إلى درجة الحب الذاتي لله تعالى- مرتبةً ينزل فيها حب الله على قلبه كالروح، ويزيل كل ضعفه ونقائصه؟ وكما قال الله تعالى عن المرتبة السادسة للوجود الروحاني: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، يجب على الإنسان أن يظهر منه الخشوع والخضوع والحرقة والتضرع والعبودية دائما، وبذلك يقضي الغاية المتوخاة من خلقه كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.غير أن هذه العبادة والوقوف أمام حضرة العزة بالخشوع والخضوع دائما لا يتأتى دون الحب الذاتي.وليس المراد من الحب هو حب من جانب واحد، بل المراد هو كلا الحبين، أي حب الخالق وحب المخلوق، لكي يُحرقا جميع أنواع الضعف البشري- كنار الصاعقة التي تنزل على الإنسان المصعوق وكتلك التي تخرج من داخله حينذاك ويستولي كلا الحبين معا على الوجود الروحاني كله.الذاريات: ٥٧

Page 240

البراهين الأحمدية (۲۲۲) الجزء الخامس ففي هذه الحالة الكاملة يستطيع الإنسان أن يؤدي حق جميع الأمانات والعهود المذكورة في المرتبة الخامسة للوجود الروحاني - كاملة وفي محلها المناسب.والفرق الوحيد هو أن الإنسان في المرتبة الخامسة يراعى أمانات الله وأمانات خلقه ويراعي العهود من منطلق التقوى وحده، أما في هذه المرتبة الله الذاتي الذي نشأ في قلبه وبسببه تدفّق فيه حب الخلق وجه، فبمقتضى أيضا، وبمقتضى الروح التي تنزل عليه من الله تعالى يؤدي المرء بطبيعته جميع تلك الحقوق على أحسن وجه.وفي هذه الحالة يحظى، على أحسن بالحسن الباطني الذي يقابل الحسن الظاهري، لأن الروح التي تتولد بالحب الذاتي لم تدخل الإنسان في المرتبة الخامسة للوجود الروحاني، لذا فإن تجلّي الحُسن أيضا لم يبلغ كماله حينذاك، ولكن بعد نزول الروح يبلغ ذلك الحسن كماله والمعلوم أن الحسين الميت والحسين الحي لا يستويان جمالا ورونقا وبهاء.كما قلت من قبل، إن خلق الإنسان يضم في طياته نوعين من الحسن.أحدهما حُسن المعاملة، أي أن يراعي الإنسان في أداء كافة أمانات الله تعالى وعهوده بألا يفوته شيء منها قدر الإمكان كما يشير إلى ذلك لفظ راعُون) في كلام الله..كذلك من واجبه أن يعير المرء أمانات الخلق وعهودهم عل.الاهتمام نفسه أي يتقي في حقوق الله وحقوق العباد حق التقاة.فهذا هو حسن المعاملة، أو قولوا إن شئتم إنه الجمال الروحاني الذي يبرز في الوجود الروحاني في المرتبة الخامسة ولكنه لا يسطع إلى الآن بالكامل، بل يُري لمعانه ورونقه وبماءه بالتمام والكمال في مرتبة الوجود الروحاني السادسة نتيجة كمال الخلق ونفخ الروح.وليكن معلوما أن المراد من الروح في الوجود الروحاني في المرتبة السادسة هو حب الله الذاتي الذي ينزل كالشعلة على الحب الذاتي

Page 241

البراهين الأحمدية (۲۲۳) الجزء الخامس للإنسان ويزيل الظلام الداخلى كله ويهب الإنسان حياة روحانية.ومن مستلزماته أيضا التأييد الكامل من روح القدس.أن هذين والنوع الثاني من الجمال في خلق الإنسان هو جمال البشرة.ومع الجمالين يبرزان في المرتبة الخامسة من الخلق الروحاني والمادي ولكن لا يظهر لمعانهما ورونقهما إلا بعد فيض الروح.وكما تُنفخ روح الوجود المادي في الجسد بعد تكوّن القالب المادي كذلك إن روح الوجود الروحاني أيضا تدخل في وجود الإنسان الروحاني بعد تكوين قالبه الروحاني، أي حين يحمل الإنسان نير الشريعة على عنقه بالتمام والكمال، ويكون جاهزا للخضوع لحدود الله كلها بالمجاهدة وتحمّل المشقة.ويكون جديرا نتيجة العمل بالشريعة وأوامر كتاب الله تعالى كلها بأن تتوجه إليه روحانية الله تعالى.وفوق كل ذلك يجعل نفسه بحبه الذاتي مستحقا لحب الله الذاتي الذي هو أبيض ناصع كالثلج وحلو كالعسل.وكما قلت آنفا، إن الوجود الروحاني يبدأ من حالة الخشوع ويبلغ الكمال عند المرتبة السادسة للنمو الروحاني، أي حين تنزل بعد كمال القالب الروحاني- شعله حب الذاتي على قلب الإنسان كالروح وتهبه حالة الخشوع والخضوع الدائمين.عندها يتجلّى الجمال الروحاني بتجليه الكامل.ولكن هذا الحسن الروحاني الذي يمكن تسميته بحسن المعاملة يفوق حُسن البشرة كثيرا بسبب جذباته القوية، لأن جمال البشرة قد يكون مدعاة للعشق الفاني لشخص أو شخصين، وسرعان ما يزول ويكون جذبه أيضا فاترا جدا.أما الحسن الروحاني الذي سُمّي بحسن المعاملة فهو قوي متين من حيث جذباته أنه يجذب عالَمًا إلى نفسه، فتنجذب إليه كل ذرة في السماء والأرض.والحق أن هذه هي فلسفة استجابة الدعاء أيضا فحين يدعو الحائز على حسن روحاني – الذي تدخله حب روح الله لأمر مستحيل أو متعذر جدا ويركز على حتى الله

Page 242

البراهين الأحمدية (٢٢٤) الجزء الخامس الدعاء كثيرا فتنجذب إليه كل ذرة من ذرات العالم بأمر من الله تعالى وإذنه، لأن هذا الداعي حائز في حد ذاته جمالا روحانيا.فتجتمع أسباب تكفي لنجاحه والثابت من خلال التجربة وكتاب الله المقدس أن كل ذرة من ذرات العالم تعشق شخصا مثله تلقائيا، وأدعيته تجذب تلك الذرات كلها كما يجذب المغناطيس الحديد.فبسبب هذا الجذب تظهر للعيان أمورٌ غير عادية لم تذكر من قبل في علم من علوم الطبيعة والفلسفة.والحق أنه جذب طبيعي أودعه الله الخالق القدير في كل ذرة منذ أن ركب عالم الأجسام بالذرات وكل ذرة عاشق صادق للجمال الروحاني، وكذلك كل ذي فطرة سليمة، لأن ذلك الحسن مهبط تجليات الله.فعن هذا الحسن قال تعالى: اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ، ولا زال هناك كثير من الأبالسة الذين لا يعرفون هذا الحسن، ولكنه ظل ينجز أعمالا عظيمة.كان في نوح الكلية الحسنُ نفسه الذي كانت رعايته مقدرة عند الله جلّ شأنه، فأهلك المنكرون كلهم بعذاب الطوفان.ثم جاء بعده موسى بالحسن نفسه الذي أغرق فرعون في نهاية المطاف بعد أن تحمل الإيذاء والمصاعب لبعض الوقت.ثم جاء بعدهم جميعا سيد الأنبياء وخير الورى مولانا وسيدنا محمد المصطفى الله بالحسن الروحاني العظيم الذي تكفي لنعته الآية الكريمة:...دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى"، أي دنا ذلك النبي من الله تعالى كثيرا، ثم تدلّى إلى الخلق، وبذلك أدّى كلا الحقين، أي حق الله وحق البقرة: ٣٥ النجم: ٩ -.

Page 243

البراهين الأحمدية (٢٢٥) الجزء الخامس العباد، وأظهر الجمال الروحاني من كلا النوعين وصار كالوتر بين القوسين؛ فكان وجوده كما يظهر من الرسم التالي: قوس قوس الخالق المخلوق الوتر بينهما.هو النبي إن أصحاب الطبائع الخبيثة والعمهين لم يروا هذا الحسن كما يقول الله تعالى: (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ.أي ينظرون إليك ولكنك لا تتراءى لهم فهلك هؤلاء العمهون كلهم في نهاية المطاف.يقول بعض الجهال في هذا المقام: لماذا لا تُجاب بعض أدعية الكمل؟ وجوابه أن الله تعالى قد جعل تجلّي حسنهم في يده.فحيثما يظهر هذا التجلي العظيم ويهيج، يُنفخ جمالهم في أمر ما ويلمع، فتنجذب ذرات العالم إلى لمعانه وتحدث أمور مستحيلة تُسمى معجزة بتعبير آخر.ولكن هذا الهياج الروحاني لا يظهر دائما وفي كل مكان بل يكون بحاجة إلى تحريكات خارجية.وذلك كما أن الله تعالى غني فقد أودع صفة الغنى عباده الأصفياء أيضا.فيكونون أغنياء تماما مثل الله، وما لم يحرك أحد فيهم عاطفة الرحم بكل تواضع وإخلاص فلا تهيج فيهم تلك القوة.واللافت في الأمر أنهم يملكون صفة الرحم أكثر من أي واحد في العالم ولكن تنشيطها لا يكون بوسعهم.ومع أنهم كثيرا ما يريدون أن تظهر هذه الصفة للعيان، ولكنها لا تظهر دون مشيئة الله فهم لا يعبأون قط بالمنكرين الأعراف: ۱۹۹

Page 244

البراهين الأحمدية (٢٢٦) الجزء الخامس والمنافقين وفاتري الاعتقاد خاصة ويعدونهم كدودة ميتة.وشأن صفة غناهم هذه كشأن معشوق يستر وجهه بحجاب جميل.ومن شُعب هذا الغني أنه إذا أساء الشرير بهم الظن فكثيرا ما يزيدونه في سوء الظن نتيجة حماس الغنى بسبب التخلق بأخلاق الله كما يقول : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا.وعندما الله يريد تعالى أن تظهر منهم ،معجزة يخلق في قلوبهم حماسا، فيتولد في قلوبهم كرب وقلق شديد تجاه أمر معين، فيرفعون حجاب الغنى عن وجوههم فيستبين حسنُهم الذي لا يراه إلا الله - على ملائكة السماء وعلى كل ذرة.والمراد من رفعهم الحجاب عن وجوههم هو أنهم يرجعون بوجه خارق للعادة إلى الله تعالى بالصدق والصفاء الكامل وبالحسن الروحاني الذي بسببه صاروا محبوبين عند الله، وتتولد فيهم حالة الإقبال إلى الله التي تجذب رحمة الله بما يفوق العادة، فتنجذب إليهم كل ذرة من هذا العالم تلقائيا.تتركز شدة حرارة عشقهم نحو السماء وتُري وجهها للملائكة أيضا كالسحاب.وإن آلامهم التي تضم في طياتها صفات الرعد تثير ضجة في الملأ الأعلى فينشأ بقدرة الله السحابُ التي تمطر غيث رحمة الله الذي يتمنونه.وعندما تتوجه روحانيتهم بكل خشوع وتضرع إلى حل معضلة ما، تجذب إليها توجهات الله تعالى لأنهم حبهم الذاتي له له داخلون في قائمة أحبائه.عندها يهيج لنصرتهم كل شيء لكونه خاضعا لحكم الله".وتستعد رحمة الله لخلق جديد تحقيقا لمرامهم.وتظهر أمور تكون مستحيلة الوقوع في نظر أهل الدنيا، وتجهلها العلوم السفلية تماما.لا يسعنا أن ندعو هؤلاء الناس إلها ولكن تنشأ بينهم وبين البقرة: ١١ الله علاقة الكفار والأعداء أيضا ينصرونهم نوعا ما، إذ يؤذون قلوبهم بالظلم والإيذاء ويهيجون روحانيتهم."ما أخزى الله قوما ما لم يغمر الألم قلب عبد من عباده".منه.

Page 245

البراهين الأحمدية (۲۲۷) الجزء الخامس الله لحب بالصدق والصفاء وكأن الله تعالى ينزل فيهم، وتنفخ فيهم روح كمثل آدم وهذا لا يعني أنهم صاروا إلها، بل بينهم وبين الله علاقة كعلاقة الحديد مع النار حين يُسخن بشدة متناهية وينصبغ بصبغة النار.ففي هذه الحالة يخضع لأمرهم كل ما كان تحت إمرة الله.فيسمع كل شيء بدءا من نجوم السماء والشمس والقمر إلى بحار الأرض والهواء والنار صوتهم، ويعرفهم وينصرف إلى خدمتهم.وكل شيء يحبهم بطبيعته وينجذب إليهم كالعاشق المشغوف، إلا الأشرار من الناس الذين هم ظلال الشيطان.العشق المجازي عشق نحس إذ يتولد في جانب ويموت في جانب آخر، ويكون مبنيا على جمال قابل للزوال.وقليل من هم الذين يتأثرون بهذا الجمال.ولكن ما أغربه من مشهد! أن الحسن الروحاني الذي يتولّد في الإنسان بعد حسن المعاملة والصدق والصفاء وعلى إثر تجلّي حب الله، يوجد فيه جذب عالمي، فيجذب إلى نفسه قلوبا مستعدة جذب العسل النمل.ولا يتأثر به الناس وحدهم بل تتأثر بجذبه كل ذرة من العالم.والإنسان المحب الصادق الذي يحب الله تعالى حبا صادقا إنما هو بمنزلة "يوسف" الذي تتصف له كل ذرة من هذا العالم بصفة زليخا.ولكن حسنه ليس ظاهرا في هذا العالم بعد لأن هذا العالم لا يقدر على احتماله.يقول الله تعالى في كلامه المجيد القرآن أن نور المؤمنين يتلألأ على وجوههم، والمؤمن يُعرَف بهذا الحسن الذي يسمى نورا بتعبير آخر.ولقد أُسمِعتُ ذات مرة في الكشف جملة موزونة باللغة البنجابية عن هذه العلامة وتعريبها : إن" علامة أولياء الله أن حب الله يتجلى في وجوههم".إن نور المؤمن المذكور في القرآن الكريم إنما هو ذلك الحسن والجمال الروحاني الذي يُعطَاه المؤمن كاملا في المرتبة السادسة للوجود الروحاني.أما فيما يتعلق بالجمال المادي فلا يرغب فيه إلا شخص أو شخصان، أما هذا الحسن فأمره

Page 246

البراهين الأحمدية (۲۲۸) الجزء الخامس غريب حقا، إذ ترغب فيه عشرات ملايين الأرواح.فنظرا إلى هذا الجمال الروحاني نظم البعض أبياتا في مدح السيد عبد القادر الجيلاني به وعدوه على درجة عالية من الحسن والجمال.وفيما يلي ترجمة تلك الأبيات: "حين ترنح المعشوق العجمي بخمر العشق، فانتصر على الكوفة وبغداد وحلب.كان ذلك الوجه أجمل ما يكون نظير مائة وردة، ولكن بدلاله أخضع الجميع على أقدامه، فعجب ما قام به." وفي هذا الموضوع نظم الشيخ السعدي عليه الرحمة أيضا بيتا ينطبق على الجمال الروحاني كثيرا، يقول فيه: "يا صانع الصور كالحرير انظر إلى صورته الجميلة، فإما أن تصنع صورة مثلها أو أن تتوب عن صنع الصور نهائيا." وجدير بالذكر أيضا في هذا المقام أن العبد يُظهر حبه المترع بالصدق نتيجة المعاملة، ولكن الله تعالى يتجاوب معه إذ ذاك فيسعى إليه كالبرق سعيا حسن إن لبعض الطبائع مناسبة طبيعية مع بعضها الآخر، كذلك بين روحي وروح السيد عبد القادر مناسبة من حيث جوهر الفطرة، وقد اطلعت عليها بالكشوف الصحيحة والصريحة.لقد مضى نحو ٣٠ عاما حين أطلعني الله تعالى ذات ليلة أنه اصطفاني لنفسه.ثم حدث أمر غريب أن عجوزا تبلغ من العمر ٨٠ عاما تقريبا رأت في الليلة نفسها رؤيا، فجاءتني صباحا وقالت: "رأيت الليلة السيد عبد القادر الجيلاني في المنام ومعه رجل صالح آخر وكلاهما لابس لباسا أخضر، وكان الوقت هزيعا أخيرا من الليل.كان الرجل الصالح الآخر أصغر منه قليلا في السن.فأولا صليا في مسجدنا الجامع ثم خرجا إلى فنائه، وكنت واقفة بالقرب منهما.وفي هذه الأثناء طلع من الشرق نجم متلألئ فسُرّ السيد عبد القادر برؤيته كثيرا وقال مخاطبا النجم السلام عليكم، كما قال رفيقه أيضا: السلام عليكم".وكنتُ أنا ذلك النجم المؤمن يرى ويُرى له.منه.ترجمة بيتين فارسيين.(المترجم)

Page 247

البراهين الأحمدية (۲۲۹) الجزء الخامس يفوق حدود التصور مقابل مشي العبد الحثيث ، ويُظهر له آيات من السماء والأرض، ويصادق أصدقاءه ويعادي أعداءه ولو قام لعداوته خمسمائة مليون شخص لأخزاهم اله الا الله والسلبهم القوة والقدرة وجعلهم كدودة ميتة.ويهلك الدنيا مقابل شخص واحد ويجعل أرضه وسماءه خادمين له.ويبارك في كلامه ويمطر النور على جدرانه وأبوابه.ويجعل البركة في لباسه وطعامه وفي التراب الذي تطأه أقدامه ولا يهلكه خائبا.ويردّ بنفسه على كل اعتراض يوجه إليه.ويكون عينه التي يرى بها وأذنه التي يسمع بها ولسانه الذي يتكلم به، وقدميه اللتين يمشي بهما ويديه اللتين يهاجم بهما العدو.وبنفسه يتصدى لعدوه، ويسلّ سيفه على الأشرار الذين يؤذونه ويرزقه النصر والانتصار في كل موطن، ويُطلعه على أسرار قضائه وقدره.فلباب القول، إن الراغب الأول في حسنه وجماله الروحاني الذي يتولد بعد حسن المعاملة والحب الذاتي هو الله تعالى نفسه فما أشقى الذين يجدون زمنا كهذا وتطلع عليهم الشمس كهذه ولكنهم يبقون متربعين في الظلام! بعض الجهال يثيرون اعتراضا مرارا ويقولون إن إحدى علامات المحبوبين عند الله أن كل دعاء من أدعيتهم مجاب حتما.ومن لم توجد فيه هذه العلامة فليس من المحبوبين عند الله.من المؤسف أن هؤلاء الناس يتفوهون بكلام ا ليكن معلوما أن الله تعالى يعامل المؤمن معاملة الأصدقاء، ويريد تارة أن يحقق إرادة المؤمن وتارة أخرى يريد أن يرضى المؤمنُ بمشيئته ول.فيقول مخاطبا المؤمنين: ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر: (٦١) فهنا يريد أن يحقق مُنية المؤمن.وفي مقام آخر يريد من المؤمن أن ينصاع لمشيئته كما يقول: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة: ١٥٦ - ١٥٧).من المؤسف أن الجاهل ينظر إلى جانب واحد فقط، ولا ينتبه إلى كلا الجانبين.منه.

Page 248

البراهين الأحمدية (۲۳۰) الجزء الخامس على جميع جزافي ولا يفكرون عند توجيه النقد أن هذه الاعتراضات الناجمة عن الجهل تقع أنبياء الله تعالى ورسله فمثلا كان كل واحد من الأنبياء يود أن يسلم جميع الكفار في زمنه الذين كانوا قائمين على عداوته، ولكن لم تتحقق هذه.فقد قال تعالى مخاطبا نبينا الأكرم : لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا أمنيتهم يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.يتبين من هذه الآية أن النبي ﷺ كان يدعو بتضرع وحرقة ويتكبد عناء كبيرا ليؤمن الكفار لدرجة أن كان يُخشَى عليه أن يهلك نفسه نتيجة هذا الحزن.لذا قال له الله تعالى ألا يحزن إلى هذا الحد من أجلهم، وألا يجعل قلبه عرضة للألم والمعاناة إلى هذه الدرجة، لأنهم غافلون عن الإيمان ولهم أهداف ومقاصد أخرى.لقد قال الله تعالى في هذه الآية: يا أيها النبي (العلي) إنك تلقي نفسك في مشقة كبيرة للدعاء لهداية هؤلاء الناس عاقدا عزما صميما بتركيز وتضرع وخضوع و خشوع كامل، ولا شك في تأثير أدعيتك، ولكن الشرط لاستجابة الدعاء هو ألا يكون الذي يُدعَى له عنيدا شديد العناد وغير مهتم وذا طبيعة خبيثة، وإلا لن يجاب الدعاء بحقه.وبقدر ما وهبني الله تعالى من العلم في الدعاء أن لإجابته ثلاثة شروط.هو الأول: أن يكون الداعي متقيا كاملا لأن العبد المقبول عند الله هو من كان ديدنه التقوى، وكان متمسكا بأدق سبل التقوى، وكان محبوبا عند الله لكونه أمينا ومتقيا وصادق العهد وكان مفعما بحب الله.والشرط الثاني: أن يكون عاقدا العزم ومركزا لدرجة أن يكاد يهلك نفسه لإحياء أحد، وأن يدخل بنفسه القبر لإخراج غيره منه.والسر في ذلك أن الله الشعراء: ٤

Page 249

البراهين الأحمدية (۲۳۱) الجزء الخامس تعالى يحب عباده المقبولين أكثر مما تحب الأم ابنها الوحيد الوسيم.فحين يرى الله الرحيم الكريم أن العبد المقبول والمحبوب لديه قد بلغ لإنقاذ حياة شخص ما - من المشقات الروحانية والتضرعات والمجاهدات مبلغا كادت تزهق لها روحه يشق عليه الله بسبب علاقة الحب معه أن يهلكه في هذه الحالة.فيغفر بسببه لذلك الشخص ذنبه الذي كان قد بطش به بناء عليه.فإذا كان هذا الأخير مصابا بمرض فتاك أو أسير بلاء آخر ومضطرا أشد الاضطرار يخلق الله بقدرته أسبابا تؤدي إلى خلاصه.وفي كثير من الأحيان يكون هلاك أحد أو تدميره مقدرا عنده عل على وجه القطعية ولكن حين يتوسط لحسن حظ ذلك المصاب شخص آخر بتضرعاته الأليمة، ويكون وجيها عند الله، يمزق الله تعالى ملف القضية الذي كان جاهزا ومرتبا لأن الأمر ينتقل في هذه الحالة من الأغيار إلى الحبيب.وأنى الله الله أن يعذب أحباءه الصادقين! هو الشرط الثالث لإجابة الدعاء هو أصعب الشروط كلها، لأن تحقيقه ليس في أيدي عباد الله المقبولين بل بيد الشخص الذي يطلب الدعاء منهم.والشرط أن يطلب الدعاء بكامل الصدق وحسن الاعتقاد واليقين الكامل والحب الكامل والطاعة الكاملة ويعزم في قرارة قلبه أن اعتقاده لن يهتز وحبه لن يفتر، وإن لم يُستجب دعاؤه.ويجب ألا يكون طلب الدعاء على سبيل الامتحان والاختبار بل ينبغي أن الطالب نفسه على هذا الباب باعتقاد صادق و تواضع كامل.وأن يسعى لخلق علاقة القرب مع من يطلب منه الدعاء، ببذل المال والخدمة قدر الإمكان وبالطاعة الكاملة وكأنه يدخل قلبه.وإلى جانب ذلك كله يجب أن يحسن به الظن كثيرا ويعتبره متقيا إلى أقصى الحدود ويرى مجرد التفكير ضد شأنه المقدس كفرا ويثبت ويوضح له اعتقاده الصادق بإبداء شتى عواطف الفداء من أجله وألا يرى غيره مثيلا له في الدنيا، وأن يفتديه يرمي

Page 250

البراهين الأحمدية (۲۳۲) الجزء الخامس بروحه وماله وشرفه وألا يتفوه بكلمة يحط من شأنه بأي طريقة بل يجب ألا يخطر ذلك بباله أيضا.ويثبت له جيدا أنه يحسن الاعتقاد به وأنه مريده في الحقيقة.وإلى جانب كل ذلك يجب أن ينتظر بالصبر والجلد وألا يفتر اعتقاده ولا يهتز يقينه ولو خاب في مرامه خمسين ،مرة لأن هؤلاء القوم ذوو قلوب مرهفة وحساسة، وإن فراستهم تعرف بالنظر إلى الوجوه فقط مدى الإخلاص الذي يكنّه أحد.وإنهم يتصفون بصفة الغنى إلى أقصى الحدود مع كونهم ذوي قلوب لينة.لقد أودع الله تعالى قلوبهم صفة الغنى، فلا يعبأون بالمستكبرين والطماعين والمنافقين شيئا.ولا يستفيد منهم إلا الذين يطيعونهم كالعبيد وكأنهم يموتون في هذا السبيل.ولكن الذي يسيء الظن في كل خطوة ويكنّ في قلبه اعتراضا أو شبهة ولا يكنّ الحب وحسن الظن بوجه كامل، فإنه يهلك بدلا من أن يستفيد.وأقول بعد هذا البيان بأن بيان الله تعالى للمراتب الست لوجود المؤمن الروحاني ثم بيانه و مقابلها مراتب الوجود المادي الست إنما هو معجزة معرفية، لم يسبق إليها في العالم أي كتاب من الكتب التي تسمى كتبا سماوية كما لم يخطر ببال الحكماء فيما ألفوه حول النفس أو الإلهيات أو فيما كتبه الناس من المعارف على غرار أسلوب الصوفية أن يعقدوا هذه المقارنة بين الوجود المادي والوجود الروحاني وإذا أنكر أحد إعلاني هذا وظنّ أن أحدا عقد المقارنة بين الوجود الروحاني والوجود المادي فعليه أن يأتي بنظير هذه المعجزة المعرفية من أي كتاب آخر.لقد فحصتُ التوراة والإنجيل وفيدات الهندوس أيضا، وأقول صدقا وحقا بأني لم أجد هذه المعجزة المعرفية في أي كتاب سوى القرآن الكريم.ولا يقتصر الأمر على هذه المعجزة وحدها بل الحق أن القرآن الكريم كله زاخر بمعجزات معرفية بحيث

Page 251

البراهين الأحمدية (۲۳۳) الجزء الخامس يستطيع كل عاقل أن يفهم بالنظر إليها أنه كلامُ ذلك الإله القادر القدير الذي تتبين قدراته مما خلقه في السماوات والأرض وما بينهما، ذلك الإله الذي لا نظير له ولا مثيل في أقواله وأفعاله.فحين نجد مثل هذه المعجزات في القرآن الكريم من ناحية ومن ناحية ثانية ننظر إلى كون النبي أميا، ونتصور أنه لم يتعلم ولا حرفا واحدًا من معلّم وما نال حظا من علوم الطبيعة والفلسفة، بل وُلد في قوم كانوا أميين غير متعلمين تماما ويعيشون عيش البهائم، وإلى جانب ذلك لم يجد فترة التربية على يد أبويه، فننال بإلقاء نظرة جامعة على كل هذه الأمور بصيرة ساطعة على كون القرآن الكريم من الله تعالى، ويترسخ في قلوبنا يقين كامل بكونه معجزة معرفية وكأننا نری الله برؤيته.فزبدة الكلام ما دام ثابتا بالبداهة أن جميع آيات سورة المؤمنون من بدايتها إلى الآية: فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ معجزة معرفية.فلا شك أن الآية فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)) أيضا جزء من المعجزة المعرفية، ولكونها جزءا من المعجزة فهي في حكم المعجزة، وهذا ما قصدت إثباته.وليكن معلوما أيضا أن هذه المعجزة المعرفية المذكورة آنفا تشكل صدقا بينا وساطعا وبديهيا لدرجة أن العقل أيضا مستعد لضم هذه المعجزة إلى علومه المعقولة بكل اعتزاز بعد تلقي الهدي والتذكير من كلام الله، لأنه من الواضح عند العقل أن أول حركة تنشأ في نفس شخص سليم الفطرة إلى الله تعالى بحثا عنه هو الخشوع والتواضع والمراد من الخشوع أن يختار المرء تواضعا وانكسارا وتضرعا لوجه الله، ويهجر مقابل ذلك جميع الأخلاق الرديئة مثل الكبر والعجب والرياء والغفلة واللامبالاة خشية الله.ومن البديهي تماما أنه ما لم يترك الإنسان أخلاقه الرذيلة لا يستطيع أن يقبل مقابلها الأخلاق الفاضلة التي هي الوسيلة للوصول إلى الله تعالى، لأن اجتماع الضدين في قلب واحد محال.هذا

Page 252

البراهين الأحمدية (٢٣٤) الجزء الخامس الله ما أشار الله تعالى إليه في بداية سورة البقرة فقال: هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ إِن هدي ينفع الذين يتقون أي لا يستكبرون، والذين يتدبرون كلام الله تعالى بالخشوع والتواضع وهم الذين يهتدون في النهاية.والجدير بالذكر أيضا هنا أن كلمة أفْلَحَ وردت في هذه الآيات ست مرات، فقال تعالى في الآية الأولى بوضوح: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ أما في الآيات التالية فبالعطف.ومعنى (أفلح في اللغة هو: "أصير إلى الفلاح"، فمن منطلق هذا المعنى إن خشوع المؤمن في الصلاة هو الخطوة الأولى إلى الفوز بالمرام، وإلى جانب ذلك لا بد له من ترك الكبر والعجب.والمراد من الفوز بالمرام هنا هو أن نفس الإنسان تستعد لتوطيد العلاقة مع الله تعالى متعوّدة على سيرة الخشوع والخضوع.ومهمة المؤمن الثانية بحسب العقل السليم، والتي بسببها تصل قوة الإيمان إلى المرتبة الثانية، ويتقوى الإيمان إلى حد ما مقارنة بالمرتبة الأولى، هي أن ينزه المؤمن قلبه الذي بلغ مرتبة الخشوع من أفكار لاغية وأعمال عبثية لأنه ما لم يحصل المؤمن على هذه القوة الأدنى التي بسببها يستطيع أن يهجر أفكارا - وأعمالا لاغية لوجه الله مع أنه ليس صعبا بل هو بمنزلة ذنب بلا مبرر لا يتوقع أن يتنحى عن الأعمال التي يشق التنحي عنها على النفس كثيرا، أو التي في ارتكابها نوع من المتعة أو اللذة للنفس.فثبت من ذلك أن المرحلة الأولى، وهي ترك الكبر تأتي بعدها المرحلة الثانية أي ترك اللغو.والوعد الذي أُعطي في هذه المرحلة بواسطة أَفْلَحَ أي الفوز بالمرام، يتحقق عندما تنقطع علاقة المؤمن مع لغو الأعمال والأشغال، فتنشأ له علاقة خفيفة الله مع وتزداد قوته الإيمانية عما سبق.لقد سميت هذه العلاقة خفيفةً لأنها تكون خفيفة مع اللغو أيضا.فبقطع علاقة خفيفة تتسنى مقابلها علاقة خفيفة.

Page 253

البراهين الأحمدية (٢٣٥) الجزء الخامس ومهمة المؤمن الثالثة بحسب العقل السليم، والتي بها تصل قوة الإيمان إلى الدرجة الثالثة هي أنه ليس فقط يهجر لوجه الله لغو الكلام ولغو الحديث فقط، بل يتخلى أيضا عن ماله العزيز لوجه الله والمعلوم أن التخلّي عن المال أشق على النفس من التنحي عن أمور لاغية، لأنه يُكسب بالجهد والكد وهو شيء مفيد تعتمد عليه الراحة والحياة السعيدة.لذا إن التخلي عن المال لوجه الله يقتضي قوة إيمانية أكثر من ترك لغو الأعمال والوعد الذي جاء في هذه الآيات هنا أن القوة الإيمانية والعلاقة بالله تعالى تتقوى في هذه يعني بكلمة أفلح المرتبة مقارنة مع المرتبة الثانية، وبها تتزكى النفس لأنه لا يمكن إنفاق المال المكتسب بالجهد والمشقة خشية الله وحدها دون تزكية النفس.الله ومهمة المؤمن الرابعة بحسب العقل السليم، والتي بها تصل قوة الإيمان إلى الدرجة الرابعة، هي أنه لا يتخلى عن المال فقط في سبيل بل يهجر أيضا ما هو أحب إليه من المال أيضا أي شهوات النفس، فيترك ما هو المحرم منها.لقد بينت من قبل أن كل إنسان يحب شهوات النفس بطبيعته أكثر من المال ويضحي بالمال في سبيلها.فلا شك أن ترك الشهوات لوجه الله أشق بكثير من التخلي عن المال.وإن كلمة أَفْلَحَ التي تتعلق بهذه الآية أيضا هنا أنه تعني كما أن للإنسان علاقة قوية لطبيعته بشهوات ،النفس كذلك بتركها تتوطد العلاقة القوية نفسها بالله تعالى لأن الإنسان إذا ترك شيئا في سبيل أفضل منه.الله من لطفه أنه لا يخذل الباحثين عنه، والذي يخدم في سبيله لا يخسر شيئا أبدا.ومن جد وجد، وأشرق ذلك الوجه الذي لم يعرض عنه.ترجمة بيتين فارسيين.(المترجم) وجد

Page 254

البراهين الأحمدية (٢٣٦) الجزء الخامس ومهمة المؤمن الخامسة بحسب العقل السليم، والتي بها تصل قوة الإيمان إلى الدرجة الخامسة هى ألا يقتصر على ترك شهوات النفس فقط، بل يجب أن أن يتخلّى عن النفس نفسها في سبيل الله ويكون جاهزا للتضحية بها.بمعنى من إلى مالكها ، وأن تكون علاقته مع الله أمانة يعيد النفس التي هي النفس كالعلاقة مع الأمانة فحسب.وأن يلتزم بدقائق التقوى وكأنه كرّس نفسه وماله بل كل شيء في سبيل الله.هذا ما تشير إليه الآية: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ.فما دامت نفس الإنسان وماله وكل أنواع الله وما دام تسليمها إليه شرطا لكون المرء أمينا، فكان المراد راحته أمانة من مع الله من تسليم النفس أن يُكرّس المرء كل هذه الأمانات في سبيل الله تعالى، وبذلك يؤدي هذه التضحية.وثانيا: أن يؤدي حق العهد الذي قطعه عند الإيمان، ويراعي عهود الناس وأماناتهم عنده بحسب مقتضى التقوى لدرجة أن يكون ذلك أيضا تضحية صادقة، لأن إبلاغ دقائق التقوى إلى منتهاها أيضا نوع من الموت.وإن كلمة أفلح التي تتعلق بهذه الآية أيضا تعني هنا أن المؤمن الحائز على هذه المرتبة يبذل النفس في سبيل الله ويؤدي جميع دقائق التقوى.عندها تحيط الأنوار الإلهية بوجوده وترزقه جمالا روحانيا كما يزين اللحم العظام حين تكسى به.وكما قلت مرارا من قبل إن الله تعالى سمى هاتين الحالتين "اللباس"، وكذلك سُمِّيت التقوى أيضا لباسا، كما يقول تعالى : البَاسُ التَّقْوَى.من كما أن النفس أمانة الله كذلك المال أيضا أمانة منه الله.فالذي يدفع من ماله الزكاة فقط فإنه يعُدّ المال ملكا له.أما الذي يعدّه أمانة الله، فيعد جُل ماله ملكا لله تعالى ويُنفقه في سبيله دائما، ولو لم تكن الزكاة واجبة عليه.منه.المؤمنون: ۹ من

Page 255

البراهين الأحمدية (۲۳۷) الجزء الخامس واللحم الذي تُكسَى به العظامُ أيضا.لباس.كما قال تعالى: (فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا لأن الكسوة التى استمدّ منها اللفظ "كسونا" تعني اللباس.ليكن معلوما الآن أن المرتبة الخامسة هي منتهى السلوك، وعندما تصل حالة المرتبة الخامسة كمالها تأتي بعدها المرتبة السادسة التي يُعطاها المؤمن كموهبة دون سعي أو عناء منه، وليس لجهده أدنى دخل فيها، وهي أن المؤمن عندما يضحي بروحه في سبيل الله يُعطَى روحا أخرى، لأن هناك وعدا منذ البداية أن من فقد شيئا في سبيل الله وجده، فالذين يفقدون الروح يجدونها.ولأن المؤمن ينذر حياته في سبيل الله لحبه الذاتي، يجد روح حب الله الذي تصحبه روح القدس.إن حب الله الذاتي نوع من الروح ويعمل عمل الروح في المؤمن، لذا فهو روح بحد ذاته، وروح القدس ليس منفصلا عنه، إذ لا يمكن الانفكاك بين هذا الحب وروح القدس على الإطلاق.لهذا السبب ذكرتُ حب الله الذاتي فقط في معظم المقامات و لم أذكر روح القدس لأنهما متلازمان وعندما تنزل الروح على مؤمن يزول من مخيلته عبء العبادات كله وتحصل له قوة ومتعة تدفعه إلى ذكر الله بحماس طبيعي وليس على وجه التكلّف، وتهبه حماس العشق.فهذا المؤمن يتواجد على عتبات الله دائما مثل جبريل اللة ويحظى بجوار الله الدائم، كما يقول تعالى عن هذه المرتبة: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أي المؤمنون الكمل هم الذين يحظون بالخشوع والخضوع دائما فيحافظون على صلواتهم على الدوام.وفي ذلك إشارة إلى أن المؤمن الحائز على هذه الدرجة يرى الصلاة ضرورية لبقائه الروحاني ويعدّها غذاءه الذي لا يمكنه العيش بدونه هذه المرتبة لا تُنال بغير الروح التي تنزل على المؤمن من الله تعالى لأنه عندما يتخلى المؤمن عن حياته لوجه الله يستحق نوال حياة جديدة.

Page 256

البراهين الأحمدية (۲۳۸) الجزء الخامس يتبين من هذا البيان كله أن هذه المراتب الست يحرزها بحسب العقل السليم المؤمن الذي يريد أن يوصل وجوده الروحاني إلى الكمال.كل إنسان يستطيع أن يفهم بشيء من التدبر أن الحالات الست تطرأ على المؤمن حتما عند سلوكه.والسبب في ذلك أنه ما لم يوطد الإنسان علاقة كاملة مع الله تعالى، فإن نفسه الناقصة تحب خمس حالات رديئة، ولإزالة.الحالات هناك حاجة إلى سبب ليغلب ذلك الحب، ويقطع الحب الجديد علاقة الحب السابق.كل حالة من تلك الله فالحالة الأولى التي يحبها هي أنه يبقى في حالة الغفلة ويكون بعيدا عن تعالى أيما بعد.وتكون نفسه في حالة من الكفر، وتجذبه حُجب الغفلة إلى الكبر واللامبالاة وقسوة القلب، ولا يلاحظ فيه أي أثر للخشوع والخضوع والتواضع والتذلل والانكسار، يكون معجبا بحالته هذه ويراها خيرا لنفسه.ثم عندما تتوجه الأفضال الإلهية إلى إصلاحه تؤثر في قلبه عظمة الله وهيبته وجبروته بعد وقوع حادث ما أو نزول بليّة.وبسبب هذا التأثير تتولد فيه حالة من الخشوع التي تقضي على كبره وتمرده وعادة غفلته وتقطع علاقة الحب معها.هذا ما يلاحظ في العالم دائما.ويلاحظ بوجه عام أنه حين ينزل سوط هيبة الله في حلة.مرعبة، يُخضع رقاب كبار الأشرار فيوقظهم من رقود الغفلة ويجعلهم في حالة الخشوع والخضوع.وهذه هي المرتبة الأولى للرجوع إلى الله التي ينالها سعيد الفطرة، وذلك إما بعد مشاهدة عظمة الله وهيبته أو بطريق آخر.فمع كان يحب حياة الغفلة والتحرر من قبل، إلا أنه عندما يتولد تأثير مضاد أقوى من التأثير السابق يضطر إلى هجر حالته السابقة لا محالة.أنه والحالة الثانية هي أن المؤمن مثله يرجع إلى الله تعالى نوعا ما، ولكن لا تزال ترافقه نجاسة لغو الكلام والأعمال والأشغال التي يحبها ويستأنس بها.صحيح

Page 257

البراهين الأحمدية (۲۳۹) الجزء الخامس أنه تظهر منه في بعض الأحيان حالة الخشوع في الصلاة، ولكن من جانب آخر تلازمه الأعمال العبثية أيضا، كذلك تلازمه العلاقات اللاغية والمجالس اللاغية والسخرية والاستهزاء العبثي ملازمة القلادة الجيد.فيكون ذا وجهين، فينة إلى هؤلاء وفينةً إلى هؤلاء.الوعاظ الذين يتربعون في المحراب وعلى المنابر، يقومون في خلوتهم بأعمال أخرى تماما".الله وحين تنوي ألطاف الله ألا تُضيع ذلك المؤمن، تتجلّى على قلبه عظمة الله وهيبته وجبروته بتجل آخر أقوى من سابقه، فتتقوى به قوة الإيمان ويقع على قلب المؤمن كنار تحرق جميع أفكاره اللاغية في لمح البصر.وهذا التجلي لعظمة و جبروته يخلق في قلبه حب حضرة الكبرياء الله إلى درجة أن يتغلب على حب الأعمال اللاغية والتصرفات العبثية، ويحل محلها بعد أن يدفعها ويدحضها.ويؤدي إلى فتور القلب نحو الأعمال العبثية، وعندها تتولد الكراهية في القلب تجاهها.وبعد زوال الأعمال والتصرفات اللاغية تبقى في المؤمن حالة سيئة ثالثة يحبها أكثر بكثير من الحالة الثانية أي يكون حب المال في قلبه بصورة طبيعية لأنه يرى المال وحده مدار حياته وراحته، ويرى جهده وسعيه وحده وسيلة الحصول عليه.فلذلك يشق عليه ويكبر التخلي عن المال في سبيل الله.ثم حين تريد ألطاف الله تعالى إخراجه من تلك الورطة العظيمة يُعطى علما عن صفة الله "الرزاق"، وتُزرع فيه بذرة التوكل وإلى جانب ذلك تعمل هيبة الله أيضا عملها وتتمكن من قلبه تجلياتُ الجمال والجلال.عندها يتلاشى حب ترجمة بيت فارسي.(المترجم)

Page 258

البراهين الأحمدية (٢٤٠) الجزء الخامس المال أيضا من قلبه وتُزرع فيه بذرة حُبِّ مُعطي المال ل ويقوى إيمانه، وتكون هذه القوة الإيمانية أقوى من الدرجة الثالثة لأن المؤمن في هذه الحالة لا ينبذ اللغو فقط بل يهجر أيضا المال الذي يعدّه مدار حياته السعيدة.ولو لم يُعط إيمانه قوة التوكل، ولو لم تُفتَح عينه تجاه الرازق الحقيقي، لاستحال زوال مرض البخل فإن قوة الإيمان هذه لا تدفعه فقط إلى نبذ الأعمال اللاغية، بل تخلق أيضا إيمانا قويا بصفة الله "الرزاق" أيضا، وتلقي في قلبه نور التوكل.عندها يعطي المؤمن في سبيل الله بكل سهولة وانشراح الصدر - المال الذي يُعَدُّ فلذة الكبد والضعف الذي ينتج عن اليأس في حالة البخل يزول كله في هذه الحالة نتيجة تعليق الآمال بذات الله، ويغلب على حب المال حبُّ مُعطيه.ثم تأتي بعدها الحالة الرابعة التي تحبها النفس الأمارة بشدة، وهي أسوأ من الحالة الثالثة، لأن المرء في الحالة الثالثة يتخلّى عن المال فقط بنفسه، أما الحالة الرابعة فتقتضي ترك شهوات النفس الأمارة المحرّمة.ومعلوم أن ترك المال أهون على الإنسان طبعا من ترك الشهوات.لذا فإن هذه الحالة أشد قسوة وشدة وخطورة مقارنة مع الحالات السابقة.وإن علاقة شهوات النفس أحب إلى الإنسان بطبعه من علاقته بالمال.لذا يضحي بكل سرور في سبيل شهوات النفس بماله الذي يعتبره مدار الراحة وتكفي شهادة على الثورة الخطيرة لهذه الحالة الآية الكريمة: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ.أَي رَبِّهِ.أن هذه الثورة عاتية جدا، وإن كبح جماحها يحتاج إلى برهان قوي.فمن الواضح أن قوة الإيمان في الدرجة الرابعة تكون أقوى وأشد بكثير من الدرجة الثالثة.وتكون مشاهدة عظمة الله وهيبته وجبروته أيضا بوضوح وجلاء ١ يوسف: ٢٥

Page 259

البراهين الأحمدية (٢٤١) الجزء الخامس أكثر من ذي قبل.وليس ذلك فحسب بل من المهم جدا أن ينال المرء لذة ومتعة روحانية عوضا عن اللذة الممنوعة التي أبعدت عنه.وكما أن هناك حاجة ماسة إلى الإيمان القوي بصفة الله "الرزاق" بغية إزالة البخل، وهناك حاجة إلى توكل قوي في حالة فراغ الجيب لكي يزول البخل من ناحية، ويتولّد الأمل أيضا في فتوحات غيبية، كذلك لإزالة شهوات النفس الخبيثة والخلاص من نار الشهوة لا بد من إيمان قوي بالنار التي تنزّل عذابا شديدا على الجسم والروح كليهما.وإلى جانب ذلك هناك حاجة إلى المتعة الروحانية التي تُغني عن الملذات الكثيفة.فمن كان أسيرا في قبضة شهوات النفس المحرّمة كان في فم الثعبان ذي السم الخطير جدا.فيتبين من ذلك أنه كما أن مرض البخل أخطر من داء الأعمال اللاغية، كذلك الأسر في براثن شهوات النفس المحرّمة مقابل داء البخل بلاء أخطر من جميع البلايا وبحاجة إلى رحمة الله الخاصة.وعندما يريد الله أن ينجي أحدا من هذا البلاء يجلي عليه عظمته وهيبته وجبروته، فتتمزق بها شهوات النفس المحرّمة إربا.ثم يلقي في قلبه ذوق حبه اللطيف بصورة الجمال.كما أن الرضيع يمر بالمرارة ليلة واحدة فقط بعد الفطام ثم ينسى الحليب نهائيا حتى لو وضع فمه بإزاء الثدي لكره الرضاع.والكراهية نفسها تجاه شهوات النفس المحرمة يكنها بعد مرور التقي الذي يُفصل عن حليب النفسانية ويُعطى غذاء روحانيا عوضا عنه.الحالة الرابعة يأتي دور الحالة الخامسة التي تحب النفس الأمارة مفاسدها حبا شديدا، لأنه لا تبقى في هذه المرحلة إلا معر كة واحدة، وتدنو المرحلة ليفتح ملائكة الله جل شأنه مملكة ذلك الوجود كلها ويتمكنوا من التصرف والتدخل فيها كليا ويقلبوا الأهواء النفسانية رأسا على عقب، ويخرّبوا قرية القوى النفسانية ويذللوا ويهينوا زعماءها ويدمّروا المملكة السابقة.فهذا ما

Page 260

البراهين الأحمدية (٢٤٢) الجزء الخامس يحدث عند انقلاب السلطنة : إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةٌ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ.وهذا آخر امتحان للمؤمن وآخر معركة تنتهي عليها كافة مراتب السلوك وتصل سلسلة ترقياته المبنية على الجهد والسعي منتهاها، وتقطع المساعي الإنسانية أشواطها إلى نقطتها النهائية.ثم لا يبقى بعد ذلك إلا عمل الموهبة والفضل من الله تعالى، الأمر الذي يتعلق بـ خَلْقًا آخَرَ).والحالة الخامسة أصعب من الحالة الرابعة لأنه ليس للمؤمن في الحالة الرابعة إلا أن يبتعد عن شهوات النفس المحرّمة.أما في الدرجة الخامسة فيتحتم عليه أن يتخلى عن النفس أيضا ويعيدها إلى الله تعالى عادا إياها أمانة منه ل، وأن يكرس نفسه في سبيل الله ويستخدمها، ويعزم على بذلها في سبيله تعالى ويسعى جاهدا لنفي وجود نفسه لأنه ما دام وجود النفس باقيا ستبقى عواطف ارتكاب الذنب التي تخالف التقوى أيضا قائمة.كذلك ما دام وجود النفس باقيا لا يسع الإنسان أن يخطو على أدق سبل التقوى أو يؤدي حق أمانات الله وعهوده وحق أمانات الخلق وعهودهم.وكما لا يمكن التخلي عن البخل دون التوكل والإيمان بصفة الله الرزاق"، ويستحيل التنحي عن شهوات النفس المحرّمة دون استيلاء عظمة الله وهيبته والمتعة الروحانية، كذلك لا يمكن الوصول إلى المرتبة العظمى المتمثلة في إعادة كافة الأمانات إلى الله تعالى بالتخلي عن النفس ما لم تهب عاصفة شديدة لحب الله على أحد وتجعله كالمجنون في هذا السبيل.والحق أن هذا يمكن إنجازه للنشوانين والمجانين فقط في عشق الله، وليس بوسع عقلاء أهل الدنيا.النمل: ٣٥

Page 261

البراهين الأحمدية " (٢٤٣) الجزء الخامس لم تستطع السماء أن تحمل حمل الأمانة، فأخرجوا القرعة باسمي المجنون".أنا هذا ما أشار الله تعالى إليه في قوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً.أي عرضنا على المخلوقات الأرضية والسماوية أمانتنا التي يجب أن تعاد كأمانة فرفض الجميع حملها خشية حدوث إشكال ما من جراء حملها، ولكن حملها الإنسان لأنه كان ظلوما جهولا فهذان اللفظان وردا في محل المدح للإنسان و لم يردا في محل الذم ومعناهما أن في فطرة الإنسان صفة أنه يستطيع أن يظلم نفسه ويقسو عليها لوجه الله.وكذلك كان قادرا على أن ينيب إلى الله تعالى ناسيا نفسه، لذا فقد قبل أن يرى نفسه كأمانة ثم يبذلها في سبيل الله.ولقد قال الله تعالى عن المرتبة الخامسة: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ أي المؤمنون لا يقصرون في التقوى والحذر في سبيل أداء الأمانات وإيفاء العهود.هذه إشارة إلى أن نفس الإنسان وكافة قواه وبصر عينه و وشمع آذانه وقوة الكلام في لسانه وقوة يديه وقدميه كلها أمانات وهبها الله تعالى وله الحق أن يستعيدها متى شاء.فالمراد من مراعاة هذه الأمانات كلها هو تسخيرُ المرء النفس وكافة قواها، وتسخيره الجسد وجميع قدراته وجوارحه في خدمة الله ملتزما بأدق سبل التقوى بحيث لا تبقى هذه الأشياء له بل تصبح الله تعالى.وألا تعمل قواه وجميع أعضائه أدنى عمل برغبته هو بل بحسب مرضاة الله تعالى.وألا يبقى من إرادته شيء بل تعمل من خلالها مشيئة الله تعالى، وأن تكون ترجمة بيت فارسي.(المترجم) الأحزاب: ٧٣

Page 262

البراهين الأحمدية (٢٤٤) الجزء الخامس خیم نفسه في يد الله كالميت في يد الحي، وأن يبتعد المرء عن تنفيذ رأيه بل يكون الله تعالى هو المتصرف فيه كليًّا حتى ينظر من خلاله ، ويسمع من خلاله ويتكلم وعجل، من خلاله وأن تكون كل حركته وسكونه من خلالها وأن تزول أدق شوائب النفس أيضا، تلك التي لا تُرى حتى بمنظار، فلا تبقى إلا الروح.فباختصار، يجب أن تحيط به هيمنة الله تعالى وتمحو نفسه كليا، وألا تبقى له أية سيطرة على نفسه بل يحكمها الله تعالى بالكامل، وأن تزول ثوائر النفس كلها وتثور فيه إرادات الله تعالى، وأن تفنى الحكومة السابقة تماما وتحل بالقلب حكومة جديدة، وأن يخرب بيت الأنانية وتنصب مكانه الله تعالى، وأن تقلع هيبة الله وجبروته جميع الأشجار - التي تُسقى من عين آسنة وقذرة للنفس - من المكان النجس وتزرعها في أرض طيبة ابتغاء مرضاة الله، وأن تصير كافة أمانيه وإراداته ومشيئته الله تعالى وأن تُهدَم مباني النفس الأمارة كلها وتُسوَّى بالأرض، ويُشيَّد في القلب قصر التقديس والتطهر الذي يمكن أن ينزل فيه الله ل، وتقطن فيه روحه.وبعد اكتمال كل هذه المراحل يمكن أن يقال بأن كافة الأمانات التي أعطاها الله المنعِمُ الحقيقي الإنسان قد أعيدت إليه عندها تنطبق على هذا الشخص :آية: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ.ففي هذه الدرجة يتولد وجود واحد فقط، ثم تنزل على المؤمن روح التجلي الإلهي التي يراد منها حب الله الذاتي مع روح القدس، وتهبه حياة جديدة، فيُعطى قوة جديدة.مع أن كل ذلك يحدث بتأثير من الروح إلا أن الروح تكون على علاقة بسيطة فحسب مع المؤمن ولا تسكن قلبه إلى ذلك الحين.ثم تأتي بعد ذلك المرتبة السادسة للوجود الروحاني، وفي هذه المرتبة يصل حب المؤمن الذاتي كماله ويجذب إلى نفسه حب الله جل شأنه الذاتي.الله الذاتي في المؤمن ويحيط به، وبسببه ينال المؤمن قوةً عندها يدخل حب

Page 263

البراهين الأحمدية (٢٤٥) الجزء الخامس جديدة تفوق العادة وتخلق قوة الإيمان هذه في إيمانه حياةً كأن الروح دخلت في قالب لا حياة فيه.بل تعمل في المؤمن عمل الروح حقيقة بعد دخولها فيه، وبسببها يتولّد النور في كافة قواه.ويحالف المؤمن الحائز على هذه الدرجة تأييد روح القدس بحيث تكشف عليه الأمور والعلوم التي تفوق قوة البشر.ويجتاز المؤمن الحائز على هذه الدرجة جميع مراتب الارتقاء في الإيمان وينال في السماء لقب "خليفة "الله" بسبب حيازته الكمالات الظلية التي يُعطاها من حضرة العزة، فكما أنه حين يقف أحد قبالة المرآة تنعكس فيها جميع ملامح کمالات وجهه بكل جلاء ،وصفاء كذلك المؤمن في هذه المرتبة لا يتخلى عن نفسه فقط بل يوصل نفي الوجود وترك النفس إلى درجة الكمال بحيث لا يبقى من وجوده شيء، بل ينصبغ بصبغة المرآة.عندها ترتسم فيه كافة نقوش ذات الله تعالى وأخلاقه وكما يمكننا القول بأن المرآة تعكس فيها جميع ملامح وجه الواقف أمامها وتصير خليفة وجهه، كذلك تماما يعكس المؤمن أيضا في نفسه أخلاق الله تعالى وصفاته ويحوز درجة الخلافة ويصير مظهرا لصورة الله على سبيل الظلية.وكما أن الله تعالى غيب الغيب ووراء الوراء في ذاته، كذلك يصبح المؤمن الكامل أيضا غيب الغيب ووراء الوراء في ذاته.والدنيا لا تصل كنهه لأنه يبتعد كثيرا عن دائرتها.واللافت في الموضوع أن المؤمن عندما يُحدث في نفسه تغييرا طيبا ويمحو نفسه نهائيا من أجل الله ويلبس حلة جديدة للتغير الطيب ويطل منها برأسه، عندها يُحدث الله - الحي والقيوم غير المتبدّل - أيضا تغييرا في ذاته.ولكن هذا أن تغيرا ما يحدث في صفات الله الأزلية والأبدية.كلا، بل هو غير متبدل منذ الأزل.بل هذا التجلي للقدرة يظهر للمؤمن الكامل فقط فيحدث في الله تعالى تغير لا نستطيع فهم كنهه مع التغير الحادث في المؤمن.ولكن لا يعني

Page 264

البراهين الأحمدية (٢٤٦) الجزء الخامس.بأسلوب لا يقع به غبار الحداثة على ذاته غير المتبدلة، فيبقى غير متبدل كما هو منذ الأزل.وهذا التغير الذي يحدث تباعا للتغير في المؤمن هو من النوع الذي ورد عنه أنه عندما يتحرك المؤمن إلى الله تعالى فإنه الله يأتيه بحركة أسرع منه وكما أنه لا منَزَّه عن التغيرات كما هو معلوم كذلك هو بريء من الحركة أيضا.ولكن هذه الكلمات كلها تُستخدم على سبيل الاستعارة.وقد مست الحاجة إلى استخدامها لأن التجربة تشهد أن المؤمن كما يفنى وينمحي في سبيل الله ويستنفد نفسه ثم يحرز وجودا جديدا، فالله تعالى أيضا إلها جديدا مقابل التغيرات الحادثة في المؤمن، ويعامله بما لا يعامل غيره، ويُريه ملكوته وأسراره التي لا يُريها غيره أبدا.ويُظهر له أمورا لا يُظهرها لغيره أبدا.وينصره ويعينه بما يترك الناس حيارى في أمرهم.ويُري له خوارق ويُظهر له معجزات ويجعله غالبا من جميع الجوانب ويودع فيه جذبا ينجذب إليه بسببه عالم ، إلا الذين غلبتهم الشقاوة الأزلية.يصبح فيتبين من كل هذه الأمور أن الله تعالى يظهر على المؤمن الكامل بتجلّ جديد نتيجة تغيّر طيب فيه.وهذا يدل على أنه لا الله خلق الإنسان ليكون له، لأنه عندما يبدأ الإنسان بالرجوع إليه يبدأ رجوع الله تعالى إلى الإنسان من اليوم والساعة نفسها بل من الثانية نفسها، فيكون الله له وليا وكفيلا وناصرا ومعينا.وإذا وقفت الدنيا كلها في جانب والمؤمن الكامل في جانب، لكانت الغلبة في نصيب المؤمن في نهاية المطاف، لأن الله وعمل مخلص في حبه، وصادق في وعوده، فلا يضيّع أبدا من كان له الله في الحقيقة.فالمؤمن مثله يُلقى في النار ويخرج من بين الأزهار والورود، ويُدفع إلى الدوامة فيخرج من بستان جميل المنظر، وينسج الأعداء مكايد كثيرة ضده ويريدون هلاكه ولكن الله تعالى يحطّم جميع خططهم ويمزق مكايدهم لأنه يكون معه في كل خطوة؛

Page 265

البراهين الأحمدية (٢٤٧) الجزء الخامس لذا فإن الذين يريدون ذلته يموتون موت الذلة والخزي في النهاية وتكون عاقبتهم الخيبة والخسران.أما الذي صار الله بكل قلبه وروحه وعزمه لا يموت خائبا قط.يبارك في عمره فلا بد وأن يحيا حتى ينجز مهامه.البركة كلها في الإخلاص، والإخلاص كله في مرضاة الله ومرضاة الله كلها تكمن في ترك المرء مرضاة نفسه.هذا هو الموت الذي تنال الحياة بعده، فطوبى للذي ينال نصيبا من هذه الحياة.فليكن واضحا هنا أن هذا كل ما أردتُ بيانه عن كون آيات سورة المؤمنون المذكورة آنفا معجزة، وقد أثبت بوضوح تام أنه قد ذُكرت مراتب وجود المؤمن الست في بداية هذه السورة المذكورة وجُعلت المرتبة السادسة لـ خلقا آخَرَ.وقد ذكر الله المراتب الست نفسها للخلق المادي بعد بيان الخلق الروحاني في السورة المذكورة آنفا، وهذه معجزة معرفية.ولم ترد د هذه النقطة المعرفية في أي كتاب قبل القرآن المجيد.فالجزء الأخير من هذه الآيات أي: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ هو أصل المعجزة المعرفية دون أدنى شك لأنه قد طبق على مكان الإعجاز ولا يمكن للإنسان أن يُحدث في بيانه إعجازا كهذا ثم يطبق عليه الآية: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)).وإذا قال أحد ما الدليل على أن هذه المقارنة بين مراتب الخلق الروحاني والخلق المادي للإنسان في الآيات المذكورة آنفا معجزة معرفية؟ فجوابه أن المراد من المعجزة ما لا يقدر الإنسان على الإتيان بنظيره أو لم يقدر في زمن خلا، ولا يوجد دليل على قدرته على ذلك في المستقبل.فأقول بكل تحد بأن هذا البيان لفلسفة خلق الإنسان الدقيقة الذي ذُكر في القرآن الكريم عديم النظير والمثال، بحيث لا نظير له في أي كتاب من قبل ولم نسمع في العصر الراهن أيضا أن أحدا من الذين ليس لديهم علم القرآن الكريم توارد معه بيان هذه

Page 266

البراهين الأحمدية (٢٤٨) الجزء الخامس الفلسفة وما دام القرآن الكريم يدعي أنه معجزة من حيث جميع المعارف والآيات والفصاحة والبلاغة - وما دامت الآيات المذكورة آنفا جزءاً من القرآن الكريم الذي يدخل في دائرة الإعجاز المعلَن فإن كونه بلا نظير وبلا مثيل مع ادعاء الإعجاز وتحدّي المبارزة معجزة بلا أدنى شك.وفيما يلي أكتب الرد على بقية اعتراضات المعترض: قوله: العبارة: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" شطر من أبيات أحد الشعراء القدامى، فهل سبق أن أُوحي إلى نبي الكلماتُ نفسها حرفيا التي خرجت من لسان أحد الناس قبل ذلك النبي؟ أقول: كما قلت من قبل بأن النبي نفسه قد تلقى وحيا من هذا النوع وهو: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).لقد تفوّه عبد الله بن أبي سرح بهذه العبارة ثم نزل وحي من الله بالعبارة عينها.وبسبب هذا الابتلاء ارتد "عبد الله" الشقي.إذا، فهذا النوع من الاعتراض إنما هو اتباع أفكار "عبد الله" المرتد فيجب اجتنابها.أما العبارة: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" فهي الشطر الأول لبيت الصحابي لبيد الله والبيت الكامل هو : عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا بِمِنِّي تَأَبَدَ غَوْلُهَا فَرِجَامُها.أي قد اندرست منازل أحبائي، ولم يبق أثر للمباني التي كانت للسكن المؤقت ولا التي كانت للسكن الدائم بل قد اندرست المباني من كلا النوعين، تلك المباني التي كانت في مِنى في أرض نجد.إذ هناك مدينتان باسم "منى" فهناك منى في مكة، ومنى أخرى في نجد والمراد هنا منى التي في نجد.ثم يقول الشاعر بأن هناك مدينتين في تلك المنطقة إحداهما غول والأخرى رجام واندرستا وانمحتا تماما وسُوِّيتا بالأرض، والآن لا يوجد في مكانهما إلا فلاة تعيش فيها الوحوش والآرام وغيرها.هذا هو معنى كلمة: "تأبد" المذكورة

Page 267

البراهين الأحمدية (٢٤٩) الجزء الخامس في البيت، وقد استمدت هذه الكلمة من "أوابد" وهي الوحوش والآرام وغيرها.ولفظ "أوابد" مستمدة من الجذر "أَبَدَ" ومعناها: الحي إلى الأبد.ولأن الظبيان لا تموت موتا طبيعيا في معظم الحالات بل تُصطاد أو تموت بواسطة غيرها لذا سُمِّيت أوابد.قوله: إذا كان توارد كلام الإنسان مع كلام الله ممكنا فما وجه التمييز بين قول الله وقول البشر إذا؟ أقول: لقد قلت قبل قليل بأن القرآن الكريم معجزة من منطلق أنه لا يمكن أن تتوارد عبارة الإنسان مع عبارة سورة طويلة من القرآن الكريم لا تقل عن عشر آيات فهذا القدر من آيات القرآن الكريم يحمل في طياته الفصاحة والبلاغة والمعارف والحقائق الأخرى التي لا تستطيع قدرات البشر أن تأتي بنظيرها.لذا فإن توارد كلام البشر مع القرآن الكريم معجزة بشرط ألا يقل عن عشر آيات كما صرح بذلك في القرآن الكريم نفسه.أما العبارة التي تساوي آية أو آيتين على أكثر تقدير فيمكن أن يحدث التوارد فيها بين كلام الله وكلام البشر في الظاهر، ومع ذلك توجد في كلام الله تعالى معارف كامنة ونور، ويكون جزء من المعجزة مكنونا فيه.فمثلا إن التمييز بين الإنسان والظبي يتبين بوضوح وجلاء عند إلقاء نظرة شاملة عليهما، أن عين الظبي تشبه عين الإنسان ولكن في عين الإنسان بعض القوى التي لا توجد في عين الظبي قط.قوله: عندما نشر الإلهام "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا كُتب تحته "متعلق بالطاعون"، والآن يقال بأنه يتعلق بالزلزال.أقول: إن علاقة عذاب "عَفَتِ الدِّيَارُ" بالطاعون لا تجعله الطاعون بعينه.وإضافة إلى ذلك فإن القول بأن لفقرة "عَفَتِ الدِّيَارُ" علاقة بالطاعون إنما هو قول إنسان.أما لو ورد ذلك في وحي الله لجاز الاعتراض.بل يقول الوحي

Page 268

البراهين الأحمدية (٢٥٠) الجزء الخامس الإلهي بكل صراحة بأنه يتعلق بالزلزال انظروا الإلهام المنشور في الجريدة نفسها أي "الحكم" في نهاية كانون الأول / ديسمبر ۱۹۰۳م وعبارته: "هَزَّةُ الزِّلْزَال".ثم صرّح به الإلهام الثاني بعد خمسة أشهر في الجريدة نفسها في عدد ١٩٠٤/٥/٣١م قائلا: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا".الأسف كل الأسف، على حالة هذا العصر، إذ يوجد كلام الله في موضعين في الجريدة نفسها، وكلام منهما يشرح الآخر، ولا ينظر إليه أحد بل يقدمون كلام الإنسان مع عدم مسئولية إلهام الله عن الخطأ.انظروا إلى هذا الحد العناد من مع تسميتهم أنفسهم أولاد المسلمين ! والله أعلم ماذا عسى أن يكون وباله في المستقبل.وإضافة إلى ذلك، لا أنكر أن حقيقة النبوءة لا تنكشف بالكامل قبل الأوان، ويمكن أيضا أن يخطئ الإنسان في شرحها.لذا لم يسبق في الدنيا نبي لم يصدر منه خطأ قط في فهمه معنى نبوءة ما من نبوءاته.وإذا أخطأ النبي في الاجتهاد في بيان معنى نبوءته قبل وقوعها فهذا لا يحط من شأن النبوءة وعظمتها، لأن النبوءة الربانية تكون خارقة للعادة وأعلى من نظر الإنسان وأسمى من أفكاره.فهل لك أن تدعي أن ذلك يمس بعظمتها؟ إذا كان الحال على هـذا المنـــوال فأستطيع أن أقدم قائمة طويلة من النبوءات التي أخطأ الأنبياء أولـــو العـــزم في فهمها.ولكني متأكد بأنك لن تثير بعد ذلك اعتراضا مثله وستتنبه جيدا إلى مدى هذا الاعتراض من المعلوم أنه إذا تحققت النبوءة وشرحت معناها بظهورها، وتبين بالبداهة بمقارنة كلماتها مع ذلك المعنى بأن ذلك هو المعنى الصحيح، فإن الطعن فيها ليس من الإيمان في شيء.أليس صحيحا أن الإلهام المذكور إنما يعني أن المباني في جزء من البلاد ستنهدم؟ فكيف ينطبق إذا على الطاعون بحسب معناه الظاهري؟ فإذا انهدمت المباني نتيجة حادث معين فسيكون الحادث نفسه مصداقا للنبوءة.فهل تنهدم

Page 269

البراهين الأحمدية (٢٥١) الجزء الخامس المباني نتيجة الطاعون أيضا؟ وبالإضافة إلى ذلك إن الإلهام الذي نُشر في الجريدة نفسها قبل خمسة أشهر من هذه النبوءة يوجد فيه لفظ "الزلزال" بكل وضوح، وتعريب الكلمات الإلهامية هو: "هَزَّةُ الزِّلْزَال".فأي شكٍّ في أنه قد أخبر عن زلزال مقبل في الجريدة نفسها؟ فعليك أن تفكر بنفسك بالعدل والإنصاف؛ هل ينطبق إلهام "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" من حيث معناه الحرفي على نبوءة الزلزال الذي ذكر من قبل أم على الطاعون؟ وإضافة إلى ذلك إن نبوءة الزلزال كما تتعلق بعبارة: "عَفَتِ الدِّيَارُ" من حيث المعنى، كذلك لها علاقة بقرب الزمن أيضا، إذ تلقيت إلهاما صريحا عن الزلزال، وذلك قبل إلهام "عَفَتِ الدِّيَارُ" بخمسة أشهر.وقد نُشرت كلتا النبوءتين واحدة تلو الأخرى.أولاهما "هَزَّةُ الزِّلْزَال" والثانية: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" ولم يُذكر الطاعون في أي منهما.قوله : إن لم يُعطَ علمًا قاطعا عن إلهام "عَفَتِ الدِّيار...إلخ بأنه يتعلق بالزلزال، فما الفائدة من الإلهام من هذا النوع؟ أن أقول: من المؤسف أنك لا تعلم شيئا عن سنن الله.ليس ضروريا لنبي يعلم علما قطعيا عن جانب معين من النبوءة بأنها ستتحقق على هذا النحو حتما.غير أنه من الضروري لنبوءة أن يكون مفهومها خارقا للعادة وألا تقدر قوة من قوى الإنسان أو مكيدته وتخطيطه على مبارزتها.ولكن ليس ضروريا أن تظهر حقيقتها من كل الجوانب والنواحى.فترى أن النبوءة الهامة عن نبينا في التوراة مبهمة المعنى؛ إذ جاء فيها أن نبيًّا مثيلا لموسى سيأتي من بني إسرائيل، من إخوتهم وما قيل بصراحة في أي مكان أنه سيبعث من بني قد خوطب بنو إسرائيل في بعض الأماكن في التوراة وقيل لهم بأنه سيُبعث منكم.منه.

Page 270

البراهين الأحمدية (٢٥٢) الجزء الخامس إسماعيل، وسيكون اسمه كذا واسم أبيه كذا، وسيولد في مكة وسيأتي بعد مدة كذا وكذا.لذا لم يستفد اليهود من هذه النبوءة شيئا ووصل آلاف منهم جهنم هذا الخطأ، بسبب أن القرآن الكريم قد أشار إلى النبوءة نفسها فقال: إنا مع أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا.يقول اليهود بأن مثيل مو هو النبي يشوع الذي خلف موسى بعد وفاته.ويقول النصارى بأن عيسى هو مثيل موسى لأنه أيضا جاء منجيا مثله تماما.قل الآن بالله عليك، ما الفائدة من نبوءة التوراة هذه التي لم تحكم حكما واضحا؟! فلم يستطع اليهود ولا النصارى أن يعرفوا النبي الي الذي كانت النبوءة تتعلق به، بل حرم كلا الحزبين من سعادة القبول.أما الوحي الذي نزل علي، أي: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" فليس مبهما كما تزعم لأن هناك إلهاما منشورا قبلها في الجريدة نفسها وهو: "هَزَّةُ الزِّلْزَال".ثم يبين الوحى الثاني: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" ملامح الزلزال نفسه الذي سبق ذكره في الجريدة نفسها.وهذه النبوءة لا تنطبق على الطاعون بأي حال.وكل من هذين الوحيين مذكور في الجريدة نفسها، أي جريدة "الحكم" بفاصل زمني قدره خمسة أشهر.فقل الآن، أليس من التعنت أن تُعَدّ لاغيةً وواهية النبوءة العظيمة التى أخبر بها في جريدة واحدة مرتين عن حادث عظيم بذكر الزلزال وبيان صفاته؟! فلو كان الحال على هذا المنوال لتعذر بقاؤك على الإسلام.لقد ورد في كتب التفاسير الموثوق بها أنه حين نزلت الآية: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبْرَ) قال النبي الله : لا أدري بأي حادث تتعلق هذه النبوءة.ثم حين نال فتحا عظيما في معركة بدر، قال ما معناه الآن علمتُ بأنها كانت تتضمن نبأ بهذا المزمل: ١٦ القمر : ٤٦

Page 271

البراهين الأحمدية (٢٥٣) الجزء الخامس الفتح العظيم.وقال بمناسبة أخرى بأني قد أُعطيتُ عنقود عنب وقيل إنه لأبي جهل، احترتُ لأن في أبي جهل مادة خبيثة ولا يستحق دخول الجنة، فلم أفهم معنى ذلك.ثم تحققت النبوءة بإسلام ابنه عكرمة.وذات مرة سافر سفرا طويلا من المدينة إلى مكة بناء على وحى من الله تعالى.وكان قد بُشِّر وحيا بأنه سيدخل مكة ويطوف بالبيت، ولكن لم يُخبر بموعده المحدد.ولكن النبي ﷺ تحمل عناء السفر بناء على اجتهاده الذي لم يكن صحيحا، ولم يستطع أن يدخل مكة، لأنه أخطا في فهم النبوءة فابتلي بعض من الصحابة.الله كذلك أخبر الله تعالى عيسى الله بأنه سيكون ملكا، ففهم من وحي أن المراد منه هو ملكوت الدنيا.وبناء على ذلك أمر حوارييه أن يشتروا الأسلحة ببيع لباسهم.ثم تبين في آخر الأمر أن ذلك كان سوء فهم من قبل عیسى، وكان المراد من الملكوت هو ملكوت السماء وليس ملكوت الأرض.الحق أن الأنبياء أيضا بشر ، فلا غضاضة إن أخطأوا في الاجتهاد، غير أنهم لا يتركون ثابتين على خطئهم بل يُنبهون عليه في وقت من الأوقات حتما.فيجب أن يُنظر إلى نبوءة النبي من منطلق مفهومها الخارق للعادة.وإن لم تظهر النبوءة من جانب معين وظهر جانبه الآخر ووُجد في ذلك الجانب أيضا الأمر الحق والخارق للعادة وفهم كل عاقل بعد ظهور الحدث أن هذا هو المعنى الصحيح للنبوءة الذي كشفه الحادث بظهوره، فذلك لا يحط شأن النبوءة وعظمتها من شيئا، ويكون الطعن فيها بغير حق خبثا وإلحادا وتعنتا.قوله : الكلام المبهم بأن الآفة نازلة قريبا، دون الإخبار عن كيفيتها وموعدها، ليست نبوءة وإنما هي سخرية ويمكن لكل من هب ودب أن يقول مثل هذا الكلام.

Page 272

البراهين الأحمدية (٢٥٤) الجزء الخامس أقول: ماذا أقول هنا إلا : لعنة الله على الكاذبين؟! يجب على معارض مثله أن يعلن من عنده أن آفة كهذه لن تحل.وليفكر في نفسه كيف صارت النبوءة مبهمة ما دام ذكر الزلزال مذكورا فيها بصراحة تامة؟! وذكر أيضا أن جزءا من البلاد سيدمر ،نتيجته وأنه سيقع في حياتي.وإلى جانب ذلك هناك نبوءة أن الزلزال سيكون نموذجا للقيامة للذين يحل بهم.فإذا كانت هذه النبوءة مبهمة فأية نبوءة يمكن أن تُسمّى واضحة وبينة؟! أما قولك بأنه لم يُذكر في النبوءة موعد تحققها فهذا ليس هجومك على الإسلام فقط بل على جميع الكتب السماوية، إذ لم يُحدد أي موعد في معظم النبوءات في القرآن الكريم أيضا.أيّ موعد حُدد في النبوءة عن نبوخذ نصر وطيطوس الرومي المذكورة في التوراة؟! وأي تحديد جاء في التوراة عن نبوءة مجيء مثيل موسى؟! وهل لك أن تقول أي وقت حُدّد في نبوءات الإنجيل عن الزلازل والحروب؟! ثم النبوءة عن مجيء المسيح الموعود التي بناء عليها تريدون أن تعيدوا عيسى بن مريم من السماء إلى الأرض، هل لها أي وقت محدّد أخبركم الله فيه لكي تخطوا بضع خطوات إلى الأمام لاستقبال القادم من بعيد؟! أو تسافروا إلى جو الزمهرير على الأقل لاستقباله حاملين ألحفة معكم إن لم تستطيعوا السفر إلى أبعد من ذلك.ليتكم تفكرون أن اعتراضات كهذه لا تقع علي وحدي بل تقع على الإسلام والقرآن الكريم، والعياذ بالله، بل تشكل هجوما على الأنبياء السابقين جميعا.الحق أنه إذا كانت النبوءة خارقة للعادة في حد ذاتها، أو اشتملت على غيب يفوق علمه قدرة الإنسان، وقد أعلن فيها بوضوح تام بأن هذا لم يحدث في هذه البلاد منذ مئات السنين، وهو لم يحدث فعلا، ثم يحدث ذلك حسبما أُعلن في النبوءة تماما، فإن الاعتراض على نبوءة خارقة للعادة كهذه إنما هو فعل الملحدين الذين ليس لديهم أدنى اهتمام بالله ولا بالصدق.الأشقياء مثلهم ظلوا

Page 273

البراهين الأحمدية (٢٥٥) الجزء الخامس يعترضون على كل نبي منذ القدم لشقاوة قلبهم قل لي بالله عليك، إن الزلزال الذي أنبئ عنه في النبوءة بكل شدة وقوة، هل لك أن تأتي بنظيره في ألفي عام مضت؟! واعلم أن هذه النبوءة ليست وحيدة بل قد أخبر الله تعالى بذلك مرارا وتكرارا بواسطتي في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية.لقد وردت النبوءة عن ذلك في كتاب "مواهب الرحمن"، وكذلك في كتيب "آمين"، وفي إلهامات مختلفة نُشرت في عدة أعداد في جريدة "الحكم"، ومع ذلك لا تزال النبوءة مبهمة بحسب زعمك فما الحل لهذه المشكلة؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.إن توجيه الهجمات غير المبررة إلى الإسلام التي كان من شيمة غير المسلمين، يوجهها الآن المسلمون بأنفسهم وإن لم يكن في نصيبهم أن يحموا الدين كان عليهم على الأقل ألا يهاجموا إلا بعد شيء من التدبر.هل من الدين في شيء أن يسودوا وجوههم بأنفسهم أولا دون مبرر ثم يثبت بطلان هجومهم في نهاية المطاف؟! "يجلس على غصن الشجرة ويقطع أصلها"" لو كان في قلوبهم نور الإسلام لفهموا الأمر بأنفسهم، بل لردّوا على الآخرين.قوله: لقد أنبأ حضرة الميرزا المقدس بحدوث الزلزال مرة أخرى ولكنه قال إلى جانب ذلك بأني لم أخبر إذا كان المراد هو الزلزال أو آفة شديدة أخرى، وما أُعطِيتُ علما متى سيحدث هذا الحادث؟ أقول: لا يقع أي اعتراض على بياني هذا لأن العذاب الذي وعد العرب بحلوله في القرآن الكريم لم يصرح الله تعالى كيفيته ونوعيته، بل اكتفى بالقول ترجمة مثل فارسي (المترجم)

Page 274

البراهين الأحمدية (٢٥٦) الجزء الخامس بأنه قادر على أن ينزله من السماء أو يرسله من الأرض أو يذيق الكافرين بأس سيوف المسلمين.ففي تلك الآيات يقر النبي ﷺ بنفسه أنه ما أخبر بكيفية ذلك العذاب.وحين سُئل عن موعد حلوله لم يُخبرهم بأي موعد محدد كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ الله وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ.ثم أعاد الكفار سؤالهم عن موعد العذاب فرُدَّ عليهم: قُل...وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ.فاسمعوا الآن أيها المستمعون وعُوا، صحيح وصحيح تماما ولا مندوحة من التسليم أن نبوءات الله تعالى تتحقق أحيانا بصورتها الظاهرية، وفي بعض الأحيان الأخرى تتحقق على سبيل الاستعارة.فلا يسع نبيا ولا رسولا أن يدعي دائما عن كل نبوءة أنها سوف تتحقق بأسلوب كذا وكذا.غير أنه من حق النبي، كما قلت من قبل أن يعلن بأن النبوءة التي أنبأ بها خارقة للعادة أو تفوق علم الإنسان.ولو كان الزلزال يضرب البنجاب في كل قرن مثلما ضربه في ١٩٠٥/٤/٤م لما كانت للنبوءة أدنى أهمية، لأنه من حق الناس أن يقولوا بأن الزلازل من هذا القبيل تضرب البنجاب كالمعتاد وهذا ليس بأمر غير عادي.ولكن لمّا كان الزلزال الذي ضرب مؤخرا خارقا للعادة كما ذكر في النبوءة، صارت الاعتراضات كلها لاغية وكذلك النبأ الذي أنبأت به عن زلزال آخر ليس نبأ عاديا.ولكن لو حدث غير ذي بال، أو لم يظهر في حياتي، لما كنت من الله.لقد أخبرني الله تعالى أن الآفة التي سماها زلزالا سيكون نموذجا للقيامة وسيظهر بصورة أقوى من سابقه ومما لا شك فيه أن في النبوءة عن المستقبل أيضا وردت كلمة الزلزال مرارا مثل النبوءة السابقة دون أن ترد كلمة الملك: ٢٦ - ٢٧ الأنبياء: ١٠٩ - ١١٠

Page 275

البراهين الأحمدية (٢٥٧) الجزء الخامس الأنبياء أخرى.والمعنى الظاهر أحق بالأخذ من التأويل.ولكن كما يلتزم جميع بمقتضى التأدب مع الله وسعة علم البارئ تعالى فلا بد من القول التزاما بالأدب وبسنة الله أنه قد وردت كلمة الزلزال في الظاهر بلا شك، ولكن قد يكون المراد منه آفة أخرى تضم في طياتها صبغة ،الزلزال وهي آفة مهولة وأشد فتكا ودمارا من سابقتها وتلحق أضرارا فادحة بالمباني أيضا.وهذه النبوءة لا تبطل لعدم ذكر تاريخ تحققها ووقتها فهي مصحوبة بتصريحات كثيرة تغني عن ذكر التاريخ والوقت.كما قال الله تعالى إن هذا الزلزال سيقع في حياتك، وبوقوعه سيحصل لك فتح مبين، وسيدخل في جماعتك خلق كثير.وسيكون ذلك آية سماوية لك.سينزل الله بنفسه لتأييدك، ويُري من عنده أمورا عجيبة لم يرها العالم من قبل.وسيأتي الناس من بعيد ويدخلون جماعتك.ويكون ذلك الزلزال أشد من سابقه، وتكون أمارات القيامة بادية فيه، وسيُحدث في العالم انقلابا.ويقول الله تعالى ما تعريبه: سآتي حين تقسو القلوب، ويكون الناس قد اطمأنوا من ناحية الزلزال ويقول تعالى أيضا: سآتي خفية وفي وقت لن يعرفه أحد، أي حين يكون الناس مشغولين في أمورهم الدنيوية بنشاط وهدوء، عندها ستنزل تلك الآفة فجأة.وسيكونون مطمئنين أن الزلزال لن يضربهم، ويحسبون أنهم في أمن وسلام، عندها تنقض هذه الآفة على رؤوسهم بغتة.ولكن الله يقول بأن لقد أخبر اليهود عن المسيح الموعود بصورة النبوءة أنه لن يأتي ما لم ينزل النبي إلياس السماء ثانية، ولكن لم ينزل أحد من العليا أنه السماء، وأعلن من عیسی هو المسيح الموعود، وأن المراد من إلياس هو النبي يحيى الذي جاء قبله.فالنبوءة عن عودة النبي إلياس الذي كان اليهود ينتظرونه ومازالوا ينتظرونه تحققت على سبيل الاستعارة ببعثة يحيى.فيتضح من ذلك أنه يحدث في النبوءات أحيانا أن الله تعالى يحقق وعده على سبيل الاستعارة بالصرف عن الظاهر.منه.

Page 276

البراهين الأحمدية (٢٥٨) الجزء الخامس ذلك سيحدث في فصل الربيع، فتطلع الشمس صباح الربيع وتغرب في مساء الخريف.فيحدث مأتم في بيوت كثيرة لأنهم لم يدركوا الوقت.إن علم الغيب لا يبلغه منجم ولا من يدعي كونه خبيرا في علم طبقات الأرض، ولا يدري أحد ما الذي سيأتي به الغد.ولكن الله الذي خلق كل شيء يدرك كنه مخلوقاته.: قوله ما دام قد ورد في القرآن الكريم خبرُ الزلزالين فلماذا يقال إذا بأنه قد يكون زلزال أو آفة أخرى؟ أقول: لقد قلتُ مرارا بأن كلمات القرآن الكريم الظاهرية والوحي النازل علي تنبئ بالزلزال، ولكن سنة الله تُجبرنا أن نضع احتمال التأويل أيضا أمام أعيننا.يقول الله تعالى في القرآن الكريم عن قوم: ﴿وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ، مع أنه لم يضربهم أي زلزال.فهذا يعني أن آفة أخرى قد سميت هنا زلزالا.ويقول وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى".هذه أيضا نبوءة ولكن لا يُستنبط منها المعنى الذي يُفهم من ظاهر الكلمات.من سنة الأنبياء والرسل أنهم يؤمنون بسعة علم الله تعالى ولا يحسبون علمهم مساويا لعلمه لقد وعد النبي ﷺ مرارا في القرآن الكريم بالانتصار على الكفار، ولكن حين بدأت معركة بدر، التي كانت أول معركة في الإسلام، دعا النبي ﷺ باكيا متضرعا فخرجت من لسانه أثناء الدعاء كلمات: "اللهم إن أهلكت هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض أبدا.وكانت العصابة تشمل ۳۱۳ شخصا فقط.حين سمع أبو بكر الله الله هذه الكلمات من لسانه الا الله قال: يا رسول الله ﷺ لماذا تقلق إلى هذا الحد، لقد قطع الله لك وعدا يقينا بأنه سيرزقك فتحا.فقال : وتعالى.الأحزاب: ۱۲ الإسراء: ٧٣

Page 277

البراهين الأحمدية (٢٥٩) الجزء الخامس هذا صحيح ولكني أنظر إلى أنه لا غنى أيضا، أي أن إنجاز الوعد ليس حقا واجبا على الله.مع الله والآن يجب الانتباه إلى أنه ما دام النبي ﷺ قد التزم بمقتضى الأدب تعالى إلى هذا الحد، فلماذا الإعراض عن معتقد مسلّم به عند جميع الأنبياء أن النبأ الإلهي يتحقق تارة بكلماته الظاهرية وتارة بطريق الاستعارة والمجاز؟ ومعارضة هذا المعتقد غباوة بحتة.أما القول بأن النبوءة التي لا يمكن الاعتماد على كلماتها الظاهرية و لم يُحدد أي وقت لها كيف يمكن اعتبارها نبوءة أصلا؟ فجوابه أن هذه فكرة من حياة سفلية ويُفهم منها أن صاحبها ليس ملما بسنة الله قط.والحق أنه إذا كانت النبوءة تضم في طياتها عظمة وقوة ونبأ خارقا للعادة وتراءت فيها يد الله بادية عند تحققها، لقبلتها القلوب تلقائيا دون أن يذكر أحد تاريخ تحققها.والحق أن التراع والاعتراض هذا قبل أوانه فانتظر الوقت ثم يمكن أن تعترض، إذ إن الصراخ والعويل قبل الأوان ليس مستحسنا، فالنبوءة ستخبر عند ظهورها هل كان الأمر عاديا أو غير عادي.قوله ما دام القرآن الكريم أيضا يخبر بزلزالين بحسب قولك، فلم يعد محال للشك في كون الآفة الآتية زلزالا.أقول: لقد وردت في القرآن الكريم :آية (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاحِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ.لم يُذكر الزلزال في ظاهر كلمات الآيتين.والرجفان في اللغة تعني الاضطراب الشديد كقولهم: "رجف الشيءُ: اضطرب اضطرابا شديدا." ولأن اضطراب الأرض يكون بالزلزال في معظم الأوقات لذا استنبطت معنى الزلزال النازعات: ۷-۸

Page 278

البراهين الأحمدية (٢٦٠) الجزء الخامس متى كظن غالب.وإلا من الممكن أن ينتج هذا الاضطراب عن حادث آخر غير الزلزال، أو قد يكون المراد من الاضطراب آفة أخرى.فثبت هنا أيضا ما قلته من قبل، أي أنّ هذه الآية أيضا ليست قطعية الدلالة على الزلزال، وإن كان الظن الغالب يوحي بأن المراد من تَرْجُفُ الرَّاحِفَةُ) تَرْجُفُ الرَّاحِفَةُ هو الزلزال، والله أعلم.استنبطت من كلمات نبوءاتي أنها لا تعني الزلزال؟ بل أقول بأن المعنى المراد كلمة الزلزال هو الزلزال على الأغلب ،والأكثر ، ولكن من الممكن بحسب سنة الله القديمة - أن يكون المراد منها آفة شديدة أخرى خارقة للعادة ومدمّرة تدميرا شديدا تحمل في طياتها طبيعة الزلزال، لأنه توجد في كلام الله استعارات بكثرة ولا ينكرها أهل العلم.ولكن الكلمات الظاهرية أحق بالأخذ.والمعلوم أن كلمات النبوءات الظاهرية تدل على الزلزال فقط.من لقد أثار المعترض سؤالا مرارا أن صاحب النبوءة لم يجزم أن المراد من الزلزال هو الزلزال في الحقيقة، ولم يحدد أي وقت أيضا، فما أهمية النبوءة في هذه الحالة؟ إذ يمكن أن يحدث حادث هذا القبيل إلى من القيامة فيعده يوم مصداقا لنبوءته بسهولة لة.من الغريب حقا أنني قلتُ مرارا وتكرارا بأن المراد من الزلزال في نبوءاتي هو الزلزال كظن غالب، وإلا فآفة خارقة للعادة تطابق الزلزال أشد التطابق، وتحمل صبغة الزلزال كاملة، ولكن المعترض مع ذلك لا يقتنع بهذه الكلمات.لا أدري كيف اقتنع بالإسلام مع ما يكنّه من الأوهام كهذه؟! يعرف الجميع أنه يكفي بالنسبة إلى نبوءات الأنبياء عليهم السلام أن تكون خارقة للعادة وتفوق قدرات البشر، أو تحتوي على غيب يفوق تخمين البشر.لو تم الإدلاء بنبوءة لا يخطر بعقل أو فهم أن أمرا كهذا حادث، وأن يكون ذلك الأمر غير عادي بكل جلاء لم يسبق له نظير منذ مئات السنين الماضية ولا تتراءى بوادره

Page 279

البراهين الأحمدية (٢٦١) الجزء الخامس في المستقبل أيضا، ثم تحققت تلك النبوءة، إذن لحَكَم العقل السليم أنه لا بد من اعتبارها من الله تعالى ،حتما، وإلا سيلزم ذلك إنكار نبوءات جميع الأنبياء.اسمعوا الآن بأذن واعية، أن القول عن نبوءتي بوقوع الزلزال في المستقبل بأني لم أحدد أي موعدٍ لتحققها لهو فكرة خاطئة تماما، وناتجة عن قلة التدبر وكثرة التعنت والتسرع فقط، لأن الله تعالى قد أخبرني مرارا وتكرارا أن تلك وحي النبوءة سوف تتحقق في حياتي وفي بلادي ولمصلحتى وإذا كان الأمر عاديا يوجد له مئات النظائر قبله وبعده ولا يكون خارقا للعادة ولا يُظهر آثار القيامة، فأقر بنفسي بألا تحسبه نبوءة، بل اعتبره سخرية بحسب قولك.إني الآن بالغ من العمر سبعين عاما تقريبا، وقد مضى ثلاثون سنة منذ أن أخبرني الله تعالى بكلمات صريحة بأني سأعيش ثمانين حولا أو تزيد عليه خمسة أو ستة أو يقل كمثلها.ففي هذه الحالة إذا أخر الله تعالى ظهور هذه الآفة الشديدة فلن يكون التأخير أكثر من ١٦ عاما على أكثر تقدير، لأنه من المحتوم أن يقع هذا الحادث في حياتي.ولكن ليس المراد من النبوءة أنها تؤجل إلى ١٦ عاما كاملة، بل من الممكن أن تتحقق بعد عام أو عامين من اليوم أو قبل ذلك أيضا.كذلك لم يعد الله تعالى أن عمري سيزيد عن ٨٠ عاما حتما.بل العبارة أملا خافيا أنه قد يزيد عمري قليلا الله التي جاءت في وحي عن ذلك تعطي على ثمانين عاما أيضا إذا شاء الله.أما الكلمات الظاهرية للوحي والمتعلقة بالوعد، فتحدد العمر ما بين ٧٤ و ٨٦ عاما.هناك إلهام آخر أيضا من الله تعالى وتعريبه: "عاد الربيع وتحقق كلام الله مرةً أخرى".يتبين منه أن الزلزال الموعود سيضرب في أيام الربيع وكما يُفهم من بعض الإلهامات أنه سيقع وقت الصباح على الأغلب أو قريبا من ذلك، ولعل الوقت قريب حين تتحقق هذه النبوءة، ويمكن أن يؤخره الله قليلا.منه.

Page 280

البراهين الأحمدية (٢٦٢) الجزء الخامس على أية حال، إنه اتهام لي بأني لم أحدد موعد تحقق النبوءة.وقـــــد قــــال الله تعالى في وحيه مرارا بأني سأري لك هذه الآية، وقل لهم بأنها ستكون شـــاهدة على صدقي.وقال : سأنزل لك وساري لك آياتي.وسآتيك بالأفواج حين أن لن يعلم أحد.ولا يعلم ذلك الوقت إلا الله.وكما حدث في زمن موسى فرعون وهامان ظلّا مخدوعين ما لم يأخذ بهما طوفان النيل، وهذا ما سيحدث الآن أيضا.ثم قال تعالى: اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا، أَيْ لا تشفع لهم لأني سأغرقهم جميعا..كذلك هناك إلهامات إلهية أخـــرى صريحة تتلخص في أن هذه النبوءة سوف تتحقق في حياتي وفي زمني أنا، ولها أجل مسمى ومحدد لن تتجاوزه.ولكن لا يُدرى هل ستتحقق بعد أشهر أو أسابيع أو سنوات.ولكنها لن تتجاوز ١٦ عاما على أية حال إن مثل ذلك كما يُستنبط من آيات القرآن الكريم أن عمر الدنيا من آدم اللي هو سبعة آلاف سنة، وقـــــد مضى منها ستة آلاف سنة إلى زمننا هذا كما يتبين من أعداد سورة "والعصر" بحسب حساب الجمل.وبحسب التقويم القمري نحن الآن في الألفية السابعة.والمسيح الموعود الذي كان سيُبعث في نهاية الألفية السادسة قد بعث.أما مـــا لقد خلق الله تعالى آدم وقت العصر في اليوم السادس أي يوم الجمعة.هذا ما يثبت من التوراة والقرآن والأحاديث.ولقد حدّد الله تعالى سبعة أيام للناس.وإن يوم الله - مقابل تلك الأيام يساوي ألف عام.وقد استنبط انطلاقا ذلك أن الدنيا عمر سبعة آلاف سنة.والألفية السادسة التي تقابل اليوم السادس إنما هو يوم ظهـور آدم هو من من آدم العلا الدنيا في الألفية السادسة، وسيصبح الثاني.بمعنى أنه من المقدر أن تتلاشى روح الدين من الناس غافلين جدا وبعيدين عن الدين.عندها سيأتي المسيح الموعود لإقامة سلسلة النــــاس الروحانية، وسيظهر مثل آدم الأول في نهاية الألفية السادسة التي هي يوم الله السادس.فقد ظهر ذلك المسيح وهو هذا الذي يبلغ الحق الآن بواسطة هذا المقال.والهدف من وراء

Page 281

البراهين الأحمدية (٢٦٣) الجزء الخامس يعني أن الله تعالى لم يقال بأنه لا يعلم أحد عن ساعة القيامة بالتحديد فهذا لا يعط أحدا من الناس علمًا عن القيامة ولو إجمالا، وإلا فيغدو بيان علاماتها لغـــــوا تماما، إذ لا حاجة أصلا إلى ذكر علامات شيء قدر الله تعالى أن يُبقيــــه خـافيـــا هكذا.بل معنى هذه الآيات أنه لا يعلم أحد عن ساعة القيامة المعينة بالتحديد، ولكن الله تعالى أعطى الإنسان علمًا عنها مثل العلم عن أيام الحمل- أن القيامة ستحل بسكان الأرض إلى مرور سبعة آلاف سنة.ومثال ذلك كما يولد كــــل جنين إلى تسعة أشهر وعشرة أيام حتما، ولكن لا أحد يعرف لحظـة ولادتـــه بالتحديد، كذلك ستقوم القيامة أيضا إلى سبعة آلاف سنة، ولكن لا أحد يعلم عن ساعة حلولها بالتحديد ومن الممكن أن يمر بعد نهاية السبعة الآلاف السنين قرنان أو ثلاثة قرون بصورة كسور ليست مما يُعتَدُّ به.أما اعتراضه الثاني أنه لم يُعلَن أن المراد هو الزلزال في الحقيقة، فإن هذا الاعتراض أيضا ناشئ عن قلة التدبر، لأني كتبتُ مرارا أن كلمات الوحي الظاهرية توحى بأن المراد هو الزلزال بل المراد على الأغلب والأكثر هو الزلزال، وهذا ما يشهد به الزلزال الأول أيضا، وتؤيده آية القرآن الكريم: يَوْمَ من تسميتي آدم هنا هو أن الفرد الكامل في سلسلة البشرية بدأ من آدم وانتــهـى علـــى آدم كذلك، لأن وضع العالم دوري، وإن كمال الدائرة يكمن في أن تنتهي على النقطة الــــتي بدأت منها.لذا كان ضروريا أن يسمَّى خاتم الخلفاء آدمَ، لذلك وُلدت توأما كما ولــــد آدم توأما.وكما ولد آدم يوم الجمعة، كذلك وُلدتُ أنا أيضا يوم الجمعة.وكما اعترض الملائكة على آدم، كذلك نزل الوحي الإلهي بحقي أنا أيضا وهو: "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا.قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ." وكما أُمر بالسجود لآدم، كذلك هناك نبوءة عني أيضا في الوحي الإلهي ونصها: "يَخِرُّونَ عَلى الأَذْقَانِ سُجَّدًا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ".منه.

Page 282

البراهين الأحمدية (٢٦٤) الجزء الخامس * تَرْجُفُ الرَّاحِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، ولكن كُتب الله تعالى أيضا تلفت أنظارنا إلى أن النبوءات من هذا القبيل تتحقق بصورة الاستعارة أحيانا، ولكن تلازمها صبغة كونها خارقة للعادة وحادثا جللا وأرى أن تسعين بالمائة من الأوجه توحي بأن المراد هو الزلزال في الحقيقة دون غيره، لأنه قد ذكر اهتزاز الأرض وانهدام المباني أيضا.هذا هو اجتهادي الشخصي، والله تعالى أعلم بأسراره الخفية، ويمكن أن يكشفها عليّ أكثر في المستقبل فهو على كل شيء قدير.أما قولك بأن الزلازل التي ذكرها عيسى ال في نبوءاته لم يُؤولها بشيء، لذا فإن تلك النبوءات تضم في طياتها صبغة التحديد.فهو قول عجيب ورأي غريب من المعلوم أن عيسى ال لم يذكر في نبوءاته زلزالا مهولا وفتاكا العليا وخارقا للعادة.فالبلد الذي عاش فيه عيسى ال قلما كان يمر عام دون أن يضربه زلزال وثابت من التاريخ أن الزلازل كانت تقع في ذلك البلد بكثرة، ومنها زلازل قوية أيضا.لا شك أن عيسى الله يكون قد شهد زلازل كثيرة أثناء عيشه في ذلك البلد قبل السفر إلى كشمير.فلا أفهم لماذا تُسمى هذه النازعات: ۷-۸ أي سيقع زلزالان شديدان قرب القيامة، إذ يقع زلزال ثانٍ بعد الزلزال الأول.منه.لقد أثبتُ من قبل أن فكرة صعود عيسى ال إلى السماء حيا ليست إلا كلاما فارغا.والحق أنه نجا من الصليب ووصل إلى كشمير - مرورا بإيران وأفغانستان – خفيةً وعاش هنالك عمرا طويلا حتى توفي ودفن في حي خانيار في مدينة سرينغر، ولا يزال قبره موجودا هنالك يُزار ويتبرك به، ولم يمت على الصليب، غير أنه قد أصيب ببعض الجروح التي عولجت بمرهم عيسى.وبناء على ذلك سُمي ذلك المرهم بــــ "مرهم عيسى".منه.ه كما جُرح سيدنا ومولانا الله في معركة "أحد" وأصيب بجروح السيف الكثيرة على في جبينه المبارك وتضرج بالدم من قمة الرأس إلى أخمص قدميه، كذلك جُرح عيسى اللي على الصليب، بل أقل من ذلك بكثير.فلا أدري كيف يحب الأغبياء عيسى

Page 283

البراهين الأحمدية (٢٦٥) الجزء الخامس الحوادث العادية نبوءة؟ إن أوجه السخرية التى أردت البحث عنها في نبوءتي وخابت آمالك، لو بحثت عنها في نبوءات عيسى العليا لوجدتها فورا دونما عناء.وليس صحيحا أيضا أن عيسى ال عد الزلزال زلزالا بالتحديد ولم يؤوله بأي تأويل.هل لك أن تُخرج لي من كلامه اللي فقرة جاء فيها أن المراد من الزلزال في النبوءات هو الزلزال في الحقيقة وليس استعارة؟ وأنى لنا أن نقبل قولك وحده دون شهادة عيسى ، لأنه قد ثبت بالنظر في نبوءاته أنها تحمل صبغة الاستعارة كلها، كما أعلن العلم أنه ملك اليهود، وقد وشي بذلك إلى الحكومة الرومانية أن اليهود يعيشون تحت حكم الرومان ولكن هذا الشخص يدعي أنهم رعيته وأنه هو ملكهم.وعندما استجوبته الحكومة الرومانية على ذلك أجاب: إن ملكوتي ليس من هذا العالم، بل المراد هو ملكوت السماء.لاحظوا الآن، كان عيسى ال يظن في البداية أنه سينال الحكم في الأرض، وبناء على ذلك اشتريت الأسلحة أيضا ولكن تبين أخيرا أن المراد كان الحكم السماوي.فلا يُستبعد أن يكون مراده من الزلزال أيضا أمرا سماويا، وإلا فإن الزلازل تضرب أرض الشام دائما، لذا فإن التنبؤ بوقوع الزلزال في أرض كهذه ليس إلا مدعاة للسخرية عند المعارضين.كذلك قال عيسى العليا إن حوارييه عیسی العليلا العليا إلى حد الشرك، حيث يقبلون أن يُجرح النبي ﷺ ولكن يرون شأن أسمى من ذلك، ويثيرون ضجة قائلين: لماذا تقولون ذلك بحقه؟ ويريدون أن يعطوه خصوصية أكبر من العالم كله، فهو الصاعد إلى السماء والنازل منها، وهو النائل عمرا طويلا إلى هذا الحد! ولكن الله تعالى لم يتركه وحيدا من حيث الولادة أيضا، بل كان له عدة أشقاء وشقيقات.أما نبينا الله فكان وحيدا فريدا من هذا المنطلق إذ لم يكن له أخ ولا أخت.منه.

Page 284

البراهين الأحمدية (٢٦٦) الجزء الخامس المتعلقة ۱۲ الـ ١٢ سيجلسون على ۱۲ عرشا في الجنة وهذا النبأ أيضا مذكور في الإنجيل ولكن مات أحدهم أي يهوذا الاسخريوطي مرتدا.قل الآن كيف تصح النبوءة ا عرشا ؟ وإذا استطعت أن تثبت صدقها بوجه الأو.من جه فأخبرني وسأكون لك من الشاكرين، إذ لا مجال هنا للاستعارة أيضا.كذلك قال عيسى العليا بأنه سيعود قبل أن يموت الناس المعاصرون له.فالذين يعتقدون بصعوده إلى سواء أكانوا نصارى أم مسلمين تقع عليهم مسؤولية الجواب أنه قد مضى السماء ۱۹ قرنا ولكن عيسى لم يعد إلى الآن.والذين قضوا نحبهم في أثناء ١٩ قرنا مضت قد صاروا ترابا لكن لم ير أحدهم عيسى الع هابطا من السماء.فأين الوعد إذا بأنه سيعود والناس المعاصرون على قيد الحياة؟ = صحيح فباختصار من أراد أن يعتز بنبوءات كهذه فهذا شأنه، غير أننا نعد عيسى نبيا صادقا بحسب أمر القرآن الكريم، وإلا فإن نبوته أيضا في خطر بحسب الإنجيل الموجود حاليا.المسيحيون يسعون لإثبات ألوهيته، غير أننا نرى إثبات نبوته أيضا مستحيلا إلا بواسطة القرآن الكريم.مع أنه تماما أن المسيحيين قد حرّفوا الإنجيل كثيرا لدرجة أنه يتعذر الاعتماد على ما فيه من الأمور الجيدة أيضا، وأما نبوءة عيسى ال عن الزلزال فليست جديرة بالثقة قط عند المسلمين حتى بعد الاعتراف بالتحريف لأنها لم تذكر في القرآن الكريم.فكيف ولأي سبب نقبل صحتها إذا؟! الأسف كل الأسف أنك كلما سعيت لتفنيد نبوءاتي، وأخرجت كل ما في جعبتك ضاربا بالتقوى عُرض الحائط لتستخف بها أمام أعين عامة الناس، فقد اكتسبت هذا الذنب غير المبرر مجانا.ولو فزت قليلا في نقض أدلتي لنلت الإشادة من قبل المسيحيين على الأقل.كانت في السكوتِ سعادتك، ولكن ما الذي جنيته بفتحك فاك؟! إذ لم تهاجمني أنا، بل هاجمت الله الذي أرسلني.من

Page 285

البراهين الأحمدية (٢٦٧) الجزء الخامس المؤسف حقا أن قسوة القلوب والطمع في السمعة قد حثّ معظم الناس على عداوتي، وإلا فإن فهم دعواي وأدلتي لم يكن متعذرا.لقد ظهرت إلى الآن آلاف الآيات، وشهدت السماء والأرض، ولكن الذين ختم على قلوبهم لا يرتدعون عن المعارضة.لقد طلبوا من الله عذابا سيحل بهم في موعده.الذين يحاربون الله لو ماتوا قبل ذلك لكان خيرا لهم.ولكن أسكرتهم خمرة العناد والعجب، وستأتي أيام حين يعيدهم الله تعالى إلى صوابهم.والآن أفند بعض الشبهات التي نشرها الشيخ أبو سعيد محمد حسين البطالوي في جريدة "بيسه أخبار" عدد ١٩٠٥/٦/١٩م، فمنها: قوله : يقول أي) أنا العبد الضعيف إنه أنبأ في البراهين الأحمدية بهذا الزلزال وكتب بأن الجبال سوف تُنسَف ولكنه كذب ما بعده كذب.أقول: هل تشك في وجود العبارة: "فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَل جَعَلَهُ دَكَّا.واللهُ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ.وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مقضيَّا"، في الصفحة ٥١٦ من البراهين الأحمدية التي تعني أن رب هذا العبـــد المتواضع عندما سيتجلّى على جبل معين يدمره تدميرا...والمراد من ذلك أنّ الأنبياء السابقين قد أنبأوا أن زلازل مهولة ستضرب في زمن المسيح الموعود.وأسألك أيضا: هل تشك في ورود وحي آخر من الله عن الحادث نفسه في الصفحة ٥٥٧ في البراهين الأحمدية التي نصها: "فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَل جَعَلَهُ دَكَّا.قُوَّةُ الرَّحْمَن لِعُبَيْدِ الله الصَّمَدِ"...وكل ذلك سيحدث بقوة الله تعالى تأييدا لعبده ، أي أنا العبد المتواضع) ولإظهار صدقه.فما دامت كلتا العبارتين موجودة في البراهين الأحمدية، وقد وعد فيهما بكلمات صريحة بأن الله سيُظهر آية وينصر ويؤيد فكيف أصبح كذبا سافرا ما كتبته في الإعلان عن ذلك؟! ألا يستلزم نسف الجبال زلز الا؟! ألم يرد في هذا المقام

Page 286

البراهين الأحمدية (٢٦٨) الجزء الخامس وعد صريح من الله أنه سيجعل شق الجبل آية لعبده هذا؟! وأن ذلك الحادث سيدل على تأييد الله تعالى ونصرته؟! هل من كلمات أكثر صراحة مما ورد في الصفحة ٥١٦ حيث جاء: "وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ"، أي سنجعل حادث نسف الجبل آية للناس، كذلك هل يمكن التصريح بأوضح مما ورد في الصفحة ٥٥٧ من البراهين الأحمدية؟! إذ قد وعد بنسف الجبل أولا ثم قال: "قُوَّةُ الرَّحْمَنِ لِعُبَيْدِ الله الصَّمَدِ".أي سيحدث كل ذلك بقدرة الله تأييدا ونصرة لعبده.أما الذي يحسب النبوءة الواضحة مثلها مع وجود كل هذه التصريحات كذبا سافرا فماذا عسانا أن نقول عنه إلا أنه قد ابيضت عيناه فيرى النهار الساطع ليلا حالكا.وإضافة إلى ذلك فإن المناسبة التي جاءت بصددها هذه الآية في القرآن الكريم تدل على الزلزال، لأنه ثابت من التوراة إلى الآن أنه حين انشق الجبل لإراءة تجلّي القدرة لموسى كان ذلك نتيجة الزلزال.وإذا كان أحدٌ لا يقبل مع هذا القدر من الشهادات أيضا فإنه لا يخلو من إحدى الحالتين: إما أن هناك خللا في حواسه وقصورا في بصره، أو حرمه حجاب التعنت الشديد من قبول النور بعد رؤيته.إضافة إلى ذلك يعلم كل عاقل أن انشقاق الجبل يستلزم الزلزال، وأن هذا الحادث يدل دلالة قاطعة على وقوع الزلزال فكيف يقول هذا الشيخ بأنه لم يرد ذكر الزلزال هنا هل تنشق الجبال بدون الزلزال أيضا؟! لا أدري كيف خوى عقل الشيخ وخار إذ لا يفهم أمرا واضحا بينا بهذا السطوع المتألق.قد ناهز من العمر سبعين عاما ثم بدأت تظهر منه سذاجة الطفولة.وكذلك ما دام مذكورا أيضا حُكْمُ الله تعالى بأنه سيجعل هذا الحادث آية وسينصر بها هذا المبعوث ويؤيده، فمن يسعه الإنكار، إلا الذي تراكم على قلبه صدأ الشقاوة، أن نسف الجبل المذكور في البراهين الأحمدية حادث سيجعله الله تعالى آية لمبعوثه كما وعد في المكان نفسه قائلا: "وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ".

Page 287

(٢٦٩) الجزء الخامس البراهين الأحمدية قوله يجب على عامة الناس والحكومة أن يقرأوا صفحات "البراهين الأحمدية" المذكورة ليروا هل توجد فيه هذه العبارة؟ هذه خديعة وزيف لا نهاية لهما.أقول: ماذا عساني أن أقول بإزاء هذا التجاسر والوقاحة والجموح إلا: لعنة الله على الكاذبين ؟! لا تنس الموت يا مسكين عليك أن تذكر ساعة الغرغرة والاحتضار ألا توجد هاتان العبارتان اللتان أشرتُ إليهما في إعلاني في الصفحة ٥١٦ و ٥٥٧ من البراهين الأحمدية؟ الكذب السافر إلى هذا الحد وفي هذا العمر؟! إن "البراهين الأحمدية" منتشر في العالم و لم يعد تحت إبطك فقط، فما الفائدة من هذا التجاسر والوقاحة؟ أليس صحيحا أن هاتين الآيتين تتضمنان ذكر نسف الجبل؟ أليس صحيحا أن الله تعالى يقول في الإلهام نفسه بأنه سيجعل نسف الجبل آية للناس؟ وتكون هذه الآية رحمة للبعض؟ أليس صحيحا أن الله تعالى يقول في هذه الإلهامات أنه سيظهر هذه الآية تأييدا ونصرة لعبده؟ أليس صحيحا أيضا أن الإلهام العربي الذي ورد في الصفحة ٥٥٧ من البراهين الأحمدية جاء على رأسه إلهام أردي تعريبه: "جَاءَ نَذِيرٌ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْكَرُوهُ أهْلُهَا وَمَا قَبلُوهُ، ولكنَّ اللهَ يَقْبَلُهُ، وَيُظْهِرُ صِدْقَهُ بِصَوْلٍ قَوِيٌّ شَدِيدٍ صَوْل بَعْدَ صَوْل".ألا يثبت التأملُ في هذه العبارات كلها معا أن هناك أنباء في كتب الله السابقة عن عيسى الل تماثل هذا النبأ معنًى، حيث جاء فيها أن اليهود لن يقبلوه.كما ورد في الإنجيل بالإشارة إلى تلك الأنباء: "الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَناؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ".أي صار خاتم الأنبياء في سلسلة أنبياء بني إسرائيل.فهذه النبوءة تماثل تلك النبوءات لأن الله تعالى يقول بأن الناس لم يقبلوه، ولكن الله سيقبله ويُظهر صدقه بصول قوي شديد، صول بعد صول.فمن الضروري ألا تنتهي الدنيا ما لم تتحقق كل هذه الأمور.وكما ورد في الإنجيل أن الحجر الذي رفضه البناؤون هو رأس الزاوية، كذلك قال الله لي بأنهم يردُّونك ولكنني سأجعلك خاتم الخلفاء.فهذا قد صار الوحي الإلهي قد ورد بعبارات مختلفة عديدة وإن تسجيلها كلّها هنا مدعاة للإطالة.منه.

Page 288

البراهين الأحمدية (۲۷۰) الجزء الخامس ۲ نسف الجبل المذكور في البراهين الأحمدية قد سُجِّل بجانب ذلك في الكتاب نبوءة؟ نعم، لا أنكر أني لم أحدد قبل الأوان كيفية تحققها- وهذا أمر نفسه أنه يشترك فيه جميع الأنبياء ولكني لم أنكر كونها نبوءة، لا في البراهين الأحمدية ولا في أي كتاب آخر، وأنى لي أن أنكر إذ قد ورد في الصفحة ٥١٦ من البراهين الأحمدية بكل جلاء: "وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا".أي سنجعل نسف الجبل آية للناس.ثم ورد بوضوح تام في الصفحة ٥٥٧: "قُوَّةُ الرَّحْمَنِ لِعُبَيْدِ الله الصَّمَدِ"، أي أنّ نسف الجبل سيكون بقدرة الله تأييدا لعبده.فمن الذي يسعه الإنكار أنها نبوءة وتتضمن وعدا بآية إلا شريرا خبيثا لا يعباً بالإيمان ولا بالله ولا بيوم الجزاء؟ وما دام الله تعالى قد سماها آية ووعد أنه سيظهرها في وقت من الأوقات لفائدة الناس فمن يسعه القول أنها ليست آية وليست نبوءة؟ علما أن المعارض لن ينتفع بشيء لو اعترفت بأني لم أستطع في زمن البراهين الأحمدية أن أحدد كيفية تحققها لأنه ليس واجبا على النبي أن يحدد كيفية تحقق كل نبوءة قبل الأوان.وقد أشبعنا هذا الموضوع بحثا من قبل في هذا الكتاب نفسه، ولا حاجة إلى إعادته مرارا." إن اللبيب من الإشارة يفهم".قوله: لقد كذب "كرشن القادياني" في الجمل الثلاث: أي الجملة التي سبق الرد عليها، وثانيا: قوله: خطر ببالي مرارا بعد وقوع الزلزال بأني ارتكبتُ ذنبا إذ لم أنشر النبوءة عن الزلزال كما كان حقها.وثالثا قوله مع ترجمة مثل فارسي (المترجم) أنني لقد ابتهج الشيخ محمد حسين وتشدق كثيرا على قولي خطر ببالي مرارا بعد وقوع الزلزال بأني ارتكبتُ ذنبا كبيرا.ولكنه لا يدري مع اعتبار نفسه شيخا، أن من كمال معرفة الإنسان أن يعتبر نفسه مخطئا دائما أمام الجليل.هذه هي سنة الأنبياء.والشيطان ربه

Page 289

البراهين الأحمدية (۲۷۱) الجزء الخامس الله العليم كنت أعلم حينذاك بأن كلامي لن يصرف القلوب إلى اتخاذ الحذر الواجب، ولكن أخذ الهمُّ بمجامع قلبي لأنني لم أنشر الخبر الذي تلقيته من الحكيم كما كان حقه.أقول: إن سوء الظن لشيء مستعصي العلاج وإلا فمن الواضح أنه إذا أُعطي أحد علما أن دمارا من نوع كذا وكذا على وشك الحلول بفئة معينة، ولكنه لم يستطع تحذير هؤلاء القوم من الدمار كما كان حقه، وإلى جانب ذلك كان موقنا أيضا أنه سواء عليهم أأنذرهم أم لم يُنذرهم؛ فمع ذلك سوف يحزن قلبه حتما بعد حلول الدمار بهم ويقول في نفسه: ليتهم سمعوا ندائي ونجوا أرى أن هذه الخصلة موجودة في كل قلب، غير أنه من الممكن أن يكون لدى بعض المشايخ في العصر الراهن قلوب نزع الله منها هذه الخصلة.ولو خطرت بالبال شبهة: كيف نستيقن أن صاحب الإلهام كان موقنا أن المراد من الإلهام "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" هو الزلزال؟ فقد أجبت عليه من قبل بأنه من لا يتواضع أمام الله تعالى.الأنبياء الذين ظلوا باكين متضرعين مبتهلين دائما فإن تضرعهم وحرقتهم كانت ناجمة عن إدراكهم أنهم أذنبوا إذا لم يستطيعوا أن يؤدوا حق التبليغ كما كان واجبا.السعادة كلها تكمن في إقرارهم بهذا التقصير أمام الله تعالى ولاهم الحق.إن استغفار نبينا كله كان مبنيا على هذا المبدأ فقط فكان يخاف كثيرا أنه لم يستطع أن يؤدي الخدمة التي كلف بها أي خدمة التبليغ والتضحية في سبيل الله - مع لم يؤد أحد هذه الخدمة بقدر ما أداها النبي.ولكن خشيته عظمة موا حق الله الأداء، أنه وهيبته في قلبه تجاوزت الحدود كلها.لذلك كانت المداومة على الاستغفار شغله الشاغل.لقد ورد في التوراة أيضا فَأَسْرَعَ مُوسَى وَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ وقال...أيها السيد وَاغْفِرْ إِثْمَنَا وَحَطِيَّتَنَا.(انظر الْخُرُوج ٣٤: ٨-٩) ويقول النبي شاول: أَخْطَأْتُ لأَنِّي تَعَدَّيْتُ قَوْلَ الرَّبِّ.صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ ١٥: ٢٤)، ويقول النبي داود مخاطبا الله تعالى: إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ.(انظروا: الْمَزَامِيرُ ٥١: ٤).

Page 290

البراهين الأحمدية (۲۷۲) الجزء الخامس إلهام واضح بحيث يوقن طفل صغير أيضا عند الاطلاع على معناه أنه يتضمن نبوءة حادث مريع يؤثر في المباني.وقد نُشرت النبوءة عن الزلزال بكلمات واضحة قبل عام وخمسة أشهر في جريدة "الحكم" أي في عددها الصادر في أواخر كانون الأول ۱۹۰۳م، وكذلك سُجلت النبوءة نفسها في كتابي "مواهب الرحمن" المنشور في ۱۹۰۲م، وكذلك في كتيب "آمين" المنشور في ۱۹۰۱م نُشرت النبوءة نفسها عن الزلزال.فكيف يمكن لعاقل أن يظن بأني كنت أجهلها تماما مع هذا القدر من التواتر؟! صحيح هذا القدر من التواتر ؟! صحيح أنني كتبت مرارا، كما هو مذهبي، أنه لا يمكن الجزم في النبوءات على وجه القطعية أنها ستتحقق على جانب معين واحد فقط.بل من الممكن أن يختار الله العليم الحكيم لإظهارها جانبا آخر يضم في طياته العظمة والقوة والهيبة نفسها التي تدل عليها النبوءة.فلما كنت موقنا بعظمة النبوءة "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" وشدتها يقينا كاملا، وكنت أعدها كلام الله بإيمان كامل، وكشف علي ظهورها أنها تحققت تماما بحسب كلماتها الظاهرية، أفَلَمْ يكن ذلك هو الوقت الأنسب لتثور مواساتي للبشرية لأسعى جاهدا ليتوجه الناس إلى التوبة والاستغفار وعمل أحسن بغية اجتناب الزلزال مستقبلا؟! فهل أسأتُ صُنعا إذ أخبرتُ الناس أن يجتنبوا بلاء أُخبرتُ به على وجه اليقين؟! أليس أمرا طبيعيا للإنسان أن يجيش قلبه لمواساة البشر بعد أن يطلع على بلاء؟! غير أن هناك بعض الناس الذين يملكون طبائع كطبائع الجزارين ولا يأبهون بآلام الآخرين ومصائبهم، فلا أعدّهم إنسانا.قوله: لقد صدرت منه أي مني غباوة إذ اعترف بارتكاب ذنب كبير وبذلك استأصل شأفة ادعائه النبوة من جذوره.أقول : حرِّف الكلام على شاكلة اليهود كما يحلو لك، ماذا عسانا أن نقول لك! وإلا فإن الذين يتقون الله يقرون مع كونهم أنبياء ورسلا أنهم لم يستطيعوا

Page 291

البراهين الأحمدية (۲۷۳) الجزء الخامس تأدية حق التبليغ كما كان حقه.وكانوا يرون ذلك ذنبا كبيرا فيتضرعون ويبكون ويُفعَمون ألما بالنظر إلى ذلك ويداومون على الاستغفار.ولكن ما للروحانية ولمشايخ الظاهر هؤلاء الذين ليس في جعبتهم إلا العظام النخرة! لم يُظهر أي نبي قناعته قط بكونه بريئا من الذنب، بل قال من كان أفضل الرسل وخاتمهم: "ربنا اغفر لنا ذنوبنا وباعد بيننا وبين خطايانا".وكان يقول دائما: "شيبتني هود".وكان أكثر الناس استغفارا، وكان يقول: أَسْتَغْفِرُ اللهُ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً.وقد قال تعالى في حقه : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا الله أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا لقد نزلت هذه السورة قرب وفاة النبي ، وقد أخبره الله تعالى فيها مؤكدا على نصرته وتأييده وإكمال مقاصد دينه وقال: يا أيها النبي عليك أن تسبح ربك وتمجده وتستغفره فهو تواب.إن ذكر المغفرة في هذا المقام يشير إلى أن مهمة التبليغ قد أنجزت ، فادعُ الله الآن أن يغفر لك إذا حدث تقصير في دقائق خدمة تبليغ الدعوة.لقد بكى موسى أيضا بحسب التوراة- بذكر تقصيراته.والذي اتخذه النصارى إلها قال له أحدهم: أيها المعلم الصالح! فقال....لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلا وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّه.هذه هى سنة الأولياء جميعا، إذ اتخذ الجميعُ الاستغفار عادةً.لهم إلا الشيطان.ايبيتون ليلا في مجاهدات شاقة، ثم يحزنون نهارا أنهم لم يفعلوا شيئا." قوله : لقد ادّعى (أي أنا العبد (المتواضع - لإثبات صدق النبوءة المذكورة في البراهين الأحمدية ولإضفاء صبغة الزلزال عليها وإثبات نبوته واطلاعه على يقول النبي : "ما عبدناك حق عبادتك".هل ستعترض هنا أيضا وتقول كيف كان الآخرين بالعبادة بينما كان بنفسه مقصرا فيها؟ وا أسفاه! منه.النبي ينصح ترجمة بيت فارسي.(المترجم)

Page 292

البراهين الأحمدية (٢٧٤) الجزء الخامس الغيب من خلالها فقال: "لقد أخبرني الله بكل وضوح في النبوءة المذكورة في البراهين الأحمدية أن المراد منها هو الزلزال ، ولكننى أخفيته خشية أن يطيل القوم اللسان ويسيئوا الظن، فلم أنشر النص العربي بترجمته إلى الأردية.وبذلك ارتكبت ذنبا كبيرا في حق الله، وظللت ثابتا ومصرا على الذنب نفسه إلى ٢٥ عاما." أقول: أيها الشيخ، لقد سبقت اليوم يهودًا أيضا في التحريف.إن تسميتك نفسك شيخا ثم الخيانة المتعمدة في استنباط المعنى من العبارة الصريحة هل يمكن أن يصدر ذلك من الذين يؤمنون بيوم الحساب؟ متى وأين كتبتُ في إعلاني أني ظللت ثابتا ومصرا على هذا الذنب إلى ٢٥ عاما؟ إذ لم أنشر ترجمة الإلهام العربي الوارد في البراهين الأحمدية؟ افتح الصفحة ٥١٦ و ٥٥٧ في البراهين الأحمدية واقرأهما ستجد ترجمة الإلهام العربي مسجّلة في كلا الموضعين.فأنى كان لي في هذه الحالة أن أقول بأني لم أنشر الترجمة الأردية للإلهام العربي؟! وظللت قائما ومصرا على هذا الذنب إلى ٢٥ عاما.هل لعاقل أن يقبل أن أقول في الإعلان بأني لم أنشر ترجمة هذين الإلهامين إلى الأردية في البراهين مع ترجمتهما مكتوبة في الصفحة ٥١٦ و ٥٥٧ فيه بجنب الإلهامين؟! بل إن ما ذُكر في إعلاني المنشور في ١٩٠٥/٥/١١م كان يتعلق بإلهامي العربي الذي نُشر في جريدة الحكم ١٩٠٤/٥/٣١م بغير الترجمة، وهو الإلهام: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" الذي لم تُسجل ترجمته الأردية.لقد قام بهذا التحريف ليُثبت عليّ تهمة أني لم أترجم قصدا الإلهام العربي المسجل في البراهين الأحمدية إلى ٢٥ عاما وأخفيته.الأحمدية الشيخ أن وإضافة إلى ذلك كانت هناك نبوءتان في البراهين الأحمدية عن الزلزال، إحداهما في الصفحة ٥١٦ والثانية في الصفحة ٥٥٧.أما في إعلاني المؤرخ في

Page 293

البراهين الأحمدية (۲۷۵) الجزء الخامس /١٩٠٥/٥/١١ فقد قيل عن إحدى النبوءتين فقط إنها لم تترجم إلى الأردية.فإذا كان المراد في الإعلان المؤرخ في ۱۹۰٥/٥/١١م هو النبوءتان المذكورتان في البراهين الأحمدية، لما أمكن القول بأن النبوءة العربية لم تترجم، بل كان ينبغي القول إن نبوءتين عربيتين لم تُترجَما.ثم كان هذا الكلام كذبا لأن الترجمة العربية لكلتا النبوءتين مسجلة في البراهين الأحمدية، فلينظر من شاء.إضافة إلى ذلك، فإن الإعلان المؤرخ في ١٩٠٥/٥/١١م- الذي يطعن فيه الشيخ لم يُفقد من الدنيا، بل لا بد أن يكون موجودا عند الكثيرين.والعبارة المذكورة فيه هي: لقد خطر ببالي مرارا بعد وقوع الزلزال بأني ارتكبت ذنبا كبيرا إذ لم أنشر النبوءة كما كان حقها، لأنها نُشرت في جريدتين ومجلتين أرديتين فقط، وصدر خطأ آخر إذ لم تُترجم النبوءة العربية.والمعلوم جيدا أن النبوءتين باللغة العربية المذكورتين في البراهين الأحمدية في الصفحة ٥١٦ و ٥٥٧ لم تُنشرا أصلا في الجريدتين الأرديتين، كما لم تُسجلا بغير الترجمة الأردية، وما ذكرتا في مجلة أخرى.بل النبوءة التي نُشرت في جريدتين أرديتين و لم تترجم إلى الأردية هي: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا"، لأنها قد نُشرت في مجلتين، وبالإضافة إلى ذلك نُشرت في جريدتين إحداهما "الحكم" العدد: ۱۹۰٥/٥/١م، أي نشرها المولوي محمد علي حامل شهادة الماجستير - في مجلتين له بتاريخ ۱۹۰٤/٣/٢٠م، وأنقل في الحاشية ملحوظة كتبها بيده.سيدي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.لقد سبق أن نُشر الإلهام: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا" في مجلتين في شهر مارس، فهو مسجل في الصفحة ١٢٦ من المجلة.وبعد الاطلاع على الإلهام نفسه وبعد قراءة خبر الزلزال في الجرائد بعث تشارلز سورات عبد الحق الذي كان حينداك في نيوزيلندا- رسالة أبدى فيها سعادته الكبيرة بتحقق الإلهام بواسطة الزلزال (محمد علي)

Page 294

البراهين الأحمدية (٢٧٦) الجزء الخامس والآن عليك أن تقرأ ملاحظة المولوي المذكور بعينين مفتوحتين ثم مت حياء، ولا أرى حاجة لأن أقول شيئا أكثر من ذلك.يا مسكين، إن الحذلقة والتحريف إلى هذا الحد قد لا يقوم به حتى اليهود أيضا الذين قال الله تعالى عنهم: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَّوَاضِعِهِ.ما هذه الأسوة التي قدمتها للمشيخة!! لا أظن أنك غبي إلى هذه الدرجة حتى أخطأت في فهم العبارة نتيجة سذاجتك.لقد سبق أن كتبت تقريظا على البراهين الأحمدية، وكنت تعرف جيدا أن الإلهامات العربية في البراهين الأحمدية التي ذكرتها في إعلاني لم تكتب بدون الترجمة.وكنت تعرف جيدا أن الإلهامات العربية المسجلة في البراهين الأحمدية لم تذكر في جريدتي جماعتنا: "الحكم" و"البدر" و لم يؤلف أحد من جماعتنا كتيبين ذكرت فيهما هذه الإلهامات العربية المنشورة في البراهين الأحمدية.ثم ما دامت ترجمة تلك الإلهامات العربية الواردة في البراهين الأحمدية موجودة، ولم تُنشر في جريدة أو مجلة وهي ليست نبوءة واحدة فقط حتى تنطبق عليها عبارة إعلان ١٩٠٥/٥/١١م بأن النبوءة العربية لم تُترجَم، بل هما نبوءتان.فأسألك من منطلق الشريعة لماذا كذبتَ إلى هذا الحد؟ لعلك عملت بالفتوى التي أصدرها المشايخ في قضية رفعها ضدي المولوي كرم دين بجواز الكذب نظرا إلى مقتضى الحال والحكمة.على أية حال، عليك أن توضح لماذا طبقت على الإلهامين المذكورين بالعربية في الصفحة ٥١٦ و٥٥٧ في البراهين الأحمدية ما ذكر عن الإلهام: "عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا وَمُقَامُهَا؟ هل هذه أمانتكم وصدقكم مع كونكم مشايخ؟! لقد اقترفت افتراء عظيما ولم تخش الله أدنى خشية.ثم لم تكتف بذلك بل اختلقت في المائدة: ١٤

Page 295

البراهين الأحمدية (۲۷۷) الجزء الخامس مقالك هذا عبارة من عندك بوقاحة وتجاسر ثم حاولت أن تظهر للناس أن نسبتها إلي هي نتاج قلمي أنا في الحقيقة.فالعبارة التي نسبتها إلي العبارة التي كذبا وزورا وزيفا هي: "لقد سبق أن تلقيتُ من الله خبرا بكل وضوح بواسطة النبوءة المذكورة في البراهين الأحمدية أن المراد منها هو الزلزال، ولكنني أخفيته خوفا من سلاطة لسان القوم وسوء ظنهم و لم أنشر ترجمة النص العربي إلى الأردية.وبذلك ارتكبت ذنبا كبيرا في حق الله، وظللت ثابتا ومصرا على الذنب نفسه إلى ٢٥ عاما." فيا أيها المفتري الوقح ألا نقول الآن أيضا: لعنة الله على الكاذب الذي اختلق عبارة من عنده ثم نسبها إلي؟ أيها الظالم قاسي القلب، ألم تستح مع تسمية نفسك شيخا ؟ إذ قد افتريت عليّ كذبا إلى هذا الحد بغير وجه حق.هل لك أن تستخرج لي عبارة من إعلاني المنشور في ١١ أيار/مايو ١٩٠٥ أو في أي إعلان آخر أو في أية مجلة أخرى كما كتبتها أنت؟ لعنة الله على الكاذبين.هنا يجب أن يتنبه الذين يعدّون أناسا مثله مشايخ وأمناء ويستعدون للعمل بما يقولون إلى أن هذه هي حالة أمانتهم والمعلوم أن كلام الكاذب يكون مبنيا على التناقض حتما، لذا إن كلام هذا الشيخ أيضا مليء بالتناقض.ينقل في الصفحة ٥ العمود ٣ السطر ١٥ و ٢٤ من الجريدة المذكورة عبارة من إعلاني وهي: "لقد أخبرت في البراهين الأحمدية عن هذا الزلزال، ومع أنه لم يذهب وهلي حينذاك إلى ذلك الأمر الخارق للعادة، ولكن الآن يبدو بالنظر إلى تلك النبوءات أنها كانت عن الزلزال الآتي، ولكنها ظلت خافية علي حينذاك".والآن، فلينظر القراء بأنفسهم إلى العبارة المذكورة آنفا؛ فهي تعني أنه لم يذهب وهلي في زمن تأليف البراهين الأحمدية إلى أن المراد من الزلزال هو

Page 296

البراهين الأحمدية (۲۷۸) الجزء الخامس الزلزال في الحقيقة وأن هذا الأمر بقي خافيا علي، أما الآن حين وقع الزلزال بعد مرور ٢٥ عام، علمتُ أن تلك النبوءات المذكورة في البراهين الأحمدية كانت عن الزلزال الآتي.هذا هو الإقرار الذي كتبه عنّي، وصحيح تماما أنني كتبت هذه العبارة في الصفحة 7 من إعلاني بعنوا وان: "النداء من وحي السماء" المنشور في أبريل / نيسان ١٩٠٥م الصفحة ٧، المطبوع في مطبعة "نول كشور" بلاهور.وترجمة العبارة بكاملها هي كما يلي: "ليكن معلوما أنه قد ورد ذكر هذين الزلزالين في كتابي البراهين الأحمدية الذي مازال موجودا وقد نُشر في معظم البلاد قبل ٢٥ عاما ومع أنه لم يخطر بالبال حينذاك هذا الأمر الخارق للعادة، ولكن يبدو الآن بالبداهة بالنظر إلى تلك النبوءات أنها كانت عن زلازل آتية ولكنها ظلت خافية علي حينذاك." الآن يمكن للقراء أن يفهموا جيدا أنني كتبتُ في ذلك الإعلان بوضوح أنه لم يخطر ببالي قبل وقوع الزلزال في ١٩٠٥/٤/٤م أن المراد من الإلهامات الواردة في البراهين الأحمدية هو الزلزال بعينه كما يُفهم من ظاهر الكلمات تتحدث عن اندكاك الجبل.وهناك دليل أيضا على ذلك، وهو أن الترجمة لهذين الإلهامين التي كتبت في البراهين الأحمدية ليست بحسب الكلمات الظاهرية فباختصار، إنني أقررتُ بكل وضوح في الإعلان الذي نشرته في ١٩٠٥/٤/٢١ أي بعد ۱۹۰٥/٤/٤م بأني لم أستطع أن أحدد إلى ٢٥ عاما أن الإلهام الوارد في موضعين في البراهين الأحمدية، أي "فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَل" خاص بالزلزال.ولكن تبين بعد وقوع الزلزال في ١٩٠٥/٤/٤م أنه كان يتعلق بالزلزال نفسه.وهذا ما يثبت من إعلاني المنشور في ١٩٠٥/٤/٢١م.

Page 297

البراهين الأحمدية (۲۷۹) الجزء الخامس أما الادعاء الذي نسبه إلي الشيخ محمد حسين كذبا وافتراء وبخلاف إعلاني هذا واختلق عبارة من عنده ونسبها إلي، فأنقلها هنا مرة أخرى وهي "لقد سبق أن تلقيتُ كما يلي: من الله خبرا بكل وضوح بواسطة النبوءة المذكورة في البراهين الأحمدية أن المراد منها هو الزلزال، ولكنني أخفيته خوفا من سلاطة لسان القوم وسوء ظنهم ولم أنشر ترجمة النص العربي إلى الأردية.وبذلك ارتكبت ذنبا كبيرا في حق الله، وظللت ثابتا ومصرا على الذنب نفسه إلى ٢٥ عاما." فليقل القراء الكرام عدلا وإنصافا هل هذا البيان الذي نسبه إلي الشيخ المذكور يعارض ما جاء في إعلاني المنشور في ١٩٠٥/٤/٢١م الذي نقلته قبل قليل أم لا؟ لأني كتبتُ بكل وضوح في الإعلان الذي نشرته بعد البراهين الأحمدية بـ ٢٥ عاما أي في ١٩٠٥/٥/١١م بأنه لم يخطر ببالي قبل ذلك الإعلان أن المراد من الزلزال هو الزلزال بصورته الظاهرية في الحقيقة، بل تبينت - معاني تلك الإلهامات بعد ٢٥ عاما، أي بعد وقوع الزلزال.فما دام هذان البيانان متناقضين، فأنا أقبل أحدهما فقط، أي الذي كتبه الشيخ بيده في مقاله، وهو أني لم أستطع أن أحدد إلى ٢٥ عاما جانبا واحدا لتحقق الإلهام الوارد في الصفحة ٥١٦ و ٥٥٧ من البراهين الأحمدية.وفي هذه الحالة سوف يُعد البيان الثاني افتراء من الشيخ بلا أدنى شك ما لم يُثبت من كتاب من أو إعلاناتي أني كتبتُ تلك العبارة المذكورة، أو كتبتُ في أي مكان أنني ظللت ثابتا مصرا على الذنب إلى ٢٥ عاما مع أنني كنت أعلم عن الزلزال على كتبي وجه القطعية منذ زمن تأليف البراهين الأحمدية، ومع ذلك أخفيت هذا الخبر.فيا أيها القراء الكرام قولوا لي بالله عليكم، واضعين ساعة موتكم في الحسبان، هل الذي يفتري إلى هذا الحد ويختلق من عنده عبارات ثم ينسبها إلي يستحق

Page 298

البراهين الأحمدية (۲۸۰) الجزء الخامس عقوبة أو تعزيرا شرعيا أم لا؟ بينوا توجروا.ثم قولوا أيضا لوجه الله هل الذي يقوم بهذا التجاسر والتزييف يستحق أن يُدعى شيخا في المستقبل؟ أليس حريًّا أن يُعقد مجلس العلماء ويُدعَى إليه ليُسأَل في أي كتاب أو مجلة كتبتُ هذه العبارة التي اختلقها ثم نسبها إلي؟ إنه يختلق هذا القدر من الافتراء والتحريف والخيانة والكذب والتجاسر والوقاحة مع اعتبار نفسه شيخا الحق أن الأبدان لترتعد لمجرد تصور هذه الأمور.ألا يذكر الذين يكفّرونني ويعدونني ملحدا، حديث الذي جاء فيه أن معظم علماء الزمن الأخير سيحذون حذو علماء اليهود؟ بل قد ورد في بعض الأحاديث أكثر من ذلك أيضا؛ إذ قيل بأنهم يحذون حذوهم حتى إن كان من اليهود من أتى أمه علانية، لفعله هؤلاء أيضا".أن الشيخ البطالوي قد آذاني بكذبه وخيانته وتحريفه إلى هذا الحد، ومع ولكنه إذا استطاع أن يُخرج من أي كتاب من كتبي العبارة التي نسبها إلي بأنني النبي إن علماء الزمن الأخير الذين عدّهم النبي يهود هذه الأمة هم بوجه خاص المشايخ الذين يعادون المسيح الموعود ويتعطشون لدمه ويفكرون دائما في تدميره ويدعونه كافرا وملحدا ودجالا ومستعدون لصلبه إن أمكن لهم، لأن فقهاء اليهود وكتبتهم أيضا كانوا يعاملون عيسى العلم على هذا النحو وكانوا يريدون قتله.أما العلماء الذين ليسوا على هذه الشاكلة فلا نستطيع أن نسميهم يهود هذه الأمة، بل الذين يعدونني دجالا وكافرا وملحدا كما فعل أعداء عيسى ال فهم اليهود.ولست أنا الذي أسميهم يهودا، بل إن كلام الله يسميهم هكذا، فأنا مضطر إلى ذلك.فلمّا كنت صادقا في الحقيقة ولستُ كافرا ولا دجالا ولا ملحدا، ثم الذي يذكر المسيح الصادق بكلمات كهذه، فقد سماه النبي ﷺ يهوديا.وإذا كان الشيخ أبو سعيد محمد حسين لا يعدني ملحدا وكافرا ودجالا وجديرا بالقتل فلا أسميه يهوديا.أما إذا كان يذكرني بهذه الكلمات، والله أعلم أني أنا المسيح الموعود الصادق، فإنه في هذه الحالة يهود نفسه جاعلا نفسه مصداقا لحديث النبي.ويقول لي كيف صرت عیسی؟ فجوابه بسببكم أنتم لو لم تصبحوا يهودا لما سُميت بهذا الاسم.منه.

Page 299

البراهين الأحمدية (۲۸۱) الجزء الخامس ظللت ثابتا ومصرا على الذنب إلى ٢٥ عاما، لأعطيته خمسين روبية نقدا، وإلا فيكفي القول مني: لعنة الله على الكاذبين.قوله: ليس من شيمة نبي أو ملهَم صادق أن يُخفي قصدا إلى ٢٥ عاما ولا يبلغ ما يأمره الله بتبليغه.أقول: لقد سبق الرد على هذا الافتراء حين قلتُ بأني لم أدع في أي إعلان أنه قد خطر ببالي المعنى الحقيقي للنبوءتين المذكورتين في البراهين الأحمدية، أي: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَل جَعَلَهُ دَكَّا.بل كتبتُ مرارا وتكرارا أن حقيقة هذا المعنى علي بعد ٢٥ عاما.ولو كشفت علي الحقيقة من قبل لما وقع الخطأ في كشفت ترجمة الإلهام الوارد في البراهين الأحمدية.إنني لأستغرب لقول هذا الشيخ الجاهل إذ يقول: ليس من شيمة نبي أو ملهم لا صادق أن يُخفي قصدا إلى ٢٥ عاما ولا يبلغ ما يأمره الله بتبليغه.إن هذا الغبي يدري إلى الآن أن أمر التبليغ يتعلق بأوامر الله وليس بمثل هذه النبوءات، وأن الملهم ليس مأمورا بنشرها أصلا بل هو مخيّر سواء أنشرها أم لم ينشرها.وإضافة إلى ذلك ما كنتُ مكلفا بأن أظهر على الناس معنى تلك النبوءة وهدفها، وخاصة أن حقيقتها ما كانت قد كشفت علي بعد فلم أكن مكلفا بأن أكشف على الناس معناها وهدفها.فبقدر ما خطر ببالي على سبيل الاجتهاد، نشرت في البراهين الأحمدية ترجمة تلك النبوءات.فأي تقصير ارتكبته في التبليغ؟ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.إن حقيقة النبوءات الواردة في البراهين الأحمدية التي كشفت عليّ بعد وقوع الزلزال بتاريخ ١٩٠٥/٤/٤م ، لو علمتُها في زمن نشرها لأطلعت الناس على حقيقتها مواساةً لهم قدر استطاعي، وإن لم أكن مأمورا بإشاعتها.البقرة: ٢٨٧

Page 300

البراهين الأحمدية (۲۸۲) الجزء الخامس قوله: القول بأن الأنبياء أيضا يخطئون في الاجتهاد في فهم معنى النبوءات فضلا عن عامة الناس، قول غريب وعذر أقبح من الذنب.أقول: هذا ما يُثبت خيانتك التي اتخذتها مهنة.إنني أعلم جيدا أنك لست طفلا رضيعا ولا تجهل علم الحديث كالذين يسمون الجهلاء من الدرجة الأولى، ولست من المجانين الذين لا تستقيم حواسهم قط.فهل هذه خيانتك أو غير ذلك؟! إذ تنكر إمكانية صدور الخطأ في الاجتهاد من الأنبياء عليهم السلام، مع أن الجميع يعرفون أن صدور هذا النوع من الخطأ ممكن، ولكنهم لا يتركون قائمين عليه.لقد كتبتُ بإسهاب في الضميمة حول هذا الموضوع ولا حاجة إلى الإعادة.قوله: كلما ثبت بطلان نبوءتك، دحضته بناء على هذا المبدأ.أقول: أيها الشيخ، هداك الله، ويأتي عليك بيوم تفتح فيه عيناك، إنك محروم من الأنوار السماوية ولا تستفيد منها كالذي في قفاه دُمّل كبير فيضطره إلى الانحناء إلى الأرض دائما ولا يستطيع أن يرفع نظره إلى السماء.لقد أظهر الله تعالى إلى الآن أكثر من عشرة آلاف آية لتأييدي، وقد تحققت كوضح النهار، ولكن كل نبوءة ثبتت باطلة بحسب رأيك، وكأنني ألجأ إلى التأويلات لجعل الكذب صدقا.فماذا أقول هنا أيضا إلا: لعنة الله على الكاذبين؟! الذي يمكث في صحبتي أربعين يوما يرى آية من آيات الله حتما.لهذا السبب قد مال إلى آلاف من عباد الله.وقد اتجه ولا يزال يتجه إلى عالم على الرغم من بغضك وعنادك وهرائك المستمر، وما أصابني ضر بنفثات فمك.لقد أظهر الله تعالى من أجلي الكسوف والخسوف في السماء ولكن هذا الحديث ليس بصحيح عندك.وقد جئتُ على رأس القرن الرابع عشر، وبفضل الله تعالى مضى على حياتي ربع قرن بحسب شرط وضعه المحدثون، ولكن هذا

Page 301

البراهين الأحمدية (۲۸۳) الجزء الخامس الحديث أيضا غير صحيح بحسب رأيك.وقد ورد أن طاعونا جارفا سيتفشى في زمن المسيح الموعود ولكنك حسبتَ هذا الحديث أيضا خاطئا.وورد أن في ذلك الوقت ستظهر علامة في الشمس، فلا تزال ظاهرة إلى الآن ويمكن ملاحظتها بالمنظار، ولكنك خطّأت هذا الحديث أيضا.ثم ورد في الأحاديث أن مذنبا سيطلع في تلك الأيام، وقد طلع منذ زمان ولكن هذا الحديث أيضا ليس صحيحا في نظرك.وورد في الحديث أن المسيح الموعود سيكون من هذه الأمة وسيُبعث شرقي دمشق ولكن هذا الحديث أيضا موضوع في رأيك.وجاء في الأحاديث أن القلاص ستترك في زمن المسيح الموعود، وكانت في ذلك إشارة إلى انطلاق القطار من المدينة المنورة إلى مكة في ذلك الزمن ولكنك ترى هذا الحديث أيضا غير صحيح.فما دامت أحاديث النبي ﷺ غير صحيحة عندك فأني لك أن تستحيي عند تخطئة نبوءاتي ؟! بل إنك مع اعتبار نفسك مسلما تُعرض عن القرآن الكريم نفسه دع عنك الأحاديث ونبوءاتي.يقول الله تعالى إن عيسى مات ولكنك تحسبه حيا ومتربعا في إحدى حجرات السماء.ألم يقل الله تعالى على لسان عيسى الل: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ؟؟ أليس معناه أنك كنت الرقيب عليهم بعد ما توفّيتني؟ ألا يؤكد التأمل في هذه الآيات كلها بصراحة تامة أن يرد على سؤال من الله تعالى بأنني كنتُ شاهدا على أعمال أمتي ومطلعا على أحوالهم حين كنتُ فيهم، فلمّا أمتَني كنت أنت الرقيب والمحافظ عليهم.ألا هذه الآيات معنى معينا بالبداهة أن أمته لم تفسد في حياته بل بعد وفاته؟! وهو لا عیسی العلمية الا تعني لقد ورد أيضا في بعض الأحاديث أن الناس سيُمنعون من الحج في ذلك الزمن، ولكن كل هذه الأحاديث غير صحيحة في رأيك لأنها تُثبت صدق ادّعائي.المائدة: ۱۱۸ منه.

Page 302

البراهين الأحمدية (٢٨٤) الجزء الخامس يدري ما الذي حدث بهم وأي دين اختاروا بعد وفاته.فيتبين من كلام الله تعالى أنه لو افترضنا جدلا أن عيسى ما زال حيا في السماء لاضطررنا إلى الاعتراف بأن المسيحيين لم يفسدوا إلى الآن بل ما زالوا على دين حق، لأن يربط بقاء أمته على الصراط المستقيم بفترة حياته وينكر أنه قال لهم أن يتخذوه عیسی العلية لا وأمه إلهين من دون الله.ويقول في حضرة الله بأني ما دمت فيهم فقد علمتهم ما أمرتني به، فلما توفيتني فلا أدرى ما الذي آلت إليه الظروف بعد ذلك.يتبين من الآيات المشار إليها بكل جلاء أنه الله لن يعود إلى الدنيا أبدا، وإلا لاستلزم كلامه هذا بأنه سيكذب أمام الله يوم القيامة، لأنه لو جاء إلى الدنيا ثانية قبل القيامة لكان قوله بأني لا أعلم ما الذي اختاره قومي من المعتقدات كذبا صريحا.لأن الذي يأتي إلى الدنيا ثانية ويرى بأم عينيه أن أمته قد فسدت، وليس ذلك ليوم واحد فحسب، بل يشاهد حالة كفرهم إلى أربعين عاما متتالية، كيف يجوز له القول أمام الله يوم القيامة بأنه لم يعرف عن قومه شيئا؟! من الواضح أن معتقدك بأن عيسى الموجود في السماء حيا وسيعود إلى الأرض يعارض نصوص القرآن الكريم الصريحة بكل صراحة ووضوح، مع ذلك لا تتخلّى عن هذا المعتقد.فكيف أسى عليك في هذه ولكنك الحالة إذ لا تزال مصرًا على الإنكار على الرغم من مشاهدتك مئات من آياتي؟! كما أن الذي يتعود على أكل التراب يظل راغبا في أكله ولو قدمت له ألذ الأطعمة، هذه هي حالك أنت.وكذب أيضا قولُك بأنك ترى عيسى تعده الله حيا بناء على الأحاديث، إذ قد ورد في صحيح البخاري الذي أصح الكتب بعد كتاب الله بوضوح تام أن النبي ﷺ رأى عيسى ليلة المعراج الأرواح الميتة التي خلت من هذه الدنيا، بل وجد مقامه قرب يحيى العليا الذي سبق وأن توفّي من قبل يا مسكين عليك أن تتقي الله قليلا.إذا كان مع

Page 303

البراهين الأحمدية (٢٨٥) الجزء الخامس ينبغي الاختلاط العليا قد صعد إلى السماء بجسده المادي هكذا دون أن تُقبض روحه فما علاقته بالأرواح التي وصلت إلى السماء الثانية بعد الوفاة؟! بل كان أن تكون له حجرة أو منزل منفصل ليعيش فيه حياة مادية دون مع الماكثين في عالم الفناء الذين ذاقوا كأس الممات من قبل.ما أشنع هذا الكذب الذي يلازمك ملازمة القلادة الجيدَ إذ تعد حيًّا من مات منذ ١٩٠٠ عام.ما لم يكشف الله تعالى هذا السر كان كل شخص معذورا.أما الآن وقد جاء الحَكَمُ، وبان الحق وثبتت وفاة عيسى ال من القرآن الكريم وشهدت الأحاديث على وجوده بين الأرواح الميتة، وبلغ موته بقول الله وفعل النبي الله أي رؤيته مبلغ الثبوت، بل ثبت أيضا من حديث مسلم وصحيح البخاري أن المسيح الآتي سيكون من هذه الأمة، وقد شهد به هذا المسيح أيضا بصفته حَكَما بحسب نصوص القرآن الكريم والحديث، فهل الإنكار بعد كل ذلك إيمان أم إلحاد؟ كيف عسانا أن نتأسف على شخص لا يؤمن بآياتنا ما دام لم يقبل قول الله تعالى ولا شهادة و لم يشأ أن يتنازل عن خطئه خشية الله ؟ فإن افترى علي شخص مثله فأنّى لي أن أتأسف عليه ؟ إن خطأ شخص ليس حجة للآخر.فإذا تطرقت إلى القلوب في زمن "فيج أعوج" فكرة أن عيسى ال صعد إلى السماء حيا فهي ليست حجة، إذ لم يكن لهذا المعتقد أي أثر في زمن خير القرون، وإلا أنّى كان للصحابة له أن يرضوا بأن جميع الأنبياء عليهم السلام قد ماتوا من قبل.لقد عُقد أول إجماع في الإسلام على أن الأنبياء قد ماتوا، إذ حين توفي رسول الله كان بعض الصحابة أيضا يزعمون بأنه لم يمت وسيعود إلى الدنيا ليجدع أنوف المنافقين وآذانهم.جمع سيدنا أبو بكر الصديق الصحابة كلهم في مسجد النبي وتلا النبي عندها جميع

Page 304

البراهين الأحمدية (٢٨٦) الجزء الخامس عليهم آية (مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ففهم الصحابة كلهم الذين كانوا موجودين هنالك أن النبي ﷺ توفي في الحقيقة، وأيقنوا أنه ليس هناك نبي حي، ولم يعترض أحد بأن عيسى خارج عن مضمون هذه الآية ولا يزال حيا ثم هل كان ممكنا أن يرضى عشاق رسول الله ﷺ أن يُتوفّى نبيهم عن عمر قصير مع أن عيسى ما زال حيا منذ ست مائة سنة وسيحيا إلى يوم القيامة؟ بل كان الصحابة سيموتون وهم أحياء لمجرد هذا التصور.لذلك طمأنهم أبو بكر الله بتلاوته على مسامعهم آية: (مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.وقد أثرت هذه الآية في قلوب الصحابة بحيث غدوا يتلونها في أزقة المدينة وكأنها نزلت في ذلك اليوم.فكان أول إجماع في الإسلام على أن كافة الأنبياء قد توفوا.ولكن يا أيها الشيخ، ما لك وإجماع الصحابة ؟! إن دينك هو التعنت وليس الإسلام.إن الإسلام لا يزال يواجه الدمار يوما إثر يوم بسبب هذه العقائد الباطلة ولكنك وأشياعك سعداء.۲۱۱ "إن معتقداتك قد أزالت رونق الدين وبهاءه، العدو سعيد والصديق حزين" يبدو أن بعض الصحابة البسطاء الذين لم يكن لهم نصيب من الدراية كانوا- قبل هذا الإجماع- يجهلون عقيدة وفاة جميع الأنبياء، لذا اضطر الصديق له إلى تلاوة هذه الآية.ولكن بعد سماع الآية أيقن كلهم أن جميع الناس السابقين قد ماتوا ودخلوا القبور.لذلك نظم حسان بن ثابت الله قصيدة في رثاء النبي ﷺ وأشار من خلالها إلى الأمر نفسه، فجاء فيها: ١ آل عمران: ١٤٥ ترجمة بيت فارسي (المترجم)

Page 305

البراهين الأحمدية (۲۸۷) الجزء الخامس كنت السواد لناظري فعمي عليك الناظر من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر أي...قد صرتُ أعمى بوفاتك، أما الآن فليمت بعدك من يشاء (عيسى كان أم موسى فقد كنت أخاف موتك فقط.جزاه الله خير الجزاء.هذا هو الحب الحقيقي والصادق إذا استخدم المرءُ شيئا من العدل والإنصاف تبين أن المسيح ال كان بنفسه يعارض اعتقاد أن يصعد أحد إلى السماء ثم يعود إلى الأرض، لذا عندما ورد سأله اليهود عن عودة النبي إلياس إلى الأرض وأروه كتبا وقالوا بأنه قد فيها أن إلياس سيعود إلى الدنيا ثم يأتي بعده المسيح الموعود الذي وعد اليهود إن منة أبي بكر الصديق له على الأمة عظيمة لدرجة لا يمكن أداء حق شكرها.فلو لم يجمع الصحابة كلهم في مسجد النبي لو لم يثل عليهم هذه الآية التي تجزم بوفاة جميع الأنبياء السابقين لهلكت الأمة، لأن في هذه الحالة كان العلماء المفسدون في هذا العصر سيقولون بأن الصحابة كانوا يعتقدون أن عيسى ال حي.أما الآن، فقد أجمع الصحابة كلهم - نتيجة تقديم الصديق الأكبر هذه الآية على أن الأنبياء السابقين قد ماتوا جميعا، بل نُظمت القصائد أيضا حول هذا الإجماع.أمطر الله روح أبي بكر ألف ألف رحمة لإنقاذه الأرواح كلها من الهلاك، وقد اشترك الصحابة كلهم في هذا الإجماع، ولم يبق أحد منهم خارجه.وكان هذا هو الإجماع الأول للصحابة وعمل جدير بكل تقدير.هناك مماثلة بين أبي بكر له وبين المسيح الموعود، ألا وهي أن الله قد وعد في القرآن الكريم بظهور كليهما حين تطرأ على الإسلام حالة الخوف وتبدأ سلسلة الارتداد.فهذا ما حدث بالضبط في زمن أبي بكر له وزمن المسيح الموعود أيضا.أي قد ارتد في زمن أبي بكر له بعد وفاة من جهال العرب، ولم يبق إلا مسجدانِ تقام فيهما الصلاة، فأقامهم أبو بكر له على الإسلام مجددا.وفي زمن المسيح الموعود أيضا ارتد مئات آلاف الناس عن الإسلام النبي مئات وتنصروا وكلا هذين الأمرين مذكور في القرآن الكريم كنبوءة.منه.

Page 306

البراهين الأحمدية (۲۸۸) الجزء الخامس بمجيئه نيئه وأخبروا بأنه سيكون خاتم أنبيائهم، قال ال بعد سماع اعتراضهم بأن النبي يوحنا الموجود بين ظهرانيكم وقد جاء قبلي هو إلياس، فليقبله من يشاء.وقد استاء اليهود من قوله هذا كثيرا وعدوه كافرا ومهرطقا ومعارضا لإجماع الأمة.بحوزتي كتاب ألفه عالم يهودي كبير ومؤخرا أثار فيه ضجة كبيرة في تكذيب عيسى ال وعده كذابا وكافرا وملحدا، والعياذ بالله، وناشد الناس قائلا: فكروا بأنفسكم بالعدل أنه ما دام الله تعالى قد أخبر في كتابه كما ورد في صحيفة ملاخي - التي يؤمن هذا الشخص بصحتها وكونها الله - أنه لن يأتي المسيح الموعود لليهود ما لم يعد النبي إلياس إلى الأرض نازلا من السماء، والمعلوم أن النبي إلياس الذي كان نزوله محتوما قبل المسيح لم ينـ ينزل من السماء بعد، فأنى لنا أن نؤمن به مسيحا موعودا صادقا؟! ماذا نفعل؟! هل نضيع إيماننا أم ننحرف عن التوراة؟! وما دام النبي ملاخي أخبرنا بكلمات واضحة بوحي الله، أنه من المحتوم ألا يُبعث في اليهود المسيحُ من قد الموعود ما لم يعد إلى الدنيا النبي إلياس بحسب وعد الله، فأنَّى لهذا الشخص أن يكون مسيحا موعودا لليهود ؟! وإننا لنخون خيانة شديدة إن أولنا النبوءة يعتقد اليهود أن هناك مسيحين : (۱) المسيح الآتي أولا الذي مجيئه مشروط بمجيء النبي إلياس إلى الدنيا قبله.فهذا هو المسيح الذي ادعى عيسى العلي أنه هو، ولكن علماء اليهود لم يقبلوا هذا الادعاء، وقالوا إنه ينافي نصوص كتاب الله الصريحة.والسبب في ذلك أن إلياس ما عاد من السماء إلى الأرض كما يقول كتاب الله.قال العليا مرارا وتكرارا بأن العبارات مثلها تكون استعارة، وأن المراد من إلياس هنا هو يحيى، أي النبي يوحنا ولكن لمّا كان اليهود متمسكين بظواهر الأمور فلم يقبلوا هذا التأويل، وبناء على ذلك لم يؤمنوا بعيسى ال إلى الآن بل يهينونه بشدة.عیسی (۲) والمسيح الثاني الذي ينتظره اليهود هو ذلك الذي يعتقدون أنه سيأتي في نهاية الألفية السادسة، لذا هناك اضطراب شديد في اليهود في هذه الأيام لأن الألفية السادسة منذ

Page 307

البراهين الأحمدية (۲۸۹) الجزء الخامس بصرفها عن الظاهر تكلُّفا ما دام قد وصلنا عن عودة النبي إلياس قبل المسيح الموعود خبر صريح وواضح لا يمكن تأويله لم يخبرنا الله تعالى في كتابه أن "مثيل" النبي إلياس سيأتي قبل المسيح الموعود، بل أخبرنا بكل وضوح أن إلياس بنفسه سينزل من السماء ثانية، فأنّى لنا أن ننكر هذا الخبر الصريح؟! ثم يقول المؤلف في نهاية مقاله: لو سألنا الله يوم القيامة لماذا لم تقبلوا هذا الشخص، أي - يسوع بن مريم، ولماذا لم تؤمنوا به؟ لوضعنا أمامه كتاب النبي ملاخي.باختصار، يعتقد اليهود منذ القدم أن مسيحهم الموعود الصادق- الذي هو المسيح الموعود الأول لن يأتي إلا إذا عاد إلى الدنيا قبله النبي إلياس.ولكن عيسى ال لم يسمع لهم قط وقال بأن المراد من النبي المقبل هو يوحنا.هذا هو حكم عيسى العلم الذي تثيرون ضجة ضده.هل عاد النبي إلياس إلى الدنيا حتى يعود عيسى أيضا؟ بل إذا جازت عودة أحد إلى الدنيا فإنها لا تثبت أن عيسى نبي صادق بل تبطل نبوته، لأنه لا بد من الاعتراف في هذه الحالة أنه جعل النبي يحيى إلياس بغير وجه حق لإثبات موقفه فحسب دون أن ينزل السماء.أليس في قصة عودة النبي إلياس عبرة لأولي النهى، وقد دخل إلياس من بسببها مئات الآلاف من اليهود جهنم منكرين عيسى الع؟ العلية آدم قد انتهت بحسب التقويم القمري، وتمر الآن الألفية السابعة، ولكن ذلك المسيح الموعود لم يأت بعد.كان الباحثون المسيحيون أيضا يعتقدون أن بعثة المسيح الثانية ستكون في نهاية الألفية السادسة، ولكنهم أيضا يئسوا الآن لأن الألفية السادسة قد انتهت، لذا أظهروا رأيهم يائسين بأن اعتبروا الكنيسة مسيحا وانفضوا عن ذهنكم فكرة المسيح المنتظر.إذًا، هناك مسيحان اثنان بحسب رأي اليهود.والمسيح الموعود الأخير الذي كان سيبعث في نهاية الألفية السادسة أفضل وأعلى من المسيح الأول بحسب رأيهم.ولكنهم حُرموا من كليهما، فلم يجدوا هذا ولا ذاك منه.

Page 308

البراهين الأحمدية (۲۹۰) الجزء الخامس لمّا لم ينزل النبي إلياس الذي عُدّ نزوله من السماء علامة صدق ادّعاء عيسى العليا، فلماذا يسلك المسلمون المعاصرون المسلك نفسه الذي بسببه كفر 6 اليهود من قبل؟ لو كان النزول من السماء من سنة الله، فأي عرقلة اعترضت سبيل إلياس إذ لم ينزل مع أنه قد جاء وعد نزوله في كتاب الله واضطر عيسى إلى مواجهة ندامة أمام اليهود حتى تخلّص أخيرا من هرائهم باعتبار النبي يحيى مثيلا للنبي إلياس؟ يجب الانتباه إلى مدى الإيذاء الذي كان عيسى العليا يواجهه نتيجة طعن اليهود حين كانوا يقولون مرارا وتكرارا كيف يمكن أن تكون مسيحا موعودا صادقا بينما لا توجد فيك علاماته؟ لأن كتاب الله يقول بكلمات واضحة أن المسيح الموعود لن يأتي ما لم يعد النبي إلياس إلى الدنيا.كان اليهود صادقين ظاهريا في حجتهم هذه لأن إلياس لم يكن قد نزل بعد، بل لم ينزل من السماء إلى الآن يبدو أنه كان السبب وراء ازدياد اليهود تجاسراً ووقاحة أن علامة المسيح الموعود المذكورة في كتاب الله بالكلمات الظاهرية لم تتوفر في المسيح الليل.وكان المسيح أيضا قد أدرك في قرارة قلبه أن جوابه مبني على التأويل فقط ولن يقبله اليهود ، لذا قال بكلمات لينة إن إلياس الذي كان سيعود إلى الدنيا هو يحيى بن زكريا هذا، فاقبلوه إن شئتم.كذلك طلبت أيضا معجزة الصعود إلى السماء والعودة منها كما جاء في القرآن الكريم، من نبينا ولكن ردَّ الله عليهم ردًّا بأنَّا فقال: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا لا يزال اليهود يضايقون النصارى بالقول أنه لو كان عيسى هو رَسُولًا ) المسيح الموعود في الحقيقة فلماذا لم ينزل النبي إلياس قبله؟ والنصارى لم يطيقوا جوابا قط و لم يقدروا على أن ينبسوا ببنت شفة أمامهم.الإسراء: ٩٤

Page 309

البراهين الأحمدية (۲۹۱) الجزء الخامس فيجب على معارضينا أن يتعلموا درسا من النبوءة القائلة بعودة النبي إلياس لئلا تكون عاقبتهم كعاقبة اليهود ولكن كان ضروريا لتحقيق المماثلة أن يحاربني الناس في هذا العصر حول عودة عيسى العليا كما حارب اليهود عيسى من قبل بشدة حول عودة إلياس وكفّروه وعدوه ملحدا وزنديقا.إن هؤلاء الأغبياء لا يفقهون أن الذين يبكون من أجل عودته ويسبونني، قد حكم هو بنفسه ضدهم في ادّعائي ؛ لأن ما أقوله لهم حول عودة عيسى كان البيان نفسه لعيسى أمام اليهود تماما.وكما سماني عیسی كذلك قد سمى الله النبي يحيى إلياس حينذاك.وهذا المثل الذي ذكر من قبل يكفي لاقتناع مؤمن.يقول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.كان اليهود معذورين إلى حد ما لأن القرار عن عودة أحد ما كان قد صدر في كتب الله في أما الآن فقد صدر هذا القرار.هل عاد النبي إلياس إلى الدنيا بحسب زمنهم الله نبوءة النبي ملاخي حتى يتوقع هؤلاء القوم أيضا عودة عيسى؟ ثم لم يرد لفظ العودة في الأحاديث الصحيحة بل ورد لفظ "النزول" الذي يفيد الإجلال والإكرام فقط.يمكن القول عن كل ضيف محترم بأنه عندما يأتي سينزل عندنا، فهل يُفهم من ذلك أنه سيعود من السماء؟ الفعل المستخدم في العربية للعودة هو "الرجوع" وليس "النزول".من المؤسف جدا أن هذا الاعتقاد الذي يدعم الديانة المسيحية قد لازم المسلمين ملازمة القلادة الجيد بغير وجه حق.يقول معارضونا نادمين بشدة حين لا يطيقون جوابا بأن كبارنا ظلوا يقولون بذلك.ولكنهم لا يفقهون أن هؤلاء الكبار ما كانوا معصومين من الخطأ، بل كما أخطأ كبار اليهود في فهم النبوءات كذلك أخطأ كباركم الأنبياء: ٨

Page 310

البراهين الأحمدية (۲۹۲) الجزء الخامس وراج بينهم بحكمة الله ومشيئته اعتقاد خاطئ كما راج بين اليهود أن النبي إلياس سينزل من السماء ثانية كان كبار اليهود ينتظرون عودة النبي إلياس بكل حب وشوق.وقد ذُكرت في منظوماتهم ومنشوراتهم آمال الانتظار مقرونة بالألم والوجد إن كباركم ما كانوا معصومين، بينما كان في اليهود الأنبياء والملهمون من الله ومع ذلك ظلوا على خطأ وبقيت فيهم هذه المعضلة كسر مكنون أن المراد من عودة النبي إلياس هو نبي غيره وليس المراد نزول إلياس إصالة، وما لم يُبعث عيسى ال لم يفهم هذا السر المكنون نبي ولا ولي أن المراد من عودة إلياس هو النبي يحيى وليس إلياس بالذات.فليس بدعا أن يخطئ بعض من صلحاء هذه الأمة في فهم أمر ما.والأغرب من ذلك أن هؤلاء الصلحاء أيضا ليسوا متفقين على هذه المسألة.فقد خلا كثير من العلماء الذين اعتقدوا بوفاة عيسى ، ومنهم الإمام مالك الله إذ يقول: "قد اختلف في العليلا، عيسى ال هل هو حي أو ميت، وقال مالك: مات".ويقول محيى عربي في أحد كتبه وهو آخر كتاب له ما مفاده: سيأتي عيسى ولكن بصورة ،بروزية، أي سيأتي شخص من هذه الأمة بصفات عيسى.وقد اتفق الصوفية على أن بعض الكمّل يأتون إلى الدنيا بحيث تتجلى روحانيتهم على كأنه الشخص الثاني هو.ويوجد المبدأ نفسه في الهندوس أيضا، أحد ويصبح الدين بن ويسمون ذلك الشخص "أوتار".أما فكرة أن شخصا صعد إلى السماء حيا أو اختفى فهذه الفكرة القديمة أيضا رائجة وكانت في الأزمنة السحيقة تعني شيئا آخر، ثم فهم منها الجهال وكأن شخصا يصعد إلى السماء بالجسد حقيقة ثم يعود منها.لقد راجت في هذه الأيام أفكار من هذا القبيل عن سيد أحمد خان البريلوي" في الناس من " حزبه أنه أيضا سيعود مثل عيسى الله، وإن كان قد فشل في أثناء مجيئه الأول

Page 311

البراهين الأحمدية (۲۹۳) الجزء الخامس مثل عيسى ، ولكنه سيعمل السيف بشدة عند المجيء الثاني.الحق أنه قد اخترعت مثل هذه الأفكار لستر الذين قاموا بدعاوى عظيمة ثم رحلوا من العالم خائبين خاسرين لا يعتقد أحد عن نبينا الأكرم بأنه سيأتي مرة أخرى، لأنه أرى الكفار في أثناء مجيئه الأول قوة ونجاحا لم ينسوهما إلى الآن وانتقل إلى رفيقه الأعلى بعد إحراز نجاح كامل وتام.ويبدو أن ابن عربي قد تراجع في الفترة الأخيرة من حياته عن موقفه الأول، لذا إن بيانه الأخير يناقض بيانه الأول.كذلك يعتقد أصحاب بعض الفرق الصوفية الأخرى صراحة بوفاة عيسى..وقد قلنا من قبل بأن الصحابة الله كلهم أجمعوا بعد وفاة النبي على أن الأنبياء السابقين قد ماتوا جميعا بمن فيهم عيسى الله أيضا وليس أحد منهم حيا.ثم كلما أخذ الجهل والبدعات بالانتشار في الإسلام صارت هذه البدعة أيضا جزءا من الدين أن عيسى سيخرج من جماعة الأرواح الميتة وسيعود إلى الدنيا مرة أخرى.لقد ألحق هذا الاعتقاد أضرارا فادحة بالإسلام لأنه أعطى شخصا واحدا في العالم كله خصوصية أنه صعد إلى السماء بالجسد وسيعود بالجسد نفسه في زمن من الأزمان.هذا الاعتقاد يشكل لبنة أولى التأليه عيسى لأنه أعطي خصوصية لا يشاركه فيها أحد.أزال الله تعالى هذه الوصمة من وجه الإسلام عاجلا، آمين.وفي الأخير أنصح الشيخ أبا سعيد محمد حسين حسبة الله وأقول بأنك قد بلغت من عمرك منتهاه، فعليك أن تترك الحذلقة السخيفة أمام الله تعالى.لقد أخرجت كل ما في جعبتك، ومكرت كل مكر واستخدمت مكايد مخجلة لإطفاء نور الحق، ولكن خابت آمالك في نهاية المطاف وفشلت.لو كنتُ مفتريا لنجحت في مكيدة من المكايد حينا من الأحيان، ولكنتُ واجهت الدمار

Page 312

البراهين الأحمدية (٢٩٤) الجزء الخامس والخراب منذ أمد بعيد الذي يكذب على الله كل يوم ويختلق كلاما من عنده ثم يقول هذا ما أوحى الله إلي، فهذا الوقح أسوأ من الكلاب والخنازير والقردة، فكيف يمكن أن ينصره الله؟ لو كان كل ذلك من صنع الإنسان وليس من الله تعالى لما بقي له أي أثر.لقد مضت مدة ٢٥ عاما بل أزيد منها منذ أن أعلنتُ بأني من الله تعالى.مع أنه قد ثارت في الدنيا ثورة شديدة في معارضة هذا الإعلان بوجه عام، ولكنك - أيها الشيخ المحترم - لم تدخر جهدا بوجه خاص لإيذائي و لم تستمر في خداع عامة الناس فقط بل ظللت تخدع الحكومة أيضا دائما بأن هذا الشخص مفتر ومعارض للحكومة، وقد رفعت علي قضايا زائفة خطيرة مثل قضية القتل، وقد حضرت المحاكم كشاهد لإنجاح تلك القضايا، واستصدرت فتاوى التكفير ضدي وأردت أن تُنفّر الناس عني.وهذا الكلام يعود إلى زمن لم يكن معي إلا بضعة أشخاص، أما بعد مساعيك المعادية الحثيثة مئات آلاف الناس.لو لم أكن من عند الله لما كانت حاجة إلى مساعيك لتدميري وإبادتي، بل لواجهتُ الدمار والإبادة تلقائيا جراء افترائي ومغبة سوء أعمالي.فصار معي لا يقبل العقل السليم أن يُمهل المفتري إلى مدة طويلة تزيد على زمن بعثة النبي ، لأن في هذه الحالة يُرفع الأمان، ولا تبقى علامة فارقة بين صادق و كاذب أجبني من فضلك كم من قضايا جنائية رفعت ضدي منذ أن أعلنتُ دعواي؟ وكم قاموا بمساع ليُقبض عليّ؟ وأنت بالذات لم تقصر في تأييد هذه القضايا الزائفة.فهل ربحت أنت أو حزبك قضية من القضايا؟ لو لم أكن صادقا الله تعالى الكاذب فقط في كل موطن ومكان، واسودت في كل مجال وجوه الذين كانوا يُدعون صادقين؟! لقد تآكلت أنوفهم في السجدات داعين علي ولكن ربي ما زال ينصرني يوما إثر يوم ولم يُجب دعاؤهم بإزائي.فلماذا نصر

Page 313

(٢٩٥) الجزء الخامس البراهين الأحمدية بل كانت شيمتك إلى الآن أن تنشر الأكاذيب والأباطيل ضدي مرة بعد أخرى في جرائدك ومحلاتك وتحرض علي الحكومة الإنجليزية لتسيء بي الظن.ما الذي ستجني من هذا الخبث، فاعلم أنك ستفشل في هذا الخبث دائما.لا يتم على الأرض أمر ما لم يقدر في السماء.لا أكن في قلبي نية سيئة تجاه هذه الحكومة المحسنة.كنتُ شابا وقد شختُ الآن.لقد نشرتُ مرارا في كثير من كتبي منذ قديم الزمان أن لهذه الحكومة أيادي بيضاء علينا، وفي ظلها نبلّغ الدعوة بحرية.وتعلم أن لك بلادا أخرى أيضا يروق لك المقام فيها من حيث الأسباب الظاهرية.فلو هجرت هذا البلد وسافرت إلى مكة أو المدينة أو القسطنطينية فأهل تلك البلاد كلهم على مذهبك ومشربك.ولكن إذا سافرت إليها أنا فأرى أن كلهم بالنسبة لي كالسباع الضارية إلا ما شاء الله.فالواضح أن الله قد منّ عليَّ إذ بعثني في حكومة ليس مسلكها تجريح المشاعر بل تهيئ لرعيتها الأمن والسلام.ولكني مع وحده وأرى من خلال تصرفاته الخفية أنه جعل هذه الله كنف الالالالية ذلك أتوكل على الحكومة مواسية لي، و لم يسمح لواش شرير أن تقوم له قائمة.وآمل ألا أحتاج إلى أحد سوى ذلك المالك الحقيقى إلى أن أرحل من هذه الدنيا، وسيؤويني من كل عدو، فالحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، هو ولتي في الدنيا والآخرة، وهو نعم المولى ونعم النصير.وإني على يقين تام أنه سينصرني ولن يضيعني أبدا.ولو غدت الدنيا كلها الخيبة أسوأ من السباع في عداوتي لحماني الله.لن أدخل القبر مع والخسران، لأن ربي معي في كل خطوة وأنا معه.وما يعلم الله من سريرتي لا يعلمه أحد سواه.لو خذلني الناس جميعا لخلق الله قوما آخرين يكونون رفقائي.يظن العدو الجاهل أن هذا الأمر سيفسد بمكايده وخططه، وستتفرق هذه

Page 314

البراهين الأحمدية (٢٩٦) الجزء الخامس يسع الجماعة شذر مذر.ولكن الغبي لا يدرك أن ما تقرر في السماء لا الأرض أن تمحوه.إن السماوات والأرض ترتجف لربي.إنه هو الإله الله الذي ينـــزل علي وحيه المقدس، ويُطلعني على أسرار الغيب لا إله سواه.ومن المحتوم أن يسير هذه الجماعة ويرزقها تقدّما وازدهارا وينميها ليميز الخبيث من الطيب.فليسع كل معارض لإبادة هذه الجماعة جهد المستطيع وليُخرج كل ما في جعبته، ثم لينظر هل هو يغلب في نهاية المطاف أم الله؟ كم من جهود جبارة بذلها أبو جهل وأبو لهب وأشياعهما لمحو الحق ولكن أين هم الآن؟ هل يوجد أن الآن لفرعون الذي أراد قتل موسى من أثر؟ فاعلموا يقينا أن الصادق لا يمكن يضيع، فإنه يمشي بين جيش من الملائكة، والشقي من لا يعرفه.فلتفكر أين محدّدك الذي خلعت عليه لقب المجدد؟ إذا كان ذلك لقبه في السماء لعاش إلى ٢٥ عاما من هذا القرن بحسب قوله الذي نشره في "حجج الكرامة"، ولكنه مات على رأس القرن.أما الذي تسمونه كاذبا فقد شهد من القرن ربعه تقريبا.أذكرك لوجه الله مرة أخرى أن عدوّ كل نبي يدّعي دائما أنه لم تظهر من النبي ،معجزة ولم تتحقق له نبوءة كما نجد في كتب اليهود بحق عيسى العلية لا ، وهذا ما نجده مكتوبا بحق نبينا الأكرم في كتب النصارى.ولكنني أُسدي إليك نصيحة حسنة أن تترك طريق السباع الآن وتحقق في أمري.خذ مني إثباتات من المنقولات أولا أليس ضروريا أن يكون مسيح هذه الأمة من الأمة نفسها؟ ثم انظر كم من آية ظهرت مني تأييدا على صدق إعلاني! أما ما يقال بأن نبوءة كذا وكذا لم تتحقق فإنه محض افتراء بل قد تحققت النبوءات فلما كانت وفاة عيسى الثابتة من القرآن الكريم أي من الآية: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي، وقد رُوي عن ابن عباس في صحيح البخاري معنى متوفيك: مميتك.وكذلك كتب الشاه

Page 315

البراهين الأحمدية (۲۹۷) الجزء الخامس كلها، ولا يمكن أن يوجه إلى نبوءاتي اعتراض لم يوجهه الجهلاء والملحدون إلى نبوءات الأنبياء الذين خلوا.لو كنت تملك شيئا من خشية الله لاستطعت أن تفهم، أن مبارزتك لي بعيدة عن التقوى، لأن مستنداتكم ليست إلا الأحاديث التي بعضها موضوع وبعضها ضعيف، ومنها ما لا تفقهون معناه.أما إعلاني أنا مقابلكم فعلى بصيرة.الوحي الذي أخبرني بأن عيسى ال قد مات، والمسيح الموعود الآتي هو أنا العبد الضعيف، أؤمن به إيماني بالقرآن الكريم.وهذا الإيمان ليس مبنيا على حسن الاعتقاد فقط، بل وهبنيه نور الوحي الذي سطع علي كالشمس.فأنى لي أن أقلع من قلبي يقينا أوصله الله تعالى ذروته بتواتر الآيات الخارقة وكثرة المعارف والمكالمة والمخاطبة اليقينية كل يوم؟ هل أردّ نعمة المعرفة والعلم الصحيح الذي أعطيته؟ أو أعرض عن الآيات السماوية التي أريتُها، أو أنحرف عن أمر مولاي ومالك مهجتي؟ ماذا أفعل؟ إن الموت خير لي ألف مرة من أن أنحرف عن الله الذي تجلّى علي بحسنه وجماله إلامَ تدوم هذه الحياة الدنيوية؟ وإلى أي مدى أهل الدنيا حتى أخذل ذلك الحبيب العزيز من أجلهم؟ أعلم جيدا أنه ليس في أيدي معارضي إلا قشر تنخره الديدان يطلبون مني أن أترك اللب يخلص معي ولي الله أيضا في الفوز "الكبير" معنى متوفيك مميتك، وثابت من القرآن الكريم أن الرفع كان بعد التوفي لأن الله تعالى قال: يا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ (آل عمران: ٥٦) و لم يقل: يا عيسى إني رافعك إلي ومتوفيك، فإن تحريف المرء ألفاظ القرآن الكريم عن مواضعها يجعله مصداقا للآية: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ (المائدة: ١٤) وليس هناك حديث صحيح يسمح بتقديم "رافعك" على "متوفيك" في الآية المذكورة.ففي هذه الحالة إن موت عيسى ال ثابت من كل الجوانب والنواحي.وثابت أيضا أن عيسى الآتي سيكون فردا من الأمة كما جاء في صحيح البخاري: "إمامكم منكم"، وفي مسلم: "أمكم منكم".منه.

Page 316

البراهين الأحمدية (۲۹۸) الجزء الخامس وأختار ذلك القشر.يخوفونني ويهددونني، ولكني أقسم بالله العزيز الذي عرفته بأني لا أعبأ بتهديداتهم قط، ولا أعيرها أدنى اهتمام الحزن معاه الله خير لي من الفرحة مع غيره.الموت في حضرته ل خير لي من عمر مديد بتر ركه.كما لا يسعكم أن تروا نهارا ثم تحسبوه ليلا كذلك تماما لا يسعني أن أعُد النور الذي أُريتُه ظلاما ما دمتم لا تستطيعون أن تتركوا معتقداتكم التي ليست إلا مجموعة من الأوهام والشكوك، فأنى لي أن أترك السبيل الذي تتراءى فيه ألف شمس ساطعة؟! هل أنا مجنون أو معتوه حتى لا أقبل الحق مع أن الله تعالى أرانيه بالآيات الباهرات؟! أقول حلفا بالله بأن آلاف الآيات ظهرت لي لتطمئنني، قد أخبرتُ الناس ببعضها و لم أخبرهم ببعضها الآخر.لقد رأيتُ أنها من الله تعالى ولا يقدر عليها أحد سوى الله الواحد الذي لا شريك له.وبالإضافة إلى ذلك أُعطيتُ علم القرآن الكريم، وكشفت علي المعاني الصحيحة للأحاديث فأنى لي أن أترك هذا الطريق المنير وأختار طريق الهلاك؟! كل ما أقول إنما أقوله على بصيرة، أما ما تقولونه فهو ليس إلا الظن: إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ، ومثله كمثل أعمى يمشي في أرض غير مستوية في ظلام فلا يدري أين تقع قدمه فأنى لي أن أتبنّى الظلام تاركا النور الذي أُعطِيتُه؟ ما دمتُ أرى أن الله تعالى يجيب أدعيتي ويُظهر لي آيات قاهرة، ويخاطبني ويُطلعني على أسرار غيبه وينصرني بيده القوية مقابل أعدائي ويرزقني الفتح والنصر في كل موطن، ويعلّمني معارف القرآن الكريم وحقائقه، فمن عساني أن أقبله تاركا هذا الإله القادر والغالب ؟! إنني أعلم يقينا أنه هو القادر الذي تجلّى على وأخبرني بوجوده بواسطة كلامه وأفعاله.وأعرف باليقين النجم: ٢٩ الله

Page 317

البراهين الأحمدية (۲۹۹) الجزء الخامس التام أن القدرات التي أراها منه ، وعلم الغيب الذي يُظهره علي، وتلك اليد القوية التي تنصرني في كل موطن عصيب، إنما هي صفات ذلك الإله الكامل والصادق الذي خلق آدم والذي تجلى على نوح وأظهر معجزة الطوفان.إنه لذلك الإله الذي نصر موسى حين كاد فرعون يهلكه.وهو ذلك الإله الذي أنقذ سيد الرسل محمد ا ل من مكايد الكفار والمشركين ورزقه فتحا كاملا، فهو الذي تحلّى عليّ في هذا الزمن الأخير.يقول بعض الجهلاء الذين هم الخبثاء والوقحون إن الذي ظهر عليك قد يكون شيطانا، لعنة الله عليهم إلى يوم القيامة هؤلاء الجهلة لا يفقهون أن الشيطان لا يغلب كل واحد، أما الإله الذي تجلّى علي بكلامه وفعله فهو غالب على الجميع.هل من أحد يستطيع أن يبارزه؟ المعارضون أموات، والأعداء ديدان ميتة، ليس منهم من أحد يستطيع أن يبارز القدرات التي ظهرت علي بواسطة كلامه وعمله عل.إنه تعالى يتحلى بجميع الصفات والقدرات الكاملة، لا شريك له في الأرض ولا في السماء.إن الذي يتجلى لي كل يوم ويُريني قدراته ويُظهر علي أسراره العميقة والدقيقة، إذا كان هناك إله غيره في الأرض أو في السماء فأثبتوا وجوده.ولكن لن تستطيعوا أن تفعلوا.إنني أرى أنه لا إله إلا هو.هو الواحد الأحد الذي خلق السماوات والأرض.فما دام ذلك الإله يتلألأ علي مثل الشمس، وقد وهبني البصيرة الكاملة، وأعطاني علما صادقا بإراءة قدراته، وأطلعني على وجوده فأنى لي أن أتركه؟ التخلي عن الحياة أهون عليّ من أن أخذل الله الذي تحلّى على.العدو العمه يهذي من فراغ، ليست لديه معرفة الله، قلبه مجذوم وعيناه محرومتان من البصيرة علمهم لا يتعدّى عبادة وثن الظنون فحسب.هذا الوثن هو كل شيء عندهم، ولا شيء في نصيبهم أكثر من ذلك.إنهم محرومون تماما

Page 318

البراهين الأحمدية من (۳۰۰) الجزء الخامس الله تعالى الذي يُعرَف بقدراته المتجددة ومشيتهم كمشية الأعمى الذي يخطو إلى الأمام ولا يدري أهضبة أمامه أم هوة؟ أإلى أرض طيبة مسيره أم إلى تربة نجسة؟ إنهم يشددون جهلا منهم على جانب وينسون جانبا آخر.يقولون إن عيسى سينزل وسيصبح فردا من الأمة.والفرق بين قولهم وقول الله هو أنهم يجعلون عيسى فردا من الأمة، والله يجعل فردا من الأمة عيسى، ولكن هذا الفرق ليس مما لا يمكن تعديل خطئه ما دام الله قادرا على أن يجعل فردا من الأمة عيسى وبذلك يمكن أن تظهر عظمة هذه الأمة على بني إسرائيل، فما الحاجة إلى أن يُنزل عيسى بن مريم من السماء على عكس وعد الله تعالى؟! القائل بأن الذي يرحل من الدنيا لا يعود إليها (ثانية)".كان عيسى ال العليا عیسی أنه الخليفة الأخير في بني إسرائيل، وكان المراد من اعتبار فرد من الأمة أيضا سيكون الخليفة الأخير لهذه الأمة، وأن يهود هذه الأمة سيهاجمونه ولن يقبلوه.ولكن ما الحكمة في اعتبار نبي فردا من هذه الأمة؟ صحيح أنه يثبت من القرآن الكريم أن كل نبي عموما يدخل في أمة النبي ﷺ كما يقول تعالى: من الله ا لا تفكرون أنكم ما دمتم قد سميتم عيسى ال فر فردا الأمة فأي اعتراض لو سمى تعالى أحدا من الأمة عيسى؟ أليس معنى الحديث: "إمامكم منكم" أن عيسى الآتي سيكون.منكم يا أفراد الأمة، لا من أمة أخرى؟ منه.٢ يقول الله تعالى: فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (الأعراف: (٢٦) فكيف يمكن إذا أن يعيش أحد في السماء إلى مئات السنين؟! ويقول تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَى (البقرة: (۳۷ فكيف يمكن إذا أن تكون السماء هي مستقر عيسى ال منذ مئات السنين؟! ثم يقول: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَانًا (المرسلات: ٢٦) أي جعلنا من طبيعة الأرض أنها تجذب كل شيء إلى نفسها وتقبض كل جسم إليها، فكيف يمكن إذًا أن يخرج عيسى العليا عن قبضتها؟! منه.

Page 319

البراهين الأحمدية (۳۰۱) الجزء الخامس اعتبار عیسی لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ.فبذلك صار جميع الأنبياء من أمته ، فما معنى أمته العليا من بوجه خاص؟ وما خصوصيته؟ هل كان قد انحرف عن إيمانه السابق، إذ آمن مع بقية الأنبياء، حتى عوقب - والعياذ بالله- بأن يُنزل على الأرض ويُكرَه على تجديد إيمانه، بينما كان في الإيمان السابق كفاية للأنبياء الآخرين؟! ألا تبعث مثل هذه الأفكار السخيفة على السخرية من الإسلام؟! كان الأمر واضحا أنه كما جاء عيسى في نهاية سلسلة خلافة اليهود، ولكنهم أنكروه و لم يقبلوه، كذلك كان من المقدّر أن يُبعث في نهاية سلسلة الخلافة في الإسلام خليفة سينكره المسلمون ولن يقبلوه.لهذا السبب سوف يُدعى عيسى خاتم الخلفاء، ولقي الرفض مثل عيسى كما قال الله تعالى في البراهين الأحمدية لإظهار هذه المماثلة ما تعريبه: "جَاء نَذِيرٌ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْكَرُوهُ أهْلُهَا وَمَا قَبلُوهُ، ولكِنَّ اللهَ يَقْبَلُهُ، ويُظْهرُ صِدْقَهُ بِصَوْلٍ قَوِيٌّ شَدِيدٍ صَوْلِ بَعْدَ صَوْل." فالأمر كان بسيطا وواضحا، إذ إن كل شخص يسمي غيره باسم لأنه مثله عند مماثلة كهذه، ولكنهم جعلوا من الحبة قبة بغير حق.لو اقتصر معارضونا في اعتقادهم على أن المسيح عيسى سيأتي حتما ولكنه سيثبت على تعليم الإنجيل ولن يكون ملزما بالحلال أو الحرام عند المسلمين، وسيصلى أيضا وحده بطريقته، وسيتلو في صلاته الإنجيل بدلا من القرآن وسيعد نفسه نبيا مستقلا وليس من الأمة المحمدية بمعنى أنه لن يقوم بما يدل على أن يُدعى من الأمة بل سيتبع التوراة والإنجيل ويكون ملتزما بهما، لكان الأمر الجدير بالنقاش هو ؛ هل ينفع الإسلام بعد عودته شخص يُبدي من خلال ١ آل عمران: ۸۲

Page 320

البراهين الأحمدية (۳۰۲) الجزء الخامس مجيء حالته العملية أنه بعيد عن الإسلام كل البعد بل يخالفه؟ والواضح أن شخص مثله لا ينفع المسلمين البتة، لأنه- مع احتلاله مرتبة سامية عندما سيبدي معارضة مريرة للإسلام ولن يصلي كما يصلي المسلمون، وسيتلو على الناس الإنجيل بدلا من القرآن الكريم، وسيأكل ما لا يأكله المسلمون، ويشرب الخمر، فإن وجوده في هذه الحالة سيكون مدعاة لفتنة عظيمة للإسلام، ويوشك أن يحدث بينه وبين المسلمين فساد نوعا ما.وسيكون شخص خطير مثله مدعاة لعثار المسلمين، ولا غرابة إذا بدأوا يتنصرون.ولكن لو نطق عيسى بشهادة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" بصدق القلب فور مجيئه، والتزم بالصلاة التي يصليها المسلمون والتزم أيضا بالصوم الذي عُلّمه المسلمون واعتصم بما هو حلال أو حرام عند المسلمين، فلا شك في هذه الحالة أنه سيعد نفسه فردا من هذه الأمة، لأن أفراد الأمة ليسوا خلقا غريبا على أية حال، فلو التزم بجميع أعمال أفراد الأمة صار فردا منهم.فباختصار، حين جُعل عيسى ال فردا من الأمة بفصله عن تعليم التوراة كان الأمر الجدير بالنقاش هو أن عيسى الذي كان خاتم الخلفاء في أنبياء اليهود قد عُدّ فردا من هذه الأمة أولا، ثم جُعل خاتم الخلفاء في دين محمد، فهل تحققت بذلك حكمة الله المتوخاة؟! والواضح عند أولي النهى أن الله تعالى أراد من إقامة سلسلة بني إسماعيل مقابل سلسلة بني إسرائيل أن يجعل هذه السلسلة مماثلة ومشابهة لسلسلة بني إسرائيل من كل الوجوه.فمن هذا المنطلق جعل سيدنا ومولانا النبي مثيل موسى كما قال: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا.فكان المزمل: ١٦

Page 321

البراهين الأحمدية (۳۰۳) الجزء الخامس محتوما أن يأتي خاتم خلفاء هذه الأمة مثيلا لعيسى في نهاية السلسلة، ويُبعث مثل عيسى في القرن الرابع عشر بعد مثيل موسى، لأن عیسی كان الخليفة الأخير في سلسلة موسى، وقد ظهر بعده بـ ١٤٠٠ عام.ولما كان اليهود في السلسلة الإسرائيلية لم يؤمنوا بعيسى، فقد وعد كلام الله تعالى أنه سيكون في هذه الأمة أيضا في الزمن الأخير - أي في زمن المسيح الموعود- أناس ذوو سيرة اليهود.لما كان واضحا أن مثيل موسى ليس موسى بعينه، وأن أناسا ذوي سيرة اليهود في آخر الزمان أيضا ليسوا يهودا بعينهم فما السبب في أن ينزل الآتي عيسى نفسه الذي خلا من قبل؟ هذا الفهم يتعارض كتاب الله مع تعالى، لأنه الله قد حكم في سورة الفاتحة أن بعض فئات هذه الأمة سيحذون حذو أنبياء بني إسرائيل، وبعض أفراد هذه الأمة سيحذون حذو اليهود الذين لم يؤمنوا بعيسى ال بل أرادوا صلبه، فسيُعَدُّون من المغضوب عليهم.لذلك علّم الله تعالى في سورة الفاتحة دعاء ليتلى في الصلوات الخمس وهو: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.فالمراد من أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) هم أنبياء اليهود، والمراد من الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اليهود الذين لم يقبلوا عيسى ال فالواضح من هذه الآية أنه سيكون في الأمة أناس ذوو سيرة اليهود الذين كانوا في زمن عيسى العليا.فلا بد أن يكون معهم من الأمة نفسها عيسى أيضا، الذي بسبب إنكاره سيصبحون مثل اليهود المغضوب عليهم.إن هؤلاء القوم يلومونني ويقولون لماذا سميت نفسك عيسى؟ والحق أن هذا اللوم يعود عليهم أنفسهم، لأنهم لو لم يصبحوا يهودا لما صرتُ عيسى.ولكن كان من المحتوم أن يتحقق كلام الله.فما أغباهم! إذ هم مستعدون هم ليكونوا يهودا بأنفسهم ولكن يريدون أن يأتي عيسى من الخارج.

Page 322

البراهين الأحمدية (٣٠٤) الجزء الخامس فزبدة الكلام أن بناية السلسلة الإسماعيلية قد بنيت على غرار السلسلة الإسرائيلية تماما والحكمة في ذلك أن عيسى هذه السلسلة أيضا ليس من عائلة بني إسماعيل، لأن المسيح أيضا لم يأت من بني إسرائيل، إذ لم يكن له أب من بني إسرائيل بل أمه وحدها كانت إسرائيلية.والمماثلة نفسها موجودة في حالتي أنا أيضا.لقد بينت سابقا أن بعضا من أمهاتي كنّ من السادات.وهذا ما كشفه علي وحي الله أيضا.وكما أن عيسى ال لم ينل الروح بواسطة الأب، كذلك ما نلتُ أنا أيضا روح العلم والمعرفة من أي أب روحاني، أي معلم.ففي هذه الأمور كلها هناك مماثلة قوية بينى وبين عيسى العلية.لذا فقد أقام الله تعالى سلسلة إسماعيلية بإزاء السلسلة الإسرائيلية واختارني لأكون عيسى.ففي صدر سلسلة الإسلام هناك سيدنا محمد المصطفى الله الذي سمى موسى، وكان أبواه من قريش، وأنا العبد المتواضع في نهاية السلسلة، وإنني من قريش من ناحية الأم فقط، وقد سميت عيسى." يقول الجهلاء كيف صرت عيسى؟ فاسمعوا مني الجواب، وهو: أيها القوم الحاسدون.لما سميتم في القرآن يهودا فقد جعلني الله تعالى لليهود عيسى.وإلا فلستم من نسل اليهود حقيقةً، ولست أنا أيضا ابن مريم على وجه الحقيقة.لولاكم لما كان لي أيضا من أثر ، فقد ظهرت بسببكم أنتم، فما الفائدة الشغب والضجيج؟! كل غث وسمين كان في دين الإسرائيليين قد تطرق كله إلى دين أحمد.ترجمة قصيدة فارسية.(المترجم) من

Page 323

البراهين الأحمدية (۳۰۰) الجزء الخامس إن قومنا يماثلون قوم موسى في كل شيء، بعضهم صالحون وبعضهم طالحون.لما كان نبينا، تاج ديننا، مثيلا لموسى في صدر ديننا، فقد جعلني الربّ الودود عيسى.لقد ولد في هذه الأمة يهود وقحون لكي يؤذوا عيسى هذا، مثل اليهود.باختصار، لقد فتح كما فتحه على اليهود.كما سمى الله ذو المنن على قومنا أيضا باب كل صلاح وفساد الله تعالى نبينا الأكرم لالا لاله باسم ،موسى، كذلك حين تجاوزت عداوة أبي جهل الحدود سُمِّي فرعون.فكما جاء الكليم في صدر الأمة بأمر من الله نزل عيسى في نهايتها لإكمال المهمة.الإعراض بعد استيعاب هذا الأمر شقاوة، وقد أزال كلامنا كافة شكوكك وشبهاتك.ما الفائدة من رمي الصادقين؟ والذي لا يرتدع عن السيئة يصبح حطب "جهنم" فملخص الكلام أنني على حق، وإعلاني يطابق نصوص القرآن الكريم والحديث، وإن آلاف الآيات شاهدة على صدقي، ولم يُغلق باب الآيات دون الباحثين عن الحق في المستقبل أيضا.أما ما يقوله المعارضون بأن نبوءة كذا لم تتحقق، فهذا يدل على عماهم، وإلا فقد تحققت الأنباء وبعضها موشكة جميع على التحقق.ولكن لما صارت نظرتهم ضبابية بسبب غبار العناد فهم مضطرون إلى الاعتراف بتحقق النبوءات البينة والواضحة تمام الوضوح، أما التي تحتاج إلى دقة النظر فإنها لم تتحقق بحسب زعمهم، ومع ذلك فإن النبوءة من هذا القبيل

Page 324

(٣٠٦) الجزء الخامس البراهين الأحمدية قد تكون واحدة من عشرة آلاف ما أسوأ وصمة اللعنة على قلب لا يستفيد من عشرة آلاف نبوءة ويعوي عُواء الكلب مكررا أن نبوءة كذا لم تتحقق.وليس ذلك فحسب بل يسب ويشتم أيضا بكل وقاحة.لو كان شخص مثله في زمن أي نبي خلا هل كان سيؤمن به؟ كلا، لأن نبوءة من نبوءات الأنبياء ظلت مشتبهة على الكافرين دائما.أيها الجاهل، ارفع عن عينيك حجاب العناد أولا، فستعلم أن جميع النبوءات قد تحققت إن نصرة الله تهاجم المعارضين كبحر هائج ومائج، ولكن من المؤسف أن هؤلاء القوم لا يكادون يشعرون بشيء.لقد أظهرت الأرض آيات والسماء كذلك.وظهرت في الأصدقاء وفي الأعداء أيضا، ولكن لم تظهر إلى الآن آية بحسب زعم العمهين، ولكن الله تعالى لن يترك هذا الأمر ناقصا ما لم يَمِز الخبيث من الطيب.يريد المعارضون أن أباد وتنطلي على حيلة من حيلهم وألا يبقى لي أثر أبدا، ولكنهم سيفشلون في أمانيهم ويموتون خائبين خاسرين، وقد مات كثير منهم أمام أعيننا ودخلوا القبور مع حسرات في صدورهم، ولكن الله سيحقق جميع آمالي هؤلاء الأغبياء لا يفقهون أنني خائض في هذه الحرب بأمر من الله لا من تلقاء نفسي، فأنى لي أن أضيع؟! من ذا الذي يستطيع أن يضرني؟! والواضح تمام الوضوح أنه كلما أصبح أحد لغيره أصبح هو الآخر أيضا له على أية حال.يقول البعض: صحيح أنه قد ورد في الصحيحين أن عيسى الآتي سيكون من هذه الأمة، ولكنه سُمِّي نبي الله في صحيح مسلم بكلمات واضحة، فكيف نقبل أنه سيكون من هذه الأمة؟ جوابه أن هذه الشقاوة كلها ناتجة عن خطأ، إذ لم يتأملوا في المعنى الحقيقي لـ "النبي"، إن معنى النبي هو من يتلقى الأنباء من الله بالوحي، ويحظى بشرف

Page 325

البراهين الأحمدية (۳۰۷) الجزء الخامس مكالمة الله ومخاطبته، وليس ضروريا أن يأتي بشريعة جديدة، كما ليس ضروريا ألا يكون تابعا لرسول مشرّع.فلا مانع في اعتبار فرد من الأمة نبيا على هذا النحو، ولا سيما إذا كان ذلك الفرد من الأمة مستفيضا من نبيه المتبوع.بل الفساد يحدث إذا حُرمت الأمة من المكالمة والمخاطبة الإلهية بعد النبي ﷺ إلى يوم القيامة.إن الدين والنبي الذي لا يحظى المرء نتيجة اتباعه بقرب الله حتى ينال شرف مكالمة الله، ليس دينا ولا نبيا.أي أن ذلك الدين ملعون وجدير بالنفور ذلك الدين الذي يعلم أن تقدُّم الإنسان يقتصر على بعض الأمور المنقولة فقط، وأن باب وحي الله مسدود في المستقبل بل انقطع في الزمن الماضي، وأن سماع صوت الله الحي القيوم ومكالمته صار أمرا ميؤوسا منه تماما.ولو تناهى إلى أذن الله أحد صوت من الغيب فهو مشتبه فيه بحيث لا يمكن القول هل هو صوت أم صوت الشيطان فإن دينًا مثله أحق بأن يُدعى من الشيطان من أن يدعى من الرحمن الدين الحق هو الذي يُخرج من الظلمات إلى النور، ولا يحصر معرفة الإنسان بالله في القصص فقط بل يهبه نور المعرفة.إذا إن متبع الدين الحق يستطيع أن يسمع كلام الله إن لم يكن محجوبا بنفسه في حُجب النفس الأمارة.لذا فإن جعل فرد من الأمة نبيا من هذا النوع علامة محتومة للدين الحق.إذا كان المراد من "النبي" أن تنزل عليه الشريعة، أي أن يأتي بشريعة جديدة، فهذا المعنى لن ينطبق على عيسى الله أيضا لأنه لا يستطيع أن ينسخ الشريعة المحمدية ولا يمكن أن ينزل عليه وحي ينسخ القرآن الكريم.بل إن فكرة عودته توهم وكأن الشريعة الإسلامية سوف تُغيَّر وتُبدَّل نوعا ما بمجيئه.ولو استنبط من كلمة "النبي" أن الله جل شأنه يكلمه ويخاطبه ويكشف عليه بعض الأسرار الغيبية، فأي غضاضة في كون فرد من الأمة نبيا من هذا النوع؟ وخاصة ما دام الله تعالى قد أعطى في القرآن الكريم أملا أكثر من مرة معنى

Page 326

البراهين الأحمدية (۳۰۸) الجزء الخامس بأن فردا من الأمة يمكن أن ينال شرف المكالمة والمخاطبة الإلهية، وأن الله تعالى يخاطب أولياءه ويكلّمهم.بل علّمنا في سورة الفاتحة التي تتلى في الصلوات الخمس يوميا دعاء: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ لنيل هذه النعمة بالذات، فلماذا يُرفض إذًا نوال أحد من الأمة هذه النعمة؟ هل النعمة التي طلبت الله تعالى في سورة الفاتحة والتي أُعطيها الأنبياء تتمثل في من الدراهم والدنانير؟ واضح أن الأنبياء عليهم السلام نالوا نعمة المكالمة والمخاطبة الإلهية التي بسببها بلغت معرفتهم مبلغ حق اليقين، وناب تجلّي الكلام مناب الرؤية.فالدعاء الذي ندعو به أي: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ والذي بسببه نرث نحن أيضا تلك النعمة ماذا عسى أن يكون معناه إلا أن هب لنا يا ربنا شرف المكالمة والمخاطبة؟ هنا يقول بعض من قليلي الفهم إن هذا الدعاء إنما يعني أن اجعل إيماننا قويا ووفقنا للأعمال الصالحة التي ترضاها ولكنهم لا يدرون أن تقوية الإيمان و كسب الأعمال الصالحة والعمل بحسب مرضاة الله كلها أمور تأتي إثر المعرفة الكاملة.والقلب الذي لم ينل نصيبا من معرفة الله محروم من الإيمان القوي والأعمال الصالحة أيضا.إن خشية الله تتولد في القلب نتيجة المعرفة وحدها.وبالمعرفة فقط يهيج الله في القلب.كما يلاحظ في الدنيا أيضا أن خوف كل شيء أو حبّه ينشأ نتيجة المعرفة وحدها.فمثلا إذا كان الأسد واقفا بجنبك في ظلام حالك دون أن تدرك أنه أسد بل تظنه خروفا، فلن تهابه أبدا، ولكن حالما تعرف أنه أسد تفرُّ من المكان عفويا كأنك فقدت صوابك.كذلك إذا كان هناك حجر كريم يبلغ ثمنه مئات الآلاف مُلقى في الفلاة وحسبته مجرد حجر فلن تعيره أدنى اهتمام.ولكن لو عرفت أنه حجر كريم ذو شأن عظيم لصرت في حبه كالمجنون، ولبذلت لنيله جهد المستطيع.فتبين من ذلك أن الحب

Page 327

البراهين الأحمدية (۳۰۹) الجزء الخامس والخوف كله يعتمد على المعرفة وحدها.لن يُقحم الإنسان يده في جُحر يعرف أن فيه حيّةً سامةً، ولا يمكنه أن يهجر مكانا يوقن أن كنزا كبيرا مدفون تحته.الله فلما كان مدار الخوف والحب كله على المعرفة فلا يمكن للإنسان أن يخضع تعالى أيضا بوجه كامل إلا إذا كانت لديه معرفته، ليطلع أولا على وجوده ثم تتبين له صفاته الحسنة وقدراته الكاملة.وهذا النوع من المعرفة لا يتيسر إلا إذا كان المرء حائزا على شرف مكالمة الله ومخاطبته.ثم يوقن حق اليقين بإعلام من الله أنه الا الله عالم الغيب وقادر يفعل ما يشاء.فالنعمة الحقيقية (التي تتوقف عليها قوة الإيمان والأعمال الصالحة) إنما هي مكالمة الله ومخاطبته، والتي بواسطتها يعرف المرء وجوده لل أولا ثم يطلع على قدراته، ثم يرى تلك القدرات بأم عينيه بحسب هذا الاطلاع.هذه النعمة التي أعطيها النبيون عليهم السلام.الله الأمة أن اسألوني هذه النعمة وسأعطيكموها.فالقلب الذي ابتلي ثم أمر هي بالعطش لنيل هذه النعمة سينالها حتما.ولكن الذين ينسون الله فينساهم.إن مكالمة الله و مخاطبته هي وحدها أساس المعرفة ومصدر البركات كلها.فلو أوصد هذا الباب على هذه الأمة لسُدَّت أبواب السعادة كلها في وجهها.ولكن ليس المراد من المكالمات والمخاطبات الإلهية الكلماتُ التي يتردد فيها الملهم نفسه فيما إذا كانت من الشيطان أو من الرحمن.فالكلمات العديمة البركة التي يمكن أن يشارك بها الشيطان أيضا جديرة بأن تُعدّ من الشيطان أصلا، لأن كلمات الله المنيرة والمباركة والحلوة لا يمكن أن تشبه كلمات الشيطان والقلوب التي لا نصيب فيها للشيطان بسبب طهارتها الكاملة، لا حظ له في الوحي النازل عليها أيضا.إن الشيطان يَحِلُّ في قلوب نجسة تحتوي على النجاسة مثل الشيطان إن النفوس الطيبة والطاهرة ينزل عليها كلام الله القدوس، وأما النفوس النجسة فينزل عليها كلام الشيطان النجس.

Page 328

(۳۱۰) الجزء الخامس البراهين الأحمدية فإذا احتار المرء في إلهامه و لم يدر أمن الشيطان هو أم من الله، فإلهام شخص مثله يكون وبالا عليه لأنه قد يعدّ الصالح طالحا بناء على إلهامه الذي قد يكون من الشيطان، أو يمكن أن يعد به الطالح صالحا ويكون ذلك التعليم من الشيطان كليا.ومن الممكن أيضا أن يعمل بأمر تلقاه بواسطة إلهام حاسبا إياه من الله، ولكن الشيطان هو الذي يكون قد أمره بذلك.ويمكن كذلك أن ينبذ أمرا معتبرا إياه حكم الشيطان، ولكنه من عند الله في الحقيقة.من الواضح تماما أنه لا تتسنى للمرء استقامة كاملة للقيام بعمل دون القرار الجازم، أي دون أن يكون قلبه مليئا باليقين أنه أمرٌ من الله في الحقيقة.ولا سيما أن تكون هناك بعض الأمور التي يعترض عليها الشرع في الظاهر كما كان للشرع اعتراض ظاهريا على أعمال "الخضر"، إذ لا تأمر شريعة من شرائع الأنبياء أن يُقتل طفل بريء.فلو لم يكن "الخضر" موقنا بأنه وحي من لما قتله على الإطلاق.ولو لم تكن أم موسى موقنة بأن وحيها من حتما لما ألقت ولدها في اليم قط.الله الله تعالى الله تعالى فأي مفخرة في هذا النوع من الإلهام؟! وأنى للإنسان أن يأمن ضره، إذا حسبه تارة أنه من وظن تارة أخرى أنه من الشيطان؟! إن هذا النوع من الإلهام مصيبة على المرء وعلى إيمانه بل هو بلاء يمكن أن يهلك بسببه في وقت من الأوقات.إن الله تعالى لا يُلقي في براثن الشيطان عباده الذين ينبذون علاقات النفس الأمارة ويكونون له وحده، ويحرقون كل ما سواه في نار حبه.والحق أنه كما أن هناك فرقا واضحا بين النور والظلام، كذلك هناك فرق بين وساوس الشيطان ووحي إن بعض المشايخ المتمسكين بالظاهر يبالغون في الإنكار إلى درجة قولهم إن باب المكالمات الإلهية مسدود بتاتا، وليس من نصيب هذه الأمة الشقية أن الله المقدس.

Page 329

البراهين الأحمدية (۳۱۱) الجزء الخامس تكمل إيمانها بنيلها هذه النعمة ثم توفّق لكسب الأعمال الصالحة بجذب من الإيمان.الجواب على مثل هذه الأفكار أنه إذا كانت هذه الأمة شقية وعَمِهَة وشر الأمم إلى هذا الحد في الحقيقة، فلماذا سماها الله خير الأمم؟ بل الحق أن الذين يكنون مثل هذه الأفكار هم الحمقى والأغبياء أنفسهم، وإلا، فَلِمَ علم الله تعالى هذه الأمة دعاء في سورة الفاتحة؟! وإلى جانب ذلك أراد أيضا أن يعطيها تلك أعطيها النبيون أي المكالمة والمخاطبة الإلهية التي هي مصدر كل النعمة التي نعمة؛ فهل كان تعليم وحقيرة هي أحط من نساء بني إسرائيل أيضا؟! والمعلوم أن أم موسى وأم عيسى عليهما السلام كانتا امرأتين، وما كانتا من النبيين باعتراف معارضينا ولكنهما كانتا محظوظتين بمكالمات الله ومخاطباته اليقينية.أما الآن فإن صار فرد من هذه الأمة كاملا من حيث طهارة النفس كأن يخلق في نفسه قلب إبراهيم، وكان مطيعا الله تعالى إلى الله ذلك الدعاء خديعة محضة؟! أي خير في أمة دنية درجة أن يرمي لباس النفسانية بعيدا ويفنى في حب الله حتى يمحو نفسه تماما، فمع كل هذا التغير الطيب لا يمكنه نوال وحي الله تعالى مثل أم موسى.هل لعاقل أن ينسب إلى الله تعالى هذا البخل ؟! ماذا نقول هنا إلا: لعنة الله على الكاذبين.الحق أن الناس مثلهم قد صاروا ديدان الأرض تماما ولم يبق فيهم من الله شعار الإسلام شيء إلا العمامة واللحية والختان والتفوه ببعض الكلمات باللسان، والصلاة والصوم تقليدًا فقط، فمسخ قلوبهم، وحالت دون عيونهم آلاف الحجب المظلمة.وماتت قلوبهم و لم يبق في أيديهم نموذج حي من الحياة الروحانية، فاضطروا إلى إنكار المكالمات الإلهية.والحق أن هذا 28

Page 330

البراهين الأحمدية (۳۱۲) الجزء الخامس الإنكار يعني إنكار الإسلام في الحقيقة.ولأن القلوب ماتت فلا يشعرون بتردي حالة هم واقعون فيها.إن هؤلاء الجهلة لا يدرون أنه إذا كان الحال على هذا المنوال فما الفرق بين الإسلام والأديان الأخرى؟ إن أصحاب "البرهمو سماج" أيضا يؤمنون بالله واحدا لا شريك له، ولا يعتقدون بالتناسخ، ولا يشركون بالله شيئا، ويؤمنون بيوم الدين وينطقون بشهادة "لا إله إلا الله".فلما كان أصحاب البراهمو سماج يشاركون المسلمين في هذه الأمور فما الفرق بينهم وبين المسلمين، وخاصة إذا كان ارتقاء المسلمين أيضا مقتصرا على هذا الحد.فإذا كان الإسلام لا يهب أية نعمة متميزة -والعياذ بالله ويقتصر دوره على أفكار الإنسان فقط، فلا يمكن أن يُعَدّ من الله تعالى.إذا كان أحد يعتنق اعتقادا يتوافق مع مع معتقدات الإسلام المقدسة ولكنه يزعم النبي ﷺ مفتريا، على غرار البرهمو ،سماج، فماذا يمكن للمسلمين المتمسكين بصدق النبوة أن يقدموا له من علامة متميزة لدينهم خالية من قصص وحكايات بالية، بل تمثل نعمة محسوسة ومشهودة أُعطوها دون غيرهم؟ هي المكالمات والمخاطبات أيها القوم الأشقياء وتعساء الحظ، تلك النعمة الإلهية التي بها تنال علوم الغيب وبها تظهر قدرات الله المؤيدة.وتظهر نصرة الله المصحوبة بخاتم وحي الله ، فيُعرَفون بواسطة ذلك الخاتم، ولا يوجد وجة للتميز سواه، وأنتم تؤمنون بأن الله تعالى يسمع الأدعية.فيا ضعاف الإيمان ويا أيها العمهون، إذا كان الله يسمع، أفلا يستطيع الكلام؟! وإذا كان سمعه لا يحط من شأنه شيئا، فكيف يقلل الكلام مع عباده من عظمته! وإلا فعليكم أن تعتقدوا أنه كما خُتم على إلهام الله منذ فترة من الزمن كذلك ختم على سمعه أيضا منذ الفترة نفسها وأصبح كالصم والبكم، والعياذ

Page 331

البراهين الأحمدية (۳۱۳) الجزء الخامس بالله.هل لعاقل أن يقبل أن الله يسمع في هذا الزمن ولا يتكلم؟! السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : لماذا لا يتكلم؟ هل أصيب لسانه بمرض وبقيت الأذن سليمة؟ ما دام العباد هُمُ هُمُ، والإله هُوَ هُوَ والحاجات لتكميل الإيمان هي هي، بل مست الحاجة إلى الكلام بقدر الحاجة إلى السماع في العصر الراهن نتيجة غلبة الإلحاد على القلوب، فلماذا بقيت صفة السمع على حالها وتعطلت صفة الكلام؟! الأسف كل الأسف أنه قد مضى من القرن الرابع عشر أيضا ٢٢ عاما، وقد طال الزمن على إعلاني بحيث إن الذين كانوا في بداية زمن ادّعائي في بطون أمهاتهم قد شب أولادهم الآن، ولكنكم لم تفهموا إلى الآن أنني صادق، بل تقولون مرارا وتكرارا بأننا لا نؤمن بك لأنه قد جاء في الأحاديث التي عندنا أنه سيأتي ثلاثون دجالاً.أيها الأشقياء، أليس في نصيبكم إلا الدجالين فقط؟! قد دمرتم من كل الجوانب كما تدمر مزرعةً أحد ليلا دواب غيره.لقد ساءت أحوالكم الداخلية كثيرا، وبلغت الهجمات الخارجية أيضا منتهاها.كان المجدد يأتي على رأس كل قرن، ولكن لعل الله نسي ذلك، والعياذ بالله، إذ لم يأت هذه المرة على رأس القرن إلا الدجال بحسب زعمكم.لقد صرتم ترابا ولكن الله تعالى لم يأبه لكم.غرقتم في البدعات ولكنه ل لم يأخذ بيدكم.لقد تلاشت فيكم الروحانية و لم تعد فيكم خصلة من الصدق والصفاء.قولوا صدقا وحقا، أين الروحانية فيكم؟ أين أمارات العلاقة مع الله؟ ليس الدين عندكم إلا حذلقة اللسان والخصومات المبنية على الشر وثوائر التعصب والهجمات مثل العميان.لقد طلع نجم بأمر من الله ولكنكم لم تعرفوه، واخترتم الظلام فترككم الله فيه تعمهون.

Page 332

البراهين الأحمدية (٣١٤) الجزء الخامس فما الفرق في هذه الحالة بينكم وبين الأمم الأخرى؟ هل للأعمى أن يجلس بين العميان ويقول: أنا أحسن منكم حالا؟ أيها القوم الجاهلون، بمن أشبهكم؟ أنتم تماثلون الأشقياء الذين زرع سخي بستانا قرب بيتهم وزرع فيه أشجارا مثمرة من كل نوع، وأجرى فيه قناة ماء زلال، وزرع فيه دوحا وارفة الظلال تستطيع أن تنقذ آلاف الناس من حر الشمس.فاستضاف ذلك السخي قوما كانوا يحترقون في حر الشمس - إذ لم يكن هناك ظلّ ولا ثمرة ولا ماء ليجلسوا في الظل ويأكلوا الثمار ويشربوا الماء، ولكن هؤلاء القوم الأشقياء ردُّوا تلك الضيافة وماتوا بشدة الحر والجوع والعطش.لذا يقول الله تعالى بأنه سيستبدل بهم قومًا آخرين يجلسون في ظل ظليل تحت تلك الأشجار، ويأكلون تلك الثمار ويشربون ذلك الماء الزلال.نعم ما قال الله تعالى في القرآن الكريم كمثال إن ذا القرنين وجد قوما يحترقون في حر الشمس و لم يكن بينهم وبين الشمس ستر، فلم يستعينوا بذي القرنين، فبقوا مبتلين بذلك البلاء.ثم وجد ذو القرنين قوما آخرين استعانوا به للنجاة من العدو، فأُقيم لهم سد فنجوا من إيذاء العدو.فأقول صدقا وحقا بأنني أنا ذو القرنين إذ شهدت قرنين من تقويم كل قوم بحسب نبوءة القرآن الكريم عن المستقبل.والمحترقون في حر الشمس هم أولئك الذين لم يقبلوني من المسلمين.أما الجالسون على عين حمئة وفي الظلام فهم النصارى الذين لم يرفعوا بصرهم إلى الشمس.وأما القوم الذين السد فهم جماعتي.أقول صدقا وحقا بأن دينهم وحدهم سوف أقيم لهم يُنقذ من إيذاء العدو الشرك والإلحاد يلتهم باستمرار كل أساس ضعيف.ولكن هذه الجماعة ستُعَمّر طويلا، ولن يغلبهم الشيطان، ولن يسيطر عليهم

Page 333

البراهين الأحمدية (۳۱٥) الجزء الخامس حزبه.إن حجتهم أكثر حدة من السيف وأنفذ من السهام، وسيظلون غالبين على كل دين إلى يوم القيامة.يا أسفًا على هؤلاء السفهاء الذين لم يعرفوني! كم كانت مظلمة تلك العيون التي لم تر نور الصدق ! لا يمكنهم أن يروني لأن العناد أظلم وأعمى أعينهم على القلوب صدأ وعلى الأعين غشاوة.لو واظبوا على البحث بالإخلاص وطهروا قلوبهم من الضغينة، وصاموا نهارا ونهضوا ليلا ودعوا وبكوا وتضرعوا، لكان من المأمول أن يكشف الله عليهم من أنا.عليهم أن يخافوا استغناء الله.نصيبهم.لما لم يؤمن اليهود بالنبي ﷺ و لم يرتدعوا عن التعنت والضغينة، طبع الله على قلوبهم.ومع أنه كان منهم مئات الفريسيين والكتبة وعلماء التوراة ولكنهم مع ذلك لم يستطيعوا إدراك الحقيقة ولم يكشف الله عليهم الحق بواسطة الرؤيا أو الإلهام فما دامت هذه الأمة أيضا تحذو حذوهم فلا يمكن أن تُفتح أعينهم ولا يستطيعون أن يعرفوني ما لم تكن التقوى الحقيقية في الله تعالى لا يرضى بكلام فارغ باللسان فقط بل ينظر إلى القلوب.كل من أراد أن يُخفي خيانته لا يسعه أن يخفيها عن نظره عل العميق.التقي هو الذي يثبت تقواه بشهادات من الله، لأن المتقى يكون في حضن عطوفته و كطفل حبيب في حضن أمه تنقض عليه الدنيا لتهلكه، ويلدغه كل من هب ودب بحمته السامة ولكن الله ينقذه.كما أن الشمس عندما تطلع تنتشر أشعتها على الأرض، كذلك ترافق تأييدات الله تعالى وأنواع نصرته المتقي بجلاء تام فيعادي ل من عاداه ويكرم أمام أعينهم المتقي الذي يريدون ذلته فلا يضيع ولا يُباد ما لم ينجز مهمته، وإن عداوته كضرب المرء يده على حد السيف البتار.

Page 334

(٣١٦) الجزء الخامس البراهين الأحمدية تری نصر ربّي كيف يأتي ويظهرُ ويسعى إلينا كل من هـو يُصرُ أتعلم مفتريا كمثلي مؤيدا ويقطع ربي كل ما لا ـــل مــا لا يثمـرُ تقولون كذاب وقد لاح صدقنا بآي تجلت ليس فيهـــا تكــدّرُ وهل يستوي ضوءاً نهار وليلة فكيف كذوب والصدوق المطهر ففكر ولا تعجــل علينــا تعصــبًا وإن كنت لا تخشى فكذب وزوّر وكفّر وما التكفير منك ببدعة كمثلك قال السابقون فدمروا وهذا هو الوقت الذي لـك نــافع فتب قبل وقتِ فيه تُدْعَى وتُحضـــرُ وقد كبدت شمس الهُدَى وأمورنــــا أنارت كياقوت وأنـت تُعفّـرُ ولولا ثلاث فيك تغلـــي لجـــتني فمنهن جهل ثم كبر مثوّرُ وآخـــــر أخــــلاق يبيـــــدك ستمهــــا هو الخوف من قوم بحمق تنفـــروا هو الشجرة الطوبى ينور ويُثمـرُ الله لا يخشى الورى ومن فأي كان يخشى عليكم ومن كان بالله المهيمن مؤمنــا على نائبـــات الـدهر لا يتفكـرُ سلام على قوم رأوا نور دوحـي فراق نواظرهم وللقطـف شمــروا أنت يا ابن تصلّف ترى ثمراتي كلها ثم تُقصِرُ سيهديك ربّي بعد غي وشقوة وذلك من وحي أتاني فأخبرُ ونحن علمنا المنتهى مــن ولينـا فقرت به عيني وكنت أُذكِّرُ وَوَالله لَــا أنــــى زمــــان تعلــــق وليس فؤادي مثــل أرض تحجـرُ أرى غيظ نفسي لا ثبـات لغليــه كموج من الرجاف يعلو ويحــــدر إذا أحسن الإنسان بعد إساءة فننسى الإساءة والمحاسن تـذكرُ وإن قلتُ مرا في كلام لطالما رأيتُ أذًى منكم وقلبي مكســرُ 1 من هنا تبدأ القصيدة العربية للمؤلف.(المترجم)

Page 335

البراهين الأحمدية (۳۱۷) الجزء الخامس وما جئتكم إلا من الله ذي العُــــلا وما قلتُ إلا كلما كنتُ أُومـــرُ ايُحيرُ وإن شاء لم أُبعث مقام ابن مريم والله في أقـــــــداره ولا يُسألُ الرحمن عن أمــــر قـضـــــى ويُسأل قوم ضلّ عمّا تخيروا كذلك عادته جرت في قضائه فيختار ما يُعمي عيونا ويأطرُ وما كان لي أن أترك الحق خيفة جواد لنا عند الوغى يتمطّرُ وقالوا إذا ما الحرب طال زمانها لنا الفتح فانظر كيف دقوا وكسروا وما إن رأينا في الميادين فتحهم ومن غره حول رأيناه يُدبر رأينا عناية حبنـــا عنــد أثـرة وكل صديق في الشدائد يُخبرُ أرى النفس لا تدري لغوبا بسبله وما أن أرَاهَا عند خوف تأخّرُ وإني نسيت الهم والغم والبلا إذا جاءني نصــر ووحـي يُبشــر وإنا بفضل الله نطــوي شــعابنا على هاجراتِ مثل ريح تُصرصِرُ لهــــن قـــــوائـم كالجبــــال كأنهــــا سفائن في بحر المعارف تمخرُ تدلّت علينا الشمس شمس المعارف فكنا بضوء الشمس نمشي وننظر رأينا مرادات تعسر نيلها ترجز غيث بعد مُكث يحذِّرُ على هذه نيف وعشرين حجة إذا اختارني ربي فكنت أُبشـــر فقال سيأتيك الأناس ونصرتي ومن كل فج يأتين وتُنصرُ فتلك الوفود النازلون بدارنا هو الوعد من ربّي وإن شئت فاذكر وإن كنت في ريب ولا تؤمنَن بـهِ وتحسب كذبًا ما أقول وأسطر فإِنَّا كتبنـــا في البراهين كلـــه أمورًا عليها كُنتَ من قبل تعثر فلا تتبــع أهــو مُبِيدةٍ ولا تختر الزوراء عمدًا فتخسر أتعلم هيْنًا عَشْرَة الله ذِي العُلـ وإنَّ حسام الله بالمس يبتــــرُ وَإنْ كنت أزمعتَ النّضال تهوّرًا فنأتي كما يأتي لصيد غضنفر

Page 336

البراهين الأحمدية (۳۱۸) الجزء الخامس لنا أثرةٌ في الله مَـــورٌ مُعبّد إذا مـــا أُمرنـــا منـــه لا نتـــأخرُ أنترك قول الله خوفًا مـــن الـــورى أنخشى لثام الحي.جبنًا ونحذرُ يرى الله باديهم وتحت أديمهم ولو من عيون الخلق يُخفَى ويُستر فلا تذهبن عيناك نحو عمائم ومــــــا تحتها إلا رؤوس تُزوّرُ أتطلب دنياهم وتبلى رياضها وتنسى رياضاً ليس فيها تغيّـ وأنت تظنّ بي الظنون تغيظًا وإني بريء مــــن أمــــور : تصــــور نزلت بحر الدار دار مهيمن وتـــالله إنك لا تراني وتهــذرُ أنا الليث لا أخشى الحمير وصوتهم وكيف وهم صيدي وللصيد أزأرُ أتذعرني بالفانيـات جهالةً وإنّ أذى الدنيا يمر ويَطْمـرُ ولسنا على الأعقاب موت يردنا ولو في سبيل الله نُـدمى وتنحـرُ تنگر وجه الجاهلين تغيظًا إذا أعثروا من موت عيسى وأخبروا وقالوا كذوب كافر يتبــع الهــوى وحثوا على قتلى عوامـا وعيروا فضاقت علينا الأرض من شر حزبهم ولولا يـد المــولى لكنـــا تتبَّـرُ فلم يُغن عنهم مكرهم حين أشرقت شموس عنايـــات القـدير فــأدبروا رجعنا وقد رُدّت إليهم رمــاحهم قضى الأمر حِبُّ لا يُبَاريه مُنكَرُ من الضغن والشحناء يهذون كلّهم وأمري مبين واضح لـو تفكروا وأصل التنازع والتخالف بيننــــا رحيم قليلٌ ثُمّ باللغو يُكثرُ أصل التنازع في عيسى ال ، أعني في أنه هل هو حي أو ميت، فذلك أمر واضح لقوم يتفكرون.قال الله تعالى ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ، فقدم التوفي على الرفع كما أنتم تقرأون فهذا حكم الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.ولا ينبغي لأحد أن يحرف كلم الله عن مواضعها، وقد لعن الله المحرفين كما أنتم تعلمون ثم الشاهد الثاني قوله تعالى (فَلَمَّا تَوَفَّيتني فطوبى لقوم يتدبرون.ثم الشاهد الثالث من

Page 337

البراهين الأحمدية (۳۱۹) الجزء الخامس جنحنا لسلم شائقين لسلمهم وجئنا بمـــرانٍ إذا مــا تشــذروا أرى الله آيات ولكن نفوسهم نفوس معوجة كنار تُسعرُ ولسنا نحب تضاغنا عنــــد سلمهم ومـــــــــن هـر نــا فنعافه بجزائـ وكان عدوي بعضهم في مسـ ومَنْ جاءنا سلما فإِنَّا نُوقِرُ ومن جاءنا سلما فبالسلم نَحْضــرُ فأضحوا بإيمان ورشد وأبصروا وقد زادني في العلم والحلم جهلهم وسكنتُ نفسي عند غيظ يُكرّرُ وأعجبني غيظ العدا وجنونهم أراهم كقوم من غبـوق تخمـــروا تبصر عدوّي! هل ترى من مزوّر يؤيده ربّي كمثلي ويب ، وينصـــرُ تبصر وإن العمـر لـيس بـدائم كلانا وإن طال الزمان سيندر فما لك لا تخشى الحسيب ونـــاره وما لك تختار الجحيم وتُؤثر أتجعل تكفيري لكفرك موجب ولا تتقي يوما إلى القبر يَهْصِرُ إذا بغت في الدنيا من العيش بـاردا فما لك لا تبغي المعاد وتَنْتَرُ فإن كنت جوعان الهدى فتحرنـــا ألا إننا نقري الضيوف وننحـرُ إذا أشرقت شمس الهدى وضياؤها تجلّى فليس الفخر أن صرت تُبصر ولو كان خوف الله مثقال ذرة لوافيتني والسيل بالصـــدق تعـــبرُ بلَمَّاعَةٍ قفر رضيت جهالة وتسعى لفانية وفي الدين تُقصِرُ أثرت غبارا للأنـــاس ليحسبوا مضلاً وجودي للورى وليكفروا فأَلْهَمَ لي ربي قلوبــــا ليرجعــــــوا إلي فصرنا مرجع الخلــــق فــــانظر كبيت إذا طاف الملبون حولــه أزار ولي تؤذى النفوس وتُنْحَرُ تريدون توهيني وربي يُعزّني تريدون تحقيري وربي يُوقرُ القرآن قوله تعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ بأي حديث بعده تؤمنون.ولقد رأى عيسى نبينا ليلة المعراج في الأموات ثم أنتم تكفرون.منه.

Page 338

البراهين الأحمدية (۳۲۰) الجزء الخامس أتبغي بمكــرك ذلــتي وهلاكــتي فذلك قصد لست فيه مظفّرُ فدع أيها المجنون جهدا مضيعا كمثلي نخيل باسق لا يُبعكَـرُ أتكفر بالله الجليل وقدره أتحسب كالشيطان أنك أقدرُ تسب وما أدري على ما تسبني أتطلب ثأرا ثأر جدٌ مُدمّرُ تراني بفضل الله مرجع عالمٍ وهل عند قفر مــن حمــام يُهـدّرُ ولا يستوي عبد شقي ومقبل لحاك الحسيب ترى القبول وتنكـرُ وأنت الذي قلبت كل جريمة عليَّ كاني شرّ ناس وأفجرُ فما لك لا تخشى الحسيب وقهـره وأيـــن تقـــاة تـــدعـي يـــا مـــوّرُ وإنّك إن عاديتني لا تضرني وإن صرْتَ ذئبا أو بغيظ تنمّرُ وما الدهر إلا تارتان فمنهما لك التارة الأولى بأخرى نؤزّرُ وما النفس يا مسكين إلـا وديعـــة ولا بد يومًا أن تُردّ وتُحضرُ أتبغي الحياة ولا تريــد ثمارهـا وما هي إلا لعنة لـو تفكـرُ أغرتك دنياك الدنية زينة حذار من الموت الذي هو يبدرُ تريد هواني كل يوم وليلة وتبغي لوجه مُشرِقِ لَوْ يُعَبِّرُ وإنا وأنتم لا نغيــب مـــن الــذي يرى كل ما ننوي وما نتصوّر وما المرء إلا كالحباب وجـــــوده فإن شئتَ نَمْ فالموت كالصبح يُسفر لدى النخل والرمان تنقف حنظلا فأي غبي منك في الدهر أكبرُ وأين ضياء الصدق إن كنت صادقًا وكل صدوق بالعلامات يظهرُ أتؤذي عباد الله يا عابد الهوَى ولا تتقي ربا عليمًا وتحسر أولئك قومٌ قد تولّى أمورهم قدير يواليهم ويهــدي وينصــرُ وتالله للأيام دورٌ ونوبة فجئنا بأيــــام الــــدى ونُذكرُ ترى بدعات الغي والنقع ساطعا وما أنا إلا غيـــث فـضـــل فـــأمطُرُ

Page 339

البراهين الأحمدية (۳۲۱) الجزء الخامس ولستُ بفـــظ كـــاهـر غــــر آنــــي إذا استنفر الأعداء بالكهر أَنفِرُ رأينا الأعاصير الشديدة والأذى وصرنا كوحش عند قـــومٍ قومٍ يُكفّ وما نحذر الأمر الذي هـو واقـع من کفی الله علما بالعباد وسرهم الله مولانا ولو كان خنجـرُ فلا تقف ظنا لست فيه تبصرُ وما كنت في إيذاء نفسي مقصرًا تمنيت عند جــدارنـا لـو تسوّر ووالله إن أُجعل عليك مسلطاً فإنّ يدي عمّا يجازيك تُقصِرُ ووالله لي في باطن القلب مُضمَرٌ سريرة إشفاق ولو أنت تُنكِرُ أبهـرُ أتتني أمور منك قد شــق وقعهـا على ولا كالسيف بل هــي وما كان لي أن أترك الحق خيفة أنا المنذر المنذر العريـــــان الله أُنذر وإن كنت تزرينا فنبغي لك الهــــدى صبرنا وإن تُغري العدا أو تُهتّرُ وإن كنت مني تشتكي في مقالة فما هو إلا دون إلا دون سيف تُشهِّرُ فلا تجزعن من كلمة قلت ضعفها وإنك للإيذاء بالسوء تجهــرُ أضيف إلينا من عمايــات قومنــا فساد وكفــــر وافـتـــراء مجعــــرُ كانا جعلنــا عــادة كل ليلــة ترقع ثوب الإفت الإفتـــــراء وتنشــــرُ صبرنا على إيذائهم وعُوائهم وكل خفي في العواقب يظهرُ عجبتُ لأعدائي يصولون كلـهـم ولو كان جاهل أو مزوّر منهم وهل يصقل الإيمان أو يكشف العمى أقاويل قوم ليس يفرون مني والظنون تعفنــت وما إن أرى أهل النهى يستنفر وأوذيتُ مِن عُمي ولكن كمثلهم تعامى عنادًا من رأيناه ينظرُ ترى الأرض والأموال مبلغ هَمِّهـ وزرعا ودين الله نبت مُشَرشَرْ وتدري اليهود وما رأوا في مــآلهـم كذلك فيهم سنّةٌ لا تغيّرُ أرى كل يوم في الفجور زيادةً يقل صلاح الناس والفســـــق يكثـــر تطهر

Page 340

البراهين الأحمدية أرَى (۳۲۲) الجزء الخامس لهــــم مستأنســـــين بظلمــــة وفسق وعن دار العفاف تقتــروا شعرتُ لهم لمّا رأيت مزيةً لهم في ضلال واعتساف تخيروا يريدون أن أُعفى وأفـى وأبتر وما هو إلا.إِلا هَر كلب فيهطـرُ ومن كان نجما كيف يخفى بريقه ومن صار بدراً لا محالة يبهر وإنّي دعوتهم ببرهـــــان قـــــوي دعـــــو وإني من الرحمن حكم مُغَدِّمِرُ وقد جئتُ في بدر المئين ليعلمــوا كمالي ونوري ثم هم لم يَبصُرُوا ألا ليت شعري هل رأوا من تجسّس من الكذب في أمري فكيف تصوّروا وإن الوَرَى من كل فج يجيئني ويسعى إلينا كل من كان يُبصــر وكم من عباد آثــروني بصدقهم على النفس حتى خُوّفوا ثم دُمّروا ومن حزبنا "عبد اللطيف" فإنّـه أرى نور صدق منه خلق تمكّروا إن "عبد اللطيف" المذكور في البيت اسمه الصاحبزاده المولوي عبد اللطيف، وينادونه في بلاد "كابول" باسم الأمير المولوي عبد اللطيف أيضا.كان زعيم عائلة كبيرة وذا علم وفضل وكمال.كان له نحو خمسين ألف تابع وتلميذ ومريد وبواسطته بذر بذر علم الحديث ونُشر في تلك البلاد على نطاق واسع.ومع حيازته على هذا القدر الكبير من العلم والفضل والكمال الذي بسببه عُدّ عديم النظير في تلك البلاد كان بطبيعته يتحلّى بالتواضع والمسكنة وكأن قوة العُجب والكبر لم تنشأ فيه قط.الحق أن وجود شخص عفيف ومتواضع وصادق مثله في أرض كابول المعروفة بقسوة القلب والجفوة والكبر والنخوة- أمر خارق للعادة.فجاءت به سعادته الأزلية إلى قاديان على أجنحة الحب والشوق ولما كان يحظى بحظ كامل من الضمير المتقد والتواضع والفراسة الصادقة، وقد وُهب بسطة في علم الحديث والقرآن الكريم وكان قد رأى أيضا رؤى صالحة عديدة بشأني؛ فقبلني فور رؤية وجهي وآمن بكمال الانشراح بكوني المسيح الموعود وبايع على شرط التضحية بالنفس.وصار بجلسة واحدة وكأنه مكث في صحبتي منذ سنين عديدة.وليس ذلك فحسب بل توالت عليه سلسلة الإلهام الإلهي وبدأت الوقائع الصحيحة تكشف له، وغسل قلبه من غير الله

Page 341

(۳۲۳) الجزء الخامس البراهين الأحمدية الله عنا دائما ذلك الفتى قضى نحبه الله فاذكر وفكر جزی عباد يكون كميسرات وجودهم إذا ما أتوا فالغيث يأتي ويمطـرُ أتعلم أبــــدالاً ســـــواهـم فـــإنهم رموا بالحجارة فاستقاموا وأجمروا تجلّى عليهم ربهم رب مــا بــدا ففروا إلى النور القديم وأبــدروا تَرَاهُمْ تفيض دموعهم من صبابة وفي القلب نيران ورأس مُغبّرُ أنارت بنور الإتقاء وجوههم فتعرفهم رفهم عينـــاك لـولا التكـــدرُ يميلون قلب الخلق نحو نفوسهم بناظرة تصبو إليهـا الخواطر الله كأن حياة القــوم تحــت حياتهم بهم زرع دين يبدو ويَجــــدرُ وإن كنت تبغي زورهم زُر بخلـــة وجوه من الأغيار تُخفى وتُستر تماما.ثم غادر من هنا إلى وطنه عامرا بمعرفة الله ومفعما بحبه تعالى.وعند وصوله بيته وشي به عند حاكم كابول أنه ذهب إلى قاديان وعاد منها مبايعا، والآن يعتقد أن المسيح الموعود والمهدي المعهود الذي كان قادما هو مر شده.فعلى إثر الوشاية أسر بعذر مصلحة الدولة، وصُفّدت قدماه بسلسلة ثقيلة الوزن، وأفتى علماء كابول أن قتله واجب إن لم يتراجع.عُقدت المناظرة بينه وبين علماء كابول وأفحم العلماء في كل شيء.ثم أثير عذر بأنه ينكر الجهاد.هذا الاعتراض كان صحيحا لأن تعليمي هو أن الزمن الراهن ليس وقت استخدام السيف بل يجب الجهاد في هذا الزمن بالخطابات القوية والأدلة الساطعة والحجج الباهرة والأدعية.فأُدين المولوي المحترم في نهاية المطاف بناء على هذا الاعتراض.ناشده حاكم كابول مرات عديدة بأنه ما عليك إلا أن تسحب بيعة هذا الشخص الذي يدعي أنه هو المسيح الموعود ويعارض مسألة الجهاد بالسيف وأنت بريء بل ستكرم وتعظم أكثر.ولكن المولوي المحترم لم يقبل ذلك وقال بأنني آثرتُ اليوم الإيمان على حياتي، وأعلم يقينا أن الذي بايعته صادق ولا مثيل له على وجه الأرض.وحين يئس الحاكم من تراجعه رجم المولوي المحترم دون رحمة.يقول شهود عيان بأن قبره لا يزال يفوح برائحة المسك.رحمه الله وأدخله في جنانه.حين قُبض عليه قيل له أن يلتقي بأولاده وزوجته، فقال لا حاجة لي بذلك.وقد نُشر عنه كتيب منفصل يتناول وقائعه.رضي الله عنه.منه.

Page 342

البراهين الأحمدية (٣٢٤) الجزء الخامس كذلك طلعت شمسنا في ستارة فقلتُ امكثي حتى أُنيرَ وأَبهررُ ولسنا بمستور على عين طالـ يرانا الذي يأتي ويرنو وينظـرُ ولا جبر إن تكفر وإن كنت مؤمنًا فحسبك ما قال الكتاب المطهر ووالله لا أنســــى همومــــــا لقيتُهــــا بتكفير قومي حين آذوا وكفــــروا على صادق فأس من الظلم والأذى فكيف كذوب من يد الله يستر على موت عيسى صار قومي كحيّة وكم من سموم أخرجوها وأظهروا تُوُفِّي.عيسى ثم بعد وفاته عرا الموتُ عقل جماعة ما تفكروا ولو أن إنسانًا يطير إلى السما لكان رسول الله أولى وأجدرُ أتترك قول الله قــولا مصــرحًا وإن كتـــاب الله أهـــــدى وأنـــــورُ فدع ذكر أخبار تخالف قولــــه وأي حديث بعـ ـده يُستَأْثَرُ ودع عنك كبرا مهلكًا واتق الرَّدَى وإن تقاة المــر: تُثمرُ أتصبح كالخفاش أعمى وما تَرَى وأما لدى الليل البهيم فتبصر إذا ما وجدت الحق بعد ضلالة فما البر إلا ترك ما كنت تؤثر سو ولا تبغ حرزات النفوس وهتكهم وهل أنت إلا دودةٌ يا مزوّر ولو أن قومي آنســوني لأَفْلَحُـوا مِنَ الذل في الدنيا وفي الدين عُزروا ولكن قلوب باليهود تشابهت وهذا هو النبأ الذي جاء فاذكروا فصرتُ لهم عيسى إذا مــا تمــودوا وهذا كفى منـــي لقـــوم تفكــــروا وقد تمّ وَعْدُ نبينــا في حديثــه إذا جاءهم منهم إمام يُذكِّرُ أباروا عوام الناس من ســم منطــق وجاءوا بهتان علينا وزَوّروا يقولون ما لا يفعلون خيانــة يخالف في الحالاتِ بيت ومنبر ألا رُبَّة ـوَّال يُسرك قولـــــــه ولو تنظرنّ الوجه ســاءك منظر ترى العين ما هو ظاهر غير كاتم وما تنظر العينان ما هو يُستر

Page 343

البراهين الأحمدية (۳۲۰) الجزء الخامس لهم وفيهم وإن قيل اهتدينا غواية وكبر به ينمو الضلال ويثمر أناس أضاعوا دينهم من رعونة وأهواء دنياهم على الدين آثــــروا تألم قلبي من أعاصير جهلـهـم ففي الصدر حُزَازُ وفي القلب خنجر سَلَف قد أخطأوا في بيانهم فهم آثروا آثارهم وتخيروا هممنـــا بخــير ثم ذقنـــا جفـــاءهم وجئنا بعدل ثم للظلم شَمّروا وجدنا الأفاعي المبيــدة دونهم ولا مثلهم شر العقــارب تـأبر مذلة بأعينهم بل منـــه أدنى وأحقــرُ = وما نحن إلا كالفتيـــل فنشكو إلى الله القدير تضرعًا ومَن مثله عنــــد المـصـــائب ينصــــرُ رمى كل من عادى إلى سهامه فأصبحت أمشي كالوحيد وأُكْفَرُ حسين دفاه القوم في دشت كربلا وكلمني ظلما حُسين آخرُ أيا راشقي قد كنت تمدح منطقي وتُثني.بألفة وتوقرُ ولله درك حين قرظت مخلصا كتابي وصرت لكل ضالّ مُخفّرُ وأنت الذي قد قال في تقريظــه كمثل المؤلف ليس فينــا غضنفر عرفت مقامي ثم أنكرت مُدبرًا فما الجهل بعد العلم إن كنت تشعرُ كمثلك مع علم بحالي وفطنة عجبتُ له يبغي الهدى ثم يأطرا قطعت ودادًا قد غرشناه في الصبا وليس فؤادي في الوداد يُقصِّرُ على غير شيء قلت ما قلت عُجلةٌ ووالله إني صادق لا أزور." الله، لقد أقر الشيخ أبو سعيد محمد حسين في مجلته "إشاعة السنة" عني بأني فريد في العصر الراهن في تأييد الدين وفداء في سبيل دين الإسلام وبطل شجاع لا نظير له في سبيل أقر أيضا عن نفسه أنه لا يعرف أحد عن أحوالي الكامنة أكثر منه.

Page 344

البراهين الأحمدية (٣٢٦) إزالة بعض الشبهات للشيخ سيد محمد عبد الواحد المحترم الجزء الخامس من حالة قوله: بقيت في الآية الكريمة: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ شبهة أنه إذا استمد مَا صَلَبُوهُ ) معنى أن اليهود ما قتلوا عيسى اللي على الصليب ففي هذا التقدير سيصبح لفظ مَا قَتَلُوهُ الذي يسبقه عبثا محضا.وإذا قيل بأن لفظ مَا قَتَلُوهُ قد أضيف ليدل على أن ساقيه لم تُكسرا بنية القتل، ففي حالة التسليم بهذا التقدير أيضا كان يجب أن يرد لفظ: (مَا قَتَلُوهُ بعد: مَا صَلَبُوهُ لأن السيقان تُكسَر بعد الإنزال عن الصليب.فما وجه تقديم: ما قَتَلُوهُ على مَا صَلَبُوه؟ أرجو التوضيح.أقول: اعلم أن آيات القرآن الكريم التي تتناول الأمور المذكورة آنفا هي: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتَّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)) (النساء: ۱۵۹-۱۵۸) أي أن الذين يختلفون في شأن عيسى - إذ يقول النصارى بأنه رفع إلى السماء حيًّا، ويقول اليهود بأنهم قتلوه كلاهما في شك من أمره ولا يدرون الحقيقة وليسوا حائزين على علم صحيح بل يتبعون الظن فحسب.أي منه.هذا الشيخ معلّم في المدرسة وقاض في مدينة "برهمن برهيه" محافظة تباره، إقليم البنغال.

Page 345

البراهين الأحمدية (۳۲۷) الجزء الخامس أن عيسى لم يصعد إلى السماء كما يزعم المسيحيون، و لم يُقتل على يد اليهود كما يزعم اليهود، بل الصحيح هو قول ثالث وهو أنه نجا من الموت وهاجر إلى بلد آخر.وليس اليهود على يقين كامل أنهم ،قتلوه بل رفعه الله إليه وهو عزيز حكيم.فالمعلوم أنه قد ورد على رأس هذه الآيات قول على لسان اليهود: (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، وكان ضروريا أن يُفنَّد أولا قول أورده الله على لسان اليهود، لذلك قدّم الله تعالى لفظ "قتلوا" على "صلبوا"، لأن ادعاء اليهود المذكور هنا هو : إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ.ثم ليكن معلوما أيضا أن لليهود مذهبين اثنين منذ القدم فيما يتعلق بطريقة قتل عيسى ال.تقول فرقة بأنه قتل بالسيف أولا ثم علّقت جثته على الصليب أو الشجرة عبرة للآخرين.وتقول الفرقة الثانية بأنه عُلّق على الصليب ثم قتل بعد التعليق على الصليب وهاتان الفرقتان كانتا موجودتين في زمن النبي ﷺ ولا تزالان موجودتين إلى الآن.ولما كان اليهود مختلفين فيما بينهم في طريقة القتل إذ كان بعضهم يرون أنه قتل أولا ثم عُلّق على الصليب، وكان بعضهم يرون أن الصلب سبق القتل فأراد الله أن يفند كلتا الفرقتين.فلأن الفرقة التي كانت السبب وراء نزول هذه الآية كانت تعتقد بالقتل قبل الصلب، لذا قد دحضت عقيدتهم أولا ثم فندت فكرة الصلب.من المؤسف حقا أن هذه الشبهات تنشأ في القلوب لأن معظم المسلمين ليسوا مطلعين اطلاعا شاملا على فرق اليهود ومعتقداتهم، وليس لديهم إلمام لقد أراد اليهود من قولهم بأننا قتلنا عيسى أنه لم يُرفع إلى الله كما يُرفع المؤمنون لأنه قد ورد في التوراة أن النبي الكاذب يُقتل.فردّ الله عليهم أن عيسى لم يُقتل بل رفع إلى الله تعالى كما يُرفع المؤمنون.منه.

Page 346

البراهين الأحمدية (۳۲۸) الجزء الخامس كاف بمعتقدات المسيحيين، لذا أرى من المناسب أن أذكر هنا اعتقاد إحدى فرق اليهود في قتل المسيح ال من خلال كتابهم القديم الذي قبل ۱۹۰۰ عام تقريبا وهو في حوزتي الآن.اسم الكتاب هو: "توليدوت يشوع" وهو ألفه كتاب عبري قديم بعض من علماء اليهود.فقد ورد في الصفحة ٣١ من هذا الكتاب ما تعريبه "ثم أخذوا (أي اليهود يسوع خارجا إلى ساحة العقوبة، وقتلوه رجما.ولما مات علقوه على الخشبة لتأكل الطيور جثته ليهانَ الميت هكذا".ويؤيد هذا القول ما ورد في الإنجيل أيضا، حيث جاء فيه: يَسُوعَ الَّذِي أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ.(انظروا: أَعْمَالُ الرُّسُلِ ٥: ٢٣٠.1 The God of our fathers raised up Jesus, whom Ye slew and hanged on tree.Acts 5:30 (The Holy Bible, Kings James Version American Bible Society New York.الترجمة في النسخة العربية محرفة، بينما ما ورد في نُسخ إنجيل الملك بالإنجليزية ما جيمس يترجم حرفيا بـ : "الذي قتلتموه ثم علقتموه على شجرة!".فالتحريف كان في أن النص يذكر بوضوح القتل ثم التعليق ،أولا وأن التعليق لم يكن على الصليب المعهود بل على أن غالبية النسخ الإنجليزية قد ذكرت التعليق على الصليب تحريفا عن النص الأصلي، و لم تذكر الشجرة، إلا أنه قد ورد في بعض النسخ التعليق على الشجرة ولكن التلاعب بالنص ليكون قد مات بسبب الصلب لا قبله.(الناشر) شجرة.ومع مع إن علماء اليهود الذين لا يزالون موجودين ومنهم من يسكنون في مومباي وكالكوتا يضحكون ويسخرون كثيرا من قول المسيحيين بأن عيسى العليا صعد إلى السماء، ويقولون: ما أغبى هؤلاء القوم الذين لم يفهموا حقيقة الأمر! لأن اليهود القدامى كانوا يدعون أن الذي يُصلب يكون ملحدا فلا تُرفع روحه إلى السماء.ولدحض هذا الادعاء اختلق المسيحيون عقيدة أن عيسى ال صعد إلى السماء بالجسد حتى يزيلوا عنه وصمةً كان ممكنا أن تلصق به نتيجة كونه مصلوبا ولكن صدرت منهم غباوة شديدة في هذه المكيدة لأن اليهود لا يعتقدون بأن الذي لا يصعد إلى السماء بجسده يكون ملحدا وكافرا ولا ينال النجاة، لأن الع أيضا لم يصعد إلى السماء مع الجسد بحسب اعتقاد موسی

Page 347

البراهين الأحمدية (۳۲۹) الجزء الخامس هو إلى الله.اليهود.بل كانت حجة اليهود أن الذي يعلق على الصليب لا تُرفع روحه إلى السماء بحسب حكم التوراة، لأن الصليب أداة لقتل المجرمين.والله تعالى أسمى من أن يهلك على الصليب شخصا مطهرا وصادقا.فقد سُجِّل في التوراة حكم أن الذي يُقتل على الصليب ليس مؤمنا ولا تُرفع روحه إلى الله تعالى، بمعنى أنه لا يُرفع إلى الله.ولأن المسيح مات على الصليب فثبت بحسب قول اليهود أنه ما كان مؤمنا و لم تُرفع روحه إلى الله، والعياذ بالله.إذا، فإن القول بإزاء ذلك بأن المسيح صعد إلى السماء بالجسد حمق محض، وبهذا الجواب السخيف يبقى اعتراض اليهود قائما على حاله لأن اعتراضهم يتعلق بالرفع الروحاني الذي يكون إلى الله تعالى، وليس على رفع الجسد الذي يكون إلى السماء.والقرآن الذي حاكم بين اليهود والنصارى قال في حُكمه: بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ والمعلوم أن ما يُرفع هو الروح وليس الجسد.لم يقل الله تعالى : بل رفعه الله إلى السماء.بل قال: بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ.فكان واجبا على الله في هذا المقام أن يفنّد اعتراض اليهود الذي يكمن في إنكارهم الرفع الروحاني وليزيل خطأ النصارى أيضا.(فإذا ظَنَّ أحد أن الآية: (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ تقتصر على بيان أن عيسى ال قد رفع إلى السماء الثانية أو الرابعة بالجسد المادي، فليخبرنا في أية آيات رُدَّ على اعتراض اليهود الذين يقولون بأن عيسى لم يُرفع إلى الله رفعا روحانيا مثل المؤمنين؟ إنها لإساءة إلى القرآن الكريم، والعياذ بالله أن يعترض اليهود بشيء ويُرَدّ عليهم بشيء آخر تماما، وكأن الله تعالى لم يفهم ما طلبه اليهود.لم يطلب اليهود من عيسى المعجزة الخصوصية في هذا الصدد، بل كان اعتراضهم أنه لم يُرفع مثل المؤمنين.فكان من المفروض أن يُردَّ عليهم بالقول بأنه قد رفع إلى الله تعالى فعلا.فإذا كانت الآية المذكورة آنفا لا تعني هذا بل تعني وصوله إلى السماء بالجسد، فهذا ليس ردا على اعتراض اليهود وإن الزعم بأن القرآن الكريم يردّ على سؤال بجواب لا علاقة له بالسؤال مطلقا، هذا الزعم يوصل صاحبه إلى الكفر.فلما كان دور القرآن الكريم أن يفنّد تهم اليهود التي ألصقوها بعيسى العلية لا ، ومن جملة تلك التهم كانوا ينكرون رفعه الروحاني وبذلك كانوا يكفّرونه، والعياذ بالله، فكان من واجب القرآن الكريم أن يبرئ ساحته من هذه التهمة.فلو لم يبرئ القرآن العلية لا من هذه التهمة من خلال هذه الآيات، لوجب أن تُقدَّم منه آيات أخرى تبرئه منها.منه) فقد أورد الله تعالى كلمة جامعة وشاملة وأثبت بها خطأ كلا الفريقين.فإن قوله تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ لا يُثبت فقط بأن المسيح رفع إلى الله تعالى رفعا روحانيا وأنه مؤمن، عیسی أهم

Page 348

البراهين الأحمدية (۳۳۰) الجزء الخامس يتبين من عبارة الإنجيل هذه أنه قتل أولا ثم عُلّق على الخشبة.وجدير بالذكر أن القسس قد غيّروا كعادتهم هذه الجملة في ترجمة الأناجيل الأردية، أما في النسخ الإنجليزية فما زالت العبارة كما نقلناها.على أية حال من الثابت المتحقق أن في اليهود مذهبين حول قتل عيسى ال أحدهما يقول بأنه قتل أولا ثم عُلّق على الصليب.فكان دحضه أيضا ضروريا، وقد ذكر أصحاب هذه الفكرة في الآية الأولى أي: ﴿إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ.فلما كان هناك ادعاء أننا قتلنا عيسى، فكان لا بد من تفنيد هذا الادعاء أولا.ولكن لإكمال هذا التفنيد دحض الله معتقد الفرقة الثانية أيضا أن * بل يثبت أيضا أنه لم يُرفع إلى السماء، لأن الله تعالى منزه عن التجسم والجهات والحاجة إلى المكان؛ لذا فالرفع إليه يدل بجلاء على أن ذلك الرفع لم يكن ماديا، بل رفعت روح الله إلى الله تعالى كما تُرفع أرواح المؤمنين جميعا.يعرف كل ذي علم أنه ثابت من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أن المؤمن حين يموت تُرفع روحه إلى الله تعالى كما يقول تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةٌ * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي (الفجر: (۲۸-۳۱) وكان اليهود يعتنقون الاعتقاد نفسه، أي روح المؤمن تُرفع إلى الله تعالى، وأن الملحد والكافر لا يُرفع إليه ، وكانوا يعدون عيسى الكافرا وملحدا، والعياذ بالله وبأنه افترى على الله وأنه ليس نبيا صادقا.ولو كان صادقا لعاد النبي إلياس إلى الدنيا قبله، لذا كانوا ولا يزالون يعتقدون أن روحه لم ترفع إلى الله تعالى كالمؤمنين بل رُفعت إلى الشيطان والعياذ بالله.ولكن الله تعالى كذب اليهود في القرآن الكريم وكذلك عد المسيحيين أيضا كاذبين لقد افترى اليهود على عيسى الا افتراءات كبيرة.فقد ورد في التلمود- وهو كتاب الأحاديث عند اليهود- بأنه حين دفنت جثة يسوع أخرجها من القبر بستاني اسمه يهوذا الاسخريوطي ووضعها في مكان كسة للماء.وحين وجد تلاميذ يسوع القبر فارغا صرخوا أنه صعد إلى السماء بجسده المادي.عندها أظهرت الجثة للعيان على الملأ على مرأى من الملكة "هيلينا" وندم تلاميذ يسوع بشدة.(لعنة الله على الكاذبين) (انظروا الموسوعة اليهودية، المجلد ۷، الصفحة ١٧٢).منه.

Page 349

البراهين الأحمدية (۳۳۱) الجزء الخامس الذين قالوا بأنهم صلبوه أولا.فلدحض هذه الفكرة قال تعالى: مَا صَلَبُوهُ.ثم قال ل بعد ذلك: وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتَّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا.أي لم يُقتل عيسى و لم يُصلب بل شبهت الحقيقة عليهم واليهود والنصارى الذين كانوا يختلفون في قتل المسيح أو رفعه الروحاني هم في شك فقط وليس لدى أحدهم علم حقيقي بل هم في الظنون والشكوك، ولا يعلمون يقينا هل قتل عيسى في الحقيقة.لهذا السبب تعتقد بعض فرق المسيحيين أن المجيء الثاني للمسيح سيكون بصورة بروزية على غرار النبي إلياس، أي أن الاعتقاد القائل بوجود عيسى حيا في السماء باطل تماما، بل الحق أنه قد مات.أما الوعد بعودته في الزمن الأخير فالمراد منه مجيء شخص آخر بصفات المسيح عيسى وخُلقه، وليس أن يأتي عيسى بنفسه.فقد جاء في كتاب New life of Jesus المجلد الأول، الصفحة ٤١٠، للمؤلف "دي.ايس.ستراس" عبارة نقلتها من قبل في الصفحة ١٢٧ من كتابي "التحفة الغولروية وأكتفي هنا بترجمتها وهي كما يلي: "إِن دُقت المسامير في اليدين والقدمين عند الصلب، فلا تخرج من جسد المصلوب إلا كمية قليلة من الدم.لذا يموت الناس على الصليب ببطء نتيجة الإصابة بالتشنج بسبب وقوع الضغط على الأعضاء، أو يموتون جوعا.ولو كان ميتا عندما أُنزل عن الصليب بعد أن بقي افترضنا أن يسوع معلقا عليه ست ساعات تقريبا لكان من الغالب جدا أن يكون ذلك الموت شبيها بالإغماء فقط.وحين وُضع جسده في المكان البارد من الغار بعد أن طلي بالمراهم الشافية والأدوية ذات الرائحة الزكية الأخرى، زالت عنه حالة النساء: ١٥٨

Page 350

البراهين الأحمدية (۳۳۲) الجزء الخامس الإغماء.ولتأييد هذا الادعاء تُروى قصة "جوزيفس" حيث يقول: كنت ذات مرة راجعا من مهمة عسكرية فرأيت في الطريق عديدا من السجناء اليهود معلقين على الصليب، فعرفت أن ثلاثة منهم كانوا من معارفي.فاستأذنت الحاكم آنذاك "طيطس" لإنزالهم، فأنزلوا فورا وعالجتهم، فشفي أحدهم أخيرا ومات الاثنان." وقد وردت في الصفحة ٤٥٥ و ٤٥٧ و ٣٤٧ من كتاب: Modern Thought and Christian belief عبارةٌ إنجليزية نقلتها في الصفحة ۱۳۸ من كتابي" التحفة الغولروية"، وفيما يلي تعريبها: "كان شلير ميخر والباحثون القدامى يعتقدون أن يسوع لم يمت على الصليب، بل استولت عليه حالة شبيهة بالموت ظاهريا.وبعد القيام من القبر ظل يتجول إلى فترة من الزمن مع حوارييه ثم سافر إلى مقام منعزل للموت الثاني، أي الموت الحقيقي" وإلى هذا الأمر أشير في الإصحاح ٥٣ من كتاب النبي إشعياء، كذلك دعاء عيسى ال المذكور في الإنجيل أيضا يُبين الأمر نفسه كما جاء: "دعا بدموع جارية وعبرات متحدّرة، فسمع لتقواه".لقد نشرت الجريدة "كرئير دلاسيرا" - الأكثر شهرة في جنوب إيطاليا- الخبر الغريب التالي: " في ۱۸۷۹/۷/۱۳م مات في أورشليم راهب عجوز يدعى "كور" وكان في حياته معروفا بكونه وليا، وترك وراءه بعض العقارات.فبحث الحاكم عن إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاحَ شَدِيدٍ وَدُمُوعِ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتِ لِلْقَادِرِ أَنْ يُحَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ.(الرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ ٥ : ٧) (الناشر)

Page 351

البراهين الأحمدية (۳۳۳) الجزء الخامس أقاربه وسلّم إليهم مائتي ألف فرانك (١١٨٧٥٠) روبية) كانت بصورة قطع نقدية لبلاد ،مختلفة، ووُجدت في غار كان الراهب يقطنه منذ فترة طويلة.واستلم أقاربه بعض المستندات أيضا مع النقود لم يستطيعوا قراءتها.وحين اطلع عليها علماء اللغة العبرية وجدوا أمرا غريبا أنها كانت مكتوبة بلغة عبرية قديمة جدا.وحين قُرئت وُجدت فيها عبارة: "هكذا يخاطب السماك بطرس خادم يسوع بن مريم الناس باسم الله وبحسب مرضاته".وتنتهي الرسالة كما يلى: "أنا بطرس السماك، قررتُ كتابة هذه الكلمات المحتوية على الحب باسم يسوع في التسعين من عمري بعد موت سيدي ومولاي يسوع المسيح بن مريم بثلاثة أعياد فصح (بعد ثلاثة أعوام) قرب بيت الإله المقدس في "بولير" استنتج هؤلاء العلماء أن تاريخ هذه النسخة يعود إلى زمن بطرس، وهذا هو رأي "منظمة بايبل اللندنية أيضا.والآن تريد منظمة بايبل اللندنية بعد فحصها فحصا دقيقا أن تشتري هذه الأوراق من أصحابها بمبلغ أربع مائة ألف ليرة (٢٣٧٥٠٠ روبية).دعاء يسوع بن مريم عليهما السلام قال يا ربي لا أقدر على أن أتغلب على ما أراه سيئا.و لم أكسب حسنة وددتُها الآخرون يجدون أجورهم في أيديهم وليس أنا، ولكن عظمتي تكمن في عملي.وما من أحد أسوأ حالا مني.يا ربي الأعلى من الجميع اغفر لي ذنوبي.رب لا تجعل الأعداء يشمتون بي، ولا تجعلني حقيرا في نظر أصدقائي، ولا تجعل تقواي توقعني في المصائب، ولا تجعل هذه الدنيا أكبر سعادتي أو أعظم همّي.ولا تسلط علي من لا يرحمني.يا ربي الرحيم افعل هذا رحمة منك أنت ترحم كل من يحتاج إلى رحمتك.قوله: لا تزال هناك شبهة في آية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، أن لفظ زبل يربط جملة: يربط جملة: رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ)) مع جملة: (مَا قَتَلُوهُ يَقِينًا وهي

Page 352

البراهين الأحمدية (٣٣٤) الجزء الخامس ربطا خاصا، ومن هنا يُفهم أن الحادثين متصلان مع بعض.وهذا الأمر يقتضي في الظاهر أن يكون زمن الرفع متصلا مع زمن القتل وألا يكون هناك فاصل بين الزمنين.بينما يبدو من بيان حضرتك أن هناك فاصلا زمنيا طويلا ومدة مديدة بين زمن حادث الرفع وزمن حادث القتل.وبحسب هذا التقدير لو كانت الآية كما يلي: "ما قتلوه يقينا بل خلصه الله من أيديهم حيا ثم رفعه إليه" لدلّت على هذا المعنى.أقول: لقد نشأت هذه الشبهة في ذهنك نتيجة تفكير عابر وسطحي فقط، ولو تدبرت في الأحداث الواقعة لما نشأت هذه الشبهة الحقيقة أن اليهود كانوا يعتقدون بحسب التوراة أنه لو قُتل مدّعي النبوءة لكان مفتريا وليس نبيا صادقا.وإذا صلب أحد كان ملعونا ولما رفع إلى الله.وكان اليهود يعتقدون في ال أنه قتل وصلب أيضا.يقول بعضهم إنه قُتل أولا ثم علق على الصليب، ويقول غيرهم إنه صُلب أولا ثم قتل فلهذا السبب كان اليهود ولا يزالون ينكرون رفع عيسى ال الروحاني ويقولون بأنه قتل وصلب، لذا لم يُرفع إلى الله تعالى كالمؤمنين.يعتقد اليهود أن الكافر لا يُرفع إلى الله، ولكن المؤمن برفع إليه بعد موته ويزعمون أن عيسى صار كافرا وملعونا والعياذ بالله- لكونه مصلوبا، فلم يُرفع إلى الله.فهذا ما كان على القرآن الكريم أن يحكم فيه.فقد أصدر الله تعالى هذا الحكم في الآيات المذكورة آنفا.فالآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ تُبين هذا القرار لأن المراد من الرفع إلى الله بحسب معتقد اليهود والإسلام هو الموت في حالة الإيمان حين تُرفع الروح إلى الله تعالى.وكان اليهود يقصدون من معتقد القتل والصلب أن روح عيسى لم تُرفع إلى الله عند الموت.فهذا ما ردّ به الله تعالى على ادّعاء اليهود بالقتل والصلب.تتلخص هذه الآية بتعبير آخر في أن اليهود يقولون بتقديمهم عذر القتل والصلب بأن روح *

Page 353

البراهين الأحمدية (٣٣٥) الجزء الخامس عيسى اللة لم تُرفع إلى الله عند الموت.فقال الله تعالى في الجواب: بل رفعت إليه روحه عند الموت.فتفسير العبارة هو : بل رفعه الله إليه عند موته.ولأن الرفع إلى الله يكون عند الموت فقط، بل الموت في حالة الإيمان يعني الرفع إلى الله أصلا.فكأن اليهود كانوا يقولون: مات عيسى كافرا غير مرفوع إلى الله، فردّ الله تعالى على ذلك قائلا: بل مات مؤمنا مرفوعا إلى الله.لذا فإن لفظ: "بل" هنا ليس في غير محله، بل جاء بحسب التعبير العربي تماما.كان العليا من خطأ اليهود الظن بأن عيسى ال صلب فعلا، وبناء على هذا الخطأ وقعوا في خطأ آخر إذ أنكروا رفعه إلى الله عند الموت.ولكن الله تعالى قال بأنه لم يُقتل و لم يُصلب قط، وقد رفع إلى الله عند الموت.فلا إشكال في أسلوب الكلام هنا، وإن لفظ بَل ليس في غير محله مطلقا من حيث هذا المعنى، بل الرفع إلى الله - بحسب اتفاق اليهود والمسلمين- لا يعني إلا رفع روح الإنسان إلى الله تعالى بعد الموت.ففى هذه الحالة لا مجال لاستنباط أي معنى آخر في هذا المقام.وليكن معلوما أيضا أن الزمن الذي قال القرآن الكريم عنه بأن عيسى لم يُقتل و لم يُصلب فيه، قال عن الزمن نفسه أيضا بأنه رفع فيه إلى الله بعد الممات.فإن لفظ بل جاء من أجل وصل الزمن الطويل وليس للزمن المؤقت.فإن ملخص الآية هو أن عيسى ال لم يُقتل ولم يُصلب في ذلك الزمن بل رفع إلى الله بعد أن مات موتا طبيعيا، كما كان الوعد في القرآن: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ومعنى التوفي هو الموت الطبيعي، كما قال صاحب تفسير "الكشاف" في تفسير الآية: إنِّي مُتَوَفِّيكَ، إني مميتك حتف أنفك.إن آية القرآن الكريم: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ تحكم في النزاع كله، لأن معارضينا يقولون بأن عيسى ال رفع حيا، ويقول الله تعالى في هذه

Page 354

البراهين الأحمدية (٣٣٦) الجزء الخامس الآية بأن رفعه كان بعد الممات.وا أسفا على قوم يدعون خلاف نص كتاب الله الصريح يبين القرآن الكريم والكتب السابقة كلها وكذلك الأحاديث الشريفة أنه لا رفع بعد الموت إلا الرفع الروحاني، وهو ضروري لكل مؤمن بعد موته.يقول بعض المتعصبين حين يعوزهم الجواب في هذا المقام بأنه يجب أن تقرأ هذه الآية كالتالي: يا عيسى إني رافعك إلي ومتوفيك، وكأن الله تعالى أخطأ إذ قدّم مُتَوَفِّيكَ على رَافِعُكَ فقال: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ بينما كان عليه أن يقول: يا عيسى إني رافعك إلي ومتوفيك.يا أسفاه! ما أشنع بلاء التعنت إذ يحرفون كتاب الله من أجله ! التحريف عمل نجس وهو العمل نفسه الذي بسببه لعن اليهود ومسخوا.أما هؤلاء القوم فمستعدون الآن للتحريف في القرآن الكريم، ولولا الوعد: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ لكان من المتوقع من هؤلاء القوم أن يكتبوا في القرآن الكريم: يا عيسى إني رافعك إلي ومتوفيك، بدلا من الآية: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ولكن التحريف من هذا القبيل ليس ممكنا، لأن الله تعالى أكد في هذه الآية أربعة وعود كما يقول: (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (١) وَرَافِعُكَ (٢) إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ (۳) مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ (٤) الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.فهذه أربعة وعودٍ وضعت عليها أرقام.والثابت من الأحاديث الصحيحة، بل من القرآن الكريم نفسه أن وعد مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا الذي جاء بعد "الرفع" قد تحقق ببعثة النبي ، لأنه قد طهر عيسى ال من التهم الباطلة التي ألصقها به اليهود الا والنصارى.أما الوعد الرابع أي: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فقد تحقق بغلبة الإسلام وشوكته.فلو أُخر لفظ مُتَوَفِّيكَ وقُدِّم الحجر :

Page 355

البراهين الأحمدية (۳۳۷) الجزء الخامس رَافِعُكَ إِلَيَّ كما يريد معارضونا لاستحال تقديم رَافِعُكَ إِلَيَّ على مُطَهِّرُكَ ، لأن الوعد المذكور في مُطَهِّرُكَ قد تحقق، ولكن لم يتحقق وعد مُتَوَفِّيكَ إلى الآن بحسب قول معارضينا.كذلك لا يمكن تقديم لفظ: مُتَوَفِّيكَ على وعدِ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أيضا لأن هذا الوعد أيضا قد تحقق، وتحققه ممتد إلى يوم القيامة.ففي هذه الحالة لو أزيلت كلمة "التوفي" من صدر الآية فلا مجال لوضعها في أي مكان آخر قبل لفظ القيامة.وهذا يستلزم أن العلية لا سيموت بعد القيامة، عیسی لأن هذا الترتيب يمنع موته قبلها.يجب الانتباه إلى أنه من كرامات القرآن الكريم أن معارضينا استعدوا للتحريف فيه كاليهود ولكن لم يقدروا عليه ولا يوجد مكان يمكن أن يوضع فيه لفظ رَافِعُكَ بعد إزالته من مكانه، إذ قد ملئ كل فراغ بترتيب محكم فلا مجال للتطاول أبدا.والحق أن هذه الآية أي: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وحدها تكفي باحثا عن الحق وتُثبت أن الرفع الذي يثير معارضونا حوله ضجة هو بعد الموت وليس قبله لأن ذلك ثابت من شهادة الله.وعدم قبول شهادة الله ليس من شيمة مؤمن.ولما كان الرفع بعد الموت بحسب نص القرآن الكريم فتبين من ذلك أنه الرفع نفسه الذي وعد به الله تعالى كل مؤمن بعد موته.واللافت في الأمر أن الله تعالى قد أورد قوله: ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ، بعد قوله مُتَوَفِّيكَ ولكن هؤلاء القوم يقدِّمون رَافِعُكَ ويؤخرون مُتَوَفِّيكَ ليوصلوا عيسى إلى السماء حيا بأي حال من الأحوال.فما خصوصية اليهود في التحريف والحال هذه؟! إذا كان هؤلاء القوم مخولين للتقديم والتأخير في القرآن الكريم كاليهود، فليس القرآن مأمونا منهم هل لهم أن يقدموا حديثا

Page 356

البراهين الأحمدية (۳۳۸) الجزء الخامس يسمح لهم أن يقرأوا رَافِعُكَ إِلَيَّ قبل مُتَوَفِّيكَ؟ وإذا لم يثبت ذلك من القرآن الكريم ولا من الأحاديث الشريفة فلماذا لا يخافون لعنة كانت في نصيب اليهود من قبل؟ قوله: إن عيسى العلما سافر، بحسب قولك، إلى كشمير بعد النجاة من الصليب، فأقول أولا إن الوصول إلى كشمير ما كان سهلا في ذلك الزمن ولا سيما خفية.ثم هناك اعتراض آخر أنه لماذا لم يجتمع الحواريون عنده ولماذا ظل العليا مختفيا مثل شخص حي مقبور ؟ أقول: إن الله الذي أوصى عيسى اللي بالسفر إلى كشمير صار هو مرشده ودليله.وأيّ غرابة لنبي لنتعجب كيف وصل إلى كشمير؟ ولو جاز الاستغراب من ذلك لكان لملحد أن يستغرب كيف اختفى نبينا الأكرم عند الهجرة عن أعين الكفار مع أنهم وصلوا إلى فوّهة غار ثور؟ فالجواب الوحيد على مثل هذه الاعتراضات هو أن فضل الله تعالى الذي يحالف الأنبياء خارقا للعادة ينقذهم ويُرشدهم دائما.أما القول بأنه لماذا لم يلحق الحواريون بعيسى ال إلى كشمير حين وصل هنالك؟ فجوابه أن عدم العلم بشيء لا يستلزم عدم وجوده.كيف عرفت أنهم لم يصلوا إلى هناك؟ غير أنه لما كان ذلك السفر سريا كما كان سفر إن من سنة الله مع الأنبياء عليهم السلام أنهم يهاجرون من بلادهم كما هو مذكور في صحيح البخاري أيضا.فقد هاجر موسى الله أيضا من مصر إلى كنعان، وهاجر نبينا الأكرم من مكة إلى المدينة فكان ضروريا أن يعمل عيسى العلم أيضا بهذه السنة فهاجر إلى كشمير بعد حادث الصليب.ففي الإنجيل أيضا إشارة إلى تلك الهجرة حيث جاء فيه: "ليْسَ نَبِيٌّ بِلا كَرَامَةٍ إِلا فِي وَطَنِهِ".وقد قصد من النبي هنا ذاته.فمن المخجل للمسيحيين أنهم لا يعدّونه نبيا بل إلها، بينما النبي هو الذي يتلقى الإلهام من فلا بد أن يكون الإله غير النبي.منه.الله تعالى.

Page 357

البراهين الأحمدية عیسی (۳۳۹) الجزء الخامس نبينا الأكرم عند الهجرة سرا، لذا لا يعتبر ذلك السفر مع قافلة كبيرة مناسبا، كما هو واضح إنه عندما هاجر نبينا من مكة إلى المدينة ما كان معه إلا أبو بكره وحده.والوصول إلى المدينة بقطع ما يقارب ٢٦٠ ميلا تقريبا ما كان سهلا حينذاك أيضا.ولو أراد النبي ﷺ كان بإمكانه أن يصطحب ستين أو سبعين رجلا، ولكنه آثر أن يتخذ أبا بكر الله الله فقط رفيقا له.فالتدخل في أسرار الأنبياء أمر لا مبرر له.ثم كيف عُلم أن الحواريين لم يأتوا الهند بعد ذلك لملاقاة ال؟ بل المسيحيون أنفسهم يقولون بأن بعض الحواريين جاءوا في تلك الأيام إلى الهند حتما، ومجيء الحواري "توما" إلى مدينة "مدراس" وعقد المسيحيين جلسة كل عام على غرار الاحتفال في ذكراه في تلك المدينة أمر لا يخفى على من لديه إلمام بالموضوع بل القبر في "سرينغر " كشمير الذي نراه قبر العليا يعده كبار القساوسة المسيحيين قبر أحد الحواريين، مع أن صاحب القبر سجل في كتابه أنه "النبي الأمير" ونزل عليه الإنجيل.وقد ورد في كتب تاريخ كشمير القديمة التي بحوزتنا بأنه كان نبيا من بني إسرائيل، وكان يُسمى الأمير"، جاء إلى كشمير مهاجرا من وطنه ويتبين من تاريخ مجيئه المذكور في هذه الكتب أنه قد مضى على مجيء هذا النبي إلى كشمير ١٩٠٠ عام إلى زمننا هذا.وإننا ندين المسيحيين على ذلك ونقول بأنكم تعترفون أن صاحب هذا القبر - أي المدفون في حارة خانيار في مدينة سرينغر - كان حواريا لعيسى العليا، ولكن ما ورد في كتابه هو أنه كان نبيا وأميرا ونزل الإنجيل عليه، فكيف صار حواريا في هذه الحالة؟ هل لحواري أن يقول بأنه أمير ونبي ونزل عليه الإنجيل؟ فلا شك أن القبر الذي في كشمير إنما هو قبر عيسى ال.وليتضح العلية للذين يجلسونه في السماء، أنه راقد في كشمير أي في حارة خانيار في مدينة سرينغر.كما أخفى الله تعالى أصحاب الكهف إلى مدة من الزمن كذلك أخفى " النبي

Page 358

البراهين الأحمدية تعالى من (٣٤٠) الجزء الخامس الله العليا، وفي الأخير كشف الحقيقة علي.وهناك آلاف الأمثلة على سنن هذا النوع، وليس من سنة الله أن يُجلس أحدا حيا في السماء بجسده.قوله : لقد سُمِّي النازلُ في المستقبل بعيسى نبي الله في الأحاديث، فهل يثبت من القرآن والحديث أن المحدَّث أيضا يُسمَّى نبيا؟ أقول: إن كلمة "النبي" تعني في العربية والعبرية شخص يدلي بالنبوءات نتيجة الإلهام من الله وليس إلا.فما دام باب هذه النبوءة - حيث ينال أحد شرف مكالمة الله ومخاطبته بواسطة بركة النبي الله واتباعه وأن يطلع على الأمور الغيبية الله تعالى ليس مغلقا بحسب القرآن الكريم، فلماذا لا يمكن أن بواسطة وحي يكون في هذه الأمة أنبياء من هذا النوع؟ ما الدليل على ذلك؟ لا نعتقد أنه قد ختم على هذا النوع من النبوة، بل نعتقد أنه قد أُغلق باب النبوة المصحوبة بأحكام الشريعة الجديدة، أو أن يدعي النبوة أحد منفصلا عن أتباع النبي.أما الذي يُسميه الله تعالى في وحيه فردا من الأمة من ناحية ومن ناحية أخرى يسميه نبيا أيضا، فإن هذا الادعاء لا يتعارض مع أحكام القرآن الكريم، لأن هذه النبوة- لكون المدعي فردا من أمة النبي - ظل لنبوته وليست نبوة مستقلة.لو تدبّرت الأحاديث جيدا لما خالج هذا الاعتراض ذهنك قط.تقول بأن عيسى النازل سُمِّي في الأحاديث نبي الله، فأقول: إن عيسى النازل نفسه قد سمِّي في الأحاديث فردا من الأمة أيضا هل لك أن تستخرج لي من القرآن الكريم أو الأحاديث أن عيسى بن مريم الذي خلا وكان رسولا قد سُمّي فردا من هذه الأمة أيضا.فمن الواضح أن عيسى الذي سمي فردا من هذه الأمة المراد من "الأمتي" هو ذلك الذي لا يستطيع أن يبلغ كماله بأية طريقة سوى اتباع النبي.فهل يمكن التصوّر أن عيسى ال سيبقى ناقصا ما لم يأت إلى الدنيا ثانية وما لم ينضم إلى أمة النبي ويتبعه؟ منه.

Page 359

البراهين الأحمدية (341) الجزء الخامس وسُمِّي نبيا أيضا إنما هو عيسى آخر وليس بعيسى الذي كان في بني إسرائيل الأمة وكان نبيا مستقلا ونزل عليه الإنجيل، فأنى لك أن تجعله فردا من المحمدية ؟! لقد سُمّى عيسى الآتي فردا من الأمة في صحيح البخاري، وقد بين النبي ملامحه على عكس ملامح عيسى الذي خلا.غير أنه لو وردت في الأحاديث كلمة "النبي" فقط عن عيسى الاتي وما سمى فردا.الأمة، لكانت من هناك إمكانية لحدوث الخطأ.أما الآن فقد ورد عن عيسى الآتي في صحيح البخاري بكل صراحة: "إمامكم منكم.أي يا أمي ! إن عيسى الآتي إنما هو فرد من الأمة ليس إلا.كذلك ورد عنه في صحيح مسلم: "أمكم منكم".أي عيسى ذلك سيكون إمامكم وسيكون منكم، أي فردا من الأمة.کونه الله تعالى فلما تبين من هذه الأحاديث أن عيسى الآتي هو أمتي، فإن تسميته في كلام الله نبيا ليس بالمعنى المراد من النبي المستقل بل المراد هنا هو أن الله تعالى سيكلمه ويخاطبه ويكشف عليه أنباء الغيب، لذا سيسمى نبيا أيضا مع فردا من الأمة.وإذا قيل إن باب مكالمة الله ومخاطبته ووحيه مغلق على هذه الأمة إلى يوم القيامة، فأنى لفرد من الأمة أن يُدعى نبيا في هذه الحالة، لأنه من الضروري للنبي أن يكلّمه الله؟ فجوابه أن هذا الباب ليس مسدودا على هذه الأمة قط، ولو كان مغلقا لكانت الأمة أمة ميّتة ومطرودة وبعيدة عن أيما بعد.ولو كان هذا الباب موصدا عليها لما علم في القرآن الكريم دعاء: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.وإن عد النبي ﷺ خاتم الأنبياء لا يعني أن باب مكالمات الله ومخاطباته موصَدٌ بعده.لو كان هذا هو المعنى لكانت الأمة أمة ملعونة ومطرودة وبعيدة عن الله تعالى أيما بعد إلى الأبد مثل الشيطان.بل معناه أن باب تلقي الوحي من الله تعالى مباشرة مغلق، وأن نوال أحد هذه النعمة بغير اتباع النبي ﷺ مستحيل وممنوع بتاتا.وهذا

Page 360

البراهين الأحمدية (٣٤٢) الجزء الخامس الفضل يعود إلى النبي الله وحده ، لما في اتباعه بركة تبلغ درجة أن الذي يتبعه اتباعا كاملا يمكن أن يتشرف بمكالمة الله ومخاطبته.فأي مكرمة وسموّ مرتبة وتأثير وقوة قدسية يملكها ذلك النبي الذي يدعي اتباعه العميان فقط ثم لا يفتح الله عيونهم بمكالماته ومخاطباته؟! ما أسخف الاعتقاد وما أبطله الظن أن باب وحي الله تعالى مسدود للأبد بعد الله تعالى مسدود للأبد بعد النبي ، ولا أمل في ذلك إلى يوم القيامة، فعللوا أنفسكم بالقصص والأساطير فقط ! هل من أهمية لدين لا شيء بواسطته وليس في أعماقه إلا القصص والأساطير؟! ولا يفتح فيه على أحد باب معرفته ولا يشرفه بمكالمته ومخاطبته حتى وإن ضحى بنفسه يُعرف عن الله الله في هذا السبيل وقضى نحبه في البحث عن رضاه وآثره على كل شيء؟! أقول حلفا بالله، ليس في هذا العصر أكثر مني براءة من مثل هذا الدين.إنني أسميه دينا من الشيطان وليس من الرحمن، وإني لموقن أن مثل هذا الدين يقود إلى الجحيم، ويُبقي متبعه أعمى ويميته أعمى ويُدخله القبر أعمى.وإلى جانب ذلك أقول حلفا بالله الكريم الرحيم بأن الإسلام ليس بدين من هذا النوع بل الإسلام هو الدين الوحيد في العالم الذي يملك مَزيَّةً فريدة بأنه يشرف صاحبه بمكالمات الله تعالى بشرط أن يتبع سيدنا ومولانا النبي ﷺ اتباعا كاملا وصادقا.لذلك ورد في الحديث: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل".أي العلماء الربانيون في أمتي كأنبياء بني إسرائيل.فقد سمى النبي الهلال في هذا الحديث العلماء الربانيين من أمته ومن ناحية ثانية شبههم بالأنبياء.والمعلوم أنه ما دام الله تعالى يكلّم عباده منذ القدم لدرجة أن نالت النساء من بني إسرائيل شرف مكالمته ومخاطبته مثل أم موسى ومريم الصديقة، فما أشقى هذه الأمة إذا وما أشدها حرمانا إذ لا يعادل رجالها حتى نساء بني إسرائيل! هل

Page 361

البراهين الأحمدية (٣٤٣) الجزء الخامس يُعقل أنه قد حلّ الآن زمان يسمع الله تعالى فيه ولكنه لا يتكلم.إذا كان سماعه أدعية عباده الضعفاء لا يحطّ من شأنه فكيف يحط التكلم من عظمته؟ اعلموا يقينا أن صفات الله تعالى لا تتعطل أبدا، فكما إلى الأبد سيسمع كذلك سوف يتكلم أيضا إلى الأبد.أي دليل أوضح من أن سلسلة كلامه و أيضا لن تنقطع أبدا كعدم انقطاع سلسلة سماعه ؟! فمن هنا يتبين أنه سيكون هناك دائما حزب يكلمهم الله ويخاطبهم.لا أفهم لماذا يُسْتَفَزُّ معظم الناس فورا كلمة "نبي"؟ فلما ثبت أن المسيح الآتي سيكون من هذه الأمة فما الحرج لو سماه الله تعالى نبيا؟! إن هؤلاء الناس لا يدركون أنه قد سُمّى "فردا من الأمة" أيضا، وأودع جميع صفات أفراد الأمة.فهذا الاسم المركب اسم منفصل.وما من من سُمِّي عيسى الإسرائيلي بهذا الاسم قط.ولقد سماني الله تعالى مرارا في الوحى النازل على أُمَّتِيًا ونبيًّا أيضا.إن سماع هذين الاسمين يبعث في قلبي سرورا ومتعة كبيرة.وأشكر الله على أنني أكرمت بهذا الاسم المركب.ويبدو أن الحكمة في التسمية بهذا الاسم المركب هي ليقع على المسيحيين سوط العقوبة على أنهم يؤلهون عيسى بن مريم، ولكن نبينا الأكرم يحتل مرتبة بحيث أن فردا أمته يمكن أن يكون نبيا ويسمّى عيسى، مع أنه من أمته.قوله: لقد ذكرت في بعض الأحاديث ضمن صفات المهدي الموعود أنه: "من ولد فاطمة"، وفي بعضها الأخرى من عترتي"، وورد أيضا: "من أهل بيتي" وورد: "يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي"، فما تفسير هذه العبارات؟ أرجو التوضيح.أقول: لا أدعي أني ذلك المهدي الذي هو مصداق "من ولد فاطمة، ومن عترتي" وما شابههما، بل ادّعي أنني المسيح الموعود، ولم يقل أيّ محدّث بأن المسيح الموعود سيكون من بني فاطمة أو ما شابه ذلك.ولكن إلى جانب ذلك

Page 362

البراهين الأحمدية (٣٤٤) الجزء الخامس فاطمة.أقول أيضا كما يقول المحدثون كلهم بأن الأحاديث عن المهدي الموعود كلها مجروحة وفيها كلام ولا يصح منها حديث وما افتريت الأحاديث في أي موضوع بقدر ما افتريت في هذا الموضوع.كان الخلفاء العباسيون وغيرهم مشتاقين جدا في عهدهم لينصبوا أنفسهم مهديا موعودا فبناء على ذلك قيل في بعض الأحاديث أن المهدي سيكون من بني عباس، وفي بعضها من بني وجاء في بعضها الآخر: "رجل من أمتي".ولكن الحق أن جميع هذه الأحاديث لا تجدر بالثقة قط.وهذا ليس قولي أنا فقط بل قاله أيضا كبار علماء أهل السنة على مر العصور.ومقابل تلك الأحاديث هناك حديث صحيح أورده ابن ماجة وهو: "لا" مهدي إلا عيسى قوله: إن نبوءات النبي الله التي لجأ العلماء أيضا إلى تأويلها كشفت حقيقة معظمها بواسطة الرؤى...إلخ.أقول: لم أفهم مضمون هذا الاعتراض فلا أستطيع أن أرد عليه.قوله أهل الظاهر لا يملكون عينا باطنية، لذا فإن عدم معرفتهم بالمسيح الموعود ليس مما يدعو للاستغراب، ولكن يتحتم على أهل الله وأهل الباطن أن يعرفوك بواسطة الإلهام وما شابهه، كما قال المرحوم القاضي ثناء الله الباني بتي في "تذكرة المعاد عن الإمام المهدي الموعود سيبايعه أبدال الشام والعصائب القادمة من العراق.أقول: كل هذه الأقوال ناتجة عن فكرة أن المهدي الموعود سيأتي من بني فاطمة أو بني العباس، وسيبايعه الأبدال والأقطاب.ولكنني قلت قبل قليل بأن أكابر المحدثين ذهبوا إلى أن جميع الأحاديث عن المهدي مجروحة وفيها كلام، بل معظمها موضوعة وليست جديرة بأدنى ثقة.ولقد ألف بعض الأئمة كتبا خاصة لإبطال هذه الأحاديث وفندوها بكل شدة فما دام الحال على هذا

Page 363

البراهين الأحمدية (٣٤٥) الجزء الخامس المنوال وكان مجيء المهدي بحد ذاته عرضة للشكوك والشبهات، فكيف تكون بيعة الأبدال أمرا يقينيا؟ فإذا كانت الأصول غير صحيحة فكيف تصح الفروع.وأضف إلى ذلك أن الأبدال ليسوا بخلق خارق للعادة بل الذين يُحدثون في أنفسهم تغييرا صالحا يُسمون أبدالا عند الله.فلو أحدثت أنت أيضا تغيّرا طيبا في نفسك وفديت الحق دون أن تخاف لومة لائم لكنت أنت أيضا من الأبدال.ففي جماعتي هناك كثيرون جدا تجشموا من أجل الجماعة مصائب كبيرة وتحملوا مذلات شديدة وما قصروا حتى في التضحية بأرواحهم.أفليسوا أبدالا؟! لقد قتل الشيخ عبد الرحمن خنقا على مرأى من الحاكم عبد الرحمن، وقبل لنفسه أن يُذبح كشاة، ألم يكن هو من الأبدال؟! كذلك المولوي الصاحبزاده عبد اللطيف الذي كان محدثا وفقيها وعلى رأس علماء كابول وقتل رجما من أجل هذه الجماعة؛ وقد طلب منه مرارا وتكرارا أن يتراجع عن البيعة وسيُكرم أكثر من ذي قبل ولكنه قبل الموت ولم يبال بالزوج والأولاد الصغار، وبقيت جثته مدفونة تحت الحجارة إلى أربعين يوما، ألم يكن من الأبدال؟! إنني ما زلت حيًّا أُرزق بفضل الله تعالى، وقد أعطاني الله وعودا عظيمة، ولا أدري كم من أناس ذوي قلوب طاهرة ومن أي البلاد سينضمون إلى جماعتي! وبالإضافة إلى ذلك فقد ورد في الآثار عن المسيح الموعود أن العلماء لن يقبلوه و لم يرد ذكر بيعة أي من الأبدال.قوله : لماذا لم يظهر من حضرتك إلى الآن تأثير بصورة واضحة وبينة؟ وإن كان انضمام مائتي ألف أو ثلاث مائة ألف ليس إلا غيض من فيض، فهل يجوز أم لا يجوز، أن يتأخر أحد بغير الإنكار، ويمتنع عن الانضمام إلى الجماعة إلى وقت ظهور تأثير بين؟

Page 364

البراهين الأحمدية (٣٤٦) الجزء الخامس أقول: التأخر والامتناع أيضا نوع من الإنكار.أما قولك بأنه لم يؤمن بي الكثيرون إلى الآن فهذا لا يدل على عدم ثبوت الادّعاء.إذا رافقت المبعوث أدلة وآيات على ادعائه فإن عدم إيمان أحد لا يُضعف ادعاءه.وبالإضافة إلى ذلك يجب الانتباه أيضا إلى أن الذين آمنوا بالنبي بصدق القلب في حياته ما كانوا أكثر من مائة وخمسين ألف مؤمن.فهل من شأن قلة عدد المؤمنين أن يجعل نبوته مشتبها فيها؟ الحق أن كثرة المؤمنين ليس شرطا لإثبات صدق نبي صادق، غير أن إتمام 28 الحجة بالأدلة القاطعة شرط.ففي حالتي قد تمت الحجة على منهاج النبوة.فقد حدث الكسوف والخسوف الذي كان علامة لظهور المسيح الموعود- في البلاد مرتين بحسب نبوءة النبي.وكذلك ظهرت مركبة جديدة أُشير إليها في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، أي القطار الذي ناب مناب القلاص، كما ورد في القرآن الكريم: ﴿وَإِذَا الْعِشَارُ عُطَّلَتْ.وكما جاء في حديث صحیح مسلم من علامات ظهور المسيح الموعود : "وليتركن القلاص فلا يُسعى عليها، فقد جاء هذا الزمان كما هو معلوم.وقد ورد أيضا أن الزلازل ستحدث في ذلك الزمن، فقد عهد الناس تلك الزلازل أيضا كما سيشهدها الآخرون.وكان مكتوبا أن المسيح الموعود سيولد في نهاية الألفية السادسة من آدم العل، فقد ولدت في هذا الوقت تماما.كذلك أشار القرآن الكريم إلى أن المسيح الموعود سيظهر في القرن الرابع عشر مثل عيسى الله، فقد ظهرت في التكوير : ٥ مع أن المسيحيين كتبوا خطأ أن يسوع المسيح ظهر في القرن الخامس عشر بعد مو ولكنهم مخطئون في ذلك؛ فالثابت من تاريخ اليهود المتفق عليه أن يسوع أي عيسى ال ظهر في القرن الرابع عشر بعد موسى، وهو القول الحق.ومع أن التطابق التام لا يكون

Page 365

البراهين الأحمدية (٣٤٧) الجزء الخامس القرن الرابع عشر أي كما وُلد عيسى في القرن الرابع عشر بعد موسى- عليهما السلام كذلك ظهرتُ أنا أيضا في القرن الرابع عشر من زمن النبي ولقد أنبأ الله تعالى في القرآن الكريم عن هذا الزمن الأخير بأن الكتب والمجلات ستنشر في العالم بكثرة، وتُفتح سبل اللقاءات المتبادلة بين الناس، وتُفجِّر القنوات من الأنهار بكثرة، وتُكتشف مناجم كثيرة، وتنشب نزاعات دينية كثيرة بين الناس ويهاجم قوم قوما آخرين.وفي هذه الأثناء يُنفخ في الصور من السماء، أي سوف يتجلّى الله لنشر الدين بإرسال المسيح الموعود.عندها تتولد الرغبة في الإسلام في قلوب الناس ذوي الطبائع السليمة جميعا من كل البلاد، وسيجمع الله على الإسلام من جميع أنحاء الدنيا أناسا ذوي طبائع سليمة بقدر ما يشاء.عندها ستكون نهاية الأمر.وها قد تحققت كل هذه الأمور.كذلك ورد في الأحاديث الصحيحة أن ذلك المسيح الموعود سيظهر على رأس القرن وسيكون محدد القرن الرابع عشر، فقد تحققت كل هذه العلامات أيضا في هذا العصر.وكان مكتوبا أنه سيولد ويشهد قرنين، وسينال اسمين وسينحدر من نسل سلالتين.العلامة الثنائية الرابعة هي أنه سيولد توأما.فكل هذه العلامات قد ظهرت للعيان؛ لأن اشتراكي في القرنين أي كوني ذي القرنين ،ثابت، إذ ليس هناك قرن محدَّد عند قوم لم تشمل حياتي القرنين لذلك ضروريا لإثبات المماثلة، كما لو قلنا لأحد إنه أسد فليس ضروريا أن تكون له مخالب وجلد وذنب مثل الأسد وله زئير أيضا مثله، بل تكفي المماثلة إلى حد ما لتشبيه أحد بغيره.فلو قبلنا قول المسيحيين بأن عيسى الل ظهر في القرن الخامس عشر بعد موسى، فلا ضير في ذلك أيضا لأن القرن الرابع عشر والخامس عشر متصلان، ولا ضير في هذا الفارق الزمني الضئيل.غير أننا نرجح هنا قول اليهود الذين يقولون إن يسوع أي عيسى العلي ادعى النبوة في القرن الرابع عشر تماما بعد موسى، لأن التوراة التي بين أيديهم بالعبرية هي الأصح، مقارنة مع تراجم المسيحيين.منه.

Page 366

البراهين الأحمدية (٣٤٨) الجزء الخامس اسمي القوم.كذلك أعطاني الله تعالى اسمين اثنين، أي سميت أمَّتِيًّا كما يتبين من "غلام أحمد"، كذلك سُمِّيت النبي ظليا، كما سماني الله تعالى "أحمد" في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة وناداني بهذا الاسم مرارا، وكانت في ذلك إشارة إلى أني نبي ظليًّا.فأنا أُمَّتِي، ونبي أيضا على سبيل الظلية.وهذا ما يشير إليه الإلهي المذكور في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة ونصه: "كُلُّ بَرَكَةٍ مِنْ النبي مُحَمَّدٍ فَتَبَارَكَ مَنْ عَلَّمَ وَتَعَلَّمَ." أي...مبارك ذلك الذي علم، أي ، وبعده مبارك ذلك الذي تعلم منه، أي أنا العبد الضعيف.فبسبب الاتباع الكامل سُمِّيت أُمِّتَيَّا، وبسبب حيازة الانعكاس الكامل للنبوة سميت نبيا، وبذلك حزتُ اسمين اثنين أما الذين يعترضون مرة بعد أخرى ويقولون بأن الآتي سُمِّي نبيا في صحيح مسلم فعليهم أن يقرأوا بياني هذا بتأمل لأن صحيح "مسلم" الذي سُمِّي فيه عيسى الآتي نبيا ، نجد أيضا في صحيح "مسلم" نفسه أن عیسی أُمتيا.وهذا لا يُستنبط من الأحاديث فقط بل من القرآن الكريم أيضا، لأنه قد جاء في سورة التحريم بصراحة تامة أن بعضا من الآتي قد سمي الله أفراد هذه الأمة قد سُمّي "مريم"، ثم بسبب اتباعه الكامل للشريعة نفخ الروح في مريم هذا، وبعد نفخ الروح ولد عيسى من مريم هذا.فبناء على ذلك عيسى بن مريم، لأنه قد مرّ علي زمن كنت فيه بحالة مريمية فقط.ثم ستماني الله حين رضي الله بتلك الحالة المريمية نفخ في روحا.وبعد نفخ هذه الروح ارتقيتُ من حالة مريمية وصرت عيسى، كما جاء هذا الذكر مفصلا في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة، لأني سُمِّيتُ "مريم" أولا في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة، لا ينخدعنّ هنا أحد من لفظ "نبي"، فقد كتبت مرارا وتكرارا أن نبوتي ليست مستقلة، إذ إن النبي المستقل لا يمكن أن يُدعى أُمِّتِيَّا، بينما أنا أُمَّتِي.فهذا اسم تشريف الله تعالى به نتيجة اتباعي النبي ﷺ لتكتمل المماثلة شرفني بعیسی العلية لا منه.

Page 367

البراهين الأحمدية (٣٤٩) الجزء الخامس كما قال الله تعالى: "يَا مَرْيَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ" وبعد أن لقبني في "البراهين الأحمدية" نفسه بلقب مريم قال تعالى: "نَفَحْتُ فِيكَ مِنْ رُوْحِ الصدق".أي يا مريم قد نفختُ فيك روح الصدق.إذًا، فإن نفخ الروح على سبيل الاستعارة كان بمنزلة الحمل الذي حملت به مريم الصديقة.وبعد هذا الحمل سماني عيسى في نهاية الكتاب كما قال: "يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ".أي سأميتك وأرفعك إلي كما يُرفع المؤمنون، وبذلك سُمِّيتُ عيسى بن مريم في كتاب الله.ولما كان "مريم" أُمتيا، أما عیسی فنيا، لذا قد الله 28 28 أشير بتسميتي مريم وعيسى إلى أنني أُمتي ونبي أيضا، ولكن ذلك النبي هو نبي عند الله بصورة ظلية وببركة الاتباع وإن كوني عيسى بن مريم هو ما يعترض عليه الأغبياء ويقولون بأن عيسى الآتي قد سُمّي عيسى بن مريم في الأحاديث، ولكن هذا الشخص ليس بابن مريم، إذ ما كان اسم أُمه مريم، ولا يُدركون أني سُمِّيت مريم أولا كما جاء الوعد في سورة التحريم، ثم نفخ فضل الله الروح في؛ أي خلق بتجليه الخاص من حالة مريمية حالةً أخرى، وسماها عيسى.ولما كانت تلك الحالة ناتجة عن حالة مريمية فناداني الله باسم عيسى بن مريم.وهكذا صرت عيسى بن مريم.باختصار، ليس المراد من مريم هنا مريم التي كانت أم عيسى العليا، بل سماني الله في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة مريم بناء على مماثلة روحانية كانت بيني وبين مريم أم عيسى.ثم تحلّى علي بتجل ثانٍ وشبهه بنفخ الروح.ثم حين جاءت تلك الروح إلى حيّز الظهور والبروز سماني عيسى بناء على تلك الروح، فمن هذا المنطلق سُمِّيت عيسى بن مريم.هنا يجب فهم نقطة أخرى أيضا أن الآية: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلى جاءت في القرآن الكريم بحق عيسى ال ولكنها أُنزلت في أجزاء

Page 368

البراهين الأحمدية (٣٥٠) الجزء الخامس علم البراهين الأحمدية السابقة بحقي أنا.والسبب في ذلك أنه كما أفتى اليهود بتكفير عيسى ال واعتقدوا أن روحه لم تُرفع إلى الله، كذلك يعتنق القوم المعارضون الاعتقاد نفسه عني إذ يقولون إنه كافر ولن تُرفع روحه إلى الله تعالى.فقال الله تعالى لي ردًّا على ذلك بأني سأرفع روحك إلي بعد مماتك.أما قوله تعالى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ففيه تكمن نبوءة أخرى ففيه تكمن نبوءة أخرى وهي أن "التوفي" في العربية يعني الإماتة الطبيعية وليس القتل أو الصلب.كما قال العلامة الزمخشري في تفسيره "الكشاف" تحت تفسير الآية: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ، "إني مميتك حتف أنفك"، أي أميتك موتا طبيعيا.فلما كان في الله أنه ستحاك المكايد لقتلي وصلبي على غرار ما حيك ضد عيسى خاطبني جل وقال كنبوءة: "يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ".وفي ذلك إشارة إلى أنني سأنقذك من القتل والصلب والمعلوم أن محاولات كثيرة قد تمت لقتلي وصلبي، وأفتى علماء القوم بقتلي، وقد رُفعت عليّ قضية زائفة لأشنَق، كان المدعي فيها هو القسيس الدكتور مارتن كلارك، وكان الشيخ أبو سعيد محمد حسين البطالوي من جملة الشهود.وقد وُجهت التهمة إلى أني أرسلت شخصا يُدعى عبد المجيد لقتل الدكتور مارتن كلارك.فقد أُدلي بالشهادات كلها ضدي، ولكن الله أخبرني قبل أن تُرفع القضية بأن قضية كذا سترفع ضدك وسأنقذك منها.وقد قصصت ذلك الوحي الإلهي قبل أن تُرفع القضية على ستين أو سبعين أو ثمانين شخصا تقريبا.فبرأني الله من تلك التهمة الزائفة بالعزة والإكرام بحسب وحيه المقدس.فكانت تلك المحاولات كلها لأُشنَق كما فعل اليهود بشأن عيسى.هذا سهو من الناسخ، والصحيح: عبد الحميد.(الناشر)

Page 369

البراهين الأحمدية (٣٥١) الجزء الخامس واللافت في الموضوع أنه كما قال بيلاطس الرومي الذي كان الحاكم في منطقة سكنها المسيح العلي - لليهود بأني لا أرى لهذا الشخص، أي عيسى، أيّ ذنب لأصلبه بسببه، كذلك قال لي الحاكم دوغلاس الذي رفعت القضية ضدي في محكمته وكان نائب المفوض في محافظتنا- لا أرى تهمتك بالقتل صحيحة.والأغرب من ذلك أنه كما صُلب لص مع عيسى، كذلك مثل في المحكمة في اليوم الذي حُكم فيه في تهمة القتل المرفوعة ضدي لص مسيحي من جيش الخلاص وكان قد سرق بعض النقود فكان قول الله ل بحقي: "يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" نبوءة أُشير فيها أن مكايد ستنسج لقتلي أيضا كما حيكت لقتل عيسى، وسيفشل الأعداء في تلك المكايد.والأمر الثالث الذي يجعلني ثُنائي القوم كما هو شائع أنني أنحدر من السلالة المغولية من جانب الأب، ولكن بعض من جداتي كن من السادات.ولكن الله عدني فارسي النسل من ناحية الأب، وعدني فاطميا من ناحية الأم.والحق هو ما قاله الله تعالى.بنت.من والأمر الرابع الذي يجعلني أشمل أمرين هو أنني ولدت توأما، إذ ولدت قبلي والآن أعود إلى مقصدي الأول وأقول إنه من الخطأ والانخداع تماما أن نفهم كلمة "نبي" في الأحاديث الواردة في حق المسيح الموعود أن المراد منها هو عيسى ال بالذات، لأنه وإن كان عيسى الآتي قد سُمِّي نبيا في الأحاديث ولكن بصحبة شرط يستحيل بسببه أن يكون المراد من ذلك النبي هنا هو عيسى لأنه العليا الإسرائيلي، هذا "أُمتيا" أيضا في الأحاديث.والذي يتأمل في حقيقة "الأُمتي" سيفهم بالبداهة أن عد عيسى العلمية لا ا أُمتيا هو مع تسميته نبيا فقد سُمِّي عيسى هو نوع من الكفر، لأن المراد من الأمّتي هو ذلك الذي من شأنه أن

Page 370

البراهين الأحمدية (٣٥٢) الجزء الخامس يبقى ناقصا محضا وضالا وحائدا عن الجادة دون اتباع النبي ﷺ وبغير أتباع القرآن الكريم، ثم ينال الإيمان والكمال باتباع النبي ﷺ واتباع القرآن الكريم.والمعلوم أن هذا الظنّ بحق عيسى ال كفر ؛ لأنه مهما كان عيسى أقل درجة من النبي ، و مع ذلك لا يمكن القول إنه سيظل ضالا وحائدا عن الجادة أو ناقصا وتبقى معرفته أيضا ،ناقصة والعياذ بالله ما لم يأت إلى الدنيا ثانية ويدخل في أمة النبي.فأقول لمعارضي على بصيرة أن عيسى ليس أمتيا قط.ومع أنه ال بل جميع الأنبياء كانوا يؤمنون بصدق النبي ﷺ ولكنهم مع ذلك كانوا يتبعون الهدى الذي نزل عليهم.وقد تجلّى الله عليهم مباشرة، ولم يحدث قط أن تلقوا النبوة نتيجة اتباع النبي ﷺ أو بسبب تعليمه الروحاني ليُدعوا أمتيين.لقد أعطاهم الله تعالى كتبا خاصة بهم وكان مطلوبا منهم أن يعملوا بها ويطلبوا من أتباعهم العمل بها، كما يشهد بذلك القرآن الكريم.فأنى لعيسى العلي أن يُعد مسيحا موعودا بناء على هذه الشهادة البديهية.فما لم يكن من الأمة فلا يمكن أن يكون نبيا من النوع الذي لا بد له من أن يكون من الأمة أولا.كذلك أظهر الله تعالى مئات الآيات من أجلي وقد ذكرت جزءا منها في هذا الجزء من البراهين الأحمدية.قوله: ما عمر حضرتك في الوقت الحالي؟ وما تبشر به أن الإسلام سيزدهر ويتقدم تقدما ملحوظا بواسطتك فهل سيكون هذا التقدم والازدهار في حياتك أم ماذا؟ أرجو شرح هذا الأمر.أقول: الله وحده أعلم بعمري الحقيقي، أما ما أعرفه فهو أنني الآن، في سنة ١٣٢٣ الهجرية، أقارب السبعين من العمر، والله أعلم.ولا أستطيع القول جزما هل سينال الإسلام تقدما كاملا في حياتي أو بعد مماتي، غير أنني أرى أنه ما من دین نال ازدهارا كاملا في حياة نبي من الأنبياء.أما مهمة الأنبياء فكانت أنهم

Page 371

(٣٥٣) الجزء الخامس البراهين الأحمدية أبدوا نموذجا من التقدم نوعا ما ثم تحقق الازدهار والتقدم بعدهم، كما بعث نبينا للعالم كله ولكل أسود وأحمر ولكن الحمر، أي قوم أوروبا، لم ينالوا في حياته حظا من الإسلام قط إذ لم يُسلم منهم أحد.أما السود فقد انتشر الإسلام فيهم في الجزيرة العربية فقط إلى أن توفي النبي بعد فتح مكة.فأرى أن هذا ما سيحدث بشأني أيضا، إذ قد تلقيتُ من الله تعالى بالتكرار وحيا قرآنيا: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّك.فآمل بناء على ذلك أن جانبا من الانتصار سيتحقق في حياتي قوله: لقد جاء في الأحاديث وعيد شديد على تصوير كائن حي، ولكن لما نُشرت صور حضرتك، فيبدو من ذلك أنك ترى التصوير جائزا.أقول: إنني أعارض بشدة أن يصورني أحد ويحتفظ بها عنده كعبدة الأوثان أو ينشرها.لم آمر قط أن يفعل أحد ذلك، وما من أحد أكثر مني عداوة لعبادة الأوثان والصورة.ولكني رأيت في هذه الأيام أن أهل أوروبا حين يريدون أن يقرأوا تأليف أحد يودون أن يروا صورته أولا، لأن علم الفراسة في أوروبا متقدم جدا ومعظمهم يستطيعون أن يعرفوا بمجرد رؤية الصورة إذا كان المدعي صادقا أم كاذبا وهؤلاء الناس لا يستطيعون أن يزوروني بسبب بعد آلاف الأميال، ولا يستطيعون أن يروا وجهي لذا فإن المتفرّسين في تلك البلاد يتأملون في أحوالي الباطنية من خلال الصورة.إن عديدا من أهل أوروبا وأميركا بعثوا إلي برسائل قالوا فيها بأننا تأملنا صورتك، واضطررنا إلى الاعتراف بناء على الفراسة أن صاحب هذه الصورة ليس كاذبا.لقد قالت سيدة من أميركا بعد رؤية صورتي بأن هذه صورة يسوع، العلية الا.أي عيسى فلهذا السبب وإلى هذا الحد سكت عن ذلك حكمةً، وإنما الأعمال بالنيات.وليس مذهبي أن حرمة التصوير قطعية.يثبت من القرآن الكريم أن فرقة الجنّ 6

Page 372

البراهين الأحمدية (٣٥٤) الجزء الخامس كانوا يرسمون الصور لسليمان ال.وكانت عند بني إسرائيل صور الأنبياء إلى فترة طويلة بما فيها صورة النبي الله أيضا.وقد أرى جبريل النبي ﷺ صورة السيدة عائشة على قطعة من حرير وصور بعض الحيوانات ترتسم تلقائيا في على الأحجار في الماء.وإن جهاز التصوير المستخدم حاليا ما كان مكتشفا عهد النبي ، وهذا الجهاز مهم جدا تشخص بواسطته بعض الأمراض.وقد اكتشف مؤخرا جهاز آخر للتصوير تُصوّر به عظام الإنسان، إذ يصورون به لتشخيص وجع المفاصل والنقرس وغيرهما من الأمراض، فتتبين حقيقتها.وإضافة إلى ذلك هناك منافع علمية كثيرة ظهرت للعيان بواسطة الصور.لقد نشر بعض الإنجليز في كتبهم صور حيوانات العالم حتى أنواع الجراد والطيور والدواب مما أدى إلى تقدم علمي.فهل يُعقل أن يحرم الله تعالى الذي يرغب في العلوم استخدام جهاز مفيد بواسطته تشخص أمراض مستعصية كثيرة، وهو وسيلة لاهتداء المتفرسين.فكل هذه الأفكار إنما هي جهلات انتشرت.لماذا لا يرمي المشايخ من جيوبهم وبيوتهم قطعا نقديةً منقوشة عليها صورة الملكة؟ ألا توجد الصور على تلك القطع النقدية؟! من المؤسف أن هؤلاء الناس يقولون بغير حق ما يخالف المعقول، ويهيئون للمعارضين فرصة للسخرية من الإسلام الإسلام حرّم اللغو وكل ما يؤيد الشرك، ولم يحرم ما يؤدي إلى ازدهار علم الإنسان ومعرفته، أو يساعد على تشخيص الأمراض ويقرب المتفرسين إلى الهدى.ومع كل ذلك لا أحب أن يتخذ أفراد جماعتي نشر صورتي بوجه عام دون ضرورة ملحة مكسبا ومهنة لهم، لأن ذلك يؤدي إلى نشوء البدعات رويدا رويدا ويوصل إلى الشرك.لذا أنصح جماعتي هنا أن يجتنبوا هذه الأمور قدر الإمكان.لقد رأيت بطاقات بعض الناس، ورأيت صورتي في زاوية على ظهرها إنني أعارض بشدة نشرها بهذه

Page 373

البراهين الأحمدية (٣٥٥) الجزء الخامس الطريقة، ولا أريد أن يرتكب هذه الأمور أحد من أبناء جماعتنا.العمل من أجل هدف صائب ومفيد أمر ونشر الصور وتعليقها هنا وهناك على الجدران كما يعلق الهندوس صور صلحائهم ورهبانهم أمرٌ آخر.لقد لوحظ دائما أن هذه الأمور تجرّ إلى الشرك رويدا رويدا وتؤدي إلى نشوء مفاسد كبيرة كما نشأت في الهندوس والنصارى وآمل أن الذي يعظم ويبجل مواعظي وهو متَّبعي الصادق، سيجتنب هذه الأمور بعد هذا الحكم وإلا فإنه يعمل بخلاف تعليماتي، ويسيء إلى الشريعة.إن بعض الناس الذين ليس لديهم أدنى إلمام بالدين ولا يعرفون عن أحوالي شيئا، أهم قد نشروا عني اعتراضات نتيجة عنادهم وقلة علمهم وكل ما يتبين منها هو ليسوا متوجهين إلى الدين بقدر واحدٍ من الألف مقارنة مع قدر توجههم إلى جمع الدنيا والحصول على مناصب ومراتب دنيوية وإنني لأحتار بشدة بسماع اعتراضاتهم أنهم يجهلون الإسلام كليا مع أنهم يُدعون مسلمين.يجب الانتباه جيدا إلى نوعية اعتراضاتهم فيقولون مثلا إنه تخطيط لجمع الأموال فقط، وإن مساعديه ينالون الرواتب بانتظام.فليفكر الذي في قلبه شيء من خشية الله ؛ أليس هذا سوء الظن نفسه الذي ظل العمهون يظنون بالأنبياء عليهم السلام منذ القدم؟ لقد أساء فرعون الظن بموسى وقال لقومه بأنه يريدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِن الأرض ويستولي عليها لنفسه.كذلك ظن اليهود في عيسى ال أنه مكار ويريد أن يحكمهم بدعوى النبوة.كذلك ظن كفار قريش ظن السوء بنبينا الأكرم لال لاله كما نقل القرآن الكريم قولهم: (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٍ يُرَادُ أن هناك طمعا شخصيا كامنا في هذا الإعلان فكيف نأسى على المعترضين ۱ ص: ۷

Page 374

البراهين الأحمدية (٣٥٦) الجزء الخامس مثلهم؟ إنهم يتأسون بأسوة أول المنكرين.يجب أن تكون عادة الباحث عن الحق أن يتأمل في الادعاء أولا ويتدبر الأدلة بصدق القلب ثم يتفوه بما هو مقتضى العقل وخشية الله ،والعدل ليس أن يبدأ بالقول قبل التحقيق بأن كل هذا مكر وحيلة نسجت لكسب المال فقط.ومن اعتراضاتهم أيضا أن نبوءاتي لم تتحقق يكفي ردا على ذلك أن نقول: لعنة الله على الكاذبين.فلو قرأوا كتبي بتمعن أو سألوا أهل العلم والمعرفة من جماعي لعلموا أن آلاف الأنباء قد تحققت إلى الآن.ولا يشهد على تحققها شخصان أو ثلاثة أشخاص بل يشهد عليها ألوف الناس.ما الفائدة من التكذيب بغير حق؟! هل ستصبح عودة عيسى أقرب إلى القياس نتيجة هذه الأمور ؟! بل يجب أن تنفضوا فكرة عودته من الأذهان.فليوقن كل معارض أنه سيشرف على أجله المسمى ويموت ولكن لن يرى عيسى العليا نازلا من السماء.هذه أيضا نبوءة من نبوءاتي التي سيشهد كل معارض على صدقها عند موته.فليتذكر المشايخ وكل من يكتب ضدي من المعاندين أنهم سيموتون خائبين خاسرين في أملهم لرؤية عيسى ال نازلا من السماء.لن يروه نازلا وإن غرغروا نتيجة المرض وسيغادرون الدنيا بمرارة شديدة.أليست هذه نبوءة؟ هل يسعهم القول بأنها لن تتحقق بل سوف تتحقق حتما.ثم إذا كان لهم أولاد فليتذكروا أنهم أيضا سيموتون خائبين ولن ينزل أحد من السماء.وإذا كان هناك أولاد لأولادهم فهم أيضا سينالون نصيبا من هذه الخيبة ولن يرى أحدهم عيسى العليلا ها بطا السماء.يقول بعض من قليلي الفهم إن النبوءة عن صهر أحمد بيك لم تتحقق.ولا يفقهون أن هذه النبوءة أيضا كانت مشروطة كنبوءة عن عبد الله آلهم.جاء من وحي الله تعالى في ذلك مخاطبا جدة زوجة صهر أحمد بيك وقال: "تُوْبِي تُوْبي

Page 375

البراهين الأحمدية (٣٥٧) الجزء الخامس البَلاءَ عَلَى عَقِبكِ".أي أن البلاء نازل على ابنة ابنتك.فحين مات في الميعاد أحمد بيك الذي كان جزءا من هذه النبوءة ملئت قلوب كافة ذويه خوفا وذعرا وتضرعوا كما هو مقتضى فطرة الإنسان، فأخر الله تحقق هذه النبوءة.فكانت هذه النبوءة مشروطة كمثل النبوءة عن موت عبد الله آلتهم الذي مضى على موته نحو ١١ عاما.أما النبوءة التي أنبأ بها النبي يونس عن هلاك قومه فلم يكن فيها أي شرط، ولكن نجا ذلك القوم أيضا نتيجة التوبة والاستغفار.لقد قلتُ مرارا وتكرارا بأن نبوءات الوعيد يمكن أن تؤجّل بل تُلغى نتيجة التوبة والاستغفار كما أُلغي وعد هلاك قوم يونس نتيجة التوبة فقط.ولكن للأسف؛ ما أعمى الناس في هذا العصر ! أجيبهم مرارا وتكرارا بحسب كتاب الله ولا يفقهون ألم يكن النبي يونس صادقا بحسب رأيهم؟! وهو الذي كانت نبوءته بلا شرط وكانت قاطعة أن قومه سيهلك بالعذاب في غضون أربعين يوما، ولكنهم لم يهلكوا أما نبوءتي فلا يقع عليها اعتراض كما يقع على نبوءة يونس.فالنبوءات عن عبد الله آتهم وأحمد بيك وصهره كانت مشروطة من الغريب حقا أنهم لا يرتدعون عن الاعتراض مع أن ثلاثا من أربع نبوءات قد تحققت، وقد رحل عبد الله آتهم وأحمد بيك وليكهرام من هذا العالم قبل مدة بحسب النبوءات، ولكن هؤلاء القوم مع ذلك لا يرتدعون عن الاعتراض.ويعترضون أيضا أنه لماذا تمت المساعي للترغيب بخصوص ابنة أحمد بيك، ولكنهم لا يفقهون أنها كانت ليُؤجّل ذلك القدر بهذه الطريقة ويزول عنهم العذاب.وقد سعيتُ السعي نفسه بحق عبد الله آتهم وليكهرام أيضا.من أين علمتم أن السعي المشروع لإحقاق النبوءة حرام؟ فكروا بشيء من التدبر والحياء؛ ألم يُعط النبي الهلال في القرآن الكريم وعددا أن الوثنية سوف تُمحى من

Page 376

البراهين الأحمدية (٣٥٨) الجزء الخامس العرب وسيحل محلها الإسلام؟ وأنه سيأتي يوم تكون فيه مفاتيح الكعبة في يد النبي فيعطيها لمن يشاء، وأن الله تعالى سيحقق كل ذلك بنفسه؟ فمع كل ذلك قد تمت لنشر الإسلام من المساعي ما لا حاجة إلى تفصيله.بل جاء في الحديث الصحيح أنه إذا رأى أحد رؤيا واستطاع تحقيقها فعليه أن يحققها بجهده.

Page 377

البراهين الأحمدية (٣٥٩) الرد على الشبهات الواردة في "الخطاب المليح في تحقيق المهدي والمسيح" الجزء الخامس وهو مجموعة خرافات الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي لقد بذل المؤلف في هذا الكتاب قصارى جهده لتكذيبي، فقد استند لتقوية موقفه إلى أمور كثيرة تخالف واقع الأمر.الكتاب المذكور مليء بأمور سطحية جدا وبأفكار لاغية ومفتريات لا أصل لها أعلم أنه لا حاجة إلى الرد عليه أصلا لأن كل من لديه شيء من علم القرآن الكريم والحديث سيرى أنه ليس هناك حاجة إلى أن يُكتب ردّ على مثل هذا الكتيب.ولكني لما سمعت أن أتباع المولوي رشيد أحمد في منطقة سهانبور يبجلون هذا الكتيب كثيرا ويقرأونه بكل حب ظنا أنه ذكرى أيام حياته، فرأيتُ من المناسب أن ظنا منهم أرد، لإنقاذ هؤلاء الناس من الخطأ، على بعض الاعتراضات الهامة التي بسببها يعمه في ورطة الضلال الجهلاء ومَن يعوزهم العلم من تلك المنطقة، ويعتزون بهذا الكتيب الذي هو مجموعة من الأباطيل.ولكن أرى من المناسب هنا لكشف الصراط السوي على الباحثين عن الحق أن أتناول أولا شيئا من ذكر القضية الأساسية المتنازع فيها.وهي أن معارضينا بمن فيهم المولوي رشيد أحمد أيضا يعتقدون أن عيسى ال لم يمت بل صعد إلى السماء حيا بجسده المادي لإنجاز هدف ما وسينزل منها إلى الدنيا في لقد قال المعبرون بأن من رأى في المنام أنه صعد إلى السماء حيّا بجسده كان تفسيره أنه سيموت موتا طبيعيا، أي سيأمن خطط معارضيه لقتله فلا غرابة في أن يكون عيسى

Page 378

البراهين الأحمدية (٣٦٠) الجزء الخامس الحكمة وقت من الأوقات قبل القيامة.ولكن لا يخبرون ما هو ذلك الهدف الذي رفع إلى السماء من أجله هل كان الهدف الوحيد هو إنقاذ حياته من أيدي اليهود أو كان هناك أمر آخر؟ ولا يستطيعون أن يخبروا لماذا هو في السماء إلى الآن منذ قرابة ألفي عام؟ هل ما زال خائفا من بطش اليهود؟ كذلك لا يستطيعون أن يوضحوا لماذا أعطي هذه الخصوصية إذ لا يزال متربعا في السماء منذ ألفي عام تقريبا مخالفا بذلك سنة الأنبياء جميعا، وسينزل إلى الأرض في وقت من الأوقات بحسب نبوءة النبي ؟ كما لا يستطيعون أن يقولوا ما هي الإلهية وراء الرفع بالجسد هكذا والنزول؟ هل كان ذلك خوفا من بطش اليهود أو هناك سبب آخر؟ ولا يستطيعون أن يخبرونا لماذا أُعطي خصوصية الصعود والنزول هذه شخص كان في علم الله أنه سيؤله، وأن أربعمائة مليون من خلق الله سيتخذونه ابنا لله بل يتخذونه إلها لمجرد عزو هذه الخوارق إليه.أن هؤلاء الناس يقولون بكل شدة بأن عيسى اللة لم يمت بل مازال حيا يُرزق، ولكن لا يستطيعون أن يخبرونا من أي نص قرآني صريح تثبت حياته خلافا لسنن الله تعالى.أما الاعتقاد الذي تبتني الله تعالى عليه على بصيرة فهو العلامات مثل بقية الناس بعد أن نال عمرا بشريا، وأن الصعود إلى عیسی السماء بالجسد المادي والنزول بالجسد إلى الدنيا في وقت من الأوقات كلها تُهَمِّ ألصقت به قال الله : قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ).ول: القضية الحقيقية والجديرة بالبت والحكم فيها هي: هل صحيح أن العليا صعد إلى السماء بالجسد المادي في الحقيقة بخلاف سنة الله؟ وإذا ثبت ومع أن عیسی ال أيضا رأى رؤيا من هذا القبيل، ولكن قليلي الفهم لم ينتبهوا إلى تأويلها واعتقدوا أنه صعد إلى السماء بالجسد المادي حقيقة.منه.الإسراء: ٩٤

Page 379

البراهين الأحمدية (٣٦١) الجزء الخامس بنصوص القرآن الكريم الصريحة والبينة أنه رفع إلى السماء فعلا بالجسد المادي، فلا حاجة إلى النقاش حول نزوله أصلا لأن الذي يصعد إلى السماء بجسده المادي كانت عودته ضرورية بحسب النص القرآني.فإذا كان عيسى اللي قد صعد إلى السماء بالجسد المادي فأي شك في عودته.وذلك لأنه لا بد من عودته إلى الأرض ليموت فيها- إن لم يكن لعودته هدف آخر - لأنه لا يوجد للقبور مكان في السماء.وثابت من نص القرآن الكريم الصريح أن كل إنسان سيموت على الأرض فقط ويُدفن فيها وسيُخرج منها كما يقول الله تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى.غير أنه من الممكن أن يعود من السماء مصابا بمرض أو يمرض في الطريق ثم يموت على الأرض.أقول ذلك لأنه قد ورد في الأحاديث أن عيسى المقبل سينزل بين مهرودتين، والمراد من المهرودة هو المرض بحسب تعبير اتفق عليه جميع المعبرين.وقد قلت مرارا بأن هاتين العلامتين أيضا مذكورتان في الأحاديث ضمن علامات جسدية لي أنا المسيح الموعود من عند الله، لأن المراد من المهرودة هو المرض.فكما ورد في الحديث ذكر المهرودتين بحق المسيح الموعود، يلازمني مرضان أحدهما في الجزء العلوي من الجسم وهو المهرودة العليا، أي الدوار الذي أسقط على الأرض أحيانا لشدته وتضعف دورة الدم إلى القلب مما يسفر عن حالة مهولة والمرض الثاني هو في الجزء السفلي من الجسم وهو إصابتي بكثرة البول التي تُسمَّى السكري أيضا.فأتبول ١٥ أو مرة كل يوم بوجه • عام، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى ما يقارب مئة مرة في يوم وليلة، وهذا طه: ٥٦

Page 380

البراهين الأحمدية (٣٦٢) الجزء الخامس الوضع يسفر عن ضعف شديد فهاتان هما المهرودتان اللتان صارتا في نصيبي.أما الذين لا يؤمنون بي فلا مندوحة لهم من القبول أن عيسى ال سيأتي مع هذه التحفة عند نزوله من السماء؛ أي سيكون مصابا بمرضين، مرض بالجزء العلوي من الجسم ومرض بجزئه السفلي.لكان معنی ذلك أن ولو قال أحد إن المراد من المهرودتين هو الرداءان الأصفران في الحقيقة، عیسی العليا سيكون لابسا عند نزوله رداءين معصفرين مثل رهبان الهندوس ولكن هذا المعنى يتعارض تماما مع ما فسر به ما فسر به النبي ﷺ کشوفه.فقد رأى سوارين في يده وفسرهما بمتنبئين كاذبين.ثم رأى بقراتِ تذبح ففسر ذلك باستشهاد أصحابه ، ورأى لباسا طويلا على عمر الله وفسره بالتقوى.فلماذا لا تُفسّر المهرودتان المذكورتان في هذا الحديث بحسب سنة النبي القديمة - بما فسّره أكابر المفسرين المسلمين أجمعين ولا يخالف أحدهم هذا التفسير ؟! وذلك التفسير هو أن المراد من المهرودتين هو مرضان.أقول حلفا بالله إن تجربتي الشخصية أيضا تشهد على أنني جرّبت مرات عديدة، لا أكاد أحصيها، أنه كلما رأيت في الرؤيا رداء أصفر علي أو على غيري كانت النتيجة هي الإصابة بالمرض دائما فمن الظلم تماما أنه كما يستنبطون من كلمة مُتَوَفِّيكَ بحق عيسى اللي معنى مخالفا لما يستنبط بحق كل شخص في العالم، كذلك يستنبطون من المهرودتين أيضا معنى يعارض ما بينه النبي ﷺ والصحابة والتابعون وتابعو التابعين وأئمة أهل البيت.ملخص الكلام أن النقاش الأهم في هذا المقام هو هل مات عيسى الحقيقة أم لا؟ لأنه لو ثبت أنه صعد إلى السماء حيا بالجسد المادي لكانت عودته إلى الأرض محتومة في كل الأحوال كما قلت آنفا ليشترك مع المهدي في مهامه أو ليموت على الأرض على الأقل.فهذا هو النقاش الأصلي ومن العلمية لا في

Page 381

(٣٦٣) الجزء الخامس البراهين الأحمدية شأن البت فيه أن يحلّ القضية كلها والفريق الذي يملك أدلة قوية على حياة عيسى ال أو موته هو على الحق حتما.والبحوث الأخرى بعد البت في هذا البحث تصبح فرعية وغير ضرورية، بل تزول بقية شبهات الفريق المغلوب تلقائيا.فهذه هي القضية الهامة التي يتحتم على الباحث عن الحق أن يفكر فيها ويتأملها بتأنٍ شديد.ما يؤسف له في هذا المقام هو أن القرآن الكريم قد بين موت عيسى العلي بكلمات صريحة، وبين النبي ﷺ انضمام عيسى إلى أرواح خلت من هذه الدنيا، وقد وافق الصحابة جميعا بالإجماع الواضح على قرار أن جميع الأنبياء قد ماتوا، ومع ذلك يقدّم معارضونا حياة عيسى اللي بالتكرار، وينبذون القرآن لقد واجه الصحابة بوفاة النبي حزنا شديدا، وبناء على تلك الصدمة قال عمر ه لدى سماعه بعض الكلمات من المنافقين بأن النبي ﷺ سيعود إلى الدنيا ثانية ليجدع أنوف المنافقين وآذانهم.ولما كانت هذه الفكرة خاطئة فجاء أبو بكر الصديق إلى بيت عائشة الصديقة رضي الله عنها أولا ورفع الثوب عن وجه النبي ﷺ وقبل جبينه المبارك وقال: "أنت طيب حيا وميتا، لَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ عَلَيْكَ الموتتَيْنِ إِلَّا مَوْتَتَكَ الأُولَى".كان المراد من هذا القول بأنه الله لن يعود إلى الدنيا.ثم جمع الصحابة و كلهم في مسجد النبي - ولحسن الحظ كان الصحابة الأحياء كلهم موجودين في المدينة حينذاك واعتلى أبو بكر ه المنبر وتلا الآية: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) (آل عمران (١٤٥ هذا كان أول إجماع للصحابة له أثبت أن الأنبياء قد ماتوا جميعا بمن فيهم عيسى ال.أما القول بأن من معاني كلمة خلت الصعود إلى السماء أيضا، فليس إلا تعنتا محضا لأنه لا يثبت من قواميس اللغة العربية أن لفظ "خلت" يفيد معنى الصعود إلى السماء حيًّا.وبالإضافة إلى ذلك فقد بين الله تعالى بنفسه معنى خَلَتْ في الجملة التالية فقال : أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فحصر معنى حلت في أمرين اثنين فقط، أي الموت الطبيعي أو القتل.وإلا كان المفترض أن يكون شرحه كالتالي : أفإن مات أو قتل أو رفع إلى السماء بجسمه العنصري.فمما يناقض أسلوب

Page 382

البراهين الأحمدية (٣٦٤) الجزء الخامس الكريم وراء ظهورهم ويضربون بالأحاديث عرض الحائط ويُعرضون عن إجماع الصحابة، ويعتصمون بخطأ آبائهم وأجدادهم.وليس لديهم أدنى دليل على أن العليا لم يمت وأنه سيعود إلى الدنيا في الزمن الأخير.والحق أن الحسد عیسی الذي يتولد في قلوب المعتزين بأنفسهم دائما بسبب المعاصرة، هو الذي يحثهم على المعارضة.ولو قبلنا كافتراض محال أنه كانت لديهم بعض الأدلة من القرآن الكريم والأحاديث مقابل أدلتي، لكان مع ذلك من مقتضى التقوى أن يستحيوا بإزاء من جاء على رأس القرن عند ضرورة العصر تماما وأثبت ادّعاءه بأدلة قوية، لأن الله تعالى لم يسمهم حَكَما - حتى يرجحوا كلامهم وقولهم مقابل المسيح الموعود بل سمى المسيح الموعود حكما.فإن كانوا يملكون بعض الأدلة الظنية كان من مقتضى التقوى أن ينبذوها إزاء من يقدم أدلة شرعية يقينية ويُري آيات سماوية.ولكن من المؤسف حقا أنهم يحذون حذو اليهود ويناصرون الكذب فحسب.لقد جئت من الله تعالى حَكَمًا ولكنهم يريدون أن ينصبوا أنفسهم حَكَمًا على! والآن أتوجه إلى إثبات أن عيسى توفّى فعلا وأن الاعتقاد بحياته يخالف القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة.فليكن معلوما أن القرآن الكريم يعلن بأعلى صوته وبوضوح تام أن عيسى مات موتا طبيعيا.كما يقول الله تعالى كوعدٍ في آية: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ البلاغة أن يُذكر معنيان مما اشتملت عليه كلمة خَلَتْ بحسب قول معارضينا، ولا يُذكر المعنى الثالث مطلقا.فكان أبو بكر الله يقصد من كلامه أن النبي ﷺ لن يعود إلى الدنيا كما صرح به عند تقبيله جبينه.فلا بد للمعارض من القبول أن عیسی العليا لن يعود إلى الدنيا بحال من الأحوال، وإن كان حيًّا بافتراض المحال وإلا سيبطل المقصود من الاستدلال.وإن إجماع الصحابة هذا لا يمكن إنكاره..ه منه.

Page 383

البراهين الأحمدية (٣٦٥) الجزء الخامس وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ويشير في آية أخرى إلى تحقق الوعد فيقول: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ فمعنى الآية الأولى أنني سأميتك ميتة طبيعية'، أي لن تملك بالقتل أو الصلب وسأرفعك إلي.فجاءت هذه الآية وعدا.وأشير في الآية الثانية إلى إيفاء هذا الوعد وبيان معانيهما بشيء من الشرح كما يلي: لا يعتقد اليهود يقينًا أنهم قتلوا عيسى ولما لم يثبت القتل، ثبت الموت الطبيعى المحتوم لكل إنسان.فبطل تلقائيا ما اعتبره اليهود مانعا في رفع عيسى ال إلى الله أي القتل أو الصلب، ورفعه الله إليه بحسب وعده.ولا يفيد هنا الإصرار على أن "التوفي" لا يعني الإماتة، لأن أئمة لغة العرب كلهم متفقون على أنه إذا أُطلق لفظ "التوفّي" على علم، أي بذكر شخص كأن يقال "توفّى الله زيدا، كان المعنى: أمات الله زيدا.لذلك لم يورد معين، أئمة اللغة معنى آخر في مثل هذا المقام بل كتبوا الإماتة فقط.فقد ورد في ليكن معلوما أن "التوفّي" في العربية لا يعني الموت فقط بل معناه الموت الطبيعي الذي لا "I وهو هو يحدث بالقتل أو الصلب أو بعوامل خارجية أخرى.لذلك قال صاحب الكشاف - علامة لسان العرب في هذا المقام عند تفسير إِنِّي مُتَوَفِّيكَ: إني مميتك حتف أنفك.وبناء على ذلك جاء في "السان العرب" و "تاج العروس": "توفي الميت استيفاء مدته التي وفيت له، وعدد أيامه وشهوره وأعوامه في الدنيا.وبطبيعة الحال هذا لا يحدث إلا إذا كان الموت طبيعيا وليس بالقتل.منه.لقد ورد في صحيح البخاري، وهو أصح الكتب بعد كتاب الله، أن معنى التوفي هـ الإماتة، إذ قد وردت فيه رواية عن ابن عباس في تفسير الآية: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ، متوفيك: إني مميتك.وأظهر الإمام البخاري أيضا أنه ،مذهبه إذ أورد لتأييد المعنى نفسه حديثا آخر ملخصه أن النبي ﷺ قال ما مفاده: سيقول عيسى يوم القيامة بأن الذين فسدوا من أمتي قد فسدوا بعد موتي، وسأقول أنا أيضا بأن الذين فسدوا من أمتي قد فسدوا بعد مماتي.فإذا استخدم فعل "التوفي" وكان الفاعل هو الله وكان الواقع عليه الفعل هو شخص ذكر اسمه، فيكون المعنى هو الإماتة حتما ولا مجال لإنكاره.منه.

Page 384

البراهين الأحمدية (٣٦٦) الجزء الخامس "لسان العرب" تأييدا لبياني: "توفّى فلان وتوفاه الله إذا قبض نفسه، وفي الصحاح إذا قبض روحه.وجاء في "تاج العروس" في هذا المقام: "توفّي فلانٌ إذا مات"، وجاء فيه أيضا: "توفاه الله وعل: إذا قبض نفسه".وورد في الصحاح: "توفاه الله: قبض روحه".وبقدر ما تصفّحتُ الصحاح الستة وغيرها من الأحاديث النبوية الشريفة وجدتُ أنه لا يوجد في كلام النبي الله ولا في كلام الصحابة أو كلام التابعين أو تابعي التابعين نظير حيث أُطلق لفظ التوفّي على علم- أي أُطلق هذا الفعل على شخص بذكر اسمه- وكان الفاعل هو الله وكان الشخص المذكور هو الواقع عليه الفعل، ثم كان المعنى غير الإماتة.بل كلّما أُطلق فعل التوفّى على شخص بذكر اسمه وكان الفاعل هو الله، ومن يقع عليه الفعل هو الشخص المذكور أريد به دائما أنه مات.فقد وجدتُ على ذلك في الأحاديث أكثر من ۳۰۰ نظير تبين منها أنه حيثما أُطلق فعل التوفّى وكان الفاعل هو الله وكان الواقع عليه الفعل هو الشخص المذكور اسمه، كان المعنى دائما هو الإماتة حصرا.و لم أجد، مع أنني بحثت بحثا مضنيًا، حديثا واحد كان الفاعل في فعل التوفي هو الله والواقع عليه الفعل هو عَلَم، أي اسم شخص، وكان المعنى هو غير الإماتة.كذلك حينما قرأت القرآن الكريم من البداية إلى النهاية تبين منه أيضا الأمر نفسه كما يثبت من الآية: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْني بِالصَّالِحِينَ ، والآية: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ وغيرهما.ثم تصفّحتُ دواوين العرب للغرض نفسه فقط وقرأت بإمعان شديد أشعار فحول الشعراء في الجاهلية والإسلام وبذلتُ في قراءتها وقتا طويلا و لم أجد نظيرا واحدا فيها أيضا حيث كان يوسف: ١٠٢ ' يونس: ٤٧

Page 385

البراهين الأحمدية (٣٦٧) الجزء الخامس الفاعل لفعل التوفّي هو الله تعالى وكان من يقع عليه الفعل عَلَمًا- أي جعل شخص مفعولا به بذكر اسمه وكان المعنى غير الإماتة.ثم استفسرت كثيرا من أهل العلم والفضل والكمال من العرب فتبين لي على لسانهم أيضا أن التعبير الجاري والمتداول في جميع بلاد العرب إلى يومنا هذا هو أنه إذا قال أحد عن شخص: "توفّى الله فلانا"، يُفهم منه بالقطع واليقين أن الله أماته.وإذا استلم عربي 28 من عربي آخر رسالة جاء فيها مثلا: "توفّى الله زيدا"، يُفهم منها أن الله تعالى قد أمات زيدا.فبعد هذا القدر من البحث والتحقيق البالغ مبلغ حق اليقين قد بت في الموضوع وبلغ مبلغ الأمور المشهودة والمحسوسة أن لفظ التوفّي إذا أطلق على شخص على هذا النحو كان معناه دائما أنه مات وليس إلا.فما دام لفظ "التوفّي" قد ورد في القرآن الكريم بحق عيسى العلمية لا مرتين، فتبين من ذلك على وجه القطع واليقين أنه مات في الحقيقة، وكان رفعه رفعا روحانيا.وأنه لم يمت بالقتل أو الصلب بل مات ميتة طبيعية كما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم.والواضح من لسان العرب" والقواميس الأخرى أن المعنى الحقيقي للتوفّي هو الإماتة ميتة طبيعية.ولقد ذكرتُ من قبل أن إمام اللغة العربية المنقطع النظير الذي لا يسع أحدا أن ينبس مقابله ببنت شفة، أي العلامة الزمخشري - الآية: (إنِّي مُتَوَفِّيكَ معنى: "إني مميتك حتف أنفك".ومعنى يستنبط من فليكن واضحا أن ما وصفتُ الزمخشري به هنا على أنه العلّامة والإمام إنما فعلته نظرا إلى تبحره في علم اللغة لأنه بلا أدنى شك- متمكن في لغة العرب ومجالات استخداماتها المختلفة ومقامها وكلماتها والفروق بين فصيح الكلام ،وغيره وبين اللغة الجيدة والرديئة، والفوارق بين المرادفات وخواصها وتراكيبها وكلماتها القديمة والمستحدثة وقواعد الصرف والنحو والبلاغة اللطيفة.فكان إماما وعلّامة الدهر في هذه الأمور المذكورة وليس في غيرها.منه.

Page 386

البراهين الأحمدية (٣٦٨) الجزء الخامس "حتف" في العربية هو الموت، والأنف معروف.وقد ساد بين العرب منذ القدم اعتقاد أن نفس الإنسان تزهق عن طريق أنفه، لذا أطلقوا على الموت الطبيعي: "حتف أنف".والاستخدام الصحيح للفظ التوفّي في اللغة العربية هو في محل الموت الطبيعي.أما إذا هلك أحد قتلا أطلق عليه العرب فعل "قتل".وهذا الاستخدام لا يخفى على من لديه إلمام بالعربية غير أنه من القواعد المتداولة عند العرب استخدامهم أحيانا كلمة تستعمل عادة استعمالا خاصا بتركيبتها الأصلية- في غير محلها مع إقامة قرينة؛ أي يوسعون استخدامها.أما عند غياب القرينة فيكون استخدام الكلمة بمعناها الحقيقي ضروريا.أما ما قاله العلامة الإمام الزمخشري تحت الآية إنِّي مُتَوَفِّيكَ : إني متوفيك حتف أنفك، فلم يركز العلامة المذكور على الاستخدام الحقيقي فقط لكلمة "التوفي" عند توسيع معناها بل تأمل بحذائها في الآية: (مَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) وكذلك في الآية: (مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ووجد فيهما قرينة قوية على أن استخدامها في معناها الحقيقي ضروري وواجب.أي أن معناها هو: يا عيسى سأميتك موتا طبيعيا، لذلك فسر الآية: إنِّي مُتَوَفِّيكَ أي مميتك حتف أنفك ".إذًا، فإن نظر الإمام الزمخشري عميق وجدير بالإشادة بوجه خاص بحيث لم يقصر لفظ "التوفّي" على معناه الحقيقي - بل تأمل أيضا بحذائه في الآيات القرآنية الأخرى التي تقول بأن عيسى لم يُقتل ولم يُصلب – وفسّر هذا سهو الناسخ، والصحيح "مميتك" كما قيل من قبل ومن بعد.(الناشر) لما كان رفع نبي روحانيا بحسب اعتقاد اليهود يتوقف على موته الطبيعي، وأما القتل والصلب فيعيق الرفع الروحاني لذا قال الله تعالى أولا في ردّ اليهود أن عيسى سيموت موتا طبيعيا.ولأن الرفع الروحاني هو نتيجة الموت الطبيعي فأورد "رافعك إلي" بعد "متوفيك" لدحض أفكار اليهود دحضا تاما.منه.

Page 387

البراهين الأحمدية (٣٦٩) الجزء الخامس من مُتَوَفِّيكَ بحسب معناها كما هو الحق.وهذا التفسير لا يمكن أن يقوم به إلا كان ضليعا في اللغة.اعلموا أن العلّامة الزمخشري عالم معترف به في لسان العرب، والقادمون بعده يعترفون بعلو كعبه في هذا المجال.وإن مؤلفى القواميس يستشهدون بأقواله، كما استشهد به صاحب تاج العروس كثيرا.الآن، يستطيع القراء الكرام أن يفهموا جيدا أن الآية: (مَا قَتَلُوهُ يَقِينًا والآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ذُكرتا لتوضيح معنى التوفي فقط ولا تتناولان موضوعا جديدا، بل المقصود هو الشرح أنه كما تضمنت الكلمة: مُتَوَفِّيكَ)) وعدا أن عيسى سيموت موتا طبيعيا، فمات موتا طبيعيا، لم يقتله أحد ولم يصلبه.وبذلك بطلت تلقائيا فكرة تطرقت إلى أذهان اليهود أن عيسى ملعون، والعياذ بالله، ولم يُرفع رفعا روحانيا، لأن هذه الفكرة كانت مبنية على فكرة القتل والصلب فقط، وقد استنبط منها أن عيسى ملعون، ومطرود من حضرة الله و لم يُرفع إلى الله، والعياذ بالله.فلأن الله تعالى شهد من خلال كلمة: "متوفيك" أن عيسى مات موتا طبيعيا، ولم يكتف و بذلك بل زاد الآية: مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ والآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ) شرحا من خلال: مُتَوَفِّيكَ أي الموت الطبيعي الذي كان المقصود الحقيقي من مُتَوَفِّيكَ لأن الذي لم يمت بالقتل أو غيره من أسباب خارجية، سيُفهم أنه مات موتا طبيعيا.فلا شك أن العبارة ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ جاءت شرحا لكلمة: متوفيك.وحين ثبت عدم القتل والصلب، ثبت رفع مقام عيسى ال إلى الله وطبقا لقاعدة: إذا فات الشرط فات المشروط، وهو المطلوب.أقول عودةً إلى كلامي السابق بأنه من الثابت المتحقق أنه حيثما كان الله الله هو الفاعل لفعل التوفّي وجُعل شخص بذكر اسمه مفعولا به لهذا الفعل،

Page 388

البراهين الأحمدية (۳۷۰) الجزء الخامس الله كان المعنى دائما أن الله تعالى ،أماته أو سيُميته ولا معنى له سواه على الإطلاق.قبل فترة نشرتُ إعلانا عن هذا الأمر الثابت المتحقق قلتُ فيه بأنه إذا استطاع أحد أن يقدم خلاف ذلك من الحديث أو دواوين العرب المعترف بها عبارةً كان فيها هو الفاعل لفعل التوفي، وكان المفعول به هو العلم، أي الشخص بذكر اسمه، وأُريدَ منه معنى غير الموت؛ فسأعطيه جائزة كذا وكذا.ولم يردّ أحد على ذلك الإعلان إلى اليوم وأنشر الآن مرة أخرى إعلانا بجائزة مائتي روبية نقدا إتماما للحجة بأنه إذا كان أحد من معارضينا لا يرى بياني هذا أمرا يقينيا وقطعيا فعليه أن يقدم من الأحاديث النبوية الصحيحة أو من الأقوال المعترف بها لشعراء العرب القدامى والمعترف بهم كعلماء اللغة وفي مجالهم عبارةً كان فيها الفاعل لفعل التوفي هو الله المفعول به هو العلم، مثل زيدٍ وبكر وخالدٍ، وأُريد من العبارة معنى غير وكان الإماتة بالبداهة؛ ففي هذه الحالة سأعطي هذا الشخص مائتي روبية نقدا.وسيكون واجبا على هذا الشخص أن يكون الحديث الذي يقدمه هو حديثا صحيحا للنبي ﷺ أو قول شاعر من الشعراء العرب القدامى المعترف بكماله في علم محاورات العرب.كذلك يتحتم عليه الإثبات أيضا أن ذلك الحديث أو الشعر يعطى معنى مخالفا تماما لما أدعيه أنا، وأن المعنى الذي أستمده أنا يُفسد ذلك المضمون، أي أن ذلك الحديث أو الشعر يدل دلالة قاطعة على ذلك المعنى، لأنه إذا كان ذلك الحديث أو الشعر يحتمل أيضا المعنى الذي أستمده أنا، فلا يجوز تقديمه قط لأن العبارة التي تقدَّم كنظير يجب أن يكون مضمونها المخالف قطعي الدلالة.والسبب في ذلك أنه ما دام قد ثبت من مئات الأدلة القطعية الدلالة أن فعل التوفي إذا كان الفاعل فيه هو الله وكان المفعول به عَلَمًا، أي شخصا بذكر اسمه، فلا يعطي معنى آخر قط سوى إماتة ذلك

Page 389

البراهين الأحمدية (۳۷۱) الجزء الخامس المفعول به.والذي يدعي خلاف تلك النظائر المتواترة الكثيرة، تقع عليه مسئولية أن يقدّم نظيرا صريحا قطعي الدلالة ضد ادّعائنا.وإلا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.والدليل القوي والقطعى الثاني على وفاة عيسى اللي هو قول الله تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ)) لأنه يتبين من مطالعة القرآن الكريم والأحاديث أن الرفع إلى الله الذي يتبين من: رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ لا يُطلق إلا على حالة الموت كما يقول الله في القرآن الكريم: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةٌ * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي.من الواضح أنه لا يستنبط أحد من المسلمين من قول الله تعالى: ارْجِعِي إِلَى رَبِّكَ أن المراد منه هو صعود الإنسان إلى السماء حيا بالجسد المادي، بل يُستنبط من الآية: ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ معنى الموت دائما.فلما كان المراد من الرجوع إلى الله تعالى هو الموت بعينه بحسب نص القرآن الكريم الصريح، فكيف لا يُستنبط الموت" من الرفع إلى الله كما يتبين من: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ؟ إنه لَمِمّا البقرة: ٢٥ الفجر: ٢٨ - ٣١ كذلك هناك آيات أخرى كثيرة في القرآن الكريم يتبين منها بداهة أن تعبير الرفع إلى الله والرجوع إلى الله يفيدان الموت دائما كما يقول تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (السجدة: (۱۲) ويقول في آية أخرى في القرآن الكريم: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (العنكبوت: ٥٨)، ثم يقول : وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا :(مريم: (٥٨) بيان هذه الآية أن الذين يُرفعون إلى الله تعالى بعد الممات لهم مراتب عدة.فيقول الله تعالى بأننا وهبنا لذلك النبي مرتبة عليا هنا بعد رفعه أي وفاته.يقول النواب صديق حسن خان في تفسيره فتح البيان: المراد من الرفع هنا هو الرفع الروحاني الذي يحدث بعد الموت وإلا تستلزم استباحة محذور وهو أن يعود ذلك

Page 390

البراهين الأحمدية (۳۷۲) الجزء الخامس يخالف العدل والعقل والتقوى أن يترك المرء المعنى الذي يتحقق ويثبت من النصوص القرآنية ويتمسك بجانب لا يملك عليه أي دليل.هل لأحد أن يثبت أن لتعبير "رفع إلى الله" في اللغة العربية ومحاورة العرب معنى آخر غير الموت؟ غير أنه من الصحيح تماما أن المراد من الموت هنا هو الموت الذي تُرفع الروح إلى الله تعالى بعده مثل موت المؤمنين، والتعبير نفسه مستخدم في كتب الله السابقة أيضا.أما قول الله تعالى في الآية المذكورة آنفا فَادْخُلِي فِي عِبَادِي والآية التي تعني بجمعها مع عبارة سبقتها أي: ارْجِعِي إِلَى رَبِّكَ أنه لا يستطيع أحد أن ينضم إلى الأرواح الخالية ما لم يمت.فلما كان الدخول في الأرواح الخالية دون الموت مستحيلا وممتنعا بحسب نص القرآن الكريم، فكيف جلس عيسى ال دون موته مع يحيى العليا في السماء الثانية؟ وفي هذا المقام هناك نقطة جديرة بالذكر أن الله تعالى يقول أيضا في الآية المذكورة آنفا وَادْخُلِي جَنَّتِي، والآية بكاملها هي: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي ، فما دام ثابتا من رؤية النبي الله ليلة المعراج أن أرواح الأنبياء والرسل من هذه الدنيا إنما هي في العالم الآخر كفئة تلحق دون تأخير بفئة الأرواح التي خلت من قبل وتنضم إليها كما يتبين من الآية: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي.وهذا ما تقتضيه أيضا الجملة الأخيرة من هذه الآيات أي: التي خلت من النبي إلى الأرض ليموت فيها.من المؤسف أن هؤلاء الناس ينسون هذا المعنى في آية: إنّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ مع أن كلمة مُتَوَفِّيكَ في هذه الآية سبقت كلمة: رَافِعُكَ.فإذا جاز استنباط الموت من رَافِعُكَ وحدها، فلماذا لا يجوز استنباط الموت من مُتَوَفِّيكَ ورَافِعُكَ ؟ منه.

Page 391

البراهين الأحمدية (۳۷۳) الجزء الخامس جنَّتِي ) أن يدخل جميع عباد الله الجنة دون تأخير.وكما أن مفهوم الآية: في عِبَادِي ليس أمرا مترقبا يُتوقع حدوثه في مستقبل بعيد بل يتحقق دون تأخير بعد وفاة الصالحين.بمعنى أن الجماعة التي تموت فيما بعد تلحق بالأولين دون تأخير.فكذلك يستلزم أن يتحقق مفهوم الجملة الثانية للآية أي ﴿وَادْخُلِي جنّتي أيضا دون تأخير بمعنى أن كل من يموت من بين المؤمنين الطاهرين والطيبين لا بد وأن يدخل الجنة فورا.وهذا هو الحق كما هو مشروح في آيات أخرى في القرآن الكريم.ومن جملتها آية يقول الله تعالى فيها: قيل هنا ينشأ اعتراض في الظاهر أنه إذا كان المؤمنون الطيبون والطاهرون الذين ليس عليهم عبء ذنب ومعصية يدخلون الجنة دون تأخير، فهذا يستلزم إنكار حشر الأجساد والمستلزمات الأخرى المتعلقه به، لأن الخروج من الجنة بعد دخولها مرة مستحيل بحسب الآية: ﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجينَ) (الحجر: (٤٩ وبذلك تبطل فكرة حشر الأجساد وأمور المعاد كلها.فجوابه أن الاعتقاد بدخول المؤمنين المطهرين الجنة دون تأخير ليس من بنات مما علمه القرآن الكريم.أما التعليم الثاني للقرآن عن حشر الأجساد وقيام هو أفكاري، بل الموتى فهو أيضا حق ونؤمن به.والفرق الوحيد هو أن هذا الدخول في الجنة سيكون بصورة إجمالية فقط، والأجساد يُعطاها المؤمنون بعد موتهم فورا تكون أيضا ناقصة.أما يوم حشر الأجساد فهو يوم تجل أعظم، وتُعطى يومئذ أجساد كاملة، وإن علاقة أهل الجنة لن تنقطع مع الجنة بحال من الأحوال؛ فمن وجه يكونون في الجنة ومن وجه يمثلون أمام الله.هل الشهداء الذين يأكلون من ثمار الجنة كعصافير خضراء لن يحضروا أمام الله بخروجهم من الجنة؟ فتدبّر.منه.الجسد ضروري لدخول الجنة ولكن ليس ضروريا أن يكون ذلك الجسد ماديا، بل يجب أن يكون غير مادي، لأن ثمار الجنة وغيرها من الأشياء أيضا ليست مادية بل هي خلق جديد، لذا سيكون الجسد أيضا خلقا جديدا غير الجسد السابق.ولكن لا بد أن يُعطى المؤمنون جسدا بعد الممات.ولا تدل على ذلك كلمة فقط، بل لم ير النبي ليلة المعراج أرواح الأنبياء فقط، بل رأى أجسادهم جميعا، وإن جسد عيسى ال لم يكن مختلفا عن أجساد بقية الأنبياء.منه.

Page 392

البراهين الأحمدية (٣٧٤) الجزء الخامس ادْخُلِ الْجَنَّةَ، كذلك هناك آيات أخرى كثيرة نقلها مدعاة للإطالة، ويثبت منها أن أرواح الطيبين والمطهرين تدخل الجنة بعد موتهم فورا.كذلك يثبت الأمر نفسه من أحاديث كثيرة.وأكلُ أحاديث كثيرة.وأكلُ أرواح الشهداء ثمار الجنة مذكور في أحاديث معروفة لا تخفى على أحد.ويقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"، وهذا ما يثبت من الكتب السابقة أيضا.فما دام دخول أرواح الطيبين والمطهّرين الجنة ثابتا والمعلوم أن الجنة مقام فيه النعماء المادية أيضا من عدة أنواع وثمار مختلفة، ومعنى دخول الجنة أن يأكل الداخل تلك النعم - ففي هذه الحالة يكون دخول الروح وحدها الجنة بلا معنى ولا فائدة فهل ستبقى بعد دخولها الجنة كالمحرومين ولا تستفيد من نعمائها؟ فالآية: ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي تبين بصراحة أن المؤمن يُعطى جسدا بعد الممات.فلهذا السبب يعتقد الأئمة والمتصوفة الكبار أن المؤمنين الطيبين يس : ٢٧ ۲ آل عمران: ۱۷۰ فليتضح أن المسيحيين أيضا يعتقدون أن يسوع المسيح أي عيسى لم يُرفع بالجسد المادي جسما جلاليا بعد الممات.ومن المؤسف أشد الأسف أن المسلمين في زمن الفيج بل أُعطي الأعوج الذين جاءوا بعد القرون الثلاثة لا يعتقدون في ذلك اعتقاد الصحابة لأن الصحابة أجمعوا على وفاة جميع الأنبياء السابقين بمن فيهم عيسى الله أيضا، ولا يتفقون مع اليهود في هذه القضية لأن اليهود يعُدّون عيسى الملعونا، والعياذ بالله، وينكرون رفعه الروحاني الذي لا بد منه لكل مؤمن بعد موته لأن نتيجة التعليق على الخشبة هو الحرمان من الرفع الروحاني وكون المعلق ملعونا وليس إلا.بل لا يتفقون حتى مع المسيحيين لأن المسيحيين يعتقدون برفع جسد المسيح ولكن لا يعتقدون برفع جسده المادي مثلهم بل يقولون برفع الجسد الجلالي الذي أعطيه عيسى بعد الموت بحسب زعمهم.على أية حال، لا يمكننا أن ننكر أن يكون عيسى ال قد أعطي بعد موته جسدا جلاليا غير الجسد المادي لأن هذا الجسد يُعطاه كلُّ مؤمن صادق بعد الممات كما تشهد عليه

Page 393

البراهين الأحمدية (۳۷۰) الجزء الخامس والمطهرين ينالون الأجساد النورانية الطاهرة بعيد ،موتهم ، ومن خلالها يستمتعون بنعماء الجنة.وإن تخصيص الجنة للشهداء فقط ظلم بل كفر.فهل لمؤمن صادق الجنة؟ أن يتجاسر ويقول بأن النبي الله الذي تحت روضته جنة ما زال خارج ولكن الذين نالوا الإيمان والتقوى بواسطته دخلوا الجنة نتيجة استشهادهم ويأكلون ثمارها؟! بل الحق أن من كرّس حياته كلها في سبيل الله فقد نال مرتبة الشهادة تلقائيا.فمن هذا المنطلق كان نبينا الأكرم الأول الشهداء.فما دام ذلك ثابتا ومتحققا فنقول بأن المسيح أيضا رفع إلى السماء بالجسد (ولكن بجسد يختلف عن هذا الجسد المادي) ثم دخل في عباد الله ودخل الجنة.ففي هذه الحالة ليس بيننا وبين معاندينا إلا نزاع لفظي.والآن لما ثبت الرفع بالجسد، ما الحاجة الآية: (وَادْخُلِي جَنَّتِي لأن الروح وحدها ليست جديرة بدخول الجنة، فلا خصوصية خطأ المسيحيين إذ يعتقدون أن أُعطي جسدا لعيسى العلا في ذلك.غير أنه من عیسی جلاليا بعد الموت على الصليب لأنه لم يمت على الصليب قط وإلا لكان كاذبا والعياذ بالله - في تقديم مثل النبي يونس بحقه، ولكان مصداقا لمفهوم اللعنة.لأن الملعون هو من انحرف قلبه عن الله مثل الشيطان، وكان عدوا الله، وكان الله عدوا له وطرد من حضرته كالشيطان، وتمرد عليه الا الله فهل يُعقل مثل هذا التفكير بحق عيسى العليا؟ كلا.وهل يمكن لمسيحي أن يتجاسر ويقول إن عيسى انحرف عن الله بعد حادث الصليب وأوثق رباطه مع الشيطان؟! هذا هو مفهوم اللعنة المتداول وقد اتفقت عليه الأمم كلها منذ أن خلقت الدنيا.ولكن من المؤسف أن المسيحيين لم يتأملوا في ذلك وإلا لتبرأوا من هذه الديانة بشدة وتركوها.وبالإضافة إلى ذلك يتبين من الوقائع التي تقدمها الأناجيل أنه قد شوهد الجسد المادي لا غيره لعيسى الا بعد النجاة من الصليب كما شك الحواري "توما" وقال ما مفاده: كيف جاء عيسى ناجيا من الصلب؟! فأراه عيسى العليا جروحه وأدخل فيها "توما" إصبعه.فهل يمكن أن تبقى الجروح في الجسد الجلالي أيضا، وهل يمكننا القول بأنه نال جسدا جلاليا ومع ذلك لم ينج من الجروح؟! بل الحق أن الجسد الجلالي كان ذلك الذي ناله بعد وفاته في كشمير.منه.

Page 394

(٣٧٦) الجزء الخامس البراهين الأحمدية بعد ذلك إلى رفع عيسى ال إلى السماء بالجسد المادي بالإعراض عن سنة الله المسلم بها والجارية مع الأنبياء جميعا بإعطائهم جسدا طاهرا؟ وإذا كان الاعتقاد أنه اللي أعطي جسدا نورانيا بعد الممات كما أُعطي إبراهيم وموسى ويحى وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام أجسادا ،روحانية، وقد رفع إلى الله بذلك الجسد، فنحن أيضا لا ننكر ذلك، بل نقبل على الرأس والعين وبكل سرور وحبور صعود المسيح ال إلى السماء بالجسد من هذا النوع.مع أن الآيات المذكورة آنفا نصوص صريحة وقاطعة على وفاة عيسى العليا، ولكن لو قرأنا القرآن الكريم بتأمل وتدبر لوجدنا آيات كثيرة أخرى تثبت بها وفاته ال.فمن جملتها قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ.فكما قلتُ من قبل: لا يصح القول بأن كلمة خَلَتْ لو استخدمت بحق جميع الأنبياء الآخرين لكان أن الله تعالى رفعه إلى السماء معناها الإماتة، ولكنها في حالة العلمية لا عیسی تعني بجسده المادي.فهذا الادعاء بلا دليل على الإطلاق ولم يقدم عليه أي إثبات قط.بل حيثما وردت كلمة خَلَتْ في القرآن الكريم جاءت بمعنى الموت أحدا أن يأتي من القرآن الكريم بنظير يفيد أن شخصا رفع إلى فقط.ولا يسع السماء بجسده المادي.إضافة إلى ذلك، كما بينت من قبل أن الله تعالى شرح بنفسه مفهوم خَلَتْ في هذه الآيات، وحصره في الموت أو القتل فقط.بناء على هذه الآية الكريمة أجمع الصحابة والله كلهم على وفاة جميع الأنبياء والرسل، وأنه لن يعود منهم إلى الأرض.بل كانت الغاية المتوخاة من هذا الإجماع إثبات أن أحد ١ آل عمران: ١٤٥

Page 395

البراهين الأحمدية (۳۷۷) الجزء الخامس عودة أي شخص إلى الدنيا ليست ممكنة.وكان المقصود من هذا الإجماع إزالة ما خطر ببال عمر له من أن النبي سيعود إلى الدنيا ليجدع أنوف المنافقين وآذانهم.من الواضح تماما أنه لو قُبلت في الإسلام فكرة عودة أي نبي إلى الدنيا لاستحالت إزالة ما خطر ببال عمر لهلهلهلهله بتلاوة هذه الآية.وهذه الفكرة تحط من شأن النبي أيضا، بل لكانت قراءة أبي بكر له هذه الآية عبثا محضا في هذه الحالة.باختصار إنها آية عظيمة تعلن وفاة عيسى ال بأعلى صوتها، فالحمد لله على ذلك.10/ هناك آية أخرى أيضا تثبت وفاة عيسى اللي وهي قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ :(المائدة: (٧٦ في هذه الآية يُبطل الله تعالى ألوهية عيسى ٧٦).العليا ويقول بأن الأنبياء السابقين قد ماتوا جميعا وأن فكرة وجود المسيح حيا في السماء باطلة تماما، فكيف يمكن أن تثبت ألوهية المسيح بهذا الدليل؟ فهو باطل في حد ذاته؛ لأن سهم الموت لم يخطئ قط، بل أصاب الجميع.والدليل الثاني على عبوديته هو أنه ولد من بطن أُمّ بينما لا أُمّ للإله.والدليل الثالث على عبوديته هو أنه وأُمّه كانا يأكلان الطعام حين كانا حيين، والله منزه عن تناول الطعام، لأن الطعام يعوِّض ما يتحلّل، والله أسمى من أن يصيبه التحلّل، بينما كان المسيح يأكل الطعام.فإذا كان إلها فهل يتحلّل وجود الإله أيضا؟ ففي ذلك إشارة إلى أن البحوث الطبيعية تؤكد على أن جسم الإنسان يتغير تماما إلى ثلاثة أعوام إذ تتحلّل أجزاؤه السابقة وتحل محلها أجزاء جديدة، ولكن الله تعالى بريء من هذا النقص.فقد قدّم الله تعالى هذا الدليل على كون عيسى اللة إنسانا.العليا

Page 396

(۳۷۸) الجزء الخامس البراهين الأحمدية ولكن الأسف كل الأسف على الذين يعتقدون بوجود عيسى العلية في السماء حيا ويقولون إنه ليس فيه ما يجعل سلسلة التحلل تعمل فيه عملها مثل الناس، وأن وجوده مصون من الفناء دون أن ينال بواسطة الغذاء بدل ما يتحلل.وبذلك يريدون أن ينقضوا برهانا ودليلا أقامه الله تعالى في الآية المذكورة آنفا.بمعنى أن الله تعالى يقيم دليلا على كون عيسى ان إنسانا، أنه كان أيضا محتاجا إلى الطعام مثل بقية الناس، وما كان ممكنا أن يبقى جسده قائما بدون الطعام، بل كان بحاجة إلى تعويض ما يتحلّل.ولكن هؤلاء الناس الذين يوصلون عيسى ال إلى السماء بالجسد المادي، يعتقدون أن وجوده يمكن أن يبقى قائما بدون الطعام وكأنهم يقيمون دليلا على ألوهية عيسى العليا بخلاف مشيئة الله تعالى.من المخجل فعلا أن يسيء هؤلاء القومُ إلى البرهان الذي قدمه الله تعالى لإثبات إنسانية عيسى، لأن ما ينكر الله تعالى وجوده في المسيح ليُتَّخذ بسببه إلها، يقول هؤلاء القوم بأنه موجود فيه.فهذه إساءة إلى حجة الله الكاملة التي يقدمها لإثبات كون عيسى اللا إنسانا.وإذا صح القول بأن عيسى الله مع جسده المادي، لا يحتاج إلى أكل الطعام، ويمكن أن يبقى تلقاء نفسه مثل الله، فهذا دليل على ألوهيته ظل المسيحيون يقدمونه قائما العليا من منذ القدم.ولا يكفي القول مقابله بأنه كان يأكل الطعام حين كان على الأرض ولا يأكله في السماء، لأنه يمكن للمعارض أن يقول بأنه كان يأكله أثناء وجوده على الأرض بخياره هو، و لم يكن محتاجا إليه كبقية الناس، لأنه لو كان محتاجا إليه لظل محتاجا إليه في السماء أيضا.إني أتأسف مرارا وتكرارا على هؤلاء القوم لأن الله تعالى يقدم أكل المسيح الطعام دليلا على كونه إنسانا ولكن هؤلاء القوم يعتقدون أنه يعيش في السماء منذ ١٩٠٠ عام بدون أكل الطعام، وإن أكله على الأرض لثلاثين عاما.

Page 397

البراهين الأحمدية (۳۷۹) الجزء الخامس والدليل الآخر في القرآن الكريم على وفاة المسيح هو قوله تعالى: فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ.أي يا بني آدم ستحيون في الأرض فقط وتموتون فيها ومنها تُخرجون.كيف يمكن إذا مع وجود نص القرآن الصريح والواضح إلى هذا الحد أن يبقى عيسى ال في السماء بدلا من الأرض إلى نحو فِي 28- ألفي عام بل إلى مدة غير معلومة؟ إن ذلك يستلزم إبطال القرآن الكريم.ثم هناك دليل آخر على وفاة عيسى ال وهو آية القرآن الكريم: ﴿وَلَكُمْ لا الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين.أي أن مقركم هي الأرض وستنالون أسباب راحتكم في الأرض إلى أيام الممات هذه الآية أيضا تماثل الآية المذكورة آنفا معنى فكيف يمكن أن يعيش عيسى اللة في الأرض- وهي مقام عيش الناس إلى ٣٣ عاما فقط؟ ويسكن في السماء التي ليست مسكنا للناس إلى عام بل أكثر من ذلك إلى مدة غير معلومة؟ لأن ذلك يثير شبهة أنه ليس إنسانا، ولا سيما إذا كان لا يشاركه أحد من الناس في خواص تفوق البشرية.والدليل الآخر على وفاة عيسى ال هو الآية القرآنية: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضُعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضُعْفًا وَشَيْبَةٌ.ألفي - الأعراف : ٢٦.فكما قلتُ من قبل إن إقرار عيسى الله نفسه شاهد على وفاته، لأنه رد على سؤال الله : يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دون الله قائلا: كما ورد في القرآن الكريم: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ.في هذا الجواب ربط عيسى ال هداية المسيحيين بحياته هو.فلو كان عيسى حيًّا إلى الآن لاستلزم ذلك أن النصارى مازالوا على الحق.ويثبت من الآية: ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني أيضا أنه لن يعود إلى الدنيا قبل القيامة.وإلا يستلزم ذلك أنه سيكذب أمام الله، والعياذ بالله، ويقول بأنه لا يدري عن فساد أمته شيئا.منه.البقرة: ٣٧ الروم: ٥٥

Page 398

البراهين الأحمدية (۳۸۰) الجزء الخامس من الواضح أن هذه الآية تنطبق على جميع الناس حتى الأنبياء عليهم السلام، ولا يخرج عن نطاقها حتى نبينا الأكرم الله الله الذي هو سيد الأنبياء، بل بدت عليه أيضا أمارات الشيخوخة وابيض بعض شعر لحيته المباركة.وكان يشعر في الفترة الأخيرة من حياته بآثار الضعف الناتج عن الشيخوخة، ولكن عيسى العليا يخرج عن نطاق هذا المبدأ بحسب قول معارضينا، إذ يقولون بأن هذه مزية خاصة به وهي تفوق العادة وتشكل دليلا على ألوهيته.إذًا ليس هنا دليل واحد فقط بل هي خمسة أدلة على ألوهية عيسى العليا بحسب زعم النصارى ومعتقد المعاندين من قومنا، ولا يمكن إبطالها بدون نقض هذه الخصوصية.فإذا كان عيسى العليا يملك خصوصية في حد ذاته أنه صعد إلى السماء بالجسد المادي ولا يشاركه فيها أحد من الناس، وإضافة إلى ذلك يملك خصوصية ثانية أيضا وهي أنه الوحيد الذي يحيا في السماء منذ مئات السنين دون الطعام والشراب ولا يشاركه في ذلك أحد من البشر، ثم يملك خصوصية ثالثة أنه هو الوحيد المصون من الشيخوخة والضعف في السماء منذ تلك المدة الطويلة ولا يشاركه فيها أحد، وخصوصيته الرابعة أنه هو الوحيد النازل بعد مدة مديدة مع الملائكة ولا يشاركه فيها أيضا أحد من البشر.فيجب التأمل الآن أنه ما دامت هذه المزايا الأربع أُقِرَّت في شخصه فقط، ويُعد هو وحده لا شريك له فيها، فكم حريّ بأن يكون هذا الاعتقاد مدعاة للابتلاء لهؤلاء الناس وكم فيه من أوجه تدعم الذين يؤلهونه الا وهي مدعومة هي من السماء إضافة إلى ذلك فإن معارضينا من المسلمين لسوء الحظ والجهل يجعلون خصوصية خامسة أيضا لعيسى العليا أنه وهي وحده بريء من مس الشيطان دون غيره من بين الأنبياء جميعا.ثم الخصوصية السادسة أن هي روح القدس كان معه دائما و لم يرافق نبيا آخر رفقة دائمة كمثله ولكنها كلها أخطاء هؤلاء القوم إذ لا يفقهون أن كل نبي

Page 399

البراهين الأحمدية (۳۸۱) الجزء الخامس بإقرار المسلمين أنفسهم فلو لم يُبطل الله تعالى تلك الخصائص كلها بإثبات وفاته ل لكان السبيل الآخر لدحضها أن يقدم بعض النظائر ليتبين منها أن بعض الناس الآخرين أيضا يشاركونه في تلك الخوارق كما ضرب الله مثل آدم لولادته بدون أب.ولو لم يثبت الله وفاة عيسى اللة و لم يدحض تلك الخصائص كلها، لكان معنى ذلك أن الله لم يُطِق جوابا أمام حجة المسيحيين.وإذا قلتم نحن نعترف أيضا أن عيسى سيموت بعد فترة من نزوله في آخر الزمان، فهذا القول لا يقبله المسيحيون، بل يدينونكم بفمكم.علما أنه ليس واجبا عليهم أن يقبلوا ادّعاءكم الذي يعوزه الدليل، لأنه إذا بقي عيسى ال حيا إلى يوم القيامة ووجدت فيه كافة علامات الألوهية مثل إحياء الموتى لا عیسی يكون بريئا من مس الشيطان.أما ما بينه الله تعالى هنا على لسان رسوله أن ووالدته بريئان من مس الشيطان فكانت الحكمة في ذلك أن اليهود الأشقياء كانوا يزعمون مريم الصديقة زانية والعياذ بالله، وكانوا يعدون عيسى ال ولد الزنا، فأراد الله تعالى أن يبرئ ساحتهما من تلك التهم.فبرأهما الله تعالى إذ قال النبي ﷺ أنهما الشيطان، أي أن الزنا فعل شيطاني وأن العلمية لا منزهان من مس هذه الفعلة الشيطانية.ولكن هذا لا من يعني عیسی فقط نان ومريم مصون أنهما وحدهما مصونان منها والأنبياء الآخرون ملوّثون بها.كذلك كان اليهود يعتقدون أن الشيطان كان قرين عيسى العلي دائما لكون ولادته غير شرعية.وعقيدتهم هذه تترشح من التوراة.فقد ذُكرت رفقةُ عیسی روح القدس له تفنيداً لاعتقادهم هذا.وليس صحيحا أيضا أن العليها ملك خصوصية أخرى أنه وحده ولد بظل روح القدس، لأنه ثابت من القرآن الكريم والتوراة أن بعض الناس يولدون بظل الشيطان، فيملكون خصائل شيطانية، وبعضهم يولدون بظل روح القدس فتكون فيهم خصائل طيبة.إن أولاد الحرام يتكونون في أرحام أمهاتهم بظل الشيطان.لذا كان لا بد من دحض الفكرة القائلة بأن ولادة عيسى كانت غير شرعية.فقد ورد في الإنجيل أيضا ذكر ظل روح القدس له ليعلم أنه لم يولد نتيجة ظل الشيطان وولادته ليست غير مشروعه.منه.

Page 400

البراهين الأحمدية (۳۸۲) الجزء الخامس وغيرها، لكان بالإمكان أن ينجو من الموت.غير أن المسيحيين يعتقدون أنه لن يموت بعد نزوله من السماء بل سيجازي الناس بصفته إلها.ولما ثبتت فيه الصفات الأربع المذكورة، بحسب اعترافكم أنتم سيغلبكم المسيحيون؛ لأن تلك الخصائص الأربع تكفي عندهم لتأليهه..وبعيد عن حكمة الله أن يهب هذه العليا.الخصائص الأربعة شخصا يؤلّهه أربع مائة مليون شخص.في زمن النبي قدم المسيحيون وجها واحدا بصدد خصائص العلمية وهو أنه ولد بغير أب، فرد الله على ذلك فورا فقال: إِنْ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ..أي أن ولادة عيسى بغير أب ليس أمرا غير عادي حتى يستلزم ألوهيته، إذ كان آدم بغير أب وأمّ أيضا.فلما اقتضت غيرة الله ألا تكون لعيسى ال خصوصية الولادة بغير أب حتى لا تكون دليلا على ألوهيته، فأنى يمكن أن يقبل الله أربع خصائص له تفوق العادة.غير أنه إذا كان الله تعالى قد قدّم بعض النظائر لإبطال تلك الخصائص فينبغي إبرازها، وإلا فلا بد من الاعتراف أن الله تعالى ما استطاع أن يردّ على ادعاء المسيحيين، لأن تلك تلك التي يقدمها المسيحيون دليلا على ألوهية عيسى العل.فلو لم تعالى تلك الخصائص الأربع بتقديم شريك أو نظير مثلما فعل بضرب الخصائص هي ينقض الله مثل ولادة ،آدم فهذا يعنى أنه الا الله قبل ادعاء النصارى، وإذا نقضها وقدم نظيرا لهذه الخصوصيات الأربع، فعليكم أن تقدّموا تلك الآيات من القرآن الكريم.ومن جملة الآيات التي تدل على وفاة عيسى اللي بصراحة تامة آية: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.أي الذين يُعبدون من دون الله...إذًا، يجب ١ آل عمران: ٦٠ النحل: ٢١- ٢٢

Page 401

البراهين الأحمدية (۳۸۳) الجزء الخامس التأمل في هذا المقام كيف تُثبت هذه الآيات بكل صراحة وقوة وفاة المسيح وغيره من الناس الذين كان بعض فرق اليهود والنصارى وبعض فرق العرب الله الناس يؤلهونهم ويدعونهم.اعلموا أن هذا تصريح من وسبحان الله وتعالى عن القول غير الحق.فما دام الله الا الله قد قال بألفاظ صريحة وواضحة أن جميع الذين تعبدهم الفرق المختلفة وتؤلّههم قد ماتوا كلهم، وما من واحد منهم حي، فما أشنعه من تمرد وعدوان ومعصية لأمر الله اعتبار عيسى العليا حيا ! أليس عيسى من الذين الهوا؟ أو ممن يُدعون من أجل حل المشاكل؟ بل هو يحتل مقام الصدارة من بين الذين يؤلهون، إذ إن الإصرار والغلو اللذين هه بهما أربع مائة مليون نسمة لا نظير لهما في أية فرقة قط.الآيات التي سجلتها هنا تكفي لإثبات موت عيسى ال.وحين نقرأ أحاديث النبي الطيبة يتبين منها أيضا الأمر نفسه.الفرق الوحيد هو أن الله تعالى يشهد على وفاة عيسى الله بأقواله ، أما النبي فقد شهد عليها بناء على يؤل رؤيته.فقد ختم الله تعالى بقوله، والنبي بفعله أي برؤيته - على أن عیسی الأنبياء الأجساد ال قد مات؛ لأن النبي مشهد برؤيته ل ليلة المعراج في السماء مع السابقين الذين خلوا من هذه الدنيا ووصلوا العالم الآخر.وليس ذلك فحسب، بل كما رأى كيفية أجساد الأنبياء الآخرين، كذلك تماما رأى جسد عيسى العلم أيضا.ولقد كتبتُ من قبل بأنه من الخطأ الظن أنه توجد في السماء أرواح فقط للأنبياء عليهم السلام الذين خلوا من هذه الدنيا، بل معهم النورانية والجلالية التى رُفعوا بها من الدنيا بعد الممات كما تنص عليه الآية: وَادْخُلِي جَنَّتِي لأن دخول الجنة يقتضي جسدا.ولقد نص القرآن الكريم في أكثر من آية على أن الذين يدخلون الجنة ستصحبهم الأجساد أيضا ولن تدخلها الأرواح وحدها.إذًا، فالآية: ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي نص صريح على أن كل من

Page 402

البراهين الأحمدية (٣٨٤) الجزء الخامس يدخل الجنة من الصالحين يُعطى جسدا حتما بعد الممات.والشهادة الثانية على نوال الإنسان الجسد هي رؤية النبي ، لأنه لم ير في السماء ليلة المعراج أرواح الأنبياء فقط، بل شاهد أجسادهم أيضا.و لم ير جسما غريبا للمسيح ال، بل كما وجد أجساد الأنبياء الآخرين، كذلك تماما رأى جسد المسيح اللة أيضا.فلو لم يصر المرء على الباطل بغير وجه حق لسهل عليه جدا أن أن الجسد به يفهم الذي رفع مؤمن بعد مماته.وذلك لأن الله تعالى قد منع هذا الجسد المادي من الصعود إلى السماء، كما يقول: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَانًا * أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا أي جعلنا الأرض العليا لم يكن جسدا ماديا، بل كان الجسد الذي يُعطاه كل تجذب أجساد الناس إليها أحياء وأمواتا، ولا تترك أي جسد ليصعد إلى السماء.ويقول في آية أخرى: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا.أي حين التمس الكفار من النبي الله أن يريهم معجزة الصعود إلى السماء بجسده المادي هذا رُدَّ عليهم: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي...أي قل لهم بأن سبحان ربي عن الإخلاف في عهده ووعده، فقد سبق أن قال بأنه لا يمكن أن يصعد الجسد المادي إلى السماء، فقال: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاء وَأَمْوَانًا، وكما قال: فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ.وقال أيضا: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين.فكان من خُبث الكفار العرب أن يطلبوا معجزة تتعارض مع قول الله وعهده إذ كانوا يعلمون جيدا أنهم لن يُروا معجزة مثلها أبدا لأنها تنافي قول الله الذي سبق من قبل، وسبحان الله عن أن ينقض عهده.ثم قال: قل لهم: المرسلات: ٢٦ - ٢٧ الإسراء: ٩٤ الأعراف: ٢٦ الأعراف: ٢٥

Page 403

البراهين الأحمدية (٣٨٥) الجزء الخامس ما أنا إلا بشر، وقد حكم الله تعالى من قبل أن صعود البشر بالجسد المادي إلى السماء مستحيل.غير أنه يمكن أن يصعد الأطهار إلى السماء مع أجساد أخرى كما تصعد أرواح جميع الأنبياء والرسل والمؤمنين بعد الممات.وفيهم يقول الله تعالى: مُفَتَحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ أي ستُفتح أبواب السماوات للمؤمنين.وليكن معلوما أنه إذا كان المراد هنا الأرواح وحدها، لما جاء ضمير لذكرها.فهذه قرينة قوية على أن الرفع الذي يحظى به المؤمنون بعد الممات يكون الجسد، ولكنه ليس هذا الجسد المادي المعروف، بل تُعطى روحُ مع المؤمن جسدا طاهرا ونورانيا ومصونا من الألم والعيب الذي يستلزمه الجسد المادي.بمعنى أنه لا يحتاج إلى أغذية أرضية ولا إلى ماء أرضي.وجميع الناس الذين يُبوءون جوار الله ينالون جسدا كمثله تماما.ونؤمن بأن عیسی أيضا نال بعد الممات جسدا كمثله تماما، وبالجسد نفسه رفع إلى الله تعالى.يعترض بعض من قليلي الفهم في هذا المقام قائلين بأن آية القرآن الكريم: العلية لا وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ توحي بجلاء بأن عيسى ال سيقدم عذرا أمام الله تعالى أن الناس قد فسدوا العلي بعد مماته وليس في حياته، فيقع عليه اعتراض أنه إذا صح القول بأنه سافر إلى كشمير بعد النجاة من الصلب وعاش هنالك ٨٧ عاما، فلا القول بأن يصح الناس قد فسدوا بعد وفاته، بل كان حريا به أن يقول بأنهم فسدوا بعد سفره إلى كشمير لأنه قد أصابته المنية بعد ٨٧ عاما من حادث الصليب.فليكن معلوما أن هذه الشبهة ناتجة عن قلة التدبر وإلا فإن السفر إلى كشمير لا يناقض الآية المذكورة، لأن قوله: مَا دُمْتُ فِيهِمْ) يعني: ما بقيتُ بين ظهراني ص: ٥١ النساء: ۱۱۸

Page 404

البراهين الأحمدية (٣٨٦) الجزء الخامس أن عیسی العلية لا أفراد أمتي الذين آمنوا بي ولا يعني: "ما دمتُ في أرضهم" لأننا نقبل العلة هاجر من أرض الشام إلى كشمير، ولكننا لا نقبل أن أُمَّ عیسی والحواريين تخلفوا عنه، بل ثابت تاريخيا أن بعض الحواريين صاحبوه العليا، وبعضهم لحقوا به فيما بعد.فقد رافقه الحواري "توما"، أما الآخرون فقد لحقوا به فيما بعد.والمعلوم أن العليا اختار لرفقته شخصا واحدا هو "توما" كما عیسی اختار نبينا الأكرم الله أبا بكر الله وحده عند الهجرة إلى المدينة.وذلك لأن السلطنة الرومية كانت قد أعلنت سلفا أن عيسى متمرد، وللجريمة نفسها قتل بيلاطس بأمر من قيصر لأنه كان من مناصري عيسى ال سرا، وكانت امرأته أيضا من مريدي عيسى.فكان ضروريا أن يخرج عيسى من ذلك البلد خفيةً وألا يصطحب معه جماعة كبيرة.لذا فقد اختار الحواري "توما" وحده ليصطحبه في هذا السفر كما اختار نبينا الأكرم الله أبا بكر الله وحده في أثناء الهجرة إلى المدينة.وكما لحق الصحابة النبي ﷺ في المدينة بطرق مختلفة، كذلك لحق الحواريون بعيسى ال بواسطة طرق مختلفة وفي أوقات مختلفة.وما دام عيسى اللي فيهم كما هو مقتضى الآية: ﴿مَا دُمْتُ فيهم، ظل الجميع معتصمين بالتوحيد، ثم فسدت ذرياتهم بعد وفاته، ولا يُدرى في أي نسل بدأ الفساد بالنشوء.يقول المؤرخون بأن المسيحية بقيت على حقيقتها إلى القرن الثالث.على أية حال، يبدو أن هؤلاء الناس عادوا جميعا إلى بلادهم بعد وفاة عيسى العليا، لأنه قد اتفق أن تنصر قيصر الروم، وبالتالي أصبح بقاؤهم في المنفى بلا داع.ولا بد من التذكر هنا أن سفر عيسى ال إلى كشمير ليس أمرا ينقصه الإثبات، بل هو ثابت من خلال أدلة دامغة لدرجة أن كلمة كشمير بحد ذاتها تمثل دليلا على ذلك، لأن كشمير هي "كشير" في اللغة المحلية، وكل مواطن محلّي يلفظها "كشير".فمن هنا يبدو أن هذه الكلمة عبرية الأصل ومركبة من

Page 405

البراهين الأحمدية (۳۸۷) الجزء الخامس "ك" و"أشير".و"أشير" في العبرية تعني بلاد الشام، و"ك" تفيد المماثلة.فالتركيبة الأصلية لهذه الكلمة هي "كَاشير".أي "كاف" على حدة و"أشير" العليلا على حدة.ومعناها: "مثل بلاد الشام.ولما كان هذا البلد مهجر عيسى اللي سكان بلاد باردة سمّى الله تعالى مهجره "كَاشير" ومعناه "مثل من الذي كان بلاد اشير"، ثم سقط الحرف "ألف" نتيجة كثرة الاستعمال وبقي: "كشير".ثم أضاف أهل الأقوام الأجنبية- الذين ما كانوا من سكان "كشير" وما كانوا يحكون لغة محلية الحرف "ميم" وجعلوه "كشمير".ولكن بفضل الله تعالى ورحمته لا يزال هذا الاسم يُلفظ ويُكتب في اللغة الكشميرية "كشير".وأضف إلى ذلك أن أسماء عبرية لا تزال تُطلق على أشياء كثيرة في بلاد كشمير، بل قد أطلق أسماء الأنبياء على بعض الجبال، الأمر الذي يُفهم منه أن قوما عبريا سكنوا هذه المناطق حتما في زمن من الأزمان، ففي كشمير جبل باسم النبي سليمان.ولإثبات هذا المرام نشرتُ في بعض كتبي قائمة طويلة تشمل كلمات عبرية وأسماء أنبياء بني إسرائيل لا تزال مستخدمة في كشمير.كذلك يتبين بالتفصيل من كتب تاريخ كشمير التي جمعناها بجهد جهيد ولا تزال بحوزتنا أن نبيا من بني إسرائيل جاء إلى كشمير قبل مدة تقارب ألفي عام وكان يسمى الأمير"، وقبره في حارة "خانيار" ومعروف بقبر "يوز آسف".من الواضح أن هذه الكتب كانت قد نُشرت في كشمير حتى قبل ولادتي بمدة طويلة.فهل يسع أحدا أن يقول إنّ أهل كشمير ألفوا هذه الكتب افتراء من عند أنفسهم؟ وما حاجتهم أصلا إلى هذا الافتراء؟! ولأي هدف افتروها؟ واللافت في الموضوع أن هؤلاء الناس لايزالون يعتقدون لسذاجتهم مثل بقية "النبي المسلمين أن عيسى العلا صعد إلى السماء بجسده المادي.هذا الاعتقاد ومع يعرفون بكامل اليقين أن نبيا إسرائيليا كان قد أتى إلى كشمير، وكان يعرف

Page 406

البراهين الأحمدية (۳۸۸) الجزء الخامس نفسه بالنبي الأمير.وتوحي كتبهم أنه قد مرّ على ذلك العصر ما يربو على ۱۹۰۰ عام.ما أفادتنا سذاجة أهل كشمير في هذا الموضوع هو أنهم لو علموا مَن كان النبي الأمير في بني إسرائيل ومَن ذا الذي مرّ عليه نحو ١٩٠٠ عام، لما سمحوا لنا بمشاهدة هذه الكتب.لذلك أقول بأننا استفدنا من سذاجتهم كثيرا.وزد إلى ذلك أنهم يقولون بأن اسم ذلك النبي الأمير كان "يوز آسف".ويتبين من هذه الكلمة بصراحة أنها صورة مشوَّهة لـ "يسوع آسف".واسم "آسف" في اللغة العبرية يُطلق على الباحث عن القوم.ولما كان عيسى ال قد وصل كشمير في البحث عن قومه الذين فقدت منهم بعض فرق اليهود، سمى نفسه "يسوع آسف".وقد ورد في كتاب "يوز" آسف" بصراحة أن الإنجيل قد نزل من الله على يوز آسف.فكيف يمكن الإنكار - مع وجود كل هذه الأدلة الدامغة أن يوز آسف هو عيسى ال في الحقيقة، وإلا تقع المسئولية على العلمية معارضينا ليثبتوا من هو ذلك الذي عرف نفسه بالنبي الأمير ويطابق عصره عصر عيسى ال تماما.وقد عُلم أيضا أن عيسى اللي حين جاء إلى كشمير، ذكره أتباع البوذية في ذلك العصر في كتبهم إلى حد ما.وهناك برهان قوي آخر على ذلك إذ يقول الله تعالى: ﴿أَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِين.أي هيأنا لعيسى وأمَّه ملاذا في هضبة كانت مكانا آمنا و بعيدا عن تطاول الأعداء، وكان ماؤها زلالا.فليتضح الأمان بعد تحسمه المعاناة.ولا يمكن أن تكون بلاد الشام هي دار الأمان، لأنها كانت خاضعة لحكم قيصر، وكان عيسى ال قد عُدّ متمردا على قيصر من أن كلمة "آوى" تُستعمل في العربية حين يُعطى أحد ملاذا في دار ا المؤمنون: ٥١

Page 407

البراهين الأحمدية (۳۸۹) الجزء الخامس قبل.فدار الأمان هذه كانت كشمير دون غيرها التي كانت تماثل بلاد الشام، وكان مكانا آمنا لا علاقة لقيصر به.يسمى هنا يعترض بعض الناس بأنكم تقولون إن السلسلة المحمدية قد أقيمت بحذاء السلسلة الموسوية وتماثلها في كل شيء، حُسنا كان أم قبحا، وسُمِّي النبي ﷺ "مثيل موسى" في القرآن الكريم، فكان من المفروض على غرار ذلك أن الخليفة الأخير في النبوءات باسم "مثيل عيسى، بينما المبعوث الآتي في نهاية سلسلة الخلافة، سُمِّي في الإنجيل والأحاديث "عيسى بن مريم" وليس "مثيل عيسى".فجواب هذه الشبهة أنه كان من المحتوم أن يذكر الله تعالى الخليفة في صدر أحد إِنَّا الإسلام وفي نهايته على غرار ما ورد في كتب الله السابقة.فلا يخفى على أن النبوءة الواردة في التوراة عن النبي هي: "أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا "أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ"، و لم يُقل في هذا المقام أن الله سيبعث موسى.فكان ضروريا أن يبين الله تعالى في القرآن الكريم بعثة النبي على غرار بيان التوراة، حتى لا يحدث تناقض بين التوراة والقرآن الكريم.فلهذا السبب قال تعالى بحقه : أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا.أما الخليفة الأخير الذي سُمّى عيسى فلم يُذكر عنه في الإنجيل أنه سيأتي مثيله في الزمن الأخير، بل ورد أن عيسى سيأتي فكان من المفروض أن يُسمَّى الخليفة الأخير في الإسلام "عيسى" على غرار نبوءة الإنجيل، لكي لا يحدث تناقض بين الإنجيل والأحاديث النبوية الشريفة.صحیح أنه يحق لباحث عن الحق أن يطرح هنا سؤالا عن الحكمة من ذكر النبي في التوراة كمثيل موسى فقط بينما ذكر في الإنجيل اسم "عيسى" نفسه؟ ولماذا لا يجوز أن يكون المراد من عيسى هو عيسى الحقيقي، وأن يعود هو بالذات؟ المزمل: ١٦

Page 408

البراهين الأحمدية (۳۹۰) الجزء الخامس جوابه أن عيسى ال لا يمكن أن يعود إلى الدنيا بحال من الأحوال لأنه مات، وقد بين الله تعالى موته في القرآن الكريم بكلمات واضحة وصريحة.ثم هي أنه رآه النبي ﷺ في السماء مع جماعة خلوا من هذه الدنيا.والشهادة الثالثة قد ثبت موت الأنبياء جميعا من إجماع الصحابة والله كلهم.ثم يشهد العقل السليم وشهادته تؤيّد الشهادات الثلاثة المذكورة آنفا لأن العقل لم يشاهد نظير هذا الحادث منذ أن خُلقت الدنيا، ولم يصعد أي نبي إلى اليوم إلى السماء بالجسد المادي و لم يعد منها.فهذه الشهادات الأربع تحكم بالإجماع أن عيسى العلي مات، وأن صعوده إلى السماء حيا بالجسد المادي وكونه حيا إلى الآن ثم عودته إلى الأرض في وقت آخر مع جسم مادي، كلها افتراءات نُسبت إليه.الإسلام كان بعيدا عن الوثنية كل البعد ولكن من المؤسف حقا أنه قد نشأ في المسلمين أيضا اعتقاد متأخر على غرار الوثنية إذ أعطوا عيسى اللي خصوصيات لا توجد في الأنبياء الآخرين.ندعو الله تعالى أن يخلّص المسلمين من هذا النوع من الوثنية.إن حياة الإسلام تكمن في موت عيسى، وفي حياة عيسى موت الإسلام.ندعو الله تعالى أن يأتي بأيام ينظر فيها الغافلون إلى هذا الصراط المستقيم، آمين.العلمية ملخص الكلام أنه ما دام موت عيسى ال ثابتا بالقطع واليقين فباطل بالبداهة الظن أنه سيعود إلى الدنيا ثانية.أما الجواب على جزء السؤال المذكور أنه: ما الحكمة في تسمية فرد من الأمة عيسى؟ ولماذا أُطلق عليه اسم عيسى في الإنجيل والأحاديث النبوية؟ ولماذا لم يُذكر هنا بمثيل عيسى على غرار مثيل موسى؟ فجوابه أنه كان مقدرا عند الله أن يشترك الخليفة الأخير لهذه الأمة في حادث عظيم مرّ على عيسى الإسرائيلي.ولكن ما كان له أن يشترك فيه إلا إذا عیسى.وكذلك لما كان مقدرا عند الله أن يُري المماثلة بين السلسلتين،

Page 409

البراهين الأحمدية (۳۹۱) الجزء الخامس لذا سمى النبي مثيل موسى؛ لأن الحادث الذي مرّ به موسى مع فرعون، ما كان بالإمكان أن تبرز في شخص النبي المماثلة معه إلا أن يُدعَى بمثيل الحادث الذي واجهه عيسى العلا ما كان بالإمكان أن يتحقق في مو شخص الخليفة الأخير لهذه الأمة إلا إذا سمى باسم عيسى، لأن اليهود لم يقبلوا العلم ذلك لسبب وحيد وهو أنه قد ورد في سفر النبي ملاخي أن عیسی لن يظهر في الدنيا ما لم يعد إليها النبي إلياس ولكن النبي إلياس ما جاء إلى الدنيا ثانية، واعتبر يوحنا أي يحيى إلياس فلم يؤمن اليهود بعيسى العليا.فلقد تقرر في قدر الله لتحقيق المماثلة أن بعض الناس من هذه الأمة سيصبحون في الزمن الأخير مثل اليهود الذين لم يدركوا حقيقة مجيء إلياس وأنكروا نبوة العلي وصدقه.فلمثل هؤلاء اليهود كانت هناك حاجة إلى نبوءة تتناول عیسی ذكر مجيء نبي خلا كما جاءت النبوءة عن إلياس.وكان قد تقرر في قدر الله أن يهودا مثلهم سيكونون في هذه الأمة أيضا، لذا فقد سُمِّيت عيسى كما سُمِّي يحيى باسم إلياس.فهذا ما تشير إليه الآية: (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيْهِمْ.إذا، إن النبوءة بمجيء عيسى كانت لهذه الأمة كمثل النبوءة بمجيء يحيى العلي لليهود ؛ وقد سُمِّيت عيسى لتحقيق هذه المماثلة.وليس ذلك فحسب، بل قد سميت أجيال هذه الأمة القادمة من مكذبي عيسى هذا يهودا، والآية: غير المَغضُوبِ عَلَيهِمْ تشير إلى هؤلاء اليهود أي أن اليهود الذين ينكرون عيسى هذه الأمة يشبهون يهودا لم يقبلوا عيسى ال فبذلك تحققت المماثلة الكاملة؛ أنه كما لم يؤمن بعيسى الا اليهود - الذين كانوا ينتظرون عودة النبي إلياس - بعذر أن إلياس لم يعد إلى الدنيا، كذلك لم يؤمن هؤلاء الناس بعيسى هذه الأمة بعذر أن عيسى الإسرائيلي لم يعد إلى الدنيا.فبذلك تحققت المماثلة بين اليهود الذين لم يؤمنوا بعيسى ال بعذر أن إلياس لم يعد إلى الدنيا، وبين بمعنى

Page 410

البراهين الأحمدية (۳۹۲) الجزء الخامس الله اليهود الذين لا يزالون ينتظرون عودة عيسى الله، وهذا ما أراده الله.وكما تحققت المماثلة بين اليهود الإسرائيليين واليهود الحاليين كذلك بلغت المماثلة كمالها بين عيسى الإسرائيلي وعيسى هذه الأمة الذي هو أنا، لأن عيسى السابق لقي الرفض من قبل اليهود آنذاك لأن نبيا لم يعد إلى الدنيا، كذلك عيسى هذا الذي هو أنا لقي الرفض من قبل اليهود المعاصرين لأن نبيا لم يعد إلى الدنيا بشخصه.والواضح أن الذين تَعُدّهم الأحاديث النبوية يهود هذه الأمة وتشير إليهم الآية: (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم أيضا ليسوا يهودا حقيقيين بل هم من هذه الأمة الذين سُمُّوا يهودا.كذلك عيسى أيضا ليس عيسى الحقيقي الذي كان نبيا من بني إسرائيل، بل هو أيضا من هذه الأمة.وبعيد عن فضل تعالى ورحمته التي ترافق هذه الأمة أن يلقب الأمة بلقب اليهود، بل وبلقب اليهود الذين كفروا وكذبوا عيسى المعتذرين بعدم عودة النبي إلياس، ثم لا يلقب فردا من أفراد هذه الأمة بلقب عيسى.أفلا يُستنتج لو حدث ذلك أن هذه الأمة شقية وتعيسة الحظ في نظر الله بحيث يمكن أن تنال منه ل لقب اليهود الأشرار ،والعصاة ولكن لا يوجد فيها فرد واحد لينال لقب عيسى؟ فبناء على هذه الحكمة سمّى الله تعالى بعض أفراد هذه الأمة يهودا من ناحية، ومن ناحية أخرى سمّى فردا منها بعيسى أيضا.يقدّم بعض الناس بمحض الجهل أو بتعنت مفرط أو بنية الخديعة آية: ﴿وَإنْ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ دليلا على حياة عيسى ويريدون أن يستنبطوا منها أن عيسى لن يموت ما لم يؤمن به كافة أهل الله العليلا، الكتاب.ولكن لن يستنبط هذا المعنى إلا الذي ليس لديه نصيب كاف من فهم النساء: ١٦٠

Page 411

البراهين الأحمدية (۳۹۳) الجزء الخامس القرآن الكريم أو من كان بعيدا عن طريق الأمانة، لأن هذا الاستنتاج يُبطل نبوءةً من من نبوءات القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، ويقول أيضا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، أي ألقينا العداوة والبغضاء بين اليهود والنصارى إلى يوم القيامة.فلو استنبطنا من الآية المذكورة من قبل بأن اليهود كافة سيؤمنون بعيسى العلي قبل القيامة، لاستلزم ذلك أن البغض بين اليهود والنصارى سيتلاشى يوما من الأيام ولن يبقى لدين اليهود أثر على وجه الأرض، بينما يثبت من هاتين الآيتين و آيات أخرى كثيرة من القرآن الكريم أن دين اليهود سيبقى إلى يوم القيامة، غير أن الذلة والمسكنة ستلازم اليهود وسيعيشون في ظل سلطات أخرى.فالمعنى الصحيح للآية المذكورة هو أن كل شخص من أهل الكتاب سيؤ من قبل موته بالنبي أو بعيسى ال إذًا، إن الضمير في مَوْتِهِ يعود على الفرد من أهل الكتاب وليس على عيسى الله.لذلك فقد جاء "موتهم" في قراءة ثانية 110" 11° لهذه الآية.فلو كان الضمير راجعا على عيسى ال ، لما ورد "موتهم في القراءة الثانية.6 وانظروا كيف يؤيد التفسير "الثنائي"" بياننا هذا بكل قوة وشدة، وقد ورد فيه أيضا أن هذا هو المعنى عند أبي هريرة الله.ولكن يقول صاحب هذا التفسير إن فهم أبي هريرة للقرآن الكريم كان ضعيفا وناقصا، والمحدثون يعترضون على درايته.لقد كان أبو هريرة قديرا في نقل الرواية، ولكنه لم يُعط من الفهم المائدة: ١٥ المائدة: ٦٥ " التفسير الثنائي هو تفسير ثناء الله پانی پتی المعروف بـ"تفسير مظهري".(المترجم)

Page 412

البراهين الأحمدية (٣٩٤) الجزء الخامس والدراية إلا شيئا يسيرا وأقول أنا أيضا بأنه لو استنبط أبو هريرة له ذلك المعنى فهذا خطؤه، كما أن المحدثين قد أثبتوا في عدة أماكن أخرى أن أبا هريرة تعثر وأخطأ في كثير من الأمور المتعلقة بالفهم والدراية.والمسلم به أيضا أن رأي صحابي واحد ليس حجة شرعية.بل الحجة الشرعية هي إجماع الصحابة لله جميعا، وقد بينا من قبل أن قبل جميع الصحابة قد أجمعوا على أن الأنبياء كلهم قد ماتوا.11° وليكن واضحا أنه ما دامت القراءة الثانية للآية: (قَبْلَ مَوْتِهِ "قبل مَوْتِهِمْ"- وهي بحسب مبدأ المحدثين في حكم الحديث الصحيح، أي الحديث الذي يثبت من النبي الأكرم ففي هذه الحالة إن قول أبي هريرة جدير بالردّ لأنه لغو ولا معنى له مقابل قول النبي.ومن شأن الإصرار عليه أن يبلغ صاحبه إلى الكفر.ثم لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل إن قول أبي هريرة يستلزم بطلان القرآن الكريم أيضا، لأن القرآن يقول في عدة آيات إن اليهود والنصارى سيبقون إلى يوم القيامة دون أن يُستأصَلوا تماما، بينما يقول أبو هريرة إن اليهود سيُستأصلون كليا وهذا القول يناقض القرآن الكريم تماما.فالذي يؤمن بالقرآن الكريم ينبغي عليه أن ينبذ قول أبي هريرة كمتاع رديء، بل لما كانت القراءة الثانية للآية في حكم الحديث الصحيح بحسب قواعد المحدثين، وأن القراءة الثانية للآية: قَبْلَ مَوْتِهِ) موجودة وهي: " قَبْلَ مَوْتِهِمْ " ° ويجب اعتبارها حديثا صحيحا، ففي هذه الحالة يناقض قول أبي هريرة القرآن والحديث كليهما فلا شك أنه باطل ومن تبعه فإنه مفسد بطال.تمت الكلمة

Page 413

البراهين الأحمدية (790) الجزء الخامس الخاتمة الأمر الأهم الذي أنوي بيانه في هذه الخاتمة هو أن يُذكر فيها التحقق والظهور لتلك الأمور أو الإلهامات كافةً التي ذكرت إجمالا في الأجزاء الأربعة السابقة، أو الأنباء التي ذُكرت في تلك الأجزاء ولم تتحقق في ذلك العصر بل تحققت رويدا رويدا فيما بعد، وأن تُذكر أيضا في هذه الخاتمة حقيقة الأمور التي كشفت فيما بعد.فهذا الجزء الخامس بمنزلة شرح للأجزاء السابقة في الحقيقة.وكان بيان الشرح بهذه الطريقة يفوق قدرتي ما لم يهيئ الله تعالى جميع الأسباب من عنده، لأنه قد وعد في الأنباء الإلهامية المذكورة في الأجزاء السابقة بتحقق كثير من الآيات.وقد وعد أيضا بأن الله تعالى سيُعلمني أنا العبد الضعيف حقائق القرآن الكريم ومعارفه وفي تلك الأجزاء سميت مريم وعيسى وموسى وآدم أي سُمِّيت بأسماء جميع الأنبياء.وما كنت أدرك سر تسميتي بها.وكان فهم كل هذه الأمور فوق طاقتي إلا بقوة من الله.ولا سيما أن إظهار الآيات السماوية أسمى وأعلى من قوة البشر بداهة.ولقد قدرت مشيئة الله لإظهار كل هذه الأمور أجلا مسمَّى، وتأليف الجزء الخامس من الكتاب كان يعتمد على شرح تلك الأمور كافة.فأنى كان بإمكاني في هذه الحالة تأليف الجزء الخامس دون أن تتحقق الأمور التي كانت بمنزلة الشرح لما ورد في الأجزاء السابقة؟! لأن تلك الأمور بالذات كانت تمثل المادة والمضمون للجزء الخامس.وعندما حل العام الرابع والعشرون على مدة التأجيل ألقى نسيم رحمة الله تعالى ضوءا مستفيضا على جميع جوانب الأمور التي كانت مستورة وخافية في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة، وتحققت إلى حد كبير جميع الأنباء الموعودة كان ظهورها مُرتقبا.ومن ناحية ثانية كشفت جيدا معارف القرآن الكريم التي

Page 414

البراهين الأحمدية (٣٩٦) الجزء الخامس تسمية الله الأنبياء عليهم وحقائقه التي كانت مدعاة لتكميل المعرفة.كذلك انكشفت حقيقة سر أسماء الأنبياء أيضا التي كانت سرًّا مكنونا في الأجزاء الأربعة السابقة، أي كشفت كما كان حقها حقيقة أسماء الأنبياء التي نُسبت إلي؛ بمعنى أنه قد كشف سر لي في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة بأسماء جميع السلام.وقد أميط اللثام أيضا أخيرا عن السرّ أنه لماذا سميت في الأخير باسمين، أي باسم خاتم الأنبياء لبني إسرائيل وهو عيسى، وكذلك باسم خاتم الأنبياء في الإسلام وهو أحمد ومحمد ؟ فقد كشفت تلك الحقائق الكامنة كلها.وإن تسميتي عيسى وغيره في السماء كانت سرًّا أخفاه الله تعالى إلى مئات السنين كما أخفى أصحاب الكهف.وكان من المحتوم أن تبقى تلك الأسرار كلها مكنونة ما لم يأت الزمن الذي كان مقدرا منذ البداية.وحين جاء ذلك الزمن وتحققت تلك الأمور كلها حان الأوان لتأليف الجزء الخامس من البراهين الأحمدية.فهذا ما جعل تكميل البراهين الأحمدية في طي التأجيل إلى ٢٣ عاما.إنها لأسرار الله التي لا يسع الإنسان أن يطلع عليها بغير إعلام من الله تعالى.وكل من يقرأ هذا الجزء الخامس يضطر إلى الاعتراف بأنه لو ألّف الجزء الخامس قبل تحقق تلك النبوءات وانكشاف تلك الأسرار لما كان كالمرآة لإظهار حقيقة الأجزاء السابقة قط، بل لكان تأليفه فاقدا الربط والصلة.لذا فإن الله الحكيم وعالم الغيب الذي كل فعل من أفعاله مرتبط بالأوقات أحب أن تتحقق أولا تلك النبوءات كلها وتنكشف الحقائق جُلُّها التي لم تتحقق لغاية تأليف الأجزاء السابقة ليؤلف الجزء الخامس بعد ذلك معلنًا تحقق كافة تلك الأمور واكتمالها، التي كانت خافية ومستورة من قبل.والحق أنه حينما انتهت الأجزاء السابقة للكتاب من حيث المضمون فقد باتت في حالة انتظار، وما كان الانتظار لينتهي دون تأليف الجزء الخامس على هذا المنوال، لأن الجزء

Page 415

البراهين الأحمدية (۳۹۷) الجزء الخامس الأعظم من أجزاء الكتاب السابقة يحتوي على النبوءات التي أخبر فيها أن الله تعالى سيُظهر كذا وكذا في مستقبل الأيام وما لم تتحقق تلك النبوءات ما كان لأحد أن يدرك أن جميع الإلهامات المحتواة وتلك النبوءات هي من الله تعالى، لذا ظل جميع المعارضين يكذبونها.ولكن الله ما أراد أن يُنظر إلى نبوءاته بنظر التكذيب.ومن ناحية ثانية كان بعيدا من أسلوب البحث والتحقيق أن يؤلف جزء خامس عديم الصلة بالكتاب قبل إثبات صدق ما ورد في الأجزاء السابقة.فكان ضروريا أن يمنعني قدر وقضاؤه من تأليف الجزء الخامس مدةً طويلة إلى أن تتحقق جميع النبوءات والأمور الأخرى كلها التي كانت مكنونة ومستورة في الأجزاء الأربعة السابقة.الله فالحمد لله والمنة على أن تلك الأمور كلها قد تحققت في أثناء المدة الممتدة على ٢٣ عاما، وقد هيأ الله تعالى كل الأسباب بنفسه.وبالإضافة إلى ظهور الآيات كشفت على تجلياتُ الله الكشفية حقيقة الإسلام وكثيرا من مشكل القرآن الكريم.وإلا كان مما يفوق قدرتي أن أطلع على تلك الدقائق العالية من تلقاء نفسي.ولكن بعد نشوء هذه الأسباب أصبحت قادرا على أن أكتب في الجزء الخامس من شرح تلك المواضع من الأجزاء الأربعة السابقة الشيء الذي ما كنت قادرا على كتابته في ذلك الزمن السابق.فقد أردت بعد توفر هذه الأسباب أن أكتب أولا حقيقة الإسلام في هذه الخاتمة وأبين ما هو الإسلام ثم أبين بعد ذلك تعليم القرآن الكريم الأعلى والأسمى في ضوء آياته.وأبين أن مفهوم الإسلام إنما هو كمركز لكافة الآيات القرآنية، وتدور الآيات كلها حوله.ونويت أن أذكر بعد ذلك الآياتِ التي وعد في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة بظهورها على يدي وهي نتيجة لاتباع القرآن الكريم، وأن أكتب بعد ذلك كله شرح الإلهامات التي سماني الله فيها عيسى أو بأسماء الأنبياء الآخرين،

Page 416

البراهين الأحمدية (۳۹۸) الجزء الخامس أو أشرح بعض الفقرات الإلهامية الأخرى التي تحتاج إلى الشرح.فنظرا إلى هذه الأهداف قد قسمتُ الخاتمة على أربعة فصول.الفصل الأول: في بيان حقيقة الإسلام.الفصل الثاني في بيان تعليم القرآن الكريم الأعلى والكامل.الفصل الثالث: في بيان الآيات التي وعد ظهورها في البراهين الأحمدية وقد أظهرها الله تعالى على يدي.الفصل الرابع: في شرح الإلهامات التي سماني الله فيها عيسى أو بأسماء الأنبياء الآخرين أو ذكر الله بعض الفقرات الإلهامية الأخرى التي تحتاج إلى الشرح.والآن سأذكر الفصول الأربعة بحسب هذا الشرح بإذن الله.وما توفيقي إلا بالله ربِّ أنطِقْنا بالحق واكشف علينا الحق، واهدنا إلى حق مبين.آمین ثم آمين.

Page 417

البراهين الأحمدية (۳۹۹) نسجل فيما يلي المذكرات المتفرقة التي كتبها المسيح الموعود الكلية عن هذا المقال وقد عُثر عليها في مسوداته الجزء الخامس الآيات القرآنية التي ستكتب في هذا المقال بإذن الله : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: ٢٥٧) إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ (البقرة: ۲۷۲) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: ٢٧٥) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: ۱۸۷) عليهم يذعنوا لأوامري ويؤمنوا بي ليكون الخير في نصيبهم.أن فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا)) (البقرة: ٢٠١) أي أذكروا الله بقلوب مفعمة بالحب.وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (البقرة: (۲۰۸) °

Page 418

البراهين الأحمدية..) الجزء الخامس يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ الله لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة: (۲۰۹) أي يا أيها المؤمنون ألقوا أعناقكم في سبيل ولا تتبعوا سبل الشيطان والمراد من الشيطان هنا هم أولئك الذين يعلمون السيئات.وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهُ عُرْضَةً لِأَيْمَانَكُمْ)) (البقرة: ٢٢٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى * كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ﴾ (البقرة: ٢٦٥) إنها مزية خاصة بالقرآن الكريم بأن تعليمه الأخلاقي يخاطب العالم كله، أما تعليم الإنجيل الأخلاقي فخاص باليهود فقط.في بيان أن القرآن الكريم يثني على الصالحين من أمم أخرى أيضا.لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)) (آل عمران: ١١٤-١١٥).يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ حَبَالًا وَدُّوا مَا عَتُمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاء تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بالْكِتَاب كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران: ۱۱۹-۱۲۰) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) (النساء: ٥٠)

Page 419

البراهين الأحمدية ٤٠١) الجزء الخامس إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: ٥٩) هذا ما يتعلق به حكم النبي يا بين يهودي ومسلم) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةٌ حَسَنَةٌ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةٌ سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِينًا (النساء: ٨٦) أي الله تعالى يراقب كل شيء.وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا )) (النساء: ٩٤) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) (النساء: ٩٥) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ الله وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (النساء: ١٢٦) وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (النساء : ١٢٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (النساء: ١٣٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) (النساء: ۱۳۷) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا...وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: (۱۳۷) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ (البقرة: (۱۳۸)...أي إن لم يؤمنوا مثلكم فهم قوم لا يريدون أن يتوقفوا عن المعارضة ولا يرغبون في الصلح.

Page 420

البراهين الأحمدية (٤٠٢) الجزء الخامس رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا )) (النساء: ١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِالله وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ تُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا " أُولَئِكَ هُمُ * الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)) (النساء: ١٥١-١٥٢) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْرَا بهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) (النساء: ١٤١) (١٤٨ مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا )) (النساء: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِالله وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ)) (النساء: ۱۷۲) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دينا (المائدة: ٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ ِللَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: (۹) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)) (النحل: ٩١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْحَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة: ٩١) قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْيِيكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: ۳۲) إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام: ١٦٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا....)) (الشمس: ١٠-١١)

Page 421

البراهين الأحمدية (٤٠٣) الجزء الخامس وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى (الإسراء: ۷۳) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتِ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) (الأعراف: ٥٨ - ٥٩)..لا يخرج إلا نكدا: أي لا يخرج نباته إلا قليلا.وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (الأعراف: ٩٥) أي أخذناهم بالقحط والوباء بسبب إنكارهم لعلهم يتضرعون.ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (الأعراف: (٩٦) وَلَوْ أَنْ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف: ۹۷) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (الأعراف ۹۸-۹۹) يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الأعراف: ۱٥۸).يأمرهم بالمعروف أي ما لا يخالف العقل، وينهاهم عن المنكر: أي ما ينهي عنه العقل.أي يضع عن الأقوام أثقالهم التي كانوا يرزحون تحتها، ويحررهم من الأغلال كانت في أعناقهم وتمنعها من الاستقامة، فالذين يؤمنون به ويقوونه بالانضمام إلى جماعته....ينجون من كروب الدنيا والآخرة.التي

Page 422

البراهين الأحمدية (٤٠٤) الجزء الخامس قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)) (الأعراف: ١٥٩) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (الأعراف: ۱۷۱) أَلَسْتُ ِبرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى (الأعراف: (۱۷۳) إن قوى الأرواح التي تولد فيها حب الله تعالى تشهد بلسان حالها أنها خلقت بيد الله.فإذا طُرح سؤال أنه كيف نؤمن بالقرآن الكريم لأن هناك تناقضا بين التعليمين؟ فجوابه أنه ليس هناك من تناقض بل كتبت آلاف التفاسير لعبارات الفيدا أيضا، ومن جملتها تفسير يطابق القرآن الكريم.والذي لا يخاف الله يتصدى للأمر الحق فكأنه يُساق إلى الموت، وهو يحاول إنقاذ نفسه.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (الأَنْفال: ٣٠) إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) (الأَنْفال: (٣٥) المذكرة: الدين والمذهب ليس مجموعة من القصص المحكية فقط، بل كما أن الذهب يُعرف بعلاماته، كذلك يُعرَف الملتزم بدين الحق من خلال نوره.إن الله يهلك من هلك عن بينة ويُحيي من حَيَّ عن بينة.وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنفال: (٦٢) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبُكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (الأَنْفال: ٦٣) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (التوبة: ١٣)

Page 423

البراهين الأحمدية (2.0) الجزء الخامس قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (التوبة: ٢٤) وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنْ لَهُمْ﴾ (التوبة: ١٠٣) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة: (۱۱۲) السعداء هم الذين يرجعون إلى الله تاركين كل شيء ويعكفون على عبادته وحمده يسيرون في العالم منادين في سبيل الله ويركعون أمام الله ويسجدون له هم المؤمنون الذين بشروا بالنجاة.لقد قسم الله المصائب في قانونه الجاري في الطبيعة إلى خمسة أقسام: أي بوادر المصيبة المخيفة، ثم الدخول في المصيبة، ثم الحالة التي مآلها اليأس...ثم زمن المصيبة الحالكة.ثم انبلاج صبح رحمة الله.فهذه هي ! الخمسة التي توازيها الصلوات الخمس.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصف: ٣-٤) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ﴾ (الأنعام: ۲۲) وفيما يلي ننقل بعض الاعتراضات وبعض الحقائق التي وجدناها ضمن مذكرات المسيح الموعود ال التي كتبها عن هذا المقال.كان الله ينوي تفنيد تلك الاعتراضات وإلقاء الضوء على تلك الحقائق من خلال تعليم القرآن كذلك يبدو أن بعض الأمور ضمنها تتعلق بأحد كتب البوذيين الذي الكريم.كان العلمية يطالعه في تلك الأيام وكان يريد أن يكتب شيئا حوله

Page 424

البراهين الأحمدية (٤٠٦) الجزء الخامس (۱) ما هو الجديد في جميع الكتب الموحى بها ولم يُعثر عليه من قبل؟ (۲) ما الذي حلّه الأنبياء من عقدة علمية لم تُحلّ من قبل؟ (۳) لم يشرح الأنبياء كيفية الروح وماهيتها، ولم يخبروا شيئا عن الحياة الآتية، ولم يستطيعوا أن يبينوا عن الله تعالى بالتفصيل.لقد عَد العلم الطبيعي النوم ضمن الأسباب الطبيعية، ولكن الأنبياء قالوا بأنه كانت للنوم أسباب أخرى أيضا، أمَنَةً نُعَاسًا ).(٤) ما أزالوا المغالطات السابقة، وما حلّوا المعضلات المعقدة، بل زادوا الطين بلة.(٥) إن تعليم بوذا عن الأخلاق أفضل من غيره.(٦) لو أبعد الإنسان عن شيء يحبه لكان ذلك عذابا له.(۷) وإذا تيسر له ما يحبه كان ذلك مدعاة راحة له، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ يَشْتَهُونَ.(۸) إن قمع الهوى وسيلة للنجاة.ما (۹) تنال النجاة في الدنيا بالعلم الصحيح تارة وبالعمل الصائب تارة أخرى، أو نتيجة القول السديد مرة أو الفعل السويّ مرة أخرى.وتكون المعاملة الطيبة مع البشر سببا للنجاة تارة، وتخلص المعاملة السوية مع الله تعالى من الألم والمعاناة تارة أخرى، وأحيانا يكون ألم كفارة لآلام أخرى.(۱۰) قولوا الصدق والحق ولا تكذبوا، اجتنبوا اللغو.لا تؤذوا أحدا بقولكم أو فعلكم.زَكُوا حياتكم، لا تغتابوا، ولا تتهموا أحدا.لا تدعوا الأهواء النفسانية تتغلب عليكم.اجتنبوا الضغينة والحسد.طهروا قلبكم من سبأ: ٥٥

Page 425

البراهين الأحمدية (٤٠٧) الجزء الخامس البغض.لا تعاملوا أعداءكم أيضا بما لا تحبونه لأنفسكم.لا تنصحوا الآخرين بما لا تلتزمون به بأنفسكم.استمروا في إحراز التقدم في المعرفة.نزّهوا قلوبكم من الجهل.لا تعترضوا على أحد بعجلة.الكراهية لا تزول بالكراهية بل تزداد الحب يُخمد الكراهية ويزيلها.لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ، أي أنّ طهارة القلوب هي التضحية الحقيقية.اللحم والدم لا يمثلان تضحية صادقة.حيثما يذبح العوام الدواب يذبح الخواص القلوب.ولكن الله تعالى لم يمنع تلك التضحيات أيضا ليُعلم أن لها أيضا علاقة مع الإنسان.لقد بين الله تعالى مزايا الجنة بما رغبت فيه قلوب العرب لكي تميل إليها قلوبهم.والحق أنها أشياء أخرى ليست موجودة في هذه الدنيا.ولكن كان بيانها على هذا النحو ضروريا لإمالة القلوب.مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) ).الذي يظل عاكفا على إشباع أهوائه النفسانية يستأصل نفسه كليا.أما الذي يسير على السبيل الحق لا ينجو جسده فقط، بل روحه أيضا.الذي يظل عاكفا على إشباع أهوائه النفسانية يستأصل نفسه كليا، ولا يلقي بجسده فقط إلى التهلكة، بل يُهلك روحه أيضا.أما الذي يسلك الصراط المستقيم ولا يتبع أهواءه النفسانية، لا يُنقذ من الهلاك جسده فحسب، بل.ينجي روحه أيضا.قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ).كان في إحدى القرى مائة منزل وكان المصباح يُشعل في منزل واحد فقط.فحين علم الناس بذلك جاءوا بمصابيحهم وأشعل الجميع مصابيحهم من الحج: ۳۸ محمد: ١٦ الشمس: ١٠ - ١١

Page 426

البراهين الأحمدية (٤٠٨) الجزء الخامس ذلك المصباح.فعلى غرار ذلك يمكن أن يتضاعف النور من نور واحد.هذا ما أشار الله تعالى إليه في الآية الكريمة: وَدَاعِيًا إلى الله بإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنيرًا الإنسان لا يملك حتى نفسه دع عنك أن يملك المال والثروة.الملعقة لا تتذوق طعم الشراب مع أنها تدخله مرارا الحلوى تصل إلى الفم بواسطة اليدين ولكنهما لا تتذوقان حلاوتها.كذلك الذي لم يعطه الله تعالى حواس لا يمكن أن يستفيد وإن صار وسيلة.اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ).إن اللذة الكبيرة تغني عن اللذة البسيطة كما يقول تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ وَلَذِكْرُ اللَّهُ أَكْبَرُ.(۱) الإيمان بذرة.(۲) الأعمال الصالحة غيثُ.(۳) المجاهدات الجسدية والظاهرية التي يقوم بها المرء محراث.النفس المرتاضة ثور، وهي النفس اللوامة.الشرع عصا لترويضها.والغلال التي تنتج عنها هي الحياة الدائمة.المارق من الذات ذلك الذي هو هو الإنسان الحسنة هي التي تمثل ذاته.قليل هم الذين يشعرون عواطف قلوبهم.والأشياء التي يرون فيها بحبوحة عيشهم لا تكون مدعاة للبحبوحة في الحقيقة.والذي لا يقابل السيئة بالسيئة ويعفو يستحق المديح دون أدنى ريب، ولكن الصفات الحسنة، لأن صفات خال من 6 من عساه أن يكون أكثر جدارة بالمديح ممن ليس مقيدا بالعفو أو الانتقام بل الأحزاب: ٤٧ ٢ الأنعام: ١٢٥ البقرة: ١٩ الرعد: ۲۹ العنكبوت: ٤٦

Page 427

البراهين الأحمدية (2.9) الجزء الخامس يقوم بأعمال صالحة بحسب مقتضى الحال بهدي من الله، لأن الله تعالى أيضا يعمل بما يناسب كل شخص، فيعاقب من يستحق العقاب ويعفو عمن يستحق العفو.﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.تكثر في الدنيا فئتان، أولاهما الذين يحبون العدل، والثانية الذين ينظرون إلى الإحسان بنظر الاستحسان والفئة الثالثة هم الذين تتغلب عليهم المواساة الصادقة؛ فلا يتقيدون بالعدل والإحسان بل يعملون أعمالا صالحة بحسب مقتضى الحال نتيجة هدي المواساة الصادقة وذلك كما تعامل الأم طفلها؛ إذ تطعمه ألذ الأطعمة وكذلك تعطيه الدواء المرَّ أيضا بحسب مقتضى الحال لن يكون في كلامي ما يخالف الحكومة الإنجليزية.ونحن نشكر هذه الحكومة لأننا وجدنا في ظلها الأمن والراحة أرى من الضروري أن أقول عن إعلاني بأني لم أعلن ما أعلنت من تلقاء نفسي، بل أُرسلت باختيار الله لأزيل المغالطات وأحلّ المسائل المعقدة وأُري الأقوام الأخرى نور الإسلام.وليكن معلوما أنه كما يقدِّم معارضونا الإسلام بصورة مشوهة هي ليست صورة الإسلام، بل الإسلام جوهرة لامعة تلمع كل زاوية منها، وكما تكون مصابيح كثيرة في قصر كبير فيتراءى مصباح من كُوّة ويتراءى غيره من زاوية أخرى، كذلك هو حال الإسلام؛ فلا يتراءى نوره السماوي من جانب واحد فقط بل تتراءى مصابيحه الأبدية بادية من كل جانب.إن تعليمه مصباح بحد ذاته، وإن قوته الروحانية مصباح بحد ذاته، وآيات نصرة الله تعالى التي تصحبه، كل آية منها مصباح.والذي يأتي من الله لإظهار صدقه أيضا مصباح.لقد مضت هو الشورى: ٤١

Page 428

البراهين الأحمدية (٤١٠) الجزء الخامس معظم فترة حياتي في مطالعة كتب أمم أخرى، ولكن الحق والحق أقول بأني لم أجد تعليم أي دين آخر يعادل بيان القرآن الكريم، سواء أكان يتعلق بالمعتقدات أو الأخلاق أو بإدارة المنزل أو سياسة المدن أم بتقسيم الأعمال الصالحة.ولا أقول ذلك لأني ،مسلم، بل الصدق يدفعني إلى أن أشهد بذلك.وإن شهادتي هذه ليست في غير وقتها، بل جاءت في وقت بدأ في العالم تناحر ومصارعة بين الأديان.لقد أُخبرتُ أن الإسلام سينتصر في هذه المصارعة في نهاية المطاف.لا أقول كلاما أرضيا، لأني لست من الأرض، بل أقول كل ما ألقى الله في فمي.يظن الناس الأرضيون أنَّ الديانة المسيحية ستنتشر في الأرض في الأخير أو تحيط البوذية بالدنيا كلها ولكنهم مخطئون في زعمهم هذا.فليكن معلوما أنه لا يحدث على الأرض ما لم يتقرر في السماء.إن إله السماوات يُنبئني أن الإسلام سيفتح القلوب في نهاية الأمر.ولقد أُمرت في هذه الحرب الدينية أن أنذر الذين يطلبون الحكم.إن مثلي كمثل الذي يخبر بعصابة خطيرة من اللصوص الذين يريدون أن ينهبوا القرية على حين غرة من أهلها.فالذي يسمع له يعصم ماله من تطاول النهاب، أما الذي لا فيباد يسمع ويُدمر.ففي عصرنا هناك نوعان من النهابين.فبعضهم يأتون من طريق خارجي وبعضهم من الطريق الداخلي والذي لا يحفظ ماله في مكان آمن هو الذي يتضرر.والمكان الآمن لحماية ثروة الإيمان هو أن يطلع المرء على مزايا الإسلام، وقوته الروحانية ويعلم معجزات الإسلام الحية، ويعرف أيضا من عُيّن راعيا على أغنام الإسلام، لأن الذئب القديم لا يزال حيا و لم يمت بعد.والغنم التي سيراها بعيدة عن الراعي سيفترسها حتما.يا عباد الله، تعلمون أنه إذا انقطع المطر طويلاً ولم تمطر السماء مدة من الزمن تأخذ الآبار أيضًا بالجفاف في نهاية المطاف.فكما أن ماء السماء في العالم

Page 429

البراهين الأحمدية (811) الجزء الخامس المادي يؤدي إلى جيشان في مياه الأرض كذلك يحدث في العالم الروحاني؛ حيث إن ماء السماء من حيث الروحانية أي) وحي الله هو الذي ينضر العقول السفلية.فهذا العصر أيضًا كان بحاجة إلى هذا الماء الروحاني.عند من الله تعالى أرى لزاما علي أن أبين بخصوص إعلاني أنني قد أُرسلت في وقت الحاجة تمامًا، حين حذا الكثيرون في هذا العصر حذو اليهود، ولم يتخلوا عن التقوى والطهارة فحسب بل أصبحوا أعداء للحق على غرار اليهود في زمن عيسى ال ، فسماني الله المسيح إزاءهم.فلا أدعو أهل هذا الزمان إلي فحسب، بل إن الزمان نفسه قد دعاني.

Page 429