ایّام الصّلح

ایّام الصّلح
Author: Hazrat Mirza Ghulam Ahmad

Language: AR

AR

بعض الناس اعترضوا بعد قراءة إعلان سيدنا المسيح الموعود عليه السلام عن الطاعون الصادر في 6/2/1898 .. فردَّ حضرته عليه السلام في بداية هذا الكتاب بالتفصيل على هذا الاعتراض، وسلط الضوء على فلسفة الدعاء والتدبير والقدر والتوافق بينهما،


Book Content

Page 1

أيام الصلح حضرة مرزا غلام أحمد القادياني المسيح الموعود والإمام المهدي الكلية :ترجمة محمد أحمد نعيم

Page 2

نیست ISLAM INTERNATIONAL PUBLICATIONS LTD اسم الكتاب: أيام الصلح الطبعة الأولى: ١٤٤٢هـ الموافق لـ ٢٠٢١م An Arabic rendering of Ayyāmuş-Şulḥ Written by: Hazrat Mirza Ghulam Ahmad, on whom be peace, the Promised Messiah and Mahdi, Founder of the Ahmadiyya Muslim Jama'at Translated from Urdu by: Muhammad Ahmad Naeem First Published in UK in 2021 Islam International Publications Ltd.Published by: Islam International Publications Ltd.Unit 3, Bourne Mill Business Park, Guildford Road, Farnham, Surrey, GU9 9PS United Kingdom Printed in the UK at: Raqeem Press, Farnham For further information please contact: Phone: +44 1252 891330 www.islamahmadiyya.net Cover designed by: Mirza Nadeem Ahmad ISBN: 978-1-84880-805-8

Page 3

بداية الحالية

Page 4

Page 5

أ 1 ۱۰۹ ١٦٦ ١٧٦ مقدمة الناشر فهرس المحتويات إعلان عام لاطلاع الجميع بیان مهم آخر بخصوص إعلاننا السابق عن الطاعون الصادر في ١٨٩٨/٢/٦ الطاعون لفت انتباه الحكومة إزالة بعض الوساوس الجديدة

Page 6

Page 7

بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم مقدمة الناشر يسعدنا أن نقدم لقراء العربية ترجمة كتاب آخر لسيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي العلة وهو : بعض الناس اعترضوا بعد قراءة إعلان سيدنا المسيح الموعود اللة عن الطاعون الصادر في ۱۸۹۸/٢/٦ أنه أولا قال للناس أن هناك دواء فلانيا أو تدبيرا فلانيا لمكافحة الطاعون، ثم قال إن هذا المرض تفشى عقابا على الأعمال! فبدا لهم أن هذين الأمرين متناقضان.فرد حضرته اللي في بداية هذا الكتاب بالتفصيل على هذا الاعتراض، وسلط الضوء على فلسفة الدعاء والتدبير والقدر والتوافق بينهما وحقيقة الدعاء وأسباب فرضية الدعاء وأن الأسباب والحكم والعلاجات ظهرت في العالم بالدعاء.واستدل من صفة الله "الرحيم" على ضرورة الدعاء وكون ثماره وفيوضه يقينية في تفسيره الفاتحة بإيجاز.إضافة إلى ذلك ناقش صدق دعواه بأنه المسيح والمهدي بأدلة قوية ومؤثرة، وفي الأخير دحض وساوس المفوض الإضافي "شهزاده والا جوهر" الذي كان من أقارب المرحوم شهزاده عبد المجيد" المحترم.جميع سبب التسمية بين حضرته العلي أنه سمى هذا الكتاب "" لأن المسيح الموعود سوف "يضع الحرب" بحسب نبوءة النبي ﷺ فلن تندلع الحروب

Page 8

رب الدينية ولن تهلك الأمم بل سوف يزهق الباطل نتيجة نشوء التغير الجديد في القلوب، فمما قاله حضرته العليا بهذا الموضوع: "سيتقدم الحق والتوحيد والصدق والإيمان بسلام وأمن وترتفع العداءات وتأتي ، وعندئذ تكون نهاية العالم، ولهذا السبب سمينا هذا الكتاب ب." أهمية الكتاب : هذا الكتاب رائع ومهم جدا وتتبين أهميته من القول التالي لسيدنا المسيح الموعود العلمية: "وأخيرًا أود أن أنصح القراء أن لا ينظروا إلى كتابي هذا بنظرة عابرة، ولقد بلغتهم رسالة تلقيتها من الله وإنني على يقين أني أقمت الحجة على الجميع." زمن النشر : لقد ألف سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود اللة هذا الكتاب باللغة الأردية وترجمه إلى الفارسية المولوي عبد الكريم له.وكانت الطبعة الفارسية هذه كما كتب مؤرخ الأحمدية الأستاذ دوست محمد شاهد المحترم في المجلد الثالث لتاريخ الأحمدية ص ٢٤ - قد أُعدت في آب/ أغسطس ۱۸۹۸ وكان الإعلان عنها قد صدر في جريدة الحكم في الثالث عشر من الشهر نفسه، ثم أُجل نشرها بواسطة ملحق خاص حتى نشر كتاب أيام

Page 9

الصلح الأردي؛ إذ أضيفت بعض الأمور الضرورية إلى الكتاب كمثل إزالة بعض الوساوس الجديدة.ثم صدر الكتابان كلاهما معا في كانون الثاني/ يناير ۱۸۹۹.(انظر) جريدة الحكم، ۱۸۹۹/۱/۱۰ ، صفحة (۱۱) لقد حظي بتعريب هذا الكتاب الداعية الإسلامي الأحمدي محمد أحمد نعيم وصدر بإشراف المكتب العربي المركزي بتعاون عدد من الإخوة العرب الذين أسهموا في أعمال المراجعة والتدقيق، ونخص بالذكر السيد خالد عزام والدكتور على خالد البراقى والدكتور وسام البراقي المحترمين.نتقدم بخالص الشكر لكل من ساهم في نشر هذا الكتاب داعين أن يجزيهم الله أحسن الجزاء ويجعله في ميزان حسناتهم.ومع لقد بذلنا أقصى جهدنا لتكون الترجمة أقرب إلى النص الأردي، ذلك لا نبرئ أنفسنا من ضعف فيها.وندعو الله تعالى أن يوفقنا لبذل جهد أكبر في الطبعات القادمة لتحقيق مزيد من الدقة.نسأل الله تعالى أن يوفق القراء الكرام للاستفادة من هذا الكنز ويجعله سببا لهداية الباحثين عن صراط الله المستقيم، آمين.الناشر

Page 10

Page 11

صفحة غلاف الطبعة الأولى لهذا الكتاب ٹائیٹل بار اول الحمد لله والیته که یهه رساله موسومه تعداد اشاعت.مطیع ضیاء الاسلام قادیاں میں باہتمام حکیم حافظ فضل الدین صدا بھیروی مالک مطبع کے مطبوع سے یکم جنوری ۸۹

Page 12

Page 13

ترجمة صفحة غلاف الطبعة الأولى الحمد لله والمنة بأن هذا الكتيب المسمى نشر في مطبعة ضياء الإسلام بقاديان بإشراف مالكها الحكيم الحافظ فضل الدين البهيروي في الأول من يناير/كانون الثاني ١٨٩٩م سعر نسخة واحدة: روبية واحدة عدد النسخ:

Page 14

Page 15

مع إعلان عام لاطلاع الجميع أن هذا الكتاب يردّ في بعض المواضع على هجمات النصارى ويخاطبهم، بيد أنه لا يغيين عن البال أننا تكلمنا بمنتهى اللين والتحضّر واللطف في كتابنا هذا حيثما جاء ذكر النصارى، مع أن كتاب "أمهات المؤمنين" الذي ألفه أحد النصارى قد أثار غضبا شديدا في القلوب، ومع أنه كان من حقنا عند سماع الشتائم المؤذية الجارحة المطلقة على نبينا أن نرد القسوة بقسوة دفاعًا، لكننا أعرضنا عن كل أنواع الكلام المرّ بمقتضى الحياء المحض الذي هو خصلة المؤمن المميزة، واكتفينا حصرا بكتابة أمور - في كتابنا هذا، وفي كتيب فرياد" درد " تطابق الحال بغض النظر ".عن كل هذا وذاك.أما القساوسة الطيبون والنصارى الآخرون، الذين يجتنبون بنبلهم الذاتي الهراء والبذاءة والإساءة ولا يؤذوننا بكلمات جارحة، ولا يسيئون إلى نبينا ، وليست كتبهم زاخرة بالإساءة والكلام القاسي، فليسوا مخاطبين في أي من عباراتنا.وإننا لا ننظر إلى أمثال هؤلاء إلا بإكرام، وإنما نوجه الخطاب حصرا إلى أناس تجاوزوا حد الاعتدال، سواء كانوا ممن يُدعون مسلمين بالاسم أو النصارى، والذين يُطلقون الشتائم علينا في أمور شخصية ويهاجموننا بإساءة، أو يسيئون إلى نبينا الكريم بأفواههم وينشرون هذه الإساءات في كتبهم.فليست في كتابنا هذا ولا في أي كتاب البلاغ.(المترجم)

Page 16

كتبنا الأخرى أي كلمة أو إشارة موجهة إلى هؤلاء النجباء النبلاء، الذين لا يتخذون طريق الوقاحة والإساءة.نحن أُمرنا الله أيضا بأن نؤمن بأن عیسی العليا كان نبيا صادقا من ومقدسا وصالحا من الله ونؤمن بأنه كان نبيا.فليس في أي كتاب لنا أيُّ كلمة تسيء إلى شأنه الجليل، فمن زعم غير ذلك فهو منخدع وكاذب.والسلام على من اتبع الهدى.المعلن مرزا غلام أحمد من قاديان

Page 17

نحمده ونصلي على رسوله الكريم "هذه نصيحة فاستمعوا لها لكي تتخلصوا من العذاب والألم، وطوبى لمن \ 11 سمع لنصح العاقل "" بیان مهم آخر بخصوص إعلاننا السابق عن الطاعون الصادر في ١٨٩٨/٢/٦ لقد علمت أنه قد نشأ في قلوب بعض السادة اعتراض حين قرأوا إعلاننا الأول بأنّ هناك تناقضا بين إخباري الناس بأن التدبير الفلاني مفيد أو الدواء الفلاني ناجع للقضاء على هذا المرض، وبين إعلاني بـأن هـذا المرض تفشّى عقابًا على أعمال سيئة.واللافت أن أصحاب هذا الاعتراض هم بعض المسلمين.فليتضح لكل هؤلاء السادة أن الردّ المقنع الجلي علـــــى كل هذه الأوهام يتجلى لنا عند إلقاء نظرة على قانون الطبيعة وصحيفة سنن الكون؛ فإن سنة الله في الكون التي نراها بأعيننا تفيد أن سلسلة التدابير والعلاج مرتبطة بالطلب والدعاء..أي عندما نطلب أي علاج أو تدبير عن طريق التفكير أو بأي طريقة أخرى للبحث، أو إذا لم نكن نجيد ترجمة بيت فارسي (المترجم)

Page 18

أسلوب الطلب أو لم نكن قد أحرزنا الكمال في ذلك فننتخب أي طبيب لهذا التفكير والتدبر، فيفكر في إيجاد طريق أحسن من أجل شفائنا عـــــن طريق التدبر والتفكر فيفطن إلى أسلوب مفيد لنا ضمن نطاق قانون الطبيعة.فذلك الأسلوب الذي يخطر بباله يكون في الحقيقة نتيجة التفكير وإمعان النظر والتركيز والتوجه، ويمكن أن نسميه بتعبير آخر دعاء لأننا عندما نفكر ونتدبر ونبذل قصارى الجهود بالغوص في نهر عميق جدا بحثا عن أمر خفي فكأننا نلتمس في هذه الحالة بلسان حالنا الفيض من القوة العليا التي لا يخفى عليها شيء.باختصار، عندما تمد روحنا –بعد عجزها- يدها بمنتهى النشاط والالتياع إلى مبدأ الفيض طلبا لشيء معين، وبعــــد عجزها تتحرى نورا من الغيب بالتفكر، فحالتنا تلك أيضا في الحقيقة نوع من الدعاء.فبهذا الدعاء ظهرت كل حكم الدنيا، ومفتاح كل بيت العلم هو الدعاء فقط.ولم يُكتشف أي نوع من العلم والمعرفة إلا بالدعاء.إن تفكيرنا وتدبرنا وإمعاننا النظر لاكتشاف أمر مكتوم تندرج كـــل هـذه الأمور في الدعاء، وإنما الفرق أن دعاء العارفين يقترن بآداب المعرفة وتمدّ روحهم يدها ببصيرة إلى مبدء الفيض بعد معرفته، أما دعاء الغافلين فتشرد وتشتت يظهر في صورة تفكر وتدبّر وطلب الأسباب.وإن الذين لا يملكون معرفة الله ولا يوقنون به فهم الآخرون يتمنون بالتفكير والتدبر أن يُلقى في بالهم أيُّ نجاح من الغيب، وإن العارف الذي يدعو الله يريد الآخر أن يُكشف عليه طريق الفلاح، لكن المحجوب الذي لا علاقة له

Page 19

بالله الله لا يعرف مبدأ الفيض، وعند التخبط يريد طبعه أيضا كالعـــارف العون من الغيب.وللفوز بذلك العون يُعمل الفكر، بينما ينظر العارف إلى ذلك المبدأ، أما ذلك فيمشى في الظلام ولا يعرف أن ما يُلقى في القلب بعد التفكير وإمعان النظر يكون هو الآخر من الله.لأن الله يعدُّ تفكر المفكّر دعاءً ويُلقي في قلب المتفكر ذلك العلم تقبلا للدعاء.باختصار، إن نكتة المعرفة والحكمة التي تلقى في القلب نتيجة التفكر فإنما تأتي من الله ، وإن لم يفهم المفكر، إلا أن الله لا يعلم بأنه إياه يسأل، فينال هذا المطلب الله أخيرا.إذا كان هذا الطريق لطلب النور على وجه البصيرة وبمعرفة الهادي الحقيقي فهذا هو دعاء العارفين كما بينتُ آنفا.أما إذا طلب المرء هذا النور من مبدأ غير معلوم بمجرد التفكير وإمعان النظر و لم يكن نظـــره إلى المنور الحقيقي كلية فذلك دعاء الغافلين.فقد ثبت من هذا البحث أن مرتبة الدعاء تسبق ظهور التدبير الذي جعله قانون الطبيعة ضروريا وإلزاميا لكل واحد من البشر، وكل من يطلب مقصودا لا يجد مناصا من المرور بهذا المعبر بالطبع، فمن المخجل أن يظن أحد أن الدعاء ينافي التدبير ! ما هو الهدف من الدعاء؟ إنما يستهدف الدعاء أن يُلقي عالم الغيب المطلع على أدق التدابير أحسن تدبير في القلب، أو من يخلقه من عنده لكونه خالقا وقادرا، فأين التناقض بين الدعاء والتدبير؟ وبالإضافة إلى ذلك كما تتبين العلاقة بين التدبير والدعاء بشهادة سنن الكون، كذلك يتوفر الإثبات نفسه من شهادة صحيفة الفطرة أيضا؛ حيث

Page 20

يلاحظ أن طباع الإنسان كما تنصرف إلى التدبير والعلاج عند حلول المصيبة فهي تنشغل بالدعاء ودفع الصدقات أيضا بالحماس الطبعي نفسه.إذا استعرضنا جميع أقوام العالم تبين لنا أن ضمير أي قوم لم يخالف هذه المسألة المتفق عليها، فهذا هو الدليل الروحاني الوحيد على أن شريعة الإنسان الباطنية هي الأخرى قد أفتت جميع الشعوب منذ القدم أن لا يفصلوا الدعاء عن الأسباب والتدابير، بل ينبغي أن يتحروا التدابير بالدعاء باختصار إن الدعاء والتدبير اثنان من متطلبات الطبع الإنساني وهما يخدمان الفطرة الإنسانية كشقيقين منذ القدم ومنذ خلق الإنسان، وإن الأسباب بمنزلة النتيجة الحتمية للدعاء، بينما الدعاء بمنزلة الدافع والجاذب لاتخاذ الأسباب.وإنما سعادة الإنسان تكمن في أن يستعين بالله بالدعاء قبل اتخاذ الأسباب لكي تتوفر له الأسباب الرائعة بتلقي النور من ذلك المصدر الدائم.لقد أثير اعتراض آخر وهو أنه "لا يمكن أن يكون بد حاشية: في هذه الأيام توجد في المسلمين فرقة تقول إن الدعاء عديم الجدوى ولا أن يتحقق القضاء والقدر، لكن من المؤسف أن هؤلاء لا يعرفون أن بعض الأشياء وصفت سببا لدفع بعض الآفات في سنة الله في الكون - مع أن مسألة القضاء والقدر حق- مثلما الماء والخبز سببان طبيعيان لدفع الظمأ والجوع، فلماذا يستغربون من في كون الدعاء هو الآخر سببا لقضاء الحاجات في سنة الله في الكون؟ لقد أودعه الله الحقيقة قوةً لجذب الفيوض الإلهية، فإن تجربة آلاف العارفين والصالحين تشهد على أن في الدعاء قوة الجذب في الحقيقة، وقد كتبنا نحن أيضا في كتبنا التجارب الخاصة في هذا الخصوص وليس هناك أي إثبات أقوى من التجربة.صحيح أن كل شيء قد تقرر في القضاء والقدر ،سلفا، لكن كما تقرر أن فلانا سيمرض ويُشفى بتناول

Page 21

أي قدر معلقا أن هذا الاعتراض هو الآخر خداع كسابقه، فطباع الناس منذ الأزل ميالة إلى أنهم إذا أُخبروا عن موعد نزول البلاء قبل نزوله فهم يسعون لصرفه بالدعاء والصدقات، ومن هنا يتبين أن ما نقشته شريعة الله الباطنية على صحيفة فطرة الإنسان، وأفتت إنما هو أن الدعاء والصدقات تدفع البلايا.ولهذا السبب تميل جميع أقوام العالم بالطبع إلى التركيز على الدعاء عند حلول البلاء أو الخطر فكيف يبكي ركاب السفينة ويتضرعون عند رؤية بوادر الغرق؟ إن جميع النبوءات الإنذارية التي ذكرها القرآن الكريم من زمن نوح الة إلى سيدنا ومولانا محمد المصطفى بحق العصاة كلها شرطية، وإنما معناها حصرا أن العذاب الفلاني نازل عليكم، فإن تبتم وعملتم صالحا فسوف يُوقف، وإلا سوف تُهلكون.فالقرآن الكريم زاخر بهذه النبوءات.ثم من الغريب أن البعض يثيرون مثل هذه الاعتراضات وإن النبوءة الإلهامية الشرطية تخالف سنة الله.فليتضح الدواء الفلاني فقد تقرر أيضا على المنوال نفسه أنه إذا دعا فلان من المصابين فسوف تخلق له أسباب النجاة إثر قبول الدعاء.وإن التجربة تشهد على أنه إذا اتفق بفضل الله أن يصدر الدعاء بكل شروطه، فإن ذلك العمل يتحقق حتما، وإلى ذلك تشير الآية القرآنية: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر : ٦١) أي داوموا على الدعاء في حضرتي فسوف أتقبله أخيرا.فالغريب في الأمر أن جميع الناس رغم إيمانهم بمسألة القضاء والقدر يتوجهون إلى الأطباء عند إصابتهم بمرض، فلماذا لا يقيسون الدعاء على الدواء.منه حاشية: اقرأوا الآيات التالية بإمعان: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسنينَ (يوسف: ٩١) فهذه النبوءة عامة وهي مشروطة بالتقوى والصبر.ثم قال

Page 22

التي تخالف تعاليم القرآن الكريم مع كونهم مسلمين، وإنما سبب ذلك أن كثيرا من الناس في هذا الزمن قد غفلوا جدا عن تعليم الإسلام بانغماسهم في ملاهي الدنيا ليل نهار.ولا يغيبن عن البال هنا أن كل ما كتبناه في إعلاننا السابق عن دفع علاج الطاعون كتدبير وقائي؛ فلم نكن نهدف من بيان ذلك التدبير قط أنه قطعي وحاسم ودائم ومقنع لدرجةٍ لا تبقى حاجة إلى الدعاء بعده.وإنما قصدنا أن هناك أملا قويا في أن يكون مفيدا.نحن نعلم يقينا أن الأطباء والحكماء لم يكتشفوا أي دواء يستطيعون أن يؤكدوا أنه بمحاربة كاملة ضد القضاء والقدر - سيشفي من المرض جميع الطبائع قطعا، بل نوقن بأن مثل هذا الدواء لم يتيسر للأطباء قط حتى الآن، ولا يمكن أن يتيسر ما يفيد في نبوءة أخرى بعد ذكر العذاب أخيرا: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَثْتُمْ (النساء: ١٤٨) فقد بين في هذه النبوءة أن العذاب المقبل سيُصرف بالشكر والإيمان، ثم قال في آية أخرى: (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (آل عمران: ٥٧-٥٨.فلاحظوا كيف تبين هذه الآية أيضا أن العذاب يُدفع بالإيمان، ثم ورد في موضع آخر : فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام: ١٤٨)، فهذه النبوءة أيضا شرطية.وهكذا فإن القرآن الكريم مليء بالنبوءات الشرطية في قصص الأنبياء عليهم السلام، فإنكارها إنكار الإسلام، بل يُستشف قصة يونس اللي أن النبوءة الإنذارية يمكن أن تُلغى بالتوبة والاستغفار حتى لو لم تكن شرطية، لأن من صفات الله من الأزل أنه يتقبل توبة التوابين ويؤخر نبوءة الوعيد.منه من

Page 23

قطعا كل إنسان من كل طبع وعمر وبلد ولا يخطئ أبدا.لهذا ما زالت هناك حاجة للدعاء رغم الأخذ بالأسباب، أما الطاعون فهو حائز على الدرجة الأولى من بين الأمراض المهلكة كلها، فأنى لأحد أن يدعي بخصوص هذا المرض المهلك أن تدبيرا ما أو دواء يمكن أن يحمي جميع الأرواح من الهجوم القاتل؟ فإذا كان قانون الطبيعة يفيد أن علم الطب ظني التدابير والمعالجات هي الأخرى ظنية، فكم من الشقاوة في هذه وأن جميع الحالة أن لا يُطلب الفضل من الله ذي الفيض والرحمة بالدعاء اتكالا على الظنون! فما الذي نقصد بالدعاء؟ إنما نريد أن يرشدنا عالم الغيب الذي يطلع حتى على أصل حقيقة المرض وهو يعلم الدواء أيضا ويهيئ لنا أدوية نافعة إذا أراد، أو لا يرينا - بفضله وكرمه - ذلك اليوم الذي نحتاج فيه إلى الأطباء والأدوية.فهل هناك شك في وجود الذات القادرة التي بمشيئتها وإذنها نحيا ونموت، وحيثما يتوجه بمشيئته يتوجه إليه نظام الأرض والسماء بأسره؟ فإذا أراد أن تكون صحة الناس في بلد ما رائعةً فهو يخلق أسبابا تجعل مياه ذلك البلد محفوظة من كل عفونة ولا يحدث في الجو أي تغيير غير طبيعي، وتتوفر الأغذية الصالحة، ولا تظهر جميع الأسباب الخفية التي تضر بالصحة، سواء كانت أرضية أو سماوية.أما إذا أراد الوباء والموت في بلد ما فيخلق أسبابا تولّد الوباء، لأن الملكوت في السماوات والأرض كله بيده، وكل ذرة من الدواء والغذاء والأجرام والأجسام تسمع صوته، فليس من شأنه

Page 24

أن يجلس بعد خلق العالم منعزلا كمن ليس له أي خيار أو هو عاطل.كلا بل هو ما زال خالق العالم كما كان من قبل، فخلال بضع سنوات تنحل أجزاء أجسامنا السابقة وتحل مكانها أجزاء أخرى، فسلسلة الخلق والإنشاء هذه تستمر بانتظام، بحيث يفنى عالم ويظهر مكانه عالم آخر.كذلك فإن إلهنا قيوم العالم أيضا الذي بسنده يقوم كل شيء، فليس صحيحا أنه لم يخلق أي جسم أو روح، أو انعزل عنها بعد الخلق.بل هو في الحقيقة روح كل نفس، وكل موجود لا يقوم إلا بتلقي الفيض منه، وبفيضه يمكن أن ينال الحياة الخالدة، فكما لا نستطيع العيش بدونه لم تخلق دونه تلقائيا.فإذا كانت حياتنا وعيشنا بيد الله ، وبأمر منه تلتحم ذرات وجودنا وتفترق؛ فكم من الخطأ الفاحش القول مقابل ذلك بأننا نستطيع العيش اعتمادا على أسبابنا المحضة دون فضله ونصره كلا بل إن أسبابنا أيضا منه؛ ينشأ في أذهاننا النور عندما يهبه لنا ليس لنا أي تحكم على الماء والهواء أيضا، وكثير من الأسباب التي تؤثر في صحتنا إيجابا أو سلبا ليست في نطاق قدرتنا.وإنما هي بيد الله كل وحده، حيث يقول الله في القرآن الكريم: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ' ومن هنا يدرك العاقلون وجود وقدراته الكاملة وهذا التصريف على نوعين؛ أحدهما الظاهري، حيث يصرف الرياح والسحاب من جهة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر.والثاني هو الباطني، البقرة: ١٦٥ الله

Page 25

وهو أن يخلق في الرياح والسحاب صفة الترياق أو السم لكي تهيئ للخلق الأمن والرفاهية أو تتسبب في ظهور الأوبئة، فلا خيار للإنسان في كلا هذين النوعين من التصريف، وهما خارج نطاق قدرة البشر نهائيا، ومع ذلك هناك مشكلة أخرى وهي أن صحتنا أو مرضنا لا يتوقفان على هذين الأمرين فقط، بل هناك ألوف مؤلفة من أسباب أرضية وسماوية أخرى أيضا وهي دقيقة ولطيفة جدا وخفية على فكر الإنسان ونظره، ولا أحد يستطيع أن يدعي أنه يقدر على خلق هذه الأسباب كلها بجهده وسعيه.فأي شك في أن الإنسان بحاجة إلى الرجوع إلى الله الذي بيده كل هذه الأسباب الخفية واللطيفة.وكما ميز الله في كتبه الخبيث من الطيب وبين درجاتهما متباينة، كذلك تتباين سنة الله في الكون في إنسانين أحدهما يسأل الله باعتباره منبع الفيض القوة والعون بالأدعية بلسان الحال والقال، والثاني يعد الدعاء مهزلة اعتمادا على مجرد أسبابه وقوته، بل يستغني عن الله ويتكبّر.إن الذي يدعو الله في المشكلة والمصيبة ويسأله حل المشاكل فهو يجد الطمأنينة والسعادة الحقة عند الله بشرط أن يوصل الدعاء إلى الكمال، وإن لم يفز بطلبه فإن طمأنينة وسكينة من نوع آخر توهب له من الله، ولا يشقى أبدا.وبالإضافة إلى النجاح يتقوى إيمانه ويزيد يقينه، أما الذي لا يتوجه إلى الله بالدعاء فهو يعيش أعمى ويموت أعمى، وإن خطابنا هذا يتضمن ردا مقنعا على أولئك الأغبياء الذين يعترضون بنظرهم الخاطئ على أن هناك كثيرين يشقون في نيل مراميهم ويموتون خائي الآمال

Page 26

رغم تفانيهم في الدعاء بحالهم ،وقالهم ومقابلهم إنسان لا يؤمن بالدعاء ولا هي الله بالله لكنه ينتصر عليهم ويحقق نجاحات كبيرة.فكما أشرت آنفا إن الغاية المتوخاة من الدعاء الطمأنينة والسلوان والسعادة الحقيقية، وليس صحيحا أبدا القول بأن سعادتنا الحقيقية تنحصر في أمر نسأله الله من بالدعاء، بل إن الله الذي يعلم في أي شيء تكمن سعادتنا الحقيقية والذي يهيئه لنا بعد الدعاء الكامل.فالذي يدعو الله بصدق الروح فمن المستحيل أن يشقى في الحقيقة.بل إن السعادة التي لا تنال بمجرد الثروة ولا بالحكومة ولا بالصحة هي بيد وهو يهبها لمن يشاء، إلا أنها توهب بالأدعية الكاملة؛ فحين يريد الله له فإنه يمنع الصادق المخلص في عين المصيبة بعد الدعاء بلذة لا يحظى بها الإمبراطور على عرشه.فهذا ما يُسمى في الحقيقة الفلاح الذي يجده الداعون أخيرا.وتنتهي آفاتهم بمنتهى السعادة.أما إذا لم يتوفر الإيمان والسعادة الحقة فإن نجاحنا أيضا يشكل ألما لنا، فهذه الطمأنينة والسعادة الحقة للروح لا تُنال أبدا باتخاذ الأسباب، وإنما تكسب بالدعاء فقط.إلا أن الذين لا ينظرون إلى العاقبة فهم يجعلون تحقق الآمال أو الإخفاق في ظاهر الأمر مقياسا لاتخاذ القرار.والحقيقة أن العاقبة المحمودة تكون حصرا للذين يخافون الله وينشغلون في الدعاء، وهم حصرا الذين ينالون ثروة الفلاح العظيمة بواسطة السعادة الحقيقية والمباركة.فمن الإجحاف العظيم والظلام الدامس أن ينكر الإنسان الفيض الذي ينزل عن طريق الدعاء فقط، وينظر باستخفاف إلى تعليم الأنبياء

Page 27

۱۳ المقدسين الذي ظهر نموذجه العملي في زمنهم أفليس من الحق أنه بدعاء أولئك المقدسين ذل وهلك على الدوام أولئك الطغاة العصاة الذين قاوموهم؟ انظروا إلى تأثير دعاء نوح الي الذي بجيشانه غرقت الجبال ووصل عشرات الملايين من الناس خلال لحظة إلى دار الفناء، ثم أمعنوا النظر في دعاء موسى ال على فرعون الذي هلك به الأخير مع جميع جنوده، ثم تأملوا في قوة دعاء عيسى اللة وتأثيره الذي تسبب في استئصال اليهود على يد الحكومة الرومية، ثم تدبروا لحظةً دعاء سيدنا من ذلك ومولانا وكيف كانت عاقبة الأشرار الظالمين بعد دعائه عليهم؟ أفليس ذلك إثباتا مقنعا بأن لله في الطبيعة منذ القدم قانونا روحانيا هو أنه بالدعاء يفور التفاتُ حضرة الأحدية وتنزل السكينة والطمأنينة والسعادة الحقة؟ فإذا لم نكن على خطأ في طلب تحقيق هدف معين فهو يتحقق، وإذا كنا مخطئين في الدعاء على شاكلة ذلك الصبي الذي يطلب أمه ثعبانا أو جمرة من النار، فإن الله يرزقنا ما هو خير لنا، ومع يزيدنا إيمانا في كلتا الحالتين، لأنا بالدعاء نتلقى العلم من الله قبل الوقت ويزيد يقيننا لدرجة كأننا رأينا الله ربنا.وإن بين الدعاء والاستجابة علاقة قوية تلاحظ منذ القدم ومنذ خلق الإنسان فحين تتوجه إرادة الله إلى تحقيق أمر معين، فمن سنة الله الله أن أحد عباده المخلصين ينشغل في الدعاء باضطراب واضطرار وقلق وبذل كل همة واهتمام لتحقق ذلك الأمر، فتجذب أدعية ذلك الرجل المتفاني الفيوض الإلهية من السماء فيخلق

Page 28

الله الله أسبابًا جديدة لتحقيق ذلك هذا الدعاء وإن كان في العالم المادي يصدر من الإنسان، لكن ذلك الإنسان يكون في الحقيقة متفانيا في الله، وعند الدعاء يأتي إلى حضرة الأحدية والجلال بقدم الفناء، بحيث لا تبقى يده له في ذلك الوقت- بل تصبح يد الله.فهذا هو الدعاء الذي يُعرف به الله وتكتشف ذاته ذو الجلال الذي يتوارى وراء آلاف الحجب.فالسماء تدنى من الأرض للذين يدعون، وتُخلق أسباب جديدة للفرج بتقبل الدعاء، ويوهب علمُها قبل الأوان، وعلى الأقل يرسخ من الغيب اليقينُ في القلب بإجابة الدعاء كالوتد الحديدي.إنما الحق أنه لولا الدعاء لما كان لأي إنسان أن يحرز درجة حق اليقين في معرفة الله.فبالدعاء يُنال الإلهام وبالدعاء نحن نكلم الله تعالى، فحين يبلغ الإنسان بقدم الإخلاص والتوحيد والحب والصدق والصفاء بالدوام على الدعاء درجة الفناء، يتجلى عليه ذلك الإله الحي الذي يخفى على الناس فلسنا بحاجة إلى الدعاء لمجرد تحقيق مكاسبنا المادية فقط، بل الحقيقة أنه ليس بوسع أي إنسان الوصول إلى الله الحق ذي الجلال بدون الآيات الطبيعية التي تظهر بعد الدعاء، الذي تبتعد عنه كثير من القلوب.يزعم السفيه أن الدعاء لغو وأمر سخيف! لكنه لا يعلم أن بالدعاء وحده يتجلى الإله ذو الجلال على الباحثين عنه ويلهم قلوبهم: "أنا القادر".فليتذكر كل من لديه الجوع والظمأ لليقين أن الدعاء وحده وسيلة تهب اليقين بالله لطالب النور الروحاني في هذه الحياة وتزيل جميع الشكوك والشبهات؛ لأن الذي تتحقق

Page 29

α107 أهدافه دون الدعاء لا يعرف كيف ومن أين تحققت له.بل إن الذي يركز على الأسباب والوسائل وحدها ويتغافل عن الدعاء لا يخطر بباله أن الله الله قد مكنه بيده من تحقيق أهدافه حتما وحقا.ولهذا السبب فإن الذي يتلقى إثر الدعاء البشارة في الإلهام من الله بنجاح، فهو عند تحقق ذلك النجاح يزداد حبا الله الله و معرفة وإدراكا له، ويَعُدُّ تلك الإجابة للدعاء آيةً عظيمة في حقه.وكذلك يمتلئ باليقين فينة بعد فينة، ويجتنب الثوائر النفسانية وكل أنواع الذنب لدرجةٍ وكأنه بقيت روحه فقط.أما الذي لا يلاحظ آيات رحمة الله بالدعاء فيبقى محروما من ثروة حق اليقين رغم إحراز النجاحات طول الحياة ونيله الثروة الهائلة والأموال الكثيرة وتوفر أسباب التنعم.ولا تؤثر تلك النجاحات أيَّ تأثير إيجابي في قلبه، بل يزداد غرورا وتكبرا بقدر ما يفوز بالثروة والتقدم فإذا كان لديه أي إيمان بالله الله فيكون إيمانا ميتا غير قادر على منعه من الثوائر النفسانية ومنحه الطهارة الحقة.صحيح أن كل شيء قد تقرر في القضاء والقدر، إلا أن القضاء والقدر لم يضيّع العلوم؛ فكما يسلّم كل واحد من خلال التجارب العلمية أن الخواص تكمن في الأدوية رغم إيمانه بمسألة القضاء والقدر، وأن المريض إذا تناول دواء مناسبا بحسب المرض فهو ينتفع به بفضل الله ورحمته، فكذلك لا يجد كلُّ عارف بدا من الاعتراف من خلال التجارب العلمية بأن للدعاء علاقة بالإجابة، فسواء تمكنا من ترسيخ هذا السر في قلوب الناس

Page 30

على وجه معقول أم لم نتمكن من ذلك إلا أن تجارب مئات الملايين من الصادقين بالإضافة إلى تجربتنا الشخصية قد كشفت لنا هذه الحقيقة الخفية، أن دعاءنا يتمتع بقوة مغناطيسية ويجذب إليه فضل الله ورحمته، إن مغزى الصلاة ولبها هو الآخر الدعاء حصرا الذي علمناه في سورة الفاتحة، فحين نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فإنما نتوخى بواسطة هذا الدعاء وهي انجذاب ذلك النور الذي ينزل من الله وينور القلوب باليقين والحب.الله بعض الناس يقولون متسرعين إنا لا ننهى عن الدعاء، لكن المراد من الدعاء العبادة التي يترتب عليها الثواب.لكن من المؤسف أن هؤلاء لا يتدبرون أن العبادة التي لا تتولّد فيها الروحانية من الله، وأنّ الثواب الذي يُرجى مستقبلا بناءً على مجرد خيال فكرة باطلة.إنما العبادة الحقيقية والثواب الحقيقي ذلك الذي نشعر بأنواره وبركاته في هذه الحياة الدنيا.إن أمارات القبول لعبادتنا تنحصر في أن نشاهد بعين القلب في أثناء الدعاء نورا ترياقيا ينزل من ويقضي على المواد السامة من قلوبنا، وينزل علينا كشعلة ويملأنا فورا بحالة طيبة لانشراح الصدر واليقين والحب واللذة والأنس والذوق وإن لم يكن كذلك فيبقى الدعاء والعبادة مجرد عادة وتقليد.فكل دعاء حتى لو كان للقضاء على مشاكلنا الدنيوية- يمر من وضعنا الإيماني ومرتبة عرفاننا؛ بمعنى أنه يمنحنا التقدم والرقي في الإيمان والعرفان أولا، ويهب لنا سكينةً طيبةً وانشراح صدر وطمأنينة وسعادةً حقة، ثم يؤثر في الأمور المادية التي تكرهها، ويزيل همنا بما يناسب الوضع.

Page 31

فقد ثبت من كل هذا البحث والتحقيق أن الدعاء لا دعاء إلا إذا يسمى اتسم في الحقيقة بقوة جاذبة واستنزل من السماء فعلا نورا يزيل اضطرابنا ويرزقنا انشراح الصدر والسكينة والطمأنينة، إلا أن الله الحكيم يُنزل نصره وعونه بعد دعائنا على وجهين.(1) أحدهما أنه يدفع ذلك البلاء الذي نندفن تحته ويكاد يقضي علينا.(۲) الثاني أنه يرزقنا قوة خارقة للصبر على مواجهة ذلك البلاء، بل يخلق فيه لذة ويشرح صدورنا.فالثابت من هذين الطريقين كليهما أن الإنسان يتمتع بالنصر الإلهي حتما بالدعاء.ومن الجدير بالذكر أن لفرضية الدعاء الذي فرضه كلام الله المقدس على المسلمين أربعة أسباب.(۱) أولها أن يتمسك العبد بالوحدانية برجوعه إلى الله دوما وفي كل ،وضع لأن الطلب من الله بمنزلة الإقرار بأن الله وحده يحقق المرادات.(۲) والثاني أن يتقوى الإيمان بتقبل الدعاء ونيل المراد (۳) والثالث أن يزداد الداعي علما وحكمة إذا كان نزل بطريق آخر.(٤) والرابع أنه إذا بشر الإنسان بتقبل الدعاء في الإلهام والرؤيا ثم تحقق بحسب ذلك، أن يزداد معرفةً بالله، التي تؤدي إلى اليقين، واليقين يقود إلى الحب، ويحصل بالحب الانقطاع عن غير الله والتخلي عن كل ذنب، وهو الثمرة الحقيقية للنجاة.أما إذا تحققت آمال أحد تلقائيا وكان بعيدا عن الله وغافلا عنه، فإن تحقق وغافلا عنه، فإن تحقق جميع تلك الأمنيات فضل الله

Page 32

تكون حسرات في نهاية المطاف، وإن جميع الأهداف التي يفتخر بها الإنسان تؤدي إلى الأسف والحزن في آخر الأمر.إن جميع أنواع الترف الدنيوي سيتحول أخيرا إلى الحزن وستتراءى كل راحة حزنا وألما.أما البصيرة والمعرفة التي يتمتع بها الإنسان بالدعاء والنعمة التي ينالها عند الدعاء من الكنز السماوي فلن ينقص منها شيء ولن تزول أبدا، بل يرتقي الإنسان إلى الفردوس الأعلى بسلَّم الدعاء نتيجة ازدياده معرفةً بالله وحبه يوما بعد يوم.إن الصفات العليا أربع وهي أم الصفات وكل صفة منها تقتضي من بشريتنا أمرا ما، وهذه الصفات الأربع هي: الربوبية والرحمانية والرحيمية ومالكية يوم الدين.(۱) الربوبية تقتضي لنزول فيوضها العدمَ المحض أو شبيها بالعدم، وكل أنواع المخلوق تكسب الوجود منها سواء أكانت حيوانات أو غيرها من مخلوقات.(۲) الرحمانية تتطلب لنزول فيضانها العدمَ فقط، أي ذلك العدم المحض الذي لا يكون معه أي أثر أو ظهور لأي وجود، وهي تتعلق بالحيوانات فقط لا بالأشياء الأخرى.(۳) الرحيمية تقتضي لنزول فيضانها الإقرار بالفناء والعدم من الكائن ذي العقل، وهي تتعلق بالإنسان فقط.(٤) مالكية يوم الدين تقتضي لنزول فيضانها الضراعة والإلحاح على شاكلة المتسولين، وتتعلّق فقط بالذين يخرّون على أعتاب حضرة الأحدية

Page 33

كالمتسولين، ويمدون يد السؤال والإفلاس لتلقي الفيض، ويؤمنون بمالكية الله الله حاسبين أنفسهم خالي اليدين حقا.إن صفة الرحيمية من هذه الصفات الإلهية الأربع التي تعمل في العالم تحثنا على الدعاء، بينما تولد فينا صفة المالكية الخشوع الحقيقي والخضوع بالإذابة بنار الخوف والقلق، لأن من هذه الصفة يثبت أن الله مالك الجزاء، فليس من حق أحد أن يطلب منه شيئا بالاستحقاق، وأن المغفرة والنجاة تترتب على فضل محض.وملخص القول؛ هذه صفات الله الأربع التي تثبت من تعليم القرآن أن يدعو الكريم وتحقيق العقل، ومن جملتها صفة الرحيمية التي تقتضي الإنسان لكي تنزل عليه الفيوض الإلهية.ولقد كتبنا في "البراهين الأحمدية" و"كرامات الصادقين" أيضا كيف ذُكرت هذه الصفات الأربع بصورة لفّ ونشر مرتب في سورة الفاتحة، وكيف يثبت بإلقاء نظرة على قانون الطبيعة أن هذه الصفات الأربع في سورة الفاتحة، بالترتيب الذي وردت به، توجد في كتاب الله الفعلي؛ أي قانون الطبيعة.فإنكار الدعاء أو اعتباره عديم الجدوى أو عدم عده دافعا لجذب الفيوض بمنزلة إنكار الصفة الإلهية الثالثة وهي الرحيمية، وهذا الإنكار في الحقيقة خطوة خفية إلى الإلحاد؛ لأن الرحيمية وحدها صفة يزداد بها اليقين بسائر الصفات الإلهية ويبلغ الكمال.ذلك لأننا حين نتلقى الفيوض الإلهية المترتبة على أدعيتنا وضراعاتنا بواسطة الرحيمية، وتنحل كل أنواع المشاكل؛ فإن إيماننا

Page 34

بوجود الله وقدرته ورحمته وجميع صفاته يبلغ حق اليقين، وندرك - - كشهادة العيان أن الله الله في الحقيقة يستحق الحمد والشكر، وأن ربوبيته ورحمانيته وسائر صفاته قويمة وصحيحة في الحقيقة، إلا أنها تبقى غامضة دون ثبوت الرحيمية.واضح أن معرفة الله لها الأولوية، وهي المرحلة المهمة الواجب اجتيازها، أما إذا كانت معرفتنا ناقصة وغامضة وغير واضحة فلا يمكن أن يكون إيماننا منورا ومُشرقا أبدا ولن نتمكن من استقاء الماء الزلال من نبع المعرفة الحقيقية لربنا الكريم بأي حال من الأحوال ما لم تصبح معرفتنا الله كحادث مشهود بأم أعيننا بواسطة الرحيمية.فإذا كنا غير منخدعين فلا نجد بدا من الاعتراف بأننا من أجل تكميل معرفتنا بحاجة إلى أن تزول جميع الشكوك والشبهات عن طريق صفة الله الرحيمية، ونحرب نزول رحمة الله وفضله وقدرته، وبذلك يقع في قلوبنا تأثير قوي يخلصنا من الثوائر النفسانية التى تستولي على قلوبنا لضعف الإيمان واليقين فقط، وتصرفنا إلى جهة أخرى.أليس من الحق أن الإنسان، الذي عمره عدة أيام نسبةً لهذه الدنيا، يتعرض لظلام مخيف لأن الأشعة القوية لمعرفة الله لا تُصيب قلبه؟ فهو لا يبحث عن لذات عالم المعاد والسعادة الحقة مثل سعيه وحبه لهذه الدنيا وممتلكاتها وسلطتها وثرواتها.وإذا اكتشفت وسيلة للخلود في هذا العالم فيستعد للتصريح بلسانه أنه يتخلى عن الرغبة في الفوز بالجنة ونعماء العالم الآخر.فما سبب ذلك؟ إنما السبب أنه لا

Page 35

۲۱ يؤمن في الحقيقة بوجود الله وقدرته ورحمته ووعوده إيمانا حقيقيا.فمن المهم جدا لطالب الحق أن يظل يتحرى الإيمان الحقيقي، ولا يخدع نفسه بأنه مسلم ويؤمن بالله ورسوله ويقرأ القرآن الكريم ويتبرأ من الشرك ويداوم على الصلاة ويجتنب الحرام والخبائث؛ إذ لن يتمتع بعد الموت بالنجاة الكاملة والسعادة الحقة والسرور الحقيقى إلا من قد فاز بذلك النور الحي والحقيقي في هذا العالم الذي يدفع الإنسان بجميع قواه وقدراته وإراداته إلى الله ، والذي يحدث به تغير صادق في الروح الإنسانية بنزول الفناء على الحياة السفلية.فما هو ذلك النور الحي والحقيقي؟ ألا إنها تلك القوة الموهوبة من الله التي تُسمى اليقين والمعرفة التامة، إنها القوة نفسها التي تُخرج الإنسان بيدها القوية من الهوة المخيفة والمظلمة وتجلسه في جو منير جدا وآمن.وقبل أن ينال المرء هذا النور تكون جميع أعماله الصالحة بصبغة التقليد والعادة، وفي هذه الحالة يمكن أن يتعثر الله الإنسان بأدنى الابتلاءات من الذي يمكن أن تكون معاملته صافية مع بدون الفوز بمرتبة هذا اليقين؟ إن الذي وهب له اليقين يسيل إلى الله كالماء ويطير إليه كالهواء ويحرق غيره كالنار ويثبت في المصائب كالأرض.إن معرفة الله السلالالالالالها تجعل الإنسان مجنونا، إلا أنه يكون مجنونا في نظر الناس بينما يكون في نظر الله عاقلا وفطنا.ما أحلى هذا الشراب الذي يحلّي الجسم كله فور بلوغه الحلق، وما ألذ هذا اللبن الذي يجعل الإنسان في لحظة مستغنيا عن جميع النعم وغير مهتم بها، إلا أنه يُكسب

Page 36

۲۲۰ بالأدعية بالمجازفة بالحياة وبتكبد المشاق، ولا ينال بدماء الغير بل بالتضحية الصادقة الشخصية، ما أصعب المهمّة أسف مائة أسف! أرى من المناسب أن أشرح هنا للتوضيح والبيان الصفاتِ الأربع المذكورة تفسيرا لسورة الفاتحة، ليتبين كيف رغب الله في الدعاء في السورة الأولى لكتابه وهي: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) آمين.المعنى: إن الإله الذي اسمه الله يستحق جميع أنواع المحامد، وهو وحده الجدير بكل ثناء لأنه رب العالمين ورحمن ورحيم ومالك يوم الدين.نحن نعبدك وحدك (يا صاحب هذه الصفات الكاملة) وبك وحدك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم الذي هو صراط الذين أنعمت عليهم، واجنبنا سُبل الذين حلَّ عليهم غضبك في هذا العالم في صورة الطاعون وغيره من أنواع الغضب، واجنُبنا أيضا سبل الذين ابتعدوا عن طريق النجاة في الآخرة وسيواجهون العذاب أخيرا وإن لم ينزل عليهم أي غضب في هذا العالم."الله" ملحوظة: يتبين من آيات سورة الفاتحة هذه أن الإله الذي عرف نفسه باسم في القرآن الكريم، هو مبدأ جميع الفيوض لكونه رب العالمين، وهو واهب جميع الإنعامات بصفته رحمانا، وهو مجيب جميع الأدعية والجهود النافعة لكونه رحيما، وواهب الثمار الأخيرة لجميع المساعي بصفته مالك يوم الدين.منه

Page 37

۲۳ هي وليتضح الآن أن هذه السورة "التي تسمى الفاتحة" أولى سور القرآن الكريم لأن بها البداية.وهي تسمى أمُّ الكتاب أيضا، لأنها تضم ملخص تعاليم القرآن الكريم كلّها وعطرها.وقد عُلّمنا في هذه السورة دعاء لنيل الهدى، ليتبين أن الدعاء مهم للفوز بالفيوض الربانية.وقد بدئت هذه السورة بجملة "الحمد لله"، التي تعني أن كل أنواع الحمد والثناء تليق بمن اسمه "الله".وقد بدئت "الحمد لله" لتنبه إلى أن الهدف ب الحقيقي أن يُعبد الله بحماس الروح وانجذاب الطبع، وهذا الانجذاب الناجم عن العشق والحب لا يتأتى بحق أحد ما لا يثبت أنه جامع لهذه المحاسن الكاملة التي حين يلاحظها القلب ينصرف إلى حمده والثناء عليه تلقائيا.فالبديهي أن الحمد الكامل ينشأ من نوعين من المحاسن؛ أحدهما كمال الحسن والثاني كمالُ الإحسان، وإذا اجتمعا في أحد فإن القلب يكون فداء له ويُستهام به وإن أكبر غاية للقرآن الكريم هي أن يُجلِّي على طلاب الحق محاسن الله من كلا النوعين، لينجذب الناس إلى ذلك الفريد الذي ليس كمثله شيء، ويعبدوه بحماس الروح وانجذابها.لهذا قد أراد أن يرسم في أولى السور صورة لطيفة تبين كم من صفات عظيمة يتصف بها الإله الذي يدعو إليه القرآن الكريم.ولهذا السبب ابتدئت هذه السورة بـ "الحمد لله"، مما يعني أن جميع أنواع المحامد تليق بمن اسمه "الله".أما بحسب المصطلح القرآني فهو من بلغت جميع محاسنه ومحامده كمال الحسن والإحسان، ولم تبق فيه أي منقصة.فالقرآن الكريم قد

Page 38

٢٤ وصف الله بأنه هو وحده متصف بجميع الصفات الكاملة، ليشير إلى أن أحدا لا يُسمى "الله" ما لم تتحقق فيه جميع الصفات الكاملة، فإذا وجدت فيه كل أنواع الحسن فحسنه جلي واضح.ونظرا إلى هذا الحسن في القرآن الكريم بالنور كما قال: الله نُورُ السَّمَاوَاتِ سمي الله وَالْأَرْضِ وكل نور مظهر لنوره وحده.وإن محاسن الإحسان في الله كثيرة، وأربع منها بمنزلة أصل الأصول، وبحسب ترتيبها الطبعي فإن الصفة الأولى التي ذكرت في القرآن الكريم في جملة "رب العالمين" وهي أن ربوبية الله أي الخلق وإبلاغ المخلوق كماله المطلوب- جارية وسارية في جميع العالمين، أي في عالم السماء وعالم الأرض وعالم الأجسام، وعالم الأرواح وعالم الجواهر وعالم الأعراض وعالم الحيوانات وعالم النباتات وعالم الجمادات وجميع أنواع العالمين الأخرى تتربى بتربيته، حتى إن العوالم التي يمر بها الإنسان نفسه بدءا من حالة النطفة أو قبلها إلى عالم الموت أو إلى الحياة الآخرة، كلُّها تستفيض من نبع الربوبية.إن ربوبية الله تعالى قد وُصفت بالفيض الأعمّ لكونها تشمل جميع الأرواح والأجسام والحيوانات والنباتات والجمادات وغيرها، لأن كل موجود يستفيض منه، وبسببه جاء كل شيء إلى حيز الوجود.نعم! مع أن هي موجدة كل موجود وهي المربية لكل ما هو ظاهر بوجوده، ربوبية الله النور: ٣٦

Page 39

ولكن أكثر من يستفيد منها كمنة هو الإنسان لأنه يستفيد من كل ما خلقه الله.لذا فقد ذُكِّر الإنسان أن ربَّه ربُّ العالمين" لكي يزداد أملا ويوقن أن قدرات الله تعالى واسعة لفائدته، وهو قادر على أن يُظهر عوالم الأسباب الأخرى أيضا.والصفة الثانية من صفات الله، التي هي بمنزلة الإحسان من الدرجة الثانية والتي يمكن أن توصف بالفيض العام؛ هي الرحمانية، وذُكرت في سورة الفاتحة بكلمة "الرحمن"، وقد سُمِّي الله رحمانا بحسب المصطلح القرآني لأنه وهب لجميع الحيوانات بما فيها الإنسان أيضا صورةً وسيرة بحسب حالها أي أن نوع الحياة الذي أريد له قد وهب له من أجله كل ما احتاج إليه من القوى والقدرات والجسم والجوارح، ثم هيأ له كل ما احتاج إليه بقاؤه؛ فقد أعطى الطيور والأنعام والإنسان القوى والقدرات الموافقة لطبع كل واحد منها، وليس ذلك فحسب بل قبل وجودها بآلاف السنين قد خلق برحمانيته أجرام السماء والأرض لتحمي هذه الأشياء.فقد ثبت من هذا البحث أنه لا دخل لعمل أحد في رحمانية الله ، وإنما هي رحمة محضة، قد خلقت قبل نشوء هذه الأشياء، إلا أن الإنسان يتمتع بجزء أكبر من رحمانية الله، لأن كل شيء فداء من أجل فلاحه، ولهذا قد ذكر الإنسان أن ربه رحمان.والصفة الثالثة صفات الله من هي الرحيمية؛ التي هي الإحسان من الدرجة الثالثة، وقد ذكرت في سورة الفاتحة بكلمة "الرحيم"، وإن الله يوصف

Page 40

بالرحيم بحسب مصطلح القرآن الكريم لحمايته الناس من الآفات والبلايا الأعمال تقبلاً لدعائهم وضراعتهم وأعمالهم الصالحة.وهذا الإحسان بتعبير آخر فيض خاص، ويخص الإنسان فقط، إذ لم يخلق الله وضياع في غيره من الأشياء قدرة الدعاء والضراعة والأعمال الصالحة، لكنه الله أعطاها للإنسان.فالإنسان حيوان ناطق فهو قادر على نيل فيض بنطقه أيضا، أما بقية الأشياء فلم توهب لها قوة النطق.ومن هنا يتبين أن الدعاء ميزة تخص الإنسان، وقد فُطر الإنسان عليها، فكما يُنال الفيض من ربوبية الله ورحمانيته يُنال من صفة الرحيمية أيضا، وإنما الفرق أن صفتي الربوبية والرحمانية لا تتطلبان الدعاء، لأن كلتيهما لا تخص الإنسان وحده بل تشملان بفيضهما الطيور والأنعام أيضا، وليس ذلك فحسب بل إن الربوبية الإلهية تُكسب فيضها جميع الحيوانات والنباتات والجمادات وأجرام السماء والأرض، وما من شيء محروم من فيضها، على عكس صفة الرحيمية التي تخص الإنسان فقط.وإذا لم ينتفع بها الإنسان فكأن هذا الإنسان يساوي الحيوانات بل الجمادات، لقد اتصف الله بالصفات الأربع لإيصال الفيض، أما الرحيمية التي تقتضي دعاء الإنسان فقد خصها بالإنسان وحده، ومن هنا يتبين أن الله يتمتع بنوع من الفيض المرتبط بالدعاء ولا يُنال إلا بالدعاء حصرا، هذه سنة الله والقانون الإلهي، ولا يمكن أن تتبدل.ولهذا السبب ظل الأنبياء يدعون لقومهم على الدوام.اقرأوا التوراة؛ كم مرة اقترب بنو هي

Page 41

إسرائيل من العذاب بإسخاط الله ثم رفع عنهم العذاب نتيجة دعاء موسی أن الله توعدهم بالهلاك مرارا؟ العليا وتضرعه وسجوده مع فالبين من كل هذه الأحداث أن الدعاء ليس لغوا محضا، كما لا يمثل مجرد عبادة لا ينزل ببركته أي فيض فهذه أفكار أولئك الذين لا يقدرون الله حق قدره، ولا يتدبّرون كلام الله بنظرة عميقة، ولا يلقون النظر إلى قانون الطبيعة، فالحقيقة أن نزول الفيض إثر الدعاء أمر مؤكد، وهو يُنجينا.وهذا الفيض يُسمى فيض الرحيمية، الذي به يتقدم الإنسان باستمرار، وبهذا الفيض يبلغ الإنسان مراتب الولاية، ويوقن بالله كأنه يراه بأم عينيه إن مسألة الشفاعة أيضا مبنية على فيض الرحيمية، إذ قد اقتضت رحيمية الله حصرا أن يشفع الصالحون بحق السيئين.هي ومنة الله الرابعة التي هي الميزة الرابعة ويمكن أن تسمى فيضانا أخص، مالكية يوم الدين، التي وردت في سورة الفاتحة في "مالك يوم الدين"، وإنما الفرق بينها وبين الرحيمية أن الإنسان في الرحيمية يستحق النجاح بالدعاء والعبادة، أما بصفة مالكية يوم الدين فتعطى له تلك الثمار.ومثل ذلك كمثل إنسان يحفظ أحد القوانين الحكومية عن ظهر قلب ببذل الجهود المتواصلة والمساعي الحثيثة، ثم يتقدم للامتحان في ذلك فينجح، فاستحقاق النجاح بتأثير الرحيمية يماثل النجاح في الامتحان.ثم إذا تمكن من الفوز بالشيء أو المنصب الذي من أجله نجح في الامتحان فيشبهه الفيض الذي يُنال من مالكية يوم الدين ففى الرحيمية ومالكية يوم الدين

Page 42

۲۸ كلتيهما إشارة إلى أن فيض الرحيمية يُنال برحمة الله ، أما فيض مالكية الله يوم الدين فينال بفضل الله.وصحيح أن مالكية يوم الدين ستتجلى بوجه تام وعلى نطاق واسع في الآخرة، إلا أن كل هذه الصفات الأربع تتجلى بفيوضها في هذا العالم أيضا بحسب سعته.فالربوبية تضع الأساس للفيض بصفة عامة، أما الرحمانية فتري ذلك الفيض في الحيوانات بوضوح وجلاء، أما الرحيمية فتُظهر أن خط الفيض الممتد ينتهي إلى الإنسان، وأن الإنسان حيوان لا يسأل هذا الفيض بلسان حاله فحسب بل بلسانه المادي أيضا.أما مالكية يوم الدين فتنيل ثمار الفيض النهائية.فكل هذه الصفات الأربع تعمل في هذا العالم المادي، لكن لما كان نطاق هذا العالم ضيقا جدا بالإضافة إلى كون الإنسان مصابا بالجهل وعدم المعرفة وضيق النظر، لهذا تتراءى نطاقات هذه الصفات الأربع الواسعة جدا صغيرة جدا، مثلما تتراءى لنا كرات الكواكب الضخمة الهائلة الحجم كالنقط في السماء بسبب البعد الهائل.لكن في الآخرة سيظهر تجلي هذه الصفات الأربع على وجه أتم، لهذا فإن يوم الدين على وجه حقيقي وكامل هو في الآخرة حصرا.وفي ذلك العالم ستتجلى كل واحدة من هذه الصفات الأربع ضعفين أي ظاهرا وباطنا، فستبدو هذه الصفات الأربع ثماني صفات.وإلى ذلك أشير في قوله أن أربعا من الملائكة يحملون عرش الله في هذا العالم، أما في الآخرة فيحمله ثمانية، فهذا الكلام مجاز.فلما خُلق ملك بحسب كل صفة إلهية لهذا ذكرت أربعة ملائكة بخصوص الصفات الأربع، وعندما

Page 43

تتجلى ثماني صفات سيكون معها ثمانية ملائكة، وبما أن هذه الصفات ستكون متسمة بصفات الألوهية وكأنها تحملها، فقد استخدمت كلمة الحمل مجازا.فمثل هذه المجازات اللطيفة كثيرة في كلام الله حيث أُعربَ عن الأمور الروحانية بكلمات مادية.باختصار، إن الله يتصف بهذه الصفات الأربع العظيمة، التي يجب على كل مسلم أن يؤمن بها، أما الذي ينكر وجود ثمار الدعاء وفيوضه فكأنه يؤمن بثلاث من الصفات الإلهية بدلا من الأربع.فليتضح الآن أن الله جل شأنه قد وصف هذه الصفاتِ الأربع في سورة الفاتحة بعد "الحمد لله" بأنها أربعة منابع للفيض، وأشار في الآيات التالية لهذه الآيات إلى اكتساب الفيض من كل واحد من هذه المنابع في صورة لف ونشر مرتب.فالواضح أن من جملة "الحمد لله" إلى "مالك يوم الدين" خمسة أمور مستقلة (۱) الحمد لله (۲) والثاني رب العالمين (۳) والثالث الرحمن (٤) والرابع الرحيم (٥) والخامس مالك يوم الدين.والجمل الخمس التالية تقابلها في صورة لفّ ونشر مرتب؛ فجملة "إياك نعبد" تقابل "الحمد لله"، لتشير إلى أن كامل الصفات الوحيد الجدير بالحمد هو الذي اسمه "الله"، وجملة "إياك نستعين" تقابل "رب العالمين" لتشير إلى أننا نستنصر من نبع الربوبية الذي هو ينبوع عام جدا.لأن من المستحيل أن نفوز بأي تربية ظاهرا أو باطنا، أو نتمكن من إحداث أي تغير طاهر ونتمتع بالخلق الروحاني بدون فيض الربوبية الإلهية.أما جملة "اهدنا

Page 44

الصراط المستقيم" فتقابل "الرحمن"، فالذي يردد "اهدنا الصراط المستقيم" فهو يطلب الفيوض من نبع الرحمن، إذ نيل الهدى ليس حقا لأحد؛ بل تنال هذه الثروة من الرحمانية الإلهية فقط.أما جملة "صراط الذين أنعمت عليهم" فتقابل "الرحيم"، فالذي يردد "صراط الذين أنعمت عليهم" فهو يسأل الفيض من نبع الرحيم، لأن ذلك يعني يا أيها الذي تتقبل الدعاء برحمة خاصة منك سيرنا على سبل أولئك الأنبياء والصديقين والشهداء الذين بانشغالهم في الدعاء والمجاهدات - نالوا منك إنعام أنواع المعارف والحقائق والكشوف والإلهامات، وأحرزوا المعرفة التامة بالدوام على الدعاء والضراعة والأعمال الصالحة.وجملة غير المغضوب عليهم ولا الضالين" تقع إزاء "مالك يوم الدين"؛ فالذي يردد "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" فهو يطلب الفيض من نبع مالك يوم الدين.ومعنى ذلك: يا مالك يوم الدينونة قنا أن نتعرض مثل اليهود للبلايا في هذا العالم مثل الطاعون وغيره غضبا منك، أو نضل عن طريق النجاة كالنصارى، فنستحق العذاب في الآخرة.ففي هذه الآية قد سُمِّي النصارى بالضالين لأنه لم ينزل عليهم أي عذاب غضبا من الله في هذا العالم وإنما أضاعوا طريق النجاة في الآخرة، وهم جديرون بالمؤاخذة في الآخرة.أما اليهود فقد سُمّوا بالمغضوب عليهم لأن العذابات الكبرى قد حلت عليهم في هذه الحياة الدنيا عقابا على أعمالهم، ومن جملتها عذاب الطاعون، ذلك لأن اليهود لم يكذبوا أنبياء الله المقدسين وعباده الصالحين فحسب بل قد قتلوا كثيرا

Page 45

۳۱ 6 منهم أو خططوا لقتلهم وظلوا يؤذونهم كثيرا بكلمات جارحة.لهذا قد ثارت غيرة الله أحيانا وأصابهم بأنواع العذاب، وأحيانا قتل مئات الألوف من اليهود بعذاب الطاعون وأحيانا كثيرة قتل ألوف منهم أو أسروا وطردوا من البلاد وباختصار، قد ظلوا يواجهون الغضب عليهم بعد المسيح الا فلما كان الله يعلم أن هؤلاء القوم زائغون، فقد حذرهم في أحيان كثيرة في التوراة من العذاب الدنيوي، فقد ظل غضب الله ينزل عليهم بشكل مخيف هائل ذلك لأنهم كانوا يؤذون عباد الله الصالحين بأيديهم وألسنتهم، فقد حل عليهم غضب الله في هذا العالم بالذات ليكونوا عبرة للذين يؤذون المبعوثين من الله في زمن ما في المستقبل، أو يؤذون عباده الصالحين عن عمد أو يعذبونهم ويخططون لقتلهم أو إهانتهم.ففي تعليم هذا الدعاء إشارة سرًّا إلى أن يمتنع المسلمون من اتخاذ سيرة اليهود وأخلاقهم، وأنه إذا ظهر فيهم أي مبعوث إلهى فلا يتسرعوا لإيذائه وإهانته وتكفيره كاليهود فحذار أن تكونوا محل غضب الله كاليهود بتكفير الصادق وإصابته بأنواع الأذى وهنكِ عِرضه بالإساءة إليه.لكن من المؤسف أن أفراد هذه الأمة ظلوا يتعثرون على الدوام، ولم يأخذوا العبرة من قصص اليهود الأشقياء.فكم كانت العبرة عظيمة في أن اليهود كانوا قد وعدوا بمجيء النبي إيليا، وكتب أنه ما لم ينزل إيليا لن يأتي المسيح، لكن اليهود، بتمسكهم بحرفية نصوص الكتب المقدسة، أجمعوا على عقيدة وجوب عودة النبي إيليا نفسه في الحقيقة إلى هذا العالم.وبموجب هذه

Page 46

العقيدة لم يوفقوا للإيمان بعيسى الل، واحتجوا بقولهم كيف جاء المسيح وإيلياء لم يعد بعد إلى هذا العالم بحسب الوعد.فبتمسكهم بظاهر النصوص قد واجهوا مشكلة عويصة.وإن أصل شقاوتهم في الحقيقة أنهم حملوا مجاز الكتاب المقدس على الحقيقة، وأجمع جميع علمائهم على أنه يجب عودة إيليا إلى هذا العالم مرة أخرى قبل بعثة "نبي الله" المسيح، وسخروا من تأويل المسيح القائل بأن المراد من إيليا هو يوحنا، أي النبي يحيى، المتصف بصفات إيليا والحائز على خصاله فقالوا له إذا كان المراد من النبوءة أن إيليا لن يعود إلى هذا العالم بل سوف يأتي مثيله، فلماذا لم يقل الله في النبوءة إن مثيله سيأتي قبل المسيح.فالخلاصة أنه هكذا قست قلوبهم فحسبوا الصادق كذابا وكافرا وملحدا، فحلّ عليهم غضب الله عقابا على هذه التصرفات وتعرضوا للعذابات القاسية جدا.وفي الإسلام أيضا اتخذ الناس يهوديو الصفات المنهج نفسه، وبإصرارهم على خطئهم قد آذوا عباد الله المقدسين في كل زمن انظروا كيف انضم ألوف السفهاء إلى "يزيد" تاركين الإمام الحسين له، وآذوا ذلك الإمام البريء بأيديهم وألسنتهم، و لم يرضوا إلا بقتله في نهاية المطاف، ثم ظلوا يؤذون أئمة هذه الأمة والصالحين والمجددين بين حين وآخر ويسمونهم بالكفار والملحدين والزنادقة.فقد عُذب آلاف الصادقين بأيديهم ثم لم يكتفوا بوصفهم كفارا ملحوظة: كل هذه الأمور مسجلة في كتاب ألفه عالم يهودي، وهو موجود عندي.منه

Page 47

۳۳ بل لم يتورعوا عن محاولات قتلهم وإهانتهم وسجنهم قدر الإمكان، حتى جاء زمننا هذا، وهؤلاء كانوا في القرن الثالث عشر- يُلقون الوعظ في كل مكان أن في القرن الرابع عشر سيظهر الإمام المهدي أو المسيح الموعود، وعلى الأقل سيظهر مجدد عظيم.لكنه حين جاء ذلك المجدد على رأس القرن الرابع عشر، الذي لم يسمه الله في الإلهام مسيحا موعودا فحسب بل قد أفتت الفتن المتفشية في العصر الراهن بلسان حالها، أنه ينبغي أن يُسمى ذلك بالمسيح الموعود؛ فكذبوه أشد التكذيب، وآذوه بكل طريقة ممكنة وأرادوا إهانته والقضاء عليه بأنواع الحيل والمكايد.فلو لم تكن الحكومة البريطانية تحكم بلاد الهند هذه بفضل من الله لكانوا قد أعدموه بتمزيقه إربا منذ مدة.فكان جليا أن هذا الزمن كان زمن الفتن الإيمانية والاعتقادية، وكانت عقائد مئات الألوف قد انحرفت عن التوحيد كانوا قد مالوا إلى عبادة المخلوق، وأكثر ما تم التركيز عليه من ضمن عبادة المخلوق هو توظيف الأقلام والألسنة تأييدا للنجاة المترتبة على الصليب، لدرجة أن لو بحثنا مثيل الحماس لتأييد الباطل في صفحات صحيفة العالم كلها فلن نتمكن من العثور على مثل هذا الحماس لتأييد الباطل في أي زمن مضى.فلما كانت كتابات مؤيدي النجاة الصليبية قد وصلت منتهى الشراسة والسلاطة، كما شن هجوم بمنتهى الظلم والاعتداء على التوحيد الإسلامي وعفة النبي العربي خير الرسل الله وشرفه وصدقه وعلى كون كتاب الله القرآن

Page 48

٣٤ الكريم من الله، وقد بلغ عدد الكتب والمجلات والجرائد التي شنت فيها الهجمات الباطلة سبعين مليون، وكل ذلك كان قد ظهر حتى نهاية القرن الثالث عشر ، أفلم يكن من الضروري في هذه الحالة أن يقيم الله الذي قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ سلسلة سماوية في القرن الرابع عشر بحسب سنته القديمة للرد على هذه الهجمات الباطلة؟ فلو كان من الحق أن كل مجدد يأتي بحسب الفتن الموجودة، فالأمر الثاني أيضا حق، وهو أن مجدد القرن الرابع عشر ينبغي أن يُبعث لكسر الفتن الصليبية.لأن هذه الفتن التي تركت في مئات الألوف من القلوب تأثيرات خطرة، هي الفتن التي ينبغي أن توصف بعظيمة الشأن من بين جميع الفتن المعاصرة.فلما ثبت أن مهمة محدد القرن الرابع عشر هي أن يكسر الفتن الصليبية ويردّ على هجمات مؤيديها؛ فهنا ينشأ السؤال بالطبع: بم ينبغي أن المجدد الذي مهمته أن يقضى على الفتن الصليبية ويتولى مهمة كسر يسمى ذلك الصليب ليُري سبيل النجاة الحقيقية، ويُبطل النجاة التي نُسبت إلى الصليب؟ أليس من الصدق أن نبينا الله قد سمى هذا المجدد بالمسيح الموعود؟ فلما كانت حالة العصر الراهنة توحي بأن مجدد القرن الرابع عشر يجب أن يُسمى بالمسيح الموعود، أو بتعبير آخر يمكن أن نقول إن المسيح الموعود هو الحجر: ١٠ ملحوظة: لقد كتبنا مرارا أنه ليس من مهمة مجدد القرن الرابع عشر الذي هو المسيح الموعود، أن يوظف القسوة؛ وإنما مهمته أن يقيم الحجة بالحلم والرفق على شاكلة عيسى العليا وينشر الحق بالأمن.منه

Page 49

نفسه مجدد القرن الذي تثور فيه الفتن الصليبية ويلاحظ فيه الحماس للصليب؛ فلماذا تنكرون؟ باختصار، حين بلغت الفتن الصليبية كمالها، ولاحظنا بأم أعيننا تأليف عشرات الملايين من الكتب ونشرها تأييدا للنجاة الصليبية وإساءةً إلى الإسلام وإبطاله، فقام رجل على رأس هذا القرن العامر بالفتن وأعلن أنه مأمور لقمع هذه الفتن، فهل كان هذا الإعلان في غير محله؟ أفلم يكن من الضروري أن يقيم الله، الذي لا يستطيع أن يرى الإسلام في الذلة في هذه الفتن الخطرة سلسلة من السماء، ويُنزل لهذا المجروح المطعون مرهما سماويا؟ فهل من الغريب أن تقتضي رحمة الله العناية بالإسلام في وقت الضعف والذلة؟ فهل تنتظرون وقتا آخر أكثر من هذا؟ وتظلون تنتظرون قرنا آخر مجهولا بعد وصفكم القرن الرابع عشر بشقي خال من ظهور أي مجدد؟ فهل من سبيل التقوى الاعتقاد أن الموعود لم يظهر حتى الآن مع أن أربعة عشر عاما من القرن قد مضت وأحاطت بهما الفتن الصليبية كالدائرة، وأن القرن الرابع عشر الشقي خلا حتى من مجدد عادي، وإذا جاء أحد فدجال ؟ فهل من الأمانة أن تعتقدوا أن القرن الرابع عشر خلا من المجدد واجتمع الخسوف والكسوف في رمضان و لم يظهر أيُّ مهدي، وزمن الفتن الصليبية خلا من ظهور المسيح الموعود، فكأن النبوءات الثلاث للنبي الكريم لله بطلت كلها والعياذ بالله؛ فقد كان النبي قد تنبأ بأن العِشار ستُعطّل في زمن المسيح الموعود، وكان ذلك إشارة إلى القطار؛ فقد مضى على اختراع القطار خمسون عاما، لكن المسيح

Page 50

الافتراضي المعارضينا لم ينزل بعد.الله أكبر كم قست قلوب هؤلاء؛ فقد رفضوا نبوءات النبي الله هكذا، أما نبوءاتي التي تحققت نظريًّا فيقولون بحقها أنها بطلت.أما التي تحققت صراحة فيقولون بحقها إن علم النجوم أو علم الرمل وظف لتحقيقها، أو قد حققت نتيجة مؤامرة إجرامية'.باختصار، إن أعداءنا الداخليين لم ينتفعوا من أي جانب وقاموا بتصرفات اليهود كلها.الاعتراض الذي ألصق بنا مرارا هو أنهم يقولون إن مهديهم الخيالي أو مسيحهم الدموي سيأتي في صورة السفاكين، أما الذي ظهر فيمنع من المعارك وسفك الدماء، فقد رددت عليهم مرارا أن هذه الفكرة باطلة تماما بل يثبت من حديث "يضع الحرب" بكمال الوضوح أن المسيح الموعود لن يُبعث سفاكا أبدا، وإنما سيقيم الحجة بالمعارف والحقائق والآيات فقط، وينشر الحق بالأمن"، وهذه الأمور كانت بسيطة لدرجة أن تفهم بمنتهى السهولة بتدبر القرآن الكريم والحديث.لكن الأفكار القديمة التي صارت عادات راسخةً عندهم، لم هذان الطريقان كلاهما لتحقق النبوءات من سنة الله منذ القدم، إذ قد تحققت نبوءات جميع الأنبياء؛ إما نظريًّا أي في صورة المجازات أو تحققت بالتزام دقيق آخر أو تحققت صراحة.منه إن علماء الإسلام متفقون على أن الأحاديث التي تتحدث عن كون المهدي هاشميا أو من السادات كلها مجروحة، فإذا كان الأوان قد حان ولم يظهر صاحب الموعد، فهذا يدل على أن القصة ليست صحيحة، أو لها معانٍ أخرى لا يجد المنصف بدا من قبولها.مثلما لا نرى أي نافذة إلى الجنة ولا إلى النار عندما نحفر القبر، فلا نجد بدا من الإقرار بأن للنبوءة معاني أخرى لا تتعلق بهذا العالم المادي.منه

Page 51

تخرج من القلوب الغافلة من الحق أن هدفنا ينحصر في إزالة شبهات الناس باللين والرفق وأن نواسي بني البشر سواء كانوا نصارى أو هندوسا أو يهودا ونكشف عليهم بالدلائل العقلية ونور الآيات السماوية أنهم على خطأ في معتقداتهم.وإذا كان معارضونا المسلمون ساخطين علينا بأسلوبنا ومنهجنا هذا وينتظرون غليظا، فهذا خطأهم، وهم يبتعدون هذا سفاكا نتيجة هذه الأفكار عن القرآن الكريم والحديث فهذا الزمن يقتضي أن نري كل أمة أخلاقنا ونتحمل مظالمهم ولا نهاجمهم ظلما.فالحالة الأخلاقية أيضا معجزة، وإن العيش بالحلم أيضا آية سماوية، وحين نلاحظ أي أمة تُحسن إلينا، فيتحتم علينا أكثر أن لا نجزي الإحسان إلا بالإحسان.وأن نبرهم مقابل البر، كما نلاحظ الآن من الحكومة المسيحية السلام والراحة من كل النواحي فهل جزاء ذلك أن نعيش معهم حياة النفاق بحيث نعلن بألسنتنا أمرا ونخفي في قلوبنا غيره؟ غير أنه كما لا تحب الأم الحنون أن يُصاب ابنها بأمر يؤدي إلى نتائج خطرة، نريد أن نعامل النصارى والهندوس معاملة مثلها، أي بالشفقة والرحمة.وإن أمنيتنا القلبية أن يستمع أحد إلى كلامنا بحب وهدوء، ويتدبر دلائلنا ثم يُصلح عقائده ناصحا نفسه.لقد سجلنا هنا تفسير سورة الفاتحة لأنها مغزى تعاليم القرآن الكريم كلها، وإن الذي يتمنى أن يُخرج من القرآن خلافها فهو كاذب.وفي سورة الفاتحة هذه كما بينا ترغيب للمسلمين أن يداوموا على الدعاء، بل

Page 52

قد ).عُلّموا دعاء: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وكُتب أن يرددوا هذا وكُتب عليهم الدعاء في صلواتهم الخمس.فمن أنكر روحانية الدعاء فقد ارتكب خطأ فادحا؛ إذ قرر القرآن الكريم أن الدعاء يتمتع بالروحانية، وبالدعاء ينزل فيضُ يُكسب ثمار النجاح في أساليب متنوعة.كل منصف يمكن أن يفهم من كلامنا المذكور آنفا أنه كما يلاحظ في سنة الله حصرا أن النتائج تترتب على الجهود والمساعي رغم الإيمان بمسألة القضاء والقدر، كذلك لو بذلت الجهود في الدعاء فلا يضيع أبدا.لقد بين الله الله في القرآن الكريم علامة وجوده أن إلهكم هو من يجيب دعاء المضطرب، كما يقول : أَمَّنْ يُجيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ فإذا كان الله قد وصف إجابة الدعاء علامة على وجوده فكيف يظن أي ذي عقل وحياء نتائج إجابة الدعاء الصريحة لا تظهر وأن الدعاء أمر تقليدي لا يتسم أن 6 بأي روحانية؟ لا أظن أن أي مؤمن صادق يمكن أن يرتكب هذه الإساءة؛ إذ يقول الله إنه كما يُعرَف الله الحق بالتفكر في خلق السماوات الله والأرض كذلك يحصل اليقين بالله من خلال ملاحظة إجابة الدعاء أيضا.فإذا كان الدعاء لا يتمتع بأي روحانية ولا ينزل أي فيض حقيقي واقعي نتيجة التفكير، فكيف يعدّ الدعاء وسيلةً لمعرفة الله الله كما تشكل أجرام هذا الدعاء من أجل مواساة عامة للبشرية لأننا قد أشركنا في الدعاء جميع بني البشر ودعونا للجميع أن ينجيهم الله من آلام الدنيا ويحميهم من الخسارة في الآخرة ويهدي الجميع إلى الصراط المستقيم.منه النمل: ٦٣

Page 53

۳۹ السماوات والأرض وأجسامها أيضا وسيلة لمعرفة الله؟ بل يتبين لنا من القرآن الكريم أن أروع وسيلة لمعرفة الله هي الدعاء فقط، وأن المعرفة التامة اليقينية الكاملة بالله وصفاته الكاملة تتحقق بالدعاء فقط، لا بأي وسيلة أخرى.إن ما ينتشل المرء من هوة الظلام إلى فضاء النور الطلق دفعة واحدة كلمعان الصاعقة ويجعله يمثل أمام الله الله هو الدعاء فقط.فبالدعاء تم إصلاح آلاف الأنذال، وآلاف الفاسدين صلحوا.غير أن في طريق الدعاء أمرين صعبين جدا، وبسببهما تخفى عظمة الدعاء عن معظم القلوب، (۱) :أولا : يُشترط على الداعي أن يتحلى بالتقوى والصلاح والصدق وخشية الله الله، حيث يقول الله جل شأنه إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، أي يجيب الله دعاء الورعين.ثم يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ، أي عندما يسأل الناس عن الدليل على وجود فجواب ذلك أني قريب جدا، أي ليس هناك حاجة للدلائل العظيمة، إذ يُدرك وجودي بسهولة متناهية وقريبة، ويقوم الدليل على وجودي بمنتهى السهولة؛ وذلك الدليل أن الداعي حين يناديني أستجيب له، وأبشره بالنجاح بواسطة الإلهام، وبذلك لا يحصل اليقين بوجودي فحسب بل تتحقق قدرتي حق اليقين أيضا.لكن يجب أن المائدة: ۲۸ البقرة: ١٨٧

Page 54

يتحلى الناس بالتقوى والورع في نفوسهم حتى أسمع دعاءهم، كما يجب أن يؤمنوا بي ويُقروا بأن الله موجود قبل أن يتمكنوا من المعرفة التامة، وأنه حائز على جميع القدرات والقوى، لأن الذي يؤمن يوهب له العرفان حصرا.تعريف الإيمان: الإيمان أن يقبل المرء قبل أن يبلغ علمه الكمال، وعندما لا تزال تجذبه الشكوك والشبهات، فالذي يؤمن أي يقبل رغم ضعفه وعدم توفر جميع أسباب اليقين بناء على الاحتمال الأغلب- فهو يُعدُّ عند الله الأحد صادقا وصالحا، ثم يُرزق المعرفة التامة كموهبة ويُسقى كأس العرفان بعد الإيمان.ولذلك لا يهاجم الرجلُ المتقي كل جانب في البداية بعد سماع دعوة الرسل والأنبياء والمأمورين من الله، بل يتخذ من الجزء الذي يُفهم بسهولة من الدلائل الواضحة البينة على كون أحد المبعوثين من الله، وسيلةً لإقراره وإيمانه.أما الجزء الذي لا يفهمه فيعده من الاستعارات والمجازات بحسب سنة الصالحين، وبذلك يؤمن بإخلاص وصفاء برفع التناقض.فعندئذ يفتح الله عليه باب المعرفة التامة رحمة به وراضيا عن إيمانه وتقبلا لدعواته، ويوصله إلى اليقين الكامل بواسطة الإلهام والكشوف والآيات السماوية الأخرى.أما المتعصب المليء بالعناد فلا يقوم بذلك، وينظر إلى الأمور التي يمكن أن تتسبب في معرفة الحق باحتقار وإساءة ويهملها بسخرية وضحك، ويجعل الأمور التي ما زالت ملتبسة عليه وثيقة اعتراض، وهذا هو دأب الظالمين على الدوام.

Page 55

ني فمن البين الواضح أن النبوءات التي تنبأ بها الأنبياء السابقون عن كل كانت على صنفين؛ أحدهما البينات والمحكمات التي ليس فيها أيُّ 6 استعارة و لم تكن بحاجة إلى أي تأويل والثاني المتشابهات التي تحتاج إلى التأويل وكانت مخفية في ستائر الاستعارات والمجازات.ثم عند ظهور أولئك الأنبياء وبعثتهم وقد كانوا مصاديق تلك النبوءات- ظل الناس ينقسمون قسمين على الدوام؛ فريق السعداء الذين لم يتأخروا عن الإيمان عند ملاحظة البينات وعَدّوا المتشابهات من الاستعارات والمجازات أو ظلوا ينتظرون تحققها في المستقبل وبذلك عرفوا الحق ولم يتعثروا، وهذا ما حدث في زمن عيسى العلي أيضا ؛ ففي الكتب السابقة كان نوعان من النبوءات عن بعثة المسيح ال؛ أحدهما يقول إنه سيظهر في حلة المساكين والضعفاء ويأتي في سلطنة أجنبية ويكون من نسل داود ويتصف بالحلم والعطف ويُري الآيات، والنوع الثاني من النبوءات أفاد بأنه سيكون ملكًا وسيقاتل كالملوك ويخلّص اليهود من الحكومة الأجنبية، وسينزل قبله إيليا النبي ثانية إلى الدنيا، وأنه لن يأتي قبل نزول إيليا ثانية إلى الدنيا.ثم عندما بعث عيسى اللة انقسم اليهود قسمين؛ فريق صغير وقليل العدد جدا قد وجدوا المسيح من نسل داود وأيقنوا - ١ ليس من الضروري في النبوءات أن يتحقق كل ما ورد فيها في زمن واحد بل إنها تتحقق تدريجا، ومن المحتمل أن يكون من المقدّر أن لا تتحقق بعض أجزائها في حياة المبعوث وتتحقق على يد شخص آخر من أتباعه.منه

Page 56

٤٢ بملاحظة مسكنته وتواضعه وصدقه بالإضافة إلى رؤية الآيات السماوية به والوضع الراهن في زمنه المقتضي لنبي مصلح ودراسة الزمن الذي أُنبئ في الكتب السابقة بأنه النبي نفسه الذي وعد به بنو إسرائيل، فآمنوا بالمسيح اللة وتحملوا أنواع الأذى معه وأظهروا صدقهم لله.أما فريق الأشقياء فلم يُعيروا الآيات والعلامات الواضحة أدنى التفات، حتى إنهم لم يُلقوا نظرة على حالة الزمن، وبإرادة حجة الأشرار تمسكوا بالجزء الآخر المتعلق بالمتشابهات وبدأوا يُطلقون الشتائم على ذلك المقدس بمنتهى التجاسُر وسوء الأدب، وسموه ملحدا وعديم الإيمان وكافرا، وقالوا إن هذا الرجل يُفسر الصحف المقدسة تفسيرا باطلا، ويؤول بعثة النبي إيليا ثانية بغير حق ويصرف النص الصريح عن الظاهر، ويصف علماءنا بالمكارين والمرائين ويُفسر الكتب المقدسة بمعان محرّفة، فركزوا بمنتهى الخبث على أنه لا ينطبق عليه حرف من أنباء الأنبياء، فلم يأت ملكا و لم يقاتل الشعوب الأجنبية ولم يخلصنا من سلطتهم ولم ينزل قبله إيليا أيضا، فكيف يمكن أن يكون هو المسيح الموعود.وباختصار، لم يشأ أولئك الأشرار الأشقياء أن ينظروا إلى أنوار الصدق والعلامات وأثارو الجزء المتعلّق بالمتشابهات من النبوءات مرارا وتكرار بعد حمله على الظاهر.ولقد تعرض معظم اليهود في زمن نبينا أيضا للابتلاء نفسه، أيضا لم يريدوا بحسب عادة أسلافهم الانتفاع من البينات في النبوءات، وحرموا من ثروة إطاعة النبي الكريم الذي هو سيد الكونين فهم

Page 57

٤٣ تمسكا بالمتشابهات التي كانت من قبيل الاستعارات والمجازات أو إصرارا على النبوءات المحرفة، كما فعل معظم النصارى أيضا إذ لم يمسوا الأنباء الواضحة البيئة للإنجيل عن نبينا ، أما الجزء الآخر من النبوءات بحسب السنة الإلهية القديمة - أي الاستعارات والمجازات- فتمسكوا بها، فلم يهتدوا إلى الحقيقة.أما الذين كانوا طلاب الحق منهم وكانوا مطلعين على الأسلوب الإلهي في النبوءات فقد استفادوا من أنباء الإنجيل عن النبي العظيم وتشرَّفوا باعتناق الإسلام وكما استدل الفريق المؤمن من اليهود بالمسيح الا بالبينات في النبوءات، وتركوا المتشابهات، كذلك عمل أولئك النصارى الصالحون، واعتنق آلاف السعداء منهم الإسلام.باختصار، إن الفريق الذي أصر على الإنكار من كلتا الأمتين اليهود والنصارى قد تمسك بالمتشابهات و لم ينتفع من البينات والنبوءات التي تحققت، فكلا الفريقين مذكور في القرآن الكريم هنا وهناك.وقد ذكر هذا لكي يتلقى المسلمون الدرس والعبرة بملاحظة شقاوتهم ويتنبهوا ويحذروا أن يهلكوا كاليهود والنصارى بالتمسك بالمتشابهات وترك البينات، إذ ينبغي أن لا يعتقدوا بأن النبوءات الصادرة بحق المبعوثين من الله ستتحقق حتما بجميع جوانبها في الصورة الظاهرة.بل يجب أن يستعدوا للقبول بأن بعض أجزاء هذه النبوءات تكون استعارات ومجازات بحسب السنة الإلهية وفي تلك الصورة تتحقق إلا أن الغافلين وسطحيي الخيال يظلون يُصرون على أنها لم تتحقق وينتظرون تحققها في المستقبل،

Page 58

٢٤٤ كما أن اليهود ما زالوا يترقبون إيمانا منهم بأن إيليا النبي سينزل في العالم مرة ثانية وبعده سيظهر مسيحهم الموعود كملك عظيم ويهب لليهود الحكم والإمارة، مع أن كل هذه الأمور قد تحققت ومضى عليها قرابة تسعة عشر قرنا، وجاء من كان سيأتي ورفع من هذا العالم.من الجدير بالانتباه والمفيد جدا أن النبوءات الواردة في الكتب الله السابقة أو عن طريق الرسل الصادرة بحق الذين يأتون من والمأمورين سواء كانوا رسلا أو أنبياء أو محدثين أو مجددين، تكون على جزأين؛ أحدهما العلامات التي تتحقق في الظاهر وهي بمنزلة البينات، والثاني المتشابهات التي تكون في صورة استعارات ومجازات.فأما الذين في قلوبهم زيغ واعوجاج فيتبعون المتشابهات، بينما الطلاب الصادقون فيستفيدون من البينات والمحكمات.لقد تعرض اليهود والنصارى لهذا الابتلاء سابقا.فمن واجب أولي الأبصار من المسلمين أن يأخذوا العبرة منهم ولا يتسرعوا في التكذيب نظرا إلى المتشابهات فقط، ويستفيدوا من الأمور التي تبينت وانكشفت من الله لهدايتهم.فمن البديهي أن الشك لا يرفع اليقين فأجزاء النبوءات التي لم تتحقق بعد في الصورة الظاهرة أمرٌ ظني لأنه من المحتمل أن يكون ذلك الجزء قد تحقق استعارةً ومجازا على شاكلة البعثة الثانية لإيليا النبي، ويُخطئ المنتظر بأن ذلك الجزء سيتحقق يوما في الظاهر.كما من المحتمل أن تكون كلمات بعض الأحاديث غير محفوظة فهي ليست كالوحي المتلو،

Page 59

ومعظم الأحاديث كومة أحاد.فالاعتقاد أمر آخر ويمكن أن يعتقد المرء بما يشاء إلا أن القرار الواقعي الحقيقي أن تغير الكلمات في الأحاد محتمل عقلا، ففي الحديث الواحد الذي له طرق عديدة ورواة كثر، يحدث الفرق الكبير عادةً في الكلمات والترتيب، مع أنه خرج من الفم نفسه وفي وقت واحد.فواضح أنه لما كانت كلمات معظم الرواة وأساليبهم مختلفة فيحدث اختلاف.كما من المحتمل أن تظهر تدريجا بعض الأحداث من النبوءات المتشابهة وكان المأمول ظهورها دفعة واحدة، أو تظهر عن طريق شخص آخر؛ مثل نبوءة نبينا بأن مفاتيح كنوز قیصر و کسری وضعت في يده، مع البين أنه توفي قبل أنه من تحقق هذه النبوءة، و لم يشاهد كنوز قیصر و کسرى ولا مفاتيحها، فلما كان من المقدر أن يفوز بهذه المفاتيح عمر الله إذ كانت شخصية عمر شخصية النبي له نفسه ،ظليًّا، لهذا قد وصفت يد عمر الله في عالم الوحي بيد النبي..وغاية القول إن المنخدعين ينخدعون في مثل هذا الموضع، إذ يتوقعون بشقاوتهم أن يتحقق كل جزء من النبوءة حرفيا، ثم عندما يحين الأوان ويُبعث أيُّ مأمور من الله فلا يكترثون بالعلامات التي تظهر لصدقه.أما العلامات التي لا تظهر في الظاهر أو لم يحن زمن تحققها بعد فيذكرونها مرارا وتكرارا.فهذا كان السبب الأصلي لهلاك الأمم الهالكة التي لم تؤمن بالأنبياء الصادقين؛ إذ كانوا يحسبون أنهم أذكياء، إلا إن أسلوبهم هذا حرمهم من قبول الحق.

Page 60

اللافت أن قومي المسلمين عاملوني بمثل ما صدر من اليهود والنصارى تحققت في الزمن الماضي بخصوص عدم فهم النبوءات؛ فلم يقبلوا الصادقين.فكان من الضروري أن تحتوي النبوءات عن المسيح الموعود على جزأين بحسب سنة الله القديمة؛ أحدهما البينات التي كانت ستظهر في صورتها الحرفية، والجزء الثاني المتشابهات في صورة الاستعارات والمجازات.لكن المؤسف أن هؤلاء القوم أيضا اقتفوا أثر المخطئين السابقين، وردّوا البينات التي بمنتهى الجلاء تمسكا بالمتشابهات، مع أن التقوى كانت تقتضي منهم أن يذكروا ابتلاءات الأمم السابقة ولا يُصروا على المتشابهات، بل ينتفعوا من البينات؛ أي تلك الأمور والعلامات التى انبلجت كالنهار السافر.لكنهم لا يقومون بذلك، بل عندما تذكر لهم نبوءات النبي والقرآن الكريم التي تحققت معظم أجزائها بمنتهى الجلاء يُعرضون عنها باللامبالاة المتناهية، أما بعض الأمور الواردة في الأنباء استعارةً، فيذكرونها قائلين لماذا لم يتحقق هذا الجزء من النبوءات في الظاهر.ومع ذلك حين يأتي ذكر المكذبين السابقين الذين أعرضوا مثلهم تماما عن العلامات الواقعة ولم يقبلوا الحق بناء على عدم التحقق الحرفي للمتشابهات من النبوءات التي كانت في صورة استعارة يقول هؤلاء: لو كنا في زمنهم لما فعلنا مثلهم، مع أنهم - الآن يفعلون ما فعل المكذبون السابقون فالعلامات الثابتة والآيات المتحققة التي يُخلق بها نور القبول لا يقبلونها، أما التي في صورة استعارات ومجازات ومتشابهات فيتمسكون بها ويخدعون بها عامة الناس أنها لم

Page 61

تتحقق، مع أنه كان من الضروري بحسب تعليم سنة الله ونهجه أن لا تتحقق تلك الأمور بحسب زعمهم؛ لا شك أن جزءا واحدا قد تحقق ظاهرا والجزء الآخر خفيا، إلا أن المتعصبين في هذا العصر لم يريدوا القبول، فهم يُعرضون بعد رؤية كل إثبات ويعدون آيات الله مكر الإنسان.فحين يسمعون الإلهامات المقدسة من الله القدوس يقولون إنه افتراء الإنسان، لكنهم لا يردّون على السؤال: هل حظي المفترون على الله الله إن بمهلة لنشر مفترياتهم كما يحظى بها الملهمون الصادقون؟ ألم يقل المدعين بتلقي الإلهام افتراء ،يهلكون، وأن الكاذبين على الله يؤخذون؟ فقد ورد في التوراة أيضا أن النبي الكاذب يُقتل، وفي الإنجيل أيضا أن المدعي الكاذب يفنى عاجلا، وتتشتت جماعته.فهل عندكم أي نظير على أن أيَّ ملهم كاذب مفتر على الله قد تمتع بعد الافتراء بعمر حظيت به بعد نشري الدعوى بتلقي الإلهام؟ فإذا كان عندكم نظير فقدموه، إنني أعلن بكل تحد أنكم لن تجدوا مثالا منذ بدء العالم إلى هذا اليوم.فهل من أحد يستفيد من هذا الدليل المحكم والقطعي، ويخشى الله؟ أنا لا أقول إن عبدة الأوثان لا يعمرون أو يُبطش عاجلا بالملحدين والقائلين: "أنا الحق"، فللمعاقبة على هذه الأخطاء والضلالات عالم آخر.لكنني أقول إن الذي يدعي تلقي الإلهام الإلهي افتراء ويقول إنه قد أُوحي إليه مع علمه بأنه لم يوح إليه ء، فهذا يُقبض عاجلا ويكون عمره قصيرا جدا.وهذا ما شهد عليه شيء، القرآن والإنجيل والتوراة ويشهد على ذلك العقلُ أيضا.ولا يمكن لأي

Page 62

معارض ومنكر أن يُقدِّم نظيرا خلاف ذلك من أي تاريخ، ولا يمكن أن يُثبت أن مدّعي الإلهام افتراء ظل ينشر إلهاماته الكاذبة في العالم لمدة ٢٥ عاما أو ١٨ عاما وسمى نفسه كذبا مقرَّبا إلى الله ومبعوثا منه ورسوله، وظل ينشر الإلهامات المختلقة من عند نفسه لمدة طويلة تأييدا لدعواه و لم يقع في قبضة الله مع كل هذه التصرفات الإجرامية.فهل نتوقع أن أحد معارضينا يردّ على هذا السؤال؟ كلا لا يمكن، فقلوبهم تعرف أنهم عاجزون عن الرد على هذه الأسئلة، ولكنهم مع ذلك لا يتورعون عن الإنكار ، بل قد أقيمت عليهم الحجة بدلائل كثيرة لكنهم راقدون غافلون.عند أهل الحق أربعة طرق للقناعة التامة وإتمام الحجة في هذا الخصوص: (١) أولا: النصوص الصريحة من كتاب الله أو الأحاديث الصحيحة المرفوعة المتصلة التي تُبيِّن علامات دقيقة لأي مبعوث قادم، وتصرح متى يُبعث وما هي علامات ظهوره وتحكم في النزاع في وفاة عيسى ال أو حياته (۲) ثانيا : الدلائل العقلية والمشاهدات الحسية المبنية على العلوم القاطعة التي لا يمكن الهروب منها ، (۳) ثالثا: التأييدات السماوية التي تظهر من المدعي الصادق بدعائه وكرامته في صورة آيات وكرامات لتختم على صدقه بآية سماوية، (٤) رابعا : شهادات الأبرار والأخيار الذين شهدوا له بتلقي الإلهام من الله في وقت لم يكن فيه أي أثر لذلك المدعى لأن تلك الشهادة أيضا تمثل آية إلهية لكونها خبرًا من الغيب.وبفضل الله ومنته قد اجتمعت هنا هذه الطرق الأربعة لإتمام الحجة والقناعة التامة، إلا أن

Page 63

٤٩ معارضينا الداخليين ! مع ذلك لا يبالون بها أيما.مبالاة.سوف نبين فيما يلي هذه الطرق الأربعة لإتمام الحجة، ونلفت انتباه طلاب الحق إلى أن يسألوا هؤلاء المعارضين لماذا يُعرضون عن هذه الأدلّة البينة، ألم يكن من الواجب أن ينتفعوا بها؟ فمن الظاهر أن الأمر الذي تحقق يقيني، أما الذي لم يتحقق فهو ما زال في طي الظنون، ولا يُعلم كيف يتحقق؛ أظاهرا أم مجازا؟ لأن النبوءات تتضمن كلا النوعين من الاحتمال أما الذي بلغ مرتبة اليقين بالتحقق فيقتضي أن تظهر الأمور المناقضة له استعارة؛ لئلا يحدث تناقض في النبوءات الإلهية وتلك الأدلة كالتالي: (۱) إن أول ما أعرضه على طلاب الحق هو أن وفاة عيسى ال ثابتة من القرآن الكريم، فأي دليل أوضح من آية (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني التي.حکمت أن الفساد لم يتطرق إلى العقائد المسيحية إلا بعد وفاة عيسى اللي؟ فلو حسبنا عيسى اللي حيا وقلنا إنه لم يمت بعد، فلا بد من التسليم بأن النصارى لم يُفسدوا عقائدهم حتى الآن لأنه قد ورد في الآية المذكورة أن عقائد النصارى فسدت بعد وفاة عيسى اللة.أما السؤال ما معنى التوفي هنا؟ فقد بَت في هذا الأمر صحيح البخاري بمنتهى الوضوح أن التوفي يعني الإماتة.فهذا قول ابن عباس الذي زاده توثيقا حديث "كما قال العبد الصالح" في البخاري.وقد سجل الشارح "العيني" سند هذا القول.فالآن أي المسلمين الآخرين.(المترجم) المائدة: ۱۱۸

Page 64

يمكن أن يفهم طالب القناعة أن القرآن الكريم والكتاب الذي اعتبر أصح العلية لا الكتب بعد كتاب الله يضمّان شهادة جلية، على أن عيسى ال قد مات، ولا ينفرد الإمام البخاري الله بهذه الشهادة، بل إن الإمام ابن حزم رضي العليا والإمام مالك رضي الله عنهما يعتقدان أيضا بموت عيسى اللة وإن اعتقادهما بمنزلة اعتقاد جميع أكابر الأمة ذلك لأنه لم تُسجل معارضة أكابر العلماء في ذلك العصر لهما، فلو عارضوهم لكان ذلك مذكورا حتما في أي كتاب.لا يغيبن عن البال هنا أن أساس دعوانا وفاة عيسى العليا، فانظروا ما أقوى هذا الأساس وما أشد إحكامه، والذي يشهد أولا على صحته القرآن الكريم، وثانيا حديث الرسول ﷺ، وثالثا قول ابن عباس له ورابعا أئمة الإسلام وخامسا بعد كل هؤلاء يُدلي العقل أيضا بشهادته، كما تشهد سادسا بعثة النبي إيليا ثانية على الأمر نفسه، إذ قد أوَّله المسيح الليل نفسه بأن المراد من إيليا هو يوحنا؛ أي يحيى وهذا التأويل أبطل عقيدة اليهود الإجماعية القائلة بأن إيليا الذي توفي سيُبعث ثانية إلى هذا العالم.فليتدبر طلاب الحق هنا جيدا أن العقيدة التي يثبت صدقها الآيات من القرآنية ونصوص الأحاديث وشهادة الكتب السابقة وشهادة الأئمة والدلائل العقلية؛ هي أن عيسى اللة قد مات في الحقيقة، والأمل في مجيئه ثانية هو مثل أمل اليهود الذي بناء عليه رفضوا نبوة عيسى اللي.نحن تعرض القضية على الوسطاء فليخبرونا أي نقص بقي في هذا الحكم؟

Page 65

أي 2017 فالقرآن الكريم كله يشهد على أن التوفي يعني أن يقبض الله روح أحد لا أن يقبض جسمه، إلا أن قبض الروح على نوعين؛ أحدهما أن يقبض الروح في منامها ثم يرسلها إلى الجسد أو يقبضها في حالة الموت فيمسكها عنده ولا يرسلها إلى الجسد.فهذان النوعان قد ذُكرا في القرآن الكريم و لم يذكر قط قبض الجسم في أي آية من القرآن الكريم، ولم يكتب صاحب معجم، أن التوفي يعني قبض الله للجسم.بل قد اتفق أهل القواميس كلهم على أنه إذا قيل مثلا "توفى الله "زيدا" فإنما معناه أن الله قبض روح زيد فقط، إلا أن التعبير القرآني قد تضمّن الأمرين كليهما؛ أي أن يقبض روح أحد تاركا جسمه نائما على فراش النوم ثم يرسلها إليه، أو يقبضها في حالة الموت للأبد ولا يرسلها إلى يوم الحشر، فمن المؤكد أن عملية القبض تخص الروحَ فقط دون الجسم.فمن خطأ مشايخنا المعارضين أنهم يُفسرون التوفي بالنوم أيضا، رحمهم الله.الله فليعلموا أن التوفي لا يعني النوم قط ولا تطلق هذه الكلمة على النوم مطلقا، ولم يُرد منها النوم في القرآن الكريم ولا في أي قاموس ولا في كتب الحديث، بل إن التوفي له معنيان فقط، كما ذكرتُ قبل قليل؛ أي قبض الروح للأبد، وهذا المعنى يخص الموت.والمعنى الثاني أن يقبض الروح لمدة قصيرة ثم يرسلها إلى الجسم.وهذا القبض يتعلق بالنوم، ويصدق هذا المعنى بحق من قبض الله روحه في حالة النوم، كما تقبض أرواحنا كل ليلة وتبقى أجسامنا مستلقية على أي سرير أو فراش،

Page 66

ويقبض الله أرواحنا طول الليل أو لمدة معينة يريدها.فعندئذ لا نستطيع التحكم في أعمال الروح، ثم بعد انقضاء الليل أو متى يريد الله تُرسل أرواحنا إلى أجسامنا، فكأننا نموت ليلا ونُحيا نهارا، فمثال قبض الروح في حالة النوم ما نشاهده جميعا بأم أعيننا، بينما نعرف نحن وجميع معارضينا أنه حين تقبض أرواحنا ليلا فيأخذها الله حيث يريد، إلا أن أجسامنا تبقى في مكانها ولا تتحرك قدر شبر.فهل يمكن أن نقول إن أجسامنا تصعد إلى السماء أثناء النوم، أو تتحرك من مكان النوم؟ كلا.وباختصار، قد بُت في الأمر بمنتهى الجلاء، أن التوفي يعني قبض الروح، سواء كان أثناء النوم لمدة قصيرة أو بالموت إلى يوم الحشر."البراهين الجدير بالانتباه هنا أنني قد فسرت فعل التوفي في موضع من الأحمدية" خطاً أن المراد منه الاستيفاء، ويثيره بعض المشايخ قصد الاعتراض، ولكن لا مبرر للاعتراض؛ إذ قد قبلت أني كنت مخطئا في ذلك، ولم يكن الخطأ في الوحي، إنما أنا بشر وتلازمني لوازم البشرية كالسهو والنسيان والخطأ كسائر البشر.وإن كنت أعلم أن الله لا يثبتني على خطأ، لكنني لا أدّعي العصمة في الخطأ في اجتهادي.إن وحي الله هو المنزه عن الخطأ، بينما كلام البشر يحتمل أن يكون فيه خطأ؛ وذلك لأن السهو والنسيان من لوازم البشرية.كنت قد صرحت باعتقادي هذا في البراهين الأحمدية نفسه بأن العليا سيعود.لكن ذلك كان خطاً عیسی مني، وكان في الوقت نفسه يخالف الإلهام الوارد في البراهين الأحمدية نفسه لأن الله

Page 67

Kork سماني في ذلك الإلهام "عيسى" ووصفني بأني مصداق النبوءة القرآنية الخاصة الله وأنشأ في نفسي جميع صفات المسيح الموعود القادم.فكان من حكمة الله ومشيئته أني لم أدرك الغاية من تلك الإلهامات رغم هذه التصريحات الإلهامية فسجلت في "البراهين الأحمدية" العقيدة المخالفة لها.هذه العبارة تبرئ ساحتي، لأنه لو كانت من اختلاقي تلك الإلهامات لما الواردة في البراهين الأحمدية التي سُميتُ فيها بالمسيح الموعود في الواقع، خالفت في بياني ذلك تلك الإلهامات، بل كان يجب أن أُعلن دعواي بالمسيح الموعود في الزمن نفسه.لكن من البين أن عقيدتي التي سجلتها في البراهين الأحمدية تُناقض صراحةً مدلول الإلهامات الواردة فيه.ومن هنا يمكن أن يفهم كل عاقل أن تلك الإلهامات مبرَّأة ومنزهة عن افترائي وتخطيطي.هنا الجدير بالتذكر أيضا أنه ليس من قدرة الإنسان أن يمهد الطريق للدعوى قبل اثني عشر عاما منها بتسجيل نص إلهامي، ثم يعلن بعد سنين عدة الدعوى التي أُقيم لها أساس قبل مدة طويلة، فهذا المكر الدقيق لا يقدر عليه الإنسان ولا يُمهله الله هذه المدة في هذه الافتراءات.لقد ثبت من كل هذا الخطاب أن الحق معي في بحث حياة عيسى العليا ووفاته، ثم مع هذا الإثبات هناك أدلة أخرى كثيرة توصل مسألة موت المسيح هذه إلى حق اليقين، مثل قول النبي ﷺ إن عيسى اللي عاش مئة وهي في هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)) (الصف: ١٠).منه

Page 68

وعشرين عاما.وقراءة أبي بكر الله في اجتماع عام للصحابة آية: قد خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ * قصد الاستدلال على أن جميع الأنبياء قبل النبي قد ماتوا.وقول الله جل شأنه في القرآن الكريم: فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ " ، الذي يُثبت أن الإنسان لا يمكنه العيش ولا الموت خارج ٤ الكرة الأرضية.كما أن اسم عيسى العلي المسيح أي النبي السائح، يدل على موته؛ لأن السياحة في الأرض تقتضي أن يبقى على الأرض بعد النجاة من الصلب، وإلا لا يثبت أنه قام بسياحة في زمن غير الزمن الذي ساح فيه البلاد بعد النجاة من الصلب.لأن زمن النبوة كان ثلاث سنوات وستة أشهر فقط قبل تعليقه على الصليب، وهذا الزمن أقصر من أن يؤدي 110 يستنتج فيه مهمة التبليغ دع عنك سياحة البلاد كذلك وصفة "مرهم عيسى المذكور في ألف كتاب طبي تقريبا تُثبت أن عيسى اللة لم يُصعد إلى السماء عند حادثة الصلب، بل ظل يعالج جروحه بهذا المرهم، مما منه أنه أقام على الأرض ومات على الأرض.في ليلة المعراج شوهدت روحه مع أرواح الموتى.قد ورد في حديث بأن النبي ﷺ قال: لو كان * آل عمران: ١٤٥.لقد لزم جميع الصحابة الصمتَ بعد الاستماع إلى هذا الاستدلال ولم يعارض أحدهم ولم يقل إن جميع الأنبياء لم يموتوا، بل إن عيسى ال ما زال حيا.إذن قد ثبت بذلك إجماع الصحابة على وفاة المسيح ال، وحتى لو كان أحدهم يعتنق فكرة معاكسة ورويت في الأحاديث فقد صارت كالعدم.منه * الأعراف: ٢٦

Page 69

موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي فالآن بعد هذه الدلائل على الموت لا يمكن أن يعتقد مَن يخاف الله أنه حي.حرج، لأن (۲) والآن بعد أن ثبتت وفاة عيسى ال فلا يبقى أي معنى للنبوءة عن بعثة المسيح الموعود إلا أن شخصا من هذه الأمة سيبعث على ملامحه وسيرته كما كان يحيى الله قد بعث باسم إيليا، فبالتسليم بهذا القول لا تبقى أي معضلات أو تعقيدات في فهم النبوءة عن بعثة المسيح الموعود، بل قد تحولت ذخيرة الأقوال غير العقلانية إلى عقلانية، فلم تبق أي حاجة إلى أن يُفهم من كلمة النزول أن أحدا سينزل من السماء، بل كانت كلمة النزول بمعناها المعروف وهي تُطلق على المسافر أيضا، وليكن معلوما أن كل قادم يُعد نازلا نظرا لعظمته، وتُطلق كلمة النزيل على المسافر.وحتى لو كانت كلمة السماء جدلا في الحديث فلا جميع المبعوثين من الله يُسمون سماويين، ويأتون بنور من السماء، أما الكذبة فيُدعون أرضيين، فهذا تعبير شائع في الكتب الإلهية، إلا أنه من بالانتباه جدا أن قصة نزول المسيح هذه المذكورة في حديث طويل في صحيح مسلم برواية النواس بن سمعان والتي يفسرها معارضونا بأن أحدا سينزل من السماء، فإنّ بطلان هذا المعنى ثابت تماما من البرهان المذكور الذي بيناه من القرآن الكريم والأحاديث والشواهد الأخرى؛ لأنه إذا فسرناه بهذا المعنى فهو يُخالف ويناقض بيان القرآن الكريم وأحاديث أخرى، فلم يبق لنا بُد من التسليم بأن هذا الحديث وأمثاله استعارات، لأنه الجدير

Page 70

إذا حُمل هذا المضمون على الظاهر فيصبح جديرا بالرد بسبب التناقض، لكنه بفضل الله قد بت في أن بعض أجزاء النبوءات يُحمل على الظاهر وبعضها يكون استعارات لهذا فلا داعي لرفض الحديث بل هو قابل للتأويل، فلما كانت العقيدة الباطلة التي كان المسيح الموعود ال سيأتي لإبطالها قد نشأت في دمشق أي عقائد التثليث والنجاة الصليبية، لهذا كانت للمسيح علاقة بدمشق في علم الله، وكانت روحانية المسيح متجهة إلى دمشق منذ الأزل.فكما رأى نبينا لالالاله الدجال يطوف حول الكعبة في عالم الكشف، وكان ذلك الطواف كاللصوص بقصد هدم الكعبة عند فرصة سانحة، كذلك رأى النبي لا لا لا لها في عالم الكشف المسيح الموعود ينزل عند منارة شرقي دمشق، فكان أمرا كشفيا مثلما كان طواف الدجال أمرا كشفيا، فمن ذا الذي يمكن أن يقول إن الدجال سوف يُسلم في الحقيقة، ويطوف حول الكعبة، بل كل عاقل سوف يفهم من هذا الوحى أن روحانية الدجال كشفت على النبي ﷺ في عالم الكشف.وقد مثل هذا التمثيل في الكشف أمام عينيه كأن الدجال يطوف حول الكعبة كشخص، وكان تأويله أن الدجال سيكون عدوا لدودا لدين الإسلام وأنه سيجيل نظره حول الكعبة بسوء النية مثل من يطوف حولها.فالبين أنه كما يطوف لهذا السبب قد ورد في حديث آخر ذكره ابن عساكر - كلمة "رأيت" أي يقول ل إنه رأى في عالم الكشف، أن المسيح ابن مريم قد نزل عند المنارة شرقي النبي دمشق.منه

Page 71

LOVE الله وإلقاء الحارس حول البيت ليلا يطوف حوله اللص أيضا، إلا أن نية الحارس حراسة البيت وإلقاء القبض على اللصوص بينما ينوي اللص أن ينقب البيت ويلحق الضرر به فحين رأى النبي الله في الكشف روحانية الدجال في طوافه بالكعبة فإنما المراد منه أن الدجال سيسعى لتشويه سمعة الكعبة المشرفة ليزيل شرفها، أما طواف المسيح الموعود حول الكعبة فإنما المراد منه أن روحانية المسيح الموعود وُجدت مشغولة في حراسة بيت القبض على الدجال فهذا التفسير نفسه للكشف الذي رأى فيه النبي المسيح الموعود ينزل عند المنارة شرقي دمشق، فلما كان مبدأ الثالوث وعبادة المخلوق والنجاة الصليبية هو دمشق، فقد أظهر في الوحى المبارك للنبي ﷺ أن المسيح الموعود نزل عند المنارة شرقي دمشق.أضف إلى ذلك أن أن روحانية المسيح الموعود لما كانت متجهة إلى أن تستأصل عقيدة الثالوث، وفي المثال الظاهر كان أساس الثالوث وُضع من دمشق، لهذا أُريَ في الكشف كأن المسيح الموعود نزل عند المنارة شرقي دمشق'.النبي ومَثَله كمثل ما أُري النبي الله الدجال يطوف بالكعبة في عالم الكشف، وكما كشف على النبي أن أطول أزواجه يدا ستموت أولا بعد وفاته، وكان المراد من الأيدي الطويلة في الحقيقة السخاء.فالحقيقة أنه في أحيان أي لما كان تركيز المسيح الموعود منصبا على أن يُعدم الثالوث بالبراهين القاطعة، لهذا قد شوهد نزوله في الكشف قريبا من دمشق، لأن مجيئه كان من أجل اقتلاع الجذر الدمشقي.منه

Page 72

كثيرة تكشف على الأنبياء والملهمين الآخرين أمورٌ في صورة الاستعارات تماما، ويبينها الأنبياء عليهم السلام للناس كما سمعوها أو رأوها.وذلك لا يندرج في الخطأ، لأن الوحي ينزل بتلك الصيغة والطراز، كما لا يكون من الضروري أن يوهب للأنبياء علم جميع الاستعارات الواردة في النبوءات الإلهامية والكشفية، لأن بعض الابتلاءات التي تُقدَّر لزمن معين من خلال النبوءات لا تبقى بنشر علمها، كما يمكن أن يُطلع الأنبياء على بعض الأسرار لكنهم يمنعون من إفشائها على كل حال، إن هذه الأمور لا تنافي شأن النبوة أبدا، لأن العلم الكامل وغير المحدود يخص الذات الإلهية فقط.وبخصوص نزول المسيح الموعود هناك احتمال آخر وهو أن ذلك الموعود سيظهر في مكان يقع تجاه الشرق من دمشق، وذلك المكان بموجب البحث الجغرافي قاديان لأنه لو مُدَّ خط مستقيم من دمشق إلى جهة الشرق لوجدنا أن لاهور وهي عاصمة البنجاب منذ القدم- تقع تجاه الشرق بالضبط، وإن قاديان هي من ريف لاهور، وهي تقع على بعد سبعين ميلا من لاهور.فملخص القول: إن وفاة عيسى الله قد ثبتت من النصوص الصريحة وتبين الحق، ويقابل ذلك الجزء الثاني من الأحاديث التي أُنبئ فيها عن نزول المسيح، وكلها من استعارات لطيفة، وهي من قبيل الوحي "من وراء حجاب" المذكور في القرآن الكريم.وهناك آلاف الأمثلة في كلام الله على الوحي من وراء حجاب ولا يليق بالمنصف أن يُنكر ذلك.إن رؤية نبينا

Page 73

0970 أدعياء النبوة الكاذبين على صورة سوارين هو من هذا القسم من الوحي.كما كانت رؤيته ذبح البقرات أيضا من هذا النوع من الوحي، وإن وفاة أطول الأزواج يدا قبل غيرها أيضا من هذا النوع من الوحي، وإن ذكر بعثة النبي إيليا ثانية في وحي النبي ،ملاخي ونزوله في قرية معينة من قرى اليهود، كان أيضا من هذا النوع من الوحي.كذلك ظهور وباء المدينة على صورة امرأة شعثاء أيضا كان من هذا النوع من الوحي، وكذلك الدجال الذي هو فريق مخادع قد رئي على هيئة شخص واحد، فهو أيضا من هذا النوع من الوحي.فهناك آلاف النماذج لذلك في وحي الأنبياء، حيث ظهرت أمور روحانية في صورة مادية أو شوهدت جماعة في صورة شخص واحد، فمن سنة الله الجميع الناس بمن فيهم الأنبياء أيضا أن السمة الغالبة على الإلهام والوحي والرؤيا والكشف هي الاستعارات، فمثلا لو جمعتم مئتين أو أربعمائة شخص وسمعتم رؤاهم لوجدتم معظمها زاخرة بالاستعارات، فبعضهم يكون قد رأى ثعبانا وغيره ذئبا وغيره فيضانات وغيره بستانا و بعضهم فواكه وبعضهم نارا، وستكون كل هذه الأشياء قابلة للتأويل؛ فقد ورد في الأحاديث أن الأعمال الصالحة وغير الصالحة تتمثل في القبر إنسانا، فبهذه النقطة تزول جميع التناقضات وتنجلي الحقيقة، فطوبى لمن تدبرها.فلما بُت في الأمر بعد التحقيقات الكاملة أن عيسى العلة في الحقيقة قد توفي وثبتت وفاته من كل ناحية بل قد ثبت من الحديث الصحيح أيضا عاش مئة وعشرين عاما، أي عاش ٨٧ عاما بعد حادثة الصلب، فقد أنه

Page 74

21.X ظل السؤال مطروحا ما معنى الأحاديث التي تنبئ بنزول عيسى بن مريم في الزمن الأخير؟ فقد أجبنا على ذلك آنفا أن هذه الأحاديث لا يمكن أن تحمل على معانيها الظاهرية، لأنه قد قيل بصراحة في القرآن الكريم: قُلْ هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا، أي أنه ليس من سنة الله أن سُبحان ربي يصعد أحد من البشر إلى السماء بجسمه المادي هذا ثم ينزل منها.كما لم تلاحظ سنة الله في زمن من الأزمان حتى الآن أن أحدا من الناس عاد إلى الأرض بعد صعوده إلى السماء.فمنذ خلق العالم لم يلاحظ نظير واحد على هذه العودة، بينما تتضمن الكتب السابقة نظير من وعد بمجيئه ثانية إلى هذا العالم فتحقق الوعد في مجيء شخص ظهر على سيرته وطبعه، كما كان اليهود وعدوا بأن إيليا النبي سيعود إلى هذا العالم ثانية.بل كان قد ورد أنه من الضروري أن يعود إيليا إلى هذا العالم قبل ظهور المسيح، إلا أن ذلك الوعد لم يتحقق إلى هذا اليوم بمعناه الظاهري، مع أن المسيح -أي ال الذي وعد ببعثته قد جاء إلى العالم ورفع منه، فليس من شك في أن ذلك الوعد قد تحقق باطنيا، حيث فسر المسيح النبوءة بأن يوحنا الذي يُدعى يحيى أيضا، هو الذي جاء على سيرة إيليا وطبعه، وكأن إيليا قد جاء نفسه.وفي ضوء النظير المذكور آنفا لا بد لنا من الإيمان بأن الوعد ببعثة المسيح ثانية قد تحقق مثلما تحقق تماما وعد بعثة إيليا ثانية.وإلا فإن حمل النبوءة ببعثة المسيح ثانية على معانيها الظاهرة على شاكلة اليهود، عیسی الإسراء: ٩٤

Page 75

كأنه إنكار نبوة عيسى العليا، ذلك لأنه إذا كانت بعثة أحد ثانية إلى هذا 6 العالم داخلة في سنة الله ففي هذه الحالة يصح اعتراض اليهود ويكونون على حق في اعتراضهم لماذا لم ينزل إيليا قبل المسيح بحسب وعد النبي ملاخى ثم لمّا كان جائزا في السنة الإلهية أن يعود إلى الدنيا ثانية الراحل منها، فكأن الله عرَّض المسيح للاستخفاف والخجل أمام اليهود عن عمد والعياذ بالله؛ إذ لم يرسل النبي إيليا قبله، واضطر المسيح إلى التأويلات، وكان عذر اليهود نظرا لظاهر النصّ معقولا جدا؛ فما دامت بعثة المسيح الصادق مشروطة بظهور النبي إيليا ثانية قبله، فكيف جاء المسيح ابن مريم إلى هذا العالم دون أن يأتي إيليا ثانية؟! فحين تلقى اليهود العليا جوابا أن المراد من بعثة إيليا ثانية هو مجيء النبي أي يحى- فكل إنسان متدين يمكن أن يفهم أن البعثة الثانية لعيسى بن مريم أيضا ستتحقق على المنوال نفسه، لأنها السنة نفسها التي قد خلت، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا من يوحنا - إضافة إلى ذلك فإن آية: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّير أيضا تمنع البعثة الثانية للمسيح ابن مريم وكذلك الحديث: "لا نبي بعدي"؛ فكيف يجوز أن يأتي نبي آخر في زمن ما ويبدأ وحي النبوة مع أن نبينا خاتم النبيين؟! ألا تفرض كل هذه الأمور أن تُصرف الكلمات عن الأحزاب: ٦٣ الأحزاب: ٤١

Page 76

ظاهرها عند تفسير هذا الحديث؟ أضف إلى ذلك قرينة قوية على أن المسيح الموعود القادم غير المسيح الذي خلا وهي اختلاف الملامح، إذ ورد في صحيح البخاري الذي يعد أصح الكتب بعد كتاب الله - أن عيسى اللي أحمر اللون كما يكون لون أهل بلاد الشام وكما رسم في الصور، وأن شعره جعد، أما المسيح الموعود الذي وعدت هذه الأمة بمجيئه فقد ورد عنه أنه آدم اللون وشعره سبط.كما ورد بالإضافة إلى ذلك أنه سيكون من هذه الأمة، فنص صحيح البخاري "إمامكم منكم" وفي مسلم "فأمَّكم منكم"؛ حيث يُفهم من هذين القولين أن المسيح القادم هو من أمة النبي.وإن قلتم " لم لا يجوز أن تكون هذه الأحاديث كلها موضوعة، وأنه لن يأتي أحد"؟ فأقول إن هذا الظن ظلم ،بحت لأن هذه الأحاديث قد بلغت التواتر لدرجة أنّ كذبها عند العقل مستحيل، ومثل هذه المتواترات تصير بديهيات.وبالإضافة إلى ذلك فقد تحققت كبرى النبوءات الواردة المحتوية على أمور غيبية في هذه الأحاديث في زمننا هذا.فإذا كانت هذه الأحاديث كاذبة وافتراء الإنسان لما كان من الممكن أن تتحقق أمور الغيب التي تفوق قدرة البشر، فانظروا بأي جلاء تحققت في هذه الأيام النبوءة التي رواها أبو يعلى والحاكم عن النبي الله أن الناس سيمنعون من الحج قرب القيامة، أي في زمن المسيح الموعود، إذ قد نمت كل حكومة من ينوون الحج من السفر

Page 77

إلى مكة المعظمة بسبب الطاعون، فهل ظهر مثل هذا الحادث في الماضي أيضا؟ ثم انظروا إلى النبوءة الأخرى التي مضمونها أن في زمن المهدي الموعود سيحدث الخسوف والكسوف في رمضان؛ حيث ينخسف القمر في أولى ليالي الخسوف، والشمس تنكسف في أوسط أيام الكسوف، فما أعظمها من نبوءة قد نُشرت في العالم كله بورودها في "الدارقطني" قبل ١١ قرنا من اليوم، وقد تحققت الآن بمنتهى الجلاء.كذلك كان "الحاكم" وغيره قد أورد أن في تلك الأيام ستُبتكر مركبة جديدة تمشي مئات الأميال في ليلة وضحاها ويسافر الناس فيها ليل نهار وتكون العشار معطلة في ذلك الزمن.ا ما أعظم هذه النبوءة التي صدرت عن زمن المسيح الموعود! فهل من قدرة أي إنسان أن يُسجل هذه النبوءات افتراء قبل مئات السنين؟ كذلك كان قد ورد في الأحاديث أن الطاعون سيتفشى في تلك الأيام.فانظروا الآن بفتح العيون أن هذا هو الزمن نفسه والطاعون يتفشى بشدة، كما وردت في الأحاديث نبوءة أخرى هي أن في تلك الأيام ستظهر آية في الشمس أيضا، والجميع يعرفون أن الشمس انكسفت بوجه كامل وعجيب في هذه الأيام، لدرجة أن جاء الناس من أوروبا وأميركا لمشاهدة هذا المشهد فلاحظوا ملحوظة: لقد نهى السلطان العثماني هذا العام من السفر للحج، كما قد أعلنت حكومة البنجاب أيضا أنه لن تتوجه أي باخرة إلى مكة في هذا الموسم فلا ينوين أحد قصد الحج، كما قد منعت الحكومة الروسية أيضا من الذهاب للحج.انظروا جريدة "أخبار عام" مارس و "أخبار عام" ١٨٩٨/٤/٤.منه

Page 78

الغريب.فهل يقدر الإنسان على الإخبار بهذه الأمور الغيبية؟ وكانت هناك نبوءة أخرى أن المذنب ذو السنين سيطلع في تلك الأيام، وكان قد طلع قبل أنه ذلك في زمن المسيح الناصري وقبله في زمن نوح، والآن يعرف الجميع قد طلع، ونُشر خبر طلوعه في الجرائد الإنجليزية والأردية.كما كان قد أُنبئ في الأحاديث بنشوب الحريق في جاوا في زمن المسيح الموعود، والآن يعرف الجميع أن تلك النار قد اندلعت ولا أحد من المطلعين يُنكر ذلك.كما أشير في الأحاديث إلى ظهور الطاعون في عدن، فقد تحققت كل هذه الأنباء.فكيف يمكن أن تكون هذه الأحاديث الزاخرة بأخبار الغيب التي تحققت في موعدها كاذبة؟ نحن نقبل أن علماء العصور الوسطى قد فسروها بمعان خاطئة وإن أفهامهم الخاطئة قد أثرت في العامة كثيرا، أما الذين كانوا عقلانيين مثل المعتزلة فقد أنكروا صحة الأحاديث أصلا عند سماع هذه المعاني غير المعقولة، إلا أن صحة الأحاديث لا تتأثر بإنكارهم الذي لم يكن مبنيا على نقد تاريخي بل كان مبنيا على الظن بأن المضمون غير معقول.ولا يمكن أن تتأثر به صحة الأحاديث، بل مثل هذه الأحاديث رغم الإنكار كانت قد بلغت تواترا تعذر عليهم رده فذهلوا.فلو فُسِّرت تلك الأحاديث في ذلك الزمن كما تُفسَّر اليوم لما أنكرتها فرقة إسلامية، لكن من المؤسف أنه بحمل كل استعارة على الحقيقة وإلباس كل مجاز لباس الحقيقة قد جعلت هذه الأحاديث طريقا وعرا لا يثبت فيه قدم أي محقق يحب العقلانية.فالأحاديث بريئة وإنما هو قصور فهم هؤلاء الذين فسروها على هذا النحو

Page 79

وألقوا العامة في متاهات الأخطاء المخجلة.وبعض العقلانيين المعاصرين الذين ينكرون صحة هذه الأحاديث أيضا، لا يملكون أي سبب للإنكار سوى أنهم يجدون هذه المعاني التي يُبينها العلماء المعاصرون مخالفة للعقل وسنة الله وقانون الطبيعة.إلا أن هؤلاء المنكرين كانوا معذورين فقط قبل أن تكشف عليهم المعاني الصحيحة المنسجمة مع سنة الله تماما، أما الآن فمن الوقاحة المخجلة والجور أن ترد هذه الأحاديث رغم المعاني المعقولة والقريبة إلى القياس ورغم أسمى أنواع تواتر الأحاديث ورغم اتفاق الإسلام والمسيحية.إن الذين يُنكرون الأحاديث التي تُنبئ بظهور المسيح الموعود من واجبهم أن يطلعوا من كل الجوانب على ذلك التواتر والإثبات الذي تتمتع به هذه الأحاديث، ثمّ يتأملوا أن هذا الخبر لم يرد في كتب الحديث فحسب، بل قد ورد أولا في الكتب المقدسة لليهود ثم في الإنجيل ثم في القرآن الكريم، وبعد كل ذلك ورد تفصيله في الأحاديث والأمم الثلاثة كلها آمنت بأن الخبر يقيني وقطعي، والقانون الإلهي في الطبيعة الذي يقتضي أن يظهر مصلح عند ظهور الفساد بحسب ذلك الفساد - يصدق هذا الخبر.وتلك الطرق المضلة عن الدين والآفات التي يتعرض لها الدين عند كل خطوة التي لا تساويها جميع البدع والآفات والفتن التي ظهرت خلال ثلاثة عشر قرنا- الأخرى تتطلب أن الله الدين بأسباب سماوية.فأي مصاعب تمنعكم من قبول هذه النبوءة سوى التعصب والأنانية الباطلة؟ فهل من هي يحمي الصعب الإيمان بأنه إذا كان الله حقا وكان الدين شيئا يعتد به فيجب أن

Page 80

تجيش الغيرة الإلهية في هذه الأيام حتما لتشن الغارات من الله الحي بقدر بواس الجهود الجبارة التي بذلت لنشر الكفر والشرك والإساءة إلى التوحيد أو أكثر؛ لكي يوقن الناس بأنه موجود ودينه صادق ألم تسنح لكم الفرصة حتى الآن لملاحظة أن الإسلام في الحقيقة صار غريبا جدا؟ فمن حيث الأوضاع الداخلية كأن القرآن قد رفع إلى السماء، ومن حيث الوضع الخارجي قد أثار الأعداء آلاف الاعتراضات على الإسلام بسوء الأفهام وسوَّدوا مئات الألوف من القلوب، فكيف يمكن إنكار الحاجة الماسة إلى مصلح عظيم الشأن، يستعيد اسطته الإسلام روحانيته ويهزم المهاجمين من الخارج! مع ذلك لا بد من التصريح أن القتال لحماية الدين لا يجوز في هذه الأيام، لأن أعداءنا أيضا لم يشنوا أي هجوم بالسيف والبندقية لنشر دينهم، بل استخدموا الخطاب والقلم والقرطاس فحسب.لذا من الضروري أن يكون هجومنا أيضا منحصرا في الكتاب والخطاب، كما أن الإسلام لم يرفع السيف في أوائل الزمن على أي قوم ما لم يرفع القومُ أنفسهم السيف.فرفع السيف في العصر الراهن لحماية الدين ليس إجحافا فحسب، بل يؤكد أننا لا نقدر على إقامة الحجة على العدو بالخطاب والكتاب والأدلة المقنعة لأن من دأب الكاذبين والضعفاء أنهم يبدأون القتال عند عجزهم عن الرد.فالقتال في العصر الحاضر إساءة لدين الله الحق والنير انظروا كيف ظل نبينا الله يتحمّل الأذى لمدة ثلاثة عشر عاما على التوالي على أيدي الكفار في مكة.وأفحمهم بالأدلة المقنعة وحدها، و لم السيف عليهم قطّ ما لم يرفع الأعداء السيف وقتلوا كثيرا من الأطهار يرفع

Page 81

شهداء فلا يليق بالإسلام أن يلجأ إلى الحرب بالسنان مقابل الحرب باللسان، بل هو فعل قليلي الهمة وعديمي الصبر.العلية لا لقد بينت أنفا أن النبوءة عن المسيح الموعود لم ترد في الأحاديث فقط، بل قد بشر القرآن الكريم أيضا بمجيء المسيح القادم بإشارات لطيفة جدا، كما وعد أنه بحسب الطراز والأسلوب الذي أقيمت به سلسلة الخلافة في النبوات الإسرائيلية، فسيكون الطراز نفسه في الإسلام أيضا، فهذا الوعد يتضمن في طياته البشارة بمجيء المسيح الموعود ؛ لأننا حين نتدبر في سلسلة خلافة أنبياء بني إسرائيل يتبين أن تلك السلسلة بدأت من موسى وانتهت بعد أربعة عشر قرنا على عيسى الل، ويتبين من إلقاء نظرة على نظام الخلافة ذلك أن المسيح الموعود لليهود الذي بشر اليهود بمجيئه، قد ظهر بعد أربعة عشر قرنا من موسى ل وظهر في هيئة المساكين والفقراء، فمن الضروري لتحقيق هذه المماثلة التي أُقيمت في القرآن الكريم في سلسلتي الخلافة أي الخلافة الموسوية والخلافة المحمدية أن يُسلّم كل منصف بأنه كان من الضروري أن تُبَشِّر الأمة المحمدية بمجيء المسيح الموعود في نهاية سلسلتها، مثلما كان هناك وعد بمجيء المسيح الموعود في نهاية سلسلة الخلافة الموسوية، كما أن اكتمال المشابهة بين السلسلتين يقتضي أن يظهر المسيح الموعود في الخلافة المحمدية أيضا، وبعد مضي المدة نفسها كما ظهر انظروا الآية: (وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (النور: ٥٦).منه الأرض

Page 82

المسيح الموعود لبني إسرائيل بعد أربعة عشر قرنا من بدء سلسلة الخلافة الموسوية.كذلك كان إكمال المشابهة يقتضي أن يصف علماء الأمة الإسلامية المسيح الموعود في الخلافة المحمدية بأنه كافر وملحد ودجال كما كان علماء اليهود قد سموا المسيح الموعود في الخلافة الموسوية كافرا وملحدا ودجالا، والعياذ بالله وكذلك كان من الضروري لإكمال المشابهة أنه كما جاء المسيح الموعود في الخلافة الموسوية في زمن كانت الحالة الأخلاقية لليهود قد فسدت فيه كثيرا جدا، وكان خلل كبير قد حدث في الإخلاص والأمانة والتقوى والطهارة والتحابّ والتصالح وضاعت سلطتهم في بلد ظهر فيه المسيح الموعود لدعوتهم؛ كذلك فإن المسيح الموعود للخلافة المحمدية قد ظهر في مثل هذه الحالة للأمة وانحطاطها.وهناك سبب آخر لإكمال المشابهة أيضا هو أنه كان قد ورد في التوراة بخصوص آخر الخلفاء للسلسلة الموسوية أن تلك السلسلة تختتم على المسيح الموعود؛ أي على المسيح الذي وعد اليهود بأنه سيأتي في نهاية تلك السلسلة على رأس القرن الرابع عشر وكانت علامة ظهوره أن اليهود سيفقدون حكومتهم عندما يأتي.كما ورد في سِفْرُ التَّكْوِينِ ٤٩: ١٠ "لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ -أي عيسى ال - وَلَهُ يَكُونُ حُضُوعُ شُعُوب".فكان المراد من هذه العبارة أن سلطنة اليهود الذين يعصون الله كثيرا ستبقى لا محالة حتى بعثة المسيح الموعود، ولن لا ينكسر قضيب حكومتهم ما لم يأتِ مسيحهم الموعود -أي عيسى ال -

Page 83

197 وعندما يظهر سينكسر القضيب ولن تبقى لهم حكومة في العالم.ومثل ذلك قد وصف المسيح الموعود لسلسلة الخلافة المحمدية في صحيح البخاري علامةً لنهاية الدين المسيحي وبداية انحطاطه فالقول الذي ورد في البخاري "يكسر الصليب" يعني أن ازدهار الدين المسيحي لن يقلّ ولن يضعف نتيجة التقدم ولن يصيبه فتور ونقص حتى يأتي المسيح الموعود لسلسلة الخلافة المحمدية، وهو الذي سيكسر الصليب ويقتل الخنزير.وزمن مجيئه هو زمن انحطاط الدين المسيحي، ففي ذلك الزمن سوف تزول تلك الأفكار تلقائيا حتى لو لم يُعدم المسيح الموعود هذا الدجال - أي الأفكار الدجالية بحربة براهينه.وسيحين عند نزوله وقتُ زوال الدين الصليبي، وسيكون ظهوره علامة لاختفاء ذلك الدين؛ أي ستهب عند ظهوره ريحٌ تجذب القلوب والأذهان ۲ إلى اتجاه معاكس للدين التثليثي وستظهر آلاف الأدلة على بطلان هذا الدين، ولن يكون هناك أي قتال للذين إلا بالدلائل العقلية والآيات السماوية، بل سيكون الزمن نفسه يقتضي هذا التغيير.وحتى لو لم يُبعث الملحوظة : إنما الفرق بين النبوءتين أن في النبوءة الأولى كان زوال سلطنة اليهود علامة ظهور المسيح الموعود، أما في النبوء الثانية فإن علامة المسيح الموعود هي آثار انحطاط الدين التثليثي.باختصار ليست للنبوءة الثانية أي علاقة بالسلطنة كما لم تكن للنبوءة الأولى أي علاقة بالدين.منه الملحوظة: هذه الريح تهب في زمننا هذا عدة من نواح، ففي أوروبا مئات الآلاف من الحائزين على الشهادات العليا هم مسيحيون بالاسم فقط، وفي الحقيقة يُنكرون الثالوث، فأين كان هذا الانقلاب في الطبائع قبل هذا؟! منه

Page 84

ذلك المسيح الموعود لكان الهواء الجديد للزمن قد أذاب التقدم الدجالي وقضى عليه.إلا أن المسيح الموعود سيُعطى هذا الشرف بينما يُنجز الله المهمة كلها بنفسه، فالأمم لن تملك، بل سوف يهلك الباطل نتيجة حدوث التغيير الجديد في القلوب.فهذا هو تفسير كلمة "يكسر الصليب" و"يضع الحرب".فمن الفكرة الخاطئة والزائفة أنه سيكون الجهاد، بل إن عبارة الحديث تفيد بأن الحربة السماوية التي ستنزل مع المسيح الموعود -أي الآيات السماوية- وهذا التيار الجديد سيُهلكان كلاهما الدجالية.وسيتقدم الحق والتوحيد والصدق والإيمان بسلام وأمن وترتفع العداءاتُ وتأتي ، وعندئذ تكون نهاية العالم، ولهذا السبب سمينا هذا الكتاب ب.باختصار، إن جملة يكسر الصليب الواردة في الحديث تشير حصرا إلى أن الدين المسيحي سيحرز تقدما هائلا حتى ظهور ذلك المسيح الموعود وينتشر في كل مكان ويحوز قوة وشوكة كبيرة، حتى يصبح أكبر الأديان.لكن عندما يُبعث المسيح الموعود ستكون تلك الأيام أيام انحطاط للدين المسيحي، وإن الله سيُسخّر هواء ويخلق في القلوب فهما وفراسة يُفهم بها جميع القلوب السليمة أن اتخاذ البشر إلها خطاً، والبحث عن النجاة الحقيقة وراء إعدام أحد خطأ، وقد ثبت في هذه الأيام هذا الأمر لأن كبار القساوسة قد نشروا إعلانات بأن الدين المسيحي في هذا الزمن أُصيب بانحطاط مفاجئ، ومن الملاحظ أن الإسلام مقابل ذلك يزدهر رغم إنفاقنا عشرات الملايين من الروبيات، وأن أصحاب العقول النيرة في أوروبا بدأوا

Page 85

ينفرون من الدين التثليثي، ولهذا السبب لم يجد بدا من التوجه إلى الطبقات الدنية حتى في هذا البلد.أما ما ورد في الأحاديث أن المسيح الموعود يكسر الصليب فليس المراد منه أنه سيكسر الصليب المادي في الحقيقة، وإنما المراد منه أنه سيأتي بدلائل وبراهين تظهر بها أخطاء المبادئ الصليبية، ويُوقن العقلاء بأن هذا الدين كاذب.وفي هذا الحديث إشارة واضحة إلى أن في زمن ذلك المسيح الموعود سيظهر بطلان الدين المسيحي يوما بعد يوم، وستنتقل أفكار الناس تلقائيا إلى أن الدين المسيحي باطل.فمن قتل الحق الاعتقاد بأن الحروب مع النصارى ستندلع في ذلك الزمن؛ إذ لم يأذن الإسلام والقرآن قط في أي موضع بقتال الذين لا يُقاتلون من أجل الدين ولا ينشرون دينهم إلا باللسان والمال.فهذه الأفكار تُنافي تعليم القرآن الكريم أشد المنافاة.رحم الله أوضاع علمائنا، كم هم يخطئون! وإنما المراد أن الإسلام في زمن المسيح سيزدهر بقوته الروحانية فقط، وبقوته الترياقية سيزيل المواد السامة.ظهور المسيح الموعود سينزل الملائكة ومع من السماء لإلقاء الصدق في قلوب الذين سوف يغيرون الأفكار.ولذلك قد ورد في الحديث أن المسيح الموعود سينزل واضعا كفيه على كتفي ملكين.فإنما المراد منه أن بظهوره ستبدأ تصرفات الملائكة، وأن الناس سيستيقظون من رقاد الغفلة رويدا رويدا.فلما كان كل هذا سيبدأ مع ظهور المسيح، لهذا ستعزى عملية كسر الصليب بأكملها إلى المسيح الموعود وأن المعارف الرائعة التي سيبينها الملحوظة: سنة الله الا الله أنه عندما يُبعث أي مأمور من الله ينزل من معه الملائكة

Page 86

مقابل الكفر زيد مثلا أو بكر أو خالد أو شخص آخر ستكون كلها ببركة معه المسيح الموعود وتعزى إليه، لأنه هو الذي نزلت الملائكة وهو الذي نزل من السماء من حيث الأنوار الروحانية وهو الذي انقض كالصقر على التثليث الدمشقي ليصيده، لكن لا بقسوة، بل بأمن وسلام وصلح.فالله أرحم الراحمين وهو أكثر رحمة بعباده من الآباء والأمهات.فمن المستحيل أن لا يفهم عباده الغافلين والضعاف بالبراهين ويُطمئنهم بالآيات السماوية بعد أن وجدهم غافلين منذ ثلاثة عشر قرنا، بل يختار طريق إفناء الغافلين بإرسال أحد، فعادته هذه تنافي صفاته التي ذكرت في القرآن الكريم، وكان قد ورد في القرآن الكريم وعد أن الله في زمن الفتن والأخطار سيحفظ دين الإسلام كما يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ، فبناء على هذا الوعد قد حافظ الله تعالى على كلامه من أربعة جوانب.أولا : حافظ على كلمات القرآن الكريم وترتيبه بواسطة الحفاظ، فخلق في كل قرن مئات الآلاف من الحفاظ الذين احتفظوا بكلامه المقدس في صدورهم بحيث إذا سُئلوا عن كلمة واحدة استطاعوا أن يبينوا سياقها من السماء، أو نور بتعبير آخر، ويقع ذلك النور في القلوب المستعدة لتلقيه- وينوّرها ويقويها، وكل إنسان يبدأ بفهم الأمور الروحانية بنيل القوة، فلما كان السبب الحقيقي لنزول ذلك النور هو ذلك المبعوث فقط، لهذا تُنسب إليه جميع المعارف الدينية في ذلك الزمن.منه ا الحجر: ١٠

Page 87

وسباقها.وبذلك حفظ الله تعالى القرآن الكريم من التحريف اللفظي في كل زمن.ثانيا: بواسطة الأئمة والأكابر الذين أعطوا فهم القرآن الكريم في كل قرن ثم فسروا مواضع مجملة من القرآن الكريم في ضوء الأحاديث النبوية الشريفة، وحفظوا كلام الله تعالى الطاهر وتعليمه المقدس من التحريف المعنوي في كل زمان.ثالثا: بواسطة المتكلمين الذين استخدموا الأدلة العقلية للتوفيق بين تعاليم القرآن والعقل، فحفظوا كلام الله تعالى من استخفاف الفلاسفة السطحيين.رابعا: بواسطة الحائزين على الإنعامات الروحانية الذين صانوا كلام الله الطاهر في كل زمان من هجمات منكري المعجزات والمعارف.فإن هذه النبوءة لا تزال تتحقق في كل العصور بشكل أو بآخر.وكلما تكاثرت في عصر من العصور هجمات المعارضين على جانب معين من القرآن خلقت غيرة الله تعالى وحميّته شخصا مناسبا للدفاع عنه.ولكن في هذا الزمن الذي نحن فيه قد شن المعارضون هجمات على النواحي الأربعة المذكورة، فجاءت أيام طوفان عظيم لم يشهد الإسلام مثيلها منذ انتشار القرآن الكريم في هذا العالم، فقد أثار الأشقياء العميان اعتراضات على صحة ألفاظ القرآن ونشروا الترجمات الخاطئة لمعانيه ونشروا تفاسيره المختلقة.وأراد الكثيرون من المسيحيين والطبيعيين وبعض قليلي الفهم من

Page 88

AVE المسلمين أيضا فتح باب التحريف المعنوي من خلال تفاسيرهم وتراجمهم لمعاني القرآن الكريم على هواهم وركز الكثيرون على أن القرآن يُخالف في نصوصه العلوم العقلية والمسائل المسلّم بها والثابتة من ناحية علم الطبيعة والهيئة، وادعوا أن كثيرا من دعاوى القرآن تُخالف البحوث العقلية، وأنه يُعلم أساليب الجبر والظلم وعدم التوازن وعدم الاعتدال، وأن كثيرا من أموره تخالف الصفات الإلهية وتنافي قوانين القدرة وصحيفة الفطرة.وقد أصرَّ الكثير من القساوسة والآريا على إنكار معجزات نبينا وآيات صدق القرآن الكريم ونبوءاته، وقد صوّروا كلام الله الطاهر والإسلام ونبينا بصورة سيئة، وافتروا افتراء كبيرا من أجل أن ينفر منها كل طالب للحق.فاقتضى هذا الزمن بالطبع الذي أطل فيه سيل فتنة المعارضين بكل من النواحي الأربعة - أن يشمل الدفاع أيضا النواحي الأربعة المذكورة.وكان قد بدأ القرن الرابع عشر للهجرة في الفترة نفسها، لذلك شدة فقد بعث الله تعالى بموجب وعده: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ على رأس القرن الرابع عشر مجددًا لإصلاح هذه الفتنة.ولكن بما أنّ لكل مجدد اسما خاصا عند الله تعالى، وكما أن من يؤلف كتابا يختار له اسما ملائما مع مضامينه..كذلك سمى الله تعالى هذا المجدد مسيحا نظرًا إلى مهماته التي فُوّضت إليه.وكان قد قُدّر أن يقضي المسيح على الفتن الصليبية في آخر الزمان، فمن عُهدت إليه هذه المهمة لا بد أن يُسمى - لقد خدع الكثيرون العالم بإدراج الإسرائيليات التي لا أصل لها في تفاسيرهم.منه

Page 89

Vo مسيحا موعودًا.فتفكروا إلى من فوّضت مهمة كسر الصليب.وهل هذا هو الزمن المذكور أم غيره؟ فكروا هداكم الله.فقد تبين من كل هذا البحث أن الذين يزعمون أن المسيح الموعود غير مذكور في القرآن الكريم، يرتكبون خطأ فادحا، بل الحق أن ذكر المسيح الموعود موجود في القرآن الكريم على أكمل وجه وأتمه.انظروا كيف بين الله في القرآن الكريم أولا بجلاء في آية كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، أن النبي لا لا لا مثيل موسى، لأن الآية تفيد حصرا بأنه لا قد أرسل هذا النبي مثل النبي الذي أرسله إلى فرعون.وأثبتت الأحداث أن بيان الله جل شأنه هذا حق تماما.وسبب ذلك أنه كما بعث الله موسى إلى فرعون ثم أهلكه أخيرا أمام أعين بني إسرائيل بإرسال موسى إليه، ونجاهم من مظالم فرعون بأمر مشهود ومحسوس على أرض الواقع لا خيالا ووهما، كذلك قد واجه عباد الله الأطهار أمثال بني إسرائيل في مكة المعظمة على مدى ثلاثة عشر عاما الأذى الشديد على أيدي الكفار، وكان هذا الأذى أشد بكثير مما أصاب بني إسرائيل على يد فرعون.وأخيرا فرّ عباد الله الصالحون هؤلاء مع سيد الصادقين من مكة بإيماء منه، مثل فرار بني إسرائيل من مصر، ثم لاحقهم أهل مكة بنية القتل كملاحقة فرعون لبنى إسرائيل لقتلهم، فهلكوا أخيرا نتيجة ملاحقتهم كما كان فرعون وجنوده قد هلكوا في نهر النيل.ولكشف هذا السر كان النبي ﷺ قد قال عند المزمل: ١٦

Page 90

رؤيته جثة أبي جهل ضمن مقتولي بدر إن هذا الرجل كان فرعون هذه الأمة.باختصار، كما كانت حادثة هلاك فرعون وجنوده في نهر النيل من الأمور المشهودة والمحسوسة بحيث لا يمكن لأحد الاعتراض عليه، كذلك فإن هلاك أبي جهل وجنده في معركة بدر من الأمور المشهودة والمحسوسة، بحيث يعد إنكاره من الحمق والجنون.فهذان الحادثان كلاهما يتشابهان من حيث التفاصيل كأنهما شقيقان توءمان.أما قول النصارى بأن مثيل موسى هذا هو عيسى اللي فمردود ومخجل جدا، لأن المماثلة يجب أن تكون في الأمور المشهودة والمحسوسة واليقينية والقطعية لا بادعاء سخيف وخيالي يكون بحد ذاته موضع نقاش وإنكار شديد.أما الادعاء بأن موسی العليا كان قد نجى بني إسرائيل، وكذلك خلص يسوعُ أيضا النصارى فكم هو سخيف وبليد لا يدعمه إثبات! لأن هذه مجرد أوهام، ولا قيمة لها ولا تؤيدها العلامة الواضحة النيرة، فلو كانت معها أي علامة للإنقاذ لأمن اليهود بعيسى العلمية لا واعترفوا بكونه مخلصا شاكرين ،له كما كانوا قد أنشدوا أناشيد الشكر بعد حادث النيل، لكن قلوبهم لم تشعر بأي أثر للنجاة التي متعهم بها، لكن أولئك الإسرائيليين - أي عباد الله الذي خلّصهم سيدنا ومولانا من مظالم أهل مكة قد أنشدوا بعد معركة بدر أناشيد مماثلة لأناشيد بني إسرائيل التي أنشدوها عند شاطئ النيل.وما زالت تلك الأناشيد العربية أنشدت في ميدان بدر محفوظة في الكتب.التي

Page 91

يمكن أن يفهم أي عاقل أن روح هذه النبوءة هي هذه المماثلة فحسب، فإذا لم تتحقق هذه المماثلة في الأمور المشهودة المحسوسة و لم تعد في نظر المعارض أمورا ثابتة وبدهية ومسلما بها، فكيف يمكن أن يهدي الادعاء السخيف طالب الحق؟ فأي شك في أن كون يسوع مخلّصا هو ادعاء محض لم يُثبتوه بالأدلة العقلية و لم يثبتوه من البديهيات؟ ويمكن أن تسألوهم فهم لا يستطيعون بيان الأمور المميزة بين المسيحية والأمم الأخرى التي تثبت أن هذه الأمة وحدها ناجية والآخرون كلهم محرومون من النجاة، بل قد ثبت أن هذه الأمة عديمة الحظ نهائيا من الروحانية والفيوض السماوية والعلامات الروحانية للنجاة والبركات.فكيف وبأي شكل يمكن أن تتحقق المماثلة؟! إذ يجب أن تكون المماثلة في الأمور البدهية والمحسوسة والمشهودة، لكي يتمكن الناس من معرفتها يقينا فيعرفوا بها الشخص المثيل.فإذا ادّعى أحد اليوم بأنه مثيل موسى وقال في إثبات ذلك بأنه مخلّص الأمة روحانيا ولم يقدم علامة النجاة المحسوسة والمشهودة، فهل سوف يقبل النصارى بأنه مثيل موسى في الحقيقة؟ فالقرار الحق وحكم الإيمان والإنصاف هو حصرا أن العليا ليس مثيل موسى ولم يُقدِّموا أي نموذج للأحداث الخارجية الذي تُثبت مماثلته بموسى العليا في تخليص المؤمنين ومعاقبة الكفار، بل على عكس ذلك قد تعرض المؤمنون في زمنه لأشد الأذى، الذي لم ينج ملحوظة : إذا كان النصارى يظنون أن يسوع نفر الناس من الذنب روحانيا فهذا الأمر لا يخص يسوع فقط، إذ يأتي كل نبي لهذا الهدف نفسه، بأن يُصلح أخلاق

Page 92

منه عيسى ال نفسه.سنُضيع إيماننا ونُعدّ خونةٌ عند الله إذا لم نقرّ بأن الله الذي المثيل الموعود في سفر التثنية من التوراة إنما هو ذلك النبي المؤيد من فر أخيرا مع جماعته بعد تحمّل كل أنواع الأذى لمدة ثلاثة عشر عاما على التوالي مع جماعته، ولوحق، ثم صدر الحكم أخيرًا في معركة بدر بعد قتال دام بضع ساعات حيث قتل أبو جهل وجيشه بسيف حاد كما كان قد قُضي على فرعون وجنوده بحد النيل، فانظروا بأي جلاء تتماثل حادثتا مصر ومكة ونهر النيل وبدر على وجه مشهود ومحسوس باختصار، لما ثبت أن نبينا هو مثيل موسى في الحقيقة، فكان من مقتضى اكتمال المماثلة أن تكون المماثلة بين أتباعهما وخلفائهما أيضا.فكما تحققت أكمل درجات المماثلة بين موسى العلمية الا وسيدنا محمد ﷺ في تخليص المؤمنين وتعذيب الكفار كان ضروريا أن تكون مماثلة ما بين الخليفتين الأخيرين لهذين النبيين الجليلين.فحين نتدبر المسألة نجد مماثلات بيني وبين عيسى العليا، دع عنك مماثلة واحدة كما بينت آنفا.هنا كثيرة الناس وأعمالهم وعقائدهم قدر الإمكان، وإن جهودهم تؤدي إلى نتائج حتمية، أما إذا ادعوا بأن عقوبة الذنب زالت بواسطة يسوع فقط فهذا ادعاء غير مدعوم بدليل.منه ملحوظة: الحقيقة أن الزمن الذي بعث فيه عيسى ال لم تكن فيه أي قسوة دينية من قبل الحكومة، فكان كل إنسان حرا في اختيار الدين تماما مثلما يوجد في الحكومة الإنجليزية، فلم تكن السلطنة الرومية تنشر دينها بالسيف قط، كما هو حال الحكومة البريطانية في العصر الراهن.إلا أنه في الحكومة الرومية بسبب الحرية العامة

Page 93

1970 ينشأ السؤال تلقائيا: إن الإنسان العظيم الذي وعد اليهود بمجيئه في التوراة أنه سيظهر عند زوال سلطنتهم وسيكون آخر خلفاء سلسلة الخلافة الموسوية، وكذلك الإنسان الذي وعد بمجيئه في القرآن الكريم والأحاديث أنه سيظهر عند غلبة الصليب، لماذا سمي كلاهما بالمسيح؟ فجوابه أن المسيح في الحقيقة يُطلق على صديق قد وضع الله بركة في مسحه، وتكون أنفاسه ومواعظه وأقواله واهبة للحياة ثم اختص هذا الاسم بصفة خاصة بنبي لم يُقاتل وإنما قام بإصلاح الخلائق لمجرد البركة الروحانية، ومقابله يُطلق اسم المسيح أيضا على الدجال المعهود الذي يتولّد الإلحاد وعدمُ الإيمان والآفات من قوته الخبيثة وتأثيره، بحيث يفتر البر والحب الإلهي شيئا فشيئا لمجرد تأثير الروح الشيطانية نتيجة التفاته الباطني أو خطابه أو كتاباته أو لقائه دون أن يستخدم وسائل إكراه أخرى للقضاء على الحق، وتتفشى كة روح وانتشار الفلسفة اليونانية، كانت التقوى والطهارة الدينية قد تضاءلت كثيرا، فكان تعليم الفلسفة اليونانية قد جعل الناس أشباه الملحدين، فلم تكن في ذلك الزمن حاجة إلى نبي يحمل السيف لنشر الدين كما ليست هناك حاجة اليوم أيضا.لأنه لم يكن مقابله حامل السيف من أجل الدين، لهذا قد أرسل الله نبيا يدعى عيسى ببر القدس فقط، لكي يُميل القلوب إلى الله بالتأثير الروحاني ويقيم جلال الله في الدنيا من جديد.فكان مقدرا أن يأتي في نهاية سلسلة مثيل موسى أيضا شخص على المنوال نفسه بقوة روحانية ليكون المسيح الموعود لهذه الأمة، لأنه هو الآخر لن يقاتل ولن يحمل السيف وإنما سينشر الصدق بقوة روحانية فحسب، لأن الحكومة في زمنه أيضا ستحب الأمن والحرية، وإنما سيكون الفساد الروحاني كما كان في زمن السلطنة الرومية.منه

Page 94

الفجور وشرب الخمر والكذب والإباحة وعبادة الدنيا والمكر والظلم والاعتداء والقحط والوباء.فهذه هي المعاني التي تُستشف من إلقاء نظرة شاملة على القواميس رفيعة المستوى مثل لسان العرب.وهذه هي المعاني نفسها التي قد ألقاها الله في روعي أيضا.صحيح أن الأنبياء الآخرين أيضا يتمتعون بالصفة المسيحية، إلا أن النبي الذي وجد مثل هذا الزمن ولم يستعمل وسائل الجهاد وغيره وإنما وظف الدعاء والقوة الروحانية فقط، فهو يسمى بهذا الاسم على وجه خاص.فالمسيح الحائز على هذه الصفات السامية كان واحدا فقط في بني إسرائيل، وهو عيسى العلم الذي بعث بعد ال بأربعة عشر قرنا.وكان آخر خلفاء السلسلة الموسوية.موسی وبحسب النبوءة التوراتية ونبوءة القرآن الكريم قد أراد الله أن يخلق مسيحا مثله في نهاية سلسلة الخلافة المحمدية أيضا.فبعث هذا المسيح أيضا على رأس القرن الرابع عشر مثل تلك المدة، ومثل المسيح الأول، وقد أنبأ سيد الكون في الأحاديث الصحيحة عن المسيح الثاني أيضا أنه سيُبعث في زمن يرتفع فيه القرآن الكريم إلى السماء، أي سيكون الناس مصابين بأنواع الشكوك والشبهات ومعظمهم سيكونون ملحدين وضعيفي الاعتقاد بيوم الدين، وسوف يقيم فيهم الإيمان من جديد بكلامه ومعجزاته وآياته وقوته الروحانية ويخلّصهم من الشبهات وبحربته السماوية دون الخوض في الجهاد الظاهري سيمحو رونق المسيح الدجال وينشر في العالم تأثيرات روح القدس الطيبة دون استخدام الوسائط المادية.وستهب الريح الباردة لمعرفة

Page 95

الحق على القلوب وسيظهر تغير عظيم بالصلح والسلام وحب البشر، وينهزم الشيطان ويتغلب روح القدس.ولقد تنبأ الكثير من الأنبياء عن هذا الزمن الأخير، لكن من المؤسف أن المشايخ الأغبياء في العصر الراهن أقحموا مسألة الجهاد عبثا.لم تكن تلك مشيئة نبي الله ﷺ المقدس قط.تذكروا أن من خاض الجهاد العدواني فهو ليس المسيح الموعود بل ستكون المعركة روحانيا بين الهواء الترياقي والهواء السام، وسوف ينتصر الهواء الترياقي في نهاية المطاف، وقد جاء المسيح الموعود للدفع إلى هذه المعركة الروحانية.فليس من الضروري أن تكون نهايتها أمامه، بل إن هذه البذرة التي بذرت في الأرض ستنمو رويدا رويدا حتى تصبح يوما بحسب الوعود الإلهية دوحة كبيرة يستريح في ظلها جميع جياع الحق وعطاشاه، وتخلو القلوب من حب الباطل، فكأن الباطل سيزهق وتتولد في كل صدر روح الصدق.وفي ذلك اليوم ستتحقق جميع النبوءات التي ورد فيها بأن الأرض ستفيض بالصدق كالبحر ، إلا أن كل ذلك سيحدث تدريجا كما هي سنة ولهذا التقدم التدريجي ليس من الضروري أن يبقى المسيح الموعود حيًا بل سيكفي كون الله حيا، وهذه هي سنة الله منذ القدم وإن سنن الله الله لا تتبدل، فمن اعترض عند وفاة المسيح الموعود قائلا "ما الذي أنجزه في حياته؟" فسيكون جاهلا وغبيا، لأن البذرة التي يكون المسيح الموعود قد لعل "ست جك" -أي عصر نفسه منه الصدق - الذي ينتظره الهندوس إشارة إلى هذا الزمن

Page 96

بذرها ستنمو في نهاية المطاف تدريجا وليس دفعة واحدة، وتجذب القلوب إليها حتى تحيط بالعالم كدائرة.إن موعد ظهور التغير وتلك الساعة على وجه أكمل وأتم في علم الله فقط، كما ترون أن الدجالية أيضا لم تنتشر في العالم دفعة واحدة، بل قد نمت بذرتها رويدا رويدا وازدهرت، كذلك ستلتفت الدنيا تدريجا إلى الحق.يجب أن لا تظنوا - كالمتفرجين على الشعوذات- أن الدنيا ستنقلب رأسا على عقب دفعة واحدة فجأة، كلا بل سيحدث ذلك كما تنمو وتزدهر الحقول والأشجار.اعلموا أن المسيح الذي بشر المسلمون بمجيئه في الزمن الأخير أي صاحب البركات - قد ورد بحقه نفسه أنه سيقتل الدجال المعهود، إلا أن هذا القتل ليس بالسيف أو البندقية، بل المراد أن البدع الدجالية ستباد في ذلك الزمن.نلاحظ بالتأمل في الأحاديث أن الدجال في الحقيقة اسم الشيطان، ثم إن الفئة التي يوظفها الشيطان قد سُميت دجالا استعارة لأنها كأعضائه، وإن الله آية: الخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ أي أن صنائع أكبر بكثير من صنائع الناس؛ فهذه إشارة إلى أولئك الناس الذين ورد عنهم أنهم في الزمن الأخير سيبتكرون مخترعات عظيمة ويمدون أيديهم إلى أفعال الله وقد كتب المفسرون بأن المراد من "الناس" هنا هو الدجال، وهذا القول دليل على أن الدجال المعهود ليس شخصا واحدا، وإلا ما كان لتطلق عليه كلمة "ناس".وأي شك في أن كلمة "ناس" تُطلق على الجماعة غافر: ٥٨

Page 97

فقط، فالجماعة التي تخضع لوساوس الشيطان تُسمى باسم الدجال، وإلى ذلك يشير ترتيب القرآن الكريم حيث بدئ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ب الْعَالَمِينَ وختم الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ التي زمن ب والناس فالمراد من الناس هنا أيضا الدجال.فملخص هذه السورة أن استعيذوا بالله من فتنة الدجال، وقد سبقت هذه السورة سورة الإخلاص جاءت ردا على المبادئ المسيحية، وبعدها سورة الفلق التي تنبئ بحلول مظلم ومكر النساء، ثم أمرنا بالاستعاذة من جماعة تسير في ظل الشيطان.ويتبين جليا من هذا الترتيب أن هذه هي الفئة نفسها التي وصفت بالشيطان بتعبير آخر، وأشير بذكر هذه الجماعة في الأخير إلى أن هذه الفئة ستكون غالبة في الزمن الأخير، وهي التي ترافقها "النفاثات في العُقد"؛ أي النساء المسيحيات اللاتي سيتجولن في البيوت ويسعين للفصل بين الزوجين وفسخ النكاح، ويجب الانتباه جيدا إلى أن هذه السور الثلاث من القرآن الكريم تنبئ بزمن الدجال، وأمرنا أن نستعيذ بالله من هذا الزمن لنحفظ من شره، فهذا إشارة إلى أن تلك الشرور لن تزول إلا بالأنوار السماوية والبركات التي سيأتي بها المسيح السماوي.باختصار، مما يثير العجب الكبير أنه كما أن المسيح أي مقيم الدين بمحض القوة الروحانية وناشر اليقين والإيمان بمحض روح القدس- كان قد جاء في نهاية السلسلة الموسوية، كذلك وبعد مدة مماثلة قد جاء في نهاية سلسلة خلافة مثيل موسى.وقد ثبت أن سيدنا ومولانا محمدا المصطفى ﷺ

Page 98

هو مثيل موسى، لأن موسى بجى اليهود من أيدي فرعون، ولم ينجهم فقط بل إن الأمة اليهودية فازت بالسلطة والملك كنتيجة أخيرة للإيمان، كذلك قد جاء نبينا في زمن كان اليهود فيه يواجهون ذلة متناهية، وإنه كما فتح باب الحرية والنجاة على المؤمنين الآخرين وخلصهم من مظالم الكفار واعتداءاتهم ومكنهم أخيرا من الخلافة والملوكية والحكومة، فإنه أيضا قد من يسع جميع حاشية: لا أحدا الإنكار أن الأفغان من يوسف زئي وداود زئي ولودي وسرواني واورك زئي وسدو زئي وبارك زئي وغيرهم من بني إسرائيل في الحقيقة، وأن جدهم الأعلى قيس، فلما كان من المشهور في الأفغان أن بداية سلسلتهم من قبل الأم كانت من سارة بنت خالد بن الوليد، أي كان جدهم قيس قد تزوج سارة، فمن هذا المنطلق وبهذا المعنى اعتبروا آل خالد أيضا.على كل حال المشهور الأمرُ التاريخي باتفاق الأفغان على أن جدهم الأعلى "قيسا" كان من بني إسرائيل، فقد سلمت الأمم الثلاثة اليهود والنصارى والمسلمون بالاتفاق على أن نبوخذ نصر البابلي كان قد أسر بني إسرائيل قبل عيسى الا بسبعة قرون تقريبا وأوصلهم إلى بابل، وبعد هذه الحادثة، فإنه من بين الاثنتي عشرة قبيلة إسرائيلية، قبيلتان فقط هما "يهودا وبنيامين" قد عادتا إلى بلدهم، وبقيت عشرة منهم في الشرق.فلما كان اليهود إلى الآن لا يستطيعون أن يخبروا أين تلك القبائل و لم يراسلوهم و لم يحافظوا على علاقتهم بهم، فمن هذا الحادث يستنبط الاحتمال أن تلك القبائل أسلمت في نهاية المطاف.ثم عندما نترك هذه الحادثة هنا وتلقي النظرة على سوانح الأفغان أنهم ظلوا يسمعون من أجدادهم أنهم في الحقيقة من بني إسرائيل، كما ورد تفصيل ذلك في كتاب المخزن الأفغاني، فلا يبقى أي شك أو شبهة في أن هؤلاء هم من القبائل العشر التي يقال عنها أنه لا يوجد لها أي أثر في الشرق.ومن هؤلاء الإسرائيليين أهل كشمير أيضا الذين يشبهون الأفغان جدا في الزي والملامح.وقد أثبت "برنير" في تاريخه عن طريق إنجليز آخرين كثر- أنهم

Page 99

إسرائيليون من الهند أصلا.'.ومن غير المناسب تماما عند مناقشة أمر يسلّم به شعب كابرا عن كابر بخصوص عائلتهم ونسبهم أن نردّ مسلّماتهم بناء على بعض الأفكار السخيفة.وإذا فعلنا ذلك فأعتقد أن أي شعب في العالم لن يقدر على إثبات صحة الانتماء إلى شعب.فعلينا أن نعدّ اتفاق الآلاف ومئات الآلاف من أفراد شعب معين على أمر معين دليلا من الطراز الأول.ثم لما كان جميع الأفغان وكابول وقندهار وغيرها من المناطق الحدودية يُظهرون أنفسهم من بني إسرائيل، فمن الغباء المحض أن ننكر مسلّماتهم القديمة دون مبرر.ومما يكفي إثباتا ويطمئن لكونه وضعًا مستقيما في البحث عن أصول الأقوام وفحصها هو التسليم بالواقعات المشهورة المتعلقة بتلك العائلة أو القوم.ولا يمكن توفير إثباتات أكثر ذلك لأنه من بعد تكاثر النسل وانتشار النطفة لا يمكن أن يتفق القوم كلهم على قول واحد.وإن لم يكن هذا الإثبات جديرا بالثقة فجميع الأقوام الإسلامية الموجودة في هذا الذي الزمن مثل السيد والقريشي والمغول وغيرهم لن يبقى لهم أي إثبات، وإنما سيبقى ادعاؤهم باللسان المحض.لكنه سيكون من خطأنا الفادح أن نهمل هذه الأخبار المشهورة المتواترة التي يملكها كل شعب عن صحة انتمائه كأمر تاريخي، غير أنه من الممكن أن يُبالغ أي شعب في بيان نسبه أكثر من اللازم.لكن لا يجدر بنا أن نرفض الأمر الحقيقي أيضا بسبب المبالغات أو الأمور العبثية غير المترابطة، بل من المناسب أن تُترك الزوائد التي تبدو في الحقيقة سخيفة ويؤخذ الأمر الحقيقي يتفق عليه الشعب.فبهذا الطريق لا بد لكل باحث أن يُسلم بأن الشعب الأفغاني هو في الحقيقة من بني إسرائيل حتما.فعلى كل واحد أن يتأمل واضعا في الحسبان نفسه وقومه: بأنه إذا نهض شخص آخر وأخرجه من الشعب الذي يعد نفسه فردا منه بناء على بعض الأمور الافتراضية، ولم يسلم بأنه من ذلك القوم في الحقيقة، وأهمل إثباتاته التي تحققت عن بيان الأجيال المتتالية و لم يبال أي مبالاة بإجماع جمع عظيم، فكم سيعتبر هذا الرجل فتّانا.فمن غير المناسب كما يقول المثل الفارسي بأن على الإنسان ألا يحب لغيره ما لا يحبه لنفسه أن يطعن المرء بغير حق في

Page 100

لكننا يصح تحديد انتماء قوم قد تم عليه الاتفاق القومي.فما الذي يسوغ لنا وأي دليل نملكه على أن نرد باللسان عبثا مسلّمات قوم أو أمورا متفقا عليها.فحين اعتبر الأمر – بالإجماع المنقولي- صحيحا فلا يبقى مجال للقياس بعد ذلك.كما يجدر بالتذكر أيضا أن أفراد بعض الشعوب يُبينون بعض الأمور عن شعوبهم عبثا وفخرا، لكن المحققين لا يهملون الحقائق نظرا إلى الأمور العبثية، بل يعملون بحسب "خذ ما صفا ودع ما كدر.فمثلا قد ورد في سوانح "غوتم بوذا أيضا أنه ولد عن طريق الفم، حين نريد أن نكتب سوانح بوذا فلا ينبغي لنا أن ننكر وجود بوذا أصلا بناء على رواية ولادته عن طريق الفم.إن أمر كتابة التاريخ حساس جدا، فلا يمكن أن يتمسك المرء فيه بجادة الاستقامة إلا باجتناب الإفراط والتفريط كليهما.فلا الاعتراض أيضا "أن الأفغان إذا كانوا عبرانيي الأصل فلماذا لا توجد في أسمائهم أسماء عبرانية، وأنه لماذا يختلف نسبهم الذي يقدمونه عمّا سُجل في بعض مواضع التوراة"؟ فكل هذه الأمور قياسية، وليس من شأنها محو التاريخ القومي والتواتر.انظروا إن نبينا لم يسلم بصحة شجرة نسب قريش التي يوصلونها إلى سيدنا إسماعيل ووصفها ما عدا بضعة أجيال- أنها كذب الكاذبين.لكن ذلك لا يستلزم أن قريشا ليسوا من بني إسماعيل، فلما كانت قريش التي كانت ماهرة في علم الأنساب- لم تستطع حفظ النسب بتسلسل الأجيال، فقوم الأفغان هؤلاء الذين كان أكثرهم يعيشون حياة الغفلة، إذا كانوا هم أخطأوا في بيان تفاصيل سلسلة أو أضافوا إليها شيئا من الكذب فلا يتأثر بذلك المقصود الأصلي، ثم متى كانت التوراة محفوظة حتى اليوم حتى تعتبر بمنزلة النص القطعي.الآن عرفنا أن هناك فرقا كبيرا بين نُسخ اليهود والنصارى باختصار؛ هذا الاعتراض ليس في محله، كما ليس صحيحا أن أسماء الأفغان ليست على طراز الأسماء العبرية، فقولوا لي: هل الأسماء يوسف زئي وداود زئي وسليمان زئي عبرانية الأصل أم غيره؟ إلا أنهم حين جاءوا إلى بلاد أخرى انتقلت صبغة تلك البلاد إلى أسمائهم أيضا، انظروا أيضا إن أسماء السادات التي توجد في بلادنا مثل تشنن شاه، وغمهن شاه، ونتهو نسبهم

Page 101

شاه، ومتو شاه وغيرها من الأسماء.أفلا تعتبرونهم من السادات؟ فهل هذه الأسماء عربية؟ باختصار؛ إن هذه اعتراضات سخيفة، وأفكار مخجلة جدا، لماذا ننكر متواترات القوم، فأي طريقة في أيدينا لمعرفة الحقيقة أفضل وأروع من أن القوم الذين نريد أن نكتشف أصلهم مجمعون على أمر معين.أضف إلى ذلك قرائن أخرى أن هؤلاء الناس في الحقيقة إسرائيليون، فمثلا "جبل سليمان" الذي كان أول مسكن للأفغان هو نفسه يكشف أن هذا الجبل سمي بهذا تخليدا لذكرى إسرائيلية.الاسم بالإضافة إلى ذلك هناك قرينة أخرى كبيرة وهي قلعة خيبر التي بناها الأفغان، فما من شك في أن هذا الاسم أيضا قد أعطي لهذه القلعة تخليدا لذكرى خيبر العربية، حيث كان اليهود يقيمون.والقرينة الثالثة أن هي ملامح الأفغان أيضا تشبه ملامح بني إسرائيل كثيرا، فإذا أُقيمت جماعة من اليهود مع الأفغان فإنني على يقين بأن وجوههم وأنوفهم الشماء والأفواه البيضوية ستكون متشابهة جدا، حتى يقول القلب بأنهم من عائلة واحدة.والقرينة الرابعة هي ملابس الأفغان أيضا؛ فالقمصان الطويلة للأفغان والجبب هي على الطراز الإسرائيلي نفسه المذكور في الإنجيل.والقرينة الخامسة فمثلا هم هي طقوسهم وتقاليدهم التي تشبه طقوس وتقاليد اليهود كثيرا؛ لا يفرقون بين الخطبة وعقد القران كثيرا، بحيث تزور الخطيبة خاطبها دون أي تكلف وتتحدث معه، فلقاء السيدة مريم وتجوالها مع خاطبها يوسف قبل عقد القران خير شاهد على هذه العادة الإسرائيلية، بينما في بعض القبائل الأفغان على الحدود قد بولغ بهذه المماثلة كثيرا في عادة زيارة الخطيبات لخاطبيهن لدرجة يحدث الحمل قبل عقد القران أحيانا ولا يُنظر إلى ذلك بكراهية، بل يصرفون الأمر في الضحك فقط، لأن هؤلاء يعتبرون كاليهود الخطبة نوعا من القرآن، حيث يتحدد عندها المهر أيضا.

Page 102

6 الخطأ والقرينة السادسة على كون الأفغان من بني إسرائيل أن بيان الأفغان بأن جدهم الأكبر هو قيس يؤيد كونهم من بني إسرائيل، لأنه قد ورد ذكر قيس في "الإصحاح ٩، العدد ٣٩ من سفر أخبار الأيام الأول في الكتب المقدسة لليهود، وكان من بني إسرائيل.ومن هنا نستنتج أنه إما أن يكون قيس آخر قد أسلم من نسل ذلك القيس، أو لهذا المسلم قد يكون اسم آخر ويكون من نسل قيس الإسرائيلي.ثم بسبب في الذاكرة اعتبر اسمه أيضا قيسا.وباختصار؛ إن نطق قوم ليس لهم أي اطلاع على كتب اليهود وعديمي الخبر باسم قيس وكانوا أميين يفهم منه بالتأكيد أنهم سمعوا اسم قيس هذا من آبائهم أنه جدهم الأكبر: "وَنَيْرُ وَلَدَ قَيْسَ، وَقَيْسُ وَلَدَ شَاوُلَ، وَشَاوُلُ وَلَدَ : يَهُونَاثَانَ" (أَخْبَارِ الأَيَّامِ الأَوَّلُ : (٣٩) والقرينة السابعة هي الحالات الأخلاقية؛ فكما أن كون الأفغان الحدوديين سريعي الغضب ومتقلبي المزاج ومُغرضين وبغيهم واعوجاجهم وزيعهم وسوء سيرتهم وأهواء النفس الأخرى والأفكار الدموية والجهل وعدم الوعي بين واضح.وكل هذه الصفات وردت في التوراة والأسفار الأخرى للشعب الإسرائيلي.وإذا فتحتم القرآن الكريم وقرأتم صفات بني إسرائيل وعاداتهم وأخلاقهم وأفعالهم من سورة البقرة إلى سورة الإسراء فسوف تشعرون كأنه يجري ذكر الحالات الأخلاقية للأفغان المقيمين على الحدود، وهذا الرأي صحيح لدرجة أن معظم الإنجليز أبدوا هذا الرأي.وحين كتب "برنير" أن مسلمي كشمير أيضا في الحقيقة من بني إسرائيل، فقد ذكر بعض الإنجليز أيضا وعدوا جميع هؤلاء من الفرق العشر التي ضاعت في الشرق واكتشف في العصر الراهن أنهم في الحقيقة كانوا قد أسلموا كلهم.فإذا كانت هذه القرائن الكثيرة موجودة على كون الأفغان من بني إسرائيل وهم أنفسهم قد سمعوا تناقلا عن آبائهم أنهم شعب إسرائيلي وهذه الأمور مشهورة في قومهم، فسيكون من الإجحاف الشديد أن ننكر بياناتهم لمجرد التعنت فقط.يجب التأمل قليلا ما هو الدليل عندنا للإنكار مقابل هذه الدلائل كلها من المسائل القانونية أن كل وثيقة إذا كان عمرها أكثر من أربعين سنة تُعتبر إثباتا لنفسها، ثم إذا كان الأفغان أيضا يذكرون-

Page 103

197 هو مثل الشعوب الأخرى أصلهم من مئات السنين أنهم من بني إسرائيل، فلماذا نخاصم نحن، ولماذا لا نقبل ذلك.ومعلوم أن هذا الرأي ليس لواحد أو اثنين فقط بل رأي الشعب كله الذي يجمع مئات الألوف من الناس، وهم يشهدون على ذلك على مر الأجيال.والآن حين ثبت أن الأفغان كلهم من بني إسرائيل في الحقيقة، فبقي إظهار أمر آخر أن وهو نبوءة التوراة في التثنية ١٨: ١٥-١٩، قد تحققت بوجود السلطنة الأفغانية بكمال الوضوح.هذه النبوءة بحق نبينا وملخصها أن الله قد قدَّر أن يأتي في العالم نبي آخر كموسى، أي في زمن سيواجه بنو إسرائيل أنواع الذلة والآلام من جديد كما كانوا في زمن فرعون، وسوف يخلّص ذلك النبي المؤمنين به من الأحزان والآفات.وكما لم ينج بنو إسرائيل بعد الإيمان بموسى من الأحزان فحسب، بل قد صاروا ملوكا أيضا، كذلك ستكون عاقبة بني إسرائيل الذين سيؤمنون بذلك النبي أن ينالوا الملوكية ،أخيرا، وسيحكمون البلاد.ولقد أراد النصارى تطبيق هذه النبوءة على المسيح الله وفشلوا في ذلك، لأنهم لم يستطيعوا إثبات شيء من المماثلة.أما اعتقادهم بأن يسوع خلص من الذنوب فأحلام خيالية.فهل يعيش أهل أوروبا الذين تنصروا - حياة الموحدين المشمئزين من كل أنواع السيئة والزنا والفاحشة وشرب الخمر؟ نحن لم نزر ،أوروبا، وإن الذين زاروها ينبغي أن يُسألوا ما الأوضاع في أوروبا، فقد سمعنا أنه إضافة إلى منكرات أخرى فإن عادة شرب * هي حاشية على هذه الحاشية: نحن نقبل أن عيسى ال قام بإصلاح بعض القوم قدر الإمكان مثل سائر الأنبياء، لكن الإصلاح لا يخصه وحده، إذ يأتي جميع الأنبياء للإصلاح فحسب لا للفساد.أما اعتباره وحده سبب المغفرة والادعاء بأن مغفرة جميع أنواع الذنوب المتعلقة بأداء الحقوق - سواء كانت لله أو العباد- منوطة به فقط فهو ادعاء سخيف وباطل تماما لكونه عديم الثبوت بالإضافة إلى كونه مناقضا لقانون الطبيعة أيضا.منه

Page 104

خط مستقيم بعض الخمور على أوجها في مدينة لندن وحدها لدرجة لو صُفّت محلات بيع الخمور في لكان طوله سبعين ميلا تقريبا والآن يجب أن يُلاحظ أن التخلص من الذنوب أولا أمر يخفى عن العيون، فمن ذا الذي يطلع على أوضاع أحد الداخلية وأفكاره غيرُ الله؟ ثم إن ما يصدر من أوروبا التي تُشكل للنصارى نموذجا جليا لحياة مسيحية لغني عن البيان.لا نستطيع أن نقبل الحياة البريئة لأي قوم إلا الذي أفراده يحظون بأمارات الحياة البريئة، ويتمتعون ببركات الصادقين، وهؤلاء القوم إنما هم المسلمون الذين أنوار صدقهم لن تقلّ في أي زمن، وإلا فإن مجرد الادعاء لا يغني عن الدليل.ثم إن الادعاء بأن المنجي من الذنوب كان مقدرا أن يأتي في أي زمن آخر غير معقول، لأنه إذا كان إرسال مثل هذا المنجي مقصودا لاقتضت حاجته في زمن موسى، ذلك لأن بني إسرائيل كانوا متورطين في أنواع الذنوب لدرجة أن كانوا محتاجين للعفو عن الذنب بعد عبادتهم الأوثان.فكم من غير المعقول أن تكون الذنوب بكثرة في ذلك العصر حتى عبد العجل، ويأتي المنجي من الذنوب بعد أربعة عشر قرنا، حيث يكون مئات الملايين من البشر قد دخلوا جهنم بسبب الذنوب نفسها، فمن يمكن أن يقبل هذه الفكرة السخيفة الواهية؟ ومقابله كم من الجلي القولُ بأن المراد من المنقذ ذلك المنجي هو من الآفات، وهو قد جاء في الحقيقة في زمن كانت الآفات قد أحاطت باليهود من كل طرف وصوب، إذ كان ملوك الشعوب الأخرى قد سبوهم مرات كثيرة، واستعبدوا مرات عدة، وهدم هيكلهم مرتين فبحسب المعنى الذي بيناه يثبت الزمن أن المنجي من البلايا كان ينبغي أن يأتي في زمن جاء فيه نبينا ، لكن ما الذي يُثبت أن زمن "هيرودس" الذي ولد فيه يسوع كان جديرا بأن يُبعث فيه المنقذ من الذنوب لكي يخلّص من الذنوب باختصار؛ إن فكرة كون المنجى الروحاني قد اختلقت فيما بعد بمحض التكلف والتصنع باطلة.فالحالة التي من أجلها يبكي اليهود إلى أن يتولد منجٌ يحررهم من الحكومات الأخرى، فلم يحلم أي يهودي الآن إنما هي

Page 105

بجلاء أن بأن المخلص الروحاني سيأتي كما لم تقصد ذلك التوراة أيضا، فالتوراة تُصرّح بني إسرائيل في الأيام الأخيرة سيتعرضون للمصائب مرة أخرى وسوف يزول حكمهم وحريتهم وإن الله سيعيد ذلك الحكم والحرية عن طريق نبي.فهذه النبوءة قد تحققت ببعثة نبينا بمنتهى الوضوح والجلاء، لأن اليهود حين آمنوا بالنبي ﷺ فقد فازوا في الزمن نفسه بالحكم والإمارة ،والحرية، ثم بعده بأيام ملكوا الأرض ببر ركة اعتناق الإسلام فحصلت لهم الشوكة والحكومة والإمارة والملك التي لم تتحقق لهم حتى بواسطة موسى، فقد ثبت من التاريخ أن ازدهار الأفغان – الذين هم بنو إسرائيل- بدأ من زمن شهاب الدين غوري"، وحين جلس "بهلول لودهي" الأفغان على عرش الحكومة، تأسست حكومة الأفغان وإمارتهم في الهند بشكل عام.وهذا الملك الأفغاني أي بهلول - كان حريصا جدا على أن ينشر حكم الأفغان وإمارتهم في الهند ويجعلهم أصحاب العقارات والأملاك، لذلك قد جند في حكومته الأفغان أفواجا، وأعطاهم مناصب مرموقة ومنحهم أملاكا كثيرة، وما دام الحكم في عائلة بهلول وشير شاه الأفغاني السوري، ظل الأفغان يتقدمون جدا عددا وحكما وقدرة حتى وصلوا ذروة الإمارة والحكومة، وعند ذكر سلطنة الأفغان وتقدمهم وازدهارهم وحكومتهم يجب إلقاء النظرة على ازدهار "أحمد شاه الأبدالي سدو زئي" أيضا، الذي كان من بين الأفغان ملكا عظيما.ثم "تيمور شاه سدو زئي" و "شاه "زمان" و "شجاع "الملك" و"شاه محمود" والأمير "دوست محمد خان" والأمير "شير علي خان"، وإن والي كابول الحالي أيضا أفغاني - أعني الأمير عبد الرحمن- وهو يُسمى ملك هذا البلد.من كل هذه الأحداث يثبت أن وعد الحرية والشوكة والسلطنة الذي قطع مع بني إسرائيل من جديد قد تحقق نتيجة اعتناقهم الإسلام أخيرا، ومن هنا ينشأ الدليل القوي على صدق التوراة أنه كيف تحققت أخيرا جميع وعود التوراة بقوة وشأن.كما ثبت منه أيضا أن النبي الذي عُدَّ المخلّص عند تعرض بني إسرائيل للمصائب مرة أخرى هو سيدنا محمد المصطفى ، والجدير بالذكر أنه كما توفي موسى العليا

Page 106

۰۹۲۰ فتح باب الحرية والخلاص لليهود، ومكنهم من الحكومة والإمارة، حتى صاروا بعد بضعة قرون ملوك العالم؛ لأن الشعب الأفغاني الذي يحكم أفغانستان إلى اليوم هم اليهود في الحقيقة.وقد أثبت "برنير" المحترم في كتابه الأحداث "العالمية أن أهل كشمير كلهم أيضا في الحقيقة يهود، وقد مضى فيهم ملك أيضا، وإن مملكة الأفغان تستمر منذ قرون متتالية.والآن لما كان قد ورد في كتب اليهود المقدسة بمنتهى الوضوح أنه سيُبعث إليهم مخلص مثيل موسى أي سيأتي في زمن يكون فيه اليهود في ذلة وألم كبيرين كزمن فرعون وأنهم بالإيمان بذلك المخلص سينجون من جميع والهوان؛ فليس ثمة شك في أن مصداق هذه النبوءة التي كان اليهود ينتظرون تحققها في كل زمن هو سيدنا ومولانا محمد المصطفى الذي بواسطته قد تحققت نبوءة التوراة بكمال الوضوح، لأنه حين آمن به اليهود كان فيهم كبار الملوك، وهذا برهان ساطع على أن الله غفر لهم الذنوب نتيجة اعتناقهم الإسلام ورحمهم كما كان قد وعد بحقهم في التوراة.الآلام ثم نقول عودا إلى كلامنا السابق أنه ليس هنالك مجرد نبوءة واحدة بحق المسيح الموعود في القرآن الكريم، وهي التي سجلناها من قبل، بل هناك نبوءة أخرى تتنبأ بالمسيح القادم بمنتهى الجلاء وهي: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي تاركا بني إسرائيل في الطريق وفاز بنو إسرائيل بالسلطنة ،بعده، كذلك حيثما اعتنق بنو إسرائيل الإسلام بعد وفاة نبينا لا حظوا بالحكومة والإمارة حتى أصبحوا ملوك كبرى مناطق العالم أخيرا.منه

Page 107

۹۳ الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.كثيرا عن الله إن مغزى هذه الآية أن الله هو الذي أرسل رسولا في زمن كان الناس فيه قد صاروا عديمي الحظ من العلم والحكمة كذلك العلوم الحكمية الدينية التي تكتمل بها النفس وتصل النفوس الإنسانية كمالها في العلم والعمل كانت قد اختفت نهائيا، وكان الناس ضالين، أي كانوا قد ابتعدوا وصراطه المستقيم، ففي هذا الزمن أرسل الله رسوله الأمي فزكي ذلك الرسولُ نفوسهم وملأهم بعلم الكتاب والحكمة، أي أوصلهم إلى مرتبة اليقين الكامل بالآيات والمعجزات ونور قلوبهم بنور المعرفة الإلهية.ثم قال: ستظهر في الزمن الأخير فئة أخرى، وسيكونون هم أيضا في الظلام والضلال بادئ الأمر وبعيدين عن العلم والحكمة واليقين وسوف يصبغهم الله بصبغة الصحابة؛ أي سيُرَونَ كل ما رأى الصحابة، حتى يكون صدقهم ويقينهم كصدق الصحابة ويقينهم.وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ كان قد قال واضعا يده على كتف سلمان الفارسي - عند تفسير هذه الآية لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجل من فارس"..أي إذا ارتفع الإيمان إلى السماء فسوف يُعيده رجل فارسي الجمعة: ٣-٤

Page 108

هجوم الأصل، ففي ذلك أشار إلى أنه ذلك أشار إلى أنه سيولد في الزمن الأخير شخص فارسي الأصل.فالزمن الذي ورد بحقه أن القرآن سوف يُرفع فيه إلى السماء، هو زمن المسيح الموعود، وهذا الفارسي الأصل هو الذي يُسمى مسيحا موعودا، لأن الهجمة الصليبية التي ينبغي أن يأتي المسيح الموعود لمنعها، هي على الإيمان وكل هذه الآثار وردت بحق الهجمة الصليبية.وقد ورد أن تلك الهجمة ستؤثر سلبيا في إيمان الناس كثيرا، وهذه الهجمة نفسها تسمى الدجال.وقد ورد في الآثار أنه عند هجوم ذلك الدجال سيترك الكثيرون من السفهاء الله الذي لا شريك له.وسيفتر حب الكثيرين للإيمان، وستكون المهمة العظيمة للمسيح الموعود تجديد الإيمان لأن الهجوم هو على الإيمان وثابت من حديث "لو كان الإيمان..." المتعلق برجل من فارس، أن ذلك الرجل الفارسي سيأتي لإقامة الإيمان من جديد، فإذا كان زمن المسيح الموعود والرجل فارسي الأصل واحدًا ومهمتهما واحدة، أي استعادة الإيمان، فقد ثبت يقينا أن المسيح الموعود هو نفسه الرجلُ الفارسي، وجماعته مصداق آية: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ.ومعنى هذه الآية أن الفائزين بالهداية والحكمة - بعد الضلال الكامل- ومشاهدي الله معجزات النبي ﷺ وبركاته فئتان فقط.أولاهما صحابة النبي ﷺ رضي عنهم، الذين كانوا قبل بعثة النبي ﷺ في ظلام دامس، وبعده حظوا بزمن النبي ﷺ بفضل من الله وشاهدوا المعجزات بأم أعينهم ولاحظوا النبوءات، وأحدث اليقين في نفوسهم تغييرا كأنهم بقوا أرواحا فقط.أما الفئة الثانية

Page 109

907 المثيلة للصحابة بحسب الآية المذكورة آنفا فهي جماعة المسيح الموعود، لأن هذه الجماعة أيضا ستتمكن من مشاهدة معجزات النبي كالصحابة، وتحظى بالهداية بعد الظلام والضلال.فحين متعت هذه الجماعة بثروة "منهم" في آية وَآخَرِينَ مِنْهُمْ أي وهبت لهم نعمة مماثلة الصحابة، ففي ذلك إشارة إلى تلك المماثلة؛ أي كما رأى الصحابة له معجزات النبي وشاهدوا تحقق النبوءات سيرونها هم أيضا.وأما الزمن الوسطي فلن يفوز بهذه النعمة على وجه الكمال، فهذا ما حدث في هذه الأيام؛ حيث انفتح باب معجزات النبي ﷺ مرة أخرى بعد مضي ثلاثة عشر قرنا، وشاهد الناس بأم أعينهم حدوث الخسوف والكسوف في رمضان تحقيقا لحديث "الدارقطني" وفتاوى ابن حجر.أي قد انخسف القمر والشمس في رمضان، وكما كان قد ورد في الحديث قد انخسف القمر في أولى ليالي الخسوف بينما انكسفت الشمس في وسط أيام كسوفها، وذلك في زمن وُجد فيه من يُعلن بأنه المهدي.وهذا الوضع لم يظهر قط منذ خلق السماوات والأرض، لأنه إلى الآن لم يقدر أحد على الإتيان بنظيره من التاريخ.فكانت معجزة النبي الا الله و ورآها الناس بأم أعينهم.ثم طلع المذنب ذو السنين أيضا الذي ورد أنه سيطلع في زمن المهدي والمسيح الموعود، وقد رأى الآلاف من الناس ،طلوعه كما شاهد مئات الألوف من الناس نشوب النار في جاوا، وكذلك قد شاهد الجميع بأم أعينهم تفشي الطاعون والمنع من الحج.كما كان الصحابة والله رأوا الآيات فإن صُنع القطار وتعطل العشار

Page 110

مثل ذلك لمن معجزات النبي و التي شوهدت في هذا الزمن.ولهذا السبب قد نادى الله هذه الجماعة الأخيرة بكلمة (مِنْهُمْ لكي يُشير إلى أنهم أمثال الصحابة في معاينة المعجزات.تدبروا بإمعان من الذي غيري فاز بزمن منهاج النبوة خلال ثلاثة عشر قرنا؟ إن جماعتنا التي خلقت في هذا الزمن تشابه جماعة الصحابة له من نواح عديدة.فهم يرون المعجزات والآيات كما رآها الصحابة، هم يكسبون النور واليقين نتيجة رؤيتهم آيات الله المتجددة وتأييده المتكرر، كما تمتع به الصحابة.هم يتحملون في سبيل الله صدمة استهزاء الناس وضحكهم ولعنهم وطعنهم وأنواع الإيذاء، والبذاءة وقطع الرحم كما تحمَّل الصحابة ، فهم يتمتعون بالحياة الطاهرة نتيجة ظهور آيات الله البينات والتأييدات السماوية وتعليم الحكمة كما تمتع بها الصحابة.كثيرون منهم يبكون في الصلاة ويبلون مساجدهم بالدموع، كما كان الصحابة والله يبكون.كثيرون منهم يرون رؤى صادقة ويتشرفون بالإلهام الإلهى كما كان الصحابة يتشرفون به، وكثيرون منهم ينفقون أموالهم التي كسبوها بالجهد على جماعتنا ابتغاء مرضاة الله فقط كما كان الصحابة ينفقون.ستجدون فيهم كثيرين يذكرون الموت وهم لينو القلوب ويسلكون مسالك التقوى الحقة، كما كانت سيرة الصحابة ، فهي جماعة الله وهو الذي يتكفّلهم ويطهر قلوبهم يوما بعد يوم ويملأ صدورهم بحكم الإيمان ويجذبهم إليه بآيات سماوية كما كان يجذب الصحابة باختصار، تتصف هذه الجماعة بجميع

Page 111

الصفات التي تستنبط من القول وَآخَرِينَ مِنْهُمْ، وكان يجب أن يتحقق يوما ما قول الله الله.وفي آية (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ أُشير أيضا إلى أنه كما تشابه جماعة المسيح هو الموعود هذه جماعة الصحابة لله كذلك فإن الذي يؤمّ هذه الجماعة الآخر يماثل النبي ظليا.كما قد بين النبي نفسه في وصف المهدي الموعود أنه سيماثله ، وتجتمع في نفسه مماثلتان: إحداهما للمسيح الليلة.فنظرا إلى ذلك يُدعى المسيح.والثانية للنبي ، ونظرا إلى ذلك يُدعى المهدي.وإشارة إلى ذلك قد ورد أن جزءا من جسمه سيكون على هيئة إسرائيلية، والجزء الثاني على هيئة عربية وكان المسيح قد بعث في زمن كانت الملة الموسوية تعيش فيه وضعا خطيرا بسبب هجمات الفلاسفة اليونانيين إذ كانوا يُهاجمون تعليم التوراة وأنباءها ومعجزاتها بشدة، وكان الله أيضا قد عُدَّ بحسب أفكار أهل اليونان كأنه مختلط في المخلوق وجود وليس مدبّرا بالإرادة، كما كانوا يسخرون بسلسلة النبوة؛ لهذا أراد الله الله من بعثة عيسى الذي جاء بعد موسى بأربعة عشر قرنا أن يُقيم شهادة على صحة النبوة الموسوية وصدق تلك السلسلة من جديد، ويرمم البناية الموسوية بتأييدات جديدة والأشهاد السماويين.وكذلك كان الهدف من بعثة المسيح الموعود الذي بعث لهذه الأمة على رأس القرن الرابع عشر أن يردّ أنواع الهجمات التي شنتها الفلسفة والدجالية الأوروبيتان على الإسلام، وكفرهم برسالة النبي ﷺ ونبوءاته ومعجزاته واعتراضهم على تعليم القرآن الكريم،

Page 112

و استهزائهم ببركات الإسلام وأنواره أشدَّ استهزاء ، وأن يجعل النبوة المحمدية على صاحبها ألف ألف سلام- تشرق من جديد على طلاب الحق بتصديقه وتأييده لها.وهذا هو السر في نزول وحي قبل سبعة عشر عاما و سُجل في الصفحة ٥٢٢ من كتاب "البراهين الأحمدية" في هذا الخصوص ونشر في مئات الألوف من الناس وهو: "بخرام کہ وقت تو نزدیک رسید و پائے محمد یاں بر منار بلند تر محکم افتاد.پاک محمد مصطفے نبیوں کا سردار.خدا تیرے سب کام درست کر دے گا اور تیری ساری مرادیں تجھے دے گا.رب الا فواج اس طرف توجہ کرے گا.اِس نشان کا مدعا یہ ہے کہ قرآن شریف خدا کی کتاب اور میرے منہ کی باتیں ہیں " انظروا كتاب البراهين الأحمدية، الصفحة ٥٢٢.تدبروا جيدا ما هي الغاية المنشودة من آياتي؟ ولقد بينت قبل قليل أن لهذا الهدف كان قد بعث عيسى ال لكي يُصدِّق بآيات جديدة التوراة التي كذبت، وللهدف نفسه قد أرسلني الله لأثبت للغافلين صدق القرآن الكريم من خلال آيات جديدة، وإلى ذلك أشار الوحي الإلهي "أن قدم المحمديين وقَعَتْ على المنارة العليا" والإشارة نفسها تكمن في الإلهام الآخر الوارد في البراهين الأحمدية "الرحمن علم القرآن لتنذر قومًا ما أُنذر آباؤهم، ولتستبين سبيل المجرمين.أي ترجمة من كتاب الاستفتاء: تَبختر فإن وقتك قد أتى، وإن قدم المحمديين وَقَعَتْ على المنارة العليا.إن محمدا سيد الأنبياء، مطهر مصطفى.إن الله يصلح كل أمرك، ويعطيك كل مراداتك.ربُّ الأفواج يتوجه إليك كذلك يُري الآيات ليُثبت أن القرآن كتاب الله وكلمات خرجت من فوهي.

Page 113

۰۹۹۰ قُلْ إني أُمرت وأنا أوّل المؤمنين".وإن قال أحد إن عيسى حين بعث لتصديق التوراة كان نبيا فما قيمة شهادتك مقابله ؟ إذ يجب أن يكون هنا للتصديق الجديد.فجواب ذلك أنه قد سُدَّ باب النبوة التي تقيم أيضا ني سلطتها، إذ يقول الله تعالى ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ'، كما قد ورد في الحديث "لا نبي بعدي، ومع ذلك قد ثبتت وفاة المسيح اللي قطعا من النصوص القطعية، فالأمل في عودته إلى هذا العالم ثانية غاية لا تدرك.ولو جاء نبي آخر قديما كان أو جديدا- فكيف يمكن أن يبقى نبينا خاتم النبيين؟ إلا أن باب وحي الولاية والمكالمات الإلهية لم يوصد، فلما كانت الغاية المنشودة تصديق دين الحق بآيات جديدة وإصدار الشهادة على الدين الصادق، فإن الآيات الإلهية على درجة واحدة سواء ظهرت على يد نبي أو ولي، لأن مظهرها واحد فمن الجهل المحض والحمق الاعتقاد بأن التأييد السماوي الذي يُظهره الله على يد نبي وبواسطة نبي يكون أكثر قوة وشوكة التأييد الذي يتحقق على يد ولي.بل الحقيقة أن بعض الآيات تظهر لتأييد الإسلام في زمن لا يكون فيه أي نبي ولا ولي، مثل آية القضاء على أصحاب الفيل.ومن المسلَّم به أن كرامة الولي تُعدّ معجزةً للنبي المتبوع.إذن فما دامت الكرامة أيضا معجزة فالتفريق بين المعجزات لا يليق بالمؤمنين.وبالإضافة إلى ذلك قد ثبت من الحديث الصحيح أن المحدث أيضا يندرج في قائمة المرسلين من الله كالأنبياء والرسل.فاقرأوا في البخاري بتدبر قراءة: من الأحزاب: ٤١

Page 114

هذا وما أرسلنا من رسول ولا نبي ولا محدَّث".وقد جاء في حديث آخر "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" وقد سجل الصوفية في مكاشفاتهم تصحيح هذا الحديث من رسول الله ، ولا يغيين عن البال أنه قد وردت بحق المسيح الموعود في صحيح مسلم كلمة "النبي"، وذلك مجازا واستعارة.ولهذا السبب قد جاءت مثل هذه الكلمات بحقي في البراهين الأحمدية، فاقرأوا في الصفحة ٤٩٨ إلهام هو الذي أرسل رسوله بالهدى" فالمراد من رسول هنا هذا العبد الضعيف.ثم في الصفحة ٥٠٤ من البراهين الأحمدية ورد إلهام "جري الله في حلل الأنبياء" ومعناه "رسول الله في حلل الأنبياء" ففي الإلهام سميتُ رسولا ونبيا أيضا.فعدُّ الإنسان الذي سماه الله نفسه بهذه الأسماء رجلا من العامة لتجاسر شنيع ولا يمكن أن تكون شهادات آيات الله ضعيفة بحال من الأحوال، سواء أظهرت عن طريق نبي أو محدث، فالحقيقة أن نبوة نبينا الله وفيضه هو نفسه يخلق مظهرا له ليشهد له، أما الولي فيكتسب الاسم مجانا.فالحق أن الولي المصدق يتزين بجماله ولا يصح العكس.ولله در القائل: إن جميع الجميلين في العالم كله يتحملون بالحلي، أما أنت يا صاحب الجسم الفضي فبك تتزين الحلى.لقد سبق أن بينا أن علامات ظهور المسيح الموعود التي كانت ستتحقق قد تحققت؛ فكانت قد وردت في صحيح البخاري علامة عظيمة هي ترجمة بيت فارسي.( المترجم) أنه

Page 115

11.17 سيظهر في زمن غلبة الصليب فحديث يكسر الصليب" يبرهن صراحة على هذا الأمر، فأي عاقل يمكن أن يعترض على أن انتشار العقائد الصليبية قد بلغ الكمال ؟! وإن عبارة يكسر "الصليب" جديرة بالثقة الكاملة إذ خرجت من فم النبي الله وكلما تدبرنا في هذه العبارة تمكنا من العثور على ليس هناك أدنى شك في أن هذه النبوءة تنبئ بمنتهى أن ، إثبات مضيء الصراحة أن المسيح القادم كان سيأتي في زمن غلبة النصارى.فعلى طالب الحق أن يتقبل الأمر المقضي في أن ظهور المسيح الموعود مرتبط بزمن غلبة المسيحية، وما من شك في أن هذه العلامة قد ظهرت.لقد هاجم القساوسة ونُشرت عشرات الملايين من الكتب التي انخدع بها السفهاء والغافلون وعديمو الخبرة وتكاثر الارتداد الهائل وصدور الإساءة الشنيعة إلى سيدنا إمام الطيبين خير المرسلين، واتهم النبي والقرآن الكريم وتعليم الإسلام، حتى اتهمت أمهات المؤمنين أزواج النبي له الله المطهرات؛ فهل يمكن أن يقول أي مؤمن إثر رؤية كل هذه الهجمات الغاشمة أنها لم تبلغ الكمال بعد؟ وهل أي نقص في الإساءة وإلصاق التهم الباطلة وخداع الخلق وتنشيط حركة الارتداد؟ في رأيي لن يخطر هذا الخيال ببال أحد إلا يبال غبي مسود القلب.أما المحب الصادق لله والرسول فعندما يرى هذه الكتب التي ألفت بقي لاحظوا كم يبكي الناس من تصرُّفات القساوسة، فهل ادخر كتاب "أمهات المؤمنين" أي جهد في إيذاء المسلمين وجرح قلوبهم، حتى ثارت حمية منظمة "حماية الإسلام" بلاهور أيضا فأرسلوا المذكرة إلى الحكومة وإن كانت لا تمثل علاجا حقيقيا، أفلم يئن حتى الآن أوان النصر السماوي؟ يا للأسف منه

Page 116

۱۰۲۶۰ تأييدا للصليب وإساءة إلى رسول الله الله فمن المحتم أن كبده سيتمزق، وسوف يُدرك حتما أن هذا هو الغلو الذي قد بلغ منتهاه في الإساءة إلى الإسلام وتأييد الباطل.ثم حين سُلّم بأن الغلو قد بلغ منتهاه فلا بد من الإقرار بأن زمن كسر الصليب قد آن فحين آن ذلك الأوان فلا بد من الإيمان بأن المسيح الموعود أيضا قد ظهر حتما في هذه الأيام، لأن تخلّف وعود الله مستحيل، فنحن نذكر مرارا وتكرارا أن وقت كسر الصليب قد حان، لكن هذا الكسر سيتم عن طريق روحاني محض.فإن الله قد قرر أنه كما تكون هجمات العدو ينبغي أن يكون ذبها ودفعها بالأسلوب نفسه.فإذا كان الهجوم بمجرد القلم والتحرير والخطاب فينبغي أن يقتصر الهجوم الإسلامي أيضا على التحرير والخطاب فقط، وأن لا تظهر أي ثورة وغضب في صورة الحروب العدوانية.بل يجب أن تصحح أخطاء العدو بالرفق والحلم، كما ليس من المناسب أن نشتكي إلى الحكام بعد سماع الكلمات القاسية من النصارى، لأن ذلك أيضا يدل على الضعف؛ فكما يستفيد النصارى من الحرية الدينية، يمكن أن يستفيد المسلمون أيضا منها، لكن بالتحضر والرفق.تذكروا أنه حتى لو صدرت القسوة من النصارى والآريين ألف مرة ومهما استخدموا من كلمات بذيئة وسبوا وشتموا إلا أنكم إذا وظفتم اللين ورددتم القسوة بالحلم، فحتما سوف يأتي يوم يفهم فيه المعترضون قليلو الفهم أن كل هذه الاعتراضات كانت ناجمة عن أخطائهم هم فحينئذ يتوبون نادمين عن التجاسر والإساءات.

Page 117

الآن نقول عودا إلى الهدف الأصلي أن علامة ظهور المسيح الموعود من حيث الأحاديث هي أن في ذلك الزمن ستبذل الجهود الجبارة لتأييد الدين الصليبي، والسفهاء سوف يأكلون نجاسة الإساءة والشتائم والفحش لدرجة أن باتوا خنازير.عندئذ سيبعث المسيح وسيقضي على تلك الخنازير بالحربة الروحانية، أي إتمام الحجة وستنزل معه الملائكة، أي سيهب نسيم لدعم الحق ويوجه القلوب إلى التوحيد الإسلامي وسينفر الناس من العقائد الباطلة تلقائيا.وبذلك سيحل الموت على الملل الباطلة، فهذا المعنى لهذه الأحاديث هو الصحيح في الحقيقة، لا أن يُستخدم السيف ويُغرق العالم كله في الدماء.الآن حين بلغ استخدام القلم في إبداء القوة الصليبية والتأييد الصليبي والبذاءة منتهاه، فقد ظهرت العلامة التي بينها سيدنا ومولانا لظهور المسيح الموعود، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن العلامات عندما تبدأ بالظهور فسوف تظهر واحدة تلو الأخرى مثل حبات السبحة التي انقطع خيطها.وفي هذه الحالة من البين أنه ينبغي أن تظهر علامات أخرى أيضا دون تأخير مع علامة غلبة الصليب.أما العلامات التي لم تظهر حتى الآن فينبغي الإيمان أن النبي ﷺ لم يبينها ، أو إذا كان بينها هو فليس المراد منها المعنى الظاهر، لأنه إذا كان ظهور العلامات كحبات السبحة ضروريا فالعلامة التي تخرج من هذا النظام ولم تتحقق فسوف يثبت بطلانها، فانظروا كيف ظهرت هذه العلامات واحدة تلو الأخرى: (۱) لقد مضى أربعة عشر

Page 118

عاما من القرن الرابع عشر الذي كان يجب أن يبعث على رأسه مجدد، (۲) شنت الهجمات الصليبية على الإسلام بالإضافة إلى الكلام الفاحش، بقوة متناهية، وكانت تتطلب المسيح الموعود كاسر الصليب'، (۳) عندما هاجت هذه الهجمات بشدة ظهر شخص أعلن أنه المسيح الموعود، (٤) لقد حدث خسوف القمر وكسوف الشمس في شهر رمضان بحسب الحديث، (٥) لقد طلع المذنّب ذو السنين؛ وهو النجم نفسه الذي كان قد ظهر في زمن عيسى ال وكان قد أنبئ في الأحاديث أنه سيطلع في الزمن الأخير أي في زمن المسيح الموعود.(٦) لقد ظهر الطاعون في البلد ولا نعرف متى ينتهي، وكان قد أنبئ في الأحاديث أن الطاعون سينتشر في الزمن الأخير؛ أي في زمن المسيح، (۷) منع الحج كما كانت الأحاديث تنبأت بأن الناس في الزمن الأخير أي في زمن المسيح الموعود لن يتمكنوا من الحج بسبب حدوث عائق، (۸) ابتكر القطار للركوب كما كان قد ورد في الأحاديث أن في زمن المسيح الموعود ستظهر مركبة جديدة وستمشي صباحا ومساء وفي أوقات أخرى كثيرة، وسيعتمد سيرها على النار، وسيركب فيها مئات الناس (۹) بسبب القطار تُركت الجمال كما كان قد تنبأ القرآن الكريم الملحوظة : لقد تنبأ القرآن الكريم أيضا أن القساوسة والمشركين سيُطلقون اللسان البذيء والفاحش - في الزمن الأخير - على الإسلام وعلى النبي كما قال : وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا) (آل عمران (۱۸۷) ، فالكلام المؤذي الذي سُمع في هذا الزمن لم يسبق له نظير في ثلاثة عشر قرنا مضى، فهذا هو زمن تحقق هذه النبوءة.منه

Page 119

والأحاديث بأن العشار ستُعطّل في الزمن الأخير أي في زمن المسيح الموعود، (۱۰) لقد اندلعت النار في جاوا، وظل طرف السماء محمرا لمدة من الزمن، وهذا أيضا كان قد أُنبئ في الأحاديث بأن مثل هذه النار سوف تظهر في زمن المسيح الموعود، (۱۱) لقد شُقت القنوات الكثيرة من الأنهار، وكان قد تنبأ القرآن الكريم أن في الزمن الأخير ستشق القنوات الكثيرة.وكذلك قد ظهرت أيضا علامات كثيرة أخرى عن الزمن الأخير.والآن، لما كان من الضروري أن تظهر كل هذه العلامات واحدة بعد الأخرى، فلا بد من الإقرار بأن العلامة المذكورة إذا لم تتحقق عن قريب فهي إما كذبٌ دُس لاحقا، وإما يُفهم بأنها تحققت بمعنى آخر؛ أي في استعارة أو مجاز.وإن الطريق العقلي أيضا يقتضي ظهور المسيح الموعود على هذا المنوال؛ لأن أمام العقل لا توجد سُنّة إلهية يعرف بها العقل أن الناس ينزلون من السماء بعد مئات الأعوام وإن آيات الله الجديدة، أيضا تشهد على ذلك؛ لأنه إذا كانت هذه الجماعة من صنع الإنسان وجب أن تكون قد انقرضت عاجلا بموجب وعد القرآن الكريم، لكن الله على عكس ذلك يطوّرها ويجعلها تزدهر.لقد ظهرت آيات كثيرة إذا تأمل فيها المنصف تجلت عليه عظمة تلك الآيات ببداهة، فكم كانت عظيمة وذات هيئة النبوءة بموت ليكهرام وبأي جلاء وهيبة تحققت، وكم من نبوءة لي قد تحققت فأين آتهم؟ وأين ليكهرام؟ وأين أحمد بيك؟ فلو أعمل أحد العقل مثقال ذرة لوجد أن هؤلاء الثلاثة كلهم هؤلاء الثلاثة كلهم لقوا مصرعهم

Page 120

بحسب النبوءات، كذلك كم هي عظيمة النبوءات المنشورة في البراهين الأحمدية قبل ١٧ عاما، فهى ترسم صورة كاملة للأحداث التي لا تزال تظهر حتى اليوم.فقد أنبئ في البراهين الأحمدية قبل الأوان عن طريق الإلهام أن الناس سيأتون من أماكن بعيدة وينضمون إلى هذه الجماعة، وأن الله سيُهيئ كثيرا من المساعدين والأنصار الذين ينصرون بأموالهم.كما كتب في البراهين الأحمدية أن ثلاث فتن ستظهر من ثلاث أمم؛ أي من المسلمين والقساوسة والآريين فلاحظوا بأي صفاء تحققت كل هذه الأمور.أما قضية الدكتور كلارك ونهايتها فقد أخبرتُ بها قرابة مائتي إنسان من جماعتي قبل شهرين فلاحظوا كيف تحققت بحسب ما أنبأت به، كما نشرت إعلانا بتلقي الإلهام من الله عن مؤتمر مهوتسو (مؤتمر الأديان) أن مقالي سيفوق، ووزعتُ ذلك الإعلان على كثير من المسلمين والهندوس، فانظروا كيف تحقق ذلك الإلهام، فتدبروا الآن هل الإلهامات أنبات عن بعضها قبل ١٧ عاما هي من صنع الإنسان؟ كلا ثم كلا وإنما هو فعل الله ليشهد على صدق عبده فهذه الشهادة نفسها التي ورد عنها الإلهام في الصفحة ٢٤٠ من البراهين الأحمدية "قل عندي شهادة الله من فهل أنتم مؤمنون قل عندي شهادة من الله فهل فهل أنتم مسلمون"؛ أي هل أنتم تُطيعون؟ انظروا كم من الشهادات تُصدق دعواي هذه (۱) الآيات الجديدة التي ظهرت ولا تزال تظهر على يدي، هي شهادات مستقلة بحد ذاتها، (۲) إن تحقق العلامات التي بينها سيدنا التي

Page 121

ومولانا في الوقت الراهن، هي شهادات مستقلة، (۳) إن تحقق نبوءات أهل الكشف في هذا الزمن بحقي، مثل نبوءة الشاه ولي الله ونبوءة نعمة الله ونبوءة غلاب ،شاه، فكل هذه الشهادات مستقلة، (٤) إن تطلب رأس القرن مجددا يؤمَرُ بكسر الصليب شهادة مستقلة، (٥) إن تطلب وضع الزمن الراهن إماما مناسبا لدرء آفات الهجوم الصليبي، شهادة مستقلة.وباختصار، قد أقيمت الحجة من كل النواحي، فالذي ينكر الآن فهو يتصدى لإرادة الله.فمن أمعن النظر في أدلتنا هذه بالطبع الطيب بعيدا عن التعصب فلن يحظى بهذه الأدلة فحسب بل سوف تظهر له أدلة تلو أدلة ويتراءى له إثبات تلو إثبات.فالذين لا يقبلون أن هذا هو زمن ظهور المسيح الموعود يواجهون معضلات جسيمة، وإن قلوبهم تؤكد لهم كل حين وآن أنهم تحت حجة الله، لأن الزمن الذي حدده الله الله قد جاء، بل قد مضى منه الكثير، فإنكار ظهور المسيح الموعود في هذا الزمن كأنه إنكار ما قال الله ورسوله.ألا يلاحظون ظهور الآفات التي عُدَّ ظهورها علامةً قوية وحاسمة لبعثة المسيح الموعود؟ ألم يعلموا حتى الآن أنه قد مضت سنوات عدة على الخسوف والكسوف في رمضان الذي عُدَّ آية للمهدي الموعود على لسان الإمام الباقر في كتاب الدارقطني، وكانت تُعدُّ من معجزاته؟ وقد وردت علامة للمهدي الموعود هذه أي الخسوف والكسوف في رمضان - في فتاوی ابن حجر أيضا، وهو كتاب موثوق به جدا لدى الأحناف.فلأي

Page 122

سبب لم يظهر المسيح الموعود حتى بعد ظهور الآيات من الأرض والسماء؛ يتفش وباء الارتداد؟ ألم يُصبح مئات الآلاف من الناس فريسة لتمساح عبادة المخلوق؟ ألم تلتهم المسيحية بيوتا عدة كنار مضطرمة؟ أفلم يحن حتى الآن الوقت لأن يتدارك الله برحمته الناس الضائعين ويشرع في كسر الصليب؟ ألم يكن ينتظر رأس القرن الرابع عشر لهذا الغرض؟ فقولوا حقا، ما الذي كان يقوله ضمير عامة المسلمين عن القرن الرابع عشر بحسب القول الشهير "لسان الخلق ناقوس إلهي ؟ فتعالوا أيها الإخوة، تصالحوا مع الله وتحلوا بالورع الحقيقي.إن السماء تخيف بأحداثها غير العادية، بينما تنذر الأرض بالأمراض، فطوبى لمن فهم.أما الحجة التي يقدمها المشايخ المعاصرون قاصرو الفهم مرارا أنه لا بد أن ينزل المسيح من السماء عند المنارة شرقي دمشق، فهذا مقابل تلك الدلائل والآيات والأحداث الثابتة التي سجلناها في هذا الكتاب- بمنزلة قول سخيف وفكرةً غير ناضجة يتعجب منها كل عاقل بمنتهى الأسف.الأسف كل الأسف على أن هؤلاء لا يفكرون حتى الآن أن العبارات التي تقابل المحكمات والبينات يجب أن تؤوّل.فهل كلام الله مجموعة اختلافات وتناقضات والعياذ بالله؟ بل إذا كانت عندكم خشية الله فيمكن أن تفسروا هذه العبارات كما تريدون، فهل من الضروري أن تفسر هذه الأحاديـــث بما يتعارض مع الآيات الثابتة والبينات؟ فكلمة النزول وردت في القرآن الكريم بحق نبينا أيضا في قوله تعالى: (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا *

Page 123

01.97 ولا ، فهل كان النبي قد نزل من السماء في الحقيقة؟ فلا تظلمــوا رَسُولًا، أنفسكم وارفعوا التناقض من وسطكم.فمثل هذه النصوص يمكن أن تؤول بمنتهى البساطة وهو أن المسيح الموعود سينزل من الله شرقي دمشق، وأي شك في أن قاديان تقع شرقي دمشق؟ وكذلك يمكن القيام بتأويلات أخرى على هذا المنوال لا تنافي الأحداث الثابتة.بعض السفهاء يقولون إن حرف "إلى" ورد كع كلمة نزول في قــول بعض الصحابة، وهو يفيد النزول من فوق إلى تحت، لكنهم لا يعرفون أنه إذا كان قد ورد في التوراة والإنجيل والقرآن استعارةً بحق المبعوثين من الله أنهم ينزلون من السماء، فأين الإشكال لو أضيف حـــرف "إلى" إلى نزول المسيح الموعود على سبيل الاستعارة؟ ألم يرد في القرآن الكريم أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا ؟ ثم إذا كانت وفاة عيسى ال ثابتة قطعا من آيات القرآن الكريم وجاء في صحيح البخاري في تفسير هذه الآيات بأنها تعني الإماتة، ويعتقد كبار الأئمة مثل الإمام مالك وابن حزم - هذه العقيدة، فلماذا ينشــاً الافتراق والتناقض في عقائد الإسلام بغير حق؟ إن معارضينا لا يردّون على ذلك بشيء إلا الخداع والخيانة وإنما يقولون على أقصى تقدير - إن مــا ورد في البخاري من حديث النبي ﷺ في مماثلته العلا في الوفاة حيث بين في قوله "كما قال العبد الصالح إن عيسى اللة لم يمت مثل الطلاق: ۱۱-۱۲

Page 124

النبي الله ولأن المشبه والمشبه به يجب أن تكون فيهما مغايرة.الآن يجب أن يلاحظ كم من المكر والدجل يوظفونه فليفكر العقلاء أنه إذا كان لا بد من فرق بسيط بين المشبه والمشبه به فهل هذا الفرق يتمثل في كون أحدهما حيًّا والآخر ميتًا؟ فأين وجه الشبه بين الحي والميت؟ وما علاقــــة الميت بالحي؟ بل قد صُرِّح هذا الأمر في علم المعاني أن المشبه والمشبه بــه يتشاركان في أصل الأمر، فلو قيل مثلا إن زيدًا مثل الأسد فهما المشــبه والمشبه به لكن لن يكون المراد من هذا التشبيه أن زيدا جبان والأسد شجاع، بل سيكونان متشاركين في أصل الأمر وهو الشجاعة، وإنما الفرق بينهما أن الأسد يتمتع بشجاعة الحيوان المفترس وزيدا يتمتع بشجاعة الإنسان، ويجب أن يكون الأمر نفسه مشتركا بينهما.أو مثلا حين يُقال اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم فلا يُفهم منه أبدا أن مفهوم الصلاة على النبي لا يُغاير مفهوم الصلاة على إبراهيم العل، فهذه الفكرة حمق محض.وكذلك من الحمق أن آية فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني إذا وردت بحـــق أريد منها وفاة النبي الله أما إذا نسبت الآية نفسها إلى عيسى اللي فيراد منها حياته.فكيف تحقق التشبيه إذا تعارض وتضارب هذان الأمران؟ فليس هناك حُمق أشد من أن تبحث في التشبيه المخالفة والمنافاة.ومع النبي 6 ذلك فإن الفرق الذي يجب أن يكون في المشبّه والمشبه به رغم القاسـ المشترك بينهما، متحقق في هذه القضية، بحيث كان على العليا أن يجيب أنه عبد بعد وفاته، أما نبينا الله فكان عليه يُجيب أنه بعد وفاته لم

Page 125

يبق بعض الناس متمسكين بسنن الإسلام وسبله وآثروا الدنيا على الدين.فبهذا الاختلاف بين ضلال الأمتين تبيَّن الفرق بين المشبه والمشبه بــه.وهكذا كان يجب أن لا يكون المشبه والمشبه به على طرفي نقيض كالميت الحي والجبان والشجاع.لا يسعني القول إن المشايخ رغم تمتعهم بالعقل يتفوهون بمثل هذه الأقوال السخيفة خطاً فحسب، وليس ذلك فحسب بل يبدو أنهم يهدفون إلى حرمان العامة من قبول نبوءات النبي الله بخداعهم عن عمد، لدرجة أن نشر بعضهم في الناس أن من كبرى علامات المهدي الموعود أن في عروقه سيسري الحليب بدلا من الدم، ويبدو القصد من هذا الافتراء أن لا يثبت صدق المهدي الموعود ما لم يُقتل، وما لم يخرج من عروقه الحليب.ولهذا جعل مشهورا في العامة أن الإنجليز عندما يعطون لقاح الجدري فإنما يستهدفون من ذلك معرفة المهدي لكي يتمكنوا من القبض على من يخرج من بدنه الحليب بدلا من الدم إذ يكون هو المهدي.مع أن هذه الحكومة العاقلة لا تمت إلى هذه الأقاويل السخيفة بصلة، فلا يهمها إذا كان أحد يدعي بأنه المهدي أو المسيح ما لم يسبب الخلل في شئون الدولة وينشر الفساد بنشر أفكار التمرد.وباختصار، إن هؤلاء بنشر الأباطيل والأكاذيب من هذا القبيل، قد أشاعوا الحمق والجهل في الإسلام بدلا من العلم والحكمة.لا أحد يسأل هؤلاء أيها المساكين لقد مضى على رحلة المسيح من هذا العالم ألفا عام تقريبا ومضت ثلاثة عشر قرنا على نبوءة

Page 126

۱۱۲۰ نبينا وأربعة عشر عاما من القرن الرابع عشر أيضا..فحتّامَ تتأجل النبوءات عن المسيح الموعود والمهدي المعهود؟ فتكفير المشايخ وتكذيبهم لي بدافع الحسد قد أثبت هذا الأمر كاملا أنهم كانوا في الحقيقة مجردين من التقوى وخشية الله، ذلك لأن الله لا يضيع المتقي في حال من الأحوال ولا يدعه يضلّ.ومن المؤسف أنه كما يصاب المسافر بالوباء ويعرض الآخرين أيضا لخطر الهلاك كذلك هو حال مشايخنا، إذ يعزم أحدهم على التكفير والتكذيب والسب والشتم بدوافع كثيرة من الحقد والبغض، والثاني يسمع أقواله مغمض العينين، وتأثرا بتلك الأكاذيب يصبح حيوانا ساما مثل الأول.وعلى هذا المنوال يتفشى هذا المرض كالوباء من شخص إلى شخص، لدرجة أن يودع الناس إيمانهم وتقواهم نهائيا فيتبعون ذلك المفسد، وكما اكتُشف في العصر الراهن أن مادة وباء الطاعون في الحقيقة جراثيم تتولد في الأرض ثم تنتقل إلى دم الإنسان من خلال الأقدام، كذلك يبدو أن سبب وباء الإعراض عن الحق المتفشي في هذه الأيام أيضا جراثيم، يمكن تسميتها بأسماء مختلفة من الحسد أو الحمق أو التعصب أو الكبر.لقد راجت عقائد المسيحية الباطلة في المسلمين كثيرا ويتم الاطلاع على ذلك الرواج في الحقيقة من هذه الأوجه، بحيث كان الفساد الداخلي الناجم عن ترك التقوى والجهل والسفاهة قد تفاقم لدرجة أن كانت الطباع الفاسدة من جراء العلاقة الصورية مستعدة سلفا لقبول هذه المعتقدات والمناهج.

Page 127

۱۱۳ فلما كانت حالة كل شخص أمام أعيننا فنستطيع القول بناء على تجربة شخصية، بأن الذين أضاعوا التقوى مقابلنا وعادَوا الصدق حالتهم خطرة جدا، وإذا تمادوا في هذه السيرة السيئة أكثر وأعرضوا علنا عن القرآن الكريم تدريجا، فلا يُستغرب ذلك منهم! إن الأوضاع الراهنة تنذر بخوف شديد لأن الفراسة التي كان يجب أن تنشأ في هؤلاء بحسب الزمن لم تمسهم ،بعد فإلى الآن لم يُحرز هؤلاء القدرة على رد الاعتراضات البارزة المبنية على الخيانة، التي يثيرها القساوسة، مع أن اعتراضات القساوسة سخيفة لدرجة أنهم مهما لمعوها فإنها تفتضح حين نميط عنها اللثام، وتتراءى ضعيفة جدا سخيفة ومضحكة.فهؤلاء الناس أي النصارى- غير ملمين بالعلوم العربية وكتبنا الدينية وغافلون عنها أشد غفلة ويجهلونها ويقدمون كلاما مخجلا جدا.لكننا تُبدي الأسف على حالة المشايخ الذين يكفّروننا ويكذبوننا.أما الخدمة الدينية التي كان يجب عليهم أن يؤدوها على أرض الواقع فلا يؤدونها ولا هم جديرون بذلك، فالأسف كل الأسف عليهم إذ لا يفكرون أن الإصرار على تكذيب الدعوى التي كان صدورها محتما يوما ما بحسب نبوءة النبي - لهذه الدرجة بعيد جدا عن التقوى.ثم هي ليست مجرد دعوى، بل تقترن بها شهادات من القرآن والحديث، وتدعمها شهادات بينها سيدنا ومولانا ، وترافقها شهادات سماوية متزامنة مع رأس القرن، بالإضافة إلى تحقق العلامات المحددة.فمع كل هذا كيف

Page 128

تكون هذه التسرعات مناسبة؟ يا سريعي الانزعاج والمنغمسين في الأخلاق الفاسدة والظنون السيئة، هذه النبوءة تنبأ بها النبي ﷺ بكل قوة وشدة، وكان قد حدد بنفسه موعدها ووصى بقبول ذلك الرجل.فهل كانت الدعوى التي صدرت بناء على نبوءة النبي ﷺ بحسب الموعد تصديقا للنبوءة تجدر أن يُنظر إليها بنظرة عادية ويُعرَض عنها؟ فلم يكن من الجديد عليهم أن يفسر القادم سواء كان محدثًا أو رسولا أو نبيا- أيَّ كتاب الله أو الأحاديث تفسيرا لم يقدِّمه القوم الذين أُرسل لإصلاحهم.فهذا ما حدث في زمن عيسى الليل إذ فسّر اليهود البعثة الثانية لإيليا بأن إيليا نفسه سيعود من جديد، لكن عيسى ال بين معنى آخر لتلك الآيات، بل وصف البعثة الثانية بإنها كانت مجازية ، ثم في زمن نبينا فسر اليهود بعض نصوص التوراة بأن معناها أن النبي الآخر الذي سيخلصهم من الحكومات الأجنبية سيكون من بني إسرائيل، بينما بين النبي أن المراد منه أنه من بني إسماعيل، وهذا ما حدث الآن.فالإنسان الذي يوظف العقل والفهم مثقال ذرة يمكن أن يفهم کم قدمنا من الأدلة المقنعة على بعض الآيات من القرآن الكريم المتنازع فيها بيننا وبين المشايخ المعارضين مثل حياة المسيح ووفاته وبأي كمال أثبتنا وفاة عيسى اللة.وإذا لم يُرد أحد الخوض في هذا النقاش فعليه أن يردّ على هذا السؤال الموجز؛ هل فهم المسيح الموعود أجدر بالقبول أم فهم خصومه؟ فإذا نزل العلية لا نفسه السماء -جدلا بحسب آمال العلماء، وخالف من

Page 129

المشايخ في عدد من مواضع القرآن الكريم والحديث، كما كتب مجدد الألف الثاني في مكتوباته أن من الضروري أن يخالف المسيح الموعود العلماء المعاصرين في بعض المسائل وأن يحدث نزاع شديد، ويوشك العلماء على مهاجمته.فأنا أسألكم في هذه الحالة أي فهم سيعد صحيحا؟ وما الذي تقتضيه التقوى في مثل هذه الأوضاع ؟ فهل سيكون فهم مدعي المسيحية أجدر بالتفضيل والتقديم أم فهم المشايخ المعارضين؟ فلو قلتم: فهم المشايخ لكان ذلك واضح البطلان بداهة، أما إذا قلتم أن فهم المدعي بأنه المسيح أحق بالقبول، فهنا انتهت جميع النقاشات في ضوء القرآن والحديث، وفي هذه الحالة عليكم أن تُسلّموا بأن المعنى الذي يبينه المسيح الموعود للقرآن الكريم والحديث هو الصحيح حصرا.ثم إذا كان هذا الخبر موجودا في الآثار وأدلى رجلٌ صالح جليل مثل الشيخ أحمد السرهندي مجدد الألف الثاني - بشهادته على أن العلماء سيُعارضون المسيح الموعود حتما، حتى إنهم سيستعدون لإثارة الفساد والفتنة، فنظرا إلى هذا النزاع لا بد من الإدلاء بالشهادة أن المسيح الموعود في مثل هذا النزاع سيكون على حق، وسيكون فهمه جديرا بالاستناد إليه، وأن ما فهمه الآخرون مقابله سيكون جديرا بالردّ، ومن المصادفة الغريبة أنه حين صدرت في الحقيقة أن مدعي المسيحية أو النبوة إذا كان صادقا حقا، فمن الضروري أن يكون فهمه ودرايته أكثر من الناس، وفي هذه الحالة لا بد أن يحدث الخلاف بينه وبين غيره في بعض المواضع في بيان معاني الكلام الإلهي فإثارة الضجة على مثل هذا الخلاف حرمان وعلامة الشقاوة.منه 6

Page 130

الكتب السابقة النبوءة عن مجيء عيسى ال قد قيل فيها أيضا بأن اليهود سيُخالفون ذلك المسيح الموعود ويخاصمونه في بعض المسائل، وهذا ما حدث.وإن النزاع الكبير الذي أثاره اليهود هو أن إيليا لم يُبعث إلى الدنيا ثانية أنه أنبئ في النبوءة أن المسيح الموعود لن يأتي قبل أن يعود مع إيليا إلى الدنيا ثانية فكيف جاء هذا الرجل؟ عندها قرر الصلحاء أن هذا الرجل -أي عيسى - الذي يدعي أنه المسيح الموعود يُري الآيات، لهذا فإن فهمه مقدم وجدير بالقبول.أما الجهلة الآخرون فاتفقوا مع المشايخ.وكذلك كان قد ورد في الآثار أن المسيح الموعود الذي سيأتي في الإسلام سوف يُخاصمه أيضا بعض العلماء في بعض المسائل، حتى يوشكوا على مهاجمته، فالنزاع نفسه وبالأسلوب نفسه قد بدأ يظهر الآن أيضا.لكن هذا النزاع مع شخص يدعي بأنه المسيح الموعود، ويُري الآيات غباء بحت، لأنه يجب أن يؤمن كل واحد أولا بأن المسيح الموعود سيوا.واجه النزاع حتما.وثانيا إن فهم المسيح الموعود آنذاك سيكون جديرا بالاعتماد والثقة لا فهم الآخرين، لأن ذلك فهمُ المبعوث من الله، إلا أنه إذا كان عندكم شك في أن هذا الرجل ليس المسيح الموعود فيجب اختباره كما اختبر الأنبياء الصادقون بحسن النية، غير أن قول المسيح الموعود سيكون جديرا بالقبول حتما عند تفسيره للقرآن والحديث.وأخيرا تذكروا أنه مهما وصفنا المشايخ المعارضون بالكافرين والملحدين بتنفير العامة منا وإرادتهم التأكيد لعامة المسلمين أن هذا الرجل جماعته مع

Page 131

المشايخ بأسرها قد انحرفوا عن عقائد الإسلام وأصول الدين، فهذه هي مفتريات الحاسدين، ولا يمكن أن يفتريها من كان في قلبه ذرة من التقوى.إن الخمس التي بني عليها الإسلام هي عليها الإسلام هي عقيدتنا، وكلام الله الذي أمرنا بالتمسك به "أي القرآن الكريم، نحن متمسكون به، وعلى ألسنتنا مثل الفاروق حسبنا كتاب الله، ونؤثر القرآن الكريم -مثل السيدة عائشة رضي الله عنها- عند ظهور التناقض والاختلاف بين الحديث والقرآن الكريم، ولا سيما في القصص التي لا نسخ فيها بالاتفاق.ونحن نؤمن بألا إله إلا الله وأن سيدنا محمدا المصطفى الا الله ورسوله وأنه خاتم الأنبياء، ونؤمن أن الملائكة حق وحشر الأجساد حق ويوم الجزاء حق والجنة حق وجهنم حق.ونؤمن بأن كل ما قاله الله تعالى في القرآن المجيد وما قاله النبي ﷺ هو حق.ونؤمن بأن من نقص ذرة من هذه الشريعة الإسلامية أو زاد عليها أو أمر بترك الفرائض أو إباحة ما حرم الله ، فلا إيمان له وإنه ضال عن جادة الإسلام.وننصح جماعتنا أن يؤمنوا بصدق القلب بالكلمة الطيبة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وأن يموتوا على هذا الإيمان.وأن يؤمنوا بالأنبياء كلهم والكتب التي ثبت صدقها من القرآن الكريم.وأن يقوموا بالصوم والصلاة والحج ويؤدوا الزكاة، بل يجب أن يعملوا بحسب ما أمر الله تعالى ورسوله من الفرائض والأوامر والنواهي مدركين حقيقتها وفاهمين إياها فهما صائبا.خلاصة القول، عليكم أن تؤمنوا بجميع تلك الأمور التي أجمع عليها السلف الصالح اعتقادا وعملا، وتؤمنوا بجميع تلك الأمور التي تعدّ

Page 132

من صميم الإسلام بإجماع أهل السنة.ونحن نُشهد السماء والأرض على هذا الأمر أن هذا هو مذهبنا وإن الذي يتهمنا بما يخالف هذا الدين فهو يفتري علينا متخليا عن التقوى والأمانة وسوف نرفع الدعوى ضده يوم القيامة أنه متى شق صدرنا ورأى أنا نخالف هذه الأقوال رغم تصريحنا بها؟ ألا إن لعنة الله على الكاذبين والمفترين! اعلموا أنه ليس بيننا وبينهم أي خلاف إلا في هذه المسألة؛ أي أن هؤلاء يقولون بحياة عيسى العليا تاركين النصوص الصريحة للقرآن والحديث، بينما نعتقد بوفاة عيسى اللة بموجب النصوص القرآنية ونصوص الأحاديث العليا المذكورة آنفا وإجماع أئمة أهل البصيرة، ونفسر النزول بما فسره به المسيح ال من قبل بخصوص البعثة الثانية لإيليا ونزولِه، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.ونؤمن بموجب النص الصريح في القرآن الذي يتبين من الآية: فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ، بأن الذين يرحلون من هذا العالم لا يُبعثون للعيش في هذا العالم ثانية.لهذا لم يكتب الله المسائل الخاصة بهم في القرآن الكريم؛ فعندما يعودون كيف تُعاد إليهم أموالهم التي قد وزعت، فالأسف على أن معارضينا إلى الآن يقولون: "إن عيسى حي في السماء حتى الآن، وسوف ينزل عندما يقضي الدين المسيحي على الإسلام نهائيا ويجعله ينقرض من العالم كله.أن عشرات الملايين وصحيح العلية الا الأنبياء: ٨ الزمر: ٤٣

Page 133

من الكتب في الرد على الإسلام قد صدرت إلى الآن وارتد مئات الألوف من الناس وصار عشرات الملايين من الناس متحررين وسيئي الأفكار وغير صالحين، لكن الإسلام لم ينقرض بعد رغم كل هذا وذاك.ولذلك لم يُبعث العليا على رأس هذا القرن لأنه ينتظر جالسا في السماء أن يُباد عیسی الإسلام نهائيا من العالم".لكن يجب أن يفكر أولا مؤيدو هذه الأفكار أن الله الله قد ذكر وفاة عيسى الا في القرآن الكريم بكلمات صريحة، فانظروا بأي جلاء يدل النص الصريح على وفاة عيسى اللة أي: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي والآن بعد سماع هذه الآية إذا كان أحد ينكر وفاة عيسى ال فلا بد أن من يؤمن بأن النصارى ما زالوا على حق في عقائدهم، لأن هذه الآية تفيد أن النصارى سيفسدون بعد وفاة عيسى العليا، فحين ثبت الموت من هذه الآية فأنى له النزول من السماء؟ فلا يستطيع الموتى السكن في السماء.أضف إلى ذلك أنه ما دامت المهمة الموكولة إلى المسيح هي كسر الصليب، فماذا يفيد مجيء المسيح في زمن يحدث فيه كسر الإسلام بدلا من كسر الصليب؟ "إن لم أبق على حياة، فما الذي يمكن أن تفيدني به"؟ فإذا كان ما آل إليه المآل في ستين سنة منذ فرضت الحكومة المسيحية سيطرتها على البنجاب وقد مضى من القرن الرابع عشر أربعة عشر عاما، المائدة: ۱۱۸

Page 134

۱۲۰۰ وعند ولم يأت المسيح الموعود، فكأن القساوسة أُعطوا مهلة مئة سنة أخرى على أقل تقدير، لأنه من الضروري بموجب الآثار الصحيحة أن يأتي المسيح الموعود على رأس القرن.ففي هذه الحالة ينبغي أن يُفكر المرء ما الذي سيبقى من الإسلام إلى تلك المدة؟ فمن هذا يُفهم -والعياذ بالله- أن الله بنفسه يريد أن يُرفع الإسلام من هذا العالم، لأن موعد إنزال الله الرحمة كان حين شنّت الهجمات العنيفة على الإسلام وأسيء إليه بشدة، وارتد مئات الآلاف من الناس ومن الملاحظ حتى في الأوبئة المادية تفشي الطاعون مثلا في أي جزء من البلد أنّ العقلاء يفكرون في أنهم وأولادهم وأعزاؤهم في خطر ويوشك أن يصبحوا طُعمة الطاعون، فيتخذون التدابير المناسبة فورا، كما ينتبه الحكام انتباها تاما أيضا للقضاء على المرض، وينهض الأطباء.فقولوا الآن إنصافا، ألم يتفش هذا الطاعون في البلد؟ ألم يؤلف إلى الآن قرابة مئة مليون كتاب ضد الإسلام؟ ألم يقض هذا الطاعون على مئات الآلاف من المرضى؟ أليس من الحق أن مئات الألوف من المرضى يرقدون على فراش الموت؟ فبعضهم مصابون بعلوم الطبيعة وبعضهم بالفلسفة وبعضهم بالإباحة وبعضهم بعبادة المخلوق وبعضهم بالوساوس والشبهات والغفلة واللامبالاة.فما السبب أن لا يذكر الله وعده إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ هذا الوضع؟ في الحجر: ١٠

Page 135

۱۲۱ إنما نصيحتنا الأخيرة أن اعتنوا بإيمانكم وحذار أن تُعدوا عند الله ذي الجلال متمردين بإظهار التكبر واللامبالاة ألا إن الله قد نظر إليكم في أنواع الوقت الذي اقتضى النظر.فابذلوا قصارى الجهود لترثوا جميع السعادة، لقد رأى الله من السماء أن الذي عُظم هو يداس تحت الأقدام، وأن الرسول الذي هو أفضل من الجميع تُطلق عليه الشتائم، ويعد من السيئين والكذبة والمفترين، وعُدَّ الكلام الذي جاء به أي القرآن الكريم- كلام الإنسان، ويُذكر بكلمات خبيثة ويُساء إليه، فتذكر عهده نفسه الذي ورد في آية إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، فاليوم يومُ تحقق ذلك الوعد، فقد أثبت لكم بصولات قوية وبآيات متنوعة أن هذه الجماعة التي أُقيمت هي جماعته، فهل كانت عيونكم رأت قط آيات الله اليقينية والقاطعة التي رأيتموها الآن؟ لقد صارع الله الأمم الأخرى من أجلكم كالمصارعين وانتصر عليها.انظروا إن نبوءة آتهم كانت أيضا مُصارعة.فأين آتهم اليوم؟ فتحسسوا منه.اسمعوا! إنه في التراب اليوم، كان الإلهام بحق آتهم شرطيا، فإذا لم يتعصب أحد بخيانة صريحة فيمكنه أن يفهم بسهولة أن أتهم قد أثبت من خلال أقواله وأفعاله وامتناعه عن القسم وامتناعه عن رفع القضية رغم تعرضه للهجمات على حد زعمه، أنه حقق الشرط الإلهامي بالرجوع بقلبه، وإذا كان أي غبي يزعم أن رجوعه ملتبس فليعلم أن الله قد هيأ بقرار آخر وبتأييده إثباتا مزودجا وهو أن آتهم حين رفض الحلف تلقيت إلهاما آخر للفصل أن آتهم إذا كان صادقا في ادعائه بأنه لم يرجع فسوف يعمر أما إذا كان كاذبا في ذلك فسيموت عاجلا فالآن قد مضى على موته أيضا عدة سنوات، فأي شبهة بقيت في هذه الآية؟ منه

Page 136

۱۲۲۰ كان قد تُرك لأيام بحسب الشرط المذكور في الإلهام، ثم ألقي عليه القبض بحسب الإلهام المذكور أيضا في الإلهام والمصارعة الثانية كانت مع ليكهرام، فانظروا بتأمل كيف انتصر الله في هذه المصارعة أيضا؟ لقد رأيتم بأم أعينكم أنه كما كانت علامات موته قد حددت سلفا في النبوءات الإلهامية، فقد تحققت كلها بالتفصيل نفسه، فقد أوردت الآية الإلهية القهرية مأتما شديدا على قوم، فهل رأيتم ظهور آية إلهية فيكم وأمام أعينكم بهذا الجلال قبل هذا؟ فيا ذرية المسلمين لا تسيئوا إلى أفعال الله.والمصارعة الثالثة هي في المؤتمر الأعظم للأديان، فلاحظوا كيف أن الله مكن الإسلام من الازدهار والانتصار في هذه المعركة أيضا، وأراكم آيته وكشف على عبده قبل الأوان أن مقاله حصرا سيفوق جميع المقالات، ثم حقق ذلك على أرض الواقع، وألقى جميع الحضور في حيرة من التأثير الميمون للمقال.فهل كان ذلك من الله أم من غيره؟ أما المصارعة الرابعة فكانت قضية الدكتور كلارك التي اتفقت فيها الأمم الثلاثة كلها، أي الآريون والنصارى والمسلمون المعارضون ليثبتوا أني كنت قد حاولت القتل.وقد كشف الله علي سلفًا أن هؤلاء سيُخفقون في إرادتهم، ولقد قُرئ هذا الإلهام على مسامع ما يقارب مائتي إنسان، وأخيرا كان الانتصار حليفنا.أما المصارعة الخامسة فكانت قضية مرزا أحمد بيك الهوشيار بوري، الذي كان أعزاؤه وأقاربه يسخرون من الإسلام، وكان بعض المرتدين العنيفين منهم يُكذِّبون القرآن الكريم بشدة، وكانوا يطلبون

Page 137

مني ۱۲۳۰ الآية على صدق الإسلام بإطلاق اللسان ضد الإسلام بسوء وينشرون إعلانا.فقد أعطاهم الله آية بأن عزيزهم أحمد بيك سيموت خلال ثلاث سنوات بعد مشاهدة عدد من الأموات والمصائب، فهكذا حدث ومات خلال الميعاد، ذلك لكي يعلموا أن لكل تجاسر عقوبة.لقد ظهرت إلى الآن هذه المصارعات الخمس التي أرثها يد ربنا ذي الجلال القوية، وهناك مصارعات أخرى أيضا في السماء، وإنني على يقين بأن الله سيُريكم إياها أيضا عن قريب وكذلك فإن الشهادات التي أدلى بها نبينا وكانت خفية قد تحقق كثير منها أمام أعينكم، تذكروا ذلك اليوم والساعة التى خُسف فيها القمر في أولى ليالي الخسوف في السماء في رمضان، وكذلك تذكروا كسوف الشمس الذي حصل في وسط أيام الكسوف بالضبط بحسب كلمات الحديث، ثم اقرأوا الدارقطني لتروا أن تلك العلامة كانت قد جعلت آيةً لصدق المهدي الموعود، فقد تحقق كل ذلك بحسب وعود الله تعالى لكن هل انتفعتم منه بشيء؟ لقد بين الله لكم صراحة أن القادم سيأتي في أيام غلبة الصليب عندما هذه النبوءة أيضا كانت ذات شروط، ومن الضروري أن يبقى الجزء الآخر منها مؤجلا ما لم تجتمع أسباب نقض الشروط في نظر الله منه لقد شرحنا مرارا لدفع الشبهة أن لا يخطرن ببال أحد أن المراد من المسيح الموعود مسيح عامة المسلمين الخيالي الذي في نظرهم سيضع الأساس للحروب.كلا بل إن هذه أفكار سخيفة وباطلة تماما، فالحق أن هذا المسيح الموعود قد ظهر على سيرة المسيح السابق بطبع الفقراء والمساكين، فلا تهمه الحكومة الدنيوية في شيء، وإنما

Page 138

سيسيء أعداء الإسلام إلى النبي الله أشد الإساءة، وسيكون منهم مطلقو الشتائم والمسيئون والمحتقرون وأكلة نجاسة الكذب والافتراء، فقد حظًا و افرا بسبب رأيتم آكلي النجاسة من هذا القبيل.ألم يأخذ القس عماد الدين من هذه النجاسة؟ ألم تتلطخ يدا القس تهاكر داس بهذه النجاسة؟ ألم يسبب صاحب كتاب أمهات المؤمنين اضطرابا لآلاف الأدمغة هذه الرائحة الكريهة؟ فهل بقي أي نقص في الإساءة والتحقير؟ أفلم تتحقق إلى الآن النبوءة الواردة في صحيح البخاري بأن زمن المسيح الموعود هو زمن غلبة الدين الصليبي؟ وأن الذين هم أعداء الحق سیستون الإسلام والنبي السبابًا فاحشا وبذلك سيأكلون نجاسة الكذب كالخنزير؟ انظروا قد شهدت السماء بالخسوف والكسوف، ولم تبالوا، وشهدت الأرض بغلبة الصليب وتقديم نماذج أكلة النجاسة، ولم تعتبروا !! ولقد انبرت شاهدات النبوءاتُ العظيمة للنبي المقدس والجليل ، و لم تعيروا ذلك أدنى التفات!!! إذا كان دعواي من عند نفسي فلكم أن تكذبوني بلا شك، أما إذا كان نبي الله المقدس قد شهد لي من خلال نبوءاته ويُري الله نفسه الآيات من أجلى، فلا تظلموا أنفسكم.لا تقولوا إنا مسلمون ولا حاجة لنا لقبول أي مسيح أو غيره.إنني أقول لكم صدقا وحقا بأن الذي يقبلني فهو يقبل من تنبأ بي قبل ورد في حقه في الحديث الصحيح أنه يضع الحرب" أي لن يُقاتل بل يعيش حياة المساكين.منه

Page 139

*۱۲۰ ثلاثة عشر قرنا، وبين العلامات لزمني ووقتي وعملي.وأما الذي يرفضني فهو يرفض من أمر بأن "آمنوا به.لستم أنتم بل كان آباؤكم وأجدادكم أيضا يترقبون ظهور المسيح الموعود عاجلا وكانت روح الصدق فيهم تقول بأنه سيُبعث على رأس القرن الرابع عشر، لكنه حين جاء سميتموه كافرا ودجالا، وكان من المقضي أن يحدث هذا، لأنه كان قد ورد في الآثار بأنه سيُوصف بالكافر والدجال، فلو لم أُبعث لما كانت عليكم أيُّ حجة.لكن بمجيئي قد أُقيمت حجة الله عليكم.فلا تظنوا أن الجماعة التي أقامها الله بيده ستضيع نتيجة عدم قبولكم، فإنني أقول صدقا وحقا إن الله سيخلق جماعات كثيرة تقبله ثم سوف يباركها، حتى يكون ذلك في الحزب يوما حزب الإسلام الحبيب.لكن ما فعلتم أو ما سيفعل الله المستقبل، كل ذلك بحسب الإلهام الذي ورد في البراهين الأحمدية سلفا، وهو: "جاء نذير في الدنيا، فأنكروه أهلها وما قبلوه، ولكن الله يقبله، ويُظهر صدقه بصول قوي شديدٍ صول بعد صول.الآن نريد أن نذكر الطاعون قليلا مرة أخرى، فليكن معلوما أن ظهور هذا المرض في أغلب الحالات يكون أمام الأذن أو تحت الإبط أو في الفخذ بحيث تتورم غدد هذه الأماكن أو تظهر على الجسد دمامل كبيرة.ولقد كتب الطبري في تاريخه أن الطاعون الذي تفشّى في الشام في عهد سيدنا عمره كان ظهوره في صورة بثرة صغيرة في راحة اليد، وكان ذلك يؤدي خلال ساعات إلى الموت، أما التوراة فحيثما ورد فيها ذكره فقد

Page 140

ذكر باسم الدمامل فقط، ومن هنا يبدو أن الطاعون الذي انفجر في اليهود على فترات كان على هيئة الدمامل.فمن المحتمل أن تكون أشكال الطاعون مختلفة بحسب الشعب أو البلد أو الزمن أو المزاج.وباختصار، تلازمه الحمى الشديدة حتما، وهي تظهر في غالب الأحوال قبل الدمامل أو تضخم الغدد، وفي معظم الحالات تؤدي الحمى الشديدة إلى الغشي، وقد سمى القرآن الكريم هذا المرض بالرجز، وهو في اللغة العربية يُطلق على أعمال تؤدي إلى العذاب.فبذلك أُشير إلى أن هذا البلاء يتفشى عادة وفي أغلب الحالات عقوبة على أعمال الناس وأحيانا يتعرض له الصالحون أيضا وينالون بهذه المصيبة أجر الشهيد وباختصار، إن بدايته وموجبه العذابُ الإلهى الذي يتسبب في ظهوره في البلد.نحن لا نقصد من هذا الخطاب أنه لا تُنشأ أسباب هذا المرض على نحو علمي، كلا بل إن السلسلة العلمية أي سلسلة خلق الأسباب- موجودة وتعمل عملها، وسلسلة إرادات الله الخفية مستقلة، ولا تمانع إحداهما الأخرى، أي لا تناقض بينهما.ومن أكبر غباء الإنسان أن يُهمل الغاية الحقيقية لذلك الحكيم المطلق، ويحسب سلسلة نظام تلك الذات الجامعة للكمالات منحصرة في الطبيعيات دون أي هدف وغاية ومقصد.فواضح أن الذي تستتر أسرار عميقة مستبطنة في جميع هو مدبّر بالإرادة، ومتصرف بالقصد ألا يمكن اجتماع هذين الأمرين؟ أي أن يكون كل ما يظهر على مسرح الأحداث من خير أو شر تابعًا أعماله،

Page 141

۱۲۷۰ لسلسلة العلوم الطبيعية والأنظمة الحكيمة ويرتبط بأسباب معتادة، ومع ذلك يكون ذلك المدبر بالإرادة قد حدد في علمه أهدافا وغايات معينة لإظهار ذلك الأمر، وإن لم نُسلّم بذلك فإن وجود الله سيُعدُّ عبنا والعياذ بالله، وأفعاله سخيفة وباطلة.لهذا فالفلسفة الحقة والحكمة الواقعية الدقيقة أن جميع هذه التغيرات الأرضية والسماوية تظهر من يد الله في صورة السلاسل العلمية، ومع ذلك فإن خلقها ومحوها لأهداف مقصودة يكون بيد الله، فلا نستطيع القول مثلا بأنه إذا كان العلاج الحقيقي للطاعون يتوقف على استخدام الأدوية والتدابير المادية، فما علاقة التوبة والأعمال الصالحة بها.كذلك إذا كان مدار العمل كله يتوقف على التوبة والأعمال الصالحة، فالأدوية والتدابير باطلة لأن التدبير لا يُنافي الدعاء.فكل تدبير نتخذه أو دواء نتناوله لا نستطيع خلق جميع الشروط لتأثيره بحسب مشيئتنا، فهي الأخرى بيد الله كإجابة الدعاء.فمن غباء الإنسان أنه يحسبها متناقضة، إن الله الله هو مبدأ الفيض لنا من كل النواحي، فإذا اتخذنا طرق البر فهو يقدر على حمايتنا بصيانة علمنا وتدبيرنا من الخطأ وإلهامنا التدابير الصائبة، أما في حال تمردنا وشرورنا فيستطيع أن يهلكنا بأيدينا، فالإنسان الشرير وخبيث الطبع يحب التحرر لدرجة أن يتمنى أن يتحرّر من الله أيضا، إلا أنه الله يستحيل عليه، وصحيح أن الله له نظم جميع أفعاله في سلسلة، لكنه مع تلك الأنظمة كلها فإن مفاتيحها كلها بيده

Page 142

۱۲۸۰ الآن نقول عودًا إلى خطابنا السابق: إن كلمة الرجز الواردة في القرآن الكريم بمعنى الطاعون، ومعناه في الأصل إذا كان بالفتح مرض يصيب مغبن الفخذ للجمل، وأصل ذلك المرض يعود إلى دودة تتولد في لحم الجمل ودمه.فباختيار هذه الكلمة أشير إلى أن السبب الأصلي لمرض الطاعون أيضا يعود إلى دودة، ففي موضع من صحيح مسلم يوجد التأييد الصريح لهذا الأمر، لأن الطاعون في هذا الموضع سمي بالنغف والنغف في لغة العرب تُطلق على دودة تشبه الدودة التي تخرج من أنف الجمل أو أنف العنز، وكذلك في كلام العرب يُطلق الرُّجز على النجاسة، ففي ذلك تبدو الإشارة إلى أن أصل الطاعون أيضا هو النجاسة.لهذا فإن مراعاة الأسباب الظاهرة أن تُحفظ البيوت والأزقة والبواليع والملابس والفرش والأجسام من كل وهو أنواع النجاسة في أيام الطاعون، وأن تصان كل هذه الأشياء من العفونة.إن شريعة الإسلام حين ركزت كثيرا على نظافة كل هذه الأشياء كما قال القرآن الكريم وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ فالقصد من وراء هذه الأحكام أن يحمي الإنسان نفسه من هذه الآفات الجسدية مراعاة لمبادئ الصحة، إن النصارى يعترضون قائلين ما هذه الأحكام التي لا نفقهها، حيث يقول القرآن: طهروا أجسامكم بالغُسل وتسوكوا وخلوا الأسنان واجتنبوا كل نجاسة مادية واحموا بيوتكم أيضا، وابتعدوا عن الروائح الكريهة ولا تأكلوا الميتة والأشياء الوسخة فجواب ذلك أن القرآن كان قد وجد العرب في المدثر : ٦

Page 143

۱۲۹ من ذلك الزمن ،هكذا، فلم يكونوا في حالة خطرة من ناحية روحانية فقط بل كانت صحتهم من ناحية جسمانية أيضا في خطر شديد، فكانت منة الله عليهم وعلى العالم كله أن حدد المبادئ للمحافظة على الصحة.وقد قال أيضا: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ، أي كلوا واشربوا ولا تكثروا الطعام والشراب كيفا أو كما في غير المحل.والمؤسف أن القساوسة لا يعرفون أن الذي لا يهتم بالطهارة المادية فهو يتردى تدريبًا إلى الحالة الهمجية، فيُحرم من الطهارة الروحانية أيضًا؛ فمثلا إذا تركتم تنظيف الأسنان لعدد من الأيام وهى أدنى درجة للطهارة، فالفضلات التى تبقى عالقة في الأسنان ستنبعث منها رائحة الميتة، وأخيرا سوف تفسد الأسنان، وتأثيرها السام سيصيب المعدة فيُفسدها.تأملوا أنتم لتعلموا حين تنحشر أي قطعة اللحم أو نسيج منه في الأسنان ولا تُنزع بواسطة أعواد الأسنان فوراً، فإذا باتت ليلة واحدة على هذه الحالة تنشأ فيها رائحة كريهة جدا، كأن فأرة ماتت فكم من الغباء الاعتراض على الطهارة والنظافة المادية، وأن يُعطى التعليم بألا تبالوا بالطهارة الجسدية أبدا؛ فلا تستخدموا أعواد الأسنان ولا تسوكوا، ولا تزيلوا الأوساخ عن جسمكم بالاستحمام ولا تتطهروا بعد التبرز، لأنّ الطهارة الروحانية تكفيكم! فإن تجاربنا الخاصة تفيد أننا كما نحتاج إلى الطهارة الروحانية للصحة الروحانية كذلك فإن صحتنا الجسدية تقتضي الطهارة ،الجسدية بل الحق أن لطهارتنا الجسدية الأعراف: ٣٢

Page 144

۱۳۰۰ دخلا كبيرا في طهارتنا الروحانية، لأنه حين نتعرض للنتائج الوخيمة -أي الأمراض الخطيرة إثر إهمالنا الطهارة المادية، فيحصل عندئذ الخلل الكبير في واجباتنا الدينية بحيث نصبح في المرض عاطلين لدرجة لا نقدر عندها على إحراز أي خدمة دينية، أو بعد تحمُّل الآلام لبضعة أيام نرحل من هذا العالم، بل بدلا من أن نخدم الآخرين نصير نحن وبالا على حياة الآخرين من جراء إهمالنا مبادئ الصحة وتورطنا في النجاسات الجسمانية، وأخيرا تشتعل ذخيرة الأرجاس التي نجمعها بأيدينا في صورة الوباء وتلتهم البلد كله.ونتسبب نحن شخصيا في ظهور كل هذه المصائب، لأننا لم تُراع مبادئ الطهارة الظاهرة فلاحظوا كم من الآفات تُصيب الإنسان نتيجة تركه مبادئ القرآن الكريم ووصايا الفرقان إن الذين لا يأخذون الحذر ولا يبالون بالأرجاس ولا يدفعون العفونة من بيوتهم وأزقتهم وملابسهم وأفواههم، فكم من نتائج خطرة تحدث للإنسان بسبب عدم اعتدالهم.وكيف تتفشى الأوبئة فجأة ويظهر الموت ويحدث ضحيج القيامة، حتى يتخلى الناس عن بيوتهم وأموالهم وممتلكاتهم وعقاراتهم التي يكونون قد جمعوها بجهد جهيد فزعًا من الموت ويُسرعون إلى بلاد أخرى، فتُفصل الأولاد عن الأمهات والأمهات عن الأولاد فهل هذه المصيبة أقل من نار جهنم؟ اسألوا الأطباء واستفسروا الحكماء: هل عدم الاهتمام بالطهارة الجسدية يتسبب في الوباء ويستدعيه أم لا؟ فهل أساء القرآن الكريم حين ركز أولا على طهارة الأجسام والبيوت والملابس وأراد وقاية الناس من

Page 145

۱۳۱ لاتقاء جهنم هذا الجحيم الذي يصيب في هذا العالم كالفالج ويكون قاضيا.ثم أخبر الأخرى- عن الصراط المستقيم الذي ينسجم مع مقتضى الفطرة الإنسانية وقانون الطبيعة تماما، ودلّنا على طريق النجاة التي لا تنبعث منها رائحة المكيدة المصطنعة الزائفة.فهل يمكن أن نتوقع الفوز بالنجاة، بترك سنة الله القديمة التي ظلت تظهر لجميع الشعوب، اعتمادا على قصة مختلقة لُفقت بعد آلاف السنين بل بعد سنين لا تعد ولا تحصى، واتخاذ الإنسان الضعيف إلها وعده قد مات ميتة لعينة؟ وهل يمكن أن يكون منجينا مَن لم يتخلّص نفسه من أيدي الأعداء، فلم يتركوه حتى قضوا عليه سنكون أشقياء جدًا إذا كان إلهنا هو هذا الضعيف والمسكين والعاجز، الذي لم يستطع أن ينجو بنفسه من المذلات والآلام والخيبات، فإذا كان نموذج قدراته قد ظهر هكذا في هذا العالم فكيف نتوقع أن يكون قد حاز بعد الوفاة قوة وقدرة جديدة؟ فكيف لمن لم يستطع إنقاذ نفسه أن ينقذ الآخرين؟ فكم من الغباء والسفه واللامعقولية أن الله لا يقدر على نجاتنا إلا بأن يردّ من عتباته بريئا ويتبرأ منه من أعماق قلبه ويعادِه ويجعل قلبه قاسيا وبعيدا ومحروما من حبه ومعرفته؛ أي إلا بأن يجعله ملعونا ويُدخله في المجرمين.يجب على كل واحد أن يجتنب هذا الإله الخيالي، الذي كانت معاملته مع ابنه الحقيقي على هذا النحو.قولوا حقا، هل يقبل أي عقل أن يشفع لأحد عند الله من هو نفسه ملعون؟ انظروا كم يتورّط الدين المسيحي في الأمور البذيئة والسخيفة والبعيدة عن الأمانة بحيث يجعل

Page 146

۱۳۲۶۰ أولا إنسانًا متواضعًا منكوبا إها بغير حق، ثم يُعتقد بغير حق أنه صار لعينا، الله، وابتعد وتبرأ الله منه وهو قد تبرأ من الله، وأصبح الله عدوه وهو عدو عنه وهو ابتعد عن الله، ثم بعد كل هذه الأمور يعتقدون بأن الإنسان الله يتخلّص من مؤاخذة جميع الذنوب بالإيمان بالميتة اللعينة، سواء كان سارقا أو قاتلا أو قاطع طرق أو فاجرا أو زانيًا أو أكل أموال الآخرين خيانة وغُبنًا.وباختصار، مهما تورّط في السيئات والجرائم سينجو من العقاب.فلاحظوا من أي نوع هذا الدين وهذا التعليم وكم من نتائج وخيمة تترتب على مثل هذه العقائد.ومع أنهم يعتنقون هذه العقائد المخجلة يعترضون على الإسلام.لا يعرفون أن الإسلام قدَّم إلها قدَّمته السماء والأرض، وليس في ذلك تصنع واختراع جديد.وإن الإسلام يقود إلى الخالق الأحد الذي ليس له بداية، والذي لم يولد من بطن امرأة و لم يتعرض للموت وليس له أيُّ ابن يحزن بموته.كما أن الإسلام علّم طرق النجاة التي هي منذ الأزل، وهي منسجمة مع شهادات قانون الطبيعة منذ خلق العالم، وليس فيها أي تصنُّع.فالجهل والتعصب آفة تقود الأمَّةَ عابدة الإنسان المنكبة على عبادة غير الله إلى الاعتراض على عبدة الله.فما الذي بأيديهم سوى أن يوصلوا إصرارهم إلى منتهاه بتفسيرهم الخاطئ لكتب الله.فالكتب نفسها تردّ على هذه العقائد، واليهود إلى الآن يُصدِّقون عموما بأن التوحيد الإسرائيلي يتفق مع التوحيد القرآني.وفي هذا الموضوع نخالف المسيحيين نحن واليهود وبعض الفِرق المسيحية وقانون الطبيعة أيضا.كل هذه

Page 147

۱۳۳ العبادات، أي عبادة المخلوق، قد نشأت من تصرفات الإنسان الخاطئة، فبعضهم عبدوا الحجر وبعضهم الإنسان وبعضهم اتخذوا ابنَ "كشليا" إلها وبعضهم الهو ابن مريم.لماذا يدعو هؤلاء الناس المسلمين إلى الكذب؟ إن إله المسلمين هو الذي يثبت أنه واجب الوجود بالنظر إلى السماء والأرض، ويتجلى بوجوده بالآيات المتجددة دوما.فالمسلم الصادق يمكن أن يسمع نداءه الآن أيضا كما كان موسی العليا قد سمعه على جبل الطور، فهو يستطيع أن يلاحظ معجزاته المتجددة مباشرة.ثم كيف يمكن أن يُسمى الميت إلها؟ هؤلاء محرومون قطعا من العلاقات السماوية لكونهم عبدة الإنسان، وليس معهم تأييدات الله السماوية إنما تُقدَّم القصص الواهية فقط بدلا من الآيات، فهم لا يريدون أن يحكموا بالعقل ولا بالآيات السماوية، هم ينشرون الشرك وعبادة المخلوق في الأرض، ثم يعترضون على القرآن الكريم أنه لماذا لفت انتباه الناس إلى الطهارة الجسدية؟ لا يعرفون أن النبي أب روحاني، فهو يُريد أن يخلّص من كل رجس تدريجا ويريد أن يُنجي من كل خطر.فالنجاسة من الدرجة الأولى التي تدفع الإنسان إلى الهمجية هي النجاسة الجسدية، وتترتب عليها الأمراض الخطيرة والأوبئة المهلكة، فكان من الضروري أن يبدأ كتاب الله الكامل تعليمه بذلك، وقد فعل الله ذلك؛ فقد خلص أولا من النجاسات الجسدية والحالات الوحشية الأخرى فأراد أن يجعل الوحوش أناسًا، ثم جعلهم أناسًا متحضرين بتعليمهم الأخلاق الفاضلة وأحكام الطهارة الباطنية، ثم

Page 148

۱۳ بإيصالهم إلى الدقائق اللطيفة للحب والتفاني في الله جعل المتحضرين ربانيين، وبعد إنجاز ذلك كله قال: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا.فكلام الله يُبلغ الإنسان بطرق الحكمة منارة الرقي، فهو لا يستحيي من أن يُنجي الإنسان المتردي عن الإنسانية من النجاسات الظاهرة أيضا كما يخلّصه من النجاسات الباطنية، فهو قد رغب الناس في كلامه المقدس إلى كلتا الطهارتين كما يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ"، فباستخدام كلمة "التوابين" قد لفت الله انتباهنا إلى الطهارة الباطنية والنظافة، وبكلمة "المتطهرين" رغبنا في النظافة الظاهرة والطهارة وليس المراد من هذه الآية أن الله لا يحب فقط أولئك الذين يهتمون بالطهارة الظاهرة، بل ذكر أيضا كلمة "التوابين" ليشير إلى أن حب الله لعباده على وجه أكمل وأتم والذي يُكسب النجاة يوم القيامة، مرتبط بتوبة الإنسان إلى الله بصدق بالإضافة إلى الاهتمام بالطهارة الظاهرة.لكن المهتم بالطهارة الظاهرة فقط في العالم يمكن أن يستفيد من هذا الاهتمام بحيث يسلم من الأمراض الجسدية الكثيرة.وصحيح يقدر على ملاحظة نتائج الحب الإلهي السامي لكنه لما كان قد أنجز شيئا بحسب مشيئة الله، أي قد طهر بيته وجسده وملابسه من النجاسات، لذا تقرر أن يُعصَم من بعض الآفات الجسدية إلا إذا كان قد استحق العقاب أنه لا الحديد: ۱۸ البقرة: ٢٢٣

Page 149

۱۳۰ لكثرة الذنوب؛ لأن في هذه الحالة لن يُهيئ الله له التمسك بالطهارة الظاهرة كما هو حقها ويجعله يستفيد من نتائجها باختصار، بحسب الوعد الإلهي يمكن أن يشترك في الجزء الخفيف والبسيط من الحب حتى ذلك العدو الذي يسعى للطهارة الظاهرة في حياته الدنيا، كما يلاحظ في التجارب أن الذين يُنظّفون بيوتهم جيدا ولا يدعون مجاري مياههم تتسخ ويغسلون أيديهم على الدوام، ويخللون بين أصابعهم، ويستخدمون أعواد الأسنان للتنظيف، ويتسوكون ويُطهرون أجسامهم ويجتنبون الرائحة الكريهة والعفونة، فهم يسلمون عادةً من الأمراض الوبائية الخطرة.فكأنهم بذلك ينتفعون من وعد: يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ، أما الذين لا يُبالون بالطهارة الظاهرة فهم يقعون في الفخ أخيرا يوما من الأيام، حيث تصيبهم الأمراض الخطيرة.إذا قرأتم القرآن الكريم بتدبر أدركتم أن رحمة الله اللامنتهية أرادت أن ينجو الإنسان من العذاب الروحاني باتخاذ الطهارة الباطنية، ويسلم باتخاذ الطهارة الظاهرة من العذاب الدنيوي المتمثل في أنواع الأمراض والأوبئة، وهذه السلسلة بينها القرآن الكريم من أوله إلى الأخير، فهذه الآية إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) تُبيِّن بجلاء أن المراد من التوابين هم الذين يسعون للطهارة الباطنية، أما المراد من المتطهرين فهم الذين يجتهدون على الدوام للطهارة الجسدية الظاهرة.وكذلك يقول الله الله في آية أخرى كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، وباقترانهما نستنتج أن المؤمنون: ٥٢

Page 150

عقوبة الخبيثين ضرورية في عالم الآخرة، لأنه حين نترك قواعد الطهارة الجسدية في هذا العالم نُصاب فورا بآفة ما، ومثل ذلك من الضروري إذا أهملنا مبادئ الطهارة الروحانية أن يحل علينا بعد الموت عذاب أليم كالوباء نتيجة أعمالنا، فهذا الطاعون نفسه يشهد على ذلك؛ إذ إن المدن والبيوت التي لم تراع فيها الطهارة المادية، كما كان يجب، أصابها الوباء أخيرا.أن هذه الكائنات المسببة للعفونة كانت تقريبا موجودة دوما، إلا أنها في السابق لم تبلغ مقدارا تجيش به السُّمّية، ونشأت فيما بعد بأسباب أخرى.كم من الصعب أنه ما دمنا لا نستطيع تقدير النجاسة المادية والعفونة المهلكة قبل أن تحل بنا، فكيف نقدّر إذن السمية الروحانية أنها متى وفي أي وقت يمكن أن تملكنا لهذا من اللزام علينا أن نداوم على الدعاء ولا نعيش باللامبالاة ،والغفلة فليس هناك طريق أفضل من طلب صحيح الله الفضل من والدوام على الدعاء.فهذا هو الطريق الوحيد المهم جدا والواجب علينا، ولهذا السبب عُلّمنا في القرآن الكريم الدعاء لاجتناب العذاب.وذلك الدعاء هو سورة الفاتحة التي تُقرأ في الصلوات الخمس يوميا.هذا الدعاء يشمل اجتناب العذاب بنوعيه لأن تقدير الجملة الأخيرة للدعاء هو: "ربنا جنبنا صراط الذين تفشى فيهم الطاعون" ومن هنا ملحوظة: من هنا يتبين أن الكفارة لا شيء يذكر، بل كما نستنزل علينا الوباء نتيجة تصرفات مادية سيئة ثم ننجو منه نتيجة الالتزام بقواعد المحافظة على الصحة، فالقانون نفسه يتعلق بعذابنا وخلاصنا الروحانيين أيضا.منه

Page 151

۱۳۷ الدنيا وجهنم نستنبط أنه يجب أن ندعو هذا الدعاء لنُعصم من جحيم الآخرة.لهذا إنني على يقين بأن من داوم على ترديد هذا الدعاء أي الله من سورة الفاتحة في الصلاة بإخلاص لدفع الطاعون، فسوف يعصمه هذا البلاء ونتائجه السيئة.ونحن نلفت الآن انتباه جميع المسلمين إلى أن لا يوقنوا بأن الطاعون قد زال، فيميلوا بهذه الفكرة إلى الغفلة والذنب والمعصية من جديد، لأنه كما نشرنا في إعلان سابق أننا لم نخرج بعد من حدود الخطر، حتى يمر شتاءان بعافية، ولا يحدث الطاعون في أي جزء من هذا البلد، وحتى ذلك الحين نحن في خطر.فصحيح أن التدابير الطبية رائعة، كما أن التوجيهات التي قدمتها حكومتنا هي جديرة بالشكر والتقدير، لكن ينبغي أن لا تحصروا الفلاح والنجاة في هذه التدابير فحسب، بل تصالحوا مع ربكم الرحيم والكريم أيضا.انظروا كم تفشى الذنب والمكر والكذب والظلم وغصب الحقوق والفجور في البلد، فهذه المعاصي نفسها هي السابقة بسببها دوما.فاتقوا الله الغيور الذي غيرته ظلت تهلك الأمم التي هلکت الخبيثين على الدوام، فإذا خفتم الله ذا الجلال وبوءتم في القلوب عظمته فسوف يعصمكم من الضياع وتنجون أنتم وأولادكم، وتحميكم رحمة الله وسيخلق أسبابا تزول بها هذه المواد السامة.أما إذا الهتكم الدنيا و لم تكفّوا عن ارتكاب المعاصي فهو قادر على أن يعطل وتغافلتم عن الله جميع تدابيركم ويبطش بكم من حيث لا تشعرون.انظروا حين تفشى

Page 152

۱۳۸۵ الطاعون في اليهود في طريق مصر وكنعان كانوا في البرية بعيدين تماما عن عفونات المدينة، وكانوا يتغذون على الترنجبين والسماني، وكانوا موقنين بأنه لن ينزل عليهم أي بلاء، لكنهم حين بدأوا المعصية وتورطوا في الفسق والفجور تسببت الترنجبين والسماني نفسها في تفشي الطاعون.فما أدق هذا السر لحكم الله له أي لما كان الله يعلم أن هذا القوم سيتورّط عن قريب في التمرُّد والبغي فقد هيأ لهم الترنجبين والسماني ليل نهار؛ فهذان الشيئان في الطب يسببان الطاعون بصفة خاصة، ولهذا السبب يجتنب الأطباء إعطاء الترنجبين وصفة لأمراض الجلد في مكان توجد فيه البثور والدمامل.فاليهود الأشقياء من ناحية ظلوا يرتكبون الجرائم ومن ناحية ثانية جمعوا فيهم مادة الطاعون نتيجة تناول الترنجبين والسماني ليل نهار، فحين حانت مؤاخذتهم كانت الجرائم من ناحية قد بلغت منتهاها وكانت تتطلب العقاب، ومن ناحية ثانية كانت المادة الطاعونية قد اجتمعت فيهم إثر تناولهم الترنجبين والسماني لدرجة اقتضت تفشي الطاعون.ففي ليلة واحدة حين نزل من السماء أمر عقوبة اليهود، تلقت مادة الطاعون التى كانت مستعدة أيضا الأمر بالخروج ليُهلك هذا القوم الشرير، فماتوا في الغابة كالكلاب.فاعتبروا يا أولي الأبصار.إنني أقول صدقا وحقا إنه سيؤول إلى هذا المآل أيضا أولئك الذين يتورطون بمنتهى التجاسر في ارتكاب كل أنواع الزنا والسرقة وسفك الدم وأكل مال الحرام وإيذاء بني نوع الإنسان كالسباع، ولا يخافون حدود الله

Page 153

۱۳۹ ده وقوانينه، ولا يخافون القوانين التي سنتها الحكومة.وهذا ما كشف عليَّ في الإلهام عن الطاعون وسجلته في إعلاني السابق، وهو "إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.إنه أوى القرية أي أن الله لا ينزع أيَّ حسنة أو سيئة أصاب بها أي قوم ما دام القوم أنفسهم لا يصرفون عنهم ما في قلوبهم.إن الله حمى القرية التي في علمه من التشتت فالأسف كل الأسف أن بعض السفهاء يقولون إني قد اختلقت هذا الإلهام من عندي.فما الذي أقول وأكتب ردًّا على هؤلاء؟ يا سيئي الظن الأشقياء، هل يمكن أن يسلم من غضب الله مَن يفتري عليه؟ إن الله سيهلك الكاذبين، وسيُهلك الذين يختلقون من عند أنفسهم ثم يقولون هو من عند الله، لأنهم افتروا على متجاسرين.إن للأبرار أياما محددة، وللمفترين كذبًا أيضا قد حددت الأيام.من الذي تكلم بازدهاء ومن الذي اتبع نداء وعندما يأتي الموعد سيري الله الله روح القدس.ستعرفون أمور الله بآياته فلن يبقى الحق في طي الكتمان ولن يختفي الباطل أيضا، وإن الله الذي ظل يُظهر نفسه على الدوام، سيُري الآن أيضا أنه مع الذين يخشونه حقا ويتخذون سبل البر والتقوى.وينبغي 6 أيها الناس اتقوا الله وتصالحوا معه حقا، وارتدوا ملابس الصلاح حقا، أن تبتعد عنكم كل فتنة.في الله قدرات عجيبة جدا، وفيه قدرات لا نهاية لها، إن الله ذو رحمة واسعة وفضل عظيم.وهو الذي وحده يقدر على أن يُجفّف السيل الهائل في لحظة واحدة، وهو الذي –بإرادة واحدة- يمسك بيده البلايا المهلكة ويرميها بعيدا، إلا أن قدراته العجيبة هذه لا

Page 154

تنكشف إلا على الذين يكونون له وحده، وإنما يتمكن من رؤية هذه الخوارق مَن يُحدثون في نفوسهم تغييرا طاهرًا، ويخرّون على عتباته، ويصفون مثل القطرة التي تصير لؤلؤة، ويذوبون بحرقة الحب والصدق والصفا، ويندفعون وينجرون إليه، عندئذ يُعنى بهم في المصائب ويحميهم من مكايد العدو ومؤامراته على نحو عجيب ويحفظهم من مواقع الذلة، فهو يتولاهم ويتعهدهم، وينصرهم في المشاكل التي لا ينفع فيها أي إنسان، وتأتي أفواجه لحمايتهم.فكم هو مدعاة للشكر أن ربنا كريم وقادر، فهل سوف تتركون ذلك العزيز؟ وهل تَتَعَدون حدوده لنفوسكم الخبيثة؟ إن الموت لنيل رضوانه أفضل لنا من الحياة النجسة.لقد ركز القرآن الكريم على الأمر بالتحلي بالتقوى والورع أكثر من أي حكم آخر، لأن التقوى تمنح المرء قوة لاجتناب كل سيئة، وتساعده على الإسراع في كسب كل حسنة والسر في هذا التأكيد الكثير هو أن التقوى تميمة السلام للإنسان في جميع مجالات الحياة.إنها الحصن الحصين للوقاية من كل فتنة.إن المتقى يتجنّب كثيرا من النقاشات العقيمة والخصومات الخطيرة، بينما يهلك الآخرون بالخوض فيها في كثير من الأحيان، ويسببون الفُرقة في قومهم جراء استعجالهم وظنونهم السيئة، ويُتيحون للمخالفين مجالا للاعتراض فانظروا بالتأمل مثلا إلى أي حد أوصل المشايخ المعاصرون المعاندون فكرة تكفيرنا وتكذيبنا دون أي تحقيق أو إثبات، بحيث يروننا في الكفر أسوأ من النصارى والهندوس.فهل المتقي

Page 155

كما الذي ينهى قلبه فعلا عن اتباع الشكوك يمكن أن يقع في هذه البلايا؟ فلو كانت في قلوب هؤلاء ذرةٌ من التقوى لا تخذوا مقابلي الطريق الذي اتخذها طلاب الحق منذ القدم، لأن الجميع قد سلَّموا منذ القدم بهذا المبدأ كما قرره الإسلام أيضا بأن الذين يعلنون في العالم أنهم بعثوا من الله أنبياء ورسلا ومأمورين، إذا حصل بينهم وبين علماء العصر اختلاف في بيان معنى أي حديث أو تفسير لكتاب الله، فليس طريق التسوية معهم يكون مع سائر الناس العاديين، بحيث يُرجح فريق المعنى الذي يُبينه ويُقوّيه ويسارع إلى تكذيب الفريق الآخر، بل على الاختلاف في التفسير والتأويل الحاصل بينهم ومع كون بعض المعاني أقرب إلى القياس في الظاهر على عكس المعاني التي بينها المأمورون، فإن السعداء لا يتمسكون بمعانيهم مقابل المأمورين ومتلقي الإلهام ولا يُصِرُّون.بل عندما يتبين لهم من خلال ملاحظة التأييد الإلهي المتواتر والآيات المتنوعة أن أولئك الناس مؤيدون من الله ؛ فإنهم يتركون معانيهم ويتقبلون المعاني التي بينها هؤلاء المؤيدون، وإن كان يبدو في الظاهر نوع من الضعف فيها.لأن في بيان المعاني سعة كبيرة؛ فأحيانا يكون الإنسان الذي يميل إلى المجاز ويقدم معنى مجازيا لنص ما على حق، مقابل غيره الذي يتمسك بظاهر النص ويُفسره تفسيرًا حرفيًا، ولا يتوجه إلى المجاز.بل من مقتضى الأدب والاحترام الواجب تجاه الملهمين والمرسلين أن لا يُطالبوا بالقرائن حتى لو قاموا بالصرف عن الظاهر ولو بدون أي قرينة، على عكس ما يُطالب به العلماء الآخرون.إلا أنه سيكون

Page 156

من الله ومقربون إليه، من الضروري التأكد من أنهم في الحقيقة مؤيدون فإذا ثبت أنهم حائزون على التأييد الإلهي، فعند ظهور الاختلاف بينهم وبين العلماء الآخرين في بيان معنى ما لكتاب الله، يجب أن يُقبل المعنى الذي بينه المبعوثون حصرا.وما زال العمل بهذا المبدأ على الدوام' قائما؛ فمثلا حين حصل الاختلاف بين عيسى الله وبين اليهود في بيان تحقق نبوءة النبي ملاخي عن مجيء إيليا ثانية فمع أن التفسير الذي قدمه اليهود كان بحسب الظاهر بينما قول عيسى السلام وهو أن المراد من بعثة النبي بعثة مثيله كان يبدو تأويلا ركيكا، بل يتسم بنوع من إيليا ثانية هي الإلحاد وكان جديرا بالضحك عند اليهود، وكان صرفا عن الظاهر دون إقامة أي قرينة؛ فمع ذلك حين رأى السعداء أن هذا الرجل مؤيد من من الله وإن قال أحدهم بأنه إذا كان التسليم بالمعنى الذي قاله الملهم ضروريا عند أنه الاختلاف، فقد يفسر مدعي الإلهام والبعثة الذي لم يثبت بعد الله، كتاب الله منه تفسيرًا يترشح الإلحاد صراحةً، فكيف يمكن التسليم بتلك المعاني التي أتى بها؟ فجوابه أن من علامة الملهم الصادق بموجب الوعد القرآني أنه يؤيد من الله، ولا تتحقق نبوءة أحد غيره.فإن ثبت صدقه من خلال هذه العلامة فكيف يُعَدُّ ملحدا؟ فقد سبق الله وعد بأن المفتري يُهلك.وباختصار، قد تمت المصادقة على هذه المسألة وختم عليها آلاف الصادقين بدمائهم؛ أنه إذا ظهر اختلاف بين مدعي الإلهام والوحي وغيره في بيان معنى أي نص، فإنما يُقبل المعنى الذي خرج من فم ذلك المدعي بعد أن يكون صدقه قد ثبت بالتأييد الإلهي.هذا هو الطريق الذي سلكه الصالحون، فثبت من هنا أن الذي يدعي تلقي الوحي والإلهام فإنما يجدر قوله بالردّ فقط في حالة لا تكون معه من الآيات.منه

Page 157

وأن الحقيقة انكشفت عليه ،بالوحى قبلوا التفسير الذي بينه عيسى العلي وردّوا معنى اليهود، وإن كان في الظاهر يبدو هو الصحيح.ثم حدث نزاع مماثل لليهود مع نبينا في تفسير النبوءة عن "مثيل موسى" الواردة في التثنية في التوراة؛ حيث كانوا يقولون بأن ذلك النبي سيأتي من بني إسرائيل، وكانوا يقولون إن الله أقسم لداود أنه سيظل يبعث الأنبياء من عائلته فقط، لكن سيدنا ومولانا النبي الله قال إن هذا المعنى ليس صحيحا وإنما المعنى الصحيح أن ظهور مثيل موسى كان يجب أن يكون من إخوة بني إسرائيل، أي من بني إسماعيل.فمع أن معاني اليهود كان قد اتفق عليها علماؤهم منذ ألفي عام ، وكان ذلك حجة قوية للجاهل؛ أنه كيف يمكن أن يُسلموا بمعنى جديد مخالف للمعنى الذي عُدَّ صحيحًا عند جمع كبير من العلماء منذ ألفي عام وكان بمنزلة العقيدة الإجماعية؟ مع ذلك حين رأى العقلاء أن المعنى الجديد قد بينه الإنسان المؤيد من الله - أي نبينا - كما اعتقدوا أن العقل الإنساني يمكن أن يخطئ في الاجتهاد في بيان المعنى، بينما المعنى الذي بينه الوحي فلا يمكن أن يُخطئ؛ قبلوا تفسير سيدنا النبي اللة، ورموا تفسير المعارضين كمهملات، وإن كانوا يُدعون مشايخ دينهم وعلماءه، لأنهم أيقنوا أن هذا الرجل حائز على تأييد خوارق، وأن التأييدات السماوية تلازمه.فلم يجدوا بدا من القبول بأن معاني اليهود والنصارى ليست صحيحة.فمن هذا المنطلق أسلم مئات اليهود والنصارى تاركين المعاني التي تم عليها الاتفاق منذ ألفي سنة، فمن من الله وصاحب

Page 158

012270 هذين النظيرين ثبت قطعا أنه إذا ظهر اختلاف في بيان تفسير لكتاب الله بين قوم ومبعوث من الله فإن المعنى الذي بينه المبعوث هو حصرًا يجدر بالقبول وإن كان يبدو في الظاهر ضعيفا وبعيدًا عن القياس.ولهذا السبب لا نُفسّر معظم نصوص التوراة والإنجيل بما فسرها اليهود والنصارى، وإنما سنقبل في كل حال المعاني التي بينها القرآن الكريم.فحين تحقق هذا المبدأ وجب أن نلاحظ أنه لو كان المشايخ المعارضون يتسمون بالأمانة والإنصاف، ففي حالة دعواي بكوني المسيح الموعود وكنت أُفسر تأييدًا لدعواي بعض الأحاديث والآيات تفسيرا لا يقبله المعارضون، كان يجب على أهل التقوى إذا كان تفسيري في نظرهم ضعيفا على سبيل الافتراض أن يسمّوا هذا الخلاف معى عند ظهوره بحسب الطريق المعهود، كما ظل يُسوّيه الصالحون السابقون في مثل هذا الوضع؛ أي كان يجب أن يتأكدوا هل هذا الرجل مؤيد من الله أم لا، لكنهم مع الأسف لم هذا المسلك، مع أنه لو كان عندهم إنصاف لوجب عليهم يسلكوا معي أن يتخذوا هذا الطريق بمقتضى الأمانة والأغرب من ذلك أن الجانب الذي اتخذناه لتفسير النصوص هو صحيح جدا والأقرب إلى القياس عقلا أيضا، إلا أن معارضينا مع ذلك أعرضوا عنه.مع أنه كان من الواجب عليهم أن يقبلوا تفسيري حصرًا بعد التأكد من أن التأييد الإلهى يحالفنى حتى لو بدا ضعيفا مقابل تفسيرهم.فقولوا الآن أهذا هو طريق التقوى الذي اختاروه؟ تأملوا ! أي طريق اتخذه السعداء حين ظهرت هذه الخلافات

Page 159

بين الأنبياء والأمم الأخرى؟ أليس من الحق أنهم قبلوا التفسير الذي خرج من فم الأنبياء في أي حال؟ الآن تظهر مرة أخرى عودةً إلى الكلام السابق، أننا أعددنا دواءين كبين لعلاج الطاعون مواساة للخلق، أحدهما كلف ألفين وخمسمئة روبية؛ فقد هيأ أخي المولوي الحكيم نور الدين المحترم "الياقوت الرماني" بقيمة ألفي روبية، كما تبرع الشيخ رحمة الله بأربعمئة روبية، وتبرّع الأحبة الآخرون بمئة روبية.لقد سمي هذا الدواء بالترياق الإلهي، فسوف يفيد إذا تفشى الطاعون في فصل الشتاء مرة أخرى لا سمح الله.حاليا لا نستطيع أن نقول لمن سوف يُقدم هذا الدواء الغالي الذي كلف إعداده ألفين وخمسمئة روبية، وهل هو قابل للبيع أم لا ؟ فالدواء قليل وأفراد الجماعة كثيرون، وإنني أحب أن ينال العامة من هذا الترياق الإلهي الحياة الجديدة، لكنني لا أقدر على ذلك كنت قد تلقيت في الإلهام جملة "يا مسيح الخلق عدوانا"..وإني لأرى أن المراد من العدوى هذا الطاعون نفسه.وإذا لم أخطئ في تفسير الإلهام الذي ورد فيه "إنه آوى القرية" فليس من الغريب أن تبقى قاديان دارَ الأمان في شدة الطاعون.إنني أدعو الله دوما وفي الصلوات الخمس أن يرفع الله هذا المرض من العالم ويعفو عن تقصيرات عباده إلا أنني بحسب الإلهامات التي بينتها أخشى أحد مكوناته.(المترجم)

Page 160

كثيرا أن تشتعل هذه النار في فصل الشتاء أو في بدايته أو حتى في موسم الأمطار إذا لم يتب الناس.وليكن معلوما أن الحكم في الكفر والإيمان سيتم بعد الموت، فالعذاب لا ينزل في الدنيا بسبب ذلك، وإن الأمم السابقة التي أهلكت فلم تهلك بسبب الكفر، وإنما أُهلكت لتجاسرها وشرورها ومظالمها.فلم يُهلك فرعون أيضا بسبب كفره بل قد أهلك نتيجة مظالمه واعتداءاته فقط، فلا أحد يتعرّض للعذاب في هذا العالم لمجرد الكفر.فلو كان أي كافر مسكينا وهادئ الطبع ولم يكن ظالما فسوف يُحاسب على كفره يوم القيامة فقط.أما في هذا العالم فإنما يحل كل عذاب بسبب الظلم والفاحشة والتجاسر ،والشرور، وكذلك سيحدث على الدوام.فإذا كان الناس في نظر الله متباهين ومتكبرين وظالمين وعديمي الخوف ومؤذي الناس سواء كانوا مسلمين أو هندوسا أو نصارى، فلن يسلموا من العذاب.ليت الناس يفهمون هذا الأمر ويكونوا عبادا مساكين وعديمي الشر، ما يفعل الله بعذاب أحد منهم إن خافوه على الدوام.لقد جاء أنبياء الله للرحمة، والذي لم يقبل الرحمة فقد طلب العذاب.فكل نبي مقدس جاء في العالم برسالة الرحمة، أما العذاب فلم يأت استنزله الناس بأعمالهم.غير أن الأنبياء جُعلوا علامة للصادقين أيضا إذ ظل العذاب ينزل معهم.فليتضح هنا أيضا أني قد حضرت لعلاج ولذلك قد ورد في الأحاديث أن في زمن المسيح الموعود سيتفشى الطاعون أيضا.منه جميع من الله وإنما

Page 161

الطاعون مرهما أيضا هو وصفة قديمة تتداول منذ زمن المسيح واسمها مرهم عيسى" وإن كانت بعض الأدوية قد تغيرت بمرور الزمن؛ أي يتبين بقراءة كتب الطب الكثيرة أن طبيبا أدخل في هذه الوصفة دواء، وغيره أدخل بدلا منه دواءً آخر، إلا أن هذا التغير حصل في دواء أو دوائين فقط، ويبدو سبب ذلك عائدا إلى أنه لا يوجد في كل بلد كل الأدوية، أو توجد ولكن بكمية قليلة أو لا توجد في بعض الفصول.فمن المحتمل أن أحد الأطباء حين لم يعثر على دواء معين أدخل دواء آخر بدلا منه.وإن الاختلاف الذي يوجد في جميع مركبات "الأقرباذينات" في بعض الوصفات فإنما سببه يعود إلى هذا الأمر، إلا أننا حضرنا ببذل الجهود الشاقة الوصفة الحقيقية، واسم هذا المركب "مرهم عيسى"، مرهم الحواريين أيضا ومن أسمائه "مرهم الرسل" أيضا لأن النصارى كانوا يسمون الحواريين "رسل "المسيح" لأنهم كانوا يتوجهون كالرسل إلى حيث يؤمرون ومن الغريب جدًا أنه كما ثبت أن هذه الوصفة أقدم الوصفات الطبية، فقد ثبت أيضا أن أطباء أغلبية الأمم سجلوا هذه الوصفة في كتبهم، فكما ظل الأطباء النصارى يُسجلون هذه الوصفة في كذلك توجد هذه الوصفة في كتب الطب الرومية القديمة أيضا، والأغرب من ذلك أن الأطباء اليهود أيضا نسخوا هذه الوصفة في كتبهم وأنهم أيضا صاروا يعتقدون أن هذه الوصفة كانت قد حُضُرت من أجل علاج جروح عيسى الل، وقد سلّم الأطباء النصارى والمجوس كتبهم ويُسمى

Page 162

والمسلمون وسائر الأطباء الذين خلوا في شتى الشعوب في كتبهم بالإجماع بأن هذه الوصفة كانت قد حُضرت من أجل عيسى العليا.فقد وجدت ألف كتاب من بين كتب هذه الفرق المختلفة سُجلت فيها هذه الوصفة مع سبب التسمية ومعظم تلك الكتب ما زالت موجودة بفضل الله الله في مكتبتنا.فقد كتب الشيخ الرئيس "أبو علي ابن سينا" أيضا هذه الوصفة في كتابه "القانون".ففي مكتبتي نسخة مخطوطة من "القانون" للشيخ أبي علي ابن سينا، التي خطت قبل سنة ٥٠٠ هـ فهي الأخرى تضم هذه الوصفة مع ذكر سبب التسمية.ويتبين بملاحظة كل هذه الكتب أن "مرهم عيسى" هذا كان قد أُعد عندما كان اليهود الأشقياء قد علقوا المسيح الا على الصليب قصد القضاء عليه، وكانوا قد دقوا في قدميه ويديه مسامير من حديد، إلا أن الله الله كان قد قرر أن ينقذه من الموت على الصليب، ولهذا جمع بفضله وكرمه الأسباب التي أدت إلى إنقاذه.وكان من جملة تلك الأسباب أن عُلق حضرته على الصليب يوم الجمعة قرابة العصر، وكانت زوجة بيلاطس الذي كان حاكم البلد قد رأت رؤيا مخيفة قبل الصلب في الليلة نفسها، خلاصتها أنه لو قتل هذا الرجل الذي يُسمى يسوع فسوف يحل عليهم الدمار، فقصت هذه الرؤيا على زوجها بيلاطس، ولما كان أهل الدنيا عادة متوسوسين وجبناء، فقد فزع زوجها بيلاطس كثيرا إثر سماع الرؤيا، وبدأ في الخفاء يخطط لإنقاذه من القتل في كل حال، وأول حيلة قام بها

Page 163

01897 لتحقيق هذه الخطة السرية مع اليهود أنه دبر صلب المسيح يوم الجمعة وقت العصر، وكان يعرف أن اليهود يُريدون الصلب حصرا، ولن يرضوا بقتله بأي أسلوب آخر.ذلك لأن الذي يُقتل بالصليب فإن لعنة الله تحل عليه بحسب دين اليهود ولا يُرفع إلى الله، وبعد ذلك لا يبقى ممكنا أن يحبه الله أو يُعد عند الله من المؤمنين والصالحين، لذا كان اليهود يتمنون أن يصلبوا المسيح ثم يعلنوا بحسب التوراة أنه لو كان نبيا صادقا لما صلب حتما، ويشتتوا بذلك جماعة المسيح أو يُفسدوا من كانوا يحسنون به الظن في الخفاء، فلو قتل عيسى العلبة على الصليب لا سمح الله لوصم بالعار، وما كانت لتثبت صحة نبوته قط ولم يكن ليُعدّ من الصادقين.لهذا قد التأييد الإلهي جميع الأسباب التي أدت إلى إنقاذه من الصلب، وكان أول تلك الأسباب هو أن زوجة بيلاطس أريت رؤيا، فدبر بيلاطس خوفا منها أن يُصلب المسيح يوم الجمعة وقت العصر، ولعله بهذه الخطة فكر أن المسيح سينجو خلال هذه المدة القصيرة التي تُقدر بساعتين.لأنه كان من المستحيل أن يبقى المسيح على الصليب بعد نهاية يوم ذلك لأنه كان حراما في شريعة اليهود أن يبقى أحد على الصليب يوم السبت أو ليلته، وكانت طريقة الصلب أن المجرم كان يثبت على الصليب، فتُدقُ المسامير في قدميه ويديه وكان يبقى ثلاثة أيام في هذه الحالة في الشمس، وكان المجرم يموت أخيرا باجتماع أسباب كثيرة؛ أي بالألم والشمس والجوع والعطش لثلاثة أيام.لكن الذي كان يُعلّق على جمع الجمعة،

Page 164

الصليب يوم الجمعة كان يُنزل كما بينت آنفًا في اليوم نفسه، لأن إبقاءه يوم السبت على الصليب كان ذنبًا كبيرًا ويتسبب في الغُرم والعقاب.فقد انطلت مكيدة بيلاطس هذه عليهم؛ إذ قد علّق المسيح على الصليب في الساعات الأخيرة من يوم الجمعة، وليس ذلك فحسب بل قد هيأ الله بفضله أسبابًا أخرى أيضا لم تكن في قدرة بيلاطس، وهي أن اليهود علقوا المسيح في وقت العصر الضيق، فهبت عاصفة شديدة فورا جعلت النهار شبه ليل، فخاف اليهود أن يكون الليل قد حل، لأنهم كانوا قد منعوا منعا باتا من إبقاء أحد على الصليب يوم السبت أو ليلته.ومعلوم أن ليلة اليوم التي تسبق نهاره تُعدّ في دين اليهود جزءًا من ذلك اليوم، لهذا فإن الليلة التي تلت نهار الجمعة عُدت من السبت، فقلق اليهود جدًا من هبوب العاصفة وخافوا أن يبقى هذا الرجل على الصليب ليلة السبت، فأسرعوا إلى إنزاله ثم كُسرت عظام اللصين اللذين صلبا معه، أما عظام المسيح فلم تكسر ، لأن جنود بيلاطس – الذين كانوا فُهموا من قبل سرا قالوا بأن ليس به نبض و"إن المسيح قد مات".وأرى أنه لما كان قتل الصادق ليس مهمة سهلة ومما يُستهان به، فلم يكن جنود بيلاطس في ذلك الوقت يبذلون الجهود لإنقاذ المسيح وحدهم، بل كان اليهود أيضا قد فقدوا الصواب وكانت قلوبهم أيضًا ترتجف برؤية آثار الغضب ومثلت أمام أعينهم تلك العذابات السماوية التي حلت بهم في الماضي.فلم يتجرأ يهودي على أن يُصرَّ على كسر العظام، ولم يقل سنكسر العظام

Page 165

4107 حتما ولن نمتنع عن ذلك.لأن رب السماوات والأرض كان وقتئذ في غضب شديد، وكان الجلال الإلهي يُلقي الرعب في قلوب اليهود، لهذا فإن اليهود الذين ظل آباؤهم يجربون الغضب الإلهى على الدوام حين لاحظوا العاصفة الشديدة الحالكة وآثار العذاب وتراءت لهم من السماء آثار مرعبة، هربوا إلى بيوتهم فزعين مذعورين.فالدليل الأول لليقين بأن عيسى لم يمت على الصليب حتما أنه ذكر في الإنجيل مماثلته بالنبي يونس وقال إنه سيبقى في القبر ثلاثة أيام كما بقي يونس في بطن الحوت فهذه المماثلة التي ذكرها نبي بلسانه الجديرة بالتدبر ؛ لأنه إذا كان المسيح قد وضع في القبر ميتًا فكيف تتحقق مماثلــة الحي بالميت؟ فهل كان يونس قد بقي في بطن الحوت ميتا؟ فهذا دليـل عظيم على أن المسيح لم يمت على الصليب حتما، و لم يدخل القبر ميتا.والدليل الثاني أن زوجة بيلاطس أُريت زوجة بيلاطس أُريت في الرؤيا أنه إذا هلك هذا الرجل فسوف يحل بكم الدمار فالظاهر أن عيسى الة لو صلب في الحقيقة أي مات على الصليب - لكان من الضروري أن يتحقق ما قاله الملاك لزوجة بيلاطس، والثابت من التاريخ أن بيلاطس لم يحل به أي دمــــار.والدليل الثالث أن المسيح كان قد دعا لنجاته طول الليل، ومن المستبعد عن القياس تماما أن يدعو المقرّب إلى الله طول الليل باكيا ولا يُستجاب له.والدليل الرابع أن المسيح حين عُلق على الصليب دعا الله مرة أخرى ليخلصه قائلا: "إيلي إيلي لما "شبقتني أي إلهي إلهي لماذا خذلتني.فكيف

Page 166

يمكن أن لا يكون الله قد رحمه بعد صدور التضرع والحرقة لهذه الدرجة؟ من المستبعد والدليل الخامس أن المسيح اللة وضع على الصليب مدة ساعة ونصف تقريبا فقط بل ربما أقل من ذلك ثم أنزل، وفي هذه الحالة جدا أن يكون قد مات خلال هذه المدة القصيرة وبألم بسيط.وكان اليهود أيضا يظنون ظنًا قويًا بأن يسوع لم يمت على الصليب.فقد قــــال الله له أيضا تصديقا لذلك وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ، أي ظل اليهود في شك بخصوص قتل المسيح و لم يتأكدوا يقينًا أنهم قتلوه والدليل السادس أنه حين طعن يسوع بحربة في جنبه طعنا بسيطًا سال منه الدم، ولوحظ الدم يسيل.ومن المستحيل أن يلاحظ الدم يسيل من الميت.والدليل السابع أن ساقا يسوع لم تكسرا، بينما كان ذلك ضروريًا للقضاء علـــى المصلوبين، فقد ثبت من التاريخ أن البعض كانوا يبقـــون أحيــاء بعـــد الصليب قضائهم ثلاثة أيام على الصليب فكيف يمكن أن يموت من بقي على الصليب لدقائق معدودة و لم تكسر عظامه أيضا؟ الدليل الثامن أنه قد ثبت من الإنجيل أن يسوع لقي حوارييه بعد النجاة مـ من وأراهم جروحه، لو كان يسوع قد نال بعد موته جسما جديدا جلاليــــا لكان من المستحيل أن تبقى له الجروح الدليل التاسع على نجاة عيسى العلمية من الموت على الصليب وصفة مرهم عيسى، لأنه لا يُصدق أن يكون الأطباء المسلمون والأطباء النصارى والمجوس والرومان والأطباء النساء: ١٥٨

Page 167

اليهود قد اخترعوا هذه الوصفة بالتآمر ، بل هذه الوصفة ما زالت مسجلة في مئات كتب الطب، فالإنسان البسيط أيضا يمكن أن يقرأها في ذكـ أمراض الجلد في أقرباذين قادري.فالواضح أن أنواع التحريف والنقص والزيادة محتملة في الكتابات الدينية لأن التعصبات تتدخل فيها في أغلب الأحيان، أما الكتب التي أُلّفت علميًا فهي تكتب بمنتهى البحث والتدقيق، لهذا فإن وصفة مرهم عيسى هذه وسيلة مثلى لاستكشاف الحقيقة الأصلية، وتستنبط منها درجة الأفكار القائلة بأن عيسى ال كان قـــــد صعد إلى السماء! ثم من البديهي أصلا أنه لم تكن من حاجة لرفع عيسى العلمية بجسمه إلى السماء، فالله حكيم ولا يتصرف عبئًا أبدا، فإذا كان قد أخفى نبينا في غار ثور على بعد ميلين أو ثلاثة أميال فقط من مكة وأعاد جميع الباحثين عنه خائبين مخفقين أفلم يكن قادرا علـــى إخفــــاء المسيح في أي مغارة في جبل، وخاف من ملاحقة اليهود وقدرتهم علــــى العثور عليه ؟ فلم يقتنع بما دون السماء الثانية؟ بالإضافة إلى ذلك لا يثبت من أي آية أو حديث أن كلمة صعود أيضا وردت بحق عيسى ال في أي موضع من القرآن الكريم والحديث، غير أن كلمة الرفع واردة وقـــــد عیسی لقد حدد عمر عيسى الا في الحديث الصحيح مائة وعشرين عاما، والثابت الحديث الصحيح من أن ال انضم إلى عالم الأموات بترك هذا العالم، وما زال يمكث مع الذين ماتوا، فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يتميز بأي عمل من الأعمال الدنيوية، فالنبي يحيى الذي ذهب إلى العالم الآخر بعد الموت أيضا معه.منه

Page 168

جاءت بعد التوفي.ولقد علمنا من مواضع عدة من القرآن الكريم والحديث أن المؤمنين يُرفعون بعد التوفي؛ أي روح المؤمن تُدعى إلى الله روحانيا بعد مفارقة الجسم كما يتبين من آية ارْجِعِي إِلَى رَبِّكَ)).وإن جميع الأنبياء والرسل والصديقين والأولياء وسائر المؤمنين يُرفعون إلى روحانيا بعد الموت، ويُكرمون بمنح مرتبة الرفع، إلا أن رفع عيسى اللي قد ذُكر في القرآن الكريم خصيصا لأن اليهود كانوا يرفضون رفعه كان الله العلمية" الروحاني بشدة ولا يزالون يرفضونه ويحتجون بأن يسوع "عيسى ال" قد صلب، وقد ورد في التوراة أن المصلوب لا يُرفع روحانيا؛ أي لا تُرفع روحه إلى الله - أي إلى مقام الراحة بل تلقى إلى الحضيض ملعونة.وكان الله يريد دحض اعتراض اليهود هذا ويشهد على أن المسيح العليا إِنِّي قد رفع روحانيا، وبقصد هذه الشهادة قال الله يا إن حالة المعارضين مدعاة للرثاء؛ فهم لا يفكرون أنه إذا كانت آية يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ لم تهدف إلى بيان الموت الطاهر ولم تقصد بيان الرفع الروحاني ودحض فكرة كونه ملعونا، فأي حاجة كانت إلى ذلك؟ وأي حاجة دينية فرضت نفسها للرفع الجسماني، فالمؤسف أنهم يحرفون الأمر السديد بغير حق، إنما القضية أن اليهود كانوا يُنكرون الرفع الروحاني للمسيح بعد وصفه ملعونا.فالآن قصد من رَافِعُكَ إِلَيَّ البيان أن عيسى لم يكن ملعونا، بل كان قد رفع إلى الله.فبكلمة التوفي -التي معناها في البخاري: الإماتة قد ثبت موت المسيح اللة.أضف إلى ذلك أن كلمة خَلَتْ حيثما وردت في القرآن الكريم بحق الناس فإنما جاءت بمعنى الموت، لهذا فآية (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ (آل عمران: ١٤٥)،

Page 169

1007 مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ؛ أي يا عيسى إني سأميتك، وبعد الوفاة أرفعك إلي وأطهرك من التهم التي ألصقها بـك أولئك الذين لم يقبلوا صدقك.فالواضح الآن أن الرفع المادي لم يكن قيد البحث هنا، فليس من عقيدة اليهود أبدا أن الذي لم يُرفع بجسمه فليس نبيا أو مؤمنا فأي حاجة كانت لبدء هذا البحث السخيف؟ إن كلام الله منزه من اللغو فهو يحكم في القضايا التي من الضروري البــت فيهـا، فاليهود الأشقياء كانوا يحسبون المسيح الكافرا و كاذبا ومفتريا والعياذ بالله، وكانوا يقولون إنه لم يحظ بالرفع الروحاني مثل موسى ال وسائر الصالحين، ولحد ما بدأ النصارى يوافقونهم الرأي، فحكم الله أن كلا الفريقين كاذب وأن المسيح قد رفع بلا شك إلى الله الله بعد الموت مثلما رفع جميع الصادقين، فهذا القرار بعينه مثل الذي ورد في الأحاديث أن وأمه عليهما السلام منزّهان من مس الشيطان، وفسر المشايخ الجهلة أن كل من سوى عيسى وأمه ليس منزّها من مــس الشيطان سواء كان نبيا أو رسولا، أي ليس بريئا، ونسوا آية ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ، كما أهملوا آية سَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ.بينما مي الأخرى تثبت وفاة عيسى اللي حصرا.فالإنكار مع هذا الكم الهائل من على الموت لمؤسف جدا، فما هذا الدأب؟ ١ آل عمران: ٥٦ منه الأدلة الإسراء: ٦٦

Page 170

كان هدف هذا الحديث هو ذب اليهود ودفع اعتراضهم، إذ لما كانوا يلصقون بمريم وعيسى عليهما السلام أشنع التهم فقد شهد رسول الله المقدس لأنه لم يكن أحد من اليهود محفوظا من مس الشيطان، فإذا كان أحد منهم بريئا فكان عيسى وأمه.وليس المراد من الحديث العليا والعياذ بالله أن عيسى ال وأمه حصرًا معصومان من مس الشيطان، أما من من سواهما فليس بمعصوم منه سواء كان نبيا أو رسولا! فكما يخطئ بعض المشايخ السفهاء في هذا، يعتقدون خطأ أيضا بأن المراد من الرفع الرفع المادي، مع أن قضية الرفع المادي لم تكن قيد البحث، ولا تجدر هذه المسألة بأي اهتمام ذلك لأن أي دين في العالم لا يجعل الرفع الجسماني شرطًا للنجاة، بينما الرفع الروحاني هو شرط النجاة، وكان اليهود يسعون جاهدين أن يحرموا عيسى العلية لا الأمر الذي هو شرط النجاة بحسب التوراة؛ أي يثبتوا بأن ذلك الشرط غير متحقق فيه.ولهذا الهدف كانوا قد صلبوه على حد زعمهم وإن عاقبة الصلب التي وردت في التوراة ليست أن المصلوب لا يصعد إلى السماء بجسمه المادي، بل هي أن روح المصلوب لا ترفع إلى الله كالصادقين.فاليهود ما زالوا أحياء، فلو كان أحد يهمه إحقاق الحق لسألهم ماذا استنتجوا من صلب المسيح؟ هل استنتجوا أن المسيح حُرم من الصعود إلى السماء بجسمه بسبب الصلب أم أنه حرم من الرفع الروحاني إلى الله بعد الصلب؟ فهل كان الحكم في هذه القضية صعبا؟ مريم: ١٦

Page 171

LOVE جميع لكن في هذا الزمن المليء بالفتن والمفاسد قد يكون واحد من ملايين البشر باحثا عن الحق بحماس.فمن منة الله على العباد أنه يكشف الحق من كل ناحية ويجعل بعض الأدلة شاهدة على أخرى، ولا يتوانى حتى يميز الخبيث من الطيب ويفصل الطيب عن الخبيث.ففي تأييد ذلك؛ من عجائب القدرة الإلهية أنه عُثر على وصفة مرهم عيسى في جميع الكتب، وثبت أن الأطباء في العالم تقريبا قد كتبوا هذه الوصفة في كتبهم، وكتبوا أيضا أن هذا المرهم مفيد جدا للجروح والرضوض، وكان قد إن بحوث الأطباء هذه رائعة لدرجة تنكشف بها جميع الأسرار الإلهية وتنكشف الحقيقة، ويثبت بجلاء أن الأمر الحقيقي في سوانح عيسى اللي أنه من الموت على الصليب بحسب الوعود الإلهية ثم ظل يعالج جروحه بهذا أنقذ أعد العلمية الا.لجروح عيسى المرهم لمدة أربعين يوما، كما يتبين من الأناجيل أيضا أنه مكث أربعين يوما متخفيًا بعد حادثة الصلب في المنطقة التى عُلّق فيها على الصليب.ثم هاجر بحسب الأمر الإلهي إلى البلاد التي كان اليهود قد سكنوا فيها بعد إخراجهم من وطنهم، فكان قد وصل إلى كشمير بهذه النية ومات فيها عن عمر يناهز ١٢٠ عاما، ويوجد ضريحه في حي خانيار في مدينة سرينغر، وهو مشهور في هذه البلاد بالأمير يوز آسف النبي، والناس يقولون إنه قد مضى على وفاة هذا النبي ۱۹۰۰ عاما.باختصار، إن "مرهم عيسى هذا معجزة من " يشهد على أنّ القبر في كشمير الإنجيلُ الذي عُثر عليه في غار في منطقة "التيبت"، والذي نشره عالم روسي بجهد بالغ، فسخط عليه القساوسة كثيرا.هذا الإنجيل

Page 172

معجزات عيسى ال وما زال فيه قدرة على اندمال الجروح والرضوض.وهذا المرهم يفيد في علاج الطاعون أيضا، وطريقة استخدامه أن تدلك به المواضع التي تظهر فيها حبة الطاعون عادةً، أي عند الأذن وتحت العنق و داخل الإبط ومغابن الفخذ بالإضافة إلى ذلك يجب أن تجعل حبات من جَدْوَار" مع الخل، وتتناول تلك الحبوب كل يوم مع العيران.وعصارة الكافور وكلورافارم ووائنم ابيكاك تخلط من كل واحد منها عشرين قطرة على أقصى حد ويضاف إليها ٨١.٦ غراما من الماء، وينبغي أن يتناول هذا السائل الخليط ثلاث مرات يوميا أي صباحا وظهرا ومساء مع دواء "الياقوت الرماني" الذي سميناه بالترياق الإلهي.وإذا لم يعثر على الترياق الإلهى، فتناول هذه السوائل فقط بحسب الطريقة المذكورة، بالإضافة إلى تناول حبات من "جَدْوَار" سيفيد بإذن الله.أما الأولاد الذين يبلغون من العمر إلى اثنتي عشرة سنة فيكفيهم ثلاث قطرات فقط في كل مرة.نريد أن نسجل هنا مرة أخرى إعلاننا الأول الذي نشرناه عن الطاعون في ١٨٩٨/٢/٦؛ وذلك لمعرفة عامة الناس ليتبين كيف كشف الله علي بعض أسرار الربوبية قبل ظهورها، ولكي يكون هذا الإعلان سبب قوة إيمان الناس في المستقبل، ويتسبب في تحقق اليقين الكامل لطلاب الحق؛ وهو: يُعارض كثيرا أناجيل القساوسة في مضامينه، ويخالف العقيدة المعاصرة، ولهذا السبب حظر نشره في هذا البلد.لكننا نحاول أن ننشره بعد الترجمة.منه جَدْوَار "zedoary : نبات طبي هندي يزيل السم.(المترجم)

Page 173

1097 نحمده ونصلي على رسوله الكريم (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ الطاعون المرض الذي هاجم مدينة مومباي والمدن الأخرى والقرى ولا يزال يهاجم، لغَني عن البيان؛ فقد يُتّم آلاف الأولاد، وخُرّبت آلاف البيوت وفصل الأصدقاء عن أصدقائهم والأعزة عن أعزتهم للأبد.ولم يتوقف الأمر بعد.ولا شك أن حكومتنا المحسنة قد قامت بشتى التدابير بمنتهى المواساة وبذلت مئات الألوف من الروبيات شفقةً على شعبها ونشرت التوجيهات الممكنة من حيث القواعد الطبية، إلا أن الأمان الكامل من هذا المرض المهلك لم يتحقق حتى الآن، بل إنه في تزايد في مومباي، وما من شك في أن البنجاب أيضا في خطر.فعلى كل واحد أن يكون مشغولا بحسب فهمه وبصيرته في مواساة بني البشر لأن الذي ليس في طبعه أي مواساة ليس إنسانا.فمن الضروري جدا أيضا أن لا يُنظر إلى تدابير الحكومة وتوجيهاتها بسوء الظن، ويتبين بإمعان النظر أن جميع الفرقان: ۷۸

Page 174

توجيهات الحكومة في هذا الخصوص مبنية على تدبير حسن جدا.فمن ً المحتمل أن تظهر في المستقبل تدابير أحسن بكثير، أما الآن فليس في أيدينا ولا بأيدي الحكومة تدبير أفضل وأحسن من التدابير الحالية بحسب المبدأ الطبي.لقد انتقد بعض الصحفيين تدابير الحكومة كثيرا، لكن التساؤل ينشأ هنا أي تدبير قدّموه أفضل من هذه التدابير؟ صحيح أنه يشق كثيرا على نبلاء هذا البلد والذين يتمسكون بالحجاب الأوامر بفصل المريض فورا عن سائر أفراد البيت وأن يُسكن وإن كانت امرأة محجبة شابة في مكان منعزل جيد التهوية قد خصصته الحكومة لمرضى المدينة أو القرية.حتى لو كان المصاب طفلا يعامل بالمعاملة نفسها وبقية أفراد العائلة أيضا أن يُسكنوا تحت عريشة في ميدان يمر فيه الهواء سريعا.لكن الحكومة تدبير ينبغي في الوقت نفسه نشرت توجيها أيضا أنه إذا كان واحد أو اثنان من أقارب المريض أرادوا السكن في البيت نفسه لاعتنائهم به فيمكنهم ذلك، فأي أكبر من هذا يمكن أن تتخذه الحكومة، إذ قد سمحت لبعض الأشخاص بالسكن مع المريض ؟ فلو اشتكى أحد وسأل: لماذا يُخرج من البيت ويوضع في الغابة؟ فهذه الشكوى ناتجة عن الحمق.إنني أعلم يقينا أن هاجس الإنسان نفسه سيستصدر منه التصرفات نفسها التي تلقتها الحكومة على عاتقها، حتى لو لم تتدخل في الأمراض الخطيرة مثل هذا.فمثلا إذا كان أفراد عائلة واحدة يسكنون في بيت ومات اثنان منهم أو ثلاثة، فسوف يدفعهم الهم إلى الخروج من ذلك البيت المشئوم

Page 175

عاجلا، وبعد الخروج من ذلك البيت جبرًا وإقامتهم في حي آخر، فإنهم إذا رأوا فيه الآفة نفسها فلن يجدوا بُدَّا من مغادرة تلك المدينة، إلا أنه من الممنوع شرعًا أيضًا أن يخرج الرجل من المدينة الموبوءة ويقيم في مدينة أخرى.أو بتعبير آخر يمكن أن نقول إن القانون الإلهي أيضا يمنع من التوجه إلى مدينة أخرى، فأي تدبير جديد وأفضل يمكن أن نتخذه بحريتنا في هذا أن الوقت المخيف -والعياذ بالله - سوى الذي قدمته الحكومة؟ أي ينبغي يسكن المصابون في ميدان من تلك المدينة نفسها.فالمؤسف جدا أن الحسنة تُرد بالسيئة ويُنظر إلى توجيهات الحكومة بسوء الظن بغير حق.إلا أنه من الممكن القول إن على الأطباء والمسئولين الآخرين، في مثل هذه الأوضاع، أن يتحلوا بأخلاق سامية ويتخذوا أسلوبا لا يؤدي إلى أي شكوى في أمور مثل الحجاب، ويتم العمل بالتوجيهات أيضا.فمن المناسب أن ترسخ فوائد هذه التوجيهات في القلوب بدلا من فرض الرعب الحكومي لئلا يحدث سوء الظن.ويحبّذ أن يقوم الأطباء الخلوقون بجولات في القرى والمدن كالوعاظ لكي يرسخوا مشيئة الحكومة الناجمة عن الشفقة لئلا تحدث أي فتنة في هذا الأمر الحساس.وليكن معلوما أن الحقيقة الأصلية لهذا المرض لم تكتشف بعد على وجه الكمال، ولذلك لم تنجح بعد التدابير والعلاجات.أما أنا فقد علمت عن طريق روحاني أن مادة هذا المرض ومادة الجرب واحدة،

Page 176

وإني لأظن أن هذا الأمر صحيح على الأغلب، لأن الأدوية التي فيها شيء من الزئبق أو الكبريت تفيد في مرض الجرب..أي الحكة، ويُعتقد أن مثل هذه الأدوية قد تكون مفيدة لهذا المرض أيضا.فلما كانت مادة كلا المرضين واحدةً فليس من المستبعد أن يخف هذا المرض بظهور مرض الجرب هذا سرَّ القواعد الروحانية، وقد انتفعت منه، فلو توجه إلى ذلك المجرّبون ونشروا وقائيا مرض الجرب كأصحاب التطعيم في بلد يكون سكانه عرضة لخطر الطاعون، فأعتقد أن تلك المادة ستنحل بهذه الطريقة ويحدث الخلاص من الطاعون، إلا أن التفات الحكومة والأطباء أيضا يتوقف على مشيئة الله، لقد كتبت هذا الأمر بدافع المواساة فحسب، لأن هذه الفكرة نشأت في قلبي بقوة لم أستطع أن أقاومها.وهناك أمر آخر قد دفعتني مواساتي الجياشة إلى كتابته، وإني أعرف جيدا أن الذين ليس لديهم نصيب من الروحانية سينظرون إليه بسخرية واستهزاء، لكنني أرى من واجبي أن أبديه مواساةً لبني البشر وهو أني رأيت في المنام اليوم، يوم الأحد ٦ فبراير/ شباط ۱۸۹۸م، أن ملائكة الله يغرسون في شتى مناطق البنجاب أشجارًا سوداء كريهة الشكل مخيفة المظهر وقصيرة الطول، فسألت بعض هؤلاء الزارعين: ما هذه الأشجار؟ فقالوا: إنها أشجار الطاعون الذي سيتفشى في البلاد عن قريب.لقد اشتبه علي الأمر إذ قالوا إن هذا المرض سيتفشى في فصل الشتاء القادم أم في الذي بعده،

Page 177

١٦٣ ولكن ما رأيته كان منظراً مخيفا جدا.وقد تلقيتُ قبله إلهاما عن الطاعون وهو: "إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، إنه أوى القرية" أي لن يزول هذا الوباء الظاهر ما لم يزُل وباء المعصية من القلوب.ومن الملاحظ أن الفاحشة متفشّية في البلد، وفتر الحب الإلهي ويظهر طوفان الهوى والطمع.لقد ارتفع خوف الله جل شأنه من معظم القلوب، وعُدّت الأوبئة آلاما بسيطة يمكن إزالتها بتدابير إنسانية، وتُرتكب أنواع الذنوب بمنتهى الجرأة.نحن لا نذكر الأمم الأخرى، إنما نقول إن الفقراء والمفلسين من المسلمين يُرى أكثرهم متجرئين على السرقة والخيانة وأكل الحرام بكثرة، ويُكثرون قول الزور، وتصدر منهم تصرفات شتى خسيسة وشنيعة، ويعيشون كالوحوش.هم لا يغسلون وجوههم ولا يطهرون ملابسهم لأيام عدة، دع عنك أداء الصلاة.أما الأمراء والزعماء والولاة أو كبار التجار وأصحاب الأراضي والمقاولون والأثرياء فمعظمهم منغمسون في الملذات والملاهي ومعتادون على شرب الخمر والزنا وارتكاب الفواحش والإسراف، وإنهم مسلمون بالاسم فقط وهم لا يبالون أيما مبالاة في الأمور الدينية ومواساة الدين.الآن لما تبين من هذا الإلهام الذي سجلته آنفا أن التقدير معلق ويمكن صرفه بالتوبة والاستغفار والأعمال الصالحة وترك المعصية ودفع الصدقات فجملة إنه آوى القرية هذه لم تُكشف على معانيها بعد، بينما الرؤيا تدل على وباء عام، لكن كتقدير معلق..منه

Page 178

والتبرعات وبإحراز التغير الطيب، لهذا إنني إنني أخبر جميع عباد الله أن يتخذوا ا السلوك الحسن بصدق القلب وينشغلوا في النصح والخير ويتخلّوا عن جميع طرق الظلم والفحشاء يجب على المسلمين أن يستجيبوا لأوامر الله بصدق القلب، ويداوموا على الصلاة ويجتنبوا كل أنواع الفسق والفجور، وليتوبوا وينشغلوا في التوبة والسلوك الحسن من الورع وخشية الله وذكره، ويُحسنوا إلى الفقراء والجيران واليتامي والأرامل والمسافرين والمساكين، ويتصدقوا ويُصلوا مع الجماعة ويدعوا في الصلاة باكين ليسلموا من هذا البلاء.فلينهضوا في الجزء الأخير من الليل ويدعوا في الصلاة.وباختصار، ينبغي أن يُحرزوا كل أنواع الحسنات ويجتنبوا كل أنواع الظلم ويتقوا الله الذي يقدر على أن يُهلك العالم كله بغضبه في لحظة واحدة.لقد كتبت آنفا أن هذا التقدير يمكن أن يُلغى بالدعاء والصدقات والتبرعات والأعمال الصالحة والتوبة النصوح، لهذا قد اقتضت مواساتي أن أُطلع العامة على هذا.ومن المناسب أن لا يُنظر بسوء الظن عبثا إلى التوجيهات التي صدرت من الحكومة بهذا الموضوع بل ينبغي أن يساعدوا الحكومة في هذا البرنامج ويشكروها.إنما الحق أن هذه التوصيات كلها اقترحت لنصح الرعية فحسب، وهو نوع من المساعدة أن يدعوا الله بخشوع واتخاذ سيرة حسنة لدفع هذا البلاء، أو يدعوا ألا يتمكن من القضاء على البلد كله.تذكروا أن الأيام خطرة جدا والبلاء بالمرصاد، اتخذوا البر واعملوا صالحا، إن الله

Page 179

١٦٥ حليم جدا إلا أن غضبه أيضًا نار أكول، وإن الله لا يُضيع البار، مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ "أيها الناس اتقوا الله الغني القهار لا أرى أن تقيا وصالحا قد تعرض للخسارة قط لا أوقن بأن الذي يخاف الستار والغفار يواجه الذلة والهوان لو رأى الأحبة ما أراه لذرفت عيونهم الدموع وأعرضوا عن الدنيا بعيون دامية لقد أظلمت الشمس المضيئة بسبب سيئات الناس، والأرض هي الأخرى تأتي بالطاعون إنذارا إذا فكرت في هذه المصيبة تجدها كالقيامة، ولا مانع لها سوى الأعمال الحسنة لا ينبغي التمرد على ذلك العلي الله لأنه لو شاء لأفناك في لحظة کحشرة عديمة الجدوى لقد قلتُ هذا الكلام بدافع ،المواساة فتدبر أيها العاقل الرشيد، فإنما العقل لمثل هذا اليوم." ***** تاريخ طباعة هذا الإعلان ١٨٩٨/٢/٦ النساء: ١٤٨ ترجمة قصيدة فارسية.(المترجم)

Page 180

لفت انتباه الحكومة "إن سيئ الظن حين ينظر إلى شيء مزخرف خلاب فلا يرى في ذلك الجمال إلا العيب والنقص واضح أن الإنسان حين يبلغ من العداء منتهاه فهو يرى الجيد أيضًا سيئًا، ويرى العيب في كفاءة العدو، ويرى حبه للإنصاف أسوأ من الظلم! وكذلك هو حال بعض معارضينا، فهم لعدائهم الجياش لنا حين يرون أننا ترغب الناس في طاعة الحكومة البريطانية يُعارضون ويُهملون بغير حق حقوق الحكومة التي وجبت عليهم مراعاتها شرعًا وإنصافا.فحاليًا أحدهم من لاهور المتعود على نشر الإعلانات القذرة والخبيثة والافتراء علينا عن طريق الكذب المحض وهو المسمى "جعفر" زتلي" قد ألصق تهمة في إعلانه المرقوم في ١٨٩٨/٦/١ بالإضافة إلى البذاءة وسلاطة اللسان والبهتان، التي لسنا بحاجة إلى تفنيدها، بأننا استخدمنا للثناء على الحكومة الإنجليزية كلمات التملق التي لا تستحقها، وذلك لمجرد الكذب والزور، وأننا اعتبرناها نعمة إلهية عظيمة، وبذلك أسأنا إلى السلطنة العثمانية.وإنما نقول ردّا عليه إنا لم نتملّق الحكومة البريطانية أي تملق، وإنما استخدمنا الكلمات التي كان استخدامها حقا وواجبا، فليس من مسلكنا أن نُضمر في قلوبنا شيئا على عكس ما يجري على لساننا، لأن ذلك دأب ترجمة بيت فارسی (المترجم).

Page 181

المنافقين والملحدين.بل إن مبدأنا وعقيدتنا منذ القدم أن وجود هذه الحكومة في الحقيقة رحمة إلهية محضة لنا لأننا تخلصنا بواسطة هذه الحكومة حصراً من المشاكل الدينية والدنيوية الكثيرة؛ فبمجيء هذه الحكومة انقلبت مصائبنا راحة، وأحزاننا فرحة، وانتقلت حالة الأسر إلى الحرية، وبدأنا نعيش في ظل هذه الحكومة المحسنة بأمن وسلام ولقد حصلت لنا فوائد من هذه الحكومة في التقدُّم الديني أيضا بحيث أخذنا نؤدي واجباتنا الدينية بحرية، ولقد رأينا الكتب الدينية التي كانت في معرض الخفاء في زمن أجدادنا.ففي ظل هذه الحكومة فلا أحد يمنعنا من الرد على القساوسة، بينما كنا في عهد السيخ قد مُنعنا من أداء الشعائر الدينية، ودونك السماح لنا بالهجوم على الدين السيخى كنا نواجه صعوبات جمة لأداء الصلاة التي هي أول ما أمر به المسلم، بحيث لم يكن مسموحا لمسلمي هذا البلد أن يرفعوا الأذان بكامل الحرية في مساجدهم، مع أن رفع الأذان لم يكن يضر السيخ في شيء، إذ أن مضمون الأذان هو أن الله أحد لا شريك له، فأسرعوا إلى عبادته لتنجوا.لكن هذا الإعلان الإسلامي أيضا كان يشقُ على السيخ.أما في هذا العهد الإنجليزي فمسموح لنا في أمور الدين بأن ننشغل في نشر دعوة ديننا وننشر الكتب مثل القساوسة، فهل يستطيع أحد أن يُثبت أنه كما نكتب الآن الرد على الدين المسيحي بحرية كاملة وننشره، كان مسموحاً لنا بمثله في العهد السيخي أيضًا بأن نكتب شيئًا ضد دينهم؟ كلا بل كان قد تعذر علينا أداء فرائضنا الدينية.

Page 182

الآن قولوا بإنصاف، أليست الحكومة الإنجليزية نعمة الله الجليلة لنا، إذ بمجيئها أصبحنا قادرين على نشر دعوتنا قدرة لم نكن نملكها في بلد السلطان العثماني؟ يقول الله تعالى: ﴿وَأَمَّا بنعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّتْ ، أَي اذكر للناس كل نعمة أصابتك من الله.فالشكر لهذه الحكومة واجب علينا لأننا قبل هذه الحكومة كنا في أتون من حديد، فلو لم تأت هذه الحكومة إلى بلادنا لكان من المحتمل أن يكون جميع المسلمين كالسيخ.فمن تدبر في هذه الأمور كلها، وإلامَ كان قد وصل في زمن السيخ مآل الإسلام والشعائر الإسلامية، وكيف كانت دودة الجهل تستشري يوما فيوما؛ فسوف يشهد على أن مجيء الإنجليز إلى هذا البلد في الحقيقة بمنزلة النعمة الإلهية الجليلة للمسلمين.فلما كانوا نعمة من الله، فكل من ينظر إلى نعمة الله بازدراء فهو بلا شك وقح وسيئ السيرة ألم يرد في الحديث الصحيح من لم يشكر الناس لم يشكر الله؟ فالأسف كل الأسف على أن كاتب هذا الإعلان بين بمنتهى الغيظ والغضب لماذا مدحت السلطنة الإنجليزية ولماذا لم أشكر السلطنة العثمانية؟ إنما جوابه أن السلطنة العثمانية وإن كانت تجدر بالتعظيم لكونها سلطنة إسلامية، إلا أن منن السلطنة الإنجليزية علينا لا تضاهيه السلطنة العثمانية.فكانت الحسنة قد قُدرت لهذه السلطنة وحدها؛ إذ أنها وجدتنا مفقودي الحرية الدينية تماماً وممنوعين من الشعائر الإسلامية الواجبة، وكانت أوضاعنا تماثل تقريبا أوضاع الوحوش، أن الضحى: ۱۲ أداء

Page 183

41797 حيث كان العلم قد رُفع والجهل قد كثر..ففي هذه الأوضاع جاء الله بهذه الحكومة من بعيد، فبمجيئها انتقلنا دفعة واحدة من الظلام إلى النور، وخرجنا من السجن إلى الحرية، وبدأت دعوة الإسلام تنتشر في هذا البلد كما كانت في زمن النبوة، وأن ربنا الذي أمام عينه كل سلطنة هو الآخر رأى هذه السلطنة مناسبة لإنجاز وعده ،القديم وفي الحقيقة قد أصابتنا من هذه الحكومة فوائد لا نقدر على إحصائها، فمن الوقاحة الشنيعة أن نضمر في قلوبنا الاعتقاد بأنه يجب العداء لهذه الحكومة.يقول الله : هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ، فإذا أحسنا إلى المحسن المسلم فقط ولم نحسن إلى المحسن غير المسلم فقد تركنا تعليم الله لأنه لم يقيد جزاء المحسن بأي دين معين، بل قد قال صراحة بأنه غير راض عن الشرير الذي يسيء إلى من أحسن إليه.وليكن معلومًا أيضًا أني لم أهاجم شخصية السلطان ولا أعرف عن أحواله الشخصية، إلا أنني أقول إنا لا نقدر على الدعوة إلى الدين ولا نستطيع إنجاز المهمات الدينية جالسين في مكة أو المدينة أو في عاصمة الحكومة العثمانية كما نقوم بذلك في عهد الحكومة الإنجليزية بسبب الحرية الدينية.ولم أذكر عن شخص السلطان شيئًا، وإنما كنت كتبت عن السفير العثماني الذي جاءني في قاديان، وكنت أخجل من التصريح بأوضاعه إذ كان ممثل "قسطنطين" دار الإسلام.فالأسف أني لم أجده مداوما على أداء الصلاة، وقد ترك أمامي نموذجًا سيئًا، فساورني الرحمن: ٦١

Page 184

بصوت الشك في أمثاله أيضًا.باختصار، إن كون السلطان حاكم البلاد الإسلامية أمر، ووجوب شكر الإنجليز علينا على مننهم أمر آخر تماما.لقد خلصنا الله على أيدي الإنجليز من الأحزان الكثيرة، وأتاح لنا الفرصة لنشر الإسلام في ظل الحكومة الإنجليزية.فهذه المنة التي تصيبنا من الإنجليز لا يستحقها السلطان أبدا، إن ناكر الجميل عند الله ،مذنب فأين كان السلطان العثماني عندما كنا نُداس في عهد السيخ على أتفه الأمور وكان رفع الأذان مرتفع يُعدُّ من أشنع الجرائم.فالذي كان يرفع الأذان بصوت عال يواجه من سوء حظه عقوبة السارق أو قاطع الطريق على الأقل.وإذا كانت بقرة قد أُصيبت على يد أي مسلم بجرح مصادفة، فكان يواجه عقوبة القاتل عن عمد، كان الجهل قد تفشى في المسلمين لدرجة لم يكن الكثيرون عندها يعرفون النطق بالشهادتين على وجه صحيح، أما اطلاعهم على الكتب الدينية فقد سمعت أن صالحًا في تلك الأيام كان يدعو بعد الصلاة أن الله يمن عليه بإلقاء نظرة على صحيح البخاري مرة، وكان في أثناء الدعاء عند استيلاء اليأس عليه يُطلق الصراخ ظنا منه بأنه ليس من حظه أن هذا یری الكتاب المبارك في حياته.أما الآن في عهد الحكومة الإنجليزية فيمكن اقتناء ذلك الكتاب نفسه بثمن زهيد عند بائع كتب عادي، بل تأتي إلى بلدنا كتب الحديث والتفسير النادرة التي لم نكن سمعنا بأسمائها من مصر والقسطنطينة وبلاد الشام ومن البلاد النائية ومن مكتبات أوروبا ودور نشرها، وذلك بسبب النظام الرائع للحكومة الإنجليزية.أما "البنجاب"

Page 185

۱۷۱۰ الذي كان قد مات أو أشرف على الهلاك، فإنه يكاد يفيض بالعلم كالبحر، وإني على يقين بأنه سيفوق الهند في كل ميدان عن قريب.فقولوا الآن بإنصاف؛ بمجيء أي سلطنة حظينا بكل هذه الأمور، وباتخاذ إجراءات أي حكومة مباركة خرجنا من هذه الحالة الوحشية؟ فهل بيان كل هذه الأمور يندرج في التملق، أو هو بيان الحقائق؟ ألا إن ترك الإنصاف وكلمة الحق ليس من الإيمان بل هو إلحاد، فالأصل أنه يجب علينا أن نتذكر كل هذه المنن ونُخلِص لهذه السلطنة بصدق القلب ونطرد من القلوب أفكار النفاق علينا أن نسعى جاهدين لنرد بالطاعة والصدق والوفاء - إحسان الإنجليز الذي أسدَوه إلينا وإلى آبائنا وإلا تذكروا جيدا أنا سعد من عصاة الله لست عديم الاطلاع على أفكار بعض المشايخ المتعصبين والحمقى، وأعرف يقينًا كم تراكم على قلوبهم من غبار، فبسبب هذه التعصبات بغير حق قد أصدر السفيه "زتلي" الذي يعد نفسه من المشايخ الإعلان في ۱۸۹۸/٦/١ واعترض عليَّ بسبب شكري للحكومة الإنجليزية، وكذلك له إخوة آخرون أيضًا، إلا أنني لا أتفق أبدًا مع التي يضمرونها في القلوب، ولا أخاف في بيان الحق والصدق أيما خوف من يسموني كافرًا ودجالا، وإنما حسابي على الله.أن العقيدة وفي الإعلان نفسه قد اعترض عليَّ هذا الرجل أني رغم هذا الكم الهائل من تملق الإنجليز قد هاجمت دينهم، لكن قاصر الفهم هذا لا يعرف أني وظفت الضمير الطيب في كلتا المناسبتين، وليست تلك تملقا ولا هذه

Page 186

۱۷۲۰ هجوما بغير حق.إن مهمتي هي الإصلاح لا إثارة الفتن ولا التملق بغير حق، فكما رأيت إصلاح الناس من ناحية في أن يعيشوا في ظل الحكومة الإنجليزية بطاعة ووفاء، ويُطهروا القلوب من جميع أنواع أفكار البغي ويكونوا مخلصين وناصحين للحكومة الإنجليزية في الواقع، فقد رأيت نُصح الناس من ناحية ثانية في أن يؤمنوا بذلك الإله الكامل الذي تترشح عظمته وقدرته وصفاته غير المنقطعة من إلقاء نظرة تدبر على الأرض والسماء.إن اتخاذ البشر إلها خطأً، وعلينا أن لا نتبع الخطأ ونجتنب اتخاذ المخلوق إلها.لا العليا كان إنسانًا مقدسًا وباراً وورعا جدًا، لكن اتخاذه إلها شك أن عیسی إساءة إلى ذلك الإله الحق الذي خلقنا.فالحق أنه كان إنسانًا فقط و لم يكن إلها، و لم يكن فيه شيء فوق الكمالات الإنسانية.ويمكن أن يهب لنا الله أيضا الآن تلك الكمالات التي أعطاها إياه، وهو يهب.فمن كان له عين باصرة فليبصر.فهو الله الذي ينصرنا كما كان ينصر السابقين، وإليه يهدي القرآن الكريم، وهذا هو الأمر الذي كشفه الله علي، فإنني أدعو الناس إلى الله بتمام النية الصادقة ومجرد المواساة، لا بفكرة سيئة، ونية إلحاق الضرر بهم، وأحب أن أزيل الفرقة التي ألقاها القساوسة في المسلمين بسوء الفهم.ولما كنت أذكر الحكومة الإنجليزية السامية، لذا إنني أرى من الحكمة أن أنسخ هنا الرسالة التي أرسلها جناب اللواء النواب الحاكم بجميع ألقابه- إبداء للإعجاب بالاجتماع الذي عقدته عن الطاعون، مع بضعة أسطر من

Page 187

۱۷۳ جريدة "سيفيل آند ملتري غازيت" ليطلع عليها القرّاء، بهدف أن يتبع كل إنسان الأمر الذي نال إعجاب الحكومة السامية.لقد كنت عقدت في قاديان اجتماعا بقصد أن أرغب الناس في أن يقبلوا قلبا وقالبا التوجيهات التي نشرتها الحكومة عن الطاعون، وكنت أوصيت جماعتي كلها، وفي هذا الخصوص وصلتني هذه الرسالة، وأتوقع أن يتصرف بقية المسلمين الأشراف أيضًا بحسبها بعد الاطلاع عليها، وهي: No.213.S From H.J.Maynard Esquire Junior Secretary to the Government of the Punjab.To, Sheik Rahmatullah Merchant, Bombay House Lahore Date Simla, the 11th of June 1898.Sir I am directed by His Honour the Lieutenant Governor to say that he has read with much pleasure the account of the proceedings of a meeting held at Kadian on the 2nd of May 1898.And the address delivered by Mirza Ghulam Ahmad Rais of Kadian, in connection with the measures taken by Government for the suppression of bubonic plague.2.His Honour desires me to convey his acknowledgement of the support rendered to the Government by the members composing the meeting.I Have the Honour to be Sir Your most obedient servant For Junior Secretary to the Government Punjab.

Page 188

IVE الترجمة رقم الرسالة ٢١٣ اس من: اتش جي مي نارد السكرتير المساعد، حكومة البنجاب إلى : الشيخ رحمت الله التاجر، مومباي هاوس، لاهور شملة ١٨٩٨/٦/١١ سيدي استجابة لأوامر جناب نواب اللواء الحاكم أطلعكم على أن حضرته قد قرأ بمنتهى السرور ما تضمنه تقرير الاجتماع المنعقد في ١٨٩٨/٥/٢ في قاديان عن القواعد التي أصدرتها الحكومة للوقاية من الطاعون، بالإضافة إلى خطاب مرزا غلام أحمد زعيم قاديان الذي ألقاه بهذه المناسبة.لقد أمرني حضرته أن أطلعكم على عواطف شكره على المساعدة التي قدمها مشاركو هذا الاجتماع للحكومة.(التوقيع) نسخة الملاحظة من سيفيل ملتري غازيت بتاريخ ١٠ يونيو ١٨٩٨ - ud - "At an influential meeting of Muhammadans held recently at Qadian under the auspices of Sheikh Rahmatullah Khan of Lahore, prayers were offered for the cessation of the plague and an address Din in support of the was delivered by Hakim Noor Government measures of segregation etc, for the suppression of the disease.An acknowledgement of this loyal support has been communicated to the promoters of the meeting.The gist of the address was to the effect that Government was actuated solely by

Page 189

IVOX dictates of humanity in its measures for the suppression of the are necessary, that stories that disease, that those measures Government desires to poison the people are both lies and foolish and should not be believed for a moment by anybody with pretensions of being sensible, and that for females to put aside the Purdah in so far as to come out of the house into the open for segregation purposes with the face properly veiled is no violation of the principles of (Islam) Muhammadanism in times of imminent danger such as a visitation by the hand of God." الترجمة في اجتماع جماعة المسلمين المتسمة بمنتهى الوقار، الذي عُقد بإشراف الشيخ رحمة الله خان اللاهوري في قاديان، قد صدرت أدعية لاختفاء الطاعون، وألقى الحكيم نور الدين خطابًا في تأييد قواعد العزل التي أصدرتها الحكومة للوقاية من المرض، ولقد أخبر عاقدو الاجتماع عن هذا الشكر على المساعدة الوفية، وإن مغزى هذا الخطاب وملخصه هو أن الحكومة اضطرت بدافع المواساة الإنسانية لتصدر هذه القواعد لمنع المرض وهي ضرورية جدًا، وأن القصص الوهمية بأن الحكومة تريد أن تسمم الناس باطلة تماماً وناتجة عن حُمق محض.وإن الذي يملك عقلا ينبغي أن لا يسلّم بها ولا للحظة واحدة، وفي حالة الخطر الشديد حين ينزل من الله أي مرض، فإن خروج النساء من البيوت إلى الهواء الطلق بقصد الحجر الصحي مراعياتِ الحجاب لا ينافي مبادئ الإسلام.هنا كتب اسم المولوي الحكيم نور الدين بسهو الناسخ، إذ كان يجب أن يُكتب في واقع الأمر اسم هذا العبد المتواضع أي مرزا غلام أحمد.منه

Page 190

إزالة بعض الوساوس الجديدة إن التهمة التي ألصقها كذبًا الشهزاده والا جوهر، المساعد الإضافي: بالشهزاده عبد المجيد يفندها الأخير في الرسالة المرسلة إلينا والمذكورة أدناه، فهذان بينهما علاقات قرابة، لكن الله جذب أحدهما إلى الحق والهدى أما الثاني فأُعجب بالباطل.وذلك فضل الله يهدي من يشاء ويُضلّ من يشاء، والرسالة هي: بسم الله الرحمن الرحيم.حامدا ومصليا " أيها الملك العظيم وظلٍّ فضل الله وقلب الأنبياء وروحهم وإكليل الأولياء..إن الجمال الأزلي يتجلى في وجهك كالشمس، وإن مصحف خدك علامة نور الله إن قامتك الخلابة كمثل نخلة من جنة القدس، وإن وجهك الجميل كالسراج المنير.إن نظرتك المليئة شفقة دواء كل ألم ،ووجع وإن وصفة رؤيتك تشفي كل مرض.إن نفسك المحيي، يحيي الميت منذ مائة عام معجزة.إن ملاك الغيب قال لي مهنئا إن كعبة زقاقك تقضي الحاجات.ترجمة قصيدة فارسية.(المترجم)

Page 191

إن طيب بستان إرم غَرْبَلَ غبار طريقك، وإن تراب بابك يبشر برائحة بساتين الجنة في كل مكان.قد جعل رب الورى مسكنك الطيب مهبط روح الأمين، ومطلع النور المبين.أيها الهادي، إن عرش قلبك الرفيع طوؤ جلال الله وإن وجهك نور جلال الله إن أمة سيدنا أحمد الله التى كانت عرضة للمظالم والاعتداءات قد خلصها منها أحمد آخر الزمان.إنك قاتل أعداء الدين وناصر الدين المتين، إنك مأوى الملوك ومرشد إلى الهدى والتقى.من رآك فقد رأى الله بلا شك، فليس من الخطأ القول إن النظر إليك هو النظر إلى الله.كل من يتلقى لباس عبوديتك على كتفه فقد نال ثروة العز والمجد والعلاء الأبدية.إن من تورع عن فداء قلبه وروحه لك فهو عديم الخبر بالوفاء بحسب فتوى العشق.ما أسعد الحالة والساعة التي فيها نضحي لك بحياتنا بكل سرور وشوق! لن يفتر حبك في قلبي ولن يضعف حتى يتمكن من القضاء على هذا العبد العاجز.

Page 192

إن فضل الله الواسع يعصمنا نحن المتواضعين مهما بكى المنافق أو صرخ.نحن ندعو الله بآلاف التضرعات والابتهالات أن نبقى في زمرة أصحابك.كل من انتشى بخمرة حبك فقد تغافل عن كل شيء سوى الحق، وكل من فاز بذلك اللقاء فقد تغافل عن نفسه.لقد أشعلنا نار حبك بأنفسنا في قلوبنا ونفوسنا، لكي نظهر ونحرق كل ما سوى الحب.أما بعد، فبخدمة المقدّس حضرة إمام الوقت أود أن أقول إنني قد علمت أن سمو الشهزاده والا جوهر المساعد الإضافي في "جهلم" قد كتب عني في هذه الأيام في جريدة سراج الأخبار أن فلانًا تاب عن اعتقاده وأنه وفّق للتوبة، لأن الشهزاده المذكور قد أثبت لي بطلان عقيدتي.سبحانك إن هذا إلا بهتان ،عظيم يا سيدي، لقد ناقشت الشهزاده المذكور لمدة شهرين شفهيا على موضوع حياة المسيح اللة ومماته ودعاواك عليك السلام، فالمولوي عبد العزيز والمولوي مشتاق أحمد والقاضي فضل أحمد والمنشي سعد الله المدرس وغيرهم، الذين كانوا ينتظرون قذف سمّ الحقد، اغتنموا الفرصة فأيدوا الشهزاده تقليدا لسفهاء الأمم الماضية تماما، لم أُبدِ ولا مرة أي جبن ولا ارتعاد ولم أرتعب منه قط مما قد يؤكد له توبتي أو يولد لديه احتمال توبتي، غير أنني عملت بالهدي القرآني: وَأَعْرِضْ عَنِ

Page 193

الله ۱۷۹ مني توبةً الْجَاهِلِينَ ووَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ ، وإذا كان عد ذلك فهذا مبلغ إدراكه لا حول ولا، الكذب لهذه الدرجة! يا سيدي، صحيح أن هذا الشقي محروم من شرف الزيارة، لكنني أقول إن حب النبي وعظمته وأدبه وطاعته والإكثار من ذكره قد صار جزءا من روحي وحياتي.فأنى لي الانفصال عن روحي، يا حبيبي استكشف حال قلبي من المطَّلع على الأسرار، وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبير".يا مولاي قد أطلعتنا على والرسول وكشفت لنا الطريق إلى الجنة، أنت علمتنا القرآن الكريم، كنا في غفلة وأنت الذي أيقظتنا كنا مسلمين بالاسم ورسميًا فقط وإنك وحدك عرفتنا بالإسلام الحقيقي، لم نكن نعرف ما هو الدعاء، وما الذي يُسمى بالتقوى، وإنما أنت الذي كشفتها علينا لم نكن نعرف ما هي حقوق الحكومة العالية علينا وأنت الذي قد فهمتنا طريق الوفاء والطاعة.باختصار، إلامَ أُسجل مننك فهي لا تُعد ولا تحصى، أنت سيدنا ومولانا ونحن خدامك وعبيدك، فهل يمكن أن نكسب لعنة الله بتركك؟ يا مرشدي، لو كنتُ ضعيف الاعتقاد لهذه الدرجة لما كنت كالشوك في عين العدو، فكلما واجهتُ العدو في الطريق استشاط غضبًا لمجرد وقوع نظره علي، لقد تركت الصلاة في المساجد، فقد وصلني -رواية من میان عبد الله السنوري- أن الأعراف: ٢٠٠ الفرقان: ٦٤ فاطر: ١٥

Page 194

الذين يسكتون ويلزمون الصمت فلا تجوز الصلاة خلفهم وإن كانوا لا يُعارضون فليستفسر سادتي القاضي المحترم والقاضي الخواجه علي والصاحبزاده افتخار أحمد والمنشي إبراهيم وميان إله دين وغيرهم من الأحبة اللدهيانوي حال خادمك.يا سيدي، إني لم أتعثر حتى في أوضاع حرجة جدا أو ابتلاء عظيم، فضلا عن هذه الأيام حيث ظهر كثير من آياتك العظيمة القدر وجليلة الشأن العلمية والعملية المتواترة، وتحلّى صدق الحق كالنهار الواضح.وإنني أعلم أيضًا أن هذا الثبات هو الآخر ثمرة دعاء حضرتك وحده في منتصف الليل، وإلا نحن نُدرك من نحن.إن المريدين يجب أن يتصفوا بالصدق والسداد ثم لا يمكن أن يضيعوا بإذن الله ببركة العمل بـ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ.صحيح أنني رجل فقير إلا أن قلبي بفضل الله غني، ليست في نظري أهمية للأثرياء من أهل الدنيا أكثر من دودة ميتة، فما قيمتها؟ فهم موتى بلا روح، وإن صورهم الكريهة تثير القرف، فمن خافهم أو احتاج إليهم وقبل سيطرتهم فهو أعمى مثلهم.يا مرشدي، إنني أتورّع عن إرسال الرسائل لأنني أرى هذا الفعل أخف؛ إذ أقول في نفسي من أنا وما قيمة رسائلي؟ وأقول في نفسي لماذا أكلف عبنا عباد الله العظام؟ فإن دقائق من أوقاته الثمينة ستضيع في فتح الرسائل وقراءتها بغير حق، وإني محروم من فيوض الصحبة المقدسة والتشرف بالحضور عندك لأسباب........إن مؤلفات حضرتك الفياضة الشرح: ٨

Page 195

بالأنوار والحكمة التي تصدر فينة بعد فينة شفقة منك تمثل مرشدا كاملا لزيادة إيماني وعرفاني.كل ما يُكشف على حضرتك من حضرة الكبرياء من الروحانيات والكشوف والخوارق والرؤى والإلهامات ثم تسجلها في صحفك المطهرة، فإن روحي تتمتع بحلاوة تلك الأمور الروحانية والتأثيرات، وأشعر وكأني شخصيًا صرت محل هذه الأوضاع.لكنني لا أحب لنفسي البعد والهجر أبدًا ومطلقًا لأن ما يناله المقربون من الآيات المقدسة والبركات والمزايا لا يتمتع البعيدون بعشر معشارها.إن حذاء أصحاب الصفة بمنزلة رءوس غيرهم، وصحيح أن الله لا يضيع أجر أي صادق ومخلص، أما أصحاب الصُّفَّة وما أدراك ما أصحاب الصفة! ما أسعد أولئك الذين يقع نظرهم على ذلك الوجه الأطهر صباح مساء، ويغتنون بثروة بركات الصحبة بحيث يُشاهدون في ذاته المثل الكامل لأنوار رسول الله ﷺ وخصاله وعاداته وأخلاقه ورياضاته ومجاهداته وحروبه.إنني دوما أدعو الله القادر ذا الجلال أن يا أيها القدير الوحيد الفريد أكرمنا وشرّفنا بشرف وفخر صحبة مسيحك الجليل عليه الصلاة والسلام.أقسم بالله الحي القيوم على أني أرى كنس عتباتك أفضل من العرش الملكي بكثير.لقد افترى الشهزاده علَي افتراء شنيعا وأراد أن تسيئ حضرتك الظن بي، صحيح أن عباد الله المكرمين ليسوا بحاجة إلى شخص أذلّ مثلي، ولقد أكرمك الله ورفعك لدرجة أن جعل شخصك الجامع للبركات مرجع القديسين، إلا أنني تشجعت نظرا إلى وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ

Page 196

لِلْمُؤْمِنِينَ وبِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"، لأطلب منك العفو عن تقصيراتي، وألتمس منك ضاما يدي: "صحيح أني لا أجدني جديرا بعفوك لكن أرجو أن لا تنظر إلى شخصي، بل انظر إلى كرمك ورحمتك"".مكان وجده إن مضامين كتاب الشهزاده مختصرًا ومجملا على قدر ما أتذكر هي التالية: لا يؤمن بأن المسيح اللة في السماء، بل يقول إن الله قد أخفاه في هذا العالم حصرًا، ويُفسر التوفي بالاستيفاء؛ أي أن الله من مستوفيًا وأعرض عن الناس، إلا أنه حي.ويقول بما أن اختلاف الملامح الوارد في الأحاديث رؤيا وكشف، فمن المحتمل أن يرى الإنسان شخصا في صفات مختلفة.فأحيانًا نرى أحد الأصدقاء في الرؤيا في وضع ثم نرى الصديق نفسه في وضع آخر في رؤيا أخرى، ويقول أيضا، بأنه لو كان قد ورد في الأحاديث اسم عيسى أو المسيح فقط لكان هناك مجال للاعتقاد بأن المثيل يأتي، لكنه ثابت من ابن" "مريم" أن الأصل سيأتي.ويقول أيضًا الحجر: ٨٩ التوبة: ١٢٨ ترجمة بيت فارسی (المترجم) ملحوظة: نحن أيضا لا نقول إن المثيل جاء، لقد جاء الأصل لكن بصورة البروز، اقرأوا كتاب اقتباس "الأنوار" الذي وردت فيه هذه الرموز كلها."إن روحانية الكمل في الروحانية تتصرف أحيانا في السالكين بحيث تصبح فاعل أفعالهم، ويسمي الصوفية هذه الدرجة بروزا.وقد كتب المؤلف في شرح "فصوص الحكم" أي يقول بغرض بيان مثال البروز: إن محمدا ظهر في البداية بروزا لآدم، أي

Page 197

أن نبيا شهد على صدق كل نبي سابق دومًا كما شهد نبينا على صدق المسيح أخيرا، لكن نبينا هو الآخر بحاجة إلى شاهد يكون نبيا.فلما كان النبي ﷺ خاتم النبيين فلن يأتي المسيح بصفته نبيا بل بصفة أحد أفراد الأمة ويُضمر في شأنه النبوة أيضًا.ويقول أيضًا إن مثيل النبي يكون نبيا، كما كان مثيل آدم المسيح، ومثيل موسى محمد المصطفى ، ومثيل إيليا يحيى، وعلى هذا القياس يجب أن يكون مثيل المسيح أيضا نبيا لا فردًا من أفراد الأمة.ويقول أيضا بأنه اخترع وضعًا نادرا من علامات المسيح الموعود، وهو: عندما يدَّعي أحد أنه المسيح فسوف أبحث عن والديه؛ فالأب من البدء غير موجود وأمه قد ماتت فحين لم يثبت وجود الوالدين فأي شك سيبقى في كونه مسيحا؟ ويقدم دليلا قاطعا على بعثة المسيح الإسرائيلي ثانية أن الله يقول: وَجيهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فلما قضى المسيح حياته في الأوضاع العسيرة والذلة فلا يمكن أن يكون مصداق هذه الآية، لأنه لم يحظ بالوجاهة الدنيوية التي ظهرت روحانية النبي ﷺ في بدء الكون في صورة آدم، وكانت روحانيته هي في الزمن الأخير في صورة الخاتم، أي في خاتم الولاية أيضا –وهو المهدي- تحلت ستتجلى روحانية محمد ﷺ وتبدي تصرفات وهي تسمى بروزات كاملة لا تناسحًا.والبعض يعتقد أن روح عيسى ستظهر في المهدي، والنزول هو البروز حصرا بحسب هذا الحديث "لا مهدي إلا عيسى"..راجعوا الصفحة ٥٢ من كتاب "اقتباس الأنوار".منه ١ آل عمران: ٤٦

Page 198

قط، فسوف يبعثه الله ثانية ليكون مصداق هذه الآية، وسوف يتمتع بجميع لوازم الوجاهة الدنيوية من السلطنة والحكومة وما شابهها.وهو يطعن في الحياة الخاصة لحضرتك عليك السلام فيقول عنك: لا يحج رغم القدرة، بحيث ينشر الإعلانات بإنفاق آلاف الروبيات ولا يتوجه لأداء الحج، ولا ينشر بقية أجزاء البراهين الأحمدية، وأن النبوءة بحق آتهم قد بطلت فلا نوقن برجوعه.أما النبوءة بحق ليكهرام فلم يصرح بقتله، وإنما وردت جملة "نصب وعذاب" وهي لا تفيد القتل.ويقول حتى لو كانت قد تحققت على سبيل الافتراض، فما أعظم حظ ليكهرام الذي كان إنسانًا عاديًا، فصار بسبب هذه النبوءة عظيم القوم ونال لقب الشهيد وجمعت آلاف الروبيات تبرعات لذويه، فقد حدث هذا وذاك.ويقول إنه يريد أن تنشر مثل هذه النبوءة بحقه أيضًا.وإن حديث الكسوف والخسوف موضوع، فليس في المرزا المحترم أي مماثلة بالمسيح سوى إطلاق الشتائم، وتملق الحكومة، وإن مؤلفاته العربية منقطعة النظير باطل؛ لأنه لم يُعلن مثل هذا الادعاء التوراة والإنجيل والزبور ولا الأحاديث النبوية إلا القرآن الكريم، مع أن هذه الكتب أيضا إلهامية.وكان المرزا المحترم مطلعا على أوضاع "الرجل الصالح" من راولبندي، وكان يعرف أنه مرتاب وجبان فأعلن النبوءة بحقه فورا، أن وغير ذلك من الخرافات والهذيانات.العبد المتواضع عبد المجيد من ،لودهيانه حي إقبال غنج ١٨٩٨/٦/٦

Page 199

الآن نكتب الرد على هذه الوساوس البذيئة لطلاب الحق ليتبين كم ابتعد المشايخ المعارضون وتلامذتهم من هذا النوع عن الحق.قوله: ليس المسيح في السماء بل قد أخفاه الله هنا في هذا العالم.أقول: هذا لا يعتقد به أحد في العالم، ويبدو أن بعض معارضين المشايخ قد يئسوا من رفعه إلى السماء فبدأوا يحاولون إخفاء مسيحهم الخيالي في الأرض.لكن ليتذكروا أن أيَّ فرقة من المتقدمين أو المتأخرين لم تكتب أن الله قد أخفى المسيح هنا في مكان من هذا العالم إلا أن جماعة من الصوفية المسلمين يقولون إن نزول المسيح من السماء واضعا كفيه على كتفي الملكين باطل لأن ذلك ينافي الإيمان بالغيب، وقد ذكر الله الله في القرآن الكريم مرارا، أنه إذا شوهد نزول الملائكة إلى الأرض فسوف يفنى العالم ولن يفيد الإيمان، ويقول أيضا إن الناس لا يقدرون على رؤية الملائكة نازلة إلى الأرض أبدًا، وعندما يُرون لن تبقى هذه الدنيا، فلما ثبت من النصوص الصريحة من القرآن الكريم والآيات قطعية الدلالة أن نزول الملائكة يتحقق عندما لن يفيد الإيمان كما ينظر المرء إلى الملائكة عند الاحتضار، ففي ذلك الوقت لا يفيد الإيمان ففي هذه الحالة يجب أن تعتقدوا بأن الإيمان بعد نزول المسيح لن يفيد، بل إن هذا الاعتقاد باطل صراحة لأنه قد حصل الإجماع على أن الإسلام عند نزول المسيح سينتشر في العالم انتشارا هائلا، وستهلك الملل الباطلة ويزدهر الصدق، فحين

Page 200

بطل هذا الاعتقاد فلا بد من التسليم بالجانب الثاني حتما مراعاة لنصوص القرآن الكريم الصريحة أن نزول المسيح مع الملائكة لا يُحمل على محمل الظاهر.بل بسبب القرينة البينة للنص الصريح للقرآن الكريم سيؤول هذا النزول، لأن نزول عيسى العلا ماديًا السماء من مع الملائكة يُنافي ويعارض النص القرآني الصريح، وهذا الإشكال تعرض له أكابر الإسلام هذا الإشكال بين الإمام مالك له بجلاء أن و بسبب العلية لا قد عیسی مات، ولذلك قال بموته الإمام ابن حزم أيضا، ولهذا السبب يعتقد جميع أكابر علماء المعتزلة بأن عيسى ال قد توفي.باختصار، إن بطلان فكرة النزول من السماء لا يثبت من آية قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي فحسب، بل إن جميع الآيات التي ورد فيها أن الإيمان عند نزول الملائكة لن ينفع إذ يكون ذلك الوقت للحكم، لا للبشارة والإيمان؛ تنادي بصوت عال أن نزول عيسى ال من السماء واضعا كفيه على أكتاف الملائكة باطل تماما، فلو لم يكن باطلا لكان له نظير في العالم، أي في الزمن الماضي"، ۲ الإسراء: ٩٤ العلية العلمية من الجدير بالاهتمام أن الأعاجيب التي نُسبت إلى عيسى العليا الضروري جدا من أن يكون لها نظير لأن قوما قد اتخذوه إلها، ثم إذا لم يكن لأعمال عيسى اللي وشخصه وصفاته نظير فهذا الامتياز يُعدّ في نظر الجهلة دليلا على ألوهيته.فمن دأب القساوسة في العصر الراهن أنهم بذكر خصائصه وخوارقه يستدلون على ألوهيته، ولهذا السبب حين استدل النصارى في زمن النبي ﷺ على كون المسيح بغير أب فهو إله، ذكر الله فوراً نظير الولادة من هذا النوع بل أزيد منه، وقال: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ (آل عمران: (٦٠)، والجدير بالذكر أنه ذكر نظيرا يُعدّ من

Page 201

۱۸۷ لكن من يمكن أن يُبيِّن أن شخصًا صعد إلى السماء بهذا الجسم المادي في عالم اليقظة ثم عاد من هناك، فإذا كان ذلك من سنة الله فكأنه قد خجل عيسى الله أمام اليهود عن عمد وقصد في قضية نزول إيليا ثانيا.أما القول بأن من المحتمل أن اليهود والنصارى قد حرّفوا في هذه القصة معا فهو حمق يضحك منه حتى الأولاد باختصار إن نزول المسيح من السماء في صورة ينتظرها معارضونا يُخالف نصوص القرآن الكريم الصريحة.إن فئة من أكابر الصوفية قد أنكرت النزول المادي وقالوا إن نزول المسيح الموعود سيكون في صورة البروز، فقد ورد في كتاب "اقتباس الأنوار" للشيخ محمد أكرم الصابري الحائز على مكانة مرموقة بين الصوفية، ونشره معارضونا حاليا من المطبعة الإسلامية في لاهور: "إن روحانية الكمل في الروحانية تتصرف أحيانا في السالكين بحيث تصبح فاعل أفعالهم، ويسمي الصوفية هذه الدرجة بروزا....وقد كتب المؤلف في شرح فصوص الحكم أي يقول بقصد بيان مثال البروز: إن محمدا ظهر في البداية في صورة آدم أي ظهرت روحانية محمد البديهيات ومعتقدات اليهود والنصارى والمسلَّم به لديهم.ومن المؤكد أن النصارى كانوا في ذلك الزمن قد قدموا حياة المسيح في السماء حجة على ألوهيته.فردا على ذلك ذكر الله إقرار المسيح نفسه: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)) (المائدة: ١١٨).باختصار، إن التعليم القرآني هو أنه ليست في المسيح أي ميزة متميزة في خوارقه وذاته وصفاته.منه

Page 202

التي المصطفى في بدء الكون في آدم ،بروزا، وكانت روحانيته هي تجلت في الزمن الأخير في صورة الخاتم أي في خاتم الولاية أيضا وهو المهدي- ستتجلى روحانية محمد ال وتبدي تصرفات.وهي تسمى بروزات كاملة لا تناسخا.والبعض يعتقد أن روح عيسى ستظهر في المهدي، والنزول هو البروز حصرا بحسب هذا الحديث "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم".وإن عقيدة البروز ليست جديدة بل إنها مذكورة في كتب الله السابقة أيضا، فالنبوءة الواردة في سفر النبي ملاخي عن مجيء إيليا من جديد، التي ظل اليهود يسيئون فهمها بأن النبي إيليا نفسه سينزل من السماء، تبين أخيرًا أن المراد منه أيضًا كان بروزه حصرًا.وثبت أن القادم كان يحيى النبي مكان إيليا.أما عقيدة اليهود الإجماعية بأن إيليا نفسه سيأتي فقد بطلت.وكذلك يبدو أن كتب الهندوس أيضا ذكرت عقيدة البروز وتطوّرت خطأ إلى عقيدة التناسخ.قوله: إن التوفي يعني الاستيفاء.أقول: هذه الأقوال سخيفة، فقد ثبت من قول عبد الله بن عباس في البخاري أن معنى يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ: يا عيسى إني مميتك.فقد كتب الإمام البخاري في الموضع نفسه حديث النبي الذي ورد فيه "كما قال العبد الصالح" فبذلك أشار إلى تفسير النبي لهذه الكلمة.فبعد أن قال النبي الله والقرآن الكريم بوفاة عيسى ال وورد في قول ابن عباس

Page 203

۱۸۹ أيضًا، فإن بيان معان أخرى خيانة كفعل اليهود.تأكدوا بالتدبر في القرآن الكريم كله أنه لم يرد للتوفي معنى آخر سوى قبض الروح والإماتة، كما لم تستخدم الأحاديث كلها أيضا كلمة "التوفي" في أي محل غير قبض الروح والإماتة.كما ورد في جميع القواميس حصرًا أنه إذا كان الله الله فاعلا وأحد الناس مفعولا به فلن يُراد من التوفي معنى آخر سوى الموت وقبض الروح، كما في جملة "توفى الله زيدا" مثلا.فلما تقرر بهذه الصراحة والتحقيق أن التوفي يعني الإماتة، وقد ثبت من آية فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني أن كان قد توفي قبل فساد النصارى، أي كان قد مات قبل اتخاذهم إياه إلها، فعدم قبول موته حتى الآن ليس من آداب الحوار بل هو نوع من الوقاحة.فلما كان الله يقصد إذلال الذين كانوا يعتقدون بحياة عيسى العلمية عبثا، أثبت موته من جوانب كثيرة لا من جهة واحدة؛ فقد ثبت موته من كلمة التوفي، ثم ثبت الموت من آية: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ"، ثم ثبت الموت من آية (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ، ثم ثبت الموت من آية فيها عیسی حيثما استخدمت كلمة "خلت"- بحسب التعبير القرآني- بحق أي أمة فقد أُريدَ منها أفراد تلك الأمة، فلن تتمكنوا من تقديم آية واحدة أطلق فيها القرآن كلمة "خلت" على فئة إنسانية ثم لا يكون معناها الموت بل كان لها معنى آخر، ولهذا السبب استدل سيدنا أبو بكر له من هذه الآية على موت جميع الأنبياء.منه.٢ آل عمران: ١٤٥ المائدة: ٧٦

Page 204

۱۹۰۰ من آية تَحْيَوْنَ، ثم ثبت الموت من آية القرآن الكريم وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مستقر ، فقد ثبت من هاتين الآيتين أنه لا يمكن أن يستقر الإنسان بحياة جسمانية في السماء، ثم ثبت الموت من آية بَلْ رَفَعَهُ اللهُ، لأن المراد من الرفع إلى الله أو الرجوع إليه في القرآن الكريم كله هو الموت، كما أريد آية ارجعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً أيضا الموت حصرا، ثم إن آية كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ أيضا تُثبت الموت، لأن في هذه الآية بيان نفي لوازم الحياة بحق عيسى ال ومريم، وبذلك يتحقق موته لزوما.ثم إن موته ثابت من آية وَأَوْصَانِي بالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، لأنه ليس من شك في أن عيسى العلم إذا كان الآن ممتنعا عن الأكل والشرب بحسب النص القرآني، وممتنعا كذلك عن أعمال مادية أخرى مثل الصلاة والزكاة، بل إن الزكاة تقتضي المال أيضًا بالإضافة إلى الحياة المادية، وعدم العلية لا وجود المال في السماء معلوم ومعروف.وثابت من الإنجيل أن عیسی كان ثريا حيث كان لديه على الأقل ألف درهم على الدوام، وكان خازنه ٥ يهوذا الاسخريوطي، فهل أخذ ذلك المال معه إلى السماء؟ وكذلك قد الأعراف: ٢٦ البقرة: ٣٧ النساء: ١٥٩ الفجر: ٢٩ المائدة: ٧٦ مریم: ۳۲

Page 205

۱۹۱۰ ثبت موته من آية (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، لأنه لم ترد في القرآن الكريم جملة "منكم من صعد إلى السماء بجسمه العنصري ثم يرجع في آخر الزمان" مع وجود التكرار فيه.فإذا كان من الحق أن عیسی العليا كان قد صعد إلى السماء بجسمه المادي فإن حصر القرآن الكريم هذا سيبقى ناقصاً، لأن الله الله لم يذكر الصعود إلى السماء في هذه الآية أو في آية أخرى، وإذا كان هذا أيضًا من سنة الله تعالى فكان من الواجب ذكره لاكتمال البيان، فلما ذُكر في القرآن الكريم عدة مرات إماتة الشباب أو الشيوخ و لم يُذكر إسكان البعض في السماء أيضا بمحاذاة ذلك، فهذا يدل على أن إسكان أحد في السماء بالجسم المادي ليس من الله ، وإن إكمال الدين المستنبط من آية: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، يقتضي أن يذكر جميع الأسرار التي تعد من سنن الكريم.فلما كان رفع أحد بالجسم المادي إلى السماء وإسكانه لمئات السنين لم يذكر في القرآن الكريم كسنة الله، وإنما ذكر جعلُه شابا وشيخا والإماتة فقط، فمن هنا ثبت أن الأمر الآخر ليس من سنة الله.وكذلك يثبت موت عيسى الله من آية (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْق، لأنه العليا إذا كان أحد قد بلغ من العمر تسعين سنة أو مائة، فإنه ينكس في الخلق سنن الحج: ٦ المائدة: ٤ الله في القرآن يس: ٦٩

Page 206

۱۹۲۰ بموجب تصريح هذه الآية حتى يكاد يفقد جميع الحواس الظاهرية والباطنية.أما الذي يعيش حتى الآن منذ ألفي سنة، فكيف تكون حواسه؟! وإذا كان ما زال على قيد الحياة، ففي هذه الحالة أي خدمة ترجى منه؟! إن هذه الآية لم تستثن لنا أن أحدا، ولا ينبغي نوجد من بيان الله تعالى، إلا أنه إذا ثبت من نص صر أن صريح عند أنفسنا استثناء دون عیسی العلمية لا کونه مع بجسمه المادي منزه من الانحلال وتردي الحالة وفقدان القوى، فيجب تقديم تلك الآية.أما إذا احتج أحد بأن الله على كل شيء قدير فاحتجاجه سخيف.وإذا كان الرأي الشخصي يمكن أن يُستخدم كدليل دون سند صريح، فنحن أيضًا نستطيع أن نقول إن سيدنا ومولانا النبي ﷺ قد أُحيي بعد الوفاة ورفع إلى السماء بجسمه المادي، وأنه مستثنى من لوازم الشيخوخة، وأنه ما زال حائزا على قواه المادية ولوازم كاملة للحياة أكثر بكثير من عيسى، وأنه سينزل مرة أخرى في الزمن الأخير، فقولوا الآن ما الفرق بين دعوانا هذه ودعواكم.إذا كان القرآن الكريم قد استخدم فعل التوفي بحق النبي الله كما في آية: ﴿وَإِنْ مَا نُرِيَّنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ، فقد ورد الفعل نفسه بحق عيسى ال مرتين، بل إن الشهادة الحقة تقتضي التصريح، لأن موت عيسى ال ثابت أكثر من الأنبياء، فلم يذكر الله وفاة كثيرين من الأنبياء بينما ذكر وفاة المسيح اللي مرارا وتكرارا، كما قد أشير أيضا إلى وفاة المسيح الا في وفاة جميع الرعد: ٤١

Page 207

۱۹۳۰ آية (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.فقولوا الآن، إذا اعترض عليكم أيُّ مسيحي وقال إن بيان القرآن هذا يُنافي الحقائق بحسب معتقداتكم؛ وذلك لأن القرآن يعد المسيح ابن مريم ضمن من دون الله" ويعدّ جميع من كان يُعبد "من دون الله" ميتًا دون أي استثناء، وأنتم تصفون المسيح ابن مريم بالحي، مع أن القرآن يقول بأنه ما من معبود "من دون الله" حي.فإن كنتم صادقين فليس القرآن على حق، أما إذا كان على حق فلستم صادقين في ادّعائكم بحياة المسيح.فما هو جواب هذا الاعتراض؟ فالجلي أن عيسى العلي حصرا هو أول مصداق لقول القرآن الكريم بأن كل ما يُعبد من دون الله أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء، لأنه هو الأكثر من عبد من بين الناس على الأرض، وإن حزبه هو السباق من بين عبدة البشر في القوة والشوكة والنشاط والدعوة إلى الشرك.لاحظوا إن عدد عبدة عيسى ال قد بلغ أربع مائة مليون إنسان، وليست هناك جماعة أكبر منها من عبدة البشر، فإذا كان القرآن الكريم قد استثناه من هذه الآية فيستنبط منه والعياذ بالله أنه لم يكن من "غير الله" عند منزّل القرآن الكريم.وإن لم يكن مستثنى، فهذا يخالف عقيدتكم لأن عيسى بن مريم ليس معدودًا في الأموات في رأيكم بل ما زال حيًّا في السماء بحياة مادية، فقولوا الآن، إذا أثير هذا الاعتراض من قبل النصارى فما هو جوابكم؟ النحل: ٢١-٢٢

Page 208

ثم إن القرآن الكريم ذكر دخول عيسى العلة في الجنة فيقول: الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ، أي أن الذين حققوا الجدارة بدخول الجنة بحسب وعدنا فهم أبعدوا عن الجحيم وهم في اللذات الخالدة في الجنة.وقد كتب جميع المفسرين أن هذه الآية هي بحق عيسى العلا، وثبت منها بصراحة وبداهة أنه في الجنة فثبت أنه قد توفي.وإلا كيف وصل إلى الجنة قبل الوفاة؟ أضف إلى ذلك أن الحديث الوارد في "الطبراني" و "ما ثبت بالسنّة" أيضا يُثبت موت عيسى حصرًا.لأنه قد ورد فيهما أن عيسى ال عاش مائة وعشرين سنة.وقد عدَّ المحدثون هذا الحديث من الدرجة الأولى من الصحة و لم يطعنوا فيه قط.فقولوا الآن هل ثبت موت عيسى ال حتى الآن أم لا؟ ثم قد ورد في أحاديث النبي في البخاري ضمن ذكر المعراج، أنه رأى عيسى العلبة في زمرة الأموات ليلة المعراج، ووجده في العالم الآخر، فلو كان حيًّا فما علاقة الحي بالميت؟ وكيف كان يمكن أن يعيش مع النبي يحيى الذي توفي؟ فالميت يعيش مع الأموات.كل من ينتقل إلى عالم الأموات فلا يسعه ذلك إلا بالممات.فقولوا ما علاقة الأحياء بالأموات؟ واشرحوا لي ذلك كيف يمكن حدوث ذلك؟ الأنبياء: ۱۰۲-۱۰۳ ترجمة بيتين أرديين.(المترجم)

Page 209

۱۹۰ وإذا ثبت القول بأن عيسى ال نفسه كان قد أخبر النبي بأنه سيعود إلى العالم ثانية، فلا بد أن يكون ذلك ،بروزا، ويُثبت أنه توفي وليس في هذا العالم، فلما لم يثبت أن من سنة الله للعودة الراحلين من هذه الدنيا بالجسم المادي، فما الذي يمنع تفسير هذا القول إذا ثبت صدوره- بما لا ينافي سنة الله؟ ولماذا لا يُعدّ هذا المجيء على وجه البروز مثلما كانت عودة إيليا النبي اللة ثانية إلى هذا العالم؟ فماذا يُجبرنا على تفسير مجهول الكيفية نموذجه مفقود في سنن الله ولا نظير له في الأمم السابقة؟ إن الله لله يحثنا في القرآن الكريم ويرغبنا في أن نبحث في الأمم السابقة عن نظير كل ما عُلِّمنا من الأمور والأحداث، فسوف نجده عندهم.فأين نبحث عن نظير اعتقاد عودة الإنسان من السماء إلى هذا العالم بعد الموت، وعند من نلتمس باكين أن يدلنا على هذا النموذج في سنن الله القديمة؟ فليخبرنا المعارضون من فضلهم هل حدث مثل هذا الحادث في الماضي أيضا؟ وهل عاش أي إنسان في الماضي أيضًا في السماء ألف عام أو ألفي عام، ثم نزل واضعًا كفيه على أكتاف الملائكة؟ فلو كان ذلك من سنة الله لوجد نظيره حتما في القرون الماضية، لأن الدنيا بقي منها القليل ومضى كثير منها، وليس في المستقبل أي حادث لم يسبق له نظير في الماضي، مع أن الأمر سنة الله يجب أن يكون له نظير.يقول الله ل لنا صراحة: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ'، أي كل جديد يُقال لكم الذي من النحل: ٤٤

Page 210

فاسألوا أهل الكتاب عنه فسوف يُخبرونكم عن نظائره.أما هذا الحادث فليس عند اليهود والنصارى أي نظير له سوى قصة إيليا.وقصة إيليا تشهد على ما يُخالف هذه العقيدة وتبين أن البعثة الثانية تكون بروزية.وهذه العقيدة تتسم بفساد كبير هو أنها تتسبب في نشوء ميزة خاصة في خوارق العليا، فتدعم عقائد النصارى الباطلة.مع أن القرآن الكريم يقول مرارا وتكرارا أن ليس في عيسى ميزة زائدة عن سائر البشر.قولوا الآن، إذا اعترض عليكم أيُّ مسيحي وقال بأن يسوع بحسب قولكم يتميز عن سائر البشر بكونه حيا في السماء منذ ألفي سنة تقريبا بحيث لم تفتر قواه و لم يضعف جسمه و لم يضعف بصره بل هو حي في السماء بكل قوة وجلال، وسوف ينزل إلى الأرض في الزمن الأخير مع الملائكة الذين هم الخاص كما هو موجود في القرآن الكريم أن الله سيأتي مع فوج الله الملائكة.ففي هذه الحالة لا بد من الإيمان بأن صفات الألوهية توجد في المسيح.وهذه الميزة نفسها تلفت انتباهنا إلى أنه يتميز عن عامة الناس.هي فقولوا لي بشيء من التدبر ما الذي تردّون به على هذه الشبهات؟ هذه الأفكار الباطلة التي بسببها قد ارتد حتى الآن أكثر من مائة ألف مسلم في الهند وتنصروا، فإثم كل هؤلاء في عنق هؤلاء المشايخ السفهاء، إن الله تعالى يُفنّد تخصيص المسيح بميزة في آياته مثل إنْ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدم لئلا ينخدع أي جاهل من أي ميزة له، أما أنتم فتقيمون في شخصه ١ آل عمران: ٦٠

Page 211

۱۹۷ مزايا كثيرة خارقة للعادة لا ميزة واحدة ففي رأيكم هو ما زال حيا بحياة مادية بكل قوة وقدرة، بينما نبينا قد مات عن عمر يناهز ستين عاما فقط، أما المسيح ابن مريم فتحسبونه حيًّا في السماء منذ ألفي سنة تقريبا.إن نبينا لم يخلق ولا ذبابة واحدة بحسب اعتقادكم، بينما البلايين من الطيور التي خلقها المسيح ابن مريم ما زالت موجودة.إن نبينا لم يستطع إحياء صحابي واحد كان قد مات إثر لدغ الحية مع أن الصحابة طلبوا منه ذلك بإلحاح وإصرار، أما عيسى بن مريم فقد أحيا بحسب زعمكم آلاف الأموات.كما لم يتمكن النبي ﷺ حتى في زمن نبوته من إنجاز الأعمال التي أنجزها عيسى ال في الطفولة.أخبروا الآن، ألا تُجبر كل هذه الخصائص التي تقرون بها على الاعتراف بأن شخص عيسى كان متميزا عن الصفات الإنسانية، حتى إنكم تزعمون أن أحدا لم يكن من الشيطان عند ولادته وكانت هذه العصمة السامية من محفوظا مس العلية الا نصيب عيسى بن مريم وحده تدبروا قليلا إلامَ تؤدي كل هذه الأمور؟ فهل يقبل القرآن الكريم مثل هذه الخصائص بحق عيسى العليا؟ فهو قد أعطى جميع الأنبياء والرسل نصيبا من العصمة من مس الشيطان على سواء حين قال: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانُ، باختصار، إن تخصيص عيسى ال بميزة معينة يُخالف تعليم القرآن الكريم ويؤيد النصارى، فكما ثبت موت حضرة عيسى بنصوص قطعية، كذلك تتحتّم وفاته من السلسلة الحجر: ٤٣

Page 212

۱۹۸۰ التاريخية أيضًا.انظروا بأي جلاء توضح وصفةُ "مرهم عيسى" الذي ذكرته مفصلا، أن عيسى ال لم يُرفع إلى السماء وقت الصلب.بل ظل يُعالج لمدة أربعين يوما محروحًا في مكان ،خفى، فهل أطباء العالم بأسره هؤلاء كلهم بمن فيهم الأطباء المسلمون والنصارى والمجوس والروس واليهود كاذبون وأنتم صادقون؟ تأملوا الآن أين ذهبت عقيدتكم برفعه إلى السماء؟ فليس كتاب أو كتابان بل ألف كتاب للأديان المختلفة تُميط اللثام عن المكايد المزورة بإدلاء الشهادة على أحداث صحيحة، فما أسمى هذا الإثبات! فاتقوا الله قليلا وتدبروا؟ عیسی كما قد ورد في الآثار أيضا أن المسيح ابن مريم كان نبيا سائحًا، بل كان الوحيد بين الأنبياء الذي قام بسياحة العالم، لكننا إذا سلمنا بعقيدة أن العليا كان قد رفع إلى السماء عند صلبه وكان عمره يومذاك ٣٣ عامًا باتفاق علماء النصارى واليهود وأهل الإسلام، ففي أي زمن ساح؟ لماذا تفضحون أنفسكم علميًا لهذه الدرجة، لماذا لا تقبلون الحق إن كنتم متقين، ما الذي بحوزتكم غير كلمة النزول؟ فإذا كانت الغاية من استخدام كلمة النزول هنا أن عيسى يأتي من السماء من جديد فكان يجب أن تُستخدم كلمة الرجوع لا النزول؛ لأن الذي يرجع يقال له في اللغة العربية "راجع" لا "نازل".ثم لما كانت كلمة النزول قد وردت في القرآن الكريم بحق نبينا له أيضًا وفي صحيح مسلم بحق الدجال أيضا، وفي

Page 213

۱۹۹۶ التعبير الشائع المتداول بحق المسافرين أيضًا إذ يقال "نزيل" للمسافر الذي يحل في مكان، فكم من الغباء استنتاج معنى "النزول من السماء" من كلمة "نزول" دون مبرر.ثم أعود إلى صلب الموضوع وأقول إن كون نبينا خاتم النبيين أيضًا يقتضي موت عيسى ال ، لأنه إذا جاء بعده أي نبي فلا يُعدُّ خاتم النبيين، ولا تُعد سلسلة وحي النبوة منقطعة ثم حتى لو افترضنا جدلا أن ال سيأتي بصفته فردًا من الأمة فلن تنقطع الأمة فلن تنقطع عنه النبوة حتى لو تمسك بشريعة الإسلام كأفراد الأمة.فلا يمكن أن نقول إنه لن يكون نبيًّا الله، في علم نبي في العالم بعد خاتم النبيين؟ ويكون فيه استخفاف بشأن النبي أيضًا، ويستلزم تكذيب نص صريح للقرآن الكريم.وإذا كان نبيا في علم الله فيرد الاعتراض نفسه أنه كيف جاء ذُكر فلم يرد في القرآن الكريم ذكر مجيء المسيح ابن مريم ثانية قط، بينما ختم النبوة بصراحة كاملة.وإن التمييز بين نبي قديم وجديد فتنة، إذ لم يرد هذا التمييز في الحديث ولا في القرآن الكريم، كما أنّ في حديث "لا نبي بعدي" أيضا نفيا شاملا وكم من الجرأة والتجاسر والجلافة أن يترك الإنسان نصوص القرآن الكريم الصريحة عن عمد اتباعا لأفكار ركيكة من فلما كان المسيح الموعود القادم عُدَّ في الأحاديث فردًا من الأمة – لأنه في الحقيقة الأمة- فقد انخدع العلماء الأغبياء فوصفوا عيسى العليلا في فردًا من الأمة، ولكن مجيء المسيح الموعود من الأمة هو آية على صدقي منه

Page 214

ويؤمن بوجود نبي بعد خاتم النبيين وأن يُجري سلسلة نزول وحي النبوة بعد انقطاعها، ذلك لأن الذي ما زال حائزا على شأن النبوة فلا شك أن وحيه وحي النبوة.الأسف كل الأسف أن هؤلاء الناس لا ينتبهون إلى جملة "إمامكم منكم" و"أمكم منكم" الواردة في البخاري ومسلم بوضوح، فهو جواب للسؤال المقدر ؛ أي حين قال النبي سينزل فيكم المسيح ابن مريم حكمًا عدلا كان يمكن أن تُخالج بعض الناس وسـ وسوسة كيف يبقى ختم النبوة؟ فقيل في الجواب أنه سيكون فردًا منكم، أي من أفراد الأمة، وإنما يُدعى المسيحَ بروزاً.فورود مجيء المهدي مقابل المسيح أيضا يتضمن إشارات إلى أن المهدي سيكون موردًا لروحانية النبي ﷺ بروزا، ولذلك قال النبي ﷺ بحقه "خلقه كخلقي"، كما أن الحديث "لا مهدي إلا عيسى" أيضا يضم إشارة لطيفة إلى أن القادم سيكون ذا البروزين، وجامع شأني المهدوية والمسيحية؛ أي سيُدعى المهدي بتأثير روحانية النبي ﷺ فيه، لأن النبي كان أيضًا ،مهديًّا، كما يقول الله وَوَجَدَكَ صَالا فَهَدَى.وتفصيل ذلك أن نبينا الا الله لم يتلق العلم الظاهري من أي أستاذ كما تلقاها الأنبياء الآخرون، بينما جلس عيسى العلمية لا وموسى العليا في الكتاتيب، وكان عيسى ال قد تعلم التوراة كلها من العلنية أستاذ يهودي.باختصار، لما كان نبينا لو لم يتتلمذ على يد أي أستاذ من البشر، وإنما قال ملحوظة: لو كان المراد من الحديث أن عيسى مع كونه نبيا سيصبح فردا من الأمة، فكان ينبغي أن ينص الحديث على "إمامكم الذي يصير من أمتي بعد نبوته".منه الضحى: ۸

Page 215

الديني له الله أولا: اقرأ و لم يقل له هذا القول غيره ، لهذا قد تلقى الهدي الا كله بعناية خاصة من الله، بينما تلقى الأنبياء الآخرون معلومات دينية عن طريق الناس أيضا، فحين سُمي القادم بالمهدي، ففي ذلك إشارة إلى أن القادم سيتلقى علم الدين من الله حصرًا.ولن يكون تلميذ أي أستاذ في القرآن والحديث، فها أنا أقول حالفًا بالله إن هذا هو حالي؛ إذ لا أحد يستطيع أن يُثبت أني تلقيت درسًا واحدا من القرآن والحديث والتفسير من أي إنسان أو تتلمذت على يد أي مفسر أو محدث.فهذه هي المهدوية التي تلقيتها على منهاج النبوة المحمدية، إذ قد كشفت علي أسرار الدين بلا أيضا، واسطة؛ فكما سوف يُدعى القادم المذكور آنفا بالمهدي، فسيُدعى المسيح ا، إذ سوف تؤثر فيه روحانية عيسى العلم أيضا، ومن ثم سيدعى عيسى بن مريم أيضا فكما نفخت فيه روحانية النبي صفته المهدوية كذلك قد نفخت روحانية المسيح ال فيه صفة كونه روح الله إن نبينا سُمي "عبدا" أيضا، فسماه الله "العبد" لأن أصل العبودية خضوع وذل، وإن الحالة الكاملة للعبودية تخلو من كل أنواع الغلو والتعالي والعجب، ويرى صاحب هذه الحالة إكماله العملي من الله ، وحده، ولا يرى أي يد وسيط.* فالتعبير العربي الشائع: مَوْر معبد وطريق معبد؛ فالطريق الذي يُسوّى جيدًا ويمهد ويقوم يُقال له طريق معبد.فالنبي ﷺ يقال له عبد لأن الله الله بتصرفه المحض و تعليمه خلق فيه الكمال العملي وسوّى نفسه كطريق وقومها ومهدها لمرور تجلياته، وخلق فيه بتصرفه الاستقامة التي هي شرط العبودية.فهو المهدي من ناحية الحالة العلمية، وعبد انطلاقا من الكيفية العملية التي نشأت فيه بعمل إلهي، لأن الله عمل بيده في روحه كما يعمل بآلات التسوية والتنظيف في الطريق الذي أريدت

Page 216

۲۰۲۰ وليكن معلوما إن ألطاف الله ومننه تنزل على أنبيائه بأساليب مختلفة الله الخصوصي فأحيانًا يتم كمال النبي العلمي والعملي بلا واسطة وفي إكمال بعضهم تكون بعض الوسائط أيضا.فمن فضل أنه كما تم الإكمال العلمي لنبينا الله دون واسطة أي أستاذ فبذلك نال لقب "المهدي" فكذلك تحقق له الإكمال العملي أيضا دون واسطة فنال لقب "العبد" لأن تعليمه لم يتم عن طريق أي إنسان و لم تنشأ قواه العملية بفضل الجلوس في مجلس متحضر.وبناء على اسم هذه المهدوية الخالصة وهبت له كثير من الأسرار والمعارف والكلم الجامعة؛ حتى قد وردت في القرآن الكريم المعارف والنكات وعلوم الحكم الإلهية والدلائل العقلية الفلسفية بالتزام البلاغة والفصاحة من الدرجة السامية، لدرجة أنْ عُدَّ معجزة علمية من الطراز الأول نظراً إلى جميع المعارف والبلاغة الكاملة، بحيث إن الإتيان بنظيره تسويته ونظافته ولما كان المهدي الموعود قد نال مرتبة العبودية بواسطة النبي ﷺ فقد عبر عن كيفية العبد في المهدي الموعود بكلمة الغُلام، أي قد نودي "غلام أحمد".فكلمة الغلام هذه تشير إلى العبودية التي ينبغي أن تكون في المهدي الموعود * من الله ظليًا.فتدبر.منه ملحوظة: إن مرتبة العبودية الكاملة هذه حيث يلاحظ المرء إكماله العلمي يتحقق وحده، لا يتيسر لأحد سوى ذلك المهدي الكامل الذي حصل إكماله العلمي على يد الله فقط، لأن فكرة تأثير الجهد والسعي الشخصي يخلق حتما فكرة تنافي العبودية التامة؛ لهذا فإن مرتبة العبودية الكاملة أيضا لكونها تابعة لمرتبة المهدوية الكاملة لم تتحقق على وجه الكمال لأحد سوى النبي.ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فاشهدوا إنا نشهد أن محمدا عبد الله ورسوله.منه

Page 217

التي خارج قدرة الجن والإنس فأسمى كمال نبينا الخاص به مهدويته وعبوديته.فكان من تأثير مهدويته حصراً أن تنشأ في قلوب العامة فكرة الاهتداء في هذا العصر والتفات القلوب تلقائيا إلى الله.إن المراد من المهدوية تلك المعارف الإلهية اللامنتهية والعلوم الحكيمة والبركات العلمية علمها النبي عن الدين دون واسطة أي إنسان.وهي أسمى معجزات ، التي بواسطتها ارتقى أُناس بعدد لا يحصيه عد إلى منارة عالية للمعرفة التامة بعد إكمال القوى الإيمانية والعملية وأصبحوا من العارفين الكمّل.فإذا افتخر بذلك المسلمون فهذا حقهم؛ إذ الأسرار والعلوم والنكات التي اطلعوا عليها عن طريق نبيهم الكريم وكتاب الله القرآن الكريم ليس لها نظير عند أمة أي نبي.وإن المراد من العبودية حالة الانقياد والموافقة التامة والرضا والوفاء والاستقامة التي نشأت في النبي ﷺ بتصرف إلهي خاص.فبذلك صار كالطريق الذي يُنظف ويُمَهَّد ويسوَّى ويقوم، فهذه كانت الأسوة التي بالتأسي بها أحرز الاستقامة الكاملة أُناس لا النبي يُحصون وباختصار، إن هاتين الصفتين الكاملتين تحققتا في نبينا فتسببتا في الهداية العامة وقوة الإيمان والاستقامة فكما نال لقب لم يتسن للنبي حتى تعلم لغة الأم من الوالدين لأن كليهما كانا قد توفيا قبل بلوغه ستة أشهر من العمر، ففي هذا الحادث يكمن سر شأن المهدوية، أي الذي لم يتلق تربية الوالدين لتعلم اللغة.فكون فصاحته وبلاغته منقطعة النظير حتى عند العرب، أمر يُدرك منه بجلاء أنه لما كان الله قد فطره على شأن المهدوية، فلم سر يجعله محتاجًا إلى أحد حتى في أمر تعلم اللغة الذي هو أول مرتبة للإنسانية.منه

Page 218

المهدي والعبد من الله تعالى وقد مرَّ تفسيره آنفا، كذلك قد نال عيسى العليا لقب روح استفاد منها العالم أي من أنفاسه ماديًا - وكانت معظم هذه الفوائد مادية؛ كشفاء المرضى مثلا نتيجة تركيزه، أو زوال مشاكلهم وآلامهم بهمة المسيح ال، أو انتصارهم على الأعداء نتيجة دعائه، أو نشوء بركة في الأطعمة والأشربة؛ لكن هذه البركات لا تساوي شيئًا مقابل البركات العلمية الروحانية والإيمانية الخالدة التي حظي بها العالم بواسطة النبي.نحن لا نقول إن المسيح لم يُقدِّم لأمته أيَّ حظ من تلك البركات الإيمانية والروحانية الخالدة، ولا نقول إن النبي الله حرم أمته من البركات المادية، وإنما نقول: كانت في المسيح بركات مادية فانية كثيرة، أما البركات الروحانية الإيمانية الخالدة التي نالها العالم منه فكانت قليلة جدا، ولهذا السبب قال الله الله أيضًا أأنت علمت أمتك الشرك؟ كذلك أعطي نبينا برکات روحانية دائمة كثيرة، بينما كانت بركاته المادية مقارنة بها الله.فحين أُعطي هذا اللقب ملأه الله بالبركات التي صل الله ضئيلة جدا، أما الروحانية فكأنها لم تكن تحصى.وملخص القول، كان قد ورد في النبوءات بحق المسيح القادم بأنه سيتمتع بالبركات بنوعيها؛ المادية والروحانية، فأُشير إلى أنه سيسمى المهديَّ نظرا إلى فوزه بالبركات الروحانية غير الفانية والتي هي توفير الهداية الكاملة والقوة الإيمانية وتعليم المعارف واللطائف والأسرار الإلهية والحكم، وسوف ينال تلك البركات من نبع الفيوض المحمدية.لأن المهدوية الخالصة

Page 219

۲۰۰ دون اختلاط الوسائل الأرضية هي صفة سيدنا محمد.فمن هذا المنطلق، إن اسم ذلك المجدد عند الله أحمد ومحمد.كما كان قد أشير إلى أن البركات الجسمانية الفانية أي الدنيوية التي لا تدوم أبدا وهي محدودة وقابلة للزوال، والتي المراد منها منح البركات للأصدقاء والفقراء والمساكين والتائبين في صحتهم وعافيتهم أو نجاحهم وأمنهم أو تخليصهم من الفقر والمجاعة والسلامة وتبشيرهم بإهلاك الظالمين المتوحشين ودمارهم ونزول غضب الله عليهم، وهو أيضا في الحقيقة بركات بحق الفقراء والصالحين كما بشر المسيح اللي بهلاك اليهود؛ فمن منطلق البركات بالإضافة إلى البركات المادية حيث تتوفر وسائل الرفاهية منح هذه هذه.والسهولة في الحياة الكثيرة في ذلك الزمن؛ سيُسمى عيسى بن مريم.لأن البركات الكثيرة من الدرجة العليا التي أعطيت للمسيح ال هي لا لهذا وصف المسيح العلي مصدرًا لتلك البركات لإمام الزمان الأخير.فلما الحقيقة العيسوية فقد سُمي الفائز بهذه الحقيقة عيسى بن كما سُمي المهدي نظرا للمهدوية التي هي الحقيقة المحمدية.هذه كانت هذه مريم، هي العليا الملحوظة: لقد سبق أن كتبنا أن علم الدين أو مجرد العلم الذي هو مفتاح العلوم الدينية قد تلقاه الأنبياء الآخرون بواسطة أناس أيضا؛ فموسى ال -بإشراف فرعون- جلس في الكتاب في مصر وتلقى العلوم الرائجة، وكذلك تعلم عيسى التوراة بأكملها من أستاذ يهودي، لكن المهدوية الخالصة أي أن لا يتعلم المرء أي حرف من إنسان حتى يقول الله له بنفسه أخيرا : اقرأ فلم يتمتع بها أي نبي غير نبينا ، ولذلك قد سمي في الصحف السابقة والقرآن الكريم أميا.منه

Page 220

الحكمة موجودة في تسميتي؛ إذ حيثما ذُكر في البراهين الأحمدية فوز هذا كشف عليَّ العبد المتواضع بنعمة الأسرار والمعارف سمي أحمد كما قال: "يا أحمد فاضت الرحمة على شفتيك" وحيثما ذكرت بركات الدنيا نوديت باسم عيسى كما ورد في إلهامي في البراهين الأحمدية: "يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة" كذلك الإلهام الذي ورد فيه: "سأباركك بركة تلو بركة حتى إن الملوك سيتبركون بثيابك." فهذا هو السر الذي في الإلهام الإلهي عن التسمية بالمهدي وعيسى وكان يوم الاثنين، الثالث عشر من شهر صفر ١٣١٦ الموافق الرابع من تموز/ يوليو ١٨٩٨ حين تلقيت هذا الإلهام ووجدت القول الوارد في الآثار والمسجل في كتاب "حجج الكرامة" أن جسم المهدي الموعود سيكون على جزأين؛ فيكون نصفه عربيًا والنصف الآخر إسرائيليًا مطابقا لهذا.وإلى هذا القاسم المشترك نفسه أُشير فيه.وإنما كان الهدف من ذلك أن القادم سيرث بعض صفات العليا وبعض صفات محمد.فتدبر.وكما سمي الإمام الموعود بأحمد ومحمد ومحمد انطلاقا من بعض الصفات، كذلك قد سمي بعيسى والمسيح ابن مريم نظرا إلى بعض الصفات الأخرى.فالواضح الآن أن لا أحد يفهم من اسم أحمد أن النبي ﷺ نفسه سيعود من جديد، وكذلك الخطأ الاعتقاد بناء على اسم عيسى من بأن العليا نفسه سيعود إلى العالم من جديد.ونشأ هذا الخطأ نتيجة عدم

Page 221

كلا استيعاب سر هذه النبوءة ،ومغزاها، فالحقيقة الأصلية أنه قد أشير في الاسمين إلى الظهور البروزي، فبتسمية الشخص الموعود بأحمد قد قال النبي إن صفاته ستُشبه صفاتي وإن صورته ستشبه صورتي، ففى ذلك أشار إلى الظهور البروزي؛ أي سيُسمى أحمد نظرًا إلى الصفات الأحمدية.وكذلك حين سمى الشخص الموعود بعيسى قال عنه "إمامكم منكم" و"أمكم منكم" كما جاء في البخاري ومسلم، وبذلك قد وضح أنه ليس المراد من عيسى هو عيسى بن مريم الحقيقي، بل سيكون من الأمة.فكلمات الحديث لا تفيد أنه سيكون أولا نبيا ثم يصبح فردًا من الأمة، فلو كان هذا المفهوم أُريدَ في الحديث لكان ينبغي أن يقول "إمامكم الذي سيصير منكم ومن أمتي بعد نبوته، ولهذا السبب إن الأحاديث في البخاري التي هي أصح بكثير من أحاديث أخرى وكتبت بمنتهى التحقيق قد ميزت ملامح المسيح الموعود القادم عن ملامح عيسى بن مريم رسول الله، أي سجلت ملامح عيسى ال مختلفة؛ حيث بين أن لونه أبيض، بينما ذكر عن المسيح القادم بأنه آدم اللون مطابقا لملامحي.فأي تفصيل كان يمكن أن يبينه رسول الله له أكثر من هذا، فقد ذكر للمسيح السابق والقادم ملامح مختلفة لئلا يتعثّر الناس، وكذلك قد أغلق الباب على أي نبي جديد أو راجع من جديد بقوله "لا نبي بعدي" قطعًا، ثم بقوله "كما قال العبد الصالح قد أفصح بجلاء أن عيسى بن مريم قد توفي، ثم بين ظهور المهدي المعهود في القرن الثالث عشر بقوله: "الآيات

Page 222

بعد المائتين".ثم بين أن المسيح الموعود سوف يبعث على رأس القرن، ثم بين أنه لا مهدي إلا عيسى، وبذلك وصفهما شخصا واحدا، ثم كشف بصراحة في قوله "إمامكم منكم" و"أمّكم منكم" أن المراد من عيسى القادم رجل من الأمة حصراً، وكذلك بيّن أن عيسى بن مريم عاش مائة وعشرين سنة، وبذلك أفصح عن وفاته، ثم بين أن زمن ظهور المسيح القادم هو زمن خروج يأجوج ومأجوج وهم المسيحيون الأوروبيون؛ لأن هذا الاسم مشتق من الأجيج، وهو لهيب النار، وفي ذلك كانت إشارة إلى أنهم سيوظفون النار كثيرا، وأن حروبهم ستكون بأسلحة نارية وأن بواخرهم وآلاف أجهزتهم ستشغل بالنار.ثم قال له بأنه رأى عيسى بن مريم ليلة المعراج ضمن الموتى، أي رأه مع يحيى الله في السماء الثانية، كما قال حضرته : إن المسيح الموعود سيأتي في زمن غلبة الدين المسيحي وسيكسر شوكة الصليب، ولقد قال الله له أيضا بأن العشار ستعطل في تلك الأيام، وكان في ذلك إشارة إلى اختراع القطار، كما قد ورد في القرآن الكريم أيضا، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ.وقد روي عن أهل بيته الأجلة أن الخسوف والكسوف سيحدثان في رمضان في ذلك الزمن، وهناك رواية أن الطاعون سيتفشى في تلك الأيام، ورواية أيضًا أن آية عظيمة ستظهر في الشمس أيضا، أي سيحدث كسوف هائل جدا، ورواية أيضا أنه سيمنع عن الحج أيضا، كما روي أنه ستخرج نار في تلك الأيام، وستبقى حمرتها التكوير :

Page 223

۲۰۹ لمدة، وكانت نار جاوا، وقد سلم صاحب "حجج الكرامة" أيضا أن هذه النبوءة تحققت.قولوا الآن، أي جهد ادخره النبي ﷺ في بيان العلامات؟ وبين آيتين لشخص الإمام الموعود، إحداهما أنه ستوهب له الأسرار والمعارف، وأنه سيقيم الإيمان والمعرفة في العالم من جديد، ونظراً إلى هذه الآيات سيُدعى مهديا.والآيات الأخرى تتمثل في البركات الدنيوية التي ستظهر على يديه، وأن النصرة والنضارة ستنشأ في الأرض، ويكثر عدد السكان، وأن الناس سيتمتعون بالفواكه في غير موسمها، وأن جزءا كبيرا من الأرض سيكون عامرًا بالزراعة، وستشق القنوات وتقل السباع، ويسود العالم السلام والأمن لدرجة أن سيتمنى الأحياء الحياة لأجدادهم، فلاحظوا الآن إن الآيات تظهر على يدي مثل عيسى ال؛ إذ قد أجيبت أدعيتي بحق الكثيرين من المرضى والمضطربين، وبورك من جديد في كثيرين من المرهقين ماديًا، وكما كان دعاء المسيح قد أثر في الأعداء أيضا، فقد ظهرت الآيات نفسها هنا أيضا.فلم يتمتع "آتهم" بأي فرحة بعد المواجهة، فمات بحسب النبوءة بعد أن عاش حياة مريرة لمدة قصيرة مشردًا، وكذلك كان مآل ليكهرام" أيضا، فآمن الله المسلمين من بذاءته بتحقيق النبوءة.وكذلك تجلت البركات بصفتي مسيحا أيضا في هذا الزمن، لأن المسلمين أُوذوا في عهد السيخ من كل النواحي، حتى كانوا يُمنعون من رفع الأذان للصلاة، وكانت دماء المئات تُسفَك بغير حق بتهمة الاعتداء على بقرة، و لم يكن

Page 224

المزارعون في مأمن في أعمال الزراعة، حيث كان قطاع الطرق يمارسون أن بسبب أعمالهم علنًا، وكانت الأراضي الشاسعة خرابا، وكان البلد قد دُمر النفي الدائم المستمر، وبسبب اختفاء السلام لم تكن الزراعة مفيدة ولا البساتين، وإذا كان قد سلم شيء من اللصوص كان الحكام يسلبونه.والآن بمجيء الإنجليز قد تغيَّر ذلك الزمن، وساد السلام في الحقيقة لدرجة يعيش الذئب والشاة معًا في مكان واحد، والأولاد يلعبون مع الأفاعي، وعُمرت الأرض ،عمرانًا، وكثرت الفواكه لدرجة أن تتوفر بعض الفواكه على مدى اثني عشر شهرًا، وصار السفر سهلا ويسيرا، وقد أزال القطار جميع مشاكل السفر، وتصل الأخبار بسرعة خارقة عن طريق البرقية، ولإبراء المرضى ظهر الأطباء الخبراء جدًا، وشقت القنوات، وصار السفر في الجبال سهلا جدا، واخترعت مئات الأجهزة والآلات لتسهيل أمور المعيشة، وأزيلت مئات أنواع المشاكل، الآن سينظر كل عاقل إلى أيام أجداده بأسف مقارنة بأيامه السعيدة هذه إذ لم يكن يتوفر لهم شارع مزفت، إذ كان قطع مسافة ٢٥ ميلا على برزون يساوي ألف ميل، وكانت الشمس والعرق المتدفق، فكان السفر في الصيف على برزون أو مشيا على الأقدام لا يقل عن موت.أما الآن فنعيش الربيع حيث نسافر جالسين في إحدى عربات القطار المريح بمنتهى السهولة حيث يتوفر الهواء البارد والطعام والشراب في كل مكان والمسافر يتمتع برؤية مشاهد الغابة والعجائب جالسًا في القطار وكأن القطار مسرح ، وتتوفر وسائل الراحة

Page 225

۲۱۱۰ في القطار بقدر ما ينفق المسافر.باختصار، إذا ألقينا نظرة على الوضع المدني للعالم نجد توفّر آلاف وسائل الراحة، ونزول بركات مادية لا حصر لها.وفوق ذلك كله الأمن الذي توفره الحكومة المسالمة، حيث يخضع الحاكم والمحكوم للقواعد والقوانين الموحدة، فليس للحكام أي امتياز، فهذا هو الزمن نفسه الذي أنبئ عنه أنه سيكون في زمن المسيح الموعود، وأن البركات والسلام الدنيويين سيتوفران لهذه الدرجة في زمنه.وقد نُسبت هذه البركات إلى المسيح الموعود في الأحاديث، لأن من سنة الله منذ القدم أن الرجل الخاص الذي يبعثه الله إلى الأرض لإظهار البركات، فجميع البركات التي تنزل في عهده سواء ظهرت على يديه أو بواسطة شخص آخر تُنسب إليه كلها؛ إذ بسبب وجوده المبارك تنزل على الأرض أفضال الله له من كل نوع، ولهذا تكون كل هذه البركات من أجله أن الدنيا في أول الأمر لا تعرفه، لكنها في نهاية المطاف فحسب.صحيح وبر تتمكن من معرفته.لقد قلت قبل هذا مرارا وتكرارا وأعيد مرة أخرى: إن لأدعيتي وتركيزي ووجودي علاقة أقوى من جميع الناس بعافية الناس بركتهم.ولا أحد يمكن أن يباريني في هذه الأمور.ومن حاول ذلك فسوف يُخزيه الله.لقد قال الله الله بحقي حصراً: "ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم أي ليس من شأن الله أن ينزل العذاب على هذا الشعب والحكومة التي أنت فيها.وقال: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، إنه أوى القرية.صحيح أن هذا الإلهام ما زال يتسم بإجمال،

Page 226

۰۲۱۲۶۰ لكنه كما يُفهم من ظاهر النص - يعني بأن القرية التي أسكن فيها سيحميها الله من الطاعون وآفاتها اللاحقة وباختصار، إنها البركات الدنيوية نفسها التي أُعطيها عیسی العلي؛ أي كانت ميزته البارزة أن همته و تركيزه ودعاءه مؤثرة في عافية الخلق العامة.فهذه الصفات وهبت لهذا العبد المتواضع، ففي البراهين الأحمدية أيضًا هذا الإلهام "أمراض الناس وبركاته" وإلهام آخر "يا مسيح الخلق عدوانا" أي أيها المسيح الذي أُرسل لخير الخلق ساعدنا على دفع الطاعون.فتذكروا أن الوقت وشيك بل قريب حيث يلاحظ الناس هذه البركات بكثرة.فالآن هذا الزمن الذي نعيشه زمن يكثر فيه نوعان من البركات لدرجة أن لو بحث عن نظير هذه البركات في الأزمنة الماضية، لما عثر عليها أبدا.(۱) أولا، البركات الدنيوية: ينبغي أن يلاحظ كم من سهولة قد ظهرت بخصوص الإقامة والسفر والصحة والعلاج والطعام واللباس وكم يسود الأمن والسلام.فهل أسلافنا الذين تُوُفُوا قبل مائتي عام كانوا قد حظوا بهذه الرفاهية؟ (۲) ثانيا، البركات المتعلقة بالأمور الروحانية: فينبغي أن يلاحظ كم من آلاف مؤلفة من الكتب ألفت ونُشرت في هذا الزمن، و انكشفت آلافُ أسرار الدين، وظهرت المعارف القرآنية والحقائق.فهل كان لهذه الأمور أي أثر في الماضى؟ وكلا النوعين من هذه البركات نُسبت إلى الإمام الموعود في الأحاديث، لأن الله هو وحده في الحقيقة منزل كل هذه البركات وإنما أظهر الله هذه البركات لجعل عصر الإمام مباركا.

Page 227

۲۱۳ فنوع من هذه البركات قد ظهر ولا يزال يظهر بواسطة الإمام الموعود بالذات، والنوع الثاني ما ظهر في زمنه وكلا النوعين من هذه البركات من نبع واحد عند الله.الآن لكل عاقل أن يفهم أن لهذه البركات التي تظهر في العالم صبغتين؛ فصبغة تشبه معجزات عيسى ال لأن معظم معجزاته كان يغلب عليه طابع البركات الدنيوية، أما الصبغة الثانية لهذه البركات فتشبه معجزات سيدنا ومولانا رسول الله ﷺ الروحانية، لأن مهمته كانت نشر الأسرار والمعارف والعلوم الإلهية وكان دعاؤه واهتمامه وعزمه يحرز هذا العمل حصرا.ففي هذا الزمن تُنشر الأسرار والمعارف والحكم.فهذه البركات من كلا النوعين أي المادية والروحانية، تظهر في العالم بصفة عامة أي بالواسطة وتصدر بشكل خاص أيضا أي بلا واسطة من الإمام الموعود، فلما كانت البركات الدنيوية تتطلب تجلي لما كان عزم عيسى ال وتركيزه منصبا على البركات الدنيوية أكثر فقد ظهر في أمته تأثيرُ ذلك، أي قد ابتعدوا عن الدين نهائيًا بالتدريج.أما البركات الدنيوية مثل علم الطبيعة وعلم الطب وعلم التجارة وعلم الفلاحة وعلم صنع البواخر والقطارات..فقد أحرزوا فيها القدرة التي لا نظير لها.وعلى عكس ذلك قد حظي المسلمون بأسرار الدين العميقة وتخلفوا عن التقدم المادي، ولقد أُعطي النبي معجزة القرآن الكريم الدائمة أيضا تخليدا لذكرى البركات الروحانية، وهو جامع جميع المعارف الدينية بموجب منطوق الآية: (فِيهَا كُتُب قيِّمَةٌ) (البيئة: ٤).منه

Page 228

۲۱ إنسان ذي صفات عيسوية، بينما البركات الروحانية تتقاضى ظهور 6 كلا إنسان محمدي ،الصفات والله يحب الوحدة، لا الفُرقة؛ فقد جمع الشأنين في شخص واحد، لئلا يؤدي إرسال اثنين إلى الافتراق.فالرجل الواحد قد سمي من ناحية "مظهر عيسى ال"، ومن ناحية أخرى مظهر محمد " ، وهذا هو السر الذي يكمن في حديث "لا مهدي إلا عيسى" وهذا السر يكمن في أن مهمة الإمامة وكلت في الأحاديث بالمهدي، وعُهدت إلى المسيح مهمة قتل الدجال.فالحكمة في ذلك أن الإمامة من الأمور الروحانية وتؤدي إلى الاستقامة وقوة الإيمان والمعرفة واتباع مرضاة الله التي هي من البركات الأخروية، لهذا فإن البركة من هذا النوع من البركات المحمدية.أما مهمة القضاء على شوكة الدجال وعظمته من على سطح الأرض، التي عُبّر عنها بالقتل، فهي من البركات الدنيوية.لأن الحد من تقدُّم العدو وجعله كالمعدوم وكأنه قد قتل، مهمة جديرة بالإجلال من الأعمال المادية والبركة من هذا القبيل هي من البركات العيسوية.هي ولو طرح الآن سؤال أنه كيف نعرف أن البركات من هذين النوعين كليهما - التي يمكن أن تُسمى البركات العيسوية، والبركات المحمدية- قد جُمعت فيك يا من تدَّعي أنك المسيح الموعود والمهدي المعهود، وأنى لنا أن نقبل هذه الدعوى؟ فجواب ذلك أن الله قد أثبت في هذه البركات بفضله وكرمه المحض وإنني أقول بكل تحدّ إنني أنا جامع هذه

Page 229

۲۱۰ البركات من كلا النوعين والآيات السماوية التي ظهرت على يدي إلى هذا اليوم تحتوي على هذه البركات من كلا النوعين، ومعلوم أن البركات المحمدية هي المعارف والأسرار والنكات والكلم الجامعة والبلاغة والفصاحة.وإن كتبي تضم نموذجًا كافيًا لهذه البركات، فالأسرار والنكات الدينية التي أجراها الله على لساني -مع أنه لا أستاذ لي- وهي مسجلة في كتبي المختلفة بدءًا من البراهين الأحمدية، ونماذج البلاغة والفصاحة التي سجلتها نظراً لكوني متمكنا من اللغة العربية رغم عدم دراستي علم الأدب؛ إذا كان لها نظير عند أحد فليقدمه.لكن مراعاة الإنصاف ستقتضي أن يقرأوا كتبي كلها بدءًا من البراهين الأحمدية إلى فرياد درد" أي كتاب البلاغ.وإن نماذج المعارف والبلاغة التي أودعتها إياها يجب أن يرسخوها فيهم ثم يتحروا عن كتب الآخرين ويُروني أين وفي أي كتب توجد هذه الأمور كلها.وإن لم يقدروا على ذلك فالثابت أنني أنا وحدي أعطيت البركات المحمدية في هذا الزمن عطاء خارقا، وهذا يستلزم أني المهدي المعهود، لأنه كما وهب الله كل هذه البركات للنبي دون وساطة أي إنسان فسُمي نظراً إلى ذلك المهدي، أي قد وهب له الهدي الإلهي المحض وهذا الكمال مباشرة دون وساطة أي إنسان، كذلك قد أُعطيتُ أنا أيضًا هذه البركات الروحانية دون توسط أي إنسان، وهذه هي علامة المهدي الموعود وحقيقة المهدوية.أما البركات العيسوية التي تعني تخليص الناس من المشاكل بالدعاء والالتفات

Page 230

وإبراءهم من الأمراض، وإنقاذهم من الأعداء وتخليصهم من الفقر والفاقة، والتسبب في نشوء البركات الدنيوية العامة؛ ففى هذا المجال أقول بكل تحد إنكم لن تجدوا عند الآخرين نظير البركات التي أظهرها الله على الناس نتيجة التفاتي وهمتي ودعائي.إن الله سيُظهر عن قريب نماذج أخرى كثيرة أيضا، حتى لن يجد العدو أيضا بدا من التسليم بها مضطرا.إنني أقول مرارا وتكرارا إني قد أعطيتُ هذه البركاتِ بنوعيها -أي البركات العيسوية والبركات المحمدية - وإنني أعلم بتلقي العلم من الله أنه بقدر ما تجاب أدعيتي لإزالة مشاكل العالم لن تجاب أدعية غيري، وإن المعارف والحقائق والأسرار الدينية والقرآنية التي أقدر على بيانها ملتزما البلاغة والفصاحة لا أحدا غيري بيانُها أبدًا.فلو اجتمع العالم كله لاختباري في ذلك لوجدوني أني المتفوق والغالب.وإذا تصدى لي جميع الناس لثبت بفضل الله أن كفتي هي الراجحة.انظروا فإنني أقول بوضوح وأبين بجلاء أن يا أيها المسلمون الآن يوجد فيكم من يُدعون مفسرين ومحدثين ويدعون معرفة حقائق القرآن الكريم ومعارفه ويزدهون بتمكنهم من البلاغة والفصاحة، كما يوجد من يدعون زُهّادا ويسمون أنفسهم "التشتي" و"القادري" و"النقشبندي" و "السهروردي"، فانهضوا وأتوا بأحد مقابلي، فإذا كنت كاذبا في هذه الدعوى بأنه قد اجتمع في الشأنان العيسوي والمحمدي، وإن كنتُ لستُ الذي سيجتمع فيه هذان يسع لقد تم ذلك الاختبار في مؤتمر الأديان أيضًا، فاقرأوا مقالي مقابل المقالات الأخرى.منه

Page 231

۲۱۷۰ الشأنان ويكون ذا ،البروزين، فسأكون مغلوبًا في هذه المواجهة، وإلا فسأغلب.لقد وفقت بفضل الله لإظهار شأن له علاقة بالبركات المادية على شاكلة الشأن العيسوي، أو لبيان الحقائق والمعارف والنكات وأسرار الشريعة على شاكلة الشأن المحمدي وأطلقت عنان البيان القوي في ميدان البلاغة.وإنني على يقين بأنه لا يوجد على سطح الأرض الآن أحد سواي يجمع الآيات من كلا النوعين بفضل الله المحض وبمشيئته حصرا.وكان قد كُتب سلفًا أن شخصاً وحيدا جامعا لهذه الآيات من كلا النوعين سيولد في الزمن الأخير؛ بحيث يكون نصف وجوده حائزا أنا على الشأن العيسوي والنصف الأخر حائزا على الشأن المحمدي.فإني ذلك؛ فمن أراد أن يرى فلير، ومن أراد الاختبار فليختبر ومبارك من لا 28 يبخل الآن، وشقي وشقى جدا من اختار الظلام بعد أن وجد النور.لا أُقدِّم هذا الشأن مفخرةً لي، لأني لا أحب الافتخار.إنني كمثل أشعة الشمس التي تتدلى منها ثم تنجذب إليها، بل إنني أقدمها لأن الدنيا تكاد تهلك بسوء الظن إن الناس ينتظرون مسيحا ينافي مجيئه في العالم ختم النبوة والقرآن والسنن السابقة والعقل، وإن نزوله بصحبة الملائكة بصورة مرئية، يُناقض آيات القرآن الكريم التي تفيد بأنه لن ينفع الإيمان عند نزول الملائكة إن الآيات المتعلقة بالشأن العيسوي أي آيات البركات المادية- قد أظهر الله كثيراً منها على يدي، وقد صرّحت بها في بعض كتبي، وهناك آيات لم أدونها بعد، لكن هذا المجال واسع بفضل الله، فلو اجتمع طلاب الحق لجمعت لهم آلاف الآيات.منه

Page 232

۰۲۱۸ ماديًا.كان يجب أن ينزل المسيح في عهد السلطنة المسيحية كما يُفهم من حديث "يكسر الصليب" وقد مضت أكثر من ستين عاما على قيام السلطنة المسيحية في البنجاب وكان يجب أن يأتي المسيح في زمن ازدهار هذه الأمة التي حروبها ومعظم أعمالها الأخرى تنجز بواسطة النار.ولذلك سيدعون يأجوج ومأجوج.فلاحظوا الآن قد ظهرت غلبة هذه الأمة وازدهارها منذ زمن، فليتدبّر المتدبرون.وكان يجب أن يأتي المسيح الموعود على رأس هذا القرن وقد مضى الآن خمسة عشر عاما من القرن.نستغرب من هذا القرن المنكوب إذ لم يأت بحسب زعم المعارضين أيضا أي مجدد يقوم بقمع الفتن المعاصرة.إذن قد صدرت هذه الدعوى مع الأدلة مواساة للخلق فقط، فقد يتأمل فيه أحد من عباد الله، ويكون تابعا لمشيئة الله قبل أن يأتيه الأجلُ.فهل من فعل الإنسان أن يدَّعي كذبًا، في زمن يقول فيه كلام الله وكلام رسوله بأنه يجب أن يأتي صادق ولا يظهر مقابله أي أن المواسم والمواعيد التي حددها الله تشهد كنسيم الصبا على صادق.مع أن هذا العصر هو لظهور مبعوث صادق، لا مفتر كذاب.لأن غيرة الله لا تتيح للكاذب فرصة أبدًا أن يستغل وقت الصادق وعلاماته.فأين الصادق الذي كان يجب أن يظهر على رأس القرن؟ أين ذلك الصادق الذي كان يجب أن يظهر عند غلبة الصليب؟ أين ذلك الصادق الذي شهد على صدق دعواه الخسوف والكسوف في رمضان؟ أين ذلك الصادق الذي من أجله ظهرت النار في جاوا؟ أين ذلك الصادق الذي لإظهار علامته خرج

Page 233

يأجوج ومأجوج؛ أي ظهرت أمة توظف الأجيج أي النار في إنجاز جميع مهماتها؟ فحروبها بالنار وأسفارها بالنار و آلاف أدواتها تعمل بالنار.لهذا قد سماهم في الكتب المقدسة بالأمة النارية؛ أي يأجوج ومأجوج الذين يُقيمون قريبا من الماء ويستخدمون النار.قولوا الآن، حين ظهرت جميع علامات المسيح الصادق والمهدي الصادق، فأين ذلك المسيح الموعود؟ فهل أخلف الله وعده؟ حاشا وكلا! بل هو موجود فيكم و لم تعرفوه، فلن يحارب أهل النار بالنار بل بالماء الذي ينـــزل من فوق، ويُنبت في القلوب حُضرة الصدق ويهيئ البرودة للعطاشى.قوله بيان الملامح بالصورتين الوارد ذكرهما في الأحاديث هو رؤيا وكشف، لهذا كما تكون الرؤى يمكن أن تتراءى حلية واحدة في حليتين.أقول: هذه إساءة الظن في الكشف الأكمل والأتم الرسول الله ، فقد أجمعت الفرق الإسلامية كلها على أن كشف النبي ﷺ ورؤياه من الوحي.ولو حصل اختلاف في الوحي لفسدت الشريعة كلها، لذا فإن مثل هذا الظن في رؤيا النبي ﷺ إساءة شنيعة.ويجب أن يتوب صاحبه، فلو ورد في وحي النبوة شيء مرة وشيء آخر مرة أخرى، لارتفع الإيمان.يقول الله : وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهُ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا يرا ، فتأمل.كَثِيرًا قوله: لقد شهد لكل نبي ني على الدوام؟ النساء: ۸۳

Page 234

۲۲۰۰ أقول: قد اختلقتم هذه القاعدة من عند أنفسكم، ولا يدعمها أي نص آخر من القرآن أو الحديث، فإذا كانت صحيحة فيستلزم أن يُبعث نبي لتصديق عيسى ال عند نزوله من السماء، لأننا لن نزوله من السماء، لأننا لن نتأكد من أن النازل في الحقيقة عيسى أم لا.إن هذا العالم مكان الإيمان بالغيب، وسيبقى وجود خفاء أو حجاب حتمًا مهما كان المبعوث.ثم ينبغي أن يأتي نبي آخر لتصديق ذلك النبي، ومن هنا ستستمر هذه السلسلة، وهذا باطل، وما يستلزم الباطل فهو أيضًا باطل.بالإضافة إلى ذلك إن تصديق أهل الكرامة ينوب عن تصديق أهل المعجزة بحسب نصوص القرآن والحديث.لأن الكرامة أيضًا معجزة النبي المتبوع، وبموجب الحديث الصحيح قد سُمي إلهام المحدث أيضًا بالوحي والمنزَّهِ من تدخّل الشيطان، وهو وحي إلهي مثل وحي الأنبياء عليهم السلام وما دام هو أيضًا وحيًا إلهيًا فإن من جاء بكلام الله فشهادته تتصبّغ بصبغة شهادة الأنبياء عليهم السلام.ثم تدبروا أيضا هل يمكن أن يعتقد أي مسلم في العالم أن نبوة النبي تبقى في معرض الشك ما لم ينزل المسيح الموعود وأنها بحاجة إلى شهادة المسيح؟ ولو افترضنا جدلًا، عدم مجيء المسيح وعدم إدلائه بالشهادة، فهل تبقى نبوة النبي ﷺ مشكوكا فيها ومشتبها بها؟ نعوذ بالله من هذه الخرافات وخاصة إذ كان قد ورد في الآثار أيضًا أن المهدي وجماعته أي جماعة المسيح الموعود سيُكفّرون، ففي هذه الحالة ثمة حاجة ماسة بحسب قولك لظهور نبي آخر ليكذب المشايخ المكفّرين المكذبين ويعلن أن عيسى نبي صادق.منه

Page 235

۲۲۱ والكفريات.فما أسخفها من فكرة إذ تكاد تكون كفراً.فليس الهدف من مجيء المسيح الموعود أن يُثبت نبوة النبي الله لأنها غير ثابتة بعد والعياذ بالله! وأنها ستثبت بشهادته وإنما لكي يظهر بصفة المجددين، ويقمع فتنة الصليب ويُظهر في العالم جلال التوحيد والإيمان المتسم بالتوحيد.قوله : هناك حاجة لنبي شاهد على نبوة نبينا.أقول: كذلك ستكون حاجة لتصديق ذلك النبي الشاهد، وقس على هذا.وألفُ تب لإيمان أولئك الذين لم تثبت نبوة نبينا حتى الآن في نظرهم، بل سوف تثبت عندما يأتي المسيح ويشهد عليه! قوله لن يأتي المسيح بصفته نبيا بل سيأتي بصفته رجلا من أفراد الأمة، إلا أن النبوة تكون مضمرةً في شأنه.أقول: ما دام سيكون معه شأن النبوة، وسيكون نبيا في علم الله، فليس من شك في أن مجيئه سيكون منافيًا لختم النبوة، لأنه في الحقيقة نبي، بينما مجيء أي نبي بعد النبي ممتنع بحسب القرآن الكريم.قوله: إن مثيل النبي يكون نبيا.أقول: لقد اتفقت الأمة كلها على أن غير النبي ينوب مناب النبي بروزا، وهذا هو معنى الحديث "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" أي أن علماء أمتي أمثال الأنبياء، لاحظوا كيف وصف النبي ﷺ العلماء بأنهم أمثال الأنبياء، وقد ورد في حديث آخر: "العلماء ورثة الأنبياء"، وفي حديث آخر: لا يزال أربعون رجلا من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم.

Page 236

أن مختلقا ففي هذا الحديث وصفهم النبي ﷺ بأمثال إبراهيم.ويقول الله في القرآن الكريم: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، وجميع المفسرين يقولون بأن الهدف من صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) هو يصبح المرء ء مثيلا للأنبياء، وهو أصل حقيقة الاتباع.ومن مذهب الصوفية أن الإنسان ما لم يحرز المماثلة مع الأنبياء عليهم السلام في الإيمان والأعمال والأخلاق لدرجة أن يحوز هو نفسه درجتهم، فلا يكتمل إيمانه ولا يسمى رجلا صالحا.فمن منتهى الظلم والخيانة أن يُقدِّم المرء أمرًا من عند نفسه كقضايا أهل الدنيا قبل الاطلاع على كتب الدين.لقد بعث الله الا الله الأنبياء إلى الأرض لكي يُقيم أمثالهم في الدنيا، وإن لم يكن ذلك فالنبوة باطلة.فالأنبياء لا يأتون لكي يُعبدوا وإنما ليتأسى الناس بأسوتهم ويتشبهوا بهم، ويصبحوا بالتفاني فيهم كأنهم هم أنفسهم.يقول الله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ، فمن أحبه الله فأي نعمة يحرمه منها؟ ومعلوم أن المراد من الاتباع هو إحراز مرتبة الفناء التي توصل إلى درجة المثيل.وهذه المسألة متفق عليها، ولا ينكرها غيرُ الجاهل السفيه أو الملحد الذي لا إيمان له.قوله: إن قول الله لا وَجيهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ دليل على بعثة المسيح ثانية، إذ لم ينل المسيح أيَّ عزة في زمن بعث فيه إلى اليهود، فلا بد من التسليم بأنه سيأتي ثانية لكي يحرز الوجاهة في الدنيا.آل عمران: ۳۲ ٢ آل عمران: ٤٦

Page 237

۲۲۳ أقول: هذه الفكرة سخيفة وباطلة تماما فلم يقل القرآن الكريم "وجيها عند أهل الدنيا" إذ لم يكن أي نبي وجيهًا في زمنه في نظر أهل الدنيا وكلابها، لأنهم لم يؤمنوا بأي نبي، بل معظم المؤمنين كانوا من الضعفاء والفقراء، الذين كان لهم نصيب قليل من الدنيا، فلا تعني الآية أن الزعماء والأمراء وأصحاب المناصب في الزمن السابق لم يؤمنوا بعيسى ال لكنهم العليا سيقبلونه في البعثة الثانية، بل بحسب التعبير القرآني الشائع..تعني الآية أن المسيح نال العزة لدى الصالحين في الدنيا أيضًا، وعُدَّ وجيها، وقد آمن به يحيى النبي مع جميع أتباعه وصدقه كما صدقه الآخرون الكثيرون، كما ستظهر وجاهته يوم القيامة أيضًا.ثم أقول: ألم ينل عيسى العلي الوجاهة في الدنيا حتى الآن وقد اتخذه أربع مائة مليون إنسان إلها؟ فهل العزة والوجاهة تستلزم الحياة أيضًا وبعد الممات يفقدها الإنسان؟ ثم أضف إلى ذلك أن مجيء المسيح ثانية إلى هذا العالم لا يجلب له الوجاهة بحال من الأحوال، بل سوف يأتي متنازلا عن مرتبته ومكانته بحسب عقيدتكم، إذ سوف يُبايع الإمام المهدي بعد كونه رجلًا من الأمة، ويُصلى وراءه مقتديًا، فما هذه الوجاهة؟! بل القضية على العكس وتسيء إلى النبي الذي هو من أولي العزم، أما القول بأنه سيفتخر بكل هذه الأمور ففكرة سخيفة وباطلة، أما إذا لم ينزل من السماء فعندها تتحقق وجاهته، يقول الله تعالى: في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكِ مُقْتَدِر.وباختصار، لا تكمن أي وجاهة في القمر: ٥٦

Page 238

٢٢٤ العودة.بل بحسب قول الشيخ سعدي: إن الطاعة بعد الفوز بالجاه والجلال صعبة جدا؛ إذ سيخدم الإسلام تابعًا لحكم غيره.ويقول المجدد في مكتوباته: "سينكره علماء الإسلام وسيكون وشيكا أن يهاجموه".فلاحظوا ما أعظم هذه الوجاهة إذ سيتصدى له المشايخ من الدرجة الدنيا، ويُستشف من الآثار كما ورد في كتاب "حجج الكرامة"- بأنه سيواجه التكفير أيضًا إذ سوف تُكتب فتوى كفر المهدي وأتباعه، وسيُسمّيه علماء الأمة كافرًا وكذابًا ودجالًا.فلما كان المهدي المعهود سيسمى مع جماعته كافرا ودجالا فثبت منه يقينًا أن المسيح الموعود أيضا سيتعرض لفتوى التكفير، لأنه لن يكون بمعزل عن المهدي وجماعته.لاحظوا كيف ثبت من الآثار الصحيحة أن المشايخ الأشقياء الأنجاس سيصفون المسيح الموعود بأنه دجال وسوف تكتب فتوى كفره، فتأملوا إنصافا هل هذه التي من أجلها يجب أن يُبعث إلى العالم ثانية؟ فهل تلقي الشتائم من المشايخ الحقيرين الأذلاء ولقب الكافر والدجال هو ما يسمى الوجاهة عندكم؟ لقد ثبت من الآثار الصحيحة أن الإهانة التي سيتعرّض لها المسيح الموعود على أيدي المشايخ الخبيثين، وأن ألقاب الكافر والفاسق والدجال التي سيسمعها من أفواه المشايخ ذوي الطبائع النجسة ستُشكّل أشنع إهانة من قبل العلماء أصحاب الطبع الخبيث الذين أصدروا الفتوى ضده، فسيحل غضب الله عليهم.ولقد ورد في الآثار الصحيحة أن المشايخ في زمن المسيح الموعود سيكونون شرَّ من تحت أديم السماء وأخبث من كل إنسان، لأنهم هي الوجاهة

Page 239

۲۲۰ سيُسَمُّون إنسانًا صادقًا كالمسيح كافرًا ودجالا.باختصار، هذه هي الوجاهة التي يتلقاها المسيح الموعود على أيدي المشايخ.أما الذي يحوز العزة والوجاهة عند الله وعند ملائكته وعند عباده الصالحين فإذا كان المشايخ الخبيثون يرونه كافراً ودجالًا، فأي ضير في ذلك؟ القمر ينشر النور والكلب ينبح عليه فليسأله أحد لماذا تنقم على القمر ؟ تأملوا أيضًا أنه إذا كانت الوجاهة مشروطة بإطاعة أهل الدنيا وتعظيمهم فهل نبينا عندما أخرج من مكة بأيدي الكفار وأوذي ما مكة؟ كان وجيها آنذاك، وهل حقق الكرامة والشرف بعد فتح وباختصار، إن اعتراضك هذا ليس مبنيًا على فراسة دينية وروحانية، بل قد نشأ من الأفكار السيئة والعادات والتقاليد والعكوف على الدنيا.فقد جاء في الدنيا أنبياء كُثر لم يؤمن بهم رجلان، أفلم يكونوا من الوجهاء؟ ثم متى كان المسيح ال محروما تماما من القبول؟ فقد آمن به مئات الناس، فقد آمن به يحيى العلية الا مع جماعته كلها، وقبله الحواريون، وقد ثبت من التاريخ أن أحد الملوك أيضًا آمن به والنصارى أيضا يُسلمون بذلك، فأي وجاهة أكبر من هذا تريدون؟ فقد أحرز هذه الوجاهة في حياته، لدرجة أن جاء في الإنجيل أن مئات الناس من ذوي الحاجة كانوا يُصاحبونه بتعظيم، وبسبب الازدحام كان يصعب لقاؤه أحيانًا.وصحيح ترجمة بيت فارس.(المترجم)

Page 240

أن بعض المشايخ اليهود كفروه، لكن التكفير الشديد الذي واجهه المسيح الموعود لم يواجهه عيسى ال ،قط ، بل قد ثبت من الإنجيل أن أكثر الكفار أيضا كانوا يكنون له احتراما في القلوب، أما بعد الموت فقد = أحرز الوجاهة لدرجة أن اتخذ إلها، وينبغي أن يعترف مشايخنا المعارضون بأنه لاحظ في حياته وجاهة اتخاذه إلها وما زال يلاحظها، لأنه بحسب عقيدتهم ما زال حيًا، وجميع الملوك الأوروبيين الأقوياء مع أركان الدولة يؤمنون بأنه إله ذو جلال، فهل نال هذه الوجاهة أي إنسان غيره؟ قوله : " لم يحج رغم قدرته على ذلك" (هذا طعن في شخصي) أقول: من هذا الاعتراض عرفنا معرفتك بالشريعة، فكأن مانع الحج في رأيك واحد فقط، هو أن لا يملك الإنسان الزاد.لم تكتشف مسألة سهلة جدا موجودة في القرآن الكريم والأحاديث وكتب الفقه، وذلك لأنك أضعت العمر في شباك الدنيا.فاعلم أن مانع الحج لا ينحصر في عدم توفر الزاد فقط بل هناك أمور كثيرة، هي أعذار صحيحة عند الله لمنع الحج.ومنها المرض، ومنها أيضا انعدام الأمن في الطريق أو في مكة بالذات.يقول الله : مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، والغريب جدًا أن هؤلاء العلماء الأشقياء يجلبون من مكة فتوى تكفيري ثم يقولون لي اذهب إلى الحج.هم يعرفون جيدا أنه إذا أفتى أهل مكة بكفري فلن تعد مكة خالية من الفتنة.بينما يقول الله تعالى أن اجتنبوا الذهاب إلى مواقع آل عمران: ۹۸

Page 241

۲۲۷۰ الفتنة، فلا أستوعب من أي نوع هذا الاعتراض، إن هؤلاء يعرفون أن النبي لم يحج في أيام الفتنة قط.وثابت من الحديث والقرآن الكريم أن اجتناب التوجه إلى مواقع الفتنة واجب، فما هذا الشر إذ قد أشاعوا في أهل مكة أني كافر ثم يُكرّر الاعتراض على عدم الذهاب للحج، نعوذ بالله من شرورهم.يجب التأمل قليلا لماذا هم قلقون على عدم قيامي بالحج؟ فهل في ذلك أي سر آخر سوى أنهم يتآمرون ضدي في قلوبهم أن أذهب أولا إلى الحج، ثم يصل بعض الأشرار ورائي إلى مكة لكي يثيروا ضجة ويقيموا القيامة بأن هذا الرجل كافر ويجب قتله.وصحيح أني لن أتخذ الحذر والحيطة عند صدور الأمر الإلهي، لكنه قبل ذلك لا بد من التزام الشريعة، كما أن اجتناب مواقع الفتن من سنة الأنبياء عليهم السلام.إن السلطة في مكة بأيدي أولئك الذين هم على مذهب هؤلاء المكفّرين، فحين يعدّنا هؤلاء ممن وجب قتلهم فهل سوف يدخرون الجهد في الإيذاء؟ يقول الله : وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فإذا توجهنا إلى التهلكة عن عمد وقصد وانطلقنا إلى الحج فسنكون من المذنبين.فالسعي خلاف أمر الله معصية، فالحج مشروط بشروط.أما اجتناب الفتنة والتهلكة فأُمرنا به قطعا دون أي شرط، فتأملوا الآن بأنفسكم هل ينبغي أن نستجيب لأمر القرآن القطعي أو لهذا الأمر المشروط الذي لم يتحقق شرطه؟ البقرة: ١٩٦

Page 242

۲۲۸ بالإضافة إلى ذلك أود أن أطالبكم أن تردّوا على سؤال: ما هي أولى مهمات المسيح حين ينزل؛ إنقاذ المسلمين من فتن الدجال الخطيرة أم التوجه فوراً إلى الحج؟ فإذا كانت أولى مهماته بموجب النصوص القرآنية والحديثية أن يتوجه للحج لا قتل الدجال، فيجب تقديم تلك النصوص من القرآن الكريم والأحاديث لنعمل بها.أما إذا كانت أولى مهماته التي من أجلها سيؤمر بحسب اعتقادكم هو قتل الدجال، وتأويله في رأينا إهلاك الملل الباطلة بواسطة الحجج والآيات، فعليه أن يُنجز هذه المهمة أولا.فإذا كان لديكم أيُّ ورع وتدين فأجيبوا حتمًا: ما هي أهم أعمال يحج أولًا المسيح الموعود بعد مجيئه إلى الدنيا؟ هل سيكون واجبًا عليه أن أم القضاء على الفتن الدجالية؟ فالمسألة ليست دقيقة جدا، إذ يمكن العثور على هذا الجواب بالاطلاع على صحيح البخاري أو مسلم، فإذا ثبتت شهادة رسول الله له على أن أولى مهمات المسيح الموعود هي الحج فاعلموا أننا سنتوجه للحج في كل حال، وليكن ما يكون.أما إذا كانت أولى مهمات المسيح الموعود استئصال الفتن الدجالية، فإن التوجه إلى الحج مخالف للنبوءة النبوية ما لم نفرغ من هذا العمل، وسيكون حجنا عندما يقوم الدجال أيضًا بالطواف ببيت الله بعد أن يقلع عن الكفر والدجل، لأنه بموجب الحديث الصحيح ذلك هو الوقت المناسب لحج فلا يعترضن أحد هنا على أنه قد ذكرتُ في كتاب "إزالة الأوهام" أن طواف الدجال سيكون بسوء النية كما يطوف اللص بالبيت بنية فاسدة، وأن هذا البيان

Page 243

۲۲۹ المسيح الموعود.فاقرأوا الحديث في مسلم حيث رأى النبي ﷺ المسيح الموعود والدجال يطوفان بالكعبة في وقتين متقاربين فلا تقولوا إن الدجال سوف يُقتل؛ ذلك لأن الحربة السماوية التي بيد المسيح الموعود لا تقتل جسد أحد، بل سوف تقضي على كفره وأعذاره الباطلة، وأخيرًا سوف يؤمن حزب من الدجال فيحج، فعندما تتولد أفكار الإيمان والحج عند الدجال فتلك هي الأيام لحجنا، أما الآن فمهمتنا الأولى التي فوَّضها الله إلينا هي قمع الدجالية، فهل يمكن لأحد أن يتصرّف بما يخالف مشيئة سيده؟ قوله: لقد بطلت النبوءة عن آتهم.الفتنة أقول: لعنة الله على الكاذبين! كانت النبوءة بحق "آتهم" شرطية وكانت الحكمة الإلهية في الشرط أن ينتفع منه أتهم ويُختبر الأغرار أيضا، فقد انتفع آتهم برجوعه القلبي وإظهار علامات الرجوع إذ رفض الحلف ورفع القضية.الله لها ينا في ذلك، لأن الدجال في الحقيقة اسم حزب المفسدين الذين يريدون نشر الشرك والنجاسة في الأرض.فيتبين من التأمل في القرآن والأحاديث بتعمق أنه صحيح أن حزبا من الدجالين سيهمه إلى يوم القيامة أن يضر الحق وأن طوافهم سيكون على شاكلة طواف اللصوص الذين يطوفون بالبيوت ليلا، إلا أن الفئة التي سيهب البصيرة والهدى فإن طوافهم يكون بالإيمان والاهتداء.فالمعنى الحقيقي للحديث حصرًا أن الحديث الذي يفيد طواف الدجال سيتحقق بوجهيه، والأحداث الخارجية أيضا تشهد على ذلك؛ إذ يستعد بعض النصارى لاعتناق الإسلام وقد تخلوا عن الدين المسيحي من قلوبهم، بينما البعض يريدون تخريب بيت الله كاللصوص ويقومون بأنواع المكر.منه

Page 244

۲۳۰۰ ثم مات بعد ستة أشهر من صدور إعلاننا الأخير بحسب الإلهام.فإذا كانت النبوءة باطلة فأين آتهم الآن؟ أيها الناس عديمي الإنصاف، إلام أشرح لكم مرارا وتكرارا؟ اقرأوا الكتب التي نشرتها عن آتهم.لقد أمات الله آتهم بحسب إلهامه وأرغمه بالتراب، وأنتم تقولون إن النبوءة بطلت.إنني أستغرب هذا الفهم؟ ما الذي أصاب هذه القلوب؟ ووقعت عليها نوعٍ أي من الحجب! فقد كان النبي ﷺ هو نفسه قد أنبأ عن هذه النبوءة وكان أبدى كراهية للمكذبين.كما أُشير إليها في البراهين الأحمدية أيضا قبل مدة.ألم يكن من الضروري أن يعيش أتهم بحسب الشرط؟ إلا أن الإلهام الحاسم والصارم كان إلهاما آخر فمات بعده عاجلًا على كل حال انظروا إلى فعل الله إذ لم يترك آتهم إكراما للنبوءة في حقه، فالأسف كل الأسف على الذين يُعرضون عن هذه الآية الصريحة.قوله: ليست ثمة صراحة بالقتل في النبوءة عن ليكهرام.أقول: لعنة الله على الكاذبين تعال واقرأ كتبنا أمام أعيننا التي وردت فيها هذه النبوءة في مواضع عدة، وإن لم يثبت التصريح فسوف أقدم لك في الجلسة نفسها مائتي روبية جائزة.قوله: إن النبوءة بحق ليكهرام لم تكن مهينة له، بل قد نال لقب شهيد القوم.وقد جُمعت آلاف الروبيات تبرعات لذويه.أقول: هذا ما زاد نبوءتنا عظمةً لأن هذه كانت معركة.فواضح أنه إذا قتل جندي من الفريق الخصم وعده أصحاب الفريق الخصم شجاعًا باسلا

Page 245

۲۳۱ وعُدَّ عظيما من الأمة؛ فكل هذا المدح يعود إلى القاتل الذي تمكن من قتل هذا الشجاع الجريء.فلو عُدّ ليكهرام بعد القتل من المهانين الأذلاء المخذولين، لأدَّى ذلك حتمًا إلى الحط من شأن نبوءتنا، ولقيل إن الذي تحققت فيه النبوءة لم يكن إنسانًا عظيما بل كان صيدا ركيكا لا يجدر بأي مدح.أما ليكهرام فقد عظَّمه قومه فصار الحادث أيضا عظيما من حيث عظمة المقتول أيضا.تدبّروا أنتم بإمعان أنه إذا تحققت نبوءة بحق ملك وأخرى عن امرأة رذيلة، فأي منهما تشتهر أولا وعاجلا ويُنظر إليها بعظمة وتعجب؟ فلما عُدَّ ليكهرام عظيمًا فإني للأوجه المذكورة آنفا- مسرور لدرجة لا توصف.وأنا أعلم أن الله له هو الذي أنجز هذا العمل، إذ قد ألقى في قلوب الهندوس عظمته لكي يزداد تأثير النبوءة لكونها تحققت ضد رجل شهير، وكي لا ينمحي ذكرها من العالم.فما دام ليكهرام يُذكر بعظمة وشرف، ستبقى هذه النبوءة أيضا محفوظة في قلوب الهندوس.وباختصار، إن ذكر ليكهرام بعزة يزيد النبوءة شرفا ومكانة، فلو كانت النبوءة بحق أي وضيع ومهان جدًا لما كان لها شأن يذكر.لقد كنت حزينًا أول الأمر من فكرة أن النبوءة مع تحققها إلا أنها بحق إنسان عادي كان موظفًا في مديرية الشرطة يتقاضى راتبا شهريًا سبع روبيات أو ثمان.لكنني حين سمعت أنه عُظْم كثيرًا بعد القتل، تحوّل حزني ذلك فرحًا، وحسبتُ أن الناس سيفكرون الآن بأن دعائي لم يطل رجلًا عاديًا بل قد أصاب رجلا بكاه قومه كلهم وأُقيم مأتم كبير على موته، وكتبت قصائد الرثاء من

Page 246

۲۳۲۰ أجله، وجمعت روبيات كثيرة لتخليد ذكراه فمن منة الله لا أنه عظم النبوءة على هذا النحو.فالحمد لله على ذلك.قوله: حديث الخسوف والكسوف موضوع.أقول: لقد خادعك شيطان، فهذا الحديث صحيح جدا إذ لم يرد في الدارقطني فحسب بل في كتب أخرى للحديث أيضًا، وفي كتب أهل الشيعة وأهل السنة أيضا بالإضافة إلى ذلك قد اتفق المحدثون على مبدأ أن النبوءة الواردة في أي حديث إذا تحققت وكان الحديث قد حُسِبَ موضوعًا جدلًا، فسيعد صحيحًا بعد تحقق النبوءة.لأن الله الله قد شهد على صدقها، فلا أحد سوى الله يقدر على الغيب.وعلم الحديث ظني؛ أحيانًا يكون الحديث قد عدَّ صحيحًا ومن المحتمل أن لا يكون صحيحًا الحقيقة، وعلى عكس ذلك أحيانًا يُعدُّ الحديث موضوعا ويثبت في نهاية المطاف.أما هذا الحديث فثابت من عدة طرق، وحسبانه موضوعًا بمنزلة ترك الإيمان ،صراحة، وإذا كنت في شك فتعال عندي واقرأ الكتب.أضف إلى ذلك كم من الحمق أن يشك المرء في صحة حديث يتضمن نبوءة لا يقدر على إصدارها غيرُ الله، وقد تحققت تلك صدقه النبوءة.لقد ورد في القرآن الكريم: فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول (الجن) ۲۷-۲۸)، أي أن بيان الغيب على أكمل وجه لمن عمل الرسل فقط، ولم يؤتَ غيرهم هذه الدرجة.وإن المراد من الرسل من يُبعثون من الله سواء كانوا أنبياء أو رسلا أو محدثين أو مجددين منه

Page 247

۲۳۳ قوله: إن الادعاء بكون المؤلفات العربية عديمة النظير باطل، لأن أي کتاب سوى القرآن الكريم مثل الإنجيل والزبور والأحاديث النبوية أيضا لم يدع بمثل هذا الادعاء.أقول: لقد كتبت آنفًا أنه كان مقدَّرا لإمام آخر الزمان أن يكون ذا البروزين، وأن تكون فيه البركات العيسوية والمحمدية، وكانت هذه البركات بنوعيها من علامات صدقه فكان نبينا الله قد أعطي معجزة أيضًا أن وهب له القرآن الكريم الذي هو أفصح الكلم، فكان من الضروري أن يرث هذه المعجزة المهدي الذي سُمي أحمد ومحمدًا بروزا أيضا، فلهذا السبب جعل هذا العبد المتواضع وارثا لهذه المعجزة على وجه الظلية.وأي ضرر ونقص ديني يحدث إذا أظهر الله الآن كرامة الأمور التي كانت قد ظهرت في زمن من الأزمان معجزةً.فالكرامة في الحقيقة معجزة النبي المتبوع، فلا يُهمنا إذا لم يكن كلام الإنجيل معجزة، أو كلام التوراة ليس معجزة، وإنما يُهمنا نبينا العلمية.فملخص الجواب أنه لما كان من الضروري أن ينال المهدي في آخر الزمان نصيبا من جميع البركات المحمدية، فكان من الواجب أيضا أن ينال المهدي أيضا نصيبا من الفصاحة والبلاغة كما كان النبي ﷺ جامع الكلم وفصيحا وبليغا وكان كلامه يفوق كل كلام، ولا سيما أن القرآن الكريم كان معجزة منقطعة النظير.فلهذه الضرورة قد أعطيتُ أنا العبد المتواضع 1 إن الإنجيل والتوراة كلاهما ،محرف فإبداء الرأي في بلاغة هذه الكتب وفصاحتها من المستحيلات.منه

Page 248

نصيبا لكنت من البلاغة المحمدية.وهذا الأمر كان ضروريًا لدرجة أن لو لم أعطها مع ادعائي بالمهدوية التي هي ظل النبوة المحمدية- عرضة لاعتراض أنه لم يُعط نصيبا من البلاغة المحمدية.ولا يصح الاعتراض بعد أن أعطاني ل نصيبا من هذه البلاغة الكاملة والفصاحة التامة، ومن الخطأ الفادح والإساءة الشنيعة أيضا الفكرة بأن كلام النبي الهلال لو كان مثل كلام عامة الناس، لأنه إذا كان القرآن الكريم معجزة من الطراز الأول، فكلام النبي أيضا يفوق كلام سائر الناس في مئات المجالات وكان نوعا من المعجزة.وكان النبي ﷺ قد أعطي البلاغة والكلم الجامعة، وكان الكلام العادي للنبي أيضا بلا شك قد بلغ درجة المعجزة.قوله لماذا انقطع عن نشر بقية أجزاء البراهين الأحمدية؟ أقول: إن الاعتراض على هذا الانقطاع لغو محض، فقد نزل القرآن الكريم أيضًا على طول ٢٣ عاما رغم كونه كلاما إلهيًا، فإذا كان الله الله بحكمته ونظرا إلى بعض الأهداف قد أخر تكميل البراهين الأحمدية فأي حرج في ذلك؟ وإذا كان أحد تُساوره الوسوسة بأني قد أخذت الثمن من المشترين سلفًا، فهذا الخيال أيضا ناتج عن حمق وجهل؛ ذلك لأن معظم نُسَخ البراهين الأحمدية وزعت مجانًا، وبعضهم دفع خمس روبيات وبعضهم نصف روبية، وقليل جدا من دفع عشر روبيات، أما الذين دفعوا ٢٥ روبية فهم بضعة أشخاص فقط، ثم إن هذا الثمن الذي أُخذ من الناس ليس كثيرًا مقابل الأجزاء التي تم طباعتها وسلمت لأصحابها، بل الثمن مناسب جدا،

Page 249

۲۳۰ وإنما الاعتراض ناتج عن دناءة محضة وسفاهة.لكننا مع ذلك قد نشرنا إعلانًا مرتين نظرا لضجة بعض الجهلة بغير حق- أن الذي يريد أن الذين خلصنا من أدنياء الطبع هؤلاء، لكننا يستعيد سعر البراهين الأحمدية فليسلمنا كتابنا وليستلم ثمنه.فجميع كانوا يكنون في نفوسهم مثل هذا الجهل أعادوا إلينا الكتب واستعادوا ثمنها، وبعضهم أعاد الكتب في حالة سيئة جدا، ومع ذلك أعدنا لهم ثمنها.وقد كتبنا مرات كثيرة أننا لا نريد أن نتحمل أدنياء الطبع من هذا النوع، وأنا جاهزون كل حين وآن لإعادة ما دفعوه ونشكر الله الله على أنه قد مع ذلك نكتب بعض هذه السطور في الإعلان مجددًا، أنه إذا كان أحد المشترين موجودًا حتى الآن في الخفاء ويشتكي توقف طباعة البراهين من وراء ظهورنا، فعليه أن يرسل إلينا كتبنا فورا ونحن سوف ترسل إليه الثمن الذي يذكره في رسالته.وإذا لم يكفّ أحد حتى الآن وبعد صدور هذه الإعلانات عن الاعتراض فحسابه على الله.أما "الشهزاده" المحترم فعليه أن يخبرنا أولا أي كتاب اشتراه منا ثم أعاده إلينا و لم تعد له قيمته فكم من الإجحاف أن يسمع الإنسان أمراً على لسان بعض المشايخ الحاقدين ويُثير الاعتراض دون تقصي الحقائق! قوله: إنه يتملّق الحكومة.أقول هذا ليس تملقاً وإنما هو حق يجب على كل وفي مخلص من الرعية أن يؤديه.من المؤكد أن للحكومة البريطانية حقًا عظيمًا علينا إذ قد أمنا من آلاف الآفات في ظلها، وقد كسبنا آلاف المكاسب عن طريق هذه

Page 250

٢٣٦٥ الحكومة، فسيكون من الوقاحة أن نضمر لها في نفوسنا أفكار التمرد والبغي رغم الكم الهائل من المنن.قوله : إن "الشيخ الصالح" من راولبندي مشكك وجبان، لهذا أعلن النبوءة في حقه.أقول: لعنة الله على الكاذبين لو كان "الصالح" جبانًا لما صدقنا كبطل المعركة خلافًا للألوف.إن التوجه إلينا بإخلاص بمنزلة وضع القدم على النار.فهذه الهمة ليست من فعل أي جبان، بل هو فعل الأبطال البواسل، وبالإضافة إلى ذلك قد تلقى الرجل الصالح نفسه إلهاما ورأى آية الله، فتقبل الحق كالصادقين، فالأسف كل الأسف ما أشقى هذا الزمن الذي يسمى فيه من يخافون الله ويقبلون الحق ويهرعون إلى الصدق بعد رؤية الآيات الإلهية جبناء، ويُذكرون بسوء! أما الذين هم جبناء في الحقيقة ولا يتوجهون إلى الحق من أجل جيفة الدنيا لكي لا يتأذوا بألسنة أهل الدنيا؛ يحسبون أنهم شجعان.كل هذه الأجوبة رد على الاعتراضات التي أثارها الشهزاده "عبد المجيد خان" نقلا من " كتاب "الشهزاده والا "جوهر انتخابا من كتابه وكتبها في رسالته التي أرسلها إلينا، ونشرناها قبل هذه الاعتراضات.فالرسالة الأصلية موجودة عندنا، ونحن واثقون بأن الشهزاده عبد المجيد خان قد نقل بأمانة ما قرأه في كتاب الشهزاده والا" "جوهر" أو سمع من لسانه.إن كتاب الشهزاده والا جوهر لم يصل إلينا، إلا أنه زاخر بهذه الخرافات، لأن

Page 251

۲۳۷ الشهزاده عبد المجيد خان من أقاربه الأعزة ومن ناصحيه من الدرجة الأولى وصديقه.وهو شخصيا رجل صالح وصادق وتقي، ومن المستحيل أن يكون قد بالغ بحرف من عنده وفي رأيي لم يكن من المناسب قط أن يفتضح الشهزاده والا جوهر نفسه بتأليف مثل هذا الكتاب الوقح البذيء بغير حق.صحيح أنه "شهزاده" إلا أنه عديم الحظ تماما من علم الحديث والقرآن والعلوم الأخرى، ولم يكن يجدر به أن يتدخل في هذه الأمور الدينية عبئًا.من الأفضل أن يتعلم القرآن الكريم والأحاديث أولا من أي أستاذ بتدبر، ويتمكن من تاريخ الإسلام جيدا، ويقرأ كتب النصارى أيضا جيدا ثم بعد ذلك كله إذا كان عنده فراغ فليكتب الرد على كتبنا.أما هذا الكتاب المخجل والوقح فيجدر بالإتلاف والإحراق، فمن الأفضل أن يتمسك بهذه النصيحة حتى الآن ولا ينشره قط، ويتلفه في الخفاء، وبعد فهو أعلم بمصالحه جيدا.وأخيرًا أود أن أنصح القراء أن لا ينظروا إلى كتابي هذا بنظرة عابرة، ولقد بلغتهم رسالة تلقيتها من الله وإنني على يقين أني أقمت الحجة على الجميع.إن الصلحاء والأذكياء يعرفون أن الأنبياء والرسل وجميع المبعوثين الله إنما كان دأبهم منذ البداية أنهم يُقيمون الحجة على خلق الله بثلاثة أساليب أولا بالنصوص، وثانيا بالعقل، وثالثا بالتأييدات السماوية.فأنا أيضا قد أقمت الحجة بهذه الأساليب الثلاثة.فقد أثبت من النصوص القرآنية والحديثية أن عيسى ال قد توفي وأن الإمام الذي بشر بمجيئه في من

Page 252

آخر الزمان كان من هذه الأمة، كما قد أثبت الأحاديث أيضا أن من المسيح والمهدي القادم كان من الضروري أن يأتي في عهد السلطنة المسيحية، لأنه لو أتى في زمن آخر فأنى لنبوءة "يكسر الصليب" أن تتحقق ! كما قد أثبت أيضا أن من الضروري أن تكون بعثة المسيح الموعود في زمن يأجوج ومأجوج، فلما كان الأجيج يُطلق على النار ومنه اشتق يأجوج ومأجوج، لهذا قد فهمني الله له أن يأجوج ومأجوج شعب يستخدم النار أكثر من جميع الشعوب، بل هم الذين قد ابتكروا هذا.وفي هذه الأسماء إشارة إلى أن بواخرهم وقطاراتهم وأدواتهم ستسير بالنار وأن حروبهم ستكون بالنار وأنهم سيفوقون جميع شعوب العالم في فن استخدام النار.ولهذا السبب سيسمون يأجوج ومأجوج، فهي شعوب أوروبية، وهي ماهرة في استخدام النار بطرق شتى لدرجة غنية عن البيان.فالصحف السابقة التي أُعطيها أنبياء بني إسرائيل قد وصفت سكان أوروبا بيأجوج ومأجوج بل قد ورد فيها اسم موسكو أيضا العاصمة العريقة لروسيا.فكان قد تقرر أن يخرج يأجوج ومأجوج في زمن المسيح الموعود.كما كان قد ورد في النصوص القرآنية والحديثية أن ركوب الجمال وحمولتها سيترك في زمن المسيح؛ ففي ذلك كانت إشارة إلى اختراع مركبة تُغني عن الجمال، ولقد أثبت أيضا بأن بعثة إنسان جامعًا للبركات العيسوية والبركات المحمدية في آخر الزمان كانت مقدرة في حكمة الله، وله هذان الاسمان؛ أي أحمد المهدي وعيسى المسيح.

Page 253

۲۳۹ باختصار، لقد أقمت حجة الله على أهل هذا العصر من النصوص.وكذلك قد أقمت الحجة بالعقل وليس ثمة أي حاجة لبيان أن الأمر الذي ثبتنا الله عليه يدعمه العقل أيضا.وليس عند العقل أي نظير لنزول الإنسان واضعا كفيه على أكتاف الملائكة.وكذلك أثبت صدقي من التأييدات السماوية والآيات الغيبية، وهذا الأمر خارج نطاق قدرة البشر.فقد قام الله لتأييدي كما يقاوم أحد عدوه وجهًا لوجه فما شهده الناس من آيات قاطعة ويقينية في هذا العصر لم تشهد نموذجه عين بعد زمن النبوة.لقد أرى الله الله يده القوية بجلاء وأظهر الآيات الكثيرة للتحديث عن الغيب وإظهار القدرة.إن الأشرار والمفسدين والخبيثين يريدون أن يلطخوا هذه الآيات بالتراب، لكن سينشر هذه الآيات في الأمم ويُضيف إليها آيات أخرى.يوشك أن يأتي زمن بل قد أتى، يخجل فيه الذين يُنكرون الآيات التي يُظهرها الله عن طريق عبده كثيرًا.وتنتهي جميع تأويلاتهم ولن يبقى لهم أيُّ فعندئذ مهرب.سيتحمّس أولئك الذين يملكون سعادة خفيّة، وسوف يُفكرون لأي سبـ يكونون مغلوبين في كل قضية إذ لا يستطيعون التصدي له بالنصوص ولا يدعمهم العقل في شيء ولا يحالفهم التأييد السماوي.وعندئذ سوف يدعون في الخفاء وسوف تنقذهم رحمة الله، لكن قبل أن يأتي ذلك الزمان لقد أخبرني الله الله أن كثيرين يُعدّون من هذه الجماعة، لكنهم ما زالوا خارجها، ولكنهم في علم الله معدودون ضمن هذه الجماعة.ولقد تلقيت الله مرارا عن هؤلاء إلهاما "يخرون سجدًا، ربنا اغفر لنا إنا كنا خاطئين".

Page 254

٢٤٠ الآن أنهي هذا الكتاب على الدعاء: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ.آمين الراقم: العبد المتواضع مرزا غلام أحمد، من قادیان ۱۸۹۹/۱/۱

Page 254