احمدی اور غیراحمدی میں کیا فرق ہے؟

احمدی اور غیراحمدی میں کیا فرق ہے؟
Author: Hazrat Mirza Ghulam Ahmad

Language: AR

AR

خِطاب لسيدنا ميرزا غلام أحمد القادياني المسيح الموعود والمعهدي المعهود عليه السلام


Book Content

Page 1

ما هو الفرق بين الأحمدي وغير الأحمدي؟ صورة الغلاف لهذا الكتاب احمدی اور غیر احمدی میں کیا فرق ہے؟ تقریر حضرت مرزا غلام احمد قادیانی مسیح موعود و مہدی معہود علیہ السلام بر موقعه جلسه سالانه ۲۷ / دسمبر ۱۹۰۵ء ٢٥١

Page 2

Page 3

ما هو الفرق بين الأحمدي وغير الأحمدي؟ ترجمة صفحة الغلاف لهذا الكتاب ما هو الفرق بين الأحمدي وغير الأحمدي؟ خطاب سیدنا میرزا غلام أحمد القادياني المسيح الموعود والمهدي المعهود العليا بمناسبة الجلسة السنوية في ١٩٠٥/١٢/٢٧م ٢٥٣

Page 4

٢٥٤ ملحوظة: ما هو الفرق بين الأحمدي وغير الأحمدي؟ لقد نشر هذا الخطاب نقلا عن جريدة "الحَكَم" عدد ١٩٠٦/٢/١٧م إلى ١٩٠٦/٦/١٧م، وأضيفت بعض الحواشي نقلا عن جريدة "بدر" عدد ١٩٠٦/١/٢٦م إلى ١٩٠٦/٢/٢٣م (الناشر)

Page 5

ما هو الفرق بين الأحمدي وغير الأحمدي؟ الهدف من بعثة المسيح الموعود وتأسيس الجماعة ٢٥٥ خطاب ألقاه سيدنا حجة الله المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام بتاريخ ١٩٠٥/١٢/٢٧م في المسجد الأقصى بعد صلاتي الظهر والعصر.لقد عُقدت صباح ١٩٠٥/١٢/٢٦م جلسة الإخوة الحاشدة في صالة كبيرة في الفرع الجديد من دار الضيافة للتفكير في إصلاح شؤون مدرسة "تعليم الإسلام".وألقى كثير من الإخوة كلماتهم حول مواضيع مختلفة.وقال أحدهم في أثناء كلمته: "الفرق الوحيد بين جماعة المسيح الموعود اللة والمسلمين الآخرين، على قدر علمي هو أنهم يعتقدون بصعود المسيح ابن مريم إلى السماء حيا بينما نحن نوقن بأنه قد مات، وليس هناك شيء آخر محل للنزاع بيننا وبينهم من حيث المبدأ".فلما كان هذا الكلام لا يوضح الهدف الحقيقي من وراء تأسيس هذه الجماعة بل كان الأمر يبدو مشتبها فيه وضعيفا كان ضروريا أن يقومه العليل.ولكن لما كان الوقت ضيقا رأى العلا مناسبا أن يخطب بالإيجاز عن الغرض الحقيقي من بعثته بعد صلاتي الظهر والعصر في ٢٧ ديسمبر/ كانون الأول، وكانت صحته يومذاك معتلة ولكنه مع ذلك ألقى الخطاب التالي بفضل الله تعالى ورحمته.(المحرر)

Page 6

٢٥٦ قال العليا : ما هو الفرق بين الأحمدي وغير الأحمدي؟ "أنا متأسف لأني معتلّ الصحة اليوم فلا أستطيع أن أتحدث طويلا ولكن أرى ضروريا أن أقول شيئا بإيجاز نظرا إلى أمر هام.لقد سمعت البارحة أن أحد الإخوة قال بأن الخلاف الوحيد بيننا وبين المسلمين الذين يعارضوننا هو موت المسيح الا وحياته وإلا فكلنا سواسية وأن معارضينا أيضا على الحق عمليا، أي أنهم يقومون بكافة أعمال المسلمين مثل الصلاة والصوم وغيرها، ولكن وقع خطأ في قضية موت عيسى ال فقط فأسس الله تعالى هذه الجماعة لإزالة هذا الخطأ.فليكن معلوما أن هذا ليس صحيحا.لا شك أن هذا الخطأ قد نشأ في المسلمين بأسلوب سيئ للغاية، ولكن إذا كان أحد يظن أن مجيئي إلى الدنيا يهدف إلى إزالة هذا الخطأ فحسب وليس في المسلمين خطأ آخر يجدر بالإصلاح بل هم على صراط مستقيم فهذه الفكرة خاطئة.وأرى أن وفاة المسيح أو حياته ليست بأمر ليؤسس الله تعالى من أجله جماعة كبيرة كهذه ويرسل إلى الدنيا شخصا معينا، وأن يُظهر هذا الخطأ بطريقة تؤدي إلى تعظيمه كثيرا وكأن الظلام عمّ العالم كله، وصارت الأرض ملعونة.الخطأ بشأن موت المسيح لم ينشأ اليوم، بل نشأ بعد فترة وجيزة من وفاة النبي.لقد ظل أولياء الله الخواص والصلحاء وأهل الله أيضا يأتون ومع ذلك بقي الناس على هذا الخطأ.فلو كان المقصود إزالة هذا الخطأ فقط لأزاله الله تعالى منذ ذلك الوقت، ولكن ذلك لم يحدث وبقي الخطأ على حاله إلى أن جاء عصرنا.ولو اقتصر الأمر على ذلك فقط في هذا العصر أيضا لما أقام الله تعالى جماعة جديدة من أجله لأن وفاة المسيح لم تكن بالأمر الذي لم يقبله أحد من قبل.بل إن معظم الخواص الذين كشف الله تعالى عليهم الحقيقة ظلوا يعتقدون بذلك.والحق أن هناك أمرا آخر أسس الله هذه الجماعة من أجله.لا شك أن إزالة الخطأ عن موت المسيح أيضا من الأهداف العظام لهذه الجماعة ولكن الله لم يبعثني لهذا الهدف وحده فقط بل الحق أنه قد نشأت أمور أخرى كثيرة بحيث لو لم يؤسس الله تعالى جماعة لإصلاحها و لم يبعث أحدا لدُمرت الدنيا كلها، ولانمحى اسم

Page 7

٢٥٧ الإسلام واندثرت آثاره فيمكن أن نعبر عن ذلك بتعبير آخر: ما هو الهدف من بعثتي؟ إن وفاة عيسى وحياة الإسلام هدفان يرتبط بعضهما ببعض بشدة متناهية.وإن قضية وفاة المسيح صارت ضرورية لحياة الإسلام في العصر الراهن، لأن الفتنة الناتجة عن حياة المسيح قد تفاقمت إلى حد كبير.القول في مسألة حياة المسيح، أليس الله قادرا على أن يرفعه إلى السماء حيا؟ يدل على عدم معرفة قدرة الله نحن نؤمن بذلك أكثر من غيرنا ونوقن: أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، ونؤمن أيضا بأنه قادر على أن يفعل ما يشاء، ولكنه منزه عن الأمور التي تعارض صفاته الكاملة، ويعادي أمورا تخالف دينه.إن قضية حياة العليا كانت في الأوائل بمنزلة خطأ فحسب، أما اليوم فقد تحوّل هذا عیسی الخطأ إلى أفعى تريد ابتلاع الإسلام ففي أوائل الأيام ما كان هناك أي خطر من ضرره وكان بمنزلة خطاً فحسب ولكن منذ أن قويت شوكة المسيحية واتخذ المسيحيون حياة المسيح دليلا كبيرا وقويا على ألوهيته، فقد أصبح هذا الخطأ خطرًا مهدّدًا.إذ يقول هؤلاء بكل شدة وتكرار : إن لم يكن المسيح إلها فكيف صعد وجلس على العرش إذا؟ وإذا كان بإمكان بشر أن يصعد إلى السماء حيًّا فلماذا لم يصعد إليها أحد من البشر منذ آدم إلى اليوم؟ فبتقديم مثل هذه الأدلة يريدون أن يؤلهوا عيسى الل، وقد ألهوه فعلا وأضلوا عددا العلية كبيرا من الناس في العالم وقد صار كثير من المسلمين الذين يربو عددهم على ثلاثة ملايين كما يقال، عرضة لهذه الفتنة هذا الخطأ اعتقادا بسبب اعتبارهم صحيحا.ولكن إذا كان ذلك صحيحا، ولو صعد عيسى العليا إلى السماء حيا في الحقيقة، كما يزعم المسيحيون ويؤيدهم المسلمون بسبب خطئهم وعدم علمهم لكان ذلك يوم مأتم للإسلام لأن الإسلام جاء إلى العالم ليتولد عند الناس إيمان ويقين بوجود الله تعالى وينتشر توحيده إنه لدين ليس فيه ضعف يبدو أن كلمة ما سقطت هنا بسهو الناسخ.(الناشر)

Page 8

٢٥٨ من أي نوع.إنه يعدّ الله تعالى واحدا لا شريك له، ولو أقر بهذه الخصوصية لغير الله لكان في ذلك إساءة إليه ولا الله لا يجيزها الإسلام.ولكن المسيحيين أضلوا الدنيا بتقديمهم خصوصية المسيح هذه، وقد وافقهم المسلمون دون تأمل وتدبر و لم يكترثوا بضرر أصاب الإسلام بسبب ذلك.يجب ألا ينخدع أحد بما يقوله الناس عادة: أليس الله بقادر على أن يرفع المسيح إلى السماء حيا؟ لا شك أنه قادر، ولكنه لا يجيز أمورا منشؤها الشرك، فتشرك أحدا بالبارئ تعالى.ومن الواضح أن تخصيص شخص معين بخصوصية من بعض الأوجه هو مبدأ الشرك بعينه.والواضح تماما أن التسليم بخصوصية في المسيح الا أنه حي إلى الآن على عكس البشر كافة ويختلف من حيث الخواص البشرية، أمر هيأ للمسيحيين فرصة ليقدموه دليلا على ألوهيته.لو اعترض مسيحي على المسلمين: أخبروني هل حصلت هذه المزية الفريدة لأحد آخر في هذا العصر؟ ليس لديهم جواب على ذلك، لأنهم يوقنون بأن جميع الأنبياء قد ماتوا ولكن وفاة المسيح لا تثبت بحسب زعم المسلمين الذين يعارضوننا.ولأنهم يستنتجون من "التوفي" معنى الرفع إلى السماء حيا فلا بد أن يستنبطوا من: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَني أيضا : عندما رفعتني إلى السماء حيا، بينما لا تُثبت آية أنه سيموت أيضا في وقت من الأوقات.قولوا الآن ماذا عسى تكون نتيجة ذلك؟ هداهم الله ليُدركوا خطأهم أقول صدقا وحقا بأن الذين لا يتركون هذا المعتقد بعد اكتشاف ضعفه وشناعته مع كونهم مسلمين فهم الإسلام وكحيَّة في الكمّ له.أن أعداء اعلموا أن القرآن الكريم ذكر موت المسيح مرارا وأثبت أنه مات كبقية الأنبياء والناس أجمعين لم تكن فيه مزية لا توجد في غيره من الأنبياء والناس تماما أن بوجه عام.صحيح معنى "التوفي" هو الموت فقط.لا يثبت من أي قاموس أن معنى التوفي هو الرفع أيضا إلى السماء بالجسد.إن حسن اللغة يكمن في سعتها.لا توجد في العالم لغة تخص شخصا واحدا فقط دون غيره.غير أن هذه الخصوصية خاصة بالله تعالى حتما لأنه واحد لا شريك له.قدموا لنا

Page 9

العلمية لا ٢٥٩ بوجه قاموسا من قواميس اللغة حيث ذكر أن معنى "التوفي" بحق عيسى خاص هو الرفع إلى السماء حيا بالجسد وأنه إذا استُخدمت الكلمة نفسها بحق أي إنسان غيره في العالم كله كان معناها الموت.أروني ذكر هذه الخصوصية في أي معجم من معاجم اللغة.وإن لم تفعلوا، لأنها ليست موجودة أصلا، فاتقوا الله لأن ذلك هو مبدأ الشرك بعينه ونتيجة هذا الخطأ صار المسلمون مدينين للمسيحيين.فإذا قال المسيحيون ما دمتم تعترفون بحياة المسيح وبأنه موجود في السماء وتؤمنون بمجيئه أيضا حَكَمًا، فقولوا الآن، أي شك بقي في ألوهيته؟! و خاصة حين لا يثبت أنه سيموت.إنها لطامة كبرى أن يطرح مسيحي سؤالا دون أن يكون له جواب.فباختصار، لقد بلغ الآن التأثير السيئ لهذا الخطأ هذا المبلغ.صحيح أن موت المسيح لم يكن قضية عظيمة لتكون هناك حاجة إلى بعثة مبعوث عظيم من أجلها.ولكنني أرى أن حالة المسلمين قد تردّت كثيرا وتركوا التدبر في القرآن الكريم وساءت حالتهم العملية أيضا.لو كانت حالتهم العملية على ما يرام وتأملوا في القرآن الكريم ومعانيه لما استنبطوا مثل هذه المعاني قط.وقد استنبطوا من عندهم معاني على هذا المنوال؛ وإلا فإن كلمة "التوفي" لم تكن غريبة أو جديدة بل تقول جميع القواميس العربية أيا كان مؤلفها بأن معناها هو الموت.فلماذا إذا اخترعوا من عند أنفسهم معنى الرفع إلى السماء بالجسد؟ لو استنتجوا منها المعنى نفسه بحق النبي لما تأسفنا لأن الكلمة نفسها قد وردت في القرآن الكريم بحقه أيضا، كما يقول تعالى: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قولوا الآن، إذا كانت هذه الكلمة تعني الرفع إلى السماء مع الجسد أليس من حقنا أن نستنبط المعنى نفسه بحق النبي أيضا؟ ما السبب في أنه إذا استخدمت هذه الكلمة بحق نبي هو أدنى درجة من النبي ﷺ بآلاف المرات ١ يونس: ٤٧

Page 10

٢٦٠ يخترعون لها معنى من عند أنفسهم ويرفعونه إلى السماء وعندما تستخدم الكلمة نفسها بحق سيد الأولين والآخرين لا يستنبطون منها معنى سوى الموت؟ مع أن النبي نبي حي وحياته ثابتة بأسلوب لا تثبت به حياة غيره قط.لذا نقول بكل تحد وقوة بأنه إذا كان هناك نبي حي فهو نبينا الأكرم فقط.لقد ألف كثير من المرموقين كتبا عن حياة النبي" وعندنا أدلة دامغة على حياته لا يستطيع أحد مواجهتها."I من جملتها أن النبى الحى هو ذلك الذي فيوضه وبركاته جارية إلى الأبد.ونرى أن الله تعالى لم يضيّع المسلمين قط منذ زمنه لا إلى يومنا هذا.فقد بعث على رأس كل قرن رجلا أنجز مهمة الإصلاح بحسب مقتضى العصر حتى بعثني على رأس القرن الحالي لأثبت حياة النبي.وثابت من القرآن الكريم أن الله حافظ على دينه دائما وسيحافظ في المستقبل أيضا كما يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.إن عبارة: "إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" تدل بجلاء على أنه سيأتي على رأس كل قرن دائما رجال ليستعيدوا المتاع المفقود ويذكروا الناس.به الله من المعلوم من حيث المبدأ أنه عندما ينصرم قرن ينقرض الجيل السابق أيضا ويموت العلماء وحفاظ القرآن وأولياء الله والأبدال الذين كانوا في ذلك الجيل.وبذلك تمس الحاجة إلى أن يولد لإحياء الملة رجل آخر لأنه لو لم يؤسس تعالى نظاما جديدا في القرن الجديد لإبقاء الإسلام خضرا نضرا لمات هذا الدين، لذا يبعث الله على رأس كل قرن رجلا ينقذ الإسلام من الهلاك ويهبه حياة جديدة وينقذ العالم من الأخطاء والبدعات وأصناف الغفلة والكسل التي تنشأ فيهم.إن هذه الخصوصية توجد في النبي لله وحده، وتشكل على حياته دليلا قويا لا يمكن لأحد مواجهته.وكذلك إن سلسلة بركاته وفيوضه أيضا ليست ١ الحجر: ١٠

Page 11

٢٦١ مقطوعة ولا ممنوعة وتستفيد الأمة من بركاته هو في كل زمان، وتتعلم منه وتحب الله تعالى كما يقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) إذًا، فالمعلوم أن حب الله تعالى و لا يترك هذه الأمة محرومة في أي قرن.وهذا الأمر وحده يشكل برهانا ساطعا على حياة النبي..ومقابل ذلك لا تثبت العليا.وقد حدثت في حياته فتنة لم تحدث في حياة أي نبي آخر لذلك سأله الله تعالى: أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ أَتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ.والجماعة كانت ضعيفة وغير جديرة بالثقة وهذا ما يعترف به حياة عيسى التي أعدها عیسی المسيحيون أيضا.وثابت من الإنجيل أن التلاميذ الـ ١٢ الذين كانوا نموذجا لقوته القدسية وتأثيره بوجه خاص كان أحدهم يُدعى يهوذا الاسخريوطي الذي باع سيده و مرشده مقابل ثلاثين دينارا.أما الآخر الذي يحتل مقام الصدارة بين الجميع وكان يُسمى تلميذا رشيدا وكانت في يده مفاتيح الجنة فقد لعنه أمامه ثلاث مرات.فإذا كان هذا هو تأثير المسيح وفيضه في حياته فيمكنكم أن تقدروا ماذا منه الآن بعد مرور ١٩۰۰ عام؟ أما الجماعة التي أن يكون قد بقي مقابلهم فكانت مخلصة ووفية بحيث ضحوا من أجله بنفوسهم عسى أعدها النبي وأرواحهم، وهجروا أوطانهم وأعزاءهم وأقاربهم و لم يبالوا بأي شيء مقابله ما أعظم هذا التأثير وما أقواه وقد اعترف به المعاندون أيضا، ولم تنقطع سلسلته إلى الآن بل لا تزال جارية.وذلك التأثير وتلك البركات لا تزال موجودة في تعليم القرآن الكريم.هناك مثال آخر جدير بالذكر عن التأثير وهو أنه لا يمكن العثور على الإنجيل قط.والمسيحيون أنفسهم يواجهون صعوبات في العثور على الإنجيل الحقيقي، وبأية لغة كان وأين هو؟ بينما حظي القرآن الكريم بالحماية دائما، ولا يمكن أن ١ آل عمران: ۳۲ المائدة: ۱۱۸

Page 12

٢٦٢ يتحرَّف فيه حرف ولا نقطة عن مكانها.وقد حظي القرآن بحماية دائمة بحيث يوجد آلاف بل مئات الآلاف من حفاظه في كل بلد وكل قوم وهم متفقون عليه، فيحفظون القرآن الكريم ويُسمعونه دائما.قولوا الآن، أليست هذه من بركات النبي ؟ أوليست هذه البركات بركات حية؟ وهل تثبت بها حياته أم لا؟ العلية لا باختصار، إن حياته ثابتة من مبدأ حماية القرآن الكريم ومن منطلق حديث بعثة المجدد على رأس كل قرن لتجديد الدين وكذلك من خلال بركاته وتأثيراته الجارية إلى الآن.الجدير بالإمعان هنا هو ماذا أفادت عقيدة حياة عيسى العالم؟ هل حدث الإصلاح الأخلاقي والعملي أم نشأ الفساد؟ كلما أمعنتم النظر في هذا الموضوع تراءت لكم مثالب هذه العقيدة أكثر فأكثر.الحق والحق أقول بأن الإسلام تضرر بهذا الاعتقاد كثيرا حتى تنصر نحو أربع مائة مليون مسلم وتركوا الإله الحق واتخذوا الإنسان الضعيف إلها.أما ما نفعت المسيحية العالم فهو واضح تمام الوضوح.لقد اعترف المسيحيون بأنفسهم أن هناك مساوئ كثيرة انتشرت في العالم بسبب المسيحية لأن الذي يعلم أن ذنوبه قد وضعت في ميزان غيره يتشجع على الذنوب أكثر من ذي قبل.والمعلوم أن الذنب سمٌ زعاف للإنسان قد نشرته المسيحية.وفي هذه الحالة يزداد ضرر هذا المعتقد أكثر من ذي قبل.لا أقول بأن الناس في العصر الراهن وحدهم مسؤولون عن الاعتقاد بحياة به مع هذا المسيح.كلا، بل أخطأ بعض من القدامى أيضا في هذا الصدد ولكنهم الخطأ نالوا ثوابا لأنه قد ورد عن المجتهد: "قد يخطئ ويصيب"، ويثاب في كلتا الحالتين.الحق أن المشيئة الإلهية اقتضت أن تبقى هذه القضية خافية، فظلوا في غفلة منها وبقيت الحقيقة خافية عليهم مثل أصحاب الكهف، كما تلقيتُ إلهاما: "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا".كذلك إن قضية حياة المسيح سر عجيب.مع أن الله تعالى يبين وفاة المسيح بكل صراحة، ويثبت الأمر نفسه من الأحاديث، والآية التي قُرئت أيضا عند

Page 13

٢٦٣ وفاة النبي كاستدلال أيضا تُثبت الأمر نفسه، ولكن الله تعالى قد أخفاه مع كونه مكشوفا إلى هذا الحد وأبقاه خافيا للموعود المقبل، فحين جاء هذا الموعود أماط اللثام عن هذا السر.إنها لحكمة الله أنه يخفي سرا حين يشاء ويظهره حين يشاء.كذلك فقد أخفى هذا السر أيضا إلى أجله المسمّى.أما الآن، حين جاء الموعود الذي كان مفتاح هذا السر بيده فكشفه للعيان وإذا كان أحد لا يريد أن يقبل الآن ويتعنّت فكأنه يحارب الله.النبي إذا، فإن مسألة وفاة المسيح قد اتخذت الآن منحى بحيث لم يعد فيها خفاء قط بل صارت واضحة من جميع الجوانب والنواحي.إن وفاة المسيح ثاتبة من القرآن الكريم، كما تؤكد على وفاته الأحاديث.كما أن حادث معراج صدق موته ال، وشهد النبي للشهادة عيان لأنه رأى ليلة المعراج عيسى مع يحيى عليهما السلام.ثم الآية: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا تمنع صعوده إلى السماء حيا لأنه حين طلب الكفار منه معجزة الصعود إلى السماء ردّ الله تعالى عليهم قائلا: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا أي سبحان ربي أن يخلف الميعاد بعد أن قدر للإنسان مرة أن هذه الدنيا ويموت فيها كما يقول: فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ.أما في رَسُولا يو لد أنا فبشر وترافقني مقتضيات البشرية التي لا يمكن أن تصعد إلى السماء.والحق أن هذا ما قصده الكفار من هذا السؤال لأنهم كانوا قد سمعوا من قبل بأن الإنسان يحيا ويموت في هذه الدنيا؛ فحين وجدوا فرصة مواتية طرحوا هذا السؤال.وقد رُدّ عليهم بما أدّى إلى أن خابت آمالهم ومكايدهم.فالقضية مفروغ منها أن المسيح العليا قد مات.غير أنها آية معجزة أن الله تعالى ترك هؤلاء الناس في غفلة وجعل المتيقظين سكارى.الإسراء: ٩٤ الأعراف: ٢٦

Page 14

٢٦٤ واعلموا أيضا أن الذين لم يجدوا هذا العصر هم معذورون، ولم تتم الحجة عليهم.وما فهموه حينها بناء على اجتهادهم ينالون عليه أجرا وثوابا عند الله.ولكن لم يعد الوقت الآن كما كان بل رفع الله الآن ذلك الحجاب وأظهر السر المخفي.وترون الأضرار الفادحة والمخيفة لهذه القضية أن الإسلام اليوم في ضعف وانحطاط، وقد حملت المسيحية سلاح حياة المسيح نفسه للهجوم على الإسلام، وبسببه أصبحت ذرية المسلمين صيدا لها.أقول صدقا وحقا بأنهم يغوون الناس بسرد مثل هذه المسائل لهم.ويردّون الناس عن الإسلام في المدارس والكليات بسردهم تلك الخواص التي يخترعها لهم المسلمون نتيجة جهلهم.أما الآن فقد أراد الله تعالى تنبيه المسلمين'.فقد أراد الآن أن ينتبه المسلمون لأن التأكيد على وفاة المسيح هام جدا لتقدم الإسلام، وألا يعتقد الناس أن المسيح صعد إلى السماء حيا.ولكنني أقول بأسف شديد بأن معارضي لا يفقهون هذا السر لشقاوتهم ويصرخون ويشغبون عبثا.ليت هؤلاء الحمقى يدركون أننا لو ركزنا جميعا على وفاة المسيح فلن تقوم للدين المسيحي قائمة.أقول على بصيرة بأن حياة الإسلام تكمن في هذا الموت.اسألوا المسيحيين أنفسهم ما الذي يبقى من دينهم إذا ثبت أن المسيح ليس حيا بل هو ميت؟ إنهم يقولون بأنفسهم بأن هذه هي المسألة الوحيدة التي تستأصل ولكن المسلمين باعتقادهم بحياة المسيح يقوونهم ويضرون الإسلام.شافة دينهم.ينطبق عليهم مثل فارسي يقول : يجلس على غصن شجرة ويقطع جذعها.السلاح الذي كان في أيدي المسيحيين ضد الإسلام قد حمله المسلمون وأطلقوه لقلة فهمهم وضعف عقلهم، الأمر الذي ألحق بالإسلام ضررا إلى هذا جريدة "الحكم" مجلد ۱۰ رقم ٦ العدد: ١٩٠٦/٢/١٧م صفحة ٢، ٣ حاشية: جاء في جريدة "بدر": "من الغريب أن المسيحيين يستخدمون هذا السلاح لقطع أعناق المسلمين والمسلمون ينهضون لنصرتهم لتقطع رقابهم".(جريدة "بدر" مجلد ٢، رقم ٤ ، العدد: ١٩٠٦/١/٢٦م صفحة ٣)

Page 15

٢٦٥ هذه الحد.ولكن من دواعي السرور أن الله تعالى نبههم عليه في وقت مناسب وأعطاهم لكسر الصليب سلاحا لا نظير له، وأسس هذه الجماعة لتأييده واستعماله.فالقدر الذي أضعف به سلاح موت المسيح الدين الصليبي بفضل الله وتأييده وحدَّ من سرعته لم يعد خافيا الآن يفهم المسيحيون ومؤيدوهم جيدا أنه إذا كانت هناك فرقة أو جماعة تقدر على القضاء عليهم فهي الجماعة دون غيرها.لذلك إنهم يستعدون لمواجهة صاحب أي دين ولكن لا يتصدون لهذه الجماعة.عندما دعونا الأسقف للمبارزة وأثارته أيضا على ذلك بعض الجرائد الإنجليزية كثيرا لكنه مع ذلك لم يبرز في الميدان.والسبب في ذلك أننا أعطينا لاستئصال المسيحية أسلحةً ما أُعطيها غيرنا.والسلاح الأول من ضمنها هو موت المسيح نفسه الموت ليس هو المطلوب بحد ذاته، بل إنما نركز عليه لأنه كان سلاح المسيحيين الذي كان يضر الإسلام.فأراد الله تعالى أن يصلح هذا الخطأ، وقد أصلح بكل قوة وشدة.إضافة إلى ذلك الهدف الحقيقي هناك إزالة الأخطاء والبدعات أيضا التي تطرقت إلى الإسلام من قلة التدبر القولُ أنه لا فرق بين هذه الجماعة والمسلمين الآخرين.فإن لم تتغير معتقدات المسلمين المعاصرين وكان كلا الفريقين مثل بعضهما؛ فهل أسس الله هذه الجماعة عبثا؟! إن هذا التفكير يمثل إساءة كبيرة لهذه الجماعة وتجاسرا ووقاحة بحق الله.لقد أوضح الله تعالى مرارا وتكرارا أن ظلمة حالكة سادت العالم عمليا وعقديا أيضا.والتوحيد الذي جاء لإقامته عدد كبير من الأنبياء والرسل إلى الدنيا وسعوا واجتهدوا من أجله بكل ما في وسعهم قد غطته اليوم غشاوة سوداء وتورط الناس في أنواع الشرك.لقد قال النبي له بألا تحبوا الدنيا، ولكن حب الدنيا قد استولى اليوم على كل قلب، وترى كل شخص غارقا في حبها.وإذا أن يحركوا ساكنا في سبيل الدين يترددون كثيرا ويقدمون ألف عذر ومبرر.يُعتبر كل نوع من السيئات والأعمال الشنيعة مسموح به ويُركّز على أصناف المنهيات علنا، وقد صار الدين كيتيم وبلا حيلة.فلو لم يؤيد الإسلام و لم يُنصَر في هذا الوقت الحرج طلب منهم

Page 16

٢٦٦ فأي وقت يُنتظر لنصرته؟! لم يبق الآن من الإسلام إلا اسمه.ولو لم يُحفظ الدين في هذا الوقت أيضا فأي شك كان في انقراضه؟! الحق والحق أقول إنه من قلة الفهم فقط أن يقال: ما الفرق بيننا وبين المسلمين الآخرين؟ لو اقتصر الأمر على شيء واحد فقط لما كانت هناك حاجة إلى تحمل هذا القدر من العناء، و لم تكن هناك حاجة إلى إنشاء جماعة.أعلم جيدا أن الله تعالى قد بين مرارا وتكرارا أنه قد سادت ظلمة شديدة الحلكة بحيث لا يُرى شيء.التوحيد الذي كنا نفتخر به وكان الإسلام يعتز به بقي على الألسن فقط، وقد تضاءل كثيرا عدد الذين يعتقدون بالتوحيد عمليا وعقديا.لقد قال النبي ﷺ بألا تحبوا الدنيا ولكنك ترى كل قلب غارقا فيها وصار الإسلام كغريب ويتيم.وقال النبي بصراحة تامة: "حب الدنيا رأس كل خطيئة".ما أطهره من كلام وما أصدقه ولكن انظروا اليوم ترون كل شخص واقعا في هذه الخطيئة.لقد أدرك معارضونا من الآريين والمسيحيين حقيقة دينهم جيدا ومع ذلك يريدون أن يتمسكوا به يعلم المسيحيون جيدا أن أصول دينهم وفروعه ليست على ما يرام وأن تأليه إنسان ليس بفعل سليم.لقد تطورت الفلسفة والعلوم الطبيعية وغيرها في هذا العصر، وأدرك الناس جيدا أن المسيح لم يكن إلا إنسانا ضعيفا وعاجزا و لم يملك أية قدرة اقتدارية.ولا يمكن بحال من الأحوال أن يدرس المرء هذه العلوم ويجرب بنفسه ويطلع على نقاط.ضعف المسيح وعجزه ومع ذلك يعتقد بأنه إله.كلا، هذا لا يمكن.لقد بدأ الشرك من امرأة أي من حواء التي عملت بأمر الشيطان معرضة عن أمر الله تعالى.والنساء هن مؤيدات لهذا الشرك العظيم أيضا أي المسيحية.الحق أن المسيحية دين تدفعه فطرة الإنسان من بعيد ولا يمكن أن تقبله بحال من الأحوال.لولا الانهماك في المادية لأسلمت فئة كبيرة من المسيحيين إلى يومنا هذا.لقد كان بعض الناس مسلمين سرا بين المسيحيين وكتموا إسلامهم ولكن أوصوا عند الاحتضار وأعلنوا إسلامهم كان هؤلاء يحتلون مناصب مرموقة.وقد كتموا إسلامهم في حياتهم لحب الدنيا ولكن اضطروا إلى إعلانه في نهاية

Page 17

٢٦٧ المطاف.أرى أن الإسلام قد وجد طريقه إلى تلك القلوب ويتقدم باستمرار ولكن حب الدنيا قد حجب الناس جميعا.فلباب الكلام أن حب الدنيا هو الذي أدّى إلى فرقة المسلمين الداخلية، لأنهم لو آثروا رضا الله فقط لأدركوا بكل سهولة أن مبادئ جماعة كذا وكذا أكثر جلاء ولقبلوها واتحدوا.أما الآن، حين يطل هذا الفساد برأسه بسبب حب الدنيا فكيف يمكن عد أناس مثلهم مسلمين وهم لا يتأسون بأسوة النبي ؟ لقد قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.أما الآن فقد قُدِّم حب الدنيا على حب الله واتباع الرسول.هل هذا هو اتباع ؟! هل كان النبي ﷺ شخصا ماديا؟! هل كان يأكل الربا؟! أو كان يتهاون في أداء الفرائض أو العمل بأوامر الله تعالى؟! هل كان فيه شيء من النبي النفاق أو المداهنة والعياذ بالله ؟! هل كان يؤثر الدنيا على الدين؟! فكروا وتأملوا.المراد من الاتباع هو أن تتأسوا بأسوته ، ثم انظروا كيف يُنعم الله تعالى عليكم بكثرة.لقد تأسى الصحابة بتلك الأسوة، فانظروا أين كانوا وإلى أين أوصلهم الله تعالى! لقد نبذوا الدنيا وراء ظهورهم كليًّا وتخلّوا عن حبها تماما، وقضوا على أمانيهم والآن لكم أن تقارنوا حالتكم مع حالتهم، وانظروا هل تحذون حذوهم؟ الأسف كل الأسف أن الناس في هذا العصر لا يفقهون ماذا يريد الله لقد خلّفت " رأس كل خطيئة أو لادا كثيرين؛ فمثلا إذا حضر أحد المحكمة لا يخجل قط من الإدلاء بشهادة زور مقابل بضعة مليمات هل للمحامين أن يقولوا حالفين بأنهم يقدمون الشهود الصادقين كلهم؟ لقد تدهورت اليوم حالة الدنيا كثيرا، حيثما تنظرون تجدون شهودا كاذبين يُدلون بشهادات كاذبة.إن رفع القضايا الزائفة أمر سهل وبسيط! ولا يتورعون عن تلفيق الوثائق.كلما قالوا عن أمر شيئا تحاشوا صدق المقال.فليسأل أحد أولئك الذين لا يدركون حاجة إلى هذه الجماعة هل هذا كان الدين الذي جاء به منهم.١ آل عمران: ۳۲

Page 18

٢٦٨ النبي لقد سمى الله تعالى الكذب رجسًا وأكد على اجتنابه فقال: اجتنبوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ النُّور أي عدّ الكذب مثل عبادة الأوثان.فكما يُخضع شخص غبي رأسه أمام حجر تاركا عبادة الله كذلك يتخذ الكذب وثنا لتحقيق مرامه تاركا الصدق والحق.لذلك اعتبر الله تعالى الكذب مثل عبادة الأوثان وذكر العلاقة بينهما.فكما يتحرى عابد الأوثان النجاة عند الوثن كذلك يتخذ الكاذب أيضا وثنا من عنده ويظن أنه سينال النجاة بواسطته.كم تردّت الحالة ! بحيث إذا قيل لهم: لماذا تعبدون هذا الوثن؟ اتركوا هذه النجاسة، قالوا: كيف نتركه، إذ لا تقوم لنا بدونه قائمة.أي شقاوة أكبر إذ يحسبون الكذب مدار حياتهم؟! ولكني أقول وأؤكد لكم أن الصدق هو الذي ينتصر في نهاية المطاف، وفيه الخير والفتح.أذكر أنني أرسلت ذات مرة مقالا إلى أمرتسر وأرفقت به رسالة أيضا إلى جريدة اسمها "وكيل هند" يصدرها "رليا رام فاعتبر إرسالي الرسالة بهذه الطريقة منافيا لقانون البريد ورفعوا ضدي قضية في المحكمة.قال لي المحامون بأنه لا سبيل للخلاص سوى إنكار إرسال الرسالة، كأنه لا خلاص بغير الكذب.ولكنني ما أحببت ذلك بل قلتُ: إذا عوقبت نتيجة قول الصدق فليكن ولكني لن أكذب.رفعت القضية إلى المحكمة أخيرا وحضر مسؤول مكاتب البريد كمدع.وعندما سئلت عن الرسالة قلتُ بكل صراحة بأن الرسالة رسالتي ولكني أرفقتها مع الطرد حاسبا إياها جزءا من المقال.ففهم القاضي الأمر ووهبه الله تعالى البصيرة.لقد أصرّ مسؤول مكاتب البريد على الموضوع كثيرا ولكن القاضي لم يسمع له وسمح لي بالانصراف".أنى لي أن أقبل أنه لا سبيل ولا تجري الأمور الحج: ٣١ ٢ لقد ذكر هذا الحادث في حاشية جريدة "بدر" بتفصيل أكثر وهو كما يلي: لقد مضى ٢٧ أو ٢٨ عاما تقريبا أو أكثر بقليل على إرسالي مقالا للطباعة في تأييد الإسلام ولمواجهة الآريين إلى مطبعة شخص مسيحي اسمه "رليا رام"، وكان محاميا أيضا يسكن في "أمر تسر" وكان يُصدر جريدة أيضا، فأرسلتُ المقال للطبع في طرد مفتوح

Page 19

٢٦٩ الجانبين ووضعت فيها رسالة أيضا.ولما كانت الرسالة تحتوي على كلمات تؤيد الإسلام وتشير إلى بطلان أديان أخرى بالإضافة إلى التأكيد على طباعة المقال، استشاط ذلك غضبا الاختلاف في الدين ووجد فرصة مواتية للهجوم كالأعداء، وهي الرسالة المنفصلة ضمن الطرد البريدي كان جريمة من حيث القانون ولكني لم المسيحي أن وضع بسبب أعرف ذلك.وعقوبة جريمة مثلها بحسب قوانين البريد هي غرامة قدرها خمس مائة روبية أو السجن إلى ستة أشهر.فأخبر هذا المسيحي المسؤولين في دائرة البريد كالواشين ورفع قضية علي.ولكن قبل أن أعرف عن القضية شيئا كشف الله تعالى علي في الرؤيا بأن المحامي "رليا رام" أرسل إلي حية لتلدغني، ولكني قليتُها كما يُقلى السمك وأعدتها إليه.وأعلم أنه كانت في ذلك إشارة إلى أن الأسلوب الذي حكمت به المحكمة في القضية في نهاية المطاف هو مثال يمكن أن يفيد المحامين.مني على أية حال، طلب المثول في مر كز محافظة غورداسبور، وقال جميع المحامين الذين شاورتهم في الموضوع بأنه لا منجى دون الكذب واقترحوا بأن أفيد بأني لم أضع الرسالة في الطرد بل يمكن أن يكون رليا رام قد وضعها فيه وطمأنوني أنه بهذه الإفادة سوف يُبت في الأمر بناء على الشهادة وسوف تُبراً ساحتك بتقديم بعض الشهود الكاذبين، وإلا فإن وضع القضية صعب جدا ولا سبيل للخلاص إلا كذب المقال.فقلت للجميع بأني لا أريد أن أترك الصدق بحال من الأحوال وليحدث ما يحدث.ثم مثلتُ في محكمة حاكم إنجليزي في اليوم نفسه أو في اليوم التالي، كذلك مثل مقابلي مسؤول كبير في دائرة البريد كمدع حكومي وكتب القاضي إفادتي بيده.وأول ما سألني كان: هل وضعت أنت تلك الرسالة في طردك؟ وهل هذه الرسالة وهذا الطرد منك؟ قلتُ دون أدنى توقف: نعم، هذه رسالتي وطردي أنا، وأنا الذي وضعت الرسالة في الطرد وأرسلتهما.ولكني لم أفعل ذلك بسوء النية لإلحاق خسارة بضريبة الحكومة بل لم أر مضمون الرسالة مختلفا عن مضمون المقال إذ لم يكن فيها أمر شخصي.فبسماع هذا الكلام أمال الله تعالى قلب الحاكم الإنجليزي لصالحي.وقد صرخ ضدي المسؤول في دائرة البريد كثيرا وأثار ضجة كبيرة وألقى خطابات طويلا بالإنجليزية لم أفهم منها شيئا إلا أن الحاكم الإنجليزي ظل يرفض كلامه بعد كل خطاب قائلا بالإنجليزية: No, No.وحين أخرج المدعي كل ما كان في جعبته وجُلّ أدلته توجه الحاكم إلى كتابة الحكم و لم يكتب إلا سطرا أو سطرا ونصف

Page 20

۲۷۰ على ما يرام دون الكذب؟! الكلام من هذا القبيل خرافات بحتة.الحق أنه لا مندوحة عن الصدق كلما أذكر هذا الحادث أتلذذ به إذ اخترتُ كنف الله فحماني حماية صارت آية.مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهُ فَهُوَ حَسْبُهُ اعلموا يقينا بأنه لا شيء نحس مثل الكذب.يقول الناس الماديون عادة بأن الصادقين يُسجنون.ولكن كيف أقبل ذلك؟ إذ قد رفعت على سبع قضايا ولم أضطر إلى كتابة كلمة واحدة كاذبة بفضل الله تعالى وليخبرني أحد هل جعلني الله أتعرض لهزيمة في واحدة منها؟ إن الله تعالى يؤيد الصادق وينصره من عنده.هل يمكن أن يعاقب عل صادقا؟ لو حدث ذلك لما تشجع أحد في العالم على قول الصدق، ولارتفع الإيمان بالله ولمات الصادقون وهم أحياء.الحق أن بعض الناس عندما يعاقبون عند صدق المقال لا يكون سببه عائدا إلى قولهم الصدق بل يكون ناتجا عن بعض سيئاتهم الأخرى الخفية أو عن كذب آخر لأن الله تعالى يعلم سلسلة سيئاتهم وشرورهم، أي تكون لهم أخطاء أخرى كثيرة فيعاقبون على خطأ منها.إن معلمي السيد گل علي شاه كان من سكان بطاله، وكان يعلم "برتاب سنغ، ابن شير سنغ" أيضا.فذكر مرة أن شير سنغ ضرب طباخه ذات مرة بشدة لمجرد كثرة الملح أو الفلفل في الطعام، ولما كان المعلم رجلا بسيطا فقال له بأنك ارتكبت اليوم ظلما عظيما.قال "شير سنغ": المعلم لا يعلم أنه قد سبق لهذا الشخص أن هضم مائة خروف لي.كذلك فإن سيئات المرء تكون مكدسة بالكاد حتى قال لي: حسنا، تستطيع أن تنصرف عندها خرجتُ من المحكمة وشكرت الله تعالى المحسن الحقيقي الذي أكرمني بالفتح مقابل المسؤول الإنجليزي.وإنني أعلم يقينا أن الله تعالى نجاني من ذلك البلاء ببركة الصدق فقط.وكنت قد رأيت في الرؤيا من قبل بأن شخصا حرّك يده لإزالة قبعتي.فقلتُ له: ما الذي أنت فاعله؟ عندها ترك القبعة على رأسي ،وقال لا بأس، لا بأس.(جريدة "بدر" مجلد٢، رقم ٥، صفحة ٣، عدد: ١٩٠٦/٢/٢م) الطلاق : ٤

Page 21

۲۷۱ مسبقا فيبطش به بمناسبة أخرى ويعاقب والذي يختار الصدق لا يمكن أن يهان ويُخزى قط لأنه يكون في حماية الله، ولا حصن حصين مثل حماية الله.ولكن العمل الناقص لا ينفع.هل لأحد أن يقول بأن شرب قطرة ماء واحدة يكفي عند شدة العطش؟! أو يمكن أن يشبع أحد بأكل حبة أو لقمة واحدة عند شدة الجوع؟ كلا، لن يشبع قط ما لم يأكل أو يشرب ما فيه الكفاية.كذلك ما لم تبلغ الأعمال كمالها لا تؤتي ثمارا ولا تسفر عن نتائج مطلوبة.الأعمال الناقصة لا ترضي الله تعالى ولا تكون مباركة.لقد وعد الله تعالى أن تكسبوا الأعمال بحسب مرضاتي عندها سوف أبارك فيها.زبدة الكلام أن الناس الماديين ينسجون من عند أنفسهم أفكارا أنه لا مندوحة لنا من الكذب والزيف.يقول أحدهم مثلا: صدق فلان في القضية فسجن لأربعة أعوام.ولكني أكرر وأقول: هذه الأمور كلها مبنية على الأوهام وتنشأ نتيجة عدم المعرفة.حاول أن تبلغ من الكمال ذروته لتكون محببا عند الناس جميعا." فهذه كلها نتائج النقص، أما الكمال فلا يؤتي ثمارا مثلها.إذا رتق أحد فتقا واحداً في عباءته الغليظة التقليدية فلن يصبح خياطا ولن يستلزم ذلك أنه قادر على خياطة لباس الحرير الفاخر أيضا بإتقان.ولو أُعطي مثل هذه الأقمشة للخياطة لكانت النتيجة أنه سيُفسدها كليا.إذا، فالحسنة المختلطة بالأوساخ لا تنفع ولا أهمية لها عند الله تعالى، ولكن الناس يعتزون بها ويريدون النجاة بواسطتها.إن الله تعالى لا يضيع أدنى حسنة وإن كانت مثقال ذرة إن وجد الإخلاص.لقد قال تعالى بنفسه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، فلماذا إذا لا يحظى المرء بالثمار مع كسبه الحسنات إلى هذا الحد؟ السبب هو أنه لا ورد في جريدة "بدر": "يرتكب الإنسان سيئة بمناسبة ويؤخذ بسببها في مناسبة أخرى." (جريدة "بدر" مجلد٢، رقم ٦ ، صفحة ٣ بتاريخ ١٩٠٦/٢/٩م) الزلزلة : ٨

Page 22

۲۷۲ يوجد فيها إخلاص.الإخلاص شرط في الأعمال كما يقول تعالى: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.وهذا النوع من الإخلاص يوجد في الأبدال".فإن أناسا أمثالهم يصبحون أبدالا ولا يبقون على صلة مع هذا العالم.وتكون كل أعمالهم مبنية على الإخلاص واللياقة.أما أهل الدنيا فحالتهم أنهم يبتغون المدح والثناء على الصدقات أيضا.وإذا دفع أحد تبرعا في مشروع حسن توقع من ذلك أن يُحمد في الجرائد وأن يثني عليه الناس.فما علاقة مثل هذه الحسنة بالله تعالى؟ هناك كثير من الناس الذين يوزعون عند زواجهم الطعام على القرية كلها ولكن ليس الله بل للرياء وكسب المديح ولو لم يكن فيه رياء وكان فعلهم هذا لمجرد الشفقة على خلق الله وخالصة لله، لصاروا أولياء الله.ولكن عندما لا تكون له علاقة معـ مع الله فلا ينشأ فيه تأثير طيب ومبارك.اعلموا جيدا أنه من كان الله كان الله له، ولا يمكن لأحد أن يخدع الله تعالى.إذا كان أحد يفكر أنه يستطيع أن يخدع الله بالرياء والزيف فهذا حمق وغباوة أن = محضة منه، بل هو المخدوع بنفسه.إن زينة الدنيا وحبها أصل السيئات كلها، فيعمى الإنسان فيها ويخرج عن حدود الإنسانية ولا يدري ماذا يفعل وماذا كان يتحتم عليه فعله ما دام الإنسان الذكي لا ينخدع بحيلة أحد فكيف يمكن ينخدع الله إذا؟ ولكن أصل هذه الأعمال السيئة هو حب الدنيا، فالذنب الأكبر الذي أدّى إلى دمار المسلمين وتراهم متورطين فيه جميعا، هو حب الدنيا فقط.فهذا هو أكبر همهم وغمهم قياما وقعودا ونياما ومستيقظين بل في كل لحظة من الليل والنهار ولا ينتبهون إلى وقت يوضعون فيه في القبر.لو خافوا الله وكان لديهم أدنى هم وغم من أجل الدين لاستفادوا كثيرا.يقول السعدي في بيت فارسي ما معناه: "لو خشي الوزيرُ الله له كما يخشى الملك لصار مثيل الملاك".البينة: ٦ جريدة "الحكم" مجلد ۱۰ ، العدد : ١٩٠٦/٥/١٧م صفحة: ٤، ٥.

Page 23

۲۷۳ كيف يبدي الموظفون نشاطا ملحوظا في عملهم من أجل وظيفة بسيطة ولكن عندما تحين الصلاة يفت في عضدهم بالنظر إلى برودة الماء فقط.لماذا تحدث مثل هذه الأمور؟ لأنه ليست في القلوب عظمة الله.إذا كان في القلوب شيء من عظمته، والتنبه إلى الموت واليقين لزال الكسل والغفلة كلها.لذا يجب أن ترسخوا عظمة الله في القلوب وتخافوه دائما.إن بطشه شديد.صحيح أنه يعفو ويصفح ولكن عندما يبطش بأحد يبطش بشدة حتى لا يَخَافُ عُقْبَاهَا ، أي عندها لا يبالي الله تعالى كيف ستكون حالة الذين يعقبونه.وعلى النقيض من ذلك إن الذين يخافون الله ويرسخون عظمته في قلوبهم يُكرمهم الله تعالى ويصير جنة لقد جاء في الحديث: "من كان الله كان الله لهم.له".ولكن من المؤسف حقا أن الذين ينتبهون إلى ذلك أيضا ويريدون أن يأتوا يود معظمهم أن تظهر نتائج أعمالهم للعيان فورا.إنهم لا يدرون ما مدى الحاجة إلى الصبر والجلد والمثابرة في أمور الدين! والأغرب من ذلك أن الدنيا التي يكادون يموتون من أجلها ساعين في سبيلها ليل نهار ينتظرون إلى سنوات طويلة لتتحقق أمور تتعلق بها.كم من الزمن ينتظر الزارع بعد زرعه البذرة؟! ولكن عندما يأتي الأمر إلى الدين يقولون: اجعلونا أولياء الله بنفخة واحدة، ويودّون أن يصلوا إلى العرش في أول يوم، مع أنهم لم يتجشموا في هذا السبيل جهدا ولم يتحملوا عناء و لم يتعرضوا لابتلاء.تذكروا جيدا أن هذه ليست سنة الله ولا ،قانونه، بل التقدم هنا يحدث تدريجيا.والله تعالى لا يفرح بالكلام فقط أن نقول بأننا مسلمون أو مؤمنون.إلى الله يقول الله تعالى: أَحَسبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ٢ إنه لمما ينافي سنة الله أن يُجعل أحدٌ ولي الله بنفخة واحدة.لو جرت سنة الله على هذا المنوال لفعل النبي الله ذلك وجعل أصحابه المضحين من أجله أولياء 1 الشمس: ١٦ ٢ العنكبوت: ٣

Page 24

٢٧٤ الله بنفخة واحدة، ولما عرضهم للابتلاء لتقطع أعناقهم، ولما قال الله تعالى عنهم: مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا فما دام الحصول على الدنيا أيضا مستحيلا بغير تكبّد المشاكل والعناء والجهد، فما أغبى ذلك الذي يحسب الدين شيئا سهل المنال دون عناء! صحيح أن الدين سهل ويُسر، ولكن كل نعمة تتطلب مشقة، ومع ذلك لم يفرض الإسلام أية مشقة.خذوا الهندوس ،مثلا كم يتجشم رهبانهم من المشقة والعناء حتى تضعف ظهور بعضهم ومنهم من يطيل الأظافر، وكذلك الرهبانية في المسيحية.ولكن الإسلام لم يتبن هذه الأعمال، بل علّم: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا أي من زكي نفسه فقد نجا، فمن جنب نفسه كل نوع من البدعة والفسق والفجور والأهواء النفسانية لوجه الله وترك كافة الملذات النفسانية وآثر المعاناة في سبيل الله فقد نجا.فالذي يؤثر الله تعالى ويترك الدنيا وتصنعها فهو ناج في الحقيقة.ثم يقول تعالى: قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا أي: مَن لوّث نفسه وهوى إلى الأرض فقد خاب يبدو كأن تعليم الإسلام كله يتلخص في هذه الآية وحدها التي يتبين منها كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى الله تعالى.صحيح ومتحقق تماما أنه لا يمكن للإنسان أن يصل إلى الله تعالى ما لم يتخلّ عن استخدام قواه البشرية بسوء.إذا كنتم تريدون أن تتخلصوا من أرجاس الدنيا وتلاقوا الله فاتركوا هذه الملذات، وإلا تريد الله، وتهوى الدنيا الدنيئة أيضا، هذا محض خيال ومحال وجنون." الأحزاب: ٢٤ الشمس: ۱۰ حاشية: جاء في جريدة "بدر": "من آثر الدين فقد وصل إلى الله.يجب تسوية النفس بالتراب، وتقديم الله على كل شيء.هذا هو ملخص الدين.على الإنسان أن يتخلّى عن كل نوع من السلوك غير السوي، عندها يصل إلى الله تعالى.(جريدة "بدر" مجلد٢، رقم ٦ صفحة ٣، عدد: ١٩٠٦/٢/٩م) ٤ الشمس: ۱۱

Page 25

۲۷۰ السيئة ليست في فطرة الإنسان وليس هناك شيء سيئ أصلا، ولكن استعماله الخاطئ يجعله سيئا.خذوا الرياء مثلا، هو أيضا ليس سيئا بحد ذاته.فإذا عمل أحد عملا لوجه الله فقط وليتشجع الآخرون أيضا على تلك الحسنة كان هذا الرياء أيضا حسنة.الرياء قسمان أحدهما للدنيا.فمثلا إذا كان أحد يؤم الصلاة وفي هذه الأثناء جاء شخص كبير أطال الصلاة من أجله ولإراءته.ففي مثل هذه المناسبات يتأثر بهم بعض الناس كثيرا فيعتز المرائي بذلك كثيرا.فهذا أيضا نوع من الرياء الذي لا يقوم به صاحبه في كل حين وآن بل في وقت ما، كما يأكل المرء طعاما عند الجوع أو يشرب ماء عند العطش فقط.ولكن الذي يؤدي صلاته - على النقيض منه - لوجه الله كما هو حقها فهذا ليس رياء بل هو وسيلة للحصول على رضا الله تعالى.فباختصار، للرياء أيضا محل ومناسبة، ولكن الإنسان حيوان لا ينتبه إلى عيوب لا محل لها.فمثلا يعتبر أحد نفسه ورعًا وتقيًّا جدا، وإذا كان ماشيا وحده في الطريق ورأى صرة من الجواهر الثمينة يخطر بباله : لا بأس، لا يراني أحد.وإذا لم يتهافت عليها في هذه الحالة وأدرك أنها ملك غيره والنقود اللقيطة في الطريق هي ملك أحد على اية حال.فإذا فكر بهذه الطريقة و لم يتهافت على الصرة ولم يطمع فيها وفكر أنها من حق غيره، وكذلك تلك النقود أيضا ملك غيره فهو تقي وورع في الحقيقة.وإلا ليس ذلك إلا ادّعاء فحسب وستتبين حقيقته عندئذ وسيتلقف الصرة والنقود.كذلك الذي يُظَنّ أنه لا يُرائي سيثبت عدم ريائه إذا وجد فرصة مواتية ومع ذلك لم يُراء.ولكن كما قلتُ قبل قليل بأن بعض العادات تتحول في بعض المناسبات المعينة إلى حسنة فمثلا يؤدي المرء صلاته بالجماعة، وهذا أيضا نوع من الرياء.فإذا كان الهدف من ذلك هو إراءة الناس فقط فهو رياء بلا شك، ولكن إذا كان المقصود هو طاعة الله ورسوله فهي نعمة عظيمة.فصلُّوا في المساجد وفي بيوتكم أيضا.كذلك إذا كانت التبرعات تجمع من أجل الإسلام

Page 26

٢٧٦ في مكان ما، ويرى شخص أن الناس ساكتون صامتون ولا ينتبهون إلى الموضوع فيتبرع قبل غيره ليتشجع الآخرون، فهذا أيضا رياء في الظاهر ولكنه مدعاة للثواب.فيقول الله تعالى في القرآن الكريم: لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا، ومن ناحية ثانية يثبت من الحديث أن شخصا كان يمشي مرحا مختالا في الحرب، فرآه النبي ﷺ وقال : إن الله تعالى لا يحب هذا العمل ولكنه يحبه في هذه المناسبة.إذا لو لم تراع المحل والمناسبة لكنت زنديقا.فلباب القول بأن خُلقا معينا يجعل الإنسان مؤمنا بمناسبة ويجعله الخلق نفسه كافرا بمناسبة أخرى.لقد قلت من قبل بأنه ليس هناك خُلق سيئ بحد ذاته بل الاستخدام السيّئ يجعله كذلك.لقد ورد عن غيظ عمر الله بأن أحدا سأله عن ذلك وقال بأنك كنت سريع الغضب وشديده قبل الإسلام؟ قال : الغضب مازال الآن كما كان، ولكنه كان يظهر في غير محله سابقا أما الآن فيظهر في محله.إذًا، الإسلام يعلّم استخدام القوى جميعا في محلها المناسب.فلا تحاولوا أن تزول قواكم بل تعلموا استعمالها الصحيح.فباطلة أفكار ومعتقدات الذين يقولون بأن تعليمنا هو أنه إذا لطمكم أحد على الخد فأديروا له الخدّ الآخر.من الممكن أن يكون هذا التعليم مثل قانون خاص بمكان أو زمان في ذلك العصر، ولكن لا يمكن أن يكون للأبد ولا يمكن العمل به على الدوام لأن الإنسان كشجرة متفرعة الأغصان؛ فلو رُكِّز الاهتمام على غصن واحد لدُمِّرت الأغصان الأخرى وبادت.العيب في تعليم المسيحية هذا واضح تمام الوضوح.كيف يمكن نموّ قوى الإنسان وتربيتها بهذا التعليم؟ لو كان العفو هو الأمثل دائما فلماذا أعطي الإنسان قوة الانتقام أصلا؟ ثم لماذا لا يُعمل بتعليم العفو هذا؟ ومقابل ذلك إن التعليم الكامل هو ما أعطاه القرآن الكريم، ووصلنا بواسطة النبي الأكرم الله وهو : جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله..لقمان: ۱۹ الشورى: ٤١

Page 27

۲۷۷ يتبين من ذلك بصراحة تامة أن القرآن الكريم لا يريد ألا يتصدى الإنسان للشر أبدا وألا ينتقم قط وفي أي حال، بل تقتضي مشيئة الله تعالى أن يراعي المرء المحل المناسب دائما ويرى إذا ما كانت المناسبة تقتضي العفو والصفح عن الخطأ أم تتطلب العقوبة.إذا اقتضت الحكمة المعاقبة فليعاقب المخطئ بقدر ما يستحقه.وإذا كان العفو هو مقتضى الحال فلينبذ فكرة المعاقبة.هذه هي المزية التي يتحلى بها هذا التعليم بأنه يراعي كل الجوانب والنواحي.فإذا تُرك كل شرير ووقح على حاله عملا بتعليم الإنجيل لساد الدنيا فوضى وظلم.لذا عليكم أن تهتموا دائما بهذا الأمر ولا تظنوا أن قواكم كلها ميتة بل اسعوا جاهدين أن تُستخدم في محلها المناسب دائما.أقول على بصيرة بأن هذا التعليم قد صوّر القوى الإنسانية كلها.ولكن الأسف على الذين يسمعون كلام المسيحيين المعسول ويُعجبون به ويتركون النعمة العظمى أي الإسلام.الصادق لا يكون لطيفا وحُلوا للآخرين في كل الأحوال بل هو كأمٌ لا تطعم طفلها الحلوى دائما بل تعطيه دواء مرا أيضا بحسب مقتضى الحال.والحال نفسه ينطبق على المصلح الصادق وهذا هو التعليم المبارك من كل الجوانب والنواحي.إن الله تعالى صادق المسيحيون يؤمنون أيضا بإلهنا فيضطرون إلى الإيمان بجميع صفات الله التي نؤمن بها نحن.يطرح القس "فندر" في كتابه سؤالا: إذا كانت هناك جزيرة لم تبلغها دعوة المسيحية فماذا يمكن أن يُسأل به يوم القيامة القاطنون فيها؟ ثم يجيب عليه بنفسه بأنهم لن يُسألوا هل آمنتم بيسوع وكفارته أم لا؟ بل سيسألون: هل تؤمنون بإله واحد لا شريك له وذي صفات يبينها الإسلام؟ إن إله الإسلام هو الإله الذي يضطر إلى الإيمان به بطبيعته كل من يسكن في الفلوات أيضا إن ضمير كل شخص ونور قلبه يشهد له ليؤمن بإله

Page 28

۲۷۸ الإسلام.لقد نسي المسلمون المعاصرون حقيقة الإسلام هذه، والتعليم الحقيقي الذي فصلته.ومهمتي هي إقامة التعليم نفسه مرة أخرى.وهذا هو الهدف العظيم الذي جئت من أجله.إضافة إلى ما بينته آنفا هناك أخطاء علمية وعقدية أخرى أيضا في طور الانتشار في المسلمين ومهمتي هي إزالتها.فمثلا يعتقد هؤلاء الناس أن عيسى وأمه بريئان من مس الشيطان أما غيرهما جميعا فليسوا كذلك، والعياذ بالله.هذا خطأ صريح بل كفر، وفيه إساءة كبيرة للنبي.الذين يخترعون مثل هذه المعتقدات من عند أنفسهم وبذلك يجلبون سمعة سيئة للإسلام ليست فيهم شائبة من الغيرة، وهم بعيدون عن الإسلام كل البعد.حقيقة القضية هي كالتالي: يثبت من القرآن الكريم أن الولادة نوعان.أحدهما بمس روح القدس والآخر بمس الشيطان إن أولاد جميع الصلحاء والأتقياء يولدون بمس روح القدس.أما الأولاد الذين يولدون نتيجة السيئة فبمس الشيطان.فقد ولد جميع الأنبياء بمس روح القدس.ولكن لأن اليهود اعترضوا على عيسى ال وقالوا بأنه ولد ،زنا والعياذ بالله ووُلد نتيجة علاقة مريم غير الشرعية مع جندي اسمه "بندارا" ونتيجة مس الشيطان لذا فقد شهد الله تعالى بحقه ليزيل التهمة الشنيعة وقال بأن ولادته كانت بمس روح القدس.ولكن لما لم يُوجّه اعتراض من هذا القبيل إلى نبينا الأكرم الهلال والأنبياء الآخرين فلم تكن هناك حاجة إلى بيان هذا الأمر بحقهم.عنه هذه كان أبوا سيدنا رسول الله - عبد الله وآمنة يحظيان بالاحترام والإجلال منذ البداية، ولم تخطر مثل هذه الفكرة ببال أحد قط.أما الذي يواجه قضية ما، فتكون هناك حاجة إلى شهادة لبراءته، ولكن الذي لم يواجه قضية فلا حاجة إلى شهادة لإثبات براءته.

Page 29

۲۷۹ كذلك هناك خطأ آخر رائج بين المسلمين وهو عن المعراج.نؤمن بأن النبي قد عُرج به.ولكن اعتقاد بعض الناس أن المعراج كان حلما عاديا فقط ليس صحيحا، كذلك الذين يعتقدون أنه الله يصعد إلى السماء بجسده المادي أيضا فهذا الاعتقاد أيضا خاطئ.بل الحقيقة والمعتقد الصائب هو أن المعراج كان كشفا وبوجود نوراني.كان ذلك وجودا ولكنه كان نورانيا، وكانت يقظة ولكن كانت يقظة كشفية ونورانية لا يفقهها الناس من هذه الدنيا إلا الذين طرأت عليهم تلك الحالة.وإلا فقد طلب اليهود معجزة الصعود إلى السماء بالجسد المادي وفي اليقظة الظاهرية فقيل في القرآن الكريم في الجواب: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا.أي أن الناس لا يطيرون إلى السماء هكذا.هذه هي سنة الله الجارية منذ القدم.هناك خطأ آخر سائد في معظم المسلمين أنهم يقدمون الأحاديث على القرآن الكريم، مع أن هذا الاعتقاد خاطئ تماما.القرآن الكريم يحتل مرتبة اليقين أما الحديث فمرتبته ظنية الحديث ليس قاضيا على القرآن بل القرآن هو القاضي عليه، غير أن الحديث شارح للقرآن الكريم فيجب أن ننــزله منزله اللائق.الإيمان بالحديث ضروري ولكن إذا لم يعارض القرآن الكريم بل وافقه.وإذا عارض القرآن فهو ليس حديثا بل هو قول مردود.ولكن الحديث ضروري لفهم القرآن الكريم.إن أوامر الله تعالى التي نزلت في القرآن الكريم وضحها النبي الا الله ،بعمله، وأمر العمل بها وأسس بصددها قدوة لولا هذه القدوة لما فهم الإسلام ولكن مع ذلك كله فإن الأصل هو القرآن الكريم.إن بعض أهل الكشف يسمعون من النبي مباشرة أحاديث لا يعلمها الآخرون أو يأخذون منه تصديق الأحاديث المتداولة.الإسراء: ٩٤

Page 30

۲۸۰ باختصار هناك أمور كثيرة من هذا القبيل التي توجد في هؤلاء الناس تُسخط الله تعالى وهى تعارض الإسلام تماما.لذا فالله تعالى لا يراهم مسلمين الآن ما لم يعودوا إلى الصراط المستقيم متخلّين عن المعتقدات الخاطئة.ولهذا الله تعالى لأزيل كل هذه الأخطاء وأقيم الإسلام الحقيقي في الغرض بعثني الدنيا من جديد.هذا هو الفرق بيننا وبين هؤلاء الناس.لم تعد حالتهم ثابتة على الإسلام الحقيقي بل أصبحوا مثل حديقة خربة لا جدوى منها.قلوبهم نجسة، فيريد الله تعالى أن يُنشئ قوما جديدا يكون نموذج الإسلام الحقيقي بسلوكه مسلك الصدق والحق.انتهى.(جريدة "الحكم" ١٧ فبراير - ١٧ أيار / مايو و١٧ يونيو/حزيران ١٩٠٦م) (جريدة "الحكم" مجلد ١٠، رقم ۲۱ عدد: ۱۹۰٦/٦/۱۷م صفحة (4 ،3

Page 30